logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(13) باب الحيض- من قوله: “لا حيض قبل تمام تسع سنين..”

(13) باب الحيض- من قوله: “لا حيض قبل تمام تسع سنين..”

مشاهدة من الموقع

عناصر المادة

أحكام الحيض

قبل أن نبدأ بالتعريف؛ بعض أهل العلم قال: “إن سبب الحيض هو أن حواء (أمَّ البشر) ابتدأت بالأكل من الشجرة؛ فابتُليَت هي وبناتها إلى يوم القيامة بالحيض”؛ ذُكر هذا في بعض كتب التفسير -والله تعالى أعلم بصحته-.

لكن من المعلوم أن الحيض لا بد منه بالنسبة للمرأة، وهو دمُ طبيعة وليس دمًا طارئًا؛ ولهذا لما دخل النبي على عائشة رضي الله عنها وهي تبكي، قال: ما يُبْكيكِ؟ لعلكِ نَفِسْتِ [يعني: حِضْتِ]، قالت: نعم، قال : إن هذا شيءٌ قد كتبه الله تعالى على بنات آدم، افعلي ما يفعل الحاجُّ غير ألَّا تَطُوفي بالبيت[1]. فهو قد كتبه الله تعالى على النساء؛ ولذلك فإن المرأة التي لا ينتظم حيضُها لا يمكن أن تَحْمِل -كما هو معلومٌ عند الأطباء وغيرهم-، المرأة التي يكون في حيضها اضطراب لا يمكن أن تَحْمِل، والنساءُ يعرِفْنَ أن المرأة إنما تَحْمِل إذا كان حيضها منتظمًا، وإذا انقطع حيضها فمن باب أَوْلى لا يمكن أن تَحْمِل.

وقد يعتري المرأةَ أَلَمٌ بل آلامٌ لأجل هذا الحيض، ولكن هذا يُكفَّر به من سيئات المرأة؛ لقول النبي : حتى الشوكة يُشَاكُها يُكفِّر اللهُ عنه بها من سيئاته[2]؛ هذا يدل على أن جميع الآلام التي تعتري المؤمن أو المؤمنة يُكفِّر اللهُ عنه بها من سيئاته.

تعريف الحيض

الحيض في اللغة معناه: السَّيَلان؛ يقال: “حاض الوادي” إذا سال، ويقال: “حاضت الشجرة” إذا سال منها شيء يُشبِه الدم على هيئة الصمغ الأحمر.

ويقال: إن الحيض ليس خاصًّا بالنساء من بني آدم، ولكن بعض الحيوانات أيضًا يَحِضْنَ؛ وجَمَع بعضُهم أسماءَ الحيوانات التي يَحِضْنَ في بيتَيْن:

إن اللواتي يَحِضْنَ الكلُّ قد جُمِعَتْ في ضِمن بيتٍ فكُنْ ممَّن لَهُنَّ يَعِي
امـرأةٌ ناقةٌ مع أرنبٍ وَزَغٌ وكلبةٌ فرسٌ خُفَّاشٌ مع ضَبُعِ

هذه الحيوانات هي التي تحيض، وبعض هذه الحيوانات يُرَى هذا منها ظاهرًا مثل الأرانب؛ فالأرنب يُرَى أثر الدم عليه ظاهرًا، ويَعْرف ذلك أربابُ الحيوانات؛ فيقال: إن هذا ليس خاصًّا بنساء بني آدم -والله تعالى أعلم وأحكم-.

تعريف الحيض في الشرع: دمُ طبيعةٍ، يُصيب المرأةَ في أيامٍ معلومةٍ إذا بَلَغَتْ.

وقيل في تعريفه: دَمُ طبيعةٍ وجِبِلَّةٍ، يَخرج من قعر الرحم، في أوقاتٍ معلومةٍ، لحِكمةِ غذاء الولد.

ولكن التعريف الثاني اعتُرض عليه؛ لأن دم الحيض لا يتغذى به الولد، هو دَمٌ فاسد؛ لذلك يكون مُنْتِنَ الرائحة؛ فكيف يقال: لغذاء الولد؟!

