|categories

(24) فصل في أوقات النهي

مشاهدة من الموقع

فصلٌ في أوقات النهي

المراد بأوقات النهي الأوقات التي نهى الشارع عن الصلاة فيها؛ وذلك أن الأصل هو مشروعية الصلاة دائمًا، قال : صلاة الليل مثنى مثنى [1]، وجاء في روايةٍ: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى [2]، والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77]، وقال : أعِنِّي على نفسك بكثرة السجود [3].

الأصل مشروعية الصلاة، لكن هناك أوقاتٌ يُنهى فيها عن التطوع، وهذه الأوقات، الوقت الأول قال:

من طلوع الفجر إلى ارتفاع الشمس قِيدَ رمحٍ

وهي من طلوع الفجر إلى ارتفاع الشمس قِيدَ رُمحٍ.

يعني: من بعد طلوع الفجر، هنا أفاد المؤلف بقوله: “من طلوع الفجر”، أن الوقت يبدأ من طلوع الفجر، وليس من صلاة الفجر.

وهذه المسألة محل خلافٍ بين أهل العلم، هل النهي متعلقٌ بطلوع الفجر، أو صلاة الفجر؟

أما بالنسبة لصلاة الفجر: فالأحاديث الواردة فيها في “الصحيحين”: لا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس [4]، لكن الأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة بعد طلوع الفجر، هذه قد وردت، فجاء في “البخاري”: لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس [5]، وعند مسلمٍ: لا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس [6]، فهذه رواية “الصحيحين”، وأما رواية: لا صلاة بعد طلوع الفجر [7]، فهذه قد وردت في غير “الصحيحين” وردت في بعض الروايات: لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتا الفجر [8]، ولكن هذا الحديث بهذا اللفظ غير محفوظٍ، والمحفوظ هو رواية “الصحيحين”: لا صلاة بعد صلاة الصبح.

خذها قاعدة: إذا ورد حديث في “الصحيحين”، ووردت روايةٌ بلفظٍ آخر في غير “الصحيحين”، فالغالب أن هذه الرواية ضعيفةٌ؛ لأنها لو كانت صحيحةً لأوردها البخاري ومسلمٌ، هذه قاعدةٌ، هذا هو الأصل أو الغالب في هذا، وعلى تقدير صحة هذه الرواية: لا صلاة بعد طلوع الفجر، فيحمل قوله على نفي المشروعية، أي: لا يشرع للإنسان أن يتطوع بنافلةٍ إلا ركعتي الفجر، لكن ليس في هذه الرواية دليلٌ على أنه وقت نهيٍ، فلو تطوع لم يأثم بناءً على هذا، ولهذا؛ فالأقرب -ولله أعلم- أن النهي متعلقٌ بفعل الصلاة، وأن وقت النهي إنما يبتدئ من بعد صلاة الفجر، وليس من بعد طلوع الفجر؛ لأن الروايات الصحيحة في “الصحيحين” إنما قيدت ذلك بصلاة الفجر، ولم تقيد ذلك بطلوع الفجر، والرواية التي وردت بطلوع الفجر قلنا: روايةٌ ضعيفةٌ، ولو ثبتت فليست صريحةً في أن هذا وقت نهيٍ؛ فيكون الصواب إذنْ: هو أن الوقت من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس.

والمؤلف أجمل، قال: “إلى ارتفاع الشمس قِيدَ رمحٍ”؛ لأن بعض الفقهاء يذكر أوقات النهي على سبيل الإجمال، ومنهم المؤلف، فيكون الوقت الأول من بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، والوقت الثاني من حين طلوع الشمس حتى ترتفع قِيدَ رمحٍ، والمقصود بقولنا: “قيد رمح” يعني: قَدرَ رمحٍ، وهو ما يعادل قدر مترٍ تقريبًا، في رأي العين، وليس في حقيقة الأمر، ويدل لذلك ما جاء في “صحيح مسلم” عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : إذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تَبرُز، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب [9]، وأيضًا في “الصحيحين” من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: لا يتحرى أحدكم، فيصلي عند طلوع الشمس، ولا عند غروبها [10]، وأيضًا في حديث عمرو بن عبسة في “صحيح مسلمٍ”: صل الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطانٍ، وحينئذٍ يسجد لها الكفار [11].

