جدول المحتويات
تتمة الحديث على فضائل الأعمال
مَن وصلني وصله الله[1].
الطالب: يصله الله؛ أي: يوفقه لأعمال يحبها الله .
الشيخ: يعني: وصله الله بكل خير وبِر وتوفيق وتيسير؛ يعني -كما يقال- يصبح محظوظًا في كل شيء، أي شيء يدخل فيه يكون محظوظًا.
قطعه الله: قطعه الله من كل خير وبِر وتيسير وتوفيق، هذا نجده في الواقع؛ انظر إلى الواصل رحمه، البار بوالديه، تجده موفقًا، ومِن أهنأ الناس عيشًا، ومِن أكثرهم سعادةً. بينما العاق أو القاطع مِن أتعس الناس، لا يمكن أن تجد قاطعًا لرحمه سعيدًا في حياته أبدًا، قد تجده ذا ثروة لكنه ليس بسعيد؛ لأن الله تكفل بهذا، لمَّا خلق العرش تكفل للرحم بأن يصل مَن وصل رحمه، وأن يقطع مَن قطع رحمه.
كيف تكون صلة الرحم؟
صلة الرحم تكون بماذا؟ كيف تكون صلة الرحم؟ إنسان يقول: أنا أريد أن أصل رحمي، كيف أصل رحمي؟ مَن يجيب عن هذا السؤال؟
بما عدَّه الناس إحسانًا، يعني ترجع للعرف، والقطيعة بما عدَّه الناس قطيعة؛ الناس تُفرِّق تقول: فلان واصل، فلان قاطع.
والآن مع كثرة مشاغل الناس، وأيضًا بُعد المساكن ونحو ذلك؛ يمكن أن يُستفاد من وسائل التقنية الحديثة في تعزيز صلة الرحم، ومن ذلك مثلًا المجموعات على الواتساب بين الأرحام؛ هذه تُحقِّق قدرًا كبيرًا من صلة الرحم، بين الجيران كذلك يتواصلون كل يوم عن طريق هذه المجموعة الإلكترونية؛ لأن المرجع فيها للعرف.
مَن أحب أن يُبسَط له في رزقه، وأن يُنسأ له في أثره؛ فَلْيَصِلْ رحمه[2]؛ يعني: مَن أحب أن يُزاد له في الرزق، يُبسَط له، ويطول في عمره؛ فَلْيَصِلْ رحمه، هذا حديث صحيح.
طيب، كيف نجيب عن السؤال: أننا نجد من الناس مَن هو واصل لرحمه ويموت شابًّا، وواصل لرحمه ويكون فقيرًا، بينما نجد قاطعًا رحمه يُعمّر، وقاطعًا رحمه وثريًّا؛ كيف نوفِّق بين هذا وبين الواقع؟
نعم، نقول: طول العمر وبسط الرزق المقصود به النسبي، هذا الواصل لرحمه لو لم يصل رحمه لكان أفقر من ذلك، لو لم يصل رحمه لمات قبل ذلك، هذا القاطع لرحمه لو أنه وصل رحمه لكان أغنى من حاله التي هو فيها الآن، هذا القاطع لرحمه لو أنه كان واصلًا لرحمه لكان أطول عمرًا من ذلك؛ فالمقصود إذَن طول العمر وبسط الرزق النسبي.
الصلاة لمواقيتها
ونكمل -إن شاء الله- بعد الأذان.
وهذا قد جاء في حديث ابن مسعود في الصحيحين قال: سألت النبي : أيُّ العمل أحب إلى الله؟ هذا سؤال عظيم، أيُّ العمل أحب إلى الله؟ أيُّ عبادة أحب إلى الله؟ ماذا قال عليه الصلاة والسلام؟ قال: الصلاة على وقتها[3] الصلاة أحب العبادة والعمل إلى الله؛ لماذا؟ لأن الصلاة يجتمع فيها عبادات كثيرة؛ يجتمع فيها الخضوع لله، والسجود، والركوع، وتلاوة القرآن، والتسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير.