فالجنين إنما يتغذى بدم المرأة وليس بدم الحيض، دم الحيض دمٌ فاسد؛ ولهذا فالأدقُّ هو التعريف الأول (دمُ طبيعةٍ، يُصيب المرأةَ في أيامٍ معلومةٍ إذا بَلَغَتْ)، من غير أن نربط ذلك بحكمة تغذية الجنين.

وأذكر أني ذكرتُ مرةً في أحد المؤتمرات التعريفَ الثاني للحيض؛ فاعترض أحدُ الأطباء وقال: إن هذا التعريف غير مقبول من الناحية الطبية، فدَمُ الحيض لا يُغذِّي الجنين، وهذا الكلام موجود فقط في بعض كتب الفقه، وهو غير صحيح. وبالفعل؛ عندما تأملتُ كلامَه وجدتُّه صحيحًا، فدَمُ الحيض ليس هو الدم الذي يتغذى به الجنين، إنما يتغذى الجنين بدمٍ صحيحٍ وليس بدمٍ فاسدٍ؛ ولذلك نأخذ بالتعريف الأول في هذا.

وقت الحيض

طيب، نعود إلى عبارة المؤلف؛ قال المؤلف:

لا حيض قبل تمام تسع سنين.

“لا” نافية للجنس؛ هل المقصود بالنفي هنا النفي الشرعي أو النفي الحسي؟

المقصود هو: النفي الشرعي؛ أما النفي الحسي: فيوجَد من النساء مَن تحيض قبل تسع سنين؛ فبعضهنَّ يَحِضْنَ لثماني سنين، وبعضهنَّ يَحِضْنَ لسبع سنين، وبعضهنَّ يَحِضْنَ لست سنين، بل وُجِد فتيات حِضْنَ لخمس سنين.

فالمقصود بنفي المؤلف هنا: النفي الشرعي؛ يعني: لا حَيْضَ شرعًا.

“قبل تمام”؛ قول المؤلف: “تمام”، هذه الكلمة مهمة؛ فإذا أردنا أن نحسب تسع سنوات؛ كيف نحسبها؟ أنها أتمَّت التاسعة ودخلَت العاشرة.

لاحظ أن تعبيرات الفقهاء دقيقة، فهنا يقول: “تمام”، عند أَمْر الابن بالصلاة لسبع؛ ما المقصود بالسبع؟ تجد الفقهاء يقولون: تمام سبعٍ؛ أي: أتمَّ سبعًا ودخل الثامنة. وضَرْبه لعشرٍ ماذا يعني؟ أي: أتمَّ عشرًا ودخل الحادية عشرة.

طيب، علامات البلوغ؛ يقول الفقهاء: تمام خمس عشرة سنةً. “تمام” هذه لها فائدة؛ يعني: أتمَّ خمس عشرة، ودخل السادسة عشرة.

وهذه مسألة مهمة؛ تجد كثيرًا من الناس يفهمونها فهمًا غير صحيح، حتى في بعض الأنظمة؛ ففي نظام التقاعد مثلًا كيف يحسبون ستين سنةً؟ تجد أن هناك نقصًا في سنة واحدة؛ لأنهم يحسبون تسعًا وخمسين، فإذا أتمَّ تسعًا وخمسين ودخل الستين حَسَبوا أنه أتمَّ ستين سنةً، وهذا غير صحيح؛ فالمفترض أنهم إذا أرادوا أن يحسبوا سِنَّ التقاعد على الستين، فينبغي أن يكون قد أتمَّ ستين سنةً ودخل الحادية والستين؛ هذا هو الحساب الصحيح.

فلا بد إذَن من أن نعرف كيف تُحسَب السنوات؛ فأنت إذا دخلتَ سِنَّ الثلاثين مثلًا، ماذا تقول؟ تقول: عمري تسع وعشرون، حتى تُتِمَّ تسعًا وعشرين سنةً ثم تدخل الثلاثين، فإذا دخلتَ الثلاثين فما زال عمرك تسعًا وعشرين، حتى تُتِمَّ الثلاثين ثم تدخل الواحد والثلاثين، وهكذا.

