عناصر المادة
- باب الفوات والإحصار
- باب الأضحية
- حكم الأضاحي وما يسن فيها
- متى تجب الأضحية؟
- الأفضل من الحيوان في الضحية ومن تجزئ عنه
- شروط الأضحية
- حكم الجماء والبتراء والخصي
- حكم الحامل وما خلق بلا أذن أو ذهب نصف أذنه أو أليته
- حكم العوراء والعمياء والمريضة والعجفاء والعرجاء والهتماء والمجبوب والعضباء
- كيفية ذبح الأضاحي والهدايا
- وقت ذبح الأضحية
- حكم الأكل والتصدق والبيع من الهدي والأضحية
- حكم الأخذ من الشعر والظفر في العشر لمن أراد التضحية
- العقيقة
- الأسئلة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.
قبل أن نبدأ بالدرس أُذكِّر بفضل عشر ذي الحجة فأقول: إن أيام عشر ذي الحجة هي أفضل أيام السنة على الإطلاق.
وقد سُئل أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: أيهما أفضل؛ عشر ذي الحجة أم العشر الأواخر من رمضان؟ فقال: “أيام عشر ذي الحجة -يعني: نهارها- أفضل من العشر الأواخر من رمضان، وليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة”.
لأن ليالي العشر الأواخر من رمضان فيها ليلة القدر، فأيام هذه العشر إذن هي أفضل أيام السنة.
وقد أقسم الله تعالى بهذه العشر، قال تعالى: وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر:1-2]، والمقصود بالليالي العشر في قول جماهير المفسرين: عشر ذي الحجة، والله تعالى لا يُقسم بشيء إلا ويدلُّ ذلك على عظمة المُقسَم به.
جاء في “صحيح البخاري” عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال: ما من أيامٍ العملُ فيهن أحب إلى الله تعالى من هذه الأيام العشر. قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء[1].
هذا يدل على أن الأجر والثواب المُرتَّب على هذه العشر المباركة أنه مضاعف جدًّا، وأنه حتى أفضل من الجهاد في سبيل الله، إلا في حالة واحدة: رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء.
هذا اليوم التاسع والعشرون من ذي القعدة، وقد وردت أخبار عن رؤية الهلال، لكن لا يثبت شرعًا حتى يُعلَن من الجهة المختصة؛ لأن هذه الشهادات خاضعة لنظر الجهة المختصة: وهي المحكمة العليا، وقد تَقبل هذه الشهادات وقد تردُّها، كما حصل في دخول شهر رمضان، فقد وردت شهادات في المحكمة ولم تُثبِتها.
ولذلك؛ فالأصل أن هذه الليلة متمِّمة للثلاثين من ذي القعدة حتى يَرِدَ الإعلان؛ ولذلك لو أراد أحد أن يأخذ الآن من شعره أو من أظفاره شيئًا لا نمنعه، فالأصل الجواز حتى يثبت دخول الشهر، اللهم إلا أن يترك ذلك على سبيل الاحتياط فهو أولى.
نعود لدرسنا:
باب الفوات والإحصار
تعريف الفوات والإحصار
الفوات: مصدر فات يفوت فوتًا وفواتًا، ومعناه: أن يُسبَق فلا يُدرِك، نعم أن يُسبَق فلا يُدرِك، هو الذي قد فات، أن يُسبق فلا يُدرِك.
والإحصار من المنع، مِن “حَصَرَه” إذا مَنَعَه، ومعناه: أن يحصل للإنسان مانع يمنعه من إتمام النُّسك.
وهذا الباب -حقيقة- باب مهم، تزداد أهميته في وقتنا الحاضر مع التشديد في التصاريح، فأحيانًا إذا لم يكن مع الإنسان تصريح قد يُرَدُّ، فيكون حكمه حكم المُحْصَر، فما الذي يفعله؟ وما الذي يترتب على ذلك من أحكام؟
حكم مَن فاته الحج بطلوع فجر يوم النحر بالإحصار
طيب، نبدأ أولًا بالفوات، المؤلف بدأ بالفوات أولًا.
قال:
قيَّد المؤلف هذا بفجر يوم النحر؛ وذلك لأن وقت الوقوف بعرفة يفوت بطلوع فجر يوم النحر؛ لحديث عبدالرحمن بن يَعْمَر الدِّيلي أن النبي قال: الحج عرفة، فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر ليلة جمعٍ فقد تم حجه[2]، سبق معنا هذا الحديث، تكرر معنا مرارًا: الحج عرفة، فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع فجر ليلة جمعٍ فقد تم حجه، وسبق قلنا: إنه حديث صحيح.
وقد ورد أن عمر أمر أبا أيوب وهبَّار بن الأسود رضي الله عنهما حين فاتهما الحج فأَتَيا يوم النحر، أمرهما أن يتحلَّلا بعمرة[3].
إذن؛ قال المؤلف: (فاته الحج)، لكن ينبغي أن يُقيَّد ذلك بـ”إذا لم يكن قد اشترط”، فإن كان قد اشترط؛ تحلَّل ولا شيء عليه إن حَبَسه حابس.
أي: أنه يتحلَّل من الحج بعمرة؛ لقصة عمر، أو أمر عمر لأبي أيوب وهبَّار بن الأسود بأن يتحلَّلا بعمرة. وأيضًا رُوي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما[4].
ولكن قال:
يعني: هذه العمرة لا تُجزئ عن عمرة الإسلام، وهذا هو المذهب عند الحنابلة؛ لقول النبي : إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى[5]، وهذا لم ينوها عمرة الإسلام، لم ينوها من ابتداءِ إحرامه.
والقول الثاني في المسألة: إنها تُجزئ عن عمرة الإسلام، وهو رواية وقول في المذهب؛ وذلك لأنها عمرة مكتملة الأركان والشروط والواجبات، فصحت وأجزأت عن عمرة الإسلام.
وهذا القول الأخير هو الأقرب والله أعلم، أنها تُجزئ عن عمرة الإسلام.
قال:
يعني: بالعمرة.
أي: مَن فاته الحج عليه دم؛ وذلك لأن عمر أمر أبا أيوب وهبَّار بن الأسود رضي الله عنهما بذلك لما فاتهما الحج[6].
أي: أن من فاته الحج يلزمه القضاء في العام المقبل؛ لأمر عمر لأبي أيوب وهبَّار بن الأسود رضي الله عنهما، هذا هو المذهب.
والقول الثاني في المسألة: إنه لا قضاء عليه إلا أن يكون فرضًا، وهو رواية في المذهب، قدَّمه في “المقنع”؛ لأننا لو أوجبنا عليه القضاء؛ لأوجبنا عليه الحج أكثر من مرة، والحج إنما يجب في العمر مرة واحدة.
والقول الثالث في المسألة، وهذا القول ذكره الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله، لم أقف عليه في “الشرح” ولا في “الإنصاف”، لكن ذكره الشيخ محمد: إنه إن فاته الحج لتفريط منه؛ لزمه القضاء، وإن كان بغير تفريط لم يلزمه، قياسًا على المُحصَر؛ لأن المُحصَر مُنِع من إتمام النُّسك دون اختياره؛ فلم يلزمه القضاء.
إذن؛ القول الثالث: إذا فاته الحج لتفريط منه لزمه القضاء، وإن كان بغير تفريط لم يلزمه قياسًا على المُحصَر؛ لأن المُحصَر مُنع من إتمام النُّسك دون اختياره، فلم يلزمه القضاء. وقد رجَّحه الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله.
وهذا القول الأخير هو الأقرب، التفريق بين أن يفوته الحج لعذر أو لغير عذر، فإذا كان بتساهل وتفريط منه فيلزمه القضاء؛ لأنه قد شَرَع في النُّسك.
أما إذا كان بغير تفريط منه، مثلًا: ذهب لمكة، ثم بعد ذلك حصل له عائق في الطريق، حصل له حادث مثلًا، أو شيء أعاقه ولم يَصِل إلى عرفة إلا بعد طلوع الفجر، فالصحيح أنه لا يلزمه القضاء في هذه الحال.
مداخلة: …
الشيخ: نعم، عمر رأى التفريق -لأن هبَّار بن الأسود- قال: ما حَبَسك؟ قال: ظننت أن اليوم يوم عرفة. وكان يوم النحر، فمِثل هذا ما يخفى، كأن عمر رأى التفريط.
حكم من صُد عن الوقوف فتحلل قبل فواته
قال:
يعني: لو صُدَّ عن الوقوف بعرفة فتحلَّل قبل فوات الحج فلا قضاء؛ لقول الله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196].
ثم لما تكلم المؤلف عن الفوات؛ تكلم عن الإحصار؛ قال:
والإحصار، بعض العلماء يخصُّه بالعَدُو، والصحيح أنه يشمل العدو وغيره، فيشمل الإحصار بسبب المرض، وبسبب -مثلًا- حادث سيارة، وبسبب يعني ما هو الآن في الوقت الحاضر من المنع لأجل عدم وجود التصاريح، يشمله ذلك. فالصحيح أن الإحصار يشمل العدو وغير العدو.
حكم من حُصِر عن البيت بعد الوقوف بعرفة
وذلك لقول الله : فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196].
يعني: إن لم يجد هَدْيًا يذبحه؛ صام عشرة أيام، وذلك قياسًا على هَدْي التمتع.
ولكن هذا القياس محل نظر؛ لأن ظاهر حال الصحابة الذين كانوا مع النبي في الحديبية، وكانوا ألفًا وأربعمائة، وفيهم الفقراء، ولم يُنقل عن النبي أنه قال: مَن لم يجد الهَدي فليصُم عشرة أيام، والأصل براءة الذمة.
ثم إنَّ هَدي التمتع: هو هَدْي شُكران للجمع بين النُّسكين. أما الهَدي هنا فهو عكس التمتع؛ لأنه حُرِم من نُسُكٍ واحد، فلا يستقيم القياس.
ولهذا؛ فالأقرب -والله أعلم- أنه إذا لم يجد هَدْيًا تحلَّل ولا شيء عليه.
ولم يذكر المؤلف رحمه الله، لم يذكر الحلق، فظاهر كلامه أنه لا يجب الحلق، والصحيح وجوبه، أنه يجب مع الهَدْيِ الحلقُ؛ لأمر النبي به في الحديبية، فإنه لما صُدَّ عليه الصلاة والسلام عن البيت وصالح قريشًا، وكان من بنود الصلح أن يرجع من ذلك العام ويعتمر مِن قابلٍ، أمر الصحابة بأن يحلقوا رؤوسهم، وكان الصحابة متلهِّفين جدًّا للبيت، فلم يقم منهم أحد، ليس عصيانًا للنبي عليه الصلاة والسلام، ولكن رجاء أن يُنسخ الحكم، فدخل النبي عليه الصلاة والسلام مُغضبًا على أم سلمة، فقالت: ما أغضبك يا رسول الله؟ قال : ما لي آمر أمرًا فلا يُتَّبع؟!. ففهمت أم سلمة مقصود الصحابة: أنهم يرجون النسخ، فقالت رضي الله عنها: احلِق رأسك، إذا رأوك حلقت رأسك؛ حلقوا رؤوسهم. ففعل عليه الصلاة والسلام، فلما رأوه حلق رأسه أَيِسوا من النسخ؛ فحلقوا رؤوسهم. يقول الراوي: حتى يكاد يقتل بعضهم بعضًا من الغمِّ. يعني لأنهم كانوا مشتاقين ومتلهِّفين ومتعلِّقين بالبيت وبالبلاد التي أُخرجوا منها[7].
وهذا يدل على أن بعض النساء عندهن من الرأي السديد ما ليس عند بعض الرجال، كثير من الرجال، أم سلمة أشارت بهذا الرأي الرشيد.
وفيه ردٌّ على إمام الحرمين، يقول: “ما نعلم أن امرأةً أشارت برأيٍ فأصابت إلا أم سلمة”.
هذا غير صحيح، هذا فيه تَجَنٍّ وفيه مجازفة، بل يُوجد من النساء من عندهن رأيٌ سديد رشيد تفوق به كثيرًا من الرجال.
إذن؛ الصواب أنه يجب على المُحصَر الذبح إن وَجَد، وكذلك الحلق، ثم يتحلَّل.
