الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(12) باب إزالة النجاسة- من قوله: “يشرط لكل متنجس سبع غسلات..”
|categories

(12) باب إزالة النجاسة- من قوله: “يشرط لكل متنجس سبع غسلات..”

مشاهدة من الموقع

طهارة النجس

لما تكلم المؤلف عن طهارة الحدث انتقل للكلام عن طهارة النجس، وذلك لأن الطهارة إما أن تكون عن حدث أو خبث.

والحدث سبق تعريفه بأنه: وصف معنوي يقوم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها مما تشترط له الطاهرة.

أما الخبث: فهو عين مستقذرة شرعًا.

وقولنا: عين، أي ليست وصفًا كالحدث، وشرعًا: أي أن الاستقذار لا يرجع لهوى الإنسان؛ وإنما يرجع للشرع هو الذي يحكم بنجاستها واستقذارها، فإن بعض الناس قد يستقذر الشيء الطاهر.

أقسام النجاسة

يقسم الفقهاء النجاسة إلى قسمين: نجاسة عينية، ونجاسة حكمية.

أما النجاسة العينية فلا يمكن تطهيرها، فالعذرة التي تخرج من الإنسان أو روث ما لا يؤكل لحمه لا يمكن أن يطهر مهما سُكب عليه من الماء، إلا إذ استحالت على رأي بعض العلماء.

كم يشترط من الغسلات لإزالة النجاسة

قال المؤلف رحمه الله:

يشرط لكل متنجس سبع غسلات، وأن يكون إحداها بتراب طاهر طهور أو صابون ونحوه في متنجس بكلب أو خنزير.

يعني: يشترط في إزالة النجاسة سبع غسلات، والمقصود النجاسة على غير الأرض؛ لأن النجاسة على الأرض سيأتي كلام المؤلف عنها وأنها تختلف في الحكم، لكن المقصود النجاسة على غير الأرض يشترط في إزالتها سبع غسلات كل غسلة منفصلة عن الأخرى؛ فيغسل أولًا ثم يعصر، ثم يغسل، ثم يعصر، وهكذا، وهذا هو المذهب عند الحنابلة أنه لا بد من سبع غسلات لإزالة النجاسة حتى ولو زالت النجاسة بأول غسلة، فعندهم أن العدد لا بد منه، واستدلوا لذلك بما روي عن ابن عمر قال: “أمرنا بغسل الأنجاس سبعًا” [1]، قالوا: وإذا قال الصحابي أمرنا فالآمر هو النبي .

والقول الثاني في المسألة وهو رواية في المذهب: أنه تكفي غسلة واحدة تزول بها النجاسة، ويطهر بها المحل، فإن لم تزل النجاسة بغسلة فغسلتين، وهكذا، ولا يشترط سبع غسلات إلا في الكلب خاصة، قالوا: والدليل لذلك هو قول النبي في دم الحيض يصيب الثوب، قال: تحته، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه [2]، وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم، قالوا: ومعلوم أن دم الحيض نجس، ولم يذكر النبي عددًا مع أن المقام مقام بيان؛ لأنه وقع جوابًا عن سؤال، ومن جهة النظر قالوا: ولأن المقصود زوال النجاسة فمتى زالت زال حكمها.

وأما ما استدل به أصحاب القول الأول من قول ابن عمر: “أمرنا بغسل الأنجاس سبعًا” فلا أصل له بهذا اللفظ، ولكن أخرج أبو داود والبيهقي وأحمد عنه بلفظ: “كانت الصلاة خمسين، والغسل من الجنابة سبع مرار، وغسل البول من الثوب سبع مرار، فلم يزل رسول الله يسأل حتى جعلت الصلاة خمسًا، والغسل من الجنابة مرة، وغسل البول من الثوب مرة” [3]، وهذا الحديث ضعيف من جهة الإسناد، لا يصح عن ابن عمر. ولو صح فهو منسوخ، والنسخ مأخوذ من لفظ الحديث؛ لأنه قال: “حتى جُعلت الصلاة خمسًا، والغسل من الجنابة مرة، وغسل البول من الثوب مرة” فلا يستقيم إذًا الاستدلال.

وبهذا يتبين أن الصواب في المسألة هو القول الثاني، وهو أنه تكفي غسلة واحدة إذا زالت بها النجاسة، فإن لم تزل فيزيد حتى تزول عين النجاسة.

وأما القول الأول فقول ضعيف؛ لأنه كما ذكرنا ليس له دليل ظاهر، والحديث المروي في ذلك لا أصل له، وذكرنا الحديث الآخر، وأنه أيضًا ضعيف.

كيفية إزالة نجاسة الكلب

قال:

وأن يكون إحداها بتراب طاهر طهور، أو صابون ونحوه في متنجس بكلب.

يعني: إذا كانت النجاسة نجاسة كلب فلا بد من سبع غسلات، لكن يكون أحدها بتراب، يعني إحدى الغسلات السبع تكون بتراب في نجاسة الكلب والخنزير، ويدل لذلك حديث أبي هريرة أن النبي قال: طُهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات، أولاهن بالتراب [4] متفق عليه، وقد جاءت الرواية بلفظ: أولاهن [5]، وهي عند مسلم، وجاءت أيضًا بلفظ: إحداهن [6]، وجاءت بلفظ: وعفروه الثامنة بالتراب [7].

لكن أرجح هذه الروايات أولاهن كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح، قال: “إنها أرجح من حيث الأحفظية، ومن حيث الأكثرية” ومن حيث المعنى أيضًا؛ لأن تتريب الأخيرة يقتضي الاحتياج إلى غسلة أخرى لتنظيفها، ثم إنه أيضًا إذا جعل التراب في أول غسلة، فإن النجاسة تخف فيكون بعده أول غسلة من النجاسات المتوسطة بعد تخفيف النجاسة بالتراب، فإذًا نقول: نجاسة الكلب لا إشكال، الحديث الوارد في الصحيحين صريح في أن نجاسة الكلب لا بد من غسلها سبع مرات أولاهن بالتراب.

وقد أثبت الطب الحديث أن لعاب الكلب فيه ميكروبات لا يقتلها إلا التراب، وأن هذا الكلب ربما أنه ينظف دبره بلسانه أحيانًا، فيصيب هذا اللعاب الدبر؛ ولهذا نجاسته تعتبر نجاسة مغلظة.

وبذلك يعلم أن من يتعاملون مع الكلاب التي أذن الشارع في اقتنائها وإلا الأصل في اقتناء الكلب أنه محرم ومن اقتنى كلبًا غير كلب صيد أو حرث أو ماشية، فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان [8]؛ لكن أذن النبي في اقتناء الكلب إذا كان كلب حرث أو صيد أو ماشية.

ويقاس على ذلك ما يحتاج الناس إليه اليوم مثل الكلاب البوليسية التي تستخدم في المطارات وغيرها هذه يجوز استخدامها، فإذا أصابت اللباس فهنا لا بد من غسله سبع مرات أولاهن بالتراب، وبعض الناس من يعمل مثلًا بعضهم في المطارات أو الجمارك يسألون عن الملابس التي يلامسها لعاب الكلب، فنقول: إنها نجسة، لا بد من غسل نجاستها سبع مرات أولاهن بالتراب؛ ولذلك نحن نقول: ينبغي أن يخصصوا للصلاة لباسًا آخر إن كان عليهم حرج في غسلها فيخصصوا للصلاة لباسًا، أما هذه الملابس التي تلامس الكلاب، ولعاب الكلب فتكون نجسة، ولا تصح الصلاة فيها.

هذا التراب وصفه المؤلف، قال: “طاهر طهور”: يعني لا بد أن يكون هذا التراب طاهرًا طهورًا.

قوله: “طاهر”: المراد منه: ما قابل النجس.

وقوله: “طهور”: أي: أنه مطهر.

والواقع أنه يكفي أن يقول: “تراب طاهر”.

هل تجزئ المنظفات عن التراب لإزالة نجاسة الكلب؟

قال: “أو صابون”: الصابون نجد أنه حتى في كلام الفقهاء المتقدمين ليس فقط المؤلف، هل المقصود بالصابون الصابون المعروف الآن؟ ليس المقصود بالصابون المعروف الآن، هو نوع من المنظفات، لكن ليس هو الصابون المعروف الآن، الصابون المعروف الآن ما وجد إلا حديثًا، ويكون مصنوع من مواد كيماوية، لكن الصابون الذي يذكره الفقهاء مادة منظفة شبيهة بالأشنان كانوا يستخدمونها ونحوه في متنجس بكلب.

ولكن استخدام الصابون ومثله الصابون المعروف الآن، أو المنظفات الحديثة، هل تقوم مقام التراب؟ يعني الصابون سواء كان على مراد المؤلف أو الصابون المعروف الآن أو الأشنان -وهو شجر تنظف فيه الثياب، يدق وتغسل به الثياب- هل تجزئ هذه المنظفات عن التراب؟

المؤلف يرى أنها تجزئ، وهذا هو المذهب.

والقول الثاني في المسألة: أنه يتعين التراب، ولا يجزئ عنه غيره من المنظفات؛ وذلك لأن النبي إنما نص على التراب، مع أن الأشنان والسدر كانا موجودين في عهد النبي ؛ ولما أمر بتغسيل الميت، قال: اغسلوه بماء وسدر [9]، ثم إن التراب أحد الطهورين فهو يقوم مقام الماء في طهارة التيمم، ثم إن في التراب خاصية لا توجد في غيره وهو أن فيه مادة تقتل الجراثيم التي تخرج من لعاب الكلب كما أثبت ذلك الطب الحديث.

ولهذا فالأقرب هو القول الثاني أن غير التراب من المنظفات لا يقوم مقامه؛ وذلك لأن التراب فيه خاصية، لا توجد في غيره من المنظفات، ولو كان المقصود هو مجرد النظافة لأمر بالسدر، أو بشيء آخر من المنظفات، لكنه إنما نص على التراب؛ لأن فيه خاصية لا توجد في غيره، لا سيما وقد أثبت الطب الحديث أن في التراب مادة تقتل هذه الجراثيم والميكروبات التي توجد في لعاب الكلب.

قال:

أو خنزير.

يعني: أن نجاسة الخنزير كنجاسة الكلب فيُغسل سبع مرات، والخنزير محرم قد نص الله تعالى على تحريمه في أكثر من آية: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ [المائدة:3]، وهو موجود بكثرة عند مجتمعات غير المسلمة، وعندما ينزل المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، فإنه يقتل الخنزير؛ وذلك فيه إشارة إلى قوة الإسلام في وقته، يعني يفعل أشياء ما فعلت حتى في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، يعني ما فيه إلا الإسلام أو السيف، وهذا فيه إشارة إلى قوة الإسلام حتى إن الإسلام يعم جميع أنحاء الأرض لا يبقى بيت شجر، ولا حجر، ولا مدر، إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل [10]، وحتى إن الله تعالى يبارك للناس في الزروع والثمار بركة تطبيق الإسلام، وتطبيق الشرع، فيبارك الله تعالى لهم في زروعهم وفي مالهم بركة عظيمة، لكن هذا إنما يحصل في زمن المسيح، يعني قتل الخنزير إنما يحصل في زمن المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام.

هل يُقاس الخنزير على الكلب؟

قياس نجاسة الخنزير على نجاسة الكلب، هذا هو المذهب عند الحنابلة، وليس هناك دليل غير القياس.

والقول الثاني في المسألة -وهو قول أكثر العلماء -: أن الخنزير لا يقاس على الكلب في النجاسة المغلظة، وإنما نجاسة الخنزير كغيره من النجاسات، وإنما نجاسة الخنزير كغير الكلب من النجاسات؛ وذلك لأن الخنزير مذكور في القرآن وموجود في عهد النبي ولو كانت نجاسته كالكلب لألحقه به النبي .