فهذه هي الطريقة الصحيحة لحساب السنين، وهذا قد نبَّه عليه الفقهاء؛ لكن أقول: أكثر الناس لا يحسبون بالطريقة الصحيحة، فتجد أنهم يُنْقِصون سنةً في حسابهم للسنين.

فهنا قال المؤلف: “قبل تمام تسع سنين”؛ يعني: أتمَّت تسع سنين ودخلت العاشرة. وهذا هو المذهب عند الحنابلة؛ أنه لا حيض شرعًا قبل تمام تسع سنين، واستدلوا بما رُوي عن عائشة رضي الله عنها: “إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة”[3]. وهذا الاستدلال محلُّ نظر؛ لأنه من جهة السند لا يصح هذا عن عائشة رضي الله عنها، ولا يُعرَف له إسناد صحيح، وإنما رُوي بأسانيد ضعيفة، ثم إنه أيضًا حتى لو صح فإنه ليس بصريح في أنه لا حيض شرعًا قبل تسع سنين، إنما المقصود أن المرأة قد بلغت مبلغًا كبيرًا كمبلغ بعض النساء اللاتي ينبغي أن يَحْمِلْنَ المسؤولية في معاونة أهل البيت ونحو ذلك. فتُفهَم بهذا الفهم؛ ولذلك فليس هناك دليل ظاهر على هذا التحديد الذي ذكره المؤلف.

وقد اشتُهر عن الشافعي رحمه الله أنه رأى جَدَّةً لها إحدى وعشرون سنة؛ فقال: “رأيت جَدَّةً بصنعاء لها إحدى وعشرون سنة”. وهذه مشهورة في كتب الفقه وفي كتب شروح الأحاديث، ولكن إسنادها ضعيف، فلا تصح هذه المقولة عن الشافعي -على الرغم من شهرتها-. وقد أخرجها البيهقي في “السنن الكبرى”، وفي إسنادها أحمد بن طاهر بن حرملة، نقل الذهبي في “الميزان” عن الدارَقُطْنيِّ أنه قال: “كذاب”، وقال ابن عدي: “حدَّث عن جَدِّه عن الشافعي بحكايات بواطيل”. وما دام أن الإسناد فيه رجلٌ كذاب، فهذه الرواية لا تصح عن الإمام الشافعي رحمه الله. وهي وإن كانت مُمكِنة ومُتصوَّرة؛ بأن تحيض لتسع سنين وتلد لعشر، وتحيض ابنتها لتسع وتلد لعشر؛ فمر بذلك عشرون سنةً، وسنةٌ للحمل؛ فيمكن -من ناحية التصور- أن يحصل هذا، فيمكن أن تكون جَدَّة وعمرها إحدى وعشرون سنةً؛ لكن هذه المقولة عن الشافعي رحمه الله لا تَثبُت عنه، وسوف نبيِّن القول الصحيح في هذه المسألة بعدما ننتهي من المسألة التي بعدها.

قال:

ولا بعد خمسين سنةً.

يعني: إنه لا حيض بعد خمسين سنةً؛ فالمقصود بخمسين أيضًا إذا أردنا أن نحسبها: بعد تمام الخمسين؛ قالوا: لأن هذا ليس معروفًا عادةً، والعادة لها أثر في معرفة الأحكام الشرعية، لا سيما في أبواب الحيض والاستحاضة؛ ولهذا قال  للمستحاضة: امْكُثِي قَدْرَ ما تَحبِسُكِ حيضتُكِ[4]؛ فردَّها إلى العادة.

والقول الثاني في هذه المسألة: إنه لا يصح التحديد بتسعٍ لأقل الحيض، ولا بخمسين لأكثره، بل متى رأتِ المرأةُ الدمَ المعروف عند النساء فهو دمُ حيض، حتى وإن كانت دون تسعٍ، وحتى وإن كانت أكثر من خمسين؛ والدليل لهذا قول الله : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة:222]؛ فعلَّق اللهُ الحُكم بالأذى، فمتى وجدت المرأةُ هذا الأذى فيُحكَم بأنه حيض. ويدل لذلك أيضًا قول الله : وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4]، ولم يقل: واللاتي بَلَغْنَ خمسين سنةً، وإنما قال: يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ؛ فلو كان التحديد بخمسين سنةً لقال: واللائي بَلَغْنَ خمسين سنةً.