قيد رمح بالدقائق، حسبته أكثر من مرةٍ، وجدت أنه تقريبًا من 9-10 دقائق، وأما قول بعض الإخوة: إنه يصل إلى ثلث ساعةٍ، فهذا بعيدٌ، ثلث ساعةٍ تكون الشمس قد ارتفعت كثيرًا، لكنه في هذا القدر من 9-10 دقائق، تكون الشمس تقريبًا قد ارتفعت قِيدَ رمحٍ.

داخل العمران قد لا يتيسر رؤية الشمس وقت الطلوع؛ فيعتمد على التقاويم، التقاويم بالنسبة لطلوع الشمس وغروبها دقيقةٌ، التقاويم العالمية كلها متفقة على هذا؛ ولذلك تأخذ وقت الشروق من التقويم أو من الساعة، وتضيف عليه 10 دقائق إذا أردت أن تصلي، لو كنت في المسجد، أو أردت أن تصلي صلاة الضحى، فتضيف لوقت الشروق المدون في التقويم 10 دقائق من 9-10 دقائق، قال:

من صلاة العصر إلى غروب الشمس

ومن صلاة العصر إلى غروب الشمس.

هذا هو الوقت الثالث، وقد ورد النهي عنه في الأحاديث السابقة، فإنها قد قرنت النهي عن الصلاة بعد طلوع الفجر بالنهي كذلك عن الصلاة بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس؛ كما في قول النبي : لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس [12]، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: «نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تُشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب» [13]، وفي حديث عمر ابن عَبَسة : حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس [14]، والنهي هنا متعلقٌ بالصلاة، يعني بصلاة العصر، لو أنك أخرت صلاة العصر فإن وقت النهي يتأخر مع تأخير صلاة العصر.

لو جمع بين الظهر والعصر جمع تقديمٍ، فمتى يكون وقت النهي عنده؟ بعد صلاة العصر مباشرةً، يعني في وقت الظهر، فإذنْ وقت النهي متعلقٌ بالصلاة.

من حين أن تشرع الشمس في الغروب إلى أن تغرب

الوقت الرابع: من حين أن تشرع الشمس في الغروب إلى أن تغرب، يعني إلى أن يتكامل الغروب؛ وذلك أن قرص الشمس إذا دنا من الغروب يبدو ظاهرًا كبيرًا، فإذا بدأ أوله يغيب فهذا هو وقت النهي، المقصود هنا: حتى يتكامل غروبه، ويدل لذلك: حديث ابن عمر رضي الله عنهما في “الصحيحين”: إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى ترتفع، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب الشمس [15]، وفي في حديث عمرو بن عَبَسة : ثم أَقصِر عن الصلاة حين تغرب الشمس؛ فإنها تغرب حين تغرب بين قرني شيطانٍ، وحينئذٍ يسجد له الكفار [16].

قال بعض أهل العلم: إن هذا الوقت مقابلٌ لوقت طلوعها حتى ترتفع قيد رمحٍ، فينبغي أن يكون هذا الوقت بقدر ما يبقى على غروبها قيد رمحٍ، وقدرنا هذا بنحو 10 دقائق.

وبناءً على ذلك: يكون هذا الوقت إذا بقي على غروب الشمس نحو 10 دقائق حتى تغرب، فإذا بقي على غروب الشمس 10 دقائق فهذا هو وقت النهي.

وسنفرق بين هذا الوقت والذي قبله؛ لأن وقت النهي هنا شديدٌ.

عند قيام الشمس حتى تزول

الوقت الخامس قال:

وعند قيامها حتى تزول.