وهذا هو القول الراجح في المسألة: أن الخنزير كغيره من النجاسات من غير الكلب لا يُغسل سبع مرات إحداها بالتراب، وإنما يُغسل كسائر النجاسات من غير نجاسة الكلب.

حكم بقاء لون النجاسة بعد غسلها

قال المؤلف:

ويضر بقاء طعم النجاسة لا لونها أو ريحها أو هما عجزًا.

هذه مسألة مهمة.

عندما يغسل الإنسان النجاسة، فيبقى لونها أو ريحها أو طعمها، وأكثر ما يبقى في الغالب هو اللون يعني الدم إذا غسلته بقي أثر الدم مثلًا، فما الحكم في هذا؟

يقول المؤلف: إنه يضر بقاء الطعم فقط، أما اللون والريح فلا يضر بعد غسل النجاسة إذا عجز عن إزالة اللون أو الريح، والدليل لهذا حديث أبي هريرة قال: قالت خولة بنت حكيم: يا رسول الله، فإن لم يذهب الدم؟ قال: يكفيك الماء ولا يضرك أثره [11]، وهذا الحديث قال عنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: أخرجه الترمذي وسنده ضعيف، ولكن هذا وهم منه رحمه الله.

والواقع أن هذا الحديث لم يخرجه الترمذي، وإنما أخرجه أبو داود وأحمد، والعجيب أن الحافظ ابن حجر تبعه على هذا العزو صديق حسن خان في الروضة الندية والشوكاني في نيل الأوطار، يعني النقل بالواسطة هذا يسبب هذه الأخطاء، تجد الذين ينقل بعضهم عن بعض يقعون في مثل هذه الأخطاء، الحافظ ابن حجر كغيره من العلماء يقع منهم أوهام، وكما قال الإمام مالك: “كل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله “، الترمذي لم يخرج هذا الحديث وليس موجودًا في جامعه؛ لذلك تُعقب الحافظ ابن حجر بهذه النسبة.

هذا الحديث عند أبي داود وعند أحمد، وقوله: “سنده ضعيف”: وذلك لأن في إسناده عبدالله بن لهيعة وعبدالله بن لهيعة مختلف فيه، فمن العلماء من ضعفه مطلقًا كأبي حاتم الرازي، ضعفه مطلقًا، ومنهم من قال: هو ثقة في نفسه، لكنه سيء الحفظ، وكان يُحدّث من كتبه، ثم احترقت كتبه، فلما احترقت كتبه حدّث من حفظه فاختلط، ويرى فريق من العلماء: أن رواية العبادلة عنهم صحيحة، والعبادلة هم: عبدالله بن المبارك، وعبدالله بن وهب وعبدالله بن يزيد المقري، وقالوا: إن رواية العبادلة عن ابن لهيعة أنها صحيحة؛ لأنهم إنما رووا عنه قبل احتراق كتبه، وهذا الحديث من رواية ابن وهب عنه، فيكون هذا الحديث بناء على هذا صحيحًا، وله شاهد آخر، وطريق أخرى.

فأقول: لعل الحديث بمجموع طرقه وشواهده لعله يرتقي إلى درجة الحسن أو الصحيح.

وهذا الحديث يدل على أن الدم لا يضر بقاء لونه بعد غسله، ويؤخذ منه أنه لا يضر بقاء لون النجاسة بعد غسلها، وهكذا أيضًا ريحها بعد غسلها لا يضر؛ لأن النجاسة أحيانًا لا يمكن زوال لونها، ولا ريحها مهما غسلت، وهذا واقع ومشاهد، أن بعض النجاسات كالدم أحيانًا خاصة قبل وجود المنظفات الحديثة مهما غسلت بعض النجاسات لا يذهب لونها، ولا رائحتها فهذه لا يضر بقاء اللون والرائحة بعد زوال عين النجاسة، وأما الطعم -طعم النجاسة- فلا بد من ذهابه.

في الوقت الحاضر أصبحت بقاء لون النجاسة ورائحتها مع وجود المنظفات الحديثة أصبح هذا قليلًا أو نادرًا في الغالب أنه مع وجود المنظفات الحديثة أنه لا يبقى للنجاسة أثر لا من لون ولا طعم ولا رائحة، يقولون حسب تجارب الناس: الطعم مستطاع ذهابه متيسر بخلاف اللون والرائحة.

قال:

كيفية إزالة نجاسة بول الغلام

ويجزئ في بول غلام لم يأكل طعامًا لشهوة نضحه، وهو غمره بالماء.

 وهذا قد وردت به السنة في حديث أم قيس بنت محصن رضي الله عنها “أن النبي أُتي بغلام فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه، ولم يغسله” [12]، وهذا الحديث في الصحيحين، رواه البخاري ومسلم.

وجاء في حديث أبي السمح من أحاديث البلوغ: أن النبي قال: يُغسل من بول الجارية، ويُرش من بول الغلام [13]، أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم.

ولكن المؤلف أفادنا بكيفية النضح، ما كيفية النضح؟ يعني بعض الناس يفهم أن النضح هو الرش، تأخذ ماء وترشه على الثوب، هل هذا الفهم صحيح؟

النضح ليس الرش، وإنما الغمر، صب الماء، وغمر الماء بدون عصر وفرك، هذا هو النضح، كثير من الناس يفهم أن النضح هو الرش، هذا فهم غير صحيح، ليس النضح الرش؛ ولهذا المؤلف أفادنا بهذه الفائدة، وهي أن النضح هو غمره بالماء، والفقهاء ينصون على هذا أن النضح هو غمره بالماء فيكاثر بالماء مكاثرة من غير عصر.

إذًا ما هو الفرق بين النضح والغسل؟  ينضح من بول الغلام، ويغسل بول الجارية؟

العصر والفرك، فالغسل يكون فيه عصر وفرك، بينما النضح ليس فيه عصر ولا فرك، فانتبهوا لهذه المسألة؛ لأن كثير من الناس يظن أن النضح هو مجرد الرش، وهذا الفهم غير صحيح، بل النضح هو الغمر والمكاثرة من غير عصر ولا فرك، لكن هو قال المقصود به هو الغمر، والروايات تفسر بعضها بعضًا، ثم الرش أيضًا يغمر لو أخذت الماء ورششت به النجاسة حصل الغمر، يحصل به الغمر، ممكن تأخذ الماء وترش لكن إلى أن يحصل الغمر، لكن الكلام الرش الذي لا يجزئ هو الرش الذي لا يحصل معه غمر النجاسة، يعني يحصل معه مثلًا إصابة بعض النجاسة وبعضها ما يصيبها الماء هذا لا يجزئ، لا بد من غمر جميع النجاسة بالماء، لكن من غير عصر ولا فرك، لو عصر وفرك لا شك هذا أبلغ في النظافة، هذا لاشك أنه هو الأفضل، لكن هذا من باب الرخصة.

ما الحكمة في التفريق بين الغُلام والجارية؟ يعني بين الذكر والأنثى في هذا؟ لماذا يُغسل بول الجارية، ويُنضح بول الغلام؟

العلماء اختلفوا في الحكمة حتى إن الشافعي رحمه الله قال: “لم يتبين لي فرق بينهما” لكن لم يتبين له فرق، لكن غيره من العلماء تبين لهم فروق:

فقيل: إن بول الغلام يخرج بقوة فينتشر فيشق غسله، بخلاف بول الجارية.

وقيل: لأن الغلام يكثر حمله؛ لأن النفوس مجبولة على حب الذكر أكثر من الأنثى، فيكثر حمله، وتعظم المشقة بغسله بخلاف الأنثى.

ولكن الأقرب -والله أعلم- هو القول الثالث، وهو: أن الغلام مزاجه حار وعنده حرارة غريزية، وهذه الحرارة تتسبب في تخفيف أثر النجاسة، هذه الحرارة ينضج معها الطعام، وتخف بها النجاسة، وحرارته أكثر من الأنثى، وهذا شيء مشاهد، لو رأيت غلامًا وجارية في سن واحدة في بيت واحد مثلاً لرأيت حركة الذكر أكثر من الأنثى لعبه وحركته وذهابه وجريه أكثر من الأنثى؛ لأن حرارته أكثر بخلاف الأنثى، فإنها أقل حرارة من الذكر، هذه الحرارة تتسبب في تخفيف النجاسة، فلما كان مزاجه حار، وغريزته أكثر حرارة كانت نجاسته أخف، ولما كانت الأنثى أقل حرارة كانت نجاستها أغلظ وأشد.

هذا هو الأقرب -والله أعلم- في الحكمة، وهذا أمر مشاهد في الأطفال تجد أن الذكور أكثر عبثًا وحركة من الإناث؛ بسبب أن الحرارة الغريزية عندهم أشد، والله تعالى أعلم وأحكم.

تطهير النجاسة التي تقع على الأرض ونحوها

قال:

ويجزئ في تطهير صخر وأحواض وأرض تنجست بمائع، ولو من كلب أو خنزير مكاثرتها بالماء، حتى يذهب لون النجاسة وريحها.

انتقل المؤلف الآن للكلام عن تطهير النجاسة التي تقع على الأرض ونحوها.

 فالنجاسة التي تقع على الأرض وعلى الصخر ونحوه هذه يقول المؤلف إنه يجزئ فيها التطهير بغسلة واحدة تذهب عين النجاسة، قال: “لونها وريحها” وإذا ذهب لونها وريحها ذهب طعمها، فلو أن المؤلف عبر بـ “تذهب عين النجاسة” لكان أخصر كتعبير صاحب الزاد، حيث قال: “غسلة واحدة تذهب بعين النجاسة” وبكل حال فالمعنى متقارب.

معنى ذلك: إذا طرأت نجاسة على أرض فيشترط لطهارتها زوال عين النجاسة، حتى ولو كانت نجاسة كلب، فيكفي زوال عينها بغسلة واحدة، فإن لم تزل فبغسلتين فإن لم تزل فبثلاث وهكذا حتى تزول عين النجاسة، فلا يشترط إذًا فيها سبع غسلات، والدليل لذلك: قصة الأعرابي الذي بال في المسجد [14]، القصة في الصحيحين: أن أعرابيًا أتى مسجد النبي فبال فيه فنهره الناس فقال عليه الصلاة والسلام: دعوه، وأهريقوا على بوله سِجْلًا أو قال: ذَنوبًا من ماء يعني دلوًا من ماء، ولم يأمر بعدد في ذلك، فدل على أنه متى ما ذهب عين النجاسة كفى وأجزأ.

وأفادنا المؤلف بكيفية إزالة النجاسة قال: “مكاثرتها بالماء” فتكون بالمكاثرة، فيؤتى بهذه النجاسة ويصب عليها الماء، ويكاثر عيها الماء حتى تذهب عينها، وهذا إذا لم تكن النجاسة ذات جرم، أما إذا كانت ذات جرم كما لو كانت عذرة أو دمًا قد جف فلا بد من إزالة الجرم أولًا، ثم بعد ذلك تتبع بالماء، أما إذا أزيلت النجاسة بكامل ما حولها كما لو كانت النجاسة على تراب، وأزيلت النجاسة وما حولها من التراب، فإنه لا يحتاج إلى غسل، يعني إذا قلعت واستأصلت النجاسة كلها فلا يحتاج إلى غسل.

تبين بهذا أن النجاسة على الأرض لها أحوال:

  • الحال الأولى: أن تكون غير ذات جرم، فتكفي فيها المكاثرة حتى تزول عينها؛ وذلك بزوال عينها ورائحتها وطعمها.
  • الحال الثانية: أن تكون ذات جرم، كالعذرة فلا بد من إزالة الجرم أولًا، ثم يتبع ذلك بالماء.
  • الحال الثالثة: أن تزال بكل ما حولها، كأن تكون على تراب فيستأصل هذا التراب مع النجاسة، فهذه الإزالة تكفي ولا حاجة إلى أن تتبع بعد ذلك بالماء.