حكم من حُصِر عن طواف الإفاضة وقد رمى وحلق
قال:
يعني: فعل كل شيء إلا طواف الإفاضة، مرض -مثلًا- وما استطاع أن يطوف، يقول: (لم يتحلل حتى يطوف)؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: من حُبِس دون البيت بمرض، فإنه لا يَحِلُّ حتى يطوف بالبيت. رواه مالك بإسناد صحيح[8].
طيب، وقت الإفاضة، هل له وقت محدَّد؟ مرَّ معنا بالأمس، ليس له وقت؛ ولذلك علَّلوا لهذا فقالوا: ولأنه لا وقت له، فمتى طاف في أيِّ وقت تحلَّل.
الاشتراط في الحج
قال:
إذا شرط في ابتداء إحرامه وحُصِرَ فإنه يتحلَّل ولا شيء عليه، وهذه هي فائدة الاشتراط، لا دم عليه ولا حلق ولا أيَّ شيء.
ولذلك؛ نقول لمن كان -مثلًا- يُريد أن يذهب للحج وليس معه تصريح ويخشى أن يُرَدَّ: ينبغي له أن يشترط، لماذا؟ لأنه إذا اشترط ورُدَّ يتحلَّل ولا شيء عليه.
وهذه فائدة مهمة، انظر لثمرة الفقه: اثنان، أحدهما لما حُصِر قيل له: يلزمك أن تنحر هَدْيًا وأن تحلق رأسك. والثاني نقول: تحلَّل وما عليك شيء. لماذا؟ لأن أحدهما اشترط والآخر لم يشترط. فهذا من ثمرة الفقه في الدين.
فإذن؛ نقول: مَن كان يخشى أن يُصَدَّ أو يُرَدَّ فينبغي له أن يشترط، وسبق أن تكلمنا عن الاشتراط، وقلنا: إن القول الراجح في حكمه…
مداخلة: …
الشيخ: نعم، أنه سُنة في حقِّ مَن كان يخشى مِن عائقٍ يُعيقه، وأما مَن كان لا يخشى من عائق يُعيقه فليس بِسُنَّة في حقِّه. وذكرنا الدليل لهذا في درس سابق.
فإذن؛ مَن كان يخشى من عائق يُعيقه، ومن ذلك مثلًا التصاريح، فنقول: اشترِط، حتى لو رُدِدَت تتحلَّل ولا شيء عليك.
مداخلة: …
الشيخ: لا، إذا لبس ثيابه وما أُحصِر، إذا قالوا له: “إن لبست ثيابك سمحنا لك”، فإذا لبس ثوبه يكون لبس ثوبه للحاجة، فيلبس ثوبه ويكون عليه فديةٌ إطعامُ ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام أو ذبح شاة، بشرط ألا يُغطِّي رأسه، فإن غطَّى رأسه فعليه فديتان.
مداخلة: …
الشيخ: نعم، إذا لم يجد وسيلة إلا هذا، كونه يفعل هذا ويحج خير من أن يرجع.
مداخلة: …
الشيخ: لا، إذا لم يتبقَّ له إلا طواف الإفاضة ينتظر؛ لأنه ما بقي عليه إلا طواف الإفاضة، وقد حلَّ التحلُّل الأول، ما بقي عليه إلا التحلُّل الكامل.
باب الأضحية
قال المؤلف رحمه الله:
الأُضحية بضم الهمزة وكسرها، يقال: أُضحية وإضحية، والمشهور الضم، واحدة الأضاحي، ويقال: ضحيَّة أيضًا.
حكم الأضاحي وما يسن فيها
قال:
يعني: الأضحية حكمها سُنة مؤكدة، وإلى هذا ذهب جماهير أهل العلم: أن الأضحية سنة مؤكدة على المسلم، وأنها إنما تجب بالنذر، وذهب إليه أبو حنيفة والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم.
وقال آخرون: إنها واجبة على مَن مَلَك نصابًا؛ لحديث: مَن وجد سَعَةً فلم يُضَحِّ فلا يقربن مُصلَّانا. رواه أحمد لكن الحديث ضعيف[9].
والأقرب -والله أعلم- أن الأضحية سنة مؤكدة، ويدل لهذا حديث أم سلمة رضي الله عنها: إذا دخلت هذه العشر، وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا[10].
ما وجه الدلالة؟ وأراد، فجعل ذلك راجعًا إلى إرادته، وهذا يدل على عدم وجوبها.
فالأقرب -والله أعلم- أنها كما قال المؤلف سُنة مؤكدة.
متى تجب الأضحية؟
قال:
إذا نذر الإنسان أن يذبح أضحية فإنها تجب في قول عامة أهل العلم.
يعني: وأيضًا تجب بقوله:
وهذا يُسميه الفقهاء “تعيين الأضحية”، فالأضحية ومثلها الهَدْي أيضًا يتعيَّنان بقوله: “هذه أضحية” أو “هذا هَدْي”، فإذا قال: “هذه أضحية” أو “هذا هَدْي”، فإنها تتعيَّن وتجب في هذه الحال؛ وذلك لأنه لفظٌ يقتضي الإيجاب، فترتب عليه مقتضاه؛ ولأنه إذا قال: “هذه أضحية” أو “هذا هَدْي” خرجت من ملكه لله تعالى، فلم يُمكنه الرجوع، تُصبح في حقه واجبة.
لكن اشترط العلماء لذلك: أن يقول هذا قاصدًا بذلك إنشاءَ تعيينها، أما إن قصد الإخبار عما سيصرفها إليه في المستقبل فإنها لا تتعين؛ لأن هذا إخبارٌ عما في نيته أن يفعل.
فلو قال مثلًا: “هذه سوف أُضحي بها إن شاء الله”؛ هذا خبر، أما لو قال: “هذه أضحية” قاصدًا التعيين؛ فإنها تتعين، ويجب عليه أن يضحي بها؛ لأنها خرجت من ملكه لله ، وهكذا لو قال: هذا هَدْي.
وكذلك -أيضًا- يتعيَّن الهَدْي بالإشعار والتقليد. بالإشعار معناه: أن يَسْلُتَ صَفحة سَنَام الناقة حتى يسيل الدم. والتقليد: يُقلِّد بهيمة الأنعام بنعل أو حبل أو نحو ذلك، وقد ذكر الله هذا بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ [المائدة:2]، فذكر الله الشعائر وذكر القلائد.
لكن لو نوى الشراء، فهل تتعين أو لا؟ اختلف العلماء في ذلك، إذا شرى شاة بنية أنها أضحية، فهل تتعين أو لا؟ فمِن أهل العلم مَن قال: إنها تتعين الأضحية والهَدْي بالنية حال الشراء. وهو رواية عن أحمد، ومذهب أبي حنيفة، واختاره أبو العباس ابن تيمية رحمه الله.
والقول الثاني في المسألة: أنها لا تتعين بنية الشراء. وهذا هو ظاهر مذهب الحنابلة، وقد اختاره الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله، وهو الأقرب.
فالأقرب أنها لا تتعين بنية الشراء، وهكذا الهَدْي؛ قياسًا على العتق والوقف والصدقة.
فإنه لو اشترى عبدًا يُريد عتقه، فهل يُعتق؟ لا يعتق، فإنه لا يعتق. ولو اشترى بيتًا ليجعله وقفًا، فهل يكون وقفًا بمجرد الشراء؟ لا يكون، فإنه لا يصير وقفًا بمجرد النية.
وكما لو أخرج من جيبه دراهم ليتصدق بها؛ فإنها لا تتعين الصدقة، بل هو بالخيار؛ إن شاء أنفذها وإن شاء منعها. وهكذا -أيضًا- إذا اشترى شاة بنية الأضحية أو الهَدْي؛ فإنها لا تتعين بذلك.
هذا هو القول الراجح والله أعلم.
وإذا تعينت الأضحية بأن قال: “هذه أضحية” أو “هذا هَدْي”، أو بالإشعار أو بالتقليد؛ فلا يجوز أن يبيعها ولا أن يَهَبَها، إلا أن يُبدلها بخير منها؛ لأنها كما ذكرنا خرجت من ملكه لله .
الأفضل من الحيوان في الضحية ومن تجزئ عنه
قال:
أفضلها الإبل ثم البقر إن أخرجها كاملة، يعني: ليس سُبعًا؛ وذلك لأنها أنفع للفقراء وأكثر ثمنًا فكانت أفضل.
ولحديث أبي هريرة أن النبي قال: من راح للجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرَّب بَدَنة، ومَن راح للجمعة في الساعة الثانية فكأنما قرَّب بقرة، ومن راح للجمعة في الساعة الثالثة فكأنما قرَّب كبشًا أَقْرَن الحديث[11]. فجعل هذا الحديث يدل على أن الإبل أفضل، ثم البقر، ثم الغنم.
لكن أيُّ الأضحية أفضل من كل جنس؟ بعض الفقهاء يقولون: الأفضل من كل جنس أسمنه. واختار أبو العباس ابن تيمية رحمه الله أن الأفضل هو الأغلى ثمنًا، وهذا هو القول الراجح؛ لأن الأغلى ثمنًا يكون أطيب عند الناس، في عرف الناس أنه لا يكون أغلى ثمنًا إلا ما كان أطيب وأحسن وأكمل. والغالب أن الأسمن هو الأكثر ثمنًا، لكن ليس هذا مطردًا.
فإذن؛ إذا أردنا أن نضع ضابطًا لما هو الأفضل في الهَدْي والأضحية: الأغلى ثمنًا.
فإذا كانت -مثلًا- هذه الأضحية بألف وخمسمائة، وهذه بألف، نقول: الأفضل والأعظم أجرًا الألف وخمسمائة.
وإذا اشترى الإنسان أضحية أو هَدْيًا، واختار ما هو الأفضل والأكمل؛ فإن هذا يدخل في تعظيم شعائر الله، فالله تعالى يقول: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32].
وقال أبو العباس ابن تيمية: إن أفضل العبادات المالية: النحر والذبح، وأفضل العبادات البدنية الصلاة، وقد جمع الله بينهما في قوله. مَن يذكر لنا الآية؟ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2].
خُذْ هذه الفائدة: أفضل العبادات المالية النحر، وأفضل العبادات البدنية الصلاة، جمع الله بينهما في هذه الآية: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، وفي قوله: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162].
ولهذا؛ لا يستخسر الإنسان ما يبذله في الهَدْي أو الأضحية، تجد بعض الناس عندما يُريد أن يحج يسأل: ما هو النُّسك الذي ليس فيه هَدْيٌ؟ كله فرارًا من الهَدْي، نقول: يا أخي، ما تبذله من النفقة هي مخلوفة، وينبغي أن تتقرب إلى الله بإراقة الدم؛ لأن هذا من أفضل العبادات وأعظمها أجرًا وثوابًا، وهكذا -أيضًا- بالنسبة للأضحية.
قال:
يعني: أنه لا يُجزئ الهَدْي والأضحية من غير الإبل والبقر والغنم.
قال ابن القيم رحمه الله: الهدي والأضحية والعقيقة -العقيقة فيها خلاف سيأتي- مختصة بالأزواج الثمانية المذكورة في سورة الأنعام، ولم يُعرف عنه ولا عن الصحابة هَدْيٌ ولا أضحية ولا عقيقة من غيرها.
ما المقصود بالأزواج الثمانية؟ الإبل: ذَكَرُها وأُنْثَاها، البقر: ذَكَرُها وأُنْثَاها، كم أصبحت؟ أربعة، والضأن: ذَكَرُها وأُنْثَاها، ستة، والمعز: ذَكَرُها وأُنْثَاها، ثمانية.
فإذن؛ الهَدْي والأضحية لا تُجزئ من غير هذه الأصناف الثمانية. والعقيقة فيها خلاف سيأتي إن شاء الله.
قال:
ويدل لذلك حديث أبي أيوب قال: كان الرجل في عهد رسول الله يُضحِّي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويُطْعِمون. رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي[12]، وهو حديث صحيح.
وكان النبي عليه الصلاة والسلام يُضحِّي بكبشين، أحدهما عن محمد وآل محمد، والآخر عن أمة محمد[13].
قال:
أو عن سبعة، يصح كذا العبارتان، كلاهما صحيح؛ لقول جابر : أمرنا رسول الله أن نشترك في الإبل والبقر، كُلُّ سبعة في واحد منهما. رواه مسلم[14].
هنا مسألة مهمة ويكثر السؤال عنها: وهي ما حكم الاشتراك في واحدة من الغنم؟ أو في سُبع بدنة؟ أو سُبع بقرة؟ نقول: الاشتراك ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الاشتراك في المِلك، بأن يشترك شخصان فأكثر في ملك أضحية أو هَدْي.