ولذلك؛ لما فُرضت هذه العبادة فُرضت على طريقة خاصة وصِفة خاصة، جميع الواجبات الشرعية تُفرض من الله تعالى على نبينا محمد بواسطة جبريل، إلا الصلاة، فقد أُسري بنبينا محمد من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عُرج به حتى جاوز السماء السابعة، ووصل إلى سدرة المنتهى، وصل إلى أعلى مكان وصله البشر، حتى إنه سمع صوت صرير الأقلام بكتابة القدر، وكلمه الله مباشرةً من غير واسطة، لكنه لم يَرَ الله؛ لأن لا أحد يستطيع من البشر بتكوينه البشري أن يتحمل عظمة الرب؛ لذلك لمَّا قال موسى: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ[الأعراف: 143] مجرد تَجَلٍّ؛ الجبل ما تحمل، وموسى صعق -غُشي عليه-، لكن الله تعالى يُمكِّن المؤمنين في الجنة من رؤيته جل وعلا.
فَرَضَ الله على النبي وعلى أمته هذه العبادة، لمَّا فرضها الله عليه وعلى أمته كم صلاة؟ خمسين صلاة في اليوم والليلة، تصوروا يا إخوان، يعني خمسين صلاة في أربع وعشرين ساعة، هذا يدل على محبة الله لهذا النوع من التعبد، وإلا لو بقيت معنى ذلك كل نصف ساعة تقريبًا صلاة، لكن الله تعالى من رحمته أنه لما خفَّفها خفَّفها إلى خمس صلوات في الفعل فقط، لكنها لم تُخفَّف في الأجر والثواب، أجرها أجر خمسين صلاة. ولذلك؛ أفضل عبادة يشتغل بها الإنسان الصلاة، إن استطعت أن تشغل وقتك بالصلاة فافعل، ما عدا أوقات النهي.
لهذا؛ كان الإمام أحمد بن حنبل -كما في ترجمته- يصلي لله تعالى في اليوم والليلة تطوعًا من غير الفريضة ثلاثمئة ركعة، وكان الحافظ عبدالغني المقدسي صاحب "عمدة الأحكام" يقتدي بالإمام أحمد في هذا؛ لأنهم يعلمون أن هذه العبادة هي أحب العبادات إلى الله؛ ولهذا إذا أتيت المسجد الجامع يوم الجمعة ولم تكن أنت الخطيب، ما أفضل عبادة تشتغل بها؟ الصلاة، تصلي ركعتين ركعتين ركعتين إلى قُبيل الزوال، إلى قُبيل الزوال -وقت النهي بحدود يعني سبع دقائق إلى عشر دقائق-.
وإذا أردت أن تشتغل بتلاوة القرآن فما أحسن أن تجعل تلاوة القرآن داخل الصلاة، خذ المصحف -ولو من الجوال- واقرأ وأنت في الصلاة، وصلِّ وصلِّ إلى قُبيل الزوال بنحو عشر دقائق وتوقف، وقد رُوي هذا عن السلف؛ فالصلاة إذَن هي أحب الأعمال إلى الله .
قال:
بر الوالدين والجهاد في سبيل الله
وبِر الوالدين داخل في صلة الرحم، تكلمنا عن هذا.
ويدخل في ذلك جهاد الدعوة؛ فإنه من أعظم ما يكون من الجهاد دعوة الناس وتعليمهم العلم، هذا يدخل في الجهاد.
الحب في الله، والبغض في الله
هذا من أوثق عُرى الإيمان؛ وقد ذكر النبي أن من الذين يُظِلُّهم الله تعالى تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ رجلان تحابَّا في الله، اجتمعَا عليه وتفرقَا عليه[4].
قال عليه الصلاة والسلام: ما أُعطي أحد عطاءً خيرًا ولا أوسع من الصبر[5].
يعني: ينبغي أن تكثر من الدعاء.
ثم انتقل المؤلف للكلام عن آداب الدعاء، وإن شاء الله الدرس القادم نفتتح به الكلام عن الدعاء وفضله وآدابه، ومتى يُستجاب الدعاء؟ ذكر المؤلف لطائف في استجابة الدعاء، إذا أردت أن يُستجاب دعاؤك كيف تفعل؟ وذكر المؤلف لطائف ودقائق في هذا لأسباب إجابة الدعاء، هذا سنفتتح به درسنا القادم -إن شاء الله-.
ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.