هذه إذا كانت النجاسة على الأرض.

ما الضابط في هذا؟ يعني إذا أتينا بالماء وصببناه على النجاسة؟

نفترض مثلًا أنه وقعت نجاسة في بيت أو في المسجد مثلًا أتى صبي وبال في المسجد، وأتينا بالماء، وكاثرنا على هذه النجاسة، كيف نعرف أن هذه النجاسة ذهبت؟

المؤلف ألمح لهذا: بذهاب لونها وطعمها وريحها، بذهاب اللون والطعم والرائحة، لكن الأظهر طبعًا الذي يظهر لنا هو اللون والرائحة؛ ولهذا ربما أن المؤلف عبر بهذا؛ لأن هذا هو الذي يظهر، يعني أصبح ليس لها رائحة، وليس لها لون، فهنا يكفي هذا، يكفي في هذا غلبة الظن أيضًا.

هل يشترط لإزالة النجاسة أن تكون بالماء؟

قال:

ولا تطهر الأرض بالشمس والريح والجفاف، ولا النجاسة بالنار.

لا تطهر الأرض بالشمس: هذه المسألة ترجع إلى مسألة أخرى، وهي هل يشترط لإزالة النجاسة أن تكون بالماء، أو أن النجاسة يمكن أن تزول بأي مطهر؟ هذا محل خلاف بين العلماء:

القول الأول: أنه يشترط لإزالة النجاسة أن تكون بالماء، ولا تزول النجاسة بغير الماء، فلا تزول بالشمس ولا بالريح ولا بالجفاف ولا بغير ذلك، وهذا هو المذهب كما نص على ذلك المؤلف، وقالوا: لأن الأدلة إنما وردت بالماء، كما في قول الله تعالى: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُم بِهِ [الأنفال:11]، وكما في قول النبي : هو الطهور ماؤه [15] فنصَّ على الماء، وأيضًا في قصة الأعرابي أمر بذَنوبٍ من ماء، قالوا: فالنصوص إنما وردت بتقييد التطهير بالماء فلا تزول النجاسة بغير الماء.

القول الثاني في المسألة: أن النجاسة تزول بأي مزيل كان، سواء كان المزيل هو الماء أو غيره، وهذا القول هو مذهب أبي حنيفة، وهو رواية عن الإمام أحمد، وقد اختاره المجد ابن تيمية وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، رحمة الله على الجميع.

وبناء على هذا القول: تزول النجاسة بالشمس، تزول بالريح، تزول بالجفاف، وتزول بأي مزيل كان، كما قال هنا، وتزول بأي مزيل كان، قالوا: لأن النجاسة عين خبيثة ونجاستها بذاتها، فإذا زالت عين النجاسة عن الشيء عاد ذلك الشيء إلى طهارته؛ ولأن النجاسة من باب اجتناب المحظور، لا من باب فعل المأمور، واجتناب المحظور إذا حصل بأي سبب ثبت الحكم به؛ ولهذا لا يشترط لإزالة النجاسة نية فلو نزل المطر زالت بها النجاسة عن الأرض.

وأما ما استدل به أصحاب القول الأول من العمومات فغاية ما فيها أنها تدل على أن الماء مطهر، لكنها لا تدل على أن غير الماء لا يطهر.

وهذا هو القول الصحيح في المسألة أن النجاسة تزول بأي مزيل، هذا هو الذي عليه كثير من المحققين من أهل العلم.

حكم تطهير النجاسة بالبخار

ويتفرع عن هذه المسألة بعض من المسائل المعاصرة منها مثلًا: تطهير النجاسة بالبخار، عند بعض المغاسل، أو ربما في جميع المغاسل عندهم تطهير بعض الملابس بالبخار خاصة الملابس الشتوية تُطهَّر بالبخار، فإذا كان مثلًا هذا الثوب فيه نجاسة، ومعلوم أنه عندما يُغسل البخار لا يُغسل بالماء، وإنما عن طريق البخار فقط، فعلى المذهب أنه لا يطهر، وعلى القول الراجح يَطهر.

حكم طهارة مياه المجاري بعد معالجتها

أيضًا من المسائل مسألة معالجة مياه المجاري؛ لأنه الآن أصبحت مياه المجاري يمكن معالجتها عن طريق التنقية والتغسيل تعالج أيضًا بإضافة مواد كيماوية حتى تزول عنها النجاسة، فعلى المذهب أنها لا تطهر، وعلى القول الراجح أنها تطهر.

وقد درس هذا في مجلس هيئة كبار العلماء قبل أكثر من ثلاثين عامًا -من أول بداية المجلس-، وقرر مجلس هيئة كبار العلماء أن هذه المياه مياه طاهرة، مياه المجاري بعد معالجتها وتطهيرها أنها مياه طاهرة لكنهم استحسنوا ألا تستخدم في الأكل والشرب من باب الاستحسان فقط، لكنها مياه طاهرة يجوز التوضؤ بها، ويجوز استخدامها؛ لأنها في الأصل هي طاهرة، لكن خالطها نجاسة، فلما أزيلت هذه النجاسة عنها عادت لما كانت عليه من الأصل من الطهورية.

إذًا الصواب خلاف ما ذهب إليه المؤلف، وهو أن النجاسة تزول بأي مزيل.

متى تطهر الخمرة؟

قال:

وتطهر الخمرة بإنائها إن انقلبت خلًا بنفسها.

الخمرة هي المقصود بها الخمر، يقول: إنها تطهر إن انقلبت خلًّا بنفسها، وهذا بناء على أن الخمر نجس، وسيأتي الكلام عنه في بداية الفصل الثاني.

فيقولون: الخمرة إذا تخللت إذا انقلبت خلًا بنفسها، فإنها تكون طاهرة، والخمر إذا خُللت فإنها لا تطهر، ولا تحل بخلاف ما إذا تخللت بنفسها -يعني أصبحت خلًّا- فإنها تطهر وتحل باتفاق العلماء، قد حكى الاتفاق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من أهل العلم.

ويدل لذلك ما جاء في صحيح مسلم عن أنس أن النبي سُئل عن الخمر تُتخذ خلًّا؟ قال: لا [16]، قوله: “تُتخذ” أنها تخلل، فتخليل الخمر لا يجوز لا يبيحها ولا يطهرها على القول بأن الخمر نجسة، لكن لو تخللت بنفسها تطهر وتحل باتفاق العلماء، لاحظ الفرق بين المسألتين.

حكم النجاسة إذا خفي موضعها

قال:

وإذا خفي موضع النجاسة غسل حتى يتيقن غسلها.

يعني: إذا خفي على الإنسان موضع النجاسة في الثوب ونحوه، فإنه يلزمه أن يغسل من الثوب حتى يتيقن أنه قد غسل النجاسة، وبناء على ذلك لو أصابت النجاسة أحد كمي الثوب، ولم يعرف أيهما أصابته فيلزمه غسلهما جميعًا؛ لأنه لا يجزم بزوالها إلا بذلك، هذا هو المذهب.

القول الثاني في المسألة: أنه يتحرى ما أمكنه، ولا يلزمه أن يتيقن زوال النجاسة.

وهذا هو القول الراجح في المسألة، ويدل له قول النبي في الشك في الصلاة: فليتحر الصواب، ثم ليتم عليه [17] وهو في الصحيحين فليتحر الصواب، ثم ليتم عليه فإذا كان التحري سائغًا في الصلاة فهو كذلك في إزالة النجاسة، فإذًا نقول: الصواب أنه يتحرى، هذه المسألة يكثر السؤال عنها أحيانًا تقع نجاسة على السراويل ولا يدري الإنسان في أي موضع، هل يلزمه غسل السراويل كله؟ نقول: لا، يتحرى فيما غلب على ظنه أنه موضع النجاسة، ويكفي هذا، وتكفي غلبة الظن، وأمور العبادة عمومًا يكفي فيها غلبة الظن، لا يشترط فيها اليقين إنما يكفي فيها غلبة الظن.

فإذن الصواب خلاف ما ذهب إليه المؤلف، فقوله: “حتى يتيقن غسلها” هذا محل نظر، والصواب أنه لا يشترط اليقين، وإنما تكفي غلبة الظن.

ثم قال المؤلف:

فصل: المسكر المائع، وكذا الحشيشة، وما لا يؤكل من الطير والبهائم مما فوق الهر خلقة نجس.

هل الخمر نجس أم طاهر؟

المسكر المائع، وكذا الخمر عمومًا عند الجمهور أنه نجس، الخمر نجس، وهذه المسألة اختلف العلماء فيها، نجاسة الخمر، هل الخمر نجس أم طاهر؟

اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين مشهورين:

القول الأول: أن الخمر نجس، وهذا هو قول جمهور العلماء، ومنهم الحنابلة، واستدلوا بقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90] قالوا: فقوله: رِجْسٌ الرجس: هو النجس، كما في قوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ [الأنعام:145] يعني: نجس.

القول الثاني في المسألة: أن الخمرة طاهرة وليست نجسة، واستدلوا: بأن الخمر لما حرمت أراق الصحابة الخمر حتى في سكك المدينة، ومعلوم أن سكك المدينة أنها يطؤها الناس، فلو كانت نجسة لما أذن لهم النبي بذلك، وأيضًا قالوا: إنه ليس هناك دليل ظاهر على نجاسة الخمر، والأصل هو الطهارة.

وأما الآية الكريمة: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ قالوا: فالمراد بذلك: النجاسة المعنوية، وليست النجاسة الحسية، بدليل أنه قرن الخمر بالميسر والأنصاب والأزلام ومعلوم أن الميسر والأنصاب والأزلام ليست نجسة نجاسة حسية، فمن لمس الميسر مثلًا لا يُقال: إنه تنجس، ومن لمس مثلًا صنمًا لا يُقال: إنه تنجس نجاسة حسية باتفاق العلماء، فكذلك أيضًا الخمر، فلماذا أفردتم الخمر، وقلتم: إنه نجس نجاسة حسية؟ فإما أن تقولوا: إن الجميع: الخمر والميسر والأنصاب والأزلام نجس نجاسة حسية، وإما أن تقولوا بطهارة الجميع، أما إفراد الخمر والقول بأنه نجس نجاسة حسية بينما غيره مما قرن به في الآية نجس نجاسة معنوية، هذا تفريق من غير دليل، هذا كما ترون استدلال قوي.

وهذا هو الأقرب -والله أعلم- أن الخمر طاهر وليس نجسًا، هذا هو الذي رجحه الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.

أما قوله: قُلْ لا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ… فالرجس قد يطلق على النجاسة الحسية، وقد يطلق على النجاسة المعنوية، والذي يحدد ذلك هو القرائن والسياق، كما في قول الله تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة:28] ولم يقل أحد من العلماء: إنهم نجس نجاسة حسية، بحيث إنك لو مس بدنك بدن الكافر يلزمك أن تغسل يدك، وإنما المقصود بذلك النجاسة المعنوية، فكلمة الرجس قد ترد ويقصد بها النجاسة الحسية، وقد ترد ويقصد بها النجاسة المعنوية، لكن لما اتفق العلماء أن ما ذكر بعد الخمر ليس نجسًا نجاسة حسية، فنقول كذلك أيضًا يكون الخمر مثله، ويؤيد ذلك ما ذكر من أن الصحابة لما نزل تحريم الخمر أراقوا الخمر في سكك المدينة، ولو كانت نجسة لما أمر النبي بذلك خاصة أن كثيرًا من الناس يمشون بدون نعال، وكثير من الصحابة كانوا فقراء، فيطؤون الطرقات والسكك، وربما يطؤونها بأرجلهم أو بنعالهم حتى وكانوا يصلون في النعال، ولو كانت الخمر نجسة لما أذن له النبي عليه الصلاة والسلام.

هذا هو القول الراجح في هذه المسألة، والله أعلم.