ثم إن التحديدَ بابُه التوقيف؛ فأيُّ فرقٍ بين امرأةٍ تحيض بعد أن تُتِمَّ خمسين سنةً وتحيض في الشهر الثاني فلا نعتبر الدم الخارج منها حيضًا، بينما نعتبر الحيض الخارج في الشهر الذي قبله حيضًا؟ فلماذا نُفرِّق بينهما؟ لماذا نفرق بين الحيضتين من غير دليل؟

ولهذا؛ فالصواب هو هذا القول: إنه لا حدَّ لأقل الحيض ولا لأكثره، وهو رواية عن الإمام أحمد، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. وكلُّ مَن حدَّد بحدٍّ يُطالَب بالدليل؛ لأن التحديدَ بابُه التوقيف.

هل يجتمع الحمل والحيض؟

قال:

ولا مع حَمْل.

يعني: لا حَيْضَ مع الحمل؛ وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء، لقول الله : وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4]، ولو كانت الحامل تحيض لكانت عدتُها ثلاثَ حِيَض ولم تكن عدتُها وَضْعَ الحمل؛ ولقول النبي في سبايا أَوْطَاس: لا تُوطَأُ حامِلٌ حتى تَضَع، ولا حائِضٌ حتى تُسْتَبرَأَ بحيضةٍ[5] رواه أبو داود، وهو حديثٌ صحيحٌ. قوله: حتى تُسْتَبرَأَ بحيضةٍ يعني: حتى تُعلَم براءتها من الحمل بالحيض؛ فدلَّ ذلك على أنه لا يجتمع الحمل مع الحيض، قالوا: ولأن الحِسَّ يدل لهذا، يدل على أن الحامل لا تحيض؛ قال الإمام أحمد رحمه الله: إنما تَعرِف النساءُ الحملَ بانقطاع الدم.

والقول الثاني في المسألة: إن الحامل يمكن أن تحيض إذا كان ما يأتيها من دم على هيئة الدم المعروف المعتاد؛ فإنه يكون حيضًا. وهذا القول رواية عن الإمام أحمد، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. قالوا: وذلك لأن الحيض أذًى -كما في الآية-، فمتى وُجد هذا الأذى ثبت حُكمه؛ ولأنه وُجد من النساء مَن يَحْمِلْنَ ويَحِضْنَ، ويكون الدم الخارج على صفة دم الحيض المعتاد؛ وهذا القول هو الراجح -والله أعلم-. فكيف نقول لامرأة يخرج منها دمُ حيضٍ على صفته ولونه ورائحته: إنه ليس دم حيض؟!

أما الأطباء فآراؤهم في هذا مختلفة؛ فمنهم مَن قال: إن الحامل لا تحيض، ومنهم مَن قال: إنها يمكن أن تحيض؛ وذكر بعضهم أن احتمالية حيضها ممكنة؛ لأن المرأة لها مِبْيَضَان، فيمكن أن يكون التلقيحُ لواحدٍ والثاني تحيض منه؛ فعندهم -من الناحية الطبية- أن ذلك ممكن.

هل من أحدٍ عنده معلومة طبية في هذا؟

ذكرنا في درس سابق أن أحد الإخوة أتى بمعلومات طبية في هذا؛ فقال: من الناحية الطبية ليس مستحيلًا حيض المرأة الحامل، فلم يُقرِّر الأطباء بشكل قاطع أنه لا يمكن، فما أعرفه أنه ليس مستحيلًا -من الناحية الطبية- أن تحيض المرأة وهي حامل.

المسألة تحتاج إلى مزيد بحث وعناية، ولكن الأصل أنه متى وُجد في المرأة هذا الأذى فهو حيض؛ لقوله : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة:222].

