عناصر المادة
تتمة الشرط السابع للتيمم: تعذر استعمال الماء
.. شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. لكنَّ هذا يُحمل فيمن كان مُفرِّطًا.
أما من كان ليس بمُفَرِّطٍ؛ فإن الوقت في حقه هو وقتُ زوالِ العذر، يعني: لو كان نائمًا فغلبه النومُ ولم يُبيِّت النيةَ لتأخير الصلاة، غلبه النوم ولم يستيقظ إلا قبيل طلوع الشمس، فنقول له: توضَّأْ بالماء، ثم صَلِّ ولو طلعتِ الشمس؛ لأن الوقتَ في حقِّكَ هو وقت استيقاظك.
لكن، الكلام في إنسانٍ مُفرِّط حتى خَشِيَ خروج الوقت، أو مثلًا فواتَ الجمعة، وهذا يحصل كثيرًا؛ قام مثلًا والخطيبُ في الركعة الثانية ولو توضأ لفاتته الجمعة، أو مثلًا الجنازة لو توضأ لحُملت الجنازة، أو العيد.
فهنا، يرى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه يتيمَّم في هذه الحال؛ لأنه تعارض عندنا شرطان: شرط الوقت، وشرط الطهارة.
على أنَّ -أيضًا- الخلافَ في هذه المسألة خلافٌ قويٌّ، والمسألة تحتاج إلى مزيدِ -أيضًا- تأمُّلٍ؛ لأنَّ القولَ -أيضًا- بأنه يعدل إلى التيمُّمِ مع وجود الماء فيه إشكالٌ حقيقةً، والقول بأنه تعارَضَ شرطان والوقتُ آكَدُ؛ مُتَّجِهٌ، وإن قلنا: الأقرب هو ما اختاره شيخ الإسلام، إلا أن المسألة تحتاج إلى مزيد تأمل ونظر.
مداخلة: …
الشيخ: كذلك أيضًا، نعم، يدخل فيه الحدث الأصغر والأكبر.
لكن، هذا القول فيه خطورةٌ، في الحقيقة، فكوننا نقول لإنسانٍ: “تيمَّمْ واذهبْ لصلاة الجمعة”، من الصعبِ أنَّ مثلَ هذا يتيمَّمُ والماءُ موجود، وأكثر العلماء لا يُجيزون هذا.
لكنْ فيه قولٌ منقولٌ عن بعض السلف، وهو الذي اختاره شيخ الإسلام، يعني يرى هذا الرأي.
عند الحنابلة فيه صورتان فقط، الصورتان اللتان ذكرهما المؤلف، وما عداهما -يعني- لا يرون ذلك.
فالمسألة تحتاج -في الحقيقة- لمزيد تأمل ونظر؛ لأنها كما ذَكَر يتعارضها مأخذان:
المأخذ الأول: مسألة إنسان يتيمم مع وجود الماء، هذا فيه إشكال، والله تعالى يقول: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43].
والمأخذ الثاني: أن شرط الوقت آكَدُ من شرط الصلاة.
قال:
ومَن في الوقت أراق الماء، أو مَرَّ به وأمكنه الوضوء، ويعلم أنه لا يجد غيرَه؛ حَرُم، ثم إن تيمَّم وصلى لم يُعِدْ.
يعني: هذا رجلٌ عنده شيء من العبث، فعنده ماءٌ يريد أن يتوضأ به، فقام وأراق الماء، أو مر بالماء وهو يُمكنه أن يتوضأ منه، وهو يعلم أنه لا يجد غير هذا الماء، لكنه لم يتوضأ، فيقول المؤلف: إنه يأثم بإراقة الماء؛ لأنه مُتعَدٍّ، ويأثم لكونه لم يتوضأ وهو يعلم أنه لا يجد غير هذا الماء؛ لكونه مُفرِّطًا.
فالمؤلف ذكر الصورتين: صورةً للتعدي، وصورةً للتفريط.
لكن هل تصح صلاته لو تيمم وصلى؟
قال المؤلف: (ثم إن تيمم وصلى لم يعد)، وبعض العلماء قال: إنه يعيد، والصحيح كما ذهب إليه المؤلف أنه لا يعيد، لكنه يأثم بذلك التعدي أو التفريط.
حكم من اجتمع عليه نجاسة وحدث ومعه ماء يكفي أحدهما
قال:
وإن وَجَد مُحدِثٌ -ببدنه وثوبه نجاسةٌ- ماءً لا يكفي؛ وجب غَسْلُ ثوبه، ثم إن فَضَلَ شيءٌ غَسَل بدنه، ثم إن فَضَل شيءٌ تطهَّر به، وإلا تيمَّمَ.