حكم التطيب بالطيب المشتمل على الكحول

يترتب على ذلك مسائل، منها مثلًا: التطيب بالطيب المشتمل على الغَول أو الكحول التسمية الصحيحة لها الغَول تسمية الغول هي الواردة في القرآن: لا فِيهَا غَوْلٌ [الصافات:47] المقصود بالغول هي الكحول، لكنها لما ترجمت حرفت من غَول إلى كحول، لكن تسميتها الفصيحة الغَول، فهذه التي تسمى كحول هي الأساس في الإسكار، فعلى القول بأن الخمر نجسة يلزم من تطيب بهذا الطيب المشتمل على الكحول أن يغسل يده مثلًا أو لباسه، وعلى القول الراجح أنها طاهرة وليست نجسة، وبعض العلماء مثل الشيخ محمد بن عثيمين يقول: أنا أتورع عنها؛ ليس لأنها نجسة، ولكن لأن الله تعالى قال: فَاجْتَنِبُوهُ وهذا الاجتناب كما أنه يشمل شربها يشتمل كذلك حتى التطيب بها، وبكل حال لا ينكر على من تطيب بها، لكن من أراد أن يتورع في ذلك في نفسه فذلك حسن.

مداخلة…

الشيخ: لا بأس، ما دام أن الصحابة فعلوا هذا، هو الأولى هنا مع وجود دورات المياه في الوقت الحاضر أن تراق فيها، فيه أشياء يمكن تصريفها فيها، في وقت النبي عليه الصلاة والسلام ما كان يوجد مثل هذا الموجود الآن.

قال:

وكذا الحشيشة.

الحشيشة معروفة من قديم الزمان، هي نوع المخدرات، لكن يجري فيها الخلاف الذي ذكرناه في الخمر، والقول الراجح هو أنه طاهر فكذلك هنا.

هل كل ما يحرم أكله يكون نجسًا؟

قال:

وما لا يؤكل.

يعني: أن ما لا يؤكل يكون نجسًا؛ وذلك كالدم مثلًا والعذرة والبول، ونحو ذلك هذه نجسة، فالمؤلف كأنه يقول: كل ما يحرم أكله، فإنه يكون نجسًا، ولكن هذا يشكل عليه أن هناك بعض الأشياء التي لا تؤكل القول بنجاستها محل نظر، كبعض الأشياء التي يستقذر أكلها كالمخاط مثلًا، والقيء ونحوه، لكن على المذهب القيء يعتبرونه نجسًا، والقول الصحيح أنه ليس بنجس ليس هناك دليل ظاهر على نجاسة القيء، وخروجه ليس ناقضًا للوضوء، ومن ادعى ذلك فهو مطالب بالدليل ولا دليل.

فإذًا هذه القاعدة التي ذكرها المؤلف لا تسلم على إطلاقها، فنقول: بعض ما لا يؤكل يكون نجسًا وبعضه طاهر؛ لأنه قد لا يؤكل لاستقذاره.

قال:

وما لا يؤكل من الطير والبهائم.

يعني وما لا يؤكل كقاعدة كما ذكر ذلك صاحب منار السبيل، وأيضًا ما لا يؤكل بالإضافة إلى الطير والبهائم، فما يحرم أكله من الطير والبهائم فإنه يكون نجسًا كالحُمُر الأهلية مثلًا وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير [18]؛ لكن المؤلف قيد ذلك بضابط:

قال:

مما فوق الهر خلقة نجس.

فيقول المؤلف: إن ما لا يؤكل من الطير والبهائم نجس إذا كان فوق الهر، أما إذا كان جسمه في حدود جسم الهر فما دون فسيأتي الكلام عنه، والدليل على أن ما فوق الهر مما لا يؤكل من الطير والبهائم نجس حديث أبي قتادة أن النبي قال عن الهرة: إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات [19]، وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: “إنه حديث حسن صحيح”، وقال البيهقي: “إسناده صحيح”.

قالوا: فدل ذلك على أن ما كان فوق الهرة فإنه يكون نجسًا إذا كان لا يؤكل لحمه.

فالمؤلف جعل المناط أن يكون في حدود جسم الهرة، جعل المؤلف العلة هي صغر الجسم أو كبره، فإذا كان في حدود جسم الهرة يعني أكبر من الهرة مما لا يؤكل لحمه فهذا نجس، إذا كان في جسم الهرة فما دون، فهذا طاهر، واستدل المؤلف بحديث أبي قتادة.

ولكن هذا محل نظر؛ لأن النبي لما قال عن الهرة: إنها ليست بنجس علل بعلة عدم النجاسة وهي ماذا؟: إنها من الطوافين عليكم والطوافات وهذا يعني أن العلة هي: مشقة التحرز منها؛ لكثرة تَطوافها، فالعلة هي مشقة التحرز، وليست العلة هي صغر الجسم.

فالصواب إذًا خلاف ما ذهب إليه المؤلف، الصواب: أن ما يشق الاحتراز منه فيكون طاهرًا، سواء صغر جسمه أو كبر، إذن الصواب أن ما يشق الاحتراز منه فيكون طاهرًا، سواء صغر جسمه، أو كبر، وهذا الكلام طبعًا فيما لا يؤكل لحمه.

ومن ذلك أيضًا: عَرَق الحمار الأهلي، فإنه يكون طاهرًا، وكذلك سؤره، وسيأتي الكلام عنه؛ وذلك لمشقة التحرز منه. فالقاعدة أن ما يشق التحرز منه يكون طاهرًا.

هل ما دون الهرة نجس؟

المؤلف فرَّع على هذا قال:

وما دونها.

يعني: وما دون الهرة في الخلقة طاهر، ومثل المؤلف لذلك قال:

كالحية، والفأر، والمُسكر غير المائع.

وذلك قياسًا على الهرة، ولمشقة التحرز منها.

ولكن الصحيح هو عدم تقييد ذلك بالهرة، وإنما الصواب أن كل ما يشق التحرز منه فإنه يكون طاهرًا.

من النجاسات: الميتة

قال:

وكل ميتة نجسة.

وذلك لقول الله تعالى: إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ [الأنعام:145].

الأنواع المستثناة من الميتة

استثنى المؤلف من الميتة أنواعًا لا تكون نجسة.

قال:

غير ميتة الآدمي.

هذا الأمر الأول مما يستثنى، فميتة الآدمي طاهرة حتى ولو كان الآدمي كافرًا، أما الآية: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة:28] فالمقصود بها: النجاسة المعنوية، بدليل أن الله أباح طعام أهل الكتاب ونسائهم ولم يرد الأمر بالتطهر منها، فإذًا ميتة الآدمي طاهرة.

ثانيًا مما يستثنى، قال:

والسمك والجراد.

وذلك لأنهما يحل أكل ميتتهما، ولو كانت نجسة لما حل أكلها، والدليل أنه يحل أكلها حديث ابن عمر  قال: قال النبي : أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالجراد والحوت، وأما الدمان فالكبد والطحال [20]، قال في البلوغ: “أخرجه أحمد وابن ماجه، وفيه ضعف”؛ لكنه صح موقوفًا على ابن عمر، كما قال أبو زرعة والحاكم، فيصح موقوفًا، ولا يصح مرفوعًا، وقالوا: “وهذا الموقوف له حكم المرفوع؛ لأنه لا يُقال من قبيل الرأي” فإذًا إذا حل أكلها دل على أنها طاهرة، وليست بنجسة.

فإذًا استثنينا أولًا ميتة الآدمي، ثانيًا: السمك والجراد، ثالثًا:

قال:

وما لا نفس له سائلة.

المقصود بالنفس: الدم، إذا قال الفقهاء: “ما لا نفس” يعني: ما لا دم له يسيل، ويدل لذلك حديث أبي هريرة أن النبي قال: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه، ثم لينزعه، فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر شفاء [21]، أخرجه البخاري في صحيحه، ما وجه دلالة هذا الحديث على طهارة ما لا نفس له سائلة، يعني ما لا دم له يسيل؟

لأن النبي أمر بغمسه، ولو كان نجسًا لما أمر بغمسه؛ لأن في هذا إفساد للشراب، فدل ذلك على أن الذباب ليس نجسًا، يقاس على الذباب ما لا نفس له سائلة، يعني: ما لا دم له يسيل، من يمثل لنا بما لا دم له يسيل؟

مثل البعوض مثلًا، مثل الخنفساء والصراصير والنمل، يعني كل ما لا دم له يسيل هذه تأخذ حكم الذباب في هذا، فتكون طاهرة، والدليل هو حديث أبي هريرة، سيذكر المؤلف أمثلة له.

قال:

كالعقرب، والخنفساء، والبق، والقمل، والبراغيث.

وما كان في معناها الأمثلة كثيرة، كل ما لا دم له يسيل، فإنه يكون طاهرًا.

قال:

وما أكل لحمه.

يعني: طاهر، يعني ما يباح أكل لحمه، فإنه يكون طاهرًا، ما أكل لحمه مثل ماذا؟ الإبل والبقر والغنم.

الخيل يباح أكل لحمها أم لا؟ يباح.

الضبع؟ يباح على القول الراجح، المسألة فيها خلاف، لكن على القول الراجح.

إذًا القاعدة أن ما أكل لحمه فهو طاهر، أما كون لحمه طاهر فهذا ظاهر.

لكن قال:

ولم يكن أكثر عَلفه النجاسة.

لأنه إذا عَلفه بالنجاسة أو كان أكثر عَلفه النجاسة، فإنه يكون جلَّالة، وهذه محل خلاف من العلماء، من قال: إنها تكون نجسة، ومنهم من قال: إن حديث الجلالة ضعيف، ولا يصح، ولا يثبت في هذا شيء.

حكم بول وروث ما يؤكل لحمه

قال:

فبوله وروثه وقيئه ومَذْيه ووَدْيُه ومنيه ولبنه طاهر.

كل هذه طاهرة، ويدل لذلك ما جاء في الصحيحين من قصة العرنيين الذين أتوا المدينة فاجتووها، ثم أمرهم النبي  أن يذهبوا إلى إبل الصدقة فيشربوا من ألبانها وأبوالها، ففعلوا فشفوا، ثم ذهبوا إلى الراعي -راعي النبي على إبل الصدقة- فسملوا عينه، وقتلوه، وأخذوا واستاقوا الإبل، فأمر بهم النبي فأدركوا فسمل أعينهم كما سملوا أعين الراعي، وتركهم حتى ماتوا [22].

هذه القصة دلت على طهارة بول وروث ما يؤكل لحمه؛ لأن النبي أمرهم بشرب أبوال الإبل، ولو كانت نجسة لما أمرهم بشربها، وهذا يدل على طهارتها فبول الإبل وروثها طاهر، وبول الغنم طاهر وروثه طاهر، وبول البقر طاهر وروثه طاهر، بل إن بول الإبل ذكر بعض المعاصرين بعض الأطباء والمختصين اكتشف أن فيه شفاء من بعض الأمراض، وقبل يمكن أسبوعين أعطت مدينة الملك عبدالعزيز براءة اختراع لمن أثبت أن في بول الإبل شفاء من بعض الأمراض التي سموها، قالوا: إن فيها علاجًا لبعض الأمراض، وهذا الأمر حتى يعرفه أهل البادية، فبول الإبل فيه -بإذن الله تعالى- شفاء؛ ولذلك لما شربه العرنيون مع ألبان الإبل شفوا -بإذن الله تعالى-، وهناك من كتب في هذا في فوائد بول الإبل، وكذلك في ألبانها، المقصود أن بولها وروثها أنه طاهر، وكذا البقر والغنم، وكل ما يؤكل لحمه، وهكذا أيضًا مما يلحق به من القيء والمذي والودي والمني واللبن كل هذه طاهرة إذا كانت هذه يؤكل لحمها.