وأما الاستدلال بالآية الكريمة؛ فليس فيها دلالة ظاهرة، فالله ذكر أن عِدة الحامل بوضع الحمل، ليس لأن الحامل لا تحيض؛ بل لأن الحيض لا يصلح أن يكون عِدةً مع وجود الحمل، فالحمل يسيطر على ما عداه من العِدَد؛ ولذلك يُسمِّي الفقهاءُ الحملَ بـ”أُمِّ العِدَد”، ولهذا فإن المُتوفَّى عنها زوجُها لو وَضَعتْ بعد وفاة زوجها -ولو بدقيقة واحدة- انقضَتْ عدتها؛ فالآية إذَن لا يصح الاستدلال بها.

وأما حديث “سبايا أَوْطَاس”؛ فلأن النبيَّ بنى على الغالب، أن المرأة إذا كانت حاملًا فإنها لا تحيض، لكن في أحوال نادرة يمكن أن تحيض المرأة الحامل.

إذَن؛ نحن نبقى على الأصل: أن الأذى إذا وُجد من المرأة -ولو كانت حاملًا- فهو حيضٌ، ما لم يثبت بشكل قاطع من الأطباء عكس هذا، فالأدلة ليس فيها قطع بهذا، بل إنها محتملة لهذا ولهذا؛ فنبقى على الأصل، وهو أن المرأة متى ما وَجَدت الأذى فهو دمُ حيض.

مداخلة: هل تترك الصلاة؟

الشيخ: نعم، لكن بشرط أن يكون الدمُ الذي تراه على صفة دم الحيض المعتاد؛ لأنه في كثير من الأحيان يخرج من الحامل دمٌ ليس على صفة دم الحيض، وإنما نزيف، فهذا لا يُعتبر؛ فمثل هذا تُصلي معه وتصوم. لكن يوجد من النساء -وهنَّ قلة- يخرج منها دم الحيض على صفته المعتادة كأنها لم تحمل، فهذا يصعب أن نقول: إنه ليس دم حيض، بل إنه يأخذ جميع أحكام الحيض.

مدة الحيض

طيب، ثم قال المؤلف رحمه الله:

وأقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يومًا، وغالبه ست أو سبع.

أقل الحيض يوم وليلة؛ قالوا: لأن العادة لم تَجْرِ بأن يوجد حيض أقل من يوم وليلة، وكذلك لم تَجْرِ العادة بأن يوجد حيض أكثر من خمسة عشر يومًا.

ولكن هذا محلُّ نظر؛ لأن التحديد بابه التوقيف -كما سبق-، ولا دليل على هذا التحديد، ويوجد من النساء مَن يخرج منها الدم في أقل من يوم وليلة، فبعض النساء اللاتي يستخدمنَ موانع الحمل أو عقاقير قد يخرج منهنَّ الدم في ساعات محدودة؛ فهذا الدم الأصل أنه دم حيض. وبعض النساء أيضًا اللاتي يستخدمنَ بعض الموانع قد تطول معهنَّ مدة الحيض؛ كاللاتي يستخدمنَ ما يُسمَّى بـ”اللَّوْلَب”، فتطول مدة الحيض معهنَّ، وقد تصل أحيانًا إلى عشرين يومًا. ولهذا؛ فقولهم: “إن العادة لم تَجْرِ بهذا” غيرُ مُسَلَّم، والتحديد بابه التوقيف.

ثم أيُّ فرقٍ بين دمٍ ينزل من المرأة قبل غروب شمس اليوم الخامس عشر، فنعتبره حيضًا؛ وبين دمٍ ينزل بعد غروب الشمس بدقيقة واحدة، فلا نعتبره حيضًا؟!

ولهذا؛ فالصواب: أنه لا حَدَّ لأقَلِّه ولا لأكثَرِه؛ فكلُّ هذه التحديدات لا دليل عليها.