نقول: الأضحية، وإذا قلنا: الأضحية فمعنى ذلك أن الهَدْي يأخذ حكم الأضحية، حتى ما يتكرر.
أن يشترك شخصان فأكثر في مِلك أضحية ويُضحِّيا بها؛ فهذا لا يجوز ولا يصح إلا في الإبل والبقر، إلى سبعةٍ فقط، وأما الغنم فلا يصح الاشتراك فيها؛ وذلك لأن الأضحية عبادة وقُرْبة إلى الله تعالى، فلا يجوز إيقاعها ولا التعبُّد بها إلا على الوجه المشروع زمنًا وعددًا وكيفية.
ولو كان الاشتراك في المِلك جائزًا في الأضحية من غير الإبل والبقر؛ لَفَعَلَهُ الصحابة ، فإنهم أحرص الناس على الخير، وفيهم فقراء كثيرون قد لا يستطيعون ثمن الأضحية كاملة، ولو فعلوه لَنُقل عنهم؛ لأنه مما تتوافر الدواعي لنقله لحاجة الأمة إليه.
إذن؛ لو أراد أكثر من شخص، مثلًا: ثلاثة إخوة في بيت، قالوا: بدل أن نضحي كلنا، نشتري لنا خروفًا بألف أو ألف ومائتين، نشترك، كلُّ واحد يدفع له -مثلًا- أربعمائة ريال.
نقول: هذا ما يصح ولا يجوز، الاشتراك إنما يكون بالإبل والبقر إلى سبعة، أما الغنم ما يجوز الاشتراك فيها، ولو كان جائزًا لفعله الصحابة، الفقراء فيهم كثير.
فإذن؛ الواحدة من الغنم إنما تُجزئ عن واحد. والإبل والبقر عن سبعة، هذا الاشتراك في المِلك.
القسم الثاني: الاشتراك في الثواب، بأن يكون مالك الأضحية واحدًا ويُشرك معه غيره من المسلمين في ثوابها، فهذا جائز ولا بأس به مهما كثر الأشخاص، فإن فضل الله واسع.
ويدل لذلك أن النبي ضحى بكبش، وقال: بسم الله، اللهم تقبَّل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد رواه مسلم[15].
كما في حديث عائشة رضي الله عنها[16].
وفي الحديث الآخر -حديث عائشة[17]، وأبي رافع[18] رضي الله عنهما-: ضحى بكبشين أحدهما عنه وعن آله، والآخر عن أمته. وهذا عند أحمد[19].
ولذلك؛ نحن نقول: إذا ضحى الإنسان، يعني: إذا اشترى الإنسان أضحية عن نفسه وأشرك معه غيره؛ فلا بأس، مِن غير حصرٍ لعددِ مَن يُشركهم من الأحياء أو الأموات.
لو اشترك اثنان في أضحية ليُضَحِّيا بها عن والدهما المتوفى، هل يصح أو لا يصح؟ اثنان أو ثلاثة يُريدون أن يُضحُّوا عن أبيهم، فاشتركوا في شراء أضحية، فهل يصح هذا؟ هل هذا من الاشتراك في المِلك أو من الاشتراك… يعني: يصح هذا؟ نعتبرها من الاشتراك في المِلك؟
مداخلة: …
الشيخ: نعم، لماذا يصح؟
مداخلة: …
الشيخ: لأن المُضحَّى عنه واحد، أو أكثر من واحد؟ واحد، هذا يصح.
إذن نقول: لو اشترك أخوان فأكثر في أضحية ليُضَحِّيَا بها عن شخص واحد فيصح؛ لأن الأضحية هنا إنما هي عن شخص واحد.
مداخلة: …
الشيخ: نعم، المقصود أنه يُضحَّى عن شخص واحد، والممنوع أن يشترك أكثر من شخص في الأضحية عن أنفسهم، هذا هو الممنوع بالنسبة للغنم، والإبل والبقر إلى سبعة.
فانتبِهوا لهذه المسألة! هذه يكثر السؤال عنها، خاصة مع غلاء الأغنام، تجد أن بعض الناس يقولون: نُريد أن نشترك في شراء أضحية.
نقول: هذا لا يجوز ولا يصح، يشتريها واحد منكم ويُشرك معه البقية، أما أن يشترك أكثر من شخص فهذا لا يجوز، ولو جاز لفعله الصحابة، الصحابة الفقراء فيهم كثير، ولو قلنا: إنه جائز؛ لم يكن لتحديد الإبل إلى سبعةٍ والبقرِ إلى سبعةٍ معنًى، فالغنم مثل الإبل والبقر.
شروط الأضحية
قال:
انتقل المؤلف للكلام عن شروط الأضحية، شروط الأضحية أربعة:
- الشرط الأول -وقد سبق-: أن تكون من بهيمة الأنعام، سبق الكلام عن هذا الشرط.
- الشرط الثاني: أن تكون قد بلغت السن المعتبرة شرعًا. نذكر الشروط بإجمال ثم نتكلم عنها.
- الشرط الثالث: السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء.
- الشرط الرابع: أن تكون في وقت الذبح المحدَّد شرعًا.
أما الشرط الأول؛ تكلمنا عنه، أن تكون من بهيمة الأنعام.
الشرط الثاني قال عنه المؤلف:
يعني: الجَذَع، أقل ما يُجزئ جَذَع الضأن، وهو ما له نصف سنة، يعني ستة أشهر؛ ويدل لهذا حديث مُجاشِع أن النبي قال: إن الجَذَع يُوفِي مما تُوفِي منه الثَّنيَّةُ. رواه أبو داود وابن ماجه[20].
لكن جاء في “صحيح مسلم” عن جابر أن النبي قال: لا تذبحوا إلا مُسِنَّة، إلا أن يَعْسُر عليكم فتذبحوا جَذَعة من الضَّأن. هذا الحديث رواه مسلم[21]. لكنه من رواية أبي الزبير عن جابر ، ورواية أبي الزبير عن جابرٍ بعضُ العلماء يُضعفها ويقول: إن أبا الزبير مُدلِّس، وقد عنعن؛ ولذلك ضعف هذا الحديثَ الألبانيُّ رغم أنه في “صحيح مسلم”.
والصحيح أن رواية أبي الزبير عن جابر أنها مقبولة مطلقًا، أبو الزبير ثقة؛ ولذلك قَبِلها مسلم، يروي هذه الروايةَ الحُفاظُ والأئمة المتقدمون، يقبلون رواية أبي الزبير عن جابر .
فالحديث صحيح ولا إشكال فيه، وتضعيف الألباني مبني على هذا الرأي، لكن عند كبار المحققين من أهل الحديث أن رواية أبي الزبير عن جابر صحيحة، والحديث صحيح.
لكن، قال النووي: “أجمعت الأمة على أن هذا الحديث ليس على ظاهره، ومذهب العلماء كافة أنه يُجزئ الجَذَع من الضأن، سواء وجد غيره أم لا”.
قال:
وهو ما يُسمى بالثَّنيِّ، ما له سنة.
وإذا قلنا (ما له سنة) يعني: هذه الأرقام التي ذكرناها، إذا قلنا: الضأن ما له ستة أشهر، يعني: ما دخل في الشهر السابع، ما له سنة ودخل في السنة الثانية، ما له سنتان ودخل في السنة الثالثة، وما له خمس سنين ودخل في السنة السادسة.
فانتبِهوا لهذا؛ لأن بعض الناس يفهم هذه الأعمار فهمًا غير صحيح، يفهم خمس سنين يعني: ما له أربعٌ ودخل الخامسة.
ولذلك؛ بعضكم -مثلًا- إذا سألتَه كم عمرك؟ ربما مثلًا إذا كان عمره ثلاثين، إذا دخل في الثلاثين قال: عمري ثلاثون، هذا غير صحيح، لا تقُل عمري ثلاثون حتى تُتم ثلاثين سنة وتَدخل في الحادية والثلاثين.
ولذلك: مُرُوا أبناءكم بالصلاة لسبع[22]، ما معنى لسبع؟ إذا أتمم سبعًا ودخل في الثامنة، واضربوهم لعشر[23]؛ إذا أتممت عشرًا ودخلت في الحادية عشرة.
علامةُ البلوغِ خمسَ عَشْرةَ سنةً، يعني: أتممت خمس عشرة ودخلت في السادسة عشرة وهكذا، هذا أمر متفق عليه بين أهل العلم. لكن بعض الناس يفهم هذه المسألة فهمًا غير صحيح.
لاحِظ هنا الإبل -ولله الحكمة- في الزكاة تختلف عنها في الأضحية وفي الهَدْي، يعني: في خمس وعشرين من الإبل، الزكاة كم فيها؟
مداخلة: …
الشيخ: خمس وعشرون؟ بنت مخاض، “بنت مَخَاضٍ” يعني: ما لها سنة، إلى أن تبلغ ستًّا وثلاثين ففيها “بنت لَبُون”: ما لها سنتان.
يعني تجد أنها تنتقل معك إلى الجَذَعة. و”الجَذَعة” ما لها أربع سنين. وخمس سنين هنا يبتدئ السِّن المُجزئة في الهَدْي والأضحية.
يعني باب الزكاة يختلف عن باب الهَدْي والأضحية.
حكم الجماء والبتراء والخصي
قال:
ثم انتقل المؤلف للشرط الثالث، وهو السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء، وابتدأ المؤلف بالكلام عما يُجزئ، قدَّم ما يجزئ وأخَّر ما لا يجزئ؛ قال: (وتجزئ الجمَّاء). والجَمَّاء: هي التي لم يُخلَق لها قرن؛ وذلك لعدم النهي عن هذا، ولأنه لا يُخل ذلك بالمقصود.
يعني: تُجزئ البتراء. والبتراء: هي التي لا ذَنَب لها خِلْقَةً، هي التي لا ذَنَب لها. وأما التي قد قُطع ذَنَبها، أو قُطعت أَلْيَتُها فإنها لا تُجزئ، بل هي أولى بعدم الإجزاء من مقطوعة الأُذن؛ لأنها تستفيد من الذيل أكثر من استفادتها من الأذن، وفيه مصلحة كبيرة في الدفاع مما يُؤذيها.
وقد بحث مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة عام 1417 للهجرة، حكم الأضحية، وكذا الهَدي مقطوع الأَلْية؛ يعني: تُستورد بعض الأغنام تكون مقطوعة الألية، فيقولون: إذا قُطعت الألية تسمُن الأغنام، فتُستورد بعض الأغنام مقطوعة الألية.
فبُحِثت هذه المسألة من مجلس هيئة كبار العلماء برئاسة شيخنا عبدالعزيز ابن باز، وصدر قرار بأنه لا تُجزئ مقطوعة الألية، لا في الهَدْي ولا في الأضحية ولا في العقيقة، وعلَّلوا ذلك بأن الألية عضو كامل مقصود، فصار مقطوعها أولى بعدم الإجزاء من مقطوع الأُذن والقرن.
وقال -هنا يعني فائدة-: أَلْية بفتح الهمز، يعني: مفتوحة الألف، قال ابن منظور: ولا تقل: إِلْية، ولا إليَّة؛ فإنها خطأ. فبعض الناس ينطقها إلية؛ هذا خطأ، أَلْية بفتح الهمزة.
الأسترالية، الأغنام الأسترالية التي ليس لها ذيل ولا ذَنَب؛ يعني: هل تُجزئ أو لا؟ الأغنام الأسترالية تَرِد إلينا، ما لها شيء.
مداخلة: …
الشيخ: إي نعم، هو إذا كان خِلقة فتجُزئ، وأما إذا كان مقطوعًا فلا تُجزئ.
لكن، الواقع: هل هي مقطوعة أو خِلقةً؟ الأغنام الأسترالية التي تُستورد، أحد منكم له خبرة في الأغنام؟ هو، الشيخ محمد ابن عثيمين. نعم؟
مداخلة: …
الشيخ: هذا هو الظاهر، الظاهر أنها خِلقة، ذكر هذا الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله في “الشرح الممتع”، وقال: إنها تُستورد خِلقة هكذا، بدليل أنه أحيانًا يُستورد ما لم يُقطع، ما لم يُقطع ذيله من الأستراليات.
ويقول أيضًا، ذكر وجهًا آخر؛ لأنه أحيانًا يوجد أنثى أسترالية فينزو عليها الذكر من الضأن؛ فتلد ولدًا ليس له ألية، وإنما له ذيل فقط، وهذا يدل على أنه ليس لها ألية خلقة، وإنما لها ذيل.