أنا أسألكم الآن سؤالًا: جلد ما يؤكل لحمه؟ جلد الغنم مثلًا، ذكيت شاة من الغنم ذبحت أضحية وأردت مثلًا أن تستخدم جلدها، هل هو طاهر أم نجس؟ هل يشترط فيه الدبغ؟

لا أتكلم عن الميتة عن المذكاة؟

لا يشترط، أيضًا جلده طاهر، إنما التي وقع فيها الخلاف هو جلد الميتة هو الذي يطهر بالدباغ، أما بالنسبة لجلد المذكاة فإنه طاهر بالاتفاق؛ لأنه إذا حل أكل لحمه حل كذلك جلده.

طالب: تباع أبوال الإبل في البادية.

الشيخ: نعم هذا موجود، أهل البوادي يعرفون هذا، موجود عندهم إلى الآن.

الأخ يقول: إنها تباع أبوال الإبل، لعلهم سمعوا بهذا؛ أن فيها شفاء ولولا أن فيها شفاء لما أمر النبي العرنيين بشربها، لا شك.

نعم، أكثرهم يخلطونها باللبن، قرأت كتابًا موجودًا في المكتبات… التداوي بأبوال الإبل وألبانها، يعني ذكر فيه فوائد كثيرة خاصة لبعض الأنواع من الأمراض كالاستسقاء ونحوها.

الأصل فيما لا يؤكل من الحيوانات؛ النجاسة

قال:

وما لا يؤكل فنجس.

أكد ما سبق أن ما لا يؤكل يكون نجسًا، لكن ما سبق أطلق فيه، لكن هنا قال: ما لا يؤكل من الحيوان نجس، واستثنى منه: إلا مني الآدمي ولبنه فطاهر.

الأصل فيما لا يؤكل من الحيوانات أنه نجس إلا ما ذكرنا من استثناء ما يشق التحرز منه كلعاب الحمير مثلًا، أو نحوها مما يشق التحرز منه سؤرها ولعابها، ونحو ذلك، وقلنا هذه يُعفى عنها، وإلا الأصل في لحم ما لا يؤكل لحمه، وكذلك في بوله وروثه أنه نجس.

بول الهرة، هل هو طاهر أم نجس؟ نجس.

الفأر؟ كذلك، هذه كلها بولها وروثها نجس، لكن الكلام في آسارها، وفي لعابها؛ هذا هو الذي يقال فيه: إنه طاهر؛ لمشقة التحرز منه.

حكم طهارة مني الآدمي

قال:

إلا مني الآدمي ولبنه فطاهر.

المني طاهر، اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين مشهورين:

فالمذهب عند الحنابلة: أنه طاهر، ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه نجس.

والقول الصحيح: أنه طاهر؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: “أنها كانت تفرك اليابس من مني النبي وتغسل الرطب منه، ثم يذهب فيصلي فيه” [23]، الحديث في الصحيحين.

وجه الدلالة: أنه لو كان نجسًا لما اكتفت فيه بالفرك، من المعلوم أن الفرك لا يستأصل النجاسة، فلو كان المني نجسًا لما اكتفت فيه بالفرك؛ ولأن الأصل هو الطهارة، وليس هناك دليل ظاهر يدل على نجاسة المني.

وهذه المسألة مما تحتاجه الأمة إلى بيانها في جميع الأزمان، فلو كان المني نجسًا لبين ذلك النبي ؛ ولأن المني هو أصل عباد الله المخلصين من الأنبياء والأولياء والمتقين، فتأبى حكمة الله تعالى أن يكون أصلهم نجسًا، وذكر بعضهم هنا طرفة تقول: “إن اثنين كانا يتناظران في طهارة المني أو نجاسته فمر بهما أحد الناس، فقال: ما شأنكما؟ فقال الذي يقول بطهارة المني: إنني أناظر هذا الرجل في أن أصله طاهر، ويأبى إلا أن يكون أصله نجسًا..”، هذه ذكرها بعضهم.

فلا شك أن القول الصحيح أن المني طاهر، والقول بنجاسته قول ضعيف.

حكم القيح والدم والصديد

قال:

والقيح والدم والصديد نجس.

الدم سيأتي الكلام عنه، لكن القيح والصديد القول بنجاسته قالوا: قياسًا على الدم، ولكن هذا القياس قياس مع الفارق؛ إذ أن بينهما فرقًا كبيرًا في الحقيقة، وفي الأحكام، فقياس القيح والصديد على الدم قياس مع الفارق، والأصل هو الطهارة.

ولذلك فالصواب أن القيح والصديد أنه طاهر، وليس بنجس.

وأما الدم فإنه نجس، الأصل في الدم أنه نجس إلا أنه يُعفى عن يسيره، والدم -على ما ذكر- يمكن أن نقسمه إلى ثلاثة أقسام -نجمع كلام المؤلف-:

قسم طاهر: وهو دم السمك، ودم ما لا نفس له سائلة، وكذلك الدم الذي يبقى في الحيوان المذكى بعد تذكيته، كالدم الذي يكون في العروق بعد تذكية الحيوان، ودم الشهيد؛ لأن النبي لم يأمر بغسل الشهداء من دمائهم، فهذا طاهر.

والقسم الثاني: ما عدا ذلك، نجس إلا أنه يعفى عن يسيره، وقد نقل الإجماع على نجاسة الدم غير واحد من أهل العلم، قد حكى الإجماع على نجاسته الزركشي، وقال النووي: الدلائل على نجاسة الدم متظاهرة، ولا أعلم خلافًا بين أحد من المسلمين في نجاسة الدم.

 لكن المسألة فيها خلاف، وقال بعضهم: إن الخلاف هذا خلاف متأخر، لكن المسألة فيها خلاف روي عن الإمام أحمد أنه قال بطهارة الدم، وقال: إنه لا دليل على نجاسته، لكن المتقدمين لا يعرف أن أحدًا قال بطهارة الدم.

لذلك فالأقرب -والله أعلم- هو أن الأصل في الدم أنه نجس، لكن يُعفى عن يسيره؛ وذلك لبعض الآثار المروية عن الصحابة.

قبل الآثار المروية عن الصحابة حديث عائشة رضي الله عنها قالت: “ما كانت لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإذا أصابه شيء من دم قالت بريقها فقصعته بظفرها” [24]، هذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، ووجه الدلالة منه على طهارة يسير الدم: أنه لو كان يسير الدم لا يُعفى عنه لما اكتفت في إزالة اليسير من دم الحيض ببله بريقها، ثم حكه بظفرها؛ لأن الريق لا يطهر من الدم، بل سيتنجس به ظفرها، لو كان نجسًا، وهو إخبار من عائشة رضي الله عنها على دوام الفعل، ومثل هذا لا يخفى على النبي ، وهو محمول على الدم اليسير الذي يكون معفوًا عنه، وأما الدم الكثير فصح عن عائشة أنها كانت تغسله، فهذا إذًا استدلوا به على طهارة الدم اليسير.

أيضًا آثار عن بعض الصحابة روي عن أبي هريرة أنه لم يكن يرى بقطرتين من الدم في الصلاة بأسًا، ذكر هذا ابن أبي شيبة، وابن عباس أيضًا قال: إذا كان الدم فاحشًا فعليه الإعادة، وإن كان قليلًا ليس عليه الإعادة.

وكذلك ابن مسعود وابن عمر وجابر وابن أبي أوفى كلهم روي عنهم أنهم يرون أن الدم اليسير يُعفى عنه، فإذًا نقول: الدم نجس، إلا أنه يُعفى عن يسيره.

بقي أن بعض العلماء يفرق بين يسير الدم الخارج من السبيلين، ويسير الدم الخارج من غير السبيلين، فيقول: إذا كان الدم خارج من السبيلين فإنه يكون نجسًا، ولو كان دمًا يسيرًا، وقال آخرون: إن الدم اليسير إذا كان خارجًا من السبيلين فلا يعفى عنه، أما إذا كان من غير السبيلين فيعفى عنه، وهذا هو المذهب، وقد أشار إليه المؤلف، لاحظ قول المؤلف: “ولو من دم حائض” إشارة إلى الخلاف في المسألة، (ولو) إشارة للخلاف القوي، فعند بعضهم أنه إذا كان الدم يخرج من السبيلين فهو نجس، ولو كان يسيرًا،

والقول الثاني: وهو الذي مشى عليه المؤلف: أن الدم اليسير يُعفى عنه ولو كان خارجًا من السبيلين، وهذا هو القول الراجح؛ وذلك لأن حديث عائشة الذي سقناه إنما هو في دم الحيض، وهو في صحيح البخاري، فهو يدل على العفو عن نجاسة الدم اليسير حتى وإن كان من السبيلين.

قال:

إذا كان من حيوان طاهر في الحياة.

شمل ذلك الإنسان، وكذلك الحيوان الطاهر عمومًا، فالأصل فيه أن الدم فيه نجس إلا أنه يُعفى عن يسيره.

قال:

ويضم يسير متفرق بثوب لا أكثر.

يعني: إذا أردنا أن نضبط اليسير، فربما يكون الدم متفرقًا في الثوب، فلا بد من ضمه لمعرفة هل هو يسير أو أنه كثير، فلا بد أن يضم الدم اليسير المتفرق في الثوب يبعضه إلى بعض، لكن في الثوب الواحد؛ ولذلك قال المؤلف: “لا أكثر” يعني: إذا كان في أكثر من ثوب فلا يضم بعضه إلى بعض.

قال:

وطين شارع ظُنَّت نجاسته، وعَرق وريق من طاهر، طاهر.

حكم طين الشوارع

الشوارع الأصل فيها الطهارة، حتى وإن ظن نجاستها؛ وذلك عملًا بالأصل؛ ولأن الصحابة والتابعين يخوضون المطر في الطرقات، ولا يغسلون أرجلهم، ولم يأمرهم النبي بغسل أرجلهم، وهو قول عامة أهل العلم: أن طين الشوارع طاهر، والأصل عمومًا في الأشياء الطهارة، لو أنك أتيت مكانًا مثلًا، تريد أن تصلي فيه في بيت أحد صديق لك مثلًا، أو حتى مثلًا في سوق، أو في أي مكان، فإنك تبني على الأصل، وهو أن الأصل الطهارة، ولا تسأل هل هذا المكان طاهر أو نجس؟ بل تبني على الأصل، وهو أن الأصل الطهارة.

حكم العرق والريق

قال: “وعرق وريق”: هكذا أيضًا العرق والريق طاهر وليس نجسًا؛ لأن الأصل هو الطهارة.

قال:

ولو أكل هر ونحوه من الحيوانات الطاهرات كالنمس، والفأر، والقنفذ أو طفل نجاسة، ثم شرب من مائع لم يضر.

يعني: أكل نجاسة، المفعول به: نجاسة، مفعول لأكل.

حكم سؤر الحيوانات الطاهرات

يريد المؤلف بهذا أن سؤر هذه المذكورات أنه طاهر، وليس نجسًا، فسؤر الهرة طاهر، ويدل لذلك حديث أبي قتادة السابق ذكره، وهو قوله عليه الصلاة والسلام عن الهرة: إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات [25]، وقلنا: إنه حديث صحيح، والسؤر: هو البقية من الماء، فهذا يدل على أن سؤره طاهر وليس بنجس، وكذلك أيضًا البقية من الطعام والبقية من الماء يطلق عليه سؤر.

وقال:

ونحوه من الحيوانات.

نحن بينا أن هذا هو المذهب، والقول الصحيح أننا نقول: وما كان يشق الاحتراز منه، ما شق التحرز منه من الحيوانات، فيأخذ حكم الهر في طهارة سؤره، مثل المؤلف لما كان نحو الهر، قال:

كالنمس.