يعني: عند قيامها الضمير يرجع إلى الشمس، وجاء في بعض الروايات: حين يقوم قائم الظهيرة [17]؛ وذلك أن الشمس من طلوعها تبدأ في الارتفاع إلى أن تصل أقصى ارتفاع لها عند منتصف النهار، ثم تبدأ في الهبوط، فحين تصل أقصى ارتفاع لها هذا هو وقت النهي، وهو أقصر ما يكون للظل في النهار، أقصر ما يكون للظل، وقد ينعدم الظل في بعض البلدان، وفي بعض أوقات السنة -مثلًا عندنا هنا في الرياض- لا ينعدم الظل، لكن يقصر كثيرًا في الصيف بالتحديد في 21 يونيو، وإنما ذكرت هذا التاريخ؛ لأن هذا التاريخ ثابتٌ، بينما الهجري قد يتغير، 21 يونيو من كل سنة هذا أقصر ما يكون الظل، لكن قد ينعدم الظل تمامًا؛ وذلك عند مدار السرطان، يعني جنوب الرياض، يعني بعد حوطة بني تميم بــ(10 كيلومتراتٍ) تقريبًا، هذا موضع مدار السرطان، هنا ينعدم الظل تمامًا لو كنت في يوم 21 يونيو تحت مدار السرطان منتصف النهار، لا ترى أي ظلٍّ، قد ذهبتُ أكثر من مرةٍ لذلك المكان في ذلك التاريخ فوجدته كذلك، لا تجد أي ظلٍّ، ينعدم تمامًا.

هذا عند انعدام الظل، وعند ارتفاع الشمس، هذا هو وقت النهي، جاء في حديث عمرو بن عَبَسة : صل صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع قال: ثم صل؛ فإن الصلاة مشهودةٌ محضورةٌ حتى يستقل الظل بالرمح، يعني: حتى يبلغ الظل أقل منتهًى له في القصر، قال النووي: حتى يقوم الظل مقابل الرمح جهة الشمال ليس مائلًا إلى المغرب، ولا إلى المشرق.

يعني: هذه أيضًا علامةٌ أخرى، الشمس حينما تطلع يكون الظل من جهة الغرب طويلًا، ثم يبدأ الظل في القصر، ويبلغ أقصر ما يكون عند منتصف النهار، عند وقت النهي، وأيضًا تجد أنه في نفس الوقت يميل جهة الشمال، فإذا وصل الظل إلى جهة الشمال الحقيقي تمامًا، فهذا وقت النهي، فإذا زال من الشمال إلى الشرق نقول: زالت الشمس، فنستطيع أن نعرف الزوال بأمرين:

إما بزيادة الظل بعد تناهي قصره، وإما بانحراف الظل من جهة الشمال إلى جهة الشرق.

تقدير هذا الوقت بالدقائق؟ هذا الوقت وقتٌ يسيرٌ ليس طويلًا، ويظهر أنه قبل الأذان المدون في التقاويم بنحو 5 دقائق، على أن الأذان الموجود في التقاويم الآن على وقت النهي، ليس على الزوال، الذين وضعوا التقاويم جعلوه على وقت النهي؛ لأنهم جعلوه على منتصف النهار، ومنتصف النهار وقت النهي كان المفترض أن يضيفوا دقائق حتى تزول الشمس، لكن سبرت هذا ووجدته وقتًا يسيرًا حتى تزول الشمس من دقيقتين ونصف إلى ثلاث دقائق، وهذا وقتٌ يسيرٌ، ربما المؤذن لا يفرغ من أذانه إلا وقد زالت الشمس، ولكن مع ذلك، ينبغي أن يُعنى بهذه المسألة، التقاويم تُعَدَّل وتضاف هذه الدقائق الثلاث، ووقت العصر بُني على وقت الظهر، في التقاويم يحتاج أيضًا إلى أن تضاف ثلاث دقائق لوقت العصر، ولو جعلت خمس دقائق لكان أمكن وأحوط.

أقول هذا؛ لأن بعض الناس من حين أن يؤذن المؤذن يكبر، خاصةً في المطارات رأيت هذا، ينتظرون الأذان، فمن حين أن يؤذن المؤذن يكبرون للصلاة، فيكونون قد ابتدؤوا الصلاة قبل دخول وقتها، فينبغي التنبه لهذا.

فإذنْ نحتاج خمس دقائق قبل الأذان مع ثلاث دقائق عند منتصف النهار تكون 8 دقائق، تقريبًا في هذه الحدود، لو احتاط وجعلها 10 دقائق فهذا أحوط، فيكون قبل أذان الظهر وقت النهي من 5-10 دقائق على الأكثر، وأما قول بعض المشايخ: إنها ثلث ساعةٍ هذا وقتٌ كثيرٌ، ثلث ساعةٍ كثيرٌ، لكن الذي يظهر أنه لا يتجاوز 10 دقائق.