هذا رجلٌ اجتمع عليه نجاسة وحدث، ومعه ماء يكفي أحدهما فقط، فيُقدم غَسْل النجاسة، يعني: في ثوبه نجاسة وهو مُحدِث، هل يتوضأ بهذا الماء أو يغسل النجاسة؟ يقول المؤلف: إنه يقدم غَسل النجاسة.
وقد نص على هذا الإمام أحمد، بل قال الموفق ابن قدامة: لا نعلم في هذه المسألة خلافًا. ذكر هذا في “المغني”.
وذلك؛ لأن التيمم للحدث ثابت بالإجماع، والتيمم للنجاسة مختلف فيه، فإذن يُقدَّم غَسْلُ نجاسة الثوب على التيمم على نجاسة البدن؛ قال: (ثم إن فضل شيء غسل بدنه) وهذا ظاهر (ثم إن فضل شيء تطهر به، وإلا تيمم).
طيب، إذا تعارضت نجاسة البدن ونجاسة الثوب، ليس الحدث، تُقدَّم نجاسة الثوب على نجاسة البدن؛ لأن للتيمم في نجاسة البدن مدخلًا بخلاف نجاسة الثوب.
فتكون إذن على هذا الترتيب: أولًا يقدم نجاسة الثوب، ثم نجاسة البدن، ثم بعد ذلك الحدث.
ولهذا؛ رتَّبها المؤلف، قال: (وجب غسل ثوبه، ثم إن فضل شيء غسل بدنه، ثم إن فضل شيء تطهر به، وإلا تيمم)، فتكون بناء على هذا الترتيب.
حكم التيمم للنجاسة التي على البدن أو الثوب
قال:
ويصحُّ التيممُ لكلِّ حَدَثٍ، وللنجاسةِ على البدن بعد تخفيفها ما أمكن، فإن تيمَّم لها قبل تخفيفها لم يصحَّ.
أما التيمم للحدث فهذا ظاهر، لكن التيمم للنجاسة؛ كما لو أصابه بولٌ على بدنِه أو على ثوبه، ولم يمكنه إزالة هذه النجاسة، ولم يجد ماءً يُزيل به هذه النجاسة؟
إنسان مثلًا على وضوءٍ لصلاة الظهر، لكن وقع على ثوبه نجاسة، فبحث عن ماء وما وجد ماءً يُزيل به هذه النجاسة؟ فيرى المؤلف أنه يتيمم.
وقال بعض العلماء: إنه لا يُشرع التيمم إلا عن الحدث فقط، ولا يُشرع عن النجاسة.
قالوا: لأن هذا هو الذي قد ورد به النص؛ ولأن طهارة التيمم لا تؤثر في إزالة النجاسة؛ ولأن طهارة الحدث عبادة، فإذا تعذَّر الماءُ تعبَّد لله تعالى بتعفير أفضل أعضائه بالتراب. وأما النجاسة فشيء يُطلب التخلي منه لا إيجاده، فإنه إذا تيمم للنجاسة فإن النجاسة لا تتخلى عن البدن، وأما التيمم عن الحدث فهو تعبد لله بتعفير أعضائه بالتراب. فَرْقٌ بينهما.
وهذا القول هو القول الراجح والله أعلم: أن التيمم إنما يشرع للحدث فقط، ولا يشرع لأجل إزالة النجاسة. هذا هو القول الراجح في هذه المسألة، والله تعالى أعلم.
فيكون الصواب إذن خلاف ما ذهب إليه المؤلف.
والمؤلف فرَّع على هذا القول بأن النجاسة لا بد من تخفيفها أولًا ما أمكن، والتخفيف يكون مثلًا لو كان عنده ماء قليل يغسلها به، فإذا لم يكن عنده ماء يفركها مثلًا، أو يعصرها، أو نحو ذلك.
لكن، على القول الراجح لا نحتاج لهذا كله؛ لأنه لا يُشرع التيمم لإزالة النجاسة، وإنما يشرع التيمم للحدث فقط.
الثامن: أن يكون بتراب غير محترق
قال:
الثامن: أن يكون بتراب … غير محترق.
حكم التيمم بغير التراب
(أن يكون بتراب)، وخرج بهذا ما عدا التراب، كالرمل والحجارة والجِصِّ، ونحو ذلك.
وبناء على هذا؛ لو عُدم التراب، وكان في مكانٍ ليس فيه إلا رمل أو طين، فإنه بناء على هذا القول يصلي بلا تيمم.
واستدلوا بقول النبي : وجُعلت تربتها لنا طهورًا. رواه مسلم من حديث حذيفة[1]، قالوا: وهذا مخصص لعموم: وجُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا[2].
والقول الثاني في المسألة: أن التيمم يجوز بكل ما تصاعد على وجه الأرض من تراب أو رمل أو غير ذلك، كل ما تصاعد على وجه الأرض. وهذا القول هو رواية عن أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى؛ وذلك لعموم قول الله تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43]، قالوا: والصعيد هو كل ما تصاعد على وجه الأرض.