والنمس يقولون: هو حيوان دويبة نحو الهرة في الخلقة يأوي البساتين غالبًا، ويقتل الثعابين، وجمعها نموس، أظنها غير معروفة، أحد منكم يعرف النمس؟

نعم، أكبر من القنفذ، يقولون: جسمه قريب من جسم الهر، وأنه يأوي المزارع والبساتين، ويقتل الثعابين، هكذا عرفوه، لكن يبدو أنه غير موجود عندنا، أو أنه موجود باسم آخر، محتمل.

على كل حال عرَّفته لكم، لكن تطبيقه على الواقع.

غير موجود؟ طيب، يغني عنه الأمثلة الأخرى.

قال:

والفأر، والقنفذ.

هذه كلها معروفة.

قال:

أو طفل.

يعني: أكلت هذه الأشياء كلها من الهر ونمس والفأر والقنفذ والطفل نجاسة، ثم شرب من مائع، مقصود المؤلف أن سؤرها طاهر؛ ولهذا قال: “لم يضر”.

قوله:

ولا يكره سؤر حيوان طاهر.

ثم عرَّف السؤر، فقال:

وهو فضلة طعامه وشرابه.

المؤلف يقول: إن آسار الحيوانات الطاهرة كلها لا تضر، فسؤر الإبل، وسؤر البقر، وسؤر الغنم، وسؤر الهر، هذه كلها طاهرة.

حكم سؤر الحيوانات غير الطاهرات

غير الطاهر أيضًا ما كان يشق التحرز منه، فلا يضر سؤره كالبغل والحمار الأهلي، ونحو ذلك هذه الصحيح أن آسارها طاهرة؛ لأن السباع كانت ترد البرك والحياض على عهد النبي ولم يأمر الناس بتجنب ما تشرب منه، وأيضًا جاء في حديث عمرو بن خارجة قال: “خطبنا النبي بمنى وهو على راحلته ولعابها يسيل على كتفي” [26] رواه أحمد والترمذي وصححه.

وأيضًا خطب النبي عليه الصلاة والسلام على راحلته في عرفة وبقي في عرفة وهو على بعيره، ومعلوم أنه سوف يصيبه شيء من عرقها، لكن البعير الطاهر، لكن بالنسبة لغير الطاهر كان عليه الصلاة والسلام يركب الحمار، ولا بد أن يلامسه شيء من عرقه، وما كان عليه الصلاة والسلام يتحرز منه، ولا أمر الصحابة بالتحرز منه، فدل ذلك على أن عرق ما يشق التحرز منه كالحمار الأهلي وكالبغال ونحوها أنه طاهر، وهكذا أيضًا آسارها، فإنها طاهرة.

الأسئلة

السؤال: …؟

الشيخ: لا، الأصل إذا كان يشق التحرز منه، فالأصل فيه الطهارة.

السؤال: مسألة يا شيخ ما يشق التحرز منه …؟

الشيخ: أي، نعم، البول والروث هذا نجس، مثلًا بول الهرة نجس، فقط السؤر والعرق ونحوها هذه الأشياء، يعني اللعاب والعرق والسؤر هذه هي التي يشق التحرز منها، أما بالنسبة لروثها وبولها فهو نجس بالاتفاق.

السؤال: دم ما يؤكل لحمه ما يلحق …؟

الشيخ: دم ما يؤكل لحمه فيه تفصيل، إذا كان دمًا مسفوحًا فهو نجس بنص الآية، إذا كان غير مسفوح وهو الذي يكون في العروق فهذا طاهر، ولذلك يجوز أكله.

السؤال: أحسن الله إليك يقول: هل يجوز قتل الكلاب والخنازير، وما الضابط في ذلك؟

الشيخ: أما الكلاب فقد أمر النبي بقتلها، ثم نهى عن ذلك، فلا يقتل منها إلا الكلب الأسود البهيم، هذا هو الذي يُقتل أيضًا بعد إنذاره، لأن كثيرًا منها أيضًا يكون أو بعضها يكون من الجان ونحوها، ولهذا قال: فإنه شيطان [27].
أما بالنسبة للخنزير فلا أعلم الأمر بقتله، إنما الذي ورد هو النهي عن أكل لحمه، وعندما ينزل عيسى ابن مريم هو الذي يقتل الخنزير، ويكسر الصليب، لكن لم يرد الأمر بقتله.

السؤال: …؟

الشيخ: نعم، هذا ليس بصريح؛ لأن أولًا شراب الجنة يختلف عن شراب الدنيا تمامًا، ليس له فقط إلا الاسم، ثانيًا: يحتمل مقصود الطهارة هنا يعني الطهارة من غوائل الخمر في الدنيا؛ لأن الخمر في الدنيا تغتال العقل، وتسبب يعني أمراضًا وآلامًا وصداعًا، ولذلك قال: لَا ‌يُصَدَّعُونَ ‌عَنْهَا ‌وَلَا ‌يُنْزِفُونَ [الواقعة:19].
ولذلك من علامات شرب الخمر التي ذكرها الفقهاء: التقيؤ، يعني عندما يشرب الخمر يتقيأ، فهذه خمر الآخرة تختلف؛ هي سليمة من هذا، فيحتمل أنها طاهرة من غوائل خمر الدنيا.

السؤال: أحسن الله إليك يقول: ما معنى أن يأكل الطعام بشهوة، وهل الرضيع الذي لا يشرب إلا اللبن يأخذ حكم النضح فقط، أم لا؟

الشيخ: معنى لا يأكل الطعام إلا بشهوة، يعني أنه يأكل الطعام باختياره وبشهوته، أما ما يأكله بدون شهوة، كأن يحنك مثلًا، أو يلعق عسلًا، فهذا لا يخرج عن الحكم، يعني ينضح بوله، لكن إذا كبر أصبح أكثر مثلًا من السنة فما فوقها أصبح يأكل الطعام بشهوة، إذا كان بعد الولادة بأشهر، فإنه يعتمد على اللبن فقط، فهذا لا يأكل الطعام، حتى لو أكل الطعام يأكله بغير شهوة، يحنك تحنيكًا، أو أنه يلعق لعقًا، فهذا لا يكون بوله يجب غسله، هذا هو المقصود.

السؤال: هل من أدلة على نجاسة الدم؟

الشيخ: نعم، أما بالنسبة للدليل، فأولًا قالوا: الإجماع، يقولون: إن المتقدمين أجمعوا على هذا، وأن الخلاف حصل ممن بعدهم، وهذا شيء.

الأمر الثاني: قالوا: الأصل هو أنه نجس؛ لأن الله تعالى قال: قُلْ ‌لَا ‌أَجِدُ ‌فِي ‌مَا ‌أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ [الأنعام:145].
فقالوا: فالأصل يعني في الدم هو النجاسة، لكن قد يقال: إن الدم قيد بأنه دم مسفوح، ويعني أقوى ما عندهم هو الإجماع.
أما بالنسبة لما يخرج من الرعاف، نحن سبق أن قلنا: أن القول الصحيح أن خروج الدم لا ينقض الوضوء إذا كان من غير السبيلين، لكن الدم نجس، يعني لا تخلطوا بين المسألتين، يعني بعض الإخوة يخلط بين المسألتين.
خروج الدم ليس بناقض للوضوء، لكنه نجس، ويعفى عن يسيره، فرق بين القول بأن خروج الدم ليس بناقض، وبين قولنا إنه نجس، فالرعاف فالغالب أن الرعاف يكون يسيرًا، فيعني لا يضر، لكن لو كثر يقطع صلاته.

السؤال: أحسن الله إليك يقول: ما صحة نقل الإجماع عن الإمام أحمد بنجاسة الدم، وهل الذين يقولون بطهارة دم الإنسان؛ كالشوكاني والصنعاني وابن عثيمين رحمهم الله يقولون بطهارة الدم المسفوح، أم أنه لا خلاف في الدم المسفوح؟

الشيخ: أما الدم المسفوح هذا بنص الآية، ما في أحد يقول بطهارته، هذا بالإجماع وبالنص قبل هذا فَإِنَّهُ رِجْسٌ، يعني: نجس، لكن الخلاف في غير الدم المسفوح، في غير الدم المسفوح؛ كدم الإنسان مثلًا، هل هو نجس أم طاهر؟
فيقولون: إن المتقدمين حكى غير واحد الإجماع على ذلك، … عن الزركشي والنووي، وذكروا أيضًا عددًا من العلماء حكوا الإجماع إجماع المتقدمين، يقول: لا يعرف أن أحدًا من المتقدمين قال بطهارة الدم، فيكون خلاف المتأخرين يكون خلافًا بعد انعقاد الإجماع، … من ألف في هذا، وصنف مصنفًا في جمع من حكى الإجماع في هذا.

السؤال: أحسن الله إليكم هل نقل عن أحد الخلاف في الدم؟

الشيخ: نقل عن الإمام أحمد.

السؤال: إي نعم …

الشيخ: إي نقل نعم، ذكر عن عدد من …

السؤال: …؟

الشيخ: ما خالف إلا المتأخرين في الحقيقة، يعني هذه الحقيقة هو الذي يجعل الإنسان يهاب من المخالفة؛ لأن الخلاف متأخر، المتقدمين لا يعرف عن أحد منهم أنهم قال بطهارة الدم.

السؤال: …؟

الشيخ: يقولون: إن هذه حالات حروب وقتال، وحالات ضرورة، هذه حالات ضرورة، يعني لو خرج من الإنسان نجاسة غير الدم في حالة ضرورة، فالضرورة تقدر بقدرها، فيقول: هذه الأحوال لا تقاس على غيرها، وإلا استدل بها أصحاب القول الثاني الشوكاني، استدلوا بهذه الحوادث، لكن تبقى مسألة الإجماع في الحقيقة مشكلة، يعني ما يستطيع الإنسان أن يأخذ هذا الرأي، وحكى الإجماع عدد كبير من الأئمة.

السؤال: أحسن الله إليك يقول: ما حكم شراء الكلب لاستخدامه للحرث أو الحراسة أو الصيد؟ وما حكم شراء القطط وبيعها؟

الشيخ: أما بالنسبة للكلب فلا يجوز بيعه ولا شراؤه، وقد نهى النبي عن ذلك، نهى عن ثمن الكلب، لكن اقتناؤه للحرث أو الصيد أو الماشية هذا لا بأس به، لكن كيف يكون الاقتناء؟ يكون الاقتناء بالعارية مثلًا يستعيره، أو بالهبة ونحو ذلك، أما البيع فقد ورد النهي عنه، وقد حقق ابن القيم هذا في زاد المعاد أن البيع لا يجوز مطلقًا، وأن رواية أنه نهى عن بيع الكلب إلا كلب صيد وحرث وماشية، أنه لا تصح.
أما القطط فقد جاء في صحيح مسلم، عن جابر ، أن النبي سُئل عن ثمن السنور، فزجر عنه، زجر عنه، والسنور هو الهر، يسمى السنور، يسمى القط، يسمى بس، كلها في اللغة العربية أسماء له، فهذا في صحيح مسلم وهو صريح … المذهب عند الحنابلة أنه يجوز بيعه، لكن هذا الحديث كما قال ابن القيم في زاد المعاد  هذا صريح صحيح، والزجر يقتضي التحريم.

السؤال: لماذا الضبع طاهر؟

الشيخ: لأنه ثبت أنه صيد، ثبت عن النبي أنه قال، نعم فيه الكبش، يعني في أحاديث تدل على أنه صيد، طيب كيف يباح أكله وهو ذا ناب، وقد نهى النبي عن كل ذي ناب من السباع؟

السؤال: لا يفترس به؟

الشيخ: لا يفترس به، له ناب، لكن لا يفترس به، ولذلك نقول يعني المحرم من الحيوانات من كان ذا ناب يفترس به، لكن الضبع يقولون: إنه لا يفترس بنابه، فلذلك القول الصحيح أنه يباح أكله، وفيه شاة لو صاده المحرم، … ما فيها خلاف.