وبناءً على ذلك؛ فالأغنام الأسترالية يجوز الأضحية بها والهَدْي، وعلى ذلك فكثير من الأغنام التي تُذبح -خاصة في الهَدْي- هي من هذا النوع، هذه ما دام أنها خِلقة فتُجزئ الأضحية بها.
لكن، إذا تحققنا من أنها مقطوعة الألية؛ فإن هذه لا تُجزئ.
قال:
يعني: الخصي يُجزئ؛ وذلك لأن الخِصاء ليس عيبًا في الأغنام، ليس عيبًا في البهائم عمومًا؛ لأنهم يقولون: الحيوان إذا خُصي يطيب لحمه، هذا معروف عند أرباب الأغنام.
وقد رُوي أن النبي ضحى بكبشين موجوئين[24]؛ يعني: خصيين.
فإذن؛ الخصي لا بأس به، بل بعض أهل العلم يرى أنه يُستحب في الأضحية الخصي؛ لأنه أطيب لحمًا.
حكم الحامل وما خلق بلا أذن أو ذهب نصف أذنه أو أليته
كذلك كونها حاملًا لا يمنع من إجزائها في الهَدْي والأضحية والعقيقة.
إذا كان خِلقة فإنه لا يمنع، وهكذا -أيضًا- الصَّمْعاء: وهي صغيرة الأُذن، لا يمنع ذلك من الإجزاء.
يعني يقول: إذا ذهب فقط النصف فإنه يجزئ، وسنتكلم عن هذه المسألة عندما نتكلم عن العَضْباء.
ثم انتقل المؤلف للكلام عن العيوب المانعة من الإجزاء؛ قال:
يعني: المريضة البينة مرضها، والأصل في هذا حديث البراء قال: قام فينا رسول الله فقال: أربعٌ لا تجوز في الأضاحي: العوراء البيِّنُ عَوَرُها، والمريضة البيِّنُ مرضها، والعرجاء البين ضَلَعُها، والعجفاء التي لا تُنْقي. رواه أبو داود والنسائي[25]. قال الإمام أحمد: ما أحسنه من حديث. وصحَّحه النووي وغيره. فالحديث صحيح، وهو الأصل في هذا الباب.
فبيِّنة المرض لا تُجزئ؛ لهذا الحديث، والمريضة البيِّن مرضها، وهنا لا بد أن يكون مرضها بيِّنًا، يعني: مرضها واضحًا، فإن كان مرضها ليس بيِّنًا فإنها تُجزئ؛ وذلك لأنها إذا كانت مريضة مرضًا بيِّنًا أفسد ذلك لحمها. ومن ذلك المصابة بالجرب -مثلًا- فإنها لا تجزئ.
طيب، ما يُسمى في الوقت الحاضر بالطُّلُوع، يوجد في الأغنام المَدِّيَّة، هل يمنع هذا العيب من الإجزاء؟
مداخلة: …
الشيخ: الظاهر أنه لا يمنع، لكن الأولى أن يُضحَّى بغيره على سبيل الأولوية؛ لأنه كلما كانت الأضحية أكمل وأسلم من العيوب؛ كلما كان ذلك أفضل، لكنه لا يمنع من الإجزاء.
مداخلة: …
الشيخ: لا، هو المعروف أنه لا يُؤثر، الطُّلُوع هذه تستقذرها بعض النفوس، لكنه لا يُؤثِّر؛ ولذلك يستأصلها الجزار ويؤكل اللحم، ليس له تأثير إلا إذا انفجر، أما إذا لم ينفجر واستُئصل فلا يُؤثر.
حكم العوراء والعمياء والمريضة والعجفاء والعرجاء والهتماء والمجبوب والعضباء
قال:
لحديث البراء : والعوراء البيِّن عورها[26]. وإذا كانت العوراء لا تُجزئ فإن العمياء لا تُجزئ من بابٍ أولى.
ووضح المؤلف المقصود بالعور؛ قال:
هذا المقصود بالعور، يعني: انْخَسَفت العين خسفًا؛ فإنها لا تجزئ.
يعني: إن كانت قائمة العين لكن لا تُبصر، عينها قائمة لم تَنْخَسِف إلا أنها لا تُبصر بها، فالمؤلف يرى أنها لا تُجزئ، ومِن أهل العلم مَن يقول: إنها تُجزئ.
والأقرب أنها لا تُجزئ، فيها خلاف في المذهب عند الحنابلة، لكن الأقرب كما قال المؤلف؛ لأنه إذا كانت العوراء لا تُجزئ؛ فكذلك -أيضًا- هذه التي ذهب البصر معها لا تُجزئ من باب أولى.
فإذن؛ لا تُجزئ العوراء، ولا تُجزئ العمياء، سواء كانت العين مُنْخَسِفة أو قائمة.
(الهزيلة التي لا مُخَّ فيها)؛ وذلك لأن البهيمة إذا هزلت يذهب المخ، فتُصبح كأنها عظام مجتمعة.
والمخ: هو الوَدَك الذي في العظم، الوَدَك الذي في العظم هو المخ، وهذا يذهب مع الهُزال الشديد.
فإذا كانت هزيلة هُزالًا شديدًا، فهذه هي العجفاء؛ فلا تُجزئ؛ ولهذا قال المؤلف: (وهي الهزيلة التي لا مخ فيها).
العرجاء البيِّن ضَلعها، فسَّرها المؤلف بأنها التي لا تُطيق مشيًا مع الصِّحاح، وإذا كانت العرجاء لا تُجزئ؛ فمن باب أولى أنها لا تُجزئ الكَسيرة؛ وذلك لأن العرجاء ينقص لحمها بسبب ذلك، وهكذا الكَسيرة.
يعني: سقطت بعض أسنانها. هذه على رأي المؤلف أنها لا تُجزئ، وهو المذهب عند الحنابلة، أن الهَتْماء لا تُجزئ.
والقول الثاني في المسألة: أنها تُجزئ مع الكراهة. واختار هذا أبو العباس ابن تيمية رحمه الله؛ لأنه لا دليل يدل على عدم الإجزاء، وهذا النقص في الأسنان إنما يقتضي الكراهة فقط، ولا يقتضي عدم الإجزاء، وهذا هو القول الراجح.
القول الراجح إذن: أن الهتماء تُجزئ مع الكراهة.
قياسًا على العضباء، وهذا سنتكلم عنه بعد قليل.
الخصيُّ قلنا: إنه يُجزئ، بل بعض أهل العلم يقول: إنه مستحب، لكن بشرط ألا يكون مجبوبًا، فإذا كان غير مجبوب بأن قُطعت خصيتاه فقط، أو رُضَّت الخصيتان فهذا يُجزئ، أما إذا كان مجبوبًا وذلك بأن قُطع ذكره وخصيتاه، قُطع الذكر والخصيتان؛ فإنه لا يُجزئ.
فإذن؛ الخصيُّ إذا كان غير مجبوب فإنه يجزئ، أما إذا كان مجبوبًا فإنه لا يجزئ.
فسَّر المؤلف العضباء بأنها ما ذهب أكثر أذنها أو قرنها، فهي لا تُجزئ؛ ويدل لذلك أنه جاء في حديث علي : أن النبي نهى أن يُضحَّى بعضباء الأذن والقرن. رواه أحمد وأهل السنن، وصححه الترمذي[27].
قال قتادة أحد رواة الحديث: سألت سعيد بن المسيب عن العَضْب، فقال: النصف فما زاد. لاحِظ هذا التفسير! قال: النصف فما زاد.
وبناءً على ذلك؛ فإن ما ذهب نصف قرنها فأكثر، أو نصف أذنها فأكثر؛ لا تجزئ. أما ما ذهب أقل من النصف فيُجزئ.
المؤلف ماذا قال؟ قال: (وهي ما ذهب أكثر أذنها أو قرنها)؛ فهذه لا تُجزئ، وهكذا ما ذهب أقل من أذنها أو قرنها فتُجزئ.
أما النصف، فإذا ذهب نصف الأذن أو نصف القرن، فعلى رأي المؤلف: تُجزئ أو لا تُجزئ؟ تجزئ.
والقول الثاني في المسألة -وهو رواية عن الإمام أحمد-: أنها لا تُجزئ. وهو الراجح؛ لأن سعيد بن المسيب أحد رواة الحديث فسَّر العَضْب بأنه النصف فما زاد، فإذا كان الذي ذهب النصف فما زاد؛ فإنها لا تُجزئ، وإذا كان أقل من النصف فإنها تُجزئ مع الكراهة.
إذن؛ العضباء قلنا: إنها لا تجزئ، ويُقاس عليها -أيضًا- العصماء، وكذلك -أيضًا- ما ذهب أليته أو أكثر من النصف، النصف فأكثر، أما إذا كان أقل من النصف فإنها تُجزئ.
وهذه هي أبرز العيوب المانعة من الإجزاء، وقد يوجد عيوب أخرى، لكن هذه هي أبرز العيوب.
والقاعدة: أنه كلما كانت الأضحية بعيدة عن العيوب سليمة منها فإنها أفضل.
وكما ذكرنا على ضابط شيخ الإسلام ابن تيمية: أن ما كان أكثر ثمنًا فهو أكمل وأفضل؛ لأن هذا من تعظيم شعائر الله، حتى إن بعض أهل العلم يقول: حتى ما كان أحسن منظرًا فإنه أفضل.
واستدلوا لذلك بأن النبي ضحى بكبشين أملحين[28]؛ فهذا يدل على أنه كلما كان ذلك أكمل ولو في المظهر؛ كلما كان ذلك أعظم أجرًا وثوابًا.
مداخلة: …
الشيخ: لا، الحديث صحيح، ترى هو رحمه الله عنده إشكالات في التصحيح والتضعيف، الحديث على كل حالٍ صحيحٌ، صححه الترمذي. فالحديث صحيح، يعني: ثابت، حسن هو ليس صحيحًا، وإنما حسن فيكون ثابتًا.
كيفية ذبح الأضاحي والهدايا
قال:
انتقل المؤلف للكلام عن صفة الذبح والنحر، فالإبل يقال فيها: نحر، بينما البقر والغنم: ذبح.
يقول: الإبل تُنحر قائمة، والسُّنة أن تُنحر معقولة اليد اليسرى، فيطعنها بالحربة ونحوها أو السكين في الوَهْدة. الوَهْدة: التي بين العنق والصدر، بين الرقبة والصدر؛ وذلك لفعل النبي .
والدليلُ لهذا قولُ الله : فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ [الحج:36]. ومعنى صَوَافَّ: قيامًا على ثلاثة قوائم، قد صُفَّت رجلاها ويداها. ولقول الله سبحانه: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا [الحج:36]؛ يعني: سقطت. وهذا يدل على أنها تُنحر قائمة.
فإذن؛ السنة في الإبل أن تُنحر قائمة.
قال:
السنة في البقر والغنم أن تُذبح على جنبها الأيسر، وأن يضع رجله على صفحته ليكون أثبت لها وأمكن، كما كان النبي يفعل ذلك[29].
(موجهة إلى القبلة)، وهذا بالإجماع أنه يُستحب توجيهها إلى القبلة؛ وذلك لأن هذا هو فعل النبي ، فإنه كان يُوجِّهها إلى القبلة.
يُسمِّي وجوبًا، التسمية وجوبًا؛ لقول الله تعالى: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ [الحج:36]، وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام:121].
فدلَّ هذا على وجوب التسمية عند الذبح، وهذا محل إجماع؛ لقول الله تعالى: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ [الحج:36]، وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام: 121]، ولما جاء في ذلك من النصوص، وهو كما ذكرتُ محل إجماع، وقد قيل: إن الأخبار فيها متواترة، يعني: بلغت حَدَّ التواتر.
وما هو اللفظ الذي يقال؟ “بسم الله”.
هل يقول: “بسم الله الرحمن الرحيم”؟ لا، يقولون: إن الرحمة هنا لا تُناسب أن تُذكر هنا، وإنما يقول: “بسم الله”.
وهكذا -أيضًا- حتى عند الطعام، عند الأكل والشرب، يقول: “بسم الله”، يعني: ما ورد أنه يقول: “بسم الله الرحمن الرحيم” عند تناول الطعام والشراب، ولا حتى في رواية ضعيفة؛ ولذلك يقول: “بسم الله”.