قال ابن القيم رحمه الله في “زاد المعاد”: “وكان النبي يتيمم بالأرض التي يصلي عليها ترابًا كانت أو سبخة أو رملًا، وصح عنه أنه قال: حيثما أدركتْ رجلًا من أمتي الصلاةُ فعنده مسجده وطَهوره[3]”، قال: “فالرَّمْل له طَهور. ولما سافر هو وأصحابه في غزوة تبوك، قطعوا تلك الرمال في طريقِهم وماؤهم في غاية القلة، ولم يُرْوَ أنه حَمَل معه التراب ولا أمر به، ولا فعله أحدٌ من أصحابه، مع القطع بأن الرمال في تلك المفاوز أكثر من التراب، كذلك أرض الحجاز”.
وكذلك أيضًا من جهة المعنى المقصود من التيمم: التعبد لله بهذا الصعيد الطيب، والتيمم ليس له مقاصد حسية حتى يقال بأنه لا يحصل مقصود بغير التراب، وإنما المقصود هو أن يتعبد لله بهذه الكيفية، فيصدق هذا على كلِّ ما تصاعد على الأرض.
وأما حديث: وجُعلت تربتها لي طهورًا فهذا استدلال غير صحيح؛ لأن ذِكر بعض أفراد العام بحكمٍ يوافق العامَّ لا يقتضي التخصيص، هذه قاعدة أصولية.
مثال ذلك: لو قلت: “أَكْرِمِ الطَّلبةَ”، ثم قلت: “أَكْرِمْ زيدًا”، هل هذا يقتضي تخصيصَ زيد؟ لا يقتضي تخصيصه.
فهذه قاعدة عند الأصوليين: ذِكر بعض أفراد العام بحكمٍ يوافق حكمَ العامِّ لا يقتضي التخصيص، أما لو قلت: “لا تكرم إلا زيدًا”، هذا صحيح، هذا مُخصِّص.
قال:
بتراب طهور.
هل يصح التيمم بتراب نجس؟
اشترط المؤلف أن يكون التراب طهورًا، فلا يصح التيمم بالتراب النجس؛ لقول الله تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43]. والطيب ضد الخبيث، ولا يُعلم خبيثٌ يُوصَف به الصعيد إلا أن يكون نَجِسًا.
وبناء على ذلك؛ فلا يصح التيمم بتراب نَجِس، وعلى المذهب لا يصح التيمم بتراب قد تُيُمِّم به، قالوا: لزوال طَهُوريته باستعماله، قياسًا على الماء المستعمل في الطهارة. وسبق القول بأن القول الراجح في هذه المسألة أن الماء المستعمل يجوز التطهر به، فكذلك التراب الذي قد تُيُمِّم به.
قال: (غير محترق)، فاشترط المؤلف أن يكون التراب غير محترق، فلا يصح إذا كان محترقًا كالخزف مثلًا الذي يُعمَل من الطين ويُحرَّق بالنار ويصير فخارًا، وكالإسمنت مثلًا، ونحو ذلك، قالوا: لأن الاحتراق والطبخ يُخرجه عن مسمى التراب.
والصحيح: أن كل ما على الأرض من تراب أو طين، رطب أو يابس؛ فإنه يصح التيمم به؛ لعموم الآية. فالصواب: أنه لا يشترط هذا الشرط.
هل يشترط أن يكون التراب له غبار؟
قوله:
له غبار يَعْلَق باليد.
اشترط المؤلف أن يكون هذا التراب له غبار، وهذا هو المذهب عند الحنابلة.
واستدلوا بقول الله تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة: 6]، قالوا: ومِنْهُ للتبعيض، ولا تتحقق البعضية إلا بغبار يعلق باليد ويمسح به الوجه.
وذهب بعض العلماء إلى عدم اشتراط هذا الشرط؛ لعموم الآية: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا.
ولهذا كان عليه الصلاة والسلام -كما ذكر ابن القيم- يسافر في الأرض الرملية، ولم ينقل عنه أنه ترك التيمم.
وأما ما استدل به أصحاب القول الأول من قول الله تعالى: مِنْهُ، فالصحيح أن “مِن” هنا لابتداء الغاية، كما تقول: “سرت من بلد كذا إلى بلد كذا”.
يؤيد هذا أن في آية (النساء) لم تَرِد هذه اللفظة أو الكلمة: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [النساء:43]، ولم يقل: مِنْهُ، وإنما وردت مِنْهُ في سورة (المائدة) فقط. وسورة (النساء) سبقت (المائدة) بسنوات، (المائدة) هي من أواخر ما نزل من السور.
ويدل لذلك أيضًا حديث عمار بن ياسر في “صحيح البخاري”: أن النبي ضرب بيديه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح وجهه[4].
فلو كان يُشترط أن يكون له غبارٌ لَمَا مسح النبي يديه، فالصواب إذن: أنه لا يُشترط هذا الشرط.