السؤال: أحسن الله إليك، يقول: ذكرت أن أبوال الإبل طاهرة، فلماذا نهينا عن الصلاة في مرابض الإبل؟

الشيخ: نعم، هذا السؤال جيد يعني النهي عن الصلاة في مرابض الإبل ليس لنجاستها، وإنما لسبب آخر، لحكمة أخرى، والحكمة جاء منصوص عليها في بعض الروايات عند ابن حبان وغيره: فإنها خُلقت من الشياطين، والمعنى أن طبعها طبع الشياطين، فيها طبع الشيطنة، هذا هو الأحسن في تفسيرها، أن طبعها طبع يعني الشياطين، ويعني ربما أن الإنسان لو صلى في مبارك الإبل يعني تهيج عليه، أو نحو ذلك، فيعني نهى النبي عن الصلاة في مبارك الإبل، وقال: صلوا في مرابض الغنم [28].

السؤال: الكلب والهرة سواء؟

الشيخ: في البيع؟

السؤال: في البيع والاقتناء.

الشيخ: أما في البيع فحكمها واحد، أما في الاقتناء فيختلف.

السؤال: الصلاة بملابس عليها لعاب الكلاب؟

الشيخ: لا يصلي بملابسه، فلعابها نجس.

السؤال: …؟

الشيخ: يأخذ تراب الغسلة الأولى، ثم البقية بالماء، أو أنه يخصص في الحقيقة يشتكي بعض الإخوة، يقول: إنه يعني يلحقني حرج، يعني بعض الإخوة يستفتوني في هذا، يقول: يلحقنا حرج كيف نغسل الملابس، ومن أين نأتي بالتراب، ويعني في.. فنقول: يخصصون ملابس للصلاة، يخصصون ملابس للصلاة فيزول الإشكال ويزول الحرج.

السؤال: يا شيخ: شراء الكلاب البوليسية …؟

الشيخ: هو يحتمل هي محل اجتهاد، حتى البيع ليس محل اتفاق، من العلماء من أجاز بيع الكلاب التي في الحرث والصيد والماشية، بعض العلماء أجازوا ذلك، وهو قول له وجه، خاصة في وقتنا الحاضر، في الوقت الحاضر ربما لا يكون هناك طريق إلا بشرائها، العارية والهبة قد تكون في وقتنا الحاضر شبه متعذرة، وفي قول آخر بجواز بيع هذه الكلاب، لأنه إذا جاز اقتناؤها جاز بيعها وشراؤها.

السؤال: … البيع بيع للتعليم … هو لا يبيع الكلب …؟

الشيخ: وهذا أيضًا له وجه، المسألة هذه الحقيقة تحتاج يعني مزيد تأمل، القول الحقيقة بعدم الجواز يرد عليه إشكالات في الحقيقة، يرد عليه أن هذا يؤدي إلى سد باب اقتناء الكلاب في الحرث والصيد والماشية في الوقت الحاضر.
طيب من يتبرع لنا ويبحث لنا هذه المسألة أقوال العلماء في حكم بيع الكلاب، كلاب الصيد والحرث والماشية نريد آراء العلماء، طيب تبحث لنا تأتي بها الدرس القادم إن شاء الله.

السؤال: …؟

الشيخ: لكن كيف تحصل عليه السؤال، الحصول عليه صعب.

السؤال: …؟

الشيخ: وين صيد الكلاب، يعني فيها صعوبة في الحقيقة في وقتنا الحاضر تطبيقها فيها صعوبة.

السؤال: أحسن الله إليك، يقول: هل النجاسة على الأرض لها عدة أحوال، فما هي؟

الشيخ: نعم، سبق أن أشرنا لهذا، أشرنا لهذا في أثناء الشرح، لعل الأخ يرجع للشرح، وكله مسجل.

السؤال: هل يشترط في التيمم استيعاب اليد؟

الشيخ: ما يشترط، … ما يشترط استيعاب جميع اليد، يكفي معظمها لأنه رخصة، رخصة … معناه التعبد لله ​​​​​​​ بتعفير اليدين بالتراب، ومسح الوجه واليدين فقط.

السؤال: هل يجب نزع الخاتم من اليد أثناء الوضوء؟

الشيخ: الصحيح أنه لا بد أن ينزعه؛ لأن الخواتم الموجودة في وقتنا الحاضر تمنع وصول الماء للبشرة، وإن كان لم يصح بتحريك الخاتم شيء، لكن يبدو الخواتم في عهد النبي عليه الصلاة والسلام ربما تختلف، والأصل أن الماء لا بد أن يصل جميع أعضاء البشرة، هكذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام الرجل الذي في قدمه قدر لُمعة لم يصبها الماء، أمره أن يعيد الوضوء والصلاة.

السؤال: أحسن الله إليك يقول: كم نصاب زكاة المال بالريال السعودي الورقي الآن؟

الشيخ: نصاب الأوراق النقدية هو أدنى النصابين من الذهب أو الفضة، ومن المعلوم الآن أن الفضة أرخص من الذهب بكثير، فيكون إذن نصاب الأوراق النقدية هو نصاب الفضة، والفضة خمسمائة وخمسة وتسعين جرامًا.
فنضرب خمسمائة وخمسة وتسعين جرامًا في سعر الجرام من الفضة، يخرج لنا مباشرة نصاب الفضة الأوراق النقدية، ومن المعلوم أن أسعار الفضة تختلف، تختلف حتى باليوم من يوم لآخر.
لكن الآن لو ذهبت لمحلات الذهب، وقلت لهم: كم سعر الجرام من الفضة؟ ما يدرون، يعني الجرام من الذهب، لكن الفضة ما يعرفون، ما يعرف إلا المحلات الكبيرة.
على أن المحلات الكبيرة أيضًا ما يقيسونها بالجرام، يقيسونها بالأنصة وبالدولار أيضًا، ولذلك أنا ذكرت في كتاب لعله إن شاء الله يخرج، والآن هو موجود في موقع جامع شيخ الإسلام ابن تيمية في فقه المعاملات المالية المعاصرة، ذكرت طريقة لتحويل أسعار من الفضة الموجودة في الصحف، تحويلها من الأنصة والدولار إلى جرامات وريالات، في معادلة رياضية تستطيع من خلالها أن تعرف نصاب الأوراق النقدية كل يوم بالنظر لسعر الفضة في الصحف، هذا موجود لها معادلة رياضية موجودة في الموقع، فإن شاء الله تخرج في كتاب إن شاء الله تعالى.
لكن أقول لكم هذا، لو ذهبت لأصحاب محلات الذهب ما يعرفون سعر الفضة بالجرام، فلذلك لها طريقة … نحن حسبناها قبل سنوات، قبل سنوات وصلت ثلاثمائة، ومرة ثلاثمائة وأربعين، ومرة أكثر من هذا، فالأيام هذه الذهب والفضة مرتفعة نسبيًّا، ارتفعت ثم انخفضت، يعني في حدود تقريبًا الآن خمسمائة ريال، أو قريب من هذا الرقم، ممكن نحسب ونعيد حسابها مرة ثانية، ويعني نحدد الرقم الدقيق إن شاء الله.

السؤال: حكم ما يشق التحرز منه مما لا يؤكل لحمه؟

الشيخ: نحن قلنا ما لا يؤكل لحمه البول والغائط نجس، ما يشق التحرز منه مثل اللعاب والسؤر، هذا ما يشق التحرز منه يكون طاهرًا.

السؤال: الجسد …؟

الشيخ: لا، الجسد لا يكون نجسًا، يعني مجرد جسده إذا كان جافًا، ولم يكن رطبًا، الأصل أنه طاهر، لا يعتبر نجسًا إلا إذا كان رطبًا وعلق بالإنسان، هنا يعني يأتي هل هو مما يشق التحرز منه فيعفى عنه، أم لا؟

السؤال: أحسن الله إليك يقول: بالنسبة للخارج من جسد الإنسان بالتفصيل حكم الطاهر منه والنجس؟

الشيخ: يا إخوان الذي مضى في الدرس يعني لا نعيده مرة ثانية، يمكن أيضًا الدرس موجود في البث الإسلامي، حتى نتيح فرصة للأسئلة الأخرى، من فاته شيء من الدرس، فالدرس مسجل وموجود في موقع البث الإسلامي، فممكن للإخوة الذي فاتهم شيء من الدرس يرجعون له، نخصص هذا الوقت للإجابة عن الأسئلة، وعن المسائل التي لم تطرح في الدرس، حتى لا يكون كلامنا تكرارًا.

السؤال: حكم المتولد من النجاسة، هل يأخذ حكم أصله؟

الشيخ: لا، ما تأخذ حكم أصلها، أصلًا المتولد كلمة متولد من النجاسة يكون هذا يعني أشوف بعض الناس يشكك في صحة هذه، وما في شيء يتولد من النجاسة.
هل في شيء يتولد من النجاسة؟

الطالب: لا أعرف.

الشيخ: يقولون: ما في شيء، يعني بعض المعاصرين يقولون: هذه مقولة مشتهرة، لكن عند التحقيق ما في شيء يتولد من النجاسة، هذا يعني هي تحتاج إلى تحقيق، هل الشيء يتولد من النجاسة؟

الطالب:

الشيخ: لا، من النجاسة نفسها يخلق، هذا يعني هناك من يشكك في صحة المسألة أصلًا.

السؤال: أحسن الله إليك، يقول: من وقع في إنائه ذباب، ثم لم يشربه، بمعنى أن نفسه كرهته، فهل له ذلك، أم عليه إثم؟

الشيخ: له ذلك، وليس عليه إثم، لا يلزمه شربه، لكن هذا إخبار من النبي عليه الصلاة والسلام بأن يفعل هذا، وأنه ليس بنجس، لكن ليس أمرًا، ولا حتى نقول: إنه سنة، وإنما هو مباح، إن أردت أن تشربه فالحمد لله، وإن كانت نفسك تستقذره، فلا حرج عليك في هذا.
لكن يجب اعتقاد أن ما قاله عليه الصلاة والسلام حق، ولذلك تجد بعض من شابه أهل النفاق يقع في هذا الحديث، وفي صحته، وفي كذا، الحديث في صحيح البخاري لا إشكال في صحته.
والذي يعرض نصوص الوحي على عقله، هذا إنسان ضال، فالعقل ينبغي أن يتبع الوحي، أما أن نعرض نصوص الوحي على العقول ما قبلته، فيؤخذ به، وما إن تقبله لا يؤخذ به، فهذا الإنسان ما أصبح عبدًا لله، أصبح عبدًا لهواه، المفروض من المسلم أن يستسلم لله ​​​​​​​، وأن يكون عبدًا لله سبحانه: وَمَا ‌كَانَ ‌لِمُؤْمِنٍ ‌وَلَا ‌مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36].

السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: كيف نجمع بين مذهب أهل السنة والجماعة في أن المؤمن لا يخلد في النار، وبين أحاديث كحديث: لا يدخل الجنة قاطع [29]، وما أسفل الإزار من الكعبين ففي النار [30]، وقوله تعالى في القاتل: فَجَزَاؤُهُ ‌جَهَنَّمُ ‌خَالِدًا ‌فِيهَا [النساء:93]، مع أنه لم يذكر أنهم يخرجون من النار، وجزاكم الله خيرًا.