إنما “بسم الله الرحمن الرحيم” تكون عند كتابة -مثلًا- الكتب، أو الرسائل، أو افتتاح -مثلًا- كلمات، أو نحو ذلك.
قال:
حدَّد المؤلف وقت التسمية أنه حين تحريك اليد بالفعل، يعني: بالذبح أو النحر.
استحبابًا، التكبير استحبابًا؛ لقول الله : وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185]، قال البخاري في “صحيحه”: “باب التكبير عند الذبح”، ثم ساق بسنده عن أنس قال: ضحى النبي بكبشين أَمْلَحين أقرَنين، ذبحهما بيده، سمى وكبَّر، ووضع رجله على صِفاحِهما[30]؛ يقول: بسم الله، والله أكبر.
قال:
وذلك لحديث جابر : أن النبي ضحى يوم عيد بكبشين ثم قال: اللهم منك ولك، عن محمد وأُمَّته، بسم الله، والله أكبر. وهذا الحديث أخرجه ابن ماجه وأحمد[31]، ولكن الحديث حديث ضعيف لا يصح، وجميع طرقه ضعيفة.
وإذا كان هذا لم يثبت ولم يصح، فإنه لا يُشرع أن يقال: اللهم هذا منك ولك. ولا أيضًا أن يُقال ما ذكره بعض الفقهاء الحنابلة، ومنهم صاحب “الروض”: “وجَّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونُسُكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين”، ذكره بعض الفقهاء كصاحب “الروض”، ذكره بعض الفقهاء، لكن الحديث المروي في ذلك ضعيف.
إذن؛ لم يثبت في ذلك إلا “بسم الله والله أكبر”، وأيضًا ثبت أنه يقول: “اللهم تقبل مني”.
فإذن؛ هذا هو المحفوظ، أن يقول: “بسم الله، والله أكبر، اللهم تقبل مني”. هذا جاء في “صحيح مسلم”: أن النبي عندما ضحى قال: اللهم تقبل من محمد، وآل محمد، وأمة محمد وهذا في صحيح مسلم[32].
وقلنا: التكبير في “صحيح البخاري”، والتسمية في القرآن والسنة، قلنا: الأخبار فيها متواترة.
فإذن؛ الذي ثبت ثلاثة أمور:
- الأمر الأول: التسمية “بسم الله”.
- الثاني: التكبير، وقلنا: هذا في البخاري.
- والثالث: أن يقول: “اللهم تقبل مني”، وهذا -كما ذكرنا- في “صحيح مسلم”.
ما عدا ذلك من الأذكار المروية في كتب الفقه فهذه لم تثبت، ومن ذلك: “اللهم هذا منك ولك”[33]، هذا رُوي فيه حديث ضعيف لا يصح ولا يثبت، وما صح فيه غُنية عما لم يصح. يعني: هذا هو تحقيق الذِّكر الذي يُقال عند الذبح والنحر.
وقت ذبح الأضحية
قال:
أول وقت الذبح يكون بعد صلاة العيد، فإذا تعدَّدت فيكون بأسبق صلاة، ولا يصح الذبح قبل الصلاة، بل هي شاة لحم، إذا ذَبَح قبل صلاة العيد فهي شاةُ لحمٍ.
قال:
يعني: لو افترضنا أن إنسانًا لم يُصَلِّ صلاة العيد، فيكون بقدر صلاة العيد.
قال:
يعني: لا يجزئ قبل الصلاة.
وكَرِه بعض الفقهاء الأضحية ليلًا، والصحيح أنها تجوز من غير كراهة؛ لعدم الدليل الدال على الكراهة.
وأما ما استدل به من أن النصوص قد جاءت بلفظ: “اليوم”، وأنه خاص بالنهار؛ فهذا غير صحيح؛ لأن لفظ “اليوم” في هذه النصوص يشمل الليل والنهار.
ففي قوله تعالى: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ [الحج:28] لا يختص بالذكر بالنهار؛ وفي قول النبي عليه الصلاة والسلام: أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله[34] لا يختص ذلك بالنهار. وأما الحديث المروي في النهي عن الذبح ليلًا فحديث ضعيف.
إذن؛ الصحيح أنه يصح الذبح في الليل من غير كراهة.
قال:
معنى ذلك أن الذبح كم يومًا؟ ثلاثة أيام، يوم العيد ويومان بعده، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، أنه يوم العيد ويومان بعده.
وذلك لآثار رُويت عن بعض الصحابة في هذا، ومن ذلك ما رُوي عن ابن عمر وعن بعض الصحابة ، يعني رُوي عن خمسةٍ من أصحاب النبي : عن عمر وابن عمر، وعلي، وابن عباس، وأبي هريرة، وأنس . رُوي عنهم أن أيام النحر ثلاثة. ولهذا؛ قال الإمام أحمد: أيام النحر ثلاثة. وعن غير واحد من أصحاب النبي .
وهذا هو قول الجمهور: أن أيام النحر ثلاثة، بل قيل: إنه لا يُعرف عن أحد من الصحابة قول غير هذا.
والقول الثاني في المسألة: أن أيام الذبح أربعة أيام، يوم العيد وثلاثة أيام بعده، وهذا رواية عن الإمام أحمد، وهو مذهب الشافعي، واختار هذا القول أبو العباس ابن تيمية رحمه الله؛ لقول النبي : كل أيام التشريق ذبح. وهذا الحديث أخرجه أحمد وابن حبان[35]، وفي سنده مقال؛ ولهذا قال ابن القيم في “زاد المعاد”: إنه منقطع لا يثبت وصله. وقال البيهقي: الصحيح أنه مرسل.
ورُوي عن علي -أيضًا- أنه قال: أيام النحر؛ يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده. وقيل: إنه لا يثبت عن علي .
ولكن جاء في “صحيح مسلم” أن النبي قال: أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله [36]، وفي حديث عائشة وابن عمر : أن النبي -أو قال، نعم من حديث عائشة وابن عمر – لم يُرخِّص في أيام التشريق أن يُصَمن إلا لمن لم يجد الهَدْي. رواه البخاري[37].
ولهذا؛ قال ابن القيم: إن هذه الثلاثة أيام -يعني: من التشريق: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر- تختص بكونها أيام منى وأيام الرمي وأيام التشريق، ويحرُم صومها، فهي إخوة في هذه الأحكام، فكيف تفترق في جواز الذبح بغير نصٍّ ولا إجماع؟!
فالأقرب -والله أعلم- أن وقت الذبح: يوم العيد وثلاثة أيام بعده.
إذن -كما قال ابن القيم- إخراج اليوم الثالث عشر عن الذبح لا دليل عليه ولا إجماع، وهذه الأيام إخوة في الأحكام، جميع الأحكام مطردة فيها كما قال ابن القيم، يعني: يحرم صومها، وأيام التشريق وهي وقت الرمي والمبيت، فلماذا يخرج عنها وقت الذبح؟
فالأقرب للأصول والقواعد الشرعية: هو إلحاق اليوم الثالث عشر باليوم الحادي عشر والثاني عشر.
ومع ذلك؛ فالأولى للإنسان أن يُضحِّي إما في يوم العيد، أو الحادي عشر، أو الثاني عشر خروجًا من الخلاف؛ لأن الخلاف في هذه المسألة قوي.
أيهما أفضل، أن تكون الأضحية في أي يوم من الأيام الأربعة؟ في يوم النحر، لماذا؟
مداخلة: …
الشيخ: لفعل النبي ، طيب هناك شيء آخر أيضًا.
مداخلة: …
الشيخ: كذلك -أيضًا- هذا وجه، وهناك وجه أقوى من هذا.
مداخلة: ليُغنوا الفقراء في هذا اليوم عن المسألة.
الشيخ: إي نعم، طيب.
مداخلة: …
الشيخ: هو أعظم أيام السنة، حتى إن ابن القيم قال: إن يوم النحر أفضل من عرفة. لكن هناك سبب آخر أقوى من هذا.
مداخلة: المسارعة.
الشيخ: لا، غير المسارعة.
مداخلة: …
الشيخ: كل هذه أسباب صحيحة، لكن فيه سبب قوي ما سمعته.
مداخلة: …
الشيخ: طيب، أنا أسألكم الآن: عشر ذي الحجة، هل يدخل فيها أيام التشريق؟ ما تدخل؛ لأنها تدخل في العشر، يوم العيد يدخل في العشر، بينما أيام التشريق ما تدخل في العشر.
فلذلك؛ الذبح يوم العيد لا شك أنه أفضل؛ لأنه يدخل في العشر، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: ما من أيامٍ العملُ فيها أحب إلى الله من هذه الأيام العشر[38].
فإذن؛ نقول: ينبغي لمن كان عنده أضحية أن يُبادر في يوم العيد قدر المستطاع.
قال:
أما كونه يقضي الواجب؛ لأنه وجب ذبحه، فلم يسقط لفوات وقته.
(الواجب)، متى تكون الأضحية واجبة؟ إذا كانت نذرًا، أو أنها تعيَّنت بالتعيين، ويسقط التطوع؛ لأنها سنة فات محلها.
حكم الأكل والتصدق والبيع من الهدي والأضحية
قال:
لقول الله : فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28]؛ ولقول الله : فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [الحج:36]، وقال عليه الصلاة والسلام: كلوا وادَّخروا وتصدقوا[39].
قال:
لأن النبي أكل من أضحيته، كما جاء في حديث ثوبان عند مسلم[40].
يعني: مِن هَدْي التمتع والقِران يجوز الأكل، والصواب أنه يُستحب؛ لقول الله : فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28]، بل إن الظاهرية يرون الوجوب، وجوب الأكل منها، والصواب أن ذلك مستحب استحبابًا مؤكدًا.
ومما يدل لهذا: أن النبي نَحَر من البُدْن كم في حَجَّتِه؟ مائة من البُدن، ونحر بيده ثلاثًا وستين، وأمر عليًّا فأكمل البقية[41].
لماذا اختار هذا الرقم؟ لأنه كأنه أوحي إليه أن هذا هو عمره، فعن كل سنةٍ بَدَنةٌ، فنحر عليه الصلاة والسلام ثلاثًا وستين، وأمر عليًّا فأكمل البقية، ثم أمر أن يُؤخذ مِن كلِّ بَدَنةٍ بَضْعةُ لحمٍ، يعني: قطعة لحم، فجُمعت في قِدْرٍ، فأكل من لحمها، وشرب من مَرَقها؛ امتثالًا لقول الله فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28]، وضحى النبي ، يعني أهدى عن نسائه في تلك الحجة بالبقر، وأكلن من لحمها[42].
فدلَّ ذلك على أن السُّنة أن يأكل الحاجُّ مِن هَدْيه، وكذلك المُضحِّي من أضحيته.
قال:
هذا هو المذهب عند الحنابلة: أنه يجب أن يتصدق بأقل ما يقع عليه اسم اللحم؛ ولذلك يقولون: إن لم يتصدق فإنه يضمن، يضمنها لحمًا.
وهذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، هل يجب ذلك أم لا؟
- فالمذهب عند الحنابلة أنه يجب.
- والقول الثاني في المسألة: أنه يستحب أن يتصدق بجزء منها؛ وعلى ذلك فيجوز أكلها كلها. وهذا هو القول الراجح؛ لأنه ليس هناك دليل ظاهر يدل على وجوب التصدق بجزء منها.
قال:
يعني كالواجب في الكفارة، وهذا بناء على القول بوجوب التصدق.
يعني: أنه يُقسمها أثلاثًا؛ فيأكل، ويتصدق، ويُهدي.
ويدل لهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما في صفة أضحية النبي : يُطعم أهل بيته الثلث، ويُطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السُّؤَّال بالثلث. ولكن هذا الحديث ضعيف من جهة الإسناد، ونَسَبه الموفق ابن قدامة للحافظ أبي موسى، وقال: حديث حسن. ولكنه ليس بحسن، هو ضعيف لا يثبت.
ولذلك؛ ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يُقسم الأضحية إلى قسمين:
- يأكل النصف.
- ويتصدق بالنصف.
لقول الله : فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28]، فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [الحج:36].
فنجد أن النصوص قسَّمتها إلى: أكل وصدقة، وأما الهدية فلم تَرِد إلا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وهو ضعيف.
وهذا هو القول الراجح -والله أعلم-: أن الأضحية والهَدْي يُقسِّمها نصفين؛ نصفًا صدقة، يعني: جزءًا منها صدقة، وجزءًا منها يأكله، يعني: لا نقول: النصف والنصف، وإنما جزءٌ صدقة، وجزءٌ يأكله؛ لظاهر الآية: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28]، فكلوا وأطعموا.