إذن، كل هذه الشروط التي ذكرها المؤلف لا يُشترط منها إلا أن يكون طَهورًا فقط، وأيضًا لا يشترط أن يكون حتى ترابًا، يكون صعيدًا طَهورًا، حتى التراب أيضًا قلنا: إنه لا يشترط، وإنما يشترط أن يكون ما يتيمم به صعيدًا طَهورًا، كما قال الله تعالى: صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43]، كل ما تصاعد على الأرض من تراب أو رمل، أي شيء تصاعد على الأرض يجوز أن يتيمم به ولو كان رملًا، فلا يشترط على القول الراجح، لا يشترط أن يكون له غبار.
فإن لم يجد ذلك صلى الفرض فقط على حسب حاله، ولا يزيد في صلاته على ما يجزئ، ولا إعادة.
يعني يقول: إن لم يجد إلا هذا التراب، فإنه يصلي الفرض فقط، ولا يزيد في صلاته على ما يجزئ، يعني: أنه يأتي بأقل ما يجزئ في الصلاة، فيطمئن أدنى طمأنينة، ولا يسبح في الركوع والسجود أكثر من تسبيحة، قالوا: لأن طهارته ناقصة، فلا يأتي إلا بالواجب اللازم.
وهذا القول قول ضعيف، إما أن تقول: إنه يتيمم، أو تقول: إنه لا تتيمم، أما إن يتيمم بهذا ثم يأتي بأقل الواجب فهذا لا يستقيم، هذا القول قول ضعيف.
الصواب: أنه يتيمم بكل ما تصاعد على الأرض مما كان طيبًا طهورًا، وأنه إذا صلى بذلك فيأتي بالسنن والصلاة على أكمل وجه؛ وذلك لأنه اتَّقى الله ما استطاع. وأما القول بأنه لا يزيد على ما يجزئ فهذا قولٌ ليس عليه دليل، والصواب أنه يأتي بالصلاة على أكمل وجه بسننها فضلًا عن أركانها وواجباتها.
ثم قال المؤلف رحمه الله:
فصل:
حكم التسمية للتيمم
قوله:
واجب التيمم: التسمية، وتسقط سهوًا.
يعني: هذا كما قال في واجب الوضوء: التسمية.
فعند الحنابلة: أن واجب الوضوء التسمية مع الذِّكر، هكذا أيضًا في التيمم يقولون: إن واجب التيمم: التسمية واجبة مع الذِّكر؛ لأن التيمم بدلٌ عن الماء.
وسبق أن قلنا: إن القول الصحيح في التسمية في الوضوء أنها مستحبة، وقلنا: إن الحديث: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه. حديث ضعيف[5].
قال الإمام أحمد: لا يصح في هذا الباب شيء، ولو صح فالمراد: لا وضوء كامل، والصارف لهذا: أن الواصفين لوضوء النبي لم ينقلوا أنه كان يُسمِّي، ولو سمَّى لنقلوا ذلك، وقد نقلوا ما هو أقل من هذا، نقلوا ووصفوا اضطراب لحية النبي وهو في الصلاة.
فيكون إذن القول الراجح أيضًا في التسمية في التيمم: أنها مستحبة وليست واجبة.
فروض التيمم:
قوله:
وفروضه خمسة: مسح الوجه، ومسح اليدين إلى الكوعين.
الأول: مسح الوجه
الأول: مسح الوجه؛ لقول الله تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6].
ومسح الوجه يشمل مسح الوجه واللحية، ويكفي مسح ظاهر الشعر، خفيفًا كان أو كثيفًا، في الحدث الأكبر أو الأصغر. وأما ما تحت الشعر فإنه لا يُمسح في التيمم، حتى لو كان الشعر خفيفًا، ولا يمسح كذلك داخل الفم والأنف بالتراب؛ لما في ذلك من التقذير.
قال المَرْداويُّ في “الإنصاف”: “قطعًا”؛ يعني: هذا أمر مقطوع به، والواجب هو تعميم المسح لا تعميم التراب؛ لأن الله تعالى قال: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ.
فإذن، المطلوب هو مسح الوجه واللحية كما ذكرت، لا يقال: يفرق بين ما إذا كانت كثيفة أو خفيفة، هذا إنما يقال في الوضوء، وأما بالنسبة للتيمم فيمسح الوجه مع ظاهر اللحية فقط. وكذلك داخل الفم والأنف لا يدخلان في المسح.
الثاني: مسح اليدين
ومسح اليدين إلى الكوعين.
هذا هو الفرض الثاني، مسح اليدين إلى الكوعين.
الكوع: المقصود به العظم الذي يلي الإبهام، والكرسوع: العظم الذي يلي الخِنصر الذي يكون فوقه الرُّسْغ؛ ولذلك يقولون في المَثَل: “فلان لا يعرف كُوعَه من كُرْسوعِه”، هذا ذكروه، قالوا: “فلان لا يعرف كوعه من كرسوعِه”.