أما قول المؤلف: “وغالبه ست أو سبع” فهذا صحيح؛ لأن النبي قال لحَمْنة بنت جحش رضي الله عنها: تَحَيَّضي في كل شهر في عِلم الله ستة أيام أو سبعة أيام[6]. ويؤيده الواقع؛ فالواقع أن غالب حيض النساء ستة أيام أو سبعة أيام.

أقل وقت للطُّهر بين الحيضتين

قال:

وأقلُّ الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يومًا، وغالبه بقية الشهر، ولا حدَّ لأكثره.

واستدلُّوا لذلك بما رُوي عن علي : أن امرأةً جاءت إليه، وادَّعت انقضاء عدتها في شهر؛ فقال عليٌّ لشُرَيح: اقضِ فيها. فقال شُرَيح: إن جاءت ببيِّنة من بِطَانة أهلها ممَّن يُعرَف دِينه وأمانته فهي مقبولة، وإلا فلا. فقال عليُّ بن أبي طالب : قَالُون[7]؛ “قَالُون” بمعنى: جيد أو حَسَن -على لغة الفُرس-. وقد ذَكَرَ في “منار السبيل” أن هذا الأثر قد احتجَّ به الإمام أحمد رحمه الله.

طيب، شُرَيح رحمه الله يقول: بأنه يمكن أن تنقضي عدة المرأة في شهر واحد، ولكن هذا في أحوال نادرة؛ ولذلك لا بد من إقامة البيِّنة، لأن ادعاءَ انقضاء العدة في شهر بعيدٌ أو نادرٌ، لكنه ممكن؛ وذلك بأن تحيض يومًا وليلة، ثم تَطهُر ثلاثة عشر يومًا، ثم تحيض يومًا وليلة، ثم تَطهُر ثلاثة عشر يومًا، ثم تحيض يومًا وليلة.

نحسبها:

  • تحيض يومًا وليلة، ثم تَطهُر ثلاثة عشر يومًا؛ فكم يومًا إذَن؟ أربعة عشر يومًا.
  • ثم تحيض يومًا وليلة، ثم تَطهُر ثلاثة عشر يومًا؛ فكم يومًا إذَن؟ ثمانية وعشرون يومًا.
  • ثم تحيض يومًا وليلة؛ فكم يومًا إذَن؟ تسعة وعشرون يومًا.

هذا ممكن؛ ولذلك فإن شُرَيحًا لم يستبعد هذا، لكن لا بد من أن تأتي ببيِّنة؛ لأن هذا أمرٌ بعيد.

لكن لو ادَّعَت المرأة انقضاء عدتها في الزمن المعتاد فإنها لا تُطالَب ببيِّنة، بل يُقبَل قولُها بمُجرَّده من غير بيِّنة. فلو أنها ادَّعَت مثلًا انقضاء عدتها في ثلاثة أشهر، أو حتى في شهرين أو في شهرين ونصف، فإنه يُقبَل قولُها؛ لقول الله : وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بَأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ [البقرة:228]؛ وهذا دليلٌ على أن قولَهنَّ مُعتبَر، ولولا أن قولهنَّ مُعتبَر لَمَا قال الله : وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ [البقرة:228].

لكن في حالة ادِّعاء انقضاء العدة في شهرٍ واحد فإنها تحتاج إلى بيِّنة؛ وهذا إنما بناه شُرَيحٌ رحمه الله على أن هذا هو الغالب، لكن هذا ليس بظاهر في التحديد؛ ولهذا فالصحيح: أنه لا حدَّ أيضًا لأقل الطُّهر، كما قلنا: لا حَدَّ لأقل الحيض ولا حَدَّ لأكثره؛ فكذلك أيضًا: لا حَدَّ لأقل الطُّهر.

وينبني على هذا أيضًا: أنه لا حَدَّ لغالبه ولا لأكثره؛ فكل هذه التحديدات لا دليل عليها، والعِبرة إنما هي بوجود الأذى؛ لقوله : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة:222]، فمتى وُجد الأذى فهو حيضٌ، وكل هذه التحديدات التي ذكرَها بعض الفقهاء -ومنهم المؤلف- لا دليل عليها.