إذنْ هذه هي أوقات النهي الخمسة على سبيل التفصيل، والمؤلف أجملها.

التنفل وقت الزوال يوم الجمعة

هل تُستثنى الجمعة بالنسبة لهذا الوقت الأخير أو لا تستثنى؟ يعني: هل نقول لمن يتنفل في المسجد الجامع يوم الجمعة: لك أن تتنفل وتتطوع إلى وقت النهي، يعني إلى قبل الأذان بعشر دقائق؟ أو نقول: إن الجمعة مستثناة؟

اختلف العلماء في هذه المسألة:

الجمهور على أن الجمعة كغيرها، وأن فيها وقت نهيٍ حين يقوم قائم الظهيرة.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن الجمعة مستثناة من هذا، فليس فيها وقت نهيٍ عند منتصف النهار، وإلى هذا القول ذهب الشافعي، والقاضي أبو يوسف من الحنفية، والأوزاعي، وهو قولٌ عند الحنابلة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمة الله على الجميع، واستدلوا بحديث سلمان  في “البخاري”: أن النبي قال: لا يغتسل الرجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهره ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى [18]، قالوا: فالنبي استحب التبكير، ورغب في صلاة النافلة إلى خروج الإمام، وقد كان عليه الصلاة والسلام لا يخرج للجمعة إلا بعد الزوال، فلو كان هذا وقت نهيٍ لبيَّن هذا النبي ؛ ولما رغَّب في النافلة إلى حين خروج الإمام.

قال ابن عبدالبر: النهي عن الصلاة عند استواء الشمس صحيحٌ، إلا أنه خُص منه يوم الجمعة؛ لما رُوي من العمل المستفيض في المدينة في زمن عمر وغيره من الصلاة يوم الجمعة حتى يخرج عمر، وبما رُوي في ذلك مما يعضِّد العمل المذكور، والعمل في مثل هذا لا يكون إلا توقيفيًّا.

وابن القيم في “زاد المعاد” انتصر لهذا القول، وقال: إن الصحابة لم يكونوا يخرجون من المسجد فينظرون هل الشمس في كبد السماء أم لا؟ ولو كان يوم الجمعة كغيره لذهبوا وتأكدوا ونظروا للشمس، وهذا لا شك أنه قولٌ قويٌّ.

لكن قول الجمهور هو الأحوط، وقول الشافعي ليس له دليلٌ ظاهرٌ إلا مجرد هذه العمومات ومجمل الآثار، لكن يبقى قول الجمهور قولًا قويًّا، فيحتمل الجمع بين هذا بأن يقال: إن الصحابة  كانوا يعرفون الحكم في هذا، فكانوا يُقصِرون عن الصلاة وقت النهي، فالأحوط هو قول الجمهور في هذه المسألة.

أقسام أوقات النهي

يقسم العلماء أوقات النهي إلى قسمين:

  • الأوقات التي يكون النهي عن الصلاة فيها شديدًا.
  • والأوقات التي لا يكون فيها النهي شديدًا.

أما الأوقات التي فيها النهي شديدٌ: فهو عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وحين يقوم قائم الظهيرة، وهذه لا يجوز التطوع فيها، ولا دفن الموتى، كما في حديث عقبة بن عامرٍ : «ثلاث ساعاتٍ نهانا النبي أن نصلي فيهن أو نَقبُر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغةً حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وتضيف الشمس للغروب» [19]، فهذه النهي فيها شديدٌ؛ ولذلك لا يدفن فيها الموتى.

وأما الأوقات التي لا يكون النهي فيها شديدًا، فهي ما بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، وبعد صلاة العصر إلى غروب الشمس؛ ولذلك يجوز دفن الموتى في هذين الوقتين، وعليه عمل الناس، الناس يدفنون موتاهم بعد صلاة العصر، مع أنه وقت نهيٍ، لكن النهي هنا ليس نهيًا شديدًا، لكن نفترض أن هذا الميت تأخر الذين يشيعونه إلى قبيل غروب الشمس بعشر دقائق، نقول: يؤخرون دفنه لا يدفنونه في هذا الوقت؛ لأنه ورد النهي عن ذلك.