أما الهدية فليس على ذلك -كما ذكرنا- دليل ظاهر، والحديث المروي في ذلك ضعيف.
قال:
لقول علي : أمرني رسول الله أن أقوم على بُدْنِه، وأن أقسِم جلودها وجِلالَها، ولا أعطي الجزار منها شيئًا، وقال : نحن نُعطيه مِن عندنا متفق عليه[43].
فإذن؛ الأضحية والهَدْي هذه -كما ذكرنا- خرجت لله ؛ فيحرم بيع شيء منها، حتى الشعر، وحتى الجلود، لا يجوز بيعها.
لحديث علي السابق.
إن أعطاه صدقة وهدية فلا بأس، متى كان الجزار فقيرًا فأعطاه باعتباره فقيرًا أو أهدى له هدية فلا بأس، لكن لا يُعطيه أجرته منها؛ يعني لا يقول مثلًا: خُذْ هذه اليد قيمة الذبح، ما يجوز هذا، وإنما يُعطيه أجرته من غير الأضحية، وإذا تصدق عليه فلا بأس، يُهديه ولا بأس، لكن أن يجعل أجرة جزارته من الأضحية أو من الهدي فإن هذا لا يجوز.
والحِكمة في هذا: أن هذه الأضحية خرجت لله ، فينبغي ألا يعتاض عنها بشيء، وكونه يُعطي الجزار منها فقد اعتاض عنها بجزء منها.
حكم الأخذ من الشعر والظفر في العشر لمن أراد التضحية
قال:
وذلك لحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي قال: إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يُضحِّي، فلا يأخُذْ من شعره ولا من أظفاره شيئًا حتى يُضحِّي. رواه مسلم[44].
وهنا، المؤلف قال: إنه يحرم، وبعضهم قال: يُكره، والصواب -كما قال المؤلف- أنه يحرم؛ لأن الأصل في النهي أنه يقتضي التحريم، وقد عمم المؤلف؛ قال: (من يُضحِّي أو يُضحَّى عنه).
والقول الثاني في المسألة: أن هذا الحكم خاص بمن يُضحِّي، وأنه لا يشمل من يُضحَّى عنه. وهذا هو القول الراجح؛ وذلك لأن حديث أم سلمة قال فيه عليه الصلاة والسلام: وأراد أحدكم أن يُضحِّي، ولم يقل: أو يُضحَّى عنه.
وقد اختار هذا القول شيخنا عبدالعزيز ابن باز، والشيخ محمد ابن عثيمين رحمهما الله. وهو القول الراجح: أن هذا الحكم خاص بمن يُضحِّي فقط، وأنه لا يشمل من يُضحَّى عنه.
طيب، إذا أردنا أن نعرف من يُضحِّي ما الضابط فيه؟ ما الضابط فيمن يُضحِّي؟
مداخلة: …
الشيخ: أحسنت، الذي يدفع الثمن، وليس الوكيل الذي يُباشر، الوكيل الذي يُباشر إذا لم يدفع ثمن الأضحية فلا يُعتبر مضحيًا. فإذن؛ المراد بالمُضحِّي: الذي يدفع الثمن، هذا هو المُضحِّي.
وبناءً على ذلك، لو أراد إنسان أن يُضحِّي عنه وعن أهل بيته، فهو لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا، وأما أهل بيته فيجوز أن يأخذوا من شعورهم وأظفارهم على القول الراجح.
ما هي الحكمة في نهي من أراد أن يُضحِّي عن أن يأخذ من شعره أو أظفاره شيئًا؟
اختلف العلماء في الحكمة في هذا؛ فقال بعضهم: الحكمة أن يبقى كامل الأجزاء ليُعتق من النار؛ لما رُوي أن الله يعتق بكل عضو من الأضحية عضوًا من المضحِّي، ولكن هذا الحديث كما قال ابن الصلاح: غير معروف. يقول ابن الصلاح: إن هذا الحديث غير معروف، ولم نجد له سندًا يثبت.
ثم هو منقوض بما جاء في الصحيحين أن النبي قال: أيُّما رجل أعتق امرَأً مسلمًا، اسْتَنْقَذَ الله منه بكل عضوٍ عضوًا من النار[45]، ولم يَنْهَ من أراد العتق عن أخذ شيء من شعره.
وقيل: الحكمة هي التشبه بالمُحرِم. وهذا -أيضًا- محل نظر؛ إذ إن المضحِّي مخالِفٌ للمحرِم في أكثر الأحكام؛ فكيف يقاس عليه؟!
وذكر ابن القيم أن الحكمة هي توفير الشعر والظفر ليأخذه مع الأضحية، فيكون ذلك من تمام الأضحية عند الله، وكمال التعبُّد بها. وهذا هو القول الراجح.
أعيده مرة أخرى، نقول: ذكر ابن القيم أن الحكمة هي توفير الشعر والظفر ليأخذه مع الأضحية، فيكون ذلك من تمام الأضحية عند الله وكمال التعبُّد.
فيُوفِّر شعره وأظافره ليأخذها مع الأضحية، فيكون ذلك أعظم لأجره، ويكون ذلك من كمال التعبُّد ومن تمام الأضحية. هذا هو الأقرب والله أعلم، هذا هو الأقرب في هذا والله تعالى أعلم.
قال:
يعني: يُسَنُّ الحلق بعدما يضحي؛ وذلك لحديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رجلًا قال للنبي : أرأيتَ إن لم أجد إلا مَنِيحَةً أنثى، أفأضحي بها؟ قال: لا، ولكن خذ من شعرك وأظفارك، وتقص شاربك، وتحلق عانتك؛ فذلك تمام أضحيتك عند الله[46]. لكن هذا الحديث رواه أبو داود والنسائي، لكنه حديث ضعيف.
والصواب في هذه المسألة: أن الحلق بعد الأضحية ليس بسُنة، وقد اختار هذا أبو العباس ابن تيمية رحمه الله؛ وذلك لأنه لم يَرِد في ذلك شيء، والحديث المروي في ذلك حديث ضعيف لا يصح.
العقيقة
ثم قال المؤلف رحمه الله:
والعقيقة: هي الذبيحة عن المولود، ويُسمِّيها بعض الناس “تميمة”؛ لأنها تُتمِّم أخلاق المولود، وأخذًا من قول النبي عليه الصلاة والسلام: كُلُّ غلام مُرْتَهَن بعقيقته[47]؛ فلا بأس بتسميتها، لكن تسميتها عقيقةً هي الواردة.
حكم العقيقة
قال:
هي سُنة، تُسَنُّ العقيقة في حق الأب؛ لأحاديث وردت في هذا، ومنها قول النبي عليه الصلاة والسلام: كُلُّ غلام مُرْتَهن بعقيقته، وقوله : عن الغلام شاتان متكافئتان[48]. إلى غير ذلك مما ورد.
قال الإمام أحمد: إن استقرض -يعني المعسر- رجوتُ أن يُخلف الله عليه؛ أحيا سُنة.
وقال الشيخ ابن تيمية: إنما محله لمن له وفاء -يعني: له دخل مرتب أو نحوه-، أما إذا كان ليس له وفاء؛ فلا يستقرِضْ لأجل أن يَعُقَّ عن ولده.
ما يجزئ عن الغلام وعن الجارية
قال:
لقول النبي : عن الغلام شاتان متكافئتان، وعن الجارية شاة[49].
البدنة والبقرة لا تجزئ عن سبعة في العقيقة
وهذه المسألة اختلف فيها العلماء: هل العقيقة تختص بالغنم، أو أنها يصح أن تكون من الإبل والبقر؟
فالمؤلف يقول: إنها تصح من الإبل والبقر، لكن تكون كاملة، ما معنى “تكون كاملة”؟ يعني: لا تكون سُبعًا، بل تكون كاملة، فلا تكون سُبعًا، لا يأخذ سُبع بَدَنة ويَعُقُّ بها، أو سُبع بقرة.
واستدل أصحاب هذا القول بحديث أنس: أن النبي قال: يُعَقُّ عنه من الإبل والبقر والغنم. رواه الطبراني[50]، لكن هذا الحديث ضعيف جدًّا، بل قال بعض العلماء: إنه موضوع، الألباني في “إرواء الغليل” قال: إن هذا الحديث موضوع.
والقول الثاني في المسألة: أن العقيقة مختصة بالغنم؛ لأن جميع الأحاديث الواردة فيها إنما وردت بذكر الغنم فقط، ولم يرد في شيء من الأحاديث ذِكرُ الإبل والبقر، إلا هذا الحديث، إلا حديث أنس ، وهو حديث -كما ذكرنا- لا يصح ولا يثبت، بل قيل: إنه موضوع.
وهذا هو القول الراجح: أن العقيقة تختص بالغنم.
وقت ذبح العقيقة
قال:
تُذبح في اليوم السابع، هذه هي السنة؛ لقول النبي : يُذبح عنه في يوم سابعه ويُسمَّى[51].
طيب، إذا أردنا أن نضع قاعدة لليوم السابع، كيف نعرف اليوم السابع؟ يعني مثلًا: وُلد المولود يوم الخميس، متى يكون اليوم السابع؟ الأربعاء.
إذن؛ إذا أردنا أن نضع قاعدةً: اليوم السابع هو اليوم الذي يسبق يوم ولادته.
هذه قاعدة، اليوم الذي يسبق يوم ولادته؛ يعني مثلًا: وُلد الخميس؛ السابع يوم الأربعاء، وُلد الجمعة فالسابع الخميس، وُلد السبت فالسابع الجمعة. خذها قاعدة، هذا المقصود باليوم السابع.
قال:
يصح.
أما ما زاد على السابع فلم يثبت في ذلك شيء، لكن قال الميموني: قلت لأبي عبدالله -يعني الإمام أحمد-: متى يُعَقُّ عنه؟ قال: أما عائشة رضي الله عنها فتقول: سبعة أيام، وأربع عشرة، وإحدى وعشرين. قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم، يستحبون أن يُذبح عن الغلام العقيقة في اليوم السابع، فإن لم يتهيَّأ ففي الرابع عشر، فإن لم يتهيَّأ ففي إحدى وعشرين.
الحديث إنما ورد في اليوم السابع، وأُثِرَ عن عائشة رضي الله عنها أنه إن لم يتيسر ففي الرابع عشر، أو إحدى وعشرين. لكن، لا نقول: إنه سُنة إلا في اليوم السابع؛ لأن السنة لا تثبت بغير ذلك.
فنقول: إذن؛ السنة أن يذبح في اليوم السابع، فإن لم يتيسر ففي أيِّ وقت.
ما الحكمة في اليوم السابع؟ لماذا لم يكن في اليوم السادس أو في اليوم الثامن؟
مداخلة: …
الشيخ: هل من أحد يستنبط الحكمة؟
مداخلة: …
الشيخ: نعم، أحسنت، يقولون: إنه إذا كان قبل اليوم السابع، يعني: يكون الطفل حين يولد متردِّدًا بين السلامة والعَطب، إلى أن تمرَّ عليه أيام الأسبوع، فإذا مرت عليه أيام الأسبوع سبعة أيام، ففي الغالب أنه يعيش.
يعني هكذا علل بعض العلماء لهذا، والله تعالى أعلم.
حكم لطخ رأس المولود بدم النسيكة
قال:
لأن ذلك يُشبه فعل أهل الجاهلية؛ ولقول النبي : أَهْرِيقُوا عنه دمًا، وأميطوا عنه الأذى. رواه أبو داود[52].
ما يسن عند ولادة المولود
أما الإقامة، فإن الحديث المروي في ذلك لا يصح، وجميع طرقه واهية.
وأما الأذان، فالحديث ضعيف أيضًا، لكن له طرق متعددة، وبعض أهل العلم يقول: إنه يُقوِّي بعضها بعضًا، وترتقي إلى درجة الحَسَن لغيره، كما قال بذلك شيخنا عبدالعزيز ابن باز والألباني وجماعة.
ولعل هذا هو الأقرب، فيكون المشروع إذن هو الأذان، أما الإقامة فلم تثبت.
يعني: أن يُحلق رأسه في اليوم السابع؛ لقوله : ويُحلق ويُسمى[53]. نعم، ويُحلق رأسه؛ ولهذا قال ابن عبدالبر: كانوا يستحبون ذلك.