والكوع: هو العظم الذي يلي الإبهام، والكرسوع: هو العظم الذي يلي الخنصر الذي يكون فوقها الرسغ.
فإذن؛ يكون المسح المقصود: للكفين، المسح يكون للكفين، فاليد إذا أُطلقت في الأصل فالمراد بها الكف، كما قال الله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38]؛ يعني: أكفهما.
وذِكْر الكفين ورد في حديث عمار في الصحيحين[6]؛ ولهذا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله، قال: الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها شيء، لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم وعمار، وما عداهما فضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه، والراجح عدم رفعه، وفي حديث أبي جهيم ورد ذِكر اليدين مجملًا[7]، وأما في حديث عمار فورد في الصحيحين بذكر الكفين.
وورد أيضًا في روايةٍ عند أصحاب السنن بذكر المَرْفِقين، لكنها ضعيفة[8]، وورد في روايةٍ “نصف الذراع” لكنها ضعيفة[9]. والصواب في رواية الصحيحين بذِكر الكفين: إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا وضرب بيديه الأرض ومسح كفيه[10].
فإذن، يكون الصواب هو مسح الكفين فقط مع الوجه.
الثالث: الترتيب
الثالث قال:
الترتيب في الطهارة الصغرى، فيلزم مَن جُرْحُه ببعض أعضائه إذا توضأ: أن يتيمم له عند غَسله لو كان صحيحًا.
يعني: الترتيب بين مَسْح الوجه واليدين، فلا يُقدَّم مسح اليدين على الوجه؛ لأن الله تعالى قال: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة: 6].
ولكن قوله بعد ذلك: (فيلزم من جرحه ببعض أعضائه إذا توضأ أن يتيمم له عند غسله لو كان صحيحًا)؛ معنى كلام المؤلف هنا في هذه العبارة: لو كان مثلًا عنده جبيرة في ذراعه، فيقول: يتوضأ، فإذا وصل إلى موضع الجبيرة تَيمَّم ثم أكمل الغسل. هذا معنى كلام المؤلف.
(فيلزم مَن جرحه ببعض أعضائه) كالذراع مثلًا، (إذا توضأ أن يتيمم له عند غسله)، يعني: عندما يصل إلى موضع غسله (لو كان صحيحًا).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “لا يلزمه مراعاة الترتيب في هذه الحال”، وقال: “وهذا هو الصحيح من مذهب أحمد”، بل قال: “الفصل بين أعضاء الوضوء بتيمم بدعة”؛ يعني: هذه الطريقة التي ذكرها المؤلف أنه يغسل أعضاء وضوئه، ثم إذا وصل إلى الموضع تيمم ثم أكمل الوضوء، يقول: إن هذا بدعة، لم يَرِد هذا، وإنما يتوضأ، وما تركه من أعضاء الوضوء يتيمم له بعد الوضوء.
الرابع: الموالاة
قال:
الرابع: الموالاة، فيلزمه أن يُعيد غَسل الصحيح عند كل تيمم.
(الموالاة) المقصود بها: ألا يؤخر مسح اليدين بحيث يجف الوجه لو كان مغسولًا.
وهذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، المؤلف فرَّق بين الطهارتين الصغرى والكبرى، والمذهب عند الحنابلة فرقوا بين الطهارتين الصغرى والكبرى، وهذا ليس له وجه.
والقول باشتراط الموالاة متجه في الحقيقية؛ لأنه لو لم نَقُلْ بهذا لربما أتى إنسان ومسح وجهه، ثم بعد ساعتين مسح يديه، فهل نقول: يصح مثل التيمم هذا؟ لا يصح مثل هذا، ولا يتفق مع الأصول والقواعد؛ ولهذا فاشتراط الموالاة متجه.
ولكن قوله: (فيلزمه أن يعيد غسل الصحيح عند كل تيمم)؛ هذا بناء على أن التيمم مبيحٌ لا رافع، لكن على القول بأنه رافع لا يلزم ذلك.
الخامس: النية
الخامس: تعيين النية لما تيمَّم له من حدث أو نجاسة، فلا تكفي نية أحدهما عن الآخر.
يعني: أن النية لا بد منها لما يُتيمَّم له وما يتيمم منه، لا بد من نيتين:
- الأولى: نية ما يتيمم له من صلاة أو طواف أو غير ذلك.
- والثانية: نية لما يتيمم عنه من الحدث الأصغر أو الأكبر، أو النجاسة على المذهب.
فيقول: لا بد من تعيين النية في هذا، فإذا أحدث حدثًا أصغر وأراد صلاة العشاء؛ يقال له: انْوِ التيمُّمَ من الحدث الأصغر لصلاة العشاء. وهذا كله بناء على القول بأن التيمم مبيح لا رافع.