حرمة الصلاة في أوقات النهي وعدم انعقادها

قال المؤلف:

فتحرم صلاة التطوع في هذه الأوقات، ولا تنعقد ولو جاهلًا للوقت والتحريم.

لأن عندهم قاعدةً: أن النهي يقتضي الفساد، قال:

ما الذي يجوز وما الذي لا يجوز في أوقات النهي؟

 سوى سنة الفجر قبلها، وركعتي الطواف، وسنة الظهر إذا جمع، وإعادة جماعةٍ أقيمت وهو في المسجد.

وهذه المسألة ما الذي يجوز وما الذي لا يجوز في أوقات النهي؟ محل خلافٍ كثيرٍ بين أهل العلم، والمؤلف قرَّر ما عليه المذهب عند الحنابلة من استثناء صلواتٍ معينةٍ، وهذه الصلوات كسنة الفجر قبلها، بناءً على أن وقت النهي يبدأ من طلوع الفجر، ونحن رجحنا أن وقت النهي يبدأ من بعد صلاة الفجر؛ ولذلك لا حاجة لهذا الاستثناء.

وركعتي الطواف؛ لقول النبي : يا بني عبد منافٍ، لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت أية ساعةٍ شاء من ليلٍ أو نهارٍ [20].

وسنة الظهر إذا جمع، لحديث أم سلمة رضي الله عنها، أن النبي لما فاتته ركعتا الظهر قضاهما بعد العصر [21].

وإعادة جماعةٍ أقيمت وهو في المسجد؛ لحديث أبي ذرٍّ أن النبي قال: صل الصلاة لوقتها، فإن أقيمت وأنت في المسجد فصل، ولا تقل: إني صليت فلا أصلي [22]، رواه مسلمٌ.

ويجوز فيها قضاء الفرائض؛ لعموم: من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها إذا ذكرها [23].

وفعل المنذورة ولو نذرها فيها؛ لأنها واجبةٌ أشبهت الفرائض، فاستثنوا هذه الصلوات.

والقول الثاني في المسألة: أن ذوات الأسباب عمومًا يجوز فعلها في أوقات النهي، وتشمل هذه التي ذكرها المؤلف، وتشمل غيرها من كل ما له سببٌ؛ كتحية المسجد، وصلاة الكسوف، وركعتي الطواف، وغير ذلك من مما له سببٌ، وهذا هو مذهب الشافعية، وهو روايةٌ عند الحنابلة، وهو القول الراجح، وهو الذي اختاره جمع من المحققين من أهل العلم؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وهو الذي عليه فتوى مشايخنا: سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، رحمة الله على الجميع.

ويدل لهذا: أن الأحاديث الواردة في فعل ذوات الأسباب عند وجود سببها عامةٌ محفوظةٌ لم تخصص، بخلاف أحاديث النهي عن الصلاة، فإنها مخصوصةٌ بما ذكره المؤلف، وأيضًا ذوات الأسباب هي مقرونةٌ بأسبابٍ، فيبعد أن يقع الاشتباه في مشابهة المشركين؛ لأن النهي عن الصلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها؛ لئلا يتشبه المصلي بالمشركين الذين يسجدون عند طلوع الشمس وعند غروبها.

ومما يدل لهذا أيضًا: أنه قد جاء في بعض الروايات في أحاديث النهي عن الصلاة، جاءت بلفظ: لا تَحَرَّوا، كما جاء في “الصحيحين” عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي قال: لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها [24]، والذي يصلي لسببٍ لا يقال: إنه متحرٍّ، بل يقال: إنما صلى لقيام السبب.

فالقول الراجح: أنه يجوز فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي عمومًا.

والاعتبار في التحريم بعد العصر بفراغ صلاة نفسه، لا بشروعه فيها، هذه المسألة أشرنا لها، وهكذا أيضًا بالنسبة لصلاة الفجر على القول الراجح الاعتبار بالصلاة نفسها؛ ولذلك له أن يتطوع قبل صلاة العصر بما شاء حتى لو أخر صلاة العصر فله أن يتطوع، فالعبرة إذنْ بفراغه من صلاة نفسه، وقوله بصلاة نفسه، لو أن الناس فرغوا من صلاة العصر في المسجد والمرأة أخرت صلاة العصر لم تصلِّها بعدُ فهل لها أن تتطوع؟ نعم لها، لم يدخل وقت النهي في حقها بعد.