قال:
الحديث الوارد المروي في أنه يتصدق بوزنه فضة ضعيف لا يصح، ثم أيضًا فيه شيء من النَّكارة؛ يتصدق بوزن ماذا؟ الشعر؟! كم يُساوي وزن الشعر؟! وفضة أيضًا؟! ما يُساوي شيئًا، لو وَزَنْتَ الشعر قد لا يساوي إلا شيئًا يسيرًا من الجرامات، والجرام أقل من الريال!
فمَتْنُه حتى فيه نَكَارة، فالحديث المروي في ذلك على كل حالٍ ضعيفٌ؛ ولذلك فالصواب أنه لا يثبت هذا الحكم، فلا يقال: إنه يُسنَّ أن يتصدق بوزنه فضة؛ لأن الحديث المروي في ذلك لا يثبت.
يعني: يُسمَّى في اليوم السابع؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: يذبح عنه يوم السابع ويُسمَّى[54].
وإن سماه قبل يوم السابع فلا بأس؛ لقول الله عن امرأة عِمْران: وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ [آل عمران:36]، وكان ذلك بعد ولادتها؛ ولقول النبي كما في الصحيحين: وُلِد لي الليلة ولدٌ سميته باسم أبي إبراهيم[55]، وأيضًا حديث أنس أنه ذهب بأخيه إلى النبي حين ولدته أمه، فحنَّكَه وسماه عبدالله[56].
فلا بأس بالتسمية في اليوم السابع أو قبله؛ ولهذا قال البيهقي: “باب تسمية المولود حين يُولد”.
فالأمر في هذا واسع؛ ولهذا قال ابن القيم: والأمر فيه واسع، والتسمية للأب.
حكم التسمية أنها فرض؛ يعني: لا بد من تسمية المولود، فلا يُترك بدون اسم.
ما يستحب من الأسماء وما يكره
ثم تكلم عن آداب الأسماء؛ قال:
لقول النبي : إن أحب أسمائكم إلى الله: عبدالله وعبدالرحمن رواه مسلم[57].
لماذا كان أحب الأسماء عبدالله وعبدالرحمن؟ لماذا لم يكن عبدالعزيز أو عبدالملك؟
مداخلة: …
الشيخ: لا تُطلق إلا على الله، نعم، الله والرحمن لا تُطلق إلا على الله، لكن غيرها قد تُطلق على الله وقد تُطلق على المخلوقين.
مثل عزيز، الله تعالى عزيز، وقد يُطلق على المخلوق عزيزًا، لكن عزة الله تختلف عن عزة المخلوق، عزة الله تليق به، وعزة المخلوق تليق به: قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيز [يوسف:51].
مثلًا الكريم، قد يُطلق الكريم على الله، وقد يُطلق على فلان بأنه كريم. الرحيم قد يُطلق على الله: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ؛ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]، لكن “الله” و”الرحمن” لا تُطلق إلا على الله؛ ولذلك كانت أحب الأسماء إلى الله تعالى.
أما حديث: «أحب الأسماء إلى الله ما عُبِّد وما حُمِّد» فهو لا يصح حديثًا؛ بل قيل: إنه موضوع.
وهذا بالإجماع.
يعني: وذلك لما فيها من المعاني السيئة، كما قال ابن القيم رحمه الله: إن لكل مسمى من اسمه نصيبًا، وإن الأسماء لها تأثير على مسمَّياتها.
فالتسميةُ بحربٍ تسميةٌ -يعني- بأمر غير لائق، اللهم إلا أن يُقصد من ذلك العَلَم المجرد.
والتسمية بمُتعِب؟
مداخلة: …
الشيخ: هل معناه من المعاني السيئة؟ إذا كان يقصد منه العَلَم المجرد فلا بأس، أما إذا كان يقصد منه معناه فيُكره.
لكن، الظاهر من إطلاق الناس أنهم يقصدون من ذلك العَلَم المجرد.
لما فيها من التزكية؛ ولهذا غيَّر النبي اسم بَرَّة إلى زينب؛ لأن بَرَّة فيها تزكية[58].
لكن، لاحِظ هنا: إذا كانت التزكية مقصودة أو أنها تُفهم من الإطلاق.
أما إذا كانت التزكية غير مقصودة فلا بأس؛ ولذلك “صالح” فيه تزكية، لكن هل هي مقصودة؟ لا، الناس تقصد العَلَم المجرد؛ فلا بأس بالتسمية بصالح، وأحدُ الأنبياء نبيُّ الله صالح .
“مبارك” أيضًا هنا يُقصد به العَلَم المجرد ولا يقصد به التزكية، أما “خير” و”يسار” فهنا التزكية ظاهرة. و”بَرَّة” مثلًا وأبرار؛ فأبرار أيضًا يُكره التسمية بها؛ لأنها جمع بَرَّة. وأيضًا هُدى فيه تزكية.
فإذا كانت التزكية ملحوظة وظاهرة فيُكره التسمية بها، أما إذا كان عَلَمًا مجردًا فلا يُكره.
قال:
يعني: التسمية بأسماء الملائكة والأنبياء لا تُكره، والتسمية بمحمد وإبراهيم وصالح هذه لا تُكره.
أما التسمية بأسماء الملائكة، فبعض أهل العلم يكره هذا، كره ذلك بعض العلماء، وقال: إنه يُكره أن يُسمَّى بأسماء الملائكة؛ كجبريل مثلًا وميكائيل وإسرافيل.
وهو الأقرب، الأقرب هو أنه يُكره التسمية بأسماء الملائكة، وهكذا بأسماء السور، تكلَّم ابن القيم عن هذا في “تُحفة المودود” كلامًا طويلًا.
حكم ما إذا اتفقت عقيقة وأضحية
قال:
كما لو اتفق يومُ عِيدٍ وجُمُعةٍ فاغتسل لأحدهما؛ ولذلك قالوا: إن العقيقة والأضحية إذا اتفقتا؛ أجزأت إحداهما عن الأخرى. وهذا هو ظاهر المذهب.
وقال بعض العلماء: إنها لا تجزئ؛ لأن العقيقة مقصودة والأضحية مقصودة؛ فلا تجزئ إحداهما عن الأخرى.
والأولى أن يُقال: إذا كان الإنسان عنده يسار وغنى؛ فالأولى أن يَعُقَّ وأن يُضحِّي، أما إذا كان فقيرًا فالذي يظهر أنه تُجزئ الأضحية عن العقيقة في هذه الحال.
وبهذا، نكون قد انتهينا من (كتاب الحج). والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
سيتوقف الدرس مدة أسبوعين -إن شاء الله- فترة الحج، ويُستأنف -إن شاء الله تعالى- مع بداية الدراسة، في عشرين من ذي الحجة إن شاء الله، يوم الاثنين العشرين من ذي الحجة -إن شاء الله تعالى- على ما هو معتاد.
طيب، عندنا بحثٌ، الشيخ عليٌّ، تقرؤه لنا، عن “التحلل الأول: هل يكفي فيه الحلق، أو لا بد من الحلق والتقصير؟”.
هذه محل خلاف بين العلماء، وقلنا: الخلاف راجع للخلاف في ثبوت الرواية: إذا رميتم وحلقتم؛ فقد حَلَّ لكم كل شيء إلا النساء أو إذا رميتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء[59].
وطلبنا من الأخ عليٍّ أن يبحث لنا المسألة، موجود؟
مداخلة: …
الشيخ: تقرؤه لنا، تفضل، اقرأ لنا، نعم.
الطالب: …
الشيخ: جزاك الله خيرًا.
القول بأن التحلُّل الأول يحصل بالرمي فقط قول قوي، وهو ظاهر الروايات، ولكن قول الجمهور فيه احتياط؛ ولذلك فمن حصل منه هذا فنقول: لا شيء عليك؛ يعني مَن -مثلًا- لَبِسَ المَخِيط وتطيَّب بعدما رمى فلا شيء عليه، لكن إذا أراد أن يحتاط فلا يتحلَّل إلا بعد الرمي والحلق.
لكن القول بأن الاكتفاء بالرمي هو ظاهر الروايات، أما زيادة وحلقتم فالأقرب عدم ثبوتها.
الأسئلة
طيب، نأخذ ما تيسر من الأسئلة:
السؤال: …
الشيخ: من عَزَم على الحج فلا مانع مِن أن يُضحِّي، واعتقاد بعض الناس أن الحاج لا يُضحِّي هذا غير صحيح، الأضحية غير الهَدي في الحج، فيُمكن أن يُهدي وأن يُضحِّي، ويمكن أن يُقال: إن الأحسن أن يُوكِّل من يُضحي عنه، باعتبار أن مكة يَكثُر فيها الهَدْي، فيُوكِّل من يُضحِّي عنه في بلده، ويُهدي هَدْيًا في الحرم.
وكما ذكرنا: أن إراقة الدماء في الهَدْي والأضحية من أفضل الأعمال، والنبي عليه الصلاة والسلام نحر مائة من البُدْن[60].
إذن؛ لا مانع من أن يجمع بين الهَدْي والأضحية، ولا علاقة باختيار النُّسك أيضًا.
سؤال الأخ: يختار الأفضل؟ يختار التمتع وأن يذبح أضحيةً، فيذبح هَدْيًا ويذبح أضحيةً.
السؤال: …
الشيخ: الذي يُمسِك هو الذي يدفع الثمن، نحن وضعنا في هذا قاعدة: من يدفع ثمن الأضحية هو الذي يُمسك.
فإذا كان الوالد هو الذي سيدفع الثمن فهو الذي يُمسك، وإذا كان واحدٌ منكم سيدفع الثمن فهو الذي يُمسك.
ونحن قلنا: لا يصح الاشتراك في المِلك في واحدةٍ من الغنم.
السؤال: …
الشيخ: ذكرنا أن القول الراجح أنه لا يُقال هذا؛ لأن الحديث المروي في ذلك لا يثبت، وأنه يقتصر على ما ورد، والذي ورد “بسم الله، والله أكبر، اللهم تقبل مني”.
“بسم الله” هذا بالإجماع ولنصوص متواترة، “والله أكبر” قلنا في البخاري، “اللهم تقبل مني” في مسلم.
“وجهت وجهي” هذا حديث ضعيف، “وجهت وجهي” أو “اللهم هذا منك ولك”، كله ضعيف. غير هذه الأمور الثلاثة فكلها ضعيفة.
مداخلة: …
الشيخ: إي نعم، لا بأس به، “بسم الله، والله أكبر، اللهم تقبل مني، اللهم إن هذه عن فلان”، لا بأس به، يستحبه الفقهاء، الفقهاء يستحبون أن يُذكر الاسم هنا: اللهم إن هذا عن فلان. إذا كان يُريد أن يُضحِّي عن غيره.
السؤال: …
الشيخ: نعم، كما مر معنا من كلام المؤلف، لكن هذا ينبغي ألَّا يلجأ إليه الإنسان إلا عند الحاجة، أما عند عدم الحاجة فيفصل العقيقة عن الأضحية.
السؤال: …
الشيخ: لا، هو غروبُ شمسِ آخِرِ يومٍ من ذي القعدة؛ يعني مثلًا: إذا ثبت رؤية الهلال بغروب شمس هذا اليوم الذي نحن فيه؛ لأن الليل يسبق النهار، يعني مثلًا: لو ثبت أن رؤية الهلال ستكون هذه الليلة، فالليلةُ الأولُ من ذي الحجة، وغدًا هو اليوم الأول من ذي الحجة، فالليل يسبق النهار.
السؤال: …
الشيخ: التسمية في الأضحية هي واجبة، لكن إذا نسيها هل تَحِلُّ أم لا؟ فالجمهور على أنها تَحِلُّ؛ لعموم الأدلة التي تدل على رفع الإثم والمؤاخذة بالنسيان: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286].
والقول الثاني: أنها لا تَحِلُّ، واختاره ابن تيمية رحمه الله، ورجحه الشيخ محمد ابن عثيمين، وهو قول قوي: أنها لا تَحِلُّ إذا نسي؛ لأن النصوص الواردة في التسمية كثيرة جدًّا: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام:121].
وقد أطال النفسَ الشيخُ محمد ابن عثيمين، في رسالة قيمة جدًّا أنصح بقراءتها، رسالة في الأضحية، أطال الكلام عن هذه المسألة، ورجح القول بأنها لا تَحِلُّ، وقال أيضًا: فيها فائدة من الناحية التربوية، إذا قلنا لا تَحِلُّ؛ فإنه لن ينسى بعد ذلك، لن ينسى التسمية.