ما يَحرُم بالحيض

قال المؤلف رحمه الله:

ويَحرُم بالحيض أشياء.

انتقل المؤلف لبيان ما يَحرُم بالحيض.

الأول: الوطء في الفرج

قال:

منها: الوطء في الفرج.

وهذا بالإجماع؛ لقول الله : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222]. وقد دلَّت السنة على أن المقصود باعتزال النساء: اعتزالهنَّ في الوطء فقط، ولا بأس أن يستمتع الرجل بامرأته الحائض بما دون الفرج. وقد كان النبي يأمر عائشة رضي الله عنها أن تأتزر فيباشرها وهي حائض[8].

فلا بأس أن يباشرها ويستمتع بها، فالممنوع هو الوطء في الفرج فقط؛ ولهذا فقد عبَّر المؤلف بـ”الوطء في الفرج”؛ ولقوله : اصنعوا كلَّ شيء إلا النكاح[9]. فدين الإسلام وسطٌ بين اليهود والنصارى: فعند اليهود إذا حاضت المرأة اعتزلوها ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها، وكأنها رِجْس أو نَجَس! وعند النصارى على العكس من ذلك: يطؤون المرأة الحائض! فأتى هذا الدين وسطًا؛ فالمرأة الحائض لا تُعتزَل، بل تؤاكَل، وتأكل مع الناس وتشرب، وإنما هي فقط لا تصوم ولا تصلي ولا يطؤها زوجها، فيُمنَع زوجها من الوطء في الفرج فقط.

الثاني: الطلاق

قال:

والطلاق.

أي: يَحرُم الطلاق؛ ويدل لذلك قول الله : فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1]؛ يعني: مُستقبِلين عِدَّتَهنَّ، وذلك بأن تُطلَّق المرأة في طُهْر لم يجامعها الزوج فيه، أو وهي حامل؛ وذلك لأن النبي أنكر على ابن عمر رضي الله عنهما لمَّا طلَّق امرأته وهي حائض؛ أنكر عليه وقال: مُرْه فَلْيُراجِعْها حتى تحيض، ثم تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء طلَّق وإن شاء أمسك[10].

حُكم الطلاق في الحيض

الطلاق في الحيض مُحرَّم بالاتفاق، لكن هل يقع أو لا يقع؟

هذه المسألة ستأتينا -إن شاء الله تعالى- في كتاب الطلاق، وجماهير العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على أنه يقع، بل إن النووي وابن عبدالبر وبعض العلماء قالوا: “لم يخالف في هذه المسألة إلا الشواذ من أهل البدع”، ولكن الصحيح أن بعض الأئمة قد خالف ذلك، لكن هذا يدل على أن أكثر العلماء على وقوعه.

والقول الثاني: إنه لا يقع؛ واختار هذا شيخُ الإسلام ابنُ تيمية وابنُ القيم رحمهما الله تعالى، واختاره بعض العلماء المعاصرين، وأصبح يُفتَى به.

والذي يظهر أن القول الصحيح هو قول جماهير العلماء: بأنه يقع؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “حُسِبَتْ عليَّ بتطليقة”[11]؛ وهذا لفظ صريح في أنها حُسِبت طلقة على ابن عمر رضي الله عنهما. وهذه الرواية في صحيح البخاري ولا إشكال فيها، لكن قالوا: “لعل الذي حسبها غيرُ النبي “، وهذا بعيد؛ فالنبي هو المُوجِّه والمُرشِد لابن عمر رضي الله عنهما، كيف يحسبها غيرُ النبي ؟! قال بعضهم: “لعل ابن عمر هو الذي حسبها على نفسه”، لكن ابن عمر يقول: “حُسِبَت عليَّ بتطليقة”؛ فهذا الحديث ظاهر الدلالة على أن الطلاق قد وقع، وأنه يأثم بهذا.

فالأقرب -والله أعلم- هو قول الجمهور: بأن الطلاق يقع في الحيض.

الثالث: الصلاة

قال:

والصلاة.