لكن على القول الصحيح بأن التيمم رافع للحدث، فإنه يكون كالماء، ويكفي أن ينوي ما تُشترط له الطهارة، فلو أنه نَوَى الصلاة ولم يطرأ على بالِه الحدثُ ارتفع حدثه، وهكذا لو نوى رفع الحدث ولم يطرأ على باله الصلاة ارتفع حدثه.
وكذلك أيضًا تَقدَّم أن القول الراجح: أن التيمم لا يُشرع عن النجاسة.
فهذا الكلام الذي ذكره في الخامس، هو كله بناء على أن التيمم مبيح، تفريعًا على القول بأن التيمم مبيح.
والقول الصحيح أن التيمم رافع؛ ولذلك لا نحتاج لهذا الشرط، وإنما ربما نقول: النية فقط، يعني: أنه ينوي ما تُسن له الطهارة فقط كالوضوء، وهو قد ذكر في شروط التيمم، ذَكَر النية؛ ولذلك فلا حاجة لأن نذكر هذا من فروض التيمم.
مبطلات التيمم
قال:
ومبطلاته خمسة.
لاحِظ الآن: الأقوال المرجوحة لها تفريعات كثيرة وإشكالات واستثناءات، بينما القول الصحيح لا يَرِد عليه هذا؛ لأن القول بأن التيمم رافع للحدث ربما نستغني عن كثيرٍ من الأحكام التي ذَكَرها المؤلف، لكن على القول بأنه مبيح نحتاج لكثيرٍ من هذه الأحكام، قال: (ومبطلاته خمسة).
أولًا: ما أبطل الوضوء
أولًا: ما أبطل الوضوء.
يعني: نواقض الوضوء التي سبق الكلام عنها في درس سابق.
ثانيًا: وجود الماء
ووجود الماء.
لقول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [المائدة:6] فإذا وجد الماء بطل التيمم؛ ولقول النبي : الصعيد الطيب طَهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتَّقِ الله، ولْيُمِسُّه بشرته[11].
ثالثًا: خروج الوقت
وخروج الوقت.
هذا بناء على القول بأن التيمم مبيح لا رافع، وعلى القول الراجح ليس هذا مبطلًا.
رابعًا: زوال المبيح له
قال:
وزوال المبيح له.
يعني: لو كان المبيح له مرضًا ثم برئ؛ بطل التيمم.
خامسًا: خلع ما مُسح عليه
وخَلْع ما مُسح عليه.
يعني: لو أنه تيمَّم وعليه خُفٌّ أو عليه جورب ثم خلعه، فيقول: إنَّ تيمُّمَه يبطل.
والقول الثاني في المسألة: أنه لا يبطل، لو أنه تيمم وخلع جوربه لا يبطل تيممه. وهذا القول هو قول أكثر الفقهاء، وقد اختاره الموفق ابن قدامة في “المغني”؛ وذلك لأن التيمم طهارة لم يمسح فيها عليه، يعني على الخف، فلا يبطل بنزعه كطهارة الماء.
فإذ؛ إذا أردنا أن نحرر مبطلات التيمم، كم يبقى لنا؟ اثنان فقط: ما أبطل الوضوء، ووجود الماء. أما خروج الوقت، وزوال المبيح، نعم ممكن نعتبر زوال المبيح فتصير ثلاثة.
(وخلع ما مسح عليه)، نقول: الصحيح عدم اعتباره. فتكون المبطلات بعد تحرير المسائل ثلاثًا، قال:
وإن وجد الماء وهو في الصلاة بطلت، وإذا انقضت لم تجب الإعادة.
إذا وجد الماء وهو في الصلاة، قوله: (وهو في الصلاة) إشارة للخلاف، فمِن العلماء من قال: إنها لا تَبطُل، وهو رواية عن أحمد، ولكن قيل: إنه رجع عنها، وقال: “كنتُ أقول: إنه لا يبطل، فإذا الأحاديث تدل على أنه يبطل”.
وهو الصحيح، إذا أتى الماءُ وهو في الصلاة بطلت الصلاة؛ لقول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [المائدة:6]، وهذا قد وجد الماء، فبطل حكم تيممه.
ولقوله عليه الصلاة والسلام: الصعيد الطيب طَهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله، وليمسه بشرته[12].
فإذا وجد الماء في الصلاة ففي قول أكثر أهل العلم: أن الصلاة تبطل، وهو ظاهر الأدلة، وهي الرواية التي رجع لها الإمام أحمد، لكن إذا غلب على ظنه أنه لا يجد الماء فتيمم وصلى ثم وجد الماء، فيقول المؤلف: لا تجب عليه الإعادة.