الشيخ: نعم، هذه نصوص الوعد يا إخوان والوعيد لا بد أن يجمع بين النصوص، فهذه النصوص التي ذكرها الأخ السائل، طيب هناك نصوص أخرى في أن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله [31]، فيجمع بينها، بأن هذا لا يدخل الجنة قاطع، المقصود أنه ربما أنه يقول: لا يدخل الجنة لأول مرة، لكنه يعذب ثم يدخل الجنة، فيكون المقصود بدخول الابتداء.
أو لا يدخل الجنة إن تحققت الشروط، بعدم دخوله الجنة، فلا بد أن يجمع بين النصوص، وهكذا أيضًا: إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، فمن الشروط أن يكون قالها يبتغي بها وجه الله تعالى، وإلا المنافقون يقولون: لا إله إلا الله، وهم في الدرك الأسفل من النار، ليس كل من قال: لا إله إلا الله يكون في الجنة، المنافقون يقولون: لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، وهم في الدرك الأسفل من النار.
هذه يا إخوان ترى مظنة مزلة أقدام، ضلت فيها المرجئة، وضلت فيها الوعيدية من الخوارج والمعتزلة، ولذلك يكون الإنسان على حذر، يفهم هذه النصوص بفهم السلف، بفهم الصحابة والتابعين، لا يفهمها بنفسه؛ لأنها نصوص في الوعد ونصوص في الوعيد، كيف نفهم الشريعة؟
نفهمها كما فهمها الصحابة، فنرجع لفهم الصحابة والتابعين.
وهناك بعض العلماء الذين حققوا آراء الصحابة والتابعين، شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: أتحدى أن يأتي لي أحد من الناس بحرف واحد في أبواب المعتقد خالفت فيه أحدًا من الصحابة أو التابعين، يقول: وأمهل من قال ذلك ما شاء من الوقت، ويأتي لي بحرف واحد فقط خالفت فيه الصحابة والتابعين في أمور الاعتقاد.
فنجد مثلًا المطلوب من المسلم أن يفهم الشريعة أن يفهم النصوص على ضوء فهم الصحابة والتابعين؛ لأنهم أعلم الناس بشريعة الله، وأعلم الناس بمدلول لغة العرب، وهناك كما ذكرت علماء حققوا مذاهب وآراء الصحابة والتابعين، كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وأئمة الدعوة.

السؤال: أحسن الله إليك، رجل يبحث عن عمل، فوجد وظيفة حارس أمن في شركة تقوم بحراسات أمنية للبنوك الربوية، فما حكم هذا العمل؟

الشيخ: في السابق كان العلماء يفتون بأنه لا يجوز العمل في البنك الربوي، حتى وإن كان حارس أمن، هذا لما كانت البنوك في السابق لا تستثمر، أما الآن أصبحت البنوك فتح لها الاستثمار، لم يصبح تعاملاتها كلها ربوية، وإنما جزء منها ربوي، والأكثر منها الاستثمار في بيع وشراء.
ولذلك الذي يظهر لي أن الحكم يختلف الآن عمّا كان عليه في السابق، ربما تجدون فتاوى بعض مشايخنا كانوا يفتون بالتحريم، لكن يظهر لي الآن أن الحكم يختلف، بسبب اختلاف الآن عمل البنوك، فأصبح الغالب الآن على البنوك هو الاستثمار، وليس التعاملات الربوية.
ولذلك الذي يظهر لي أنه لا بأس بأن يعمل الإنسان حارسًا في البنك باعتبار أنه يحرس مؤسسة مالية مختلطة، يعني أكثر ما يقال فيها أنها مختلطة، اختلط فيها الحلال بالحرام، وفيها أموال المسلمين، وأموال المسلمين معصومة، فيها أموال المسلمين وفيها.. يعني لا تترك أموال المسلمين للضياع.
فما فيها من الأمور المحرمة هي لم تتمحض هذه المؤسسة بأنها حرام، من يعمل في هذه البنوك إذا كان سيكتب التعاملات المحرمة ويشهد عليها، فإنه لا يجوز، كما لو كان مثلًا في قسم القروض لا يجوز قروض ربوية؛ لأن النبي لعن آكل الربا وموكلها وكاتبها وشاهديها، وهو لا يخلو إما أن يكتب الربا أو يشهد عليه.
أما لو كان في مجال آخر، في مجال استثمار، وليس في مجال كتابة الربا، فالذي يظهر أنه لا بأس بهذا، وإن كان الأولى تركه.
لكن الآن أصبحت البنوك الآن مؤسسات استثمارية، لم تعد كما كانت في السابق، في السابق كان عملها في الربا، لكن الآن اختلف وضعها، هذا هو الذي يظهر في هذه المسألة، والحكم يدور مع علته، ما دام اختلف وضع البنوك، فالأحكام تختلف تبعًا للعلة، فالحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا.

السؤال: هل هذه البنوك حرام؟

الشيخ: نعم، هو لا شك أن هذا القول لا يبرر فعلهم، لا شك أن فعلهم هذا حرام، ومن كبائر الذنوب، والربا أعظم حتى من الزنا، وأعظم من شرب الخمر.
لكن الآن في الآونة الأخيرة تلاحظون أن البنوك، حتى البنوك الربوية أصبحت تتعامل بالربا، لكن تمرره عن طريق الهيئات الشرعية، هذا هو الواقع الآن، أصبح الآن الربا يمرر عن طريق الهيئات الشرعية، فتجد مثلًا التورق هذا، التورق في الحديد، أو في المعادن، هذا لعب وضحك على الناس، هذا هو الربا، لكن يجعلون في حديد ومعادن، وعمرنا ما شفنا أحد اشترى حديد أو معادن، كلها ضحك على الناس، كلها تحايل وتلاعب، وتشبه حيل اليهود، فهذه في الحقيقة مصيبة، وكما قال أيوب السختياني: لو أتوا يعني الحرام على وجهه لكان أهون، يخادعون الله كما يخادعون الصبيان.
ولذلك أنا أرى أن الهيئات الشرعية فتاواها في مثل هذا أنها لا تبيح للإنسان التعامل، حتى يتأكد من العلماء الموثوقين؛ لأن كثيرًا من أو بعض الإخوة في الهيئات الشرعية عندهم شيء من التساهل في هذا، مثل هذا التورق، أو أن الخطأ يأتي من موظف البنك، مثل هذا التورق لا شك أنه حيلة واضحة على الربا، ولذلك بدل ما تمارس البنوك الربا الصريح، أصبحت تمرره عن طريق هذه الهيئات الشرعية، وتقول: إن عندنا فتوى فلان وفلان.

السؤال: …؟

الشيخ: قد يكون هذا، لكن الحقيقة المسألة فيها مشكلة الحقيقة، المسألة فيها مشكلة كبيرة الآن، الآن أصبح هذا هو التوجه العام للبنوك.

الطالب: … أكثر من يمكن خمس وعشرين سنة يا شيخ.

الشيخ: الهيئة الشرعية التي لا يوجد لها رقابة، يعني لا شك أن البنك لن يطبقها، وأن طبقها طبقها تطبيق غير صحيح، لا بد من وجود مراقبين، لا بد من وجود مراقبين.
ولذلك الآن بعض البنوك الإسلامية لا تكاد تفرق بينها وبين النبوك الربوية، مع الأسف، وإن كنا نشجع البنوك الإسلامية وندعو لها، لكن أقول: الوضع يحتاج إلى شيء من التصحيح والتعديل والملاحظة.
أنا أذكر أن أحد البنوك الإسلامية عندنا هنا لما عرض على المجمع الفقهي مسألة من.. منتج من المنتجات، تعجب فقهاء المجمع كيف هذا البنك يتعامل بهذا، والذي طرح هذا المنتج هو الهيئة الشرعية للبنك، وأفتى المجمع بالإجماع يمكن ما عدا واحد أو اثنين بالتحريم، فمثل هذه الحقيقة فيها مشكلة.
ويفترض أن يكون أعضاء الهيئات الشرعية مستقلين عن البنوك، أما أن البنك هو الذي يدفع مكافآتهم ومرتباتهم وكذا، نحن نحسن بهم الظن، لكن مع ذلك يحصل شيء من المجاملات، ومن غض الطرف، ونحو ذلك، بل يفترض أن يكون هناك حزم، وأن يبين للناس أيضًا مثل هذا، أن مثل هذه الفتاوى أنها لا تبيح الربا؛ لأنه أصبح الآن هذا هو توجه البنوك الآن، البنوك الآن أصبحت لا تتعامل بالربا صراحة، قليلة البنوك التي تتعامل بالربا صراحة، أصبح المعظم هم من يتعاملون بها عن طريق تمريرها عن طريق الهيئات الشرعية.
طيب نأخذ سؤال أخير، نعم..

السؤال: أحسن الله إليك، يقول: هل يجوز قول المتكلم عن شخص مثل أبي طالب أن يقول: أنا على ملة عبدالمطلب، وخاصة أن بعض الناس قد لا يفهم إذا قلتُ: هو على ملة عبدالمطلب؟

الشيخ: إذا كان على سبيل الحكاية، فالذي يظهر أن الأمر فيه سعة، لا يُشدد فيها؛ لأن المقصود واضح، وكما قال عليه الصلاة والسلام: إنما الأعمال بالنيات [32]، فالألفاظ تعبر عما في الضمير، الأصل أن العبرة بما في الضمير، لكن هذه الألفاظ مجرد تعبير عما في الضمير.
يعني بعض الناس ترى عندهم هذه المسألة مشكلة حتى في الطلاق، بعض الناس يقول: ما أدرس أنا الطلاق، يخشى أن يقع في شيء من هذه الألفاظ، ولا يقرأ كتاب الطلاق، بل وصل كما ذكرت في المثال السابق أن أحد الإخوة يقول: إنه إذا يستمع الشريط إذا أتت آية الطلاق قلب الشريط، يعني بلغ بهم الوسوسة إلى هذه الدرجة، فنقول: العبرة بالنية إنما الأعمال بالنيات، الأصل أن هذه الألفاظ تعبر عما في الضمير، فلا أرى أن التشدد في مثل هذا أنه يسوغ، فينبغي أن يعلم الإنسان بأن الله تعالى لا يؤاخذه، حتى لو نطق بكلمة الكفر خطأ أو جهلًا مثلًا، أو نسيانًا، لا يؤاخذه الله تعالى به، ولذلك الذي قال: أنت عبدي وأنا ربك [33]، لم يُؤاخذ بهذا.
وهذا، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

والسلام عليكم ورحمة الله.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 ذكره ابن قدامة في المغني: 1/ 75.
^2 رواه البخاري: 308، ومسلم: 291.
^3 رواه أبو داود: 247، وأحمد: 5884، والبيهقي في السنن الكبرى: 848.
^4 رواه البخاري: 172، ومسلم: 279.
^5 رواه مسلم: 279.
^6 رواه النسائي: 337.
^7 رواه مسلم: 280.
^8 رواه البخاري: 2323، ومسلم: 1576.
^9 رواه البخاري: 1265، ومسلم: 1206.
^10 رواه أحمد: 16957.
^11 رواه أبو داود: 365، وأحمد: 8767.
^12 رواه البخاري: 223، ومسلم: 287.
^13 رواه أبو داود: 376، وابن ماجه: 526، والنسائي: 304.
^14 رواه البخاري: 6025، ومسلم: 284.
^15 رواه أبو داود: 83، والترمذي: 69، وقال: حسنٌ صحيحٌ، وابن ماجه: 386، والنسائي: 58.
^16 رواه مسلم: 1983.
^17 رواه البخاري: 401، ومسلم: 572.
^18 رواه مسلم: 1934.
^19 رواه أبو داود: 75، والترمذي: 92، وابن ماجه: 367، والنسائي: 63، وأحمد: 22528.
^20 رواه ابن ماجه: 3314، وأحمد: 5723.
^21 رواه البخاري: 3320.
^22 رواه البخاري: 6804، ومسلم: 1671.
^23 بنحوه رواه البخاري: 229، ومسلم: 289.
^24 رواه البخاري: 312.
^25 سبق تخريجه.
^26 رواه الترمذي: 2121، وابن ماجه: 2712، وأحمد: 17664.
^27 رواه مسلم: 1572.
^28 بنحوه رواه مسلم: 360.
^29 رواه البخاري: 5984.
^30 رواه البخاري: 5787.
^31 رواه البخاري: 5401.
^32 رواه البخاري: 1.
^33 رواه مسلم: 2747.