فالقول بأنها لا تحل قول قوي.
مداخلة: …
الشيخ: رسالة مع مجموعة رسائل ومنها رسالة في الأضحية.
السؤال: …
الشيخ: أولًا: تصحيح السؤال: ما الحِكمة في هذا؟
أولًا: إذا ثبت النص فلا نسأل عن الحكمة؛ لأننا على يقين بأن حكم الله ورسوله هو حِكمة الحِكَم، لكن بعض العلماء يستنبط حِكَمًا قد تكون صحيحة وقد لا تكون، فيقولون: إن التي ذهب قرنها قد ذهب عضو تنتفع به، فإن القرن تُدافع به عن نفسها وتنتفع به، وهكذا الأذن، فإذا كانت العوراء لا تُجزئ فمن باب أولى التي ذهب قرنها.
السؤال: …
الشيخ: لا أعرف أن فيه خلافًا، الطواف بالكعبة، سواء بالكعبة مباشرة أو بالهواء؛ يعني: بالقرار أو بالهواء؛ لأن الهواء يتبع حكم القرار، فلا أعرف أن فيه خلافًا، ولا بأس بهذا الطواف، لكن كلما دنوت من الكعبة كلما كان أفضل.
السؤال: …
الشيخ: الجمهور على أنه لا يُجزئ الرمي قبل الزوال، وهناك قول عند الحنابلة أنه يُجزئ، وأيضًا عند الحنفية، وهو قول قوي؛ لأن الله يقول: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203].
ومَن رمى قبل الزوال يَصدُق عليه أنه تعجل في يومين، ولا دليل يدل على المنع من الرمي قبل الزوال، وفعل النبي غاية ما يدل عليه الاستحباب. يعني هذه وِجهةُ مَن أجاز، وهو قول قوي.
وهناك قول ثالثٌ وسطٌ، ربما يكون هو الأولى: وهو أنه يجوز للمعذور؛ من كان له عذر، ومن كان ليس معذورًا فلا.
أما المعذور فيُقاس على الرُّعاة، فإن الرعاة رخَّص لهم النبي عليه الصلاة والسلام في أن يجمعوا رَمْيَ يومٍ إلى اليوم الذي بعده، فرخَّص لهم النبي عليه الصلاة والسلام في الانتقال من وقت إلى وقت[61]. وجاء في بعض الروايات: أنه رخَّص لهم في الرمي ليلًا[62].
فكذلك أيضًا بالنسبة للرمي قبل الزوال، كأن يكون معه رفقة، أو مثلًا حج بالطائرة -مثلًا- قبل الزوال، أو نحو ذلك؛ فلا بأس.
أما من كان غير معذور؛ فالأولى أن يأخذ بقول جماهير العلماء، وألا يرمي إلا بعد الزوال.
لكن -أيضًا- لا نجزم بأنه لا يصح الرمي، لا نجزم؛ ولذلك نقول: الأولى ألا يرمي إلا بعد الزوال، فإن رمى قبل الزوال فالأقرب أنه يجزئ؛ لأن هذا الوقت كما أنه وقتٌ للذبح والنحر، هو -أيضًا- وقت للرمي.
مداخلة: …
الشيخ: قوله “كنا نتحيَّن” ليس بصريح؛ لأنهم يقصدون به النبي عليه الصلاة والسلام في هذا، يُريدون الوقت الذي رمى به النبي .
السؤال: …
الشيخ: الظاهر -والله أعلم- أن الأجر للمنوب عنه؛ لأنه قد أهدى هذا الأجر للمنوب عنه، أو قد صرف هذا الأجر للمنوب عنه.
لكن، هو يُؤجر على نيَّته، وعلى -مثلًا- الأشياء التي تخصُّه؛ كالصلاة -مثلًا- والدعاء. أما أجر الحج الوارد: رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه[63]، فهذا خاص بالمنوب عنه، وقول بعض العلماء: إنه يشمل النائب والمنوب؛ ليس عليه دليل.
السؤال: …
الشيخ: أي نوازل الحج، عندنا رسالة دكتوراه في قسم الفقه عندنا في كلية الشريعة، للشيخ علي الشلعان، وقد أخبرني بأنها تحت الطبع.
مداخلة: …
الشيخ: هي أفضل ما في النوازل؛ لأنها رسالة دكتوراه، وتحت إشراف علمي، وهي تحت الطبع، ولعلها تخرج قريبًا إن شاء الله.
السؤال: …
الشيخ: إي نعم، أحسنت. يعني إذا كان الحاج يُريد أن يُضحِّي، فهل يأخذ من شعره ومن أظفاره؟
أولًا: يا إخوان، الأخذ من الشعر والأظفار عند إرادة الإحرام هذا ليس مرتبطًا بالإحرام، ليس له علاقة بالإحرام، وإنما قال الفقهاء ذلك، يقولون: حتى لا يحتاج للأخذ منها بعد إحرامه؛ لأنه خاصة في الزمن السابق يأتون من أماكن بعيدة، وبعضهم يكون قارنًا أو مفرِدًا، فتطول مدة الإحرام.
النبي عليه الصلاة والسلام، متى عقد الإحرام؟ عقده في الخامس والعشرين من ذي القعدة، وبقي إلى العاشر من ذي الحجة، مدة طويلة، فليس له علاقة بالإحرام أصلًا.
ولذلك؛ لو لم تأخذ من شعرك ولا من أظفارك صح، ما له علاقة بالإحرام، لكن يقولون: حتى لا تحتاج للأخذ منه؛ فقط.
طيب، مَن أراد أن يُضَحِّي فليس له أن يأخذ: لا من شعره ولا من أظفاره، لكن إذا كان متمتعًا واعتمر؛ فإنه يُقصِّر أو يحلق رأسه، وهذا التقصير أو الحلق لأجل النُّسك، ولا يُؤثِّر على أضحيته.
السؤال: …
الشيخ: نعم، هو من حيث الوجوب فلا يجب عليه الحج، لكن لو أراد أن يفعل ذلك: فإن كان له دخل ثابت كأن يكون له مرتب أو دخل -مثلًا- شهري ويضمن أنه سيُسَدِّد هذا؛ فأرجو ألا يكون في هذا بأس إن شاء الله. أما إذا لم يكن له دخل ثابت؛ فلا.
يعني: لو أنه له دخل ثابت، وأراد أن يقترض لأجل أن يحج؛ فلا حرج عليه إن شاء الله، وإن كان الأولى ألا يفعل؛ لأنه لو مات فذِمَّته لا تبرأ من الدَّين، بينما لو مات ولم يحج فذمَّته بريئة؛ لأنه غير مستطيع.
السؤال: …
الشيخ: لا، إذا قال: “سأضحي” فهذا خبر، إنما تتعيَّن لو قال: “هذه أضحية”، على سبيل الإنشاء، هنا تتعيَّن.
السؤال: …
الشيخ: التسمية بـ”الوليد”؛ كره بعض العلماء ذلك، يقولون: لأن الوليد اسم للجبابرة، ففرعون يقولون: إن اسمه الوليد، وبعض الملوك -أيضًا- كان منهم بعض البطش وكانت أسماؤهم الوليد.
لكن هذا ليس عليه دليل، والصحيح أنه لا بأس بذلك.
وكونه وُجد -مثلًا- عدد من الجبابرة بهذا الاسم، لا يقتضي أن يكون هذا الاسم ممنوعًا، فالجبابرة قد يكونون بأيِّ اسم آخر، فالصحيح أنه لا تُكره التسمية به. والكراهة حكم شرعي تحتاج إلى دليل.
السؤال: …
الشيخ: لا بأس، لا بأس بهذا، إن شاء الله.
السؤال: …
الشيخ: إي نعم، إذا وصَّى الميت فالحي لا يُمسِك عن شعره ولا عن أظفاره، لا أحد يُمسِك عن الشعر والأظفار؛ لأن هذا وصية من ميت، وقد مات هذا الميت.
على أن الأصل -يا إخوان- أن الأضحية للحيِّ وليست للميت، الأصل أن الأضحية للحيِّ، بل بعض العلماء يقول: لا تُشرع عن الميت أصلًا.
وهو قول قوي؛ لأن النبي لم يُضحِّ عن زوجه خديجة، ولم يُضحِّ عن عمه حمزة، ولم يُضحِّ عن بناته، ولم يُضحِّ عن أقاربه الأموات، ولم يُنقل عن الصحابة أنهم فعلوا ذلك.
فهو قول قوي. وألَّف الشيخ عبدالله بن محمود رسالة في أنه لا تُشرع الأضحية عن الأموات.
لكن الذي يظهر -والله أعلم- أنه تجوز الأضحية عن الأموات؛ بدليل أن النبي قال: عن محمد وأمة محمد[64]، وأمة محمد فيهم أحياء وفيهم أموات؛ ولأنها من جنس الصدقة، والصدقة تصح عن الميت.
فنحن نقول: لا بأس بذلك، لكن الأفضل والأولى أن يُشرك الميتَ مع الحي، فيقول: عني وعن -مثلًا- فلان من الأموات. فهذا هو الأولى: لا يُضحِّي عن الميت استقلالًا، إلا أن يوصي.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الحاشية السفلية
^1, ^38 | رواه البخاري: 969. |
---|---|
^2 | رواه أحمد: 18773، وأبو داود: 1949، والترمذي: 889. |
^3, ^8 | رواه مالك: 103. |
^4 | رواه مالك: 102. |
^5 | رواه البخاري: 1، ومسلم: 1907. |
^6, ^17, ^19, ^23, ^28, ^33, ^36, ^42, ^49, ^53, ^54, ^60, ^64 | سبق تخريجه. |
^7 | رواه البخاري: 2731. |
^9 | رواه أحمد: 8273، وابن ماجه: 3123. |
^10, ^44 | رواه مسلم: 1977. |
^11 | رواه البخاري: 881، ومسلم: 850. |
^12 | رواه مالك: 10، والترمذي: 1505، وابن ماجه: 3147. |
^13, ^15, ^32 | رواه مسلم: 1967. |
^14 | رواه مسلم: 1318. |
^16 | رواه أحمد: 25046، وابن ماجه: 3122. |
^18 | رواه أحمد: 23860، والترمذي: 1494. |
^20 | رواه أحمد: 23123، وأبو داود: 2799، وابن ماجه: 3140. |
^21 | رواه مسلم: 1963. |
^22 | رواه أحمد: 6756، وأبو داود: 495. |
^24 | رواه أحمد: 25843. |
^25, ^26 | رواه أحمد: 18510، وأبو داود: 2802، والنسائي: 4369، وابن ماجه: 3144. |
^27 | رواه أحمد: 633، وأبو داود: 2805، والترمذي: 1504، والنسائي: 4377، وابن ماجه: 3145. |
^29, ^30 | رواه البخاري: 5565، ومسلم: 1966. |
^31 | رواه ابن ماجه: 3121، والدارمي: 1989. |
^34 | رواه مسلم: 1141. |
^35 | رواه أحمد: 16751، وابن حبان: 3854. |
^37 | رواه البخاري: 1997. |
^39 | رواه مسلم: 1971. |
^40 | رواه مسلم: 1975. |
^41 | رواه مسلم: 1218. |
^43 | رواه البخاري: 1717، ومسلم: 1317. |
^45 | رواه البخاري: 2517، ومسلم: 1509. |
^46 | رواه أبو داود: 2789، والنسائي: 4365. |
^47 | رواه أحمد: 20193، وأبو داود: 2837، والترمذي: 1522، والنسائي: 4220. |
^48 | رواه أحمد: 24028، وأبو داود: 2834، والترمذي: 1513، وابن ماجه: 3162. |
^50 | رواه الطبراني في “الصغير”: 229. |
^51 | رواه أحمد: 20083، وأبو داود: 2837، والترمذي: 1522، والنسائي: 4220. |
^52 | رواه البخاري: 5471. |
^55 | رواه البخاري: 6198، ومسلم: 2145. |
^56 | رواه البخاري: 4570، ومسلم: 2144. |
^57 | رواه مسلم: 2132. |
^58 | رواه البخاري: 6192، ومسلم: 2141. |
^59 | رواه أحمد: 2090، وابن ماجه: 3041. |
^61 | رواه مالك: 218، وأحمد: 23774، وأبو داود: 1975. |
^62 | رواه مالك: 219، وأحمد: 23777. |
^63 | رواه البخاري: 1820، ومسلم: 1350. |