وهذه المسألة قد ورد فيها حديث عن النبي ، ورد حديث أبي سعيد قال: خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمَّمَا صعيدًا طيبًا، ثم وُجد الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يُعِد الآخر، وأتيا رسول الله فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يُعِد: أصبت السنة، وقال للذي أعاد: لك الأجر مرتين. هذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي[13]، وله طرق متعددة، لعله يكون حسنًا أو صحيحًا بمجموعها.
فأيهما أفضل: الذي أعاد، أو الذي لم يُعِد؟ الذي لم يُعد؛ لأنه أصاب السنة، لكن الذي أعاد هو مجتهد؛ ولذلك قال: لك الأجر مرتين.
وهذا يدل على أن موافقة السنة أفضل من كثرة العمل.
فلو قال قائل: أنا أريد أن أعيد لأجل أن يكون لي الأجر مرتين، ماذا نقول؟
نقول: هذا الرجل لم يعلم بالحكم فاجتهد، وأما أنت فقد علمت بأن السنة عدم الإعادة، فلا يكون لك الأجر مرتين، لكن هذا الرجل لم يعلم؛ ولهذا نقول: إن السنة عدم الإعادة.
صفة التيمم
قال:
وصفته.
يعني: صفة التيمم.
أن ينوي.
طبعًا النية شرط لصحة العبادات كلها.
ثم يُسمِّي.
عرفنا أن التسمية مستحبة.
ويَضرب التراب بيديه.
يعني: بباطن يديه، والمقصود باليدين: الكَفَّان.
مُفرَّجَتَيِ الأصابع.
قالوا: لأجل أن يصل التراب إلى ما بينها، لكن ظاهر الأحاديث أنه لم يَرِدْ فيها (مفرجتي الأصابع)، هم يقولون: يفرج أصابعه هكذا، لعله أن يصل الترابُ إلى ما بينها. لكن ظاهر الأحاديث هو الإطلاق: أنه لا يشترط هذا، وإنما على صفته المعتادة، ولا حاجة لتفريج الأصابع. قال:
ضربة واحدة.
هذا هو ظاهر الأحاديث، أنه ضربة واحدة. قال:
والأحوط اثنتان.
خروجًا من الخلاف؛ لأنه قد جاء في حديث ابن عمر: التيمم ضربتان: ضربة للوجه وضربة لليدين. لكن الحديث هذا ضعيفٌ لا يصح[14]، ولم يرد عن النبي أن التيمم ضربتان، لم يرد هذا عن النبي في حديث.
ولهذا؛ فالصواب أن التيمم ضربة واحدة، والأحاديث الواردة كلها تدل على أنه ضربة واحدة.
وأما قوله: إن هذا هو الأحوط، فالاحتياط يكون إذا لم تتبين السنة، وأما مع تبين السنة فلا يكون هنا احتياطًا؛ ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “الاحتياط إذا لم تتبين سنة الرسول ، فإذا تبينت فاتباعها أولى”. قال:
بعد نَزْعِ خاتَمٍ ونحوه، فيمسح وجهه بباطن أصابعه، وكفَّيْه براحَتَيْه.
قوله: (بعد نزع خاتم ونحوه)؛ يعني: لأجل أن يصل التراب لجميع اليد.
فيمسح وجهه بباطن أصابعه، وكفيه براحتيه.
يعني: بعدما يضرب الأرض ضربة واحدة يمسح وجهه بباطن أصابعه هكذا، وكفيه براحتيه هكذا. هذه هي الصفة المشهورة عند الفقهاء، وهي ظاهر الأحاديث: أنه يمسح وجهه، ثم يمسح ظاهر كفيه براحتيه.
لكن، هل يمسح باطن كفيه؟ يعني: هل يكون المسح هكذا، أو أنه هكذا؟
الذي يذكره الفقهاء: أنه مَسَح ظاهر الكفين، حقيقة أنا رأيتُ شيخنا عبدالعزيز ابن باز رحمه الله في أحد دروسه يصفه هكذا بأنه باطن الكفين وظاهرهما، وبحثت لعلي أجد قولًا في هذا ولم أجد.
فلعلكم تبحثون، هل هناك قول في هذه المسألة أنه يمسح ظاهر الكفين وباطنهما أو لا؟
فهي مسألة تحتاج إلى مزيد تحرير، لكن أنا إلى الآن لم أقف على شيء في هذا، المسألة واضحة؟ هل المسح لظاهر الكفين فقط أو لظاهر الكفين مع باطنهما هكذا؟
مداخلة: …
الشيخ: هذا هو القول المشهور، لكن أنا أقول: سماحة الشيخ عبدالعزيز لا بد أنه وقف على شيء في هذا؛ هذا هو ظاهر الأحاديث، وظاهر كلام أهل العلم أيضًا، وتبقى المسألة على كل حال مطروحة للبحث، على كل حال من وجد شيئًا يفيدنا في هذه المسألة.