قال:

“لا بشروعه فيها”.

فلو أحرم بها ثم قَلَبها نفلًا لم يمنع من التطوع؛ لأن الاعتبار بالتحريم إنما هو بفراغ صلاة نفسه.

هذه هي أبرز الأحكام المتعلقة بأوقات النهي.

قراءة القرآن في الطريق

ثم استطرد المؤلف، وذكر جملةً من المسائل، قال:

وتباح قراءة القرآن في الطريق.

إنما نص المؤلف على هذا؛ ردًّا على قول من قال: إن هذا يكره، والصحيح أنه لا يكره؛ لأنه ذكرٌ لله تعالى، وقد كان النبي يذكر الله على كل أحيانه، وأُثر هذا عن بعض السلف، قال إبراهيم التيمي: كنتُ أقرأ على أبي وهو يمشي في الطريق، فإذا قرأت سجدةً قلت: أسجد في الطريق؟ قال: نعم.

ومع حدثٍ أصغر.

يعني: تجوز قراءة القرآن مع حدثٍ أصغر، إنما الممنوع قراءة القرآن مع الحدث الأكبر؛ لحديث عليٍّ : “كان النبي لا يحجزه عن القرآن شيءٌ ليس الجنابة” [25]، رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، وقال الترمذي: حديث حسنٌ صحيحٌ، وحسنه الحافظ في “الفتح”، على أن من العلماء من يضعفه، ولولا هذا الحديث لقلنا: إن الجنب يجوز له أن يقرأ القرآن، وهو قولٌ قويٌّ، والمسألة ترجع إلى درجة هذا الحديث، فإذا قلنا: إنه حديثٌ ثابتٌ فنعمل به، وإذا قلنا: إنه حديثٌ ضعيفٌ، فيكون القول بقراءة الجنب القرآن قولًا قويًّا.

ونجاسة ثوبٍ وبدنٍ وفمٍ.

يعني: أنها لا تمنع من قراءة القرآن، فلو كان على الإنسان نجاسةٌ في ثوبه، أو في بدنه، فإن هذا لا يمنع من قراءة القرآن.

حكم حفظ القرآن الكريم

وحفظ القرآن فرض كفايةٍ.

حكي إجماعًا، وحفظ القرآن من النعم والمنن التي ينعم الله بها على الإنسان، قال تعالى: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت:49]، ولهذا؛ ينبغي لطالب العلم أن يحرص على حفظ القرآن؛ فإنها من أعظم نعم الله تعلى على الإنسان.

قال:

ويتعين حفظ ما يجب في الصلاة.

وهو الفاتحة، وذلك؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجبٌ، وقراءة الفاتحة ركنٌ من أركان الصلاة بالنسبة للإمام والمنفرد، وحينئذٍ فإنه يجب عليه أن يحفظها، وأن يتعلمها.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 990، ومسلم: 749.
^2 رواه أبو داود: 1295.
^3 رواه مسلم: 489.
^4 رواه البخاري: 1197، ومسلم: 827.
^5 رواه البخاري: 586، ومسلم: 827.
^6, ^12 رواه مسلم: 827.
^7 رواه الترمذي: 419.
^8 رواه أبو داود: 1278، والترمذي: 419 بنحوه.
^9 رواه البخاري: 3272، ومسلم: 829.
^10 رواه البخاري: 585، ومسلم: 828.
^11, ^14 رواه مسلم: 832.
^13 رواه البخاري: 581، ومسلم: 826.
^15, ^24 رواه البخاري: 583، ومسلم: 828.
^16 سبق تخريجه.
^17, ^19 رواه مسلم: 831.
^18 رواه البخاري: 883.
^20 رواه أبو داود: 1894، والترمذي: 868، وقال: حسنٌ صحيحٌ، والنسائي: 1574، وابن ماجه: 1254، وأحمد: 16736.
^21 رواه البخاري: 1233، ومسلم: 834.
^22 رواه مسلم: 648.
^23 رواه البخاري: 597، ومسلم: 684 بنحوه.
^25 رواه أبو داود: 229، والترمذي: 146، والنسائي: 265، وابن ماجه: 594، وأحمد: 639.