لقول النبي لفاطمة بنت أبي حُبَيش رضي الله عنها: إذا أَقْبَلَتِ الحَيْضةُ، وفي رواية: حَيْضتُكِ؛ فَدَعِي الصلاةَ[12] متفق عليه.

الرابع: الصوم

قال:

والصوم.

لقوله : أَلَيْسَتْ إذا حاضَتْ لم تُصَلِّ ولم تَصُم[13]؛ فالصوم يَحرُم على الحائض.

ولكن بعض النساء تخجل مثلًا من أهلها وتصوم وهي حائض؛ فما الحُكم في هذا؟

نقول: إذا كان ذلك بنيَّة فهو حرام عليها وتأثم، لكن لو كان بلا نيَّة فلا يُعتبر صيامًا شرعًا ولا يلزمها الأكل؛ لأنه إن كان بلا نيَّة فلا يُعتبر صومًا، أما إذا تعبَّدت لله ​​​​​​​ بالصوم وهي حائض فإنها تأثم بهذا ولا يجوز لها ذلك.

الخامس: الطواف

قال:

والطواف.

لقوله  لعائشة رضي الله عنها: افعلي ما يفعل الحاجُّ، غير ألَّا تَطُوفي بالبيت[14]. وقد حُكي الإجماع على تحريم الطواف على الحائض؛ وممن حكى الإجماع: ابن عبدالبر، وابن رشد، وابن حزم، والنووي، والصنعاني؛ كل هؤلاء حَكَوا الإجماع على تحريم الطواف على الحائض. وزاد النووي حكاية الإجماع على أنه لا يصح منها الطواف؛ ويدل لذلك قوله لمَّا قيل إن صفية رضي الله عنها حاضَت: أَحَابِسَتُنا هي؟[15]، فلو كان يصح الطواف من الحائض لَمَا قال : أَحَابِسَتُنا هي؟؛ فهذا دليل على أن المرأة الحائض تَحْبِس مَحْرَمَها معها.

وقد عُرض في عهد شيخ الإسلام ابن تيمية قضيةٌ أفتى فيها بأنه يجوز للمرأة أن تطوف وهي حائض؛ والقضية: أن بعض النساء تأتي للحج وتكون مع قافلة، ثم تحيض هذه المرأة، ولن تنتظر القافلةُ هذه المرأة الحائض، ولن يتيسَّر لهذه المرأة الحائض أن تعود مرة أخرى وتطوف؛ وهي هنا بين أمرين: إما أن تطوف وهي حائض، وإما ألَّا تطوف.

فتحرَّج شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من الفُتيا في هذه المسألة، ثم بعد ذلك أفتى بأنه يجوز لها أن تطوف وهي حائض للضرورة؛ وذكر شيئًا من التحرُّج وقال: يعلم الله لولا الضرورة لَمَا أفتيتَ فيها.

ولذلك؛ فإن فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا تُؤخَذ في حال الضرورة القصوى فقط ولا يُتوسَّع فيها، أما مَن كانت في داخل المملكة أو في دول قريبة فلا يُفتَى لها بالطواف وهي حائض، لكن لو كانت المرأة قد أتت من أقصى الشرق أو الغرب؛ فإنها بين أَمْرَين -كما وقع في عهد شيخ الإسلام-: إما أن تطوف وهي حائض، وإما أن تغادر إلى بلدها ويغلب على الظن أنها لن تعود مرة أخرى للحج؛ فهنا قد يُفتَى لها بفتوى شيخ الإسلام بأن تطوف وهي حائض لأجل الضرورة.

لكن انتبِهوا لهذه الفتوى؛ أنها في حالة ضيقة جدًّا ولا يُتوَسَّع فيها، فالأصل أن المرأة تَحبِس مَحْرَمها؛ لقوله : أَحَابِسَتُنا هي؟، هذا هو الأصل، أن المرأة تبقى حتى تَطهُر؛ وقد وقع هذا لامرأتين من نساء النبي : لعائشة وصفية رضي الله عنهما، ولكن صفية رضي الله عنها كانت قد أفاضت.

وقوله : أَحَابِسَتُنا هي؟