مداخلة: …
الشيخ: هم يقولون: لا قياس في العبادات، العبادات ما فيها قياس.
هو لا شك أنه يجزئ عند الجميع، لكن هل نقول: إن الأفضل أن يمسح ظاهر كفيه هكذا، أو ظاهر كفيه وباطنهما هكذا؟ هذا هو محل البحث، الكلام في الأفضلية فقط.
مداخلة: …
الشيخ: ما أدري عن كلمة “ظاهر” هذه، نحتاج نتأكد لها من “البخاري” نفسه، لو ثبت “ظاهر”، لكن ما أظن.
مداخلة: …
الشيخ: لكن هل في “البخاري” كلمة ظاهر؟ دَعْكَ من “منار السبيل”، “منار السبيل” ربما يتجوز، لكن أريد الكلمة هذه، نريد نرجع للبخاري نفسه، روايات عمار، ذكر أكثر من رواية، مع بَحْث المسألة أيضًا.
قال:
وسُن لمن يرجو وجودَ الماء تأخير التيمم إلى آخر الوقت المختار.
يقولون: إنَّ مَن كان يرجو وجود الماء؛ فيُسن في حقِّه أن يؤخر التيمم، لكن يكون إلى آخر الوقت المختار، هناك بعض الأوقات فيها وقت اختياري ووقت ضروري، ما هي الأوقات التي فيها اختياري وضروري؟
أولًا: العصر، الوقت الاختياري إلى اصفرار الشمس، والضروري إلى غروب الشمس.
هناك وقت آخر وهو: العشاء على القول الصحيح، وإلا ففيه قول آخر: أنه ليس لها إلا وقت واحد، وهو إلى منتصف الليل، على القول الصحيح أن الوقت الاختياري إلى منتصف الليل، والوقت الضروري إلى طلوع الفجر. فهذا هو المقصود.
فمثلًا؛ العصر يؤخره إلى قبيل اصفرار الشمس، والعشاء يؤخرها إلى قبيل منتصف الليل.
قال المَرْداويُّ في “الإنصاف”: “لا أعلم فيه خلافًا”؛ يعني: في هذه المسألة؛ وذلك لأن الصلاة في أول الوقت فضيلة، والطهارة بالماء فريضة.
بل قال بعضهم: إنه يتعين تأخير الصلاة، وهو قول قوي؛ ولذلك نقول لمن لم يجد الماء: لا تستعجل، لا تتعجل في أداء الصلاة في أول وقتها، انتظر إذا كنت ترجو وجود الماء.
وأما إذا كان لا يرجو وجود الماء، فيصلي في أول الوقت، لكن لو كان يحتمل؛ يعني بعثوا أحدًا مثلًا يأتي لهم بماء، ويحتمل أنه يأتي فيؤخرون الصلاة إلى آخر الوقت المختار، وأما لو كانوا لم يبعثوا أحدًا ولا يرجون وجود الماء، فيصلون في أول الوقت.
قال:
وله أن يصلي بتيمم واحد ما شاء من الفرض والنفل، لكن لو تيمم للنفل لم يستبح الفرض.
هذا كله تفريع على مسألة التيمم، هل هو مبيح أو رافع؟ فعلى القول بأنه مبيح يقول: (له أن يصلي بتيمم واحد ما شاء من الفرض والنفل)؛ يعني: إذا نواهما (لكن لو تيمم للنفل لم يستبح الفرض).
ونحن رجحنا أن التيمم رافع للحدث؛ ولهذا لا حاجة لهذا كله، فالتيمم رافع للحدث؛ ولذلك له أن يصلي به ما شاء من فرائض ومن نوافل، فهو كالماء تمامًا في كل شيء إلى أن يجد الماء، أو أن يبرأ إن كان تيممه لمرض.
فهذه المسألة تفريع على مسألة: هل التيمم مبيح أو رافع؟
هذه أبرز المسائل المتعلقة بالتيمم.
الحاشية السفلية
^1 | رواه مسلم: 522. |
---|---|
^2 | رواه البخاري: 335، ومسلم: 521. |
^3 | رواه أحمد: 22137. |
^4 | رواه البخاري: 338، ومسلم: 368. |
^5 | رواه أحمد: 9418، وأبو داود: 102، والترمذي: 25، وابن ماجه: 397. |
^6, ^10, ^12 | سبق تخريجه. |
^7 | رواه البخاري: 337. |
^8 | رواه مالك: 90، وأبو داود: 328، والترمذي: 144، والنسائي: 312، وابن ماجه: 570. |
^9 | رواه أبو داود: 322. |
^11 | رواه أحمد: 21371، والترمذي: 124، والنسائي: 322. |
^13 | رواه أبو داود: 338، والنسائي: 433. |
^14 | رواه البزار في “المسند”: 240، والطبراني في “الكبير”: 13366، والدارقطني في “السنن”: 685، والحاكم في “المستدرك”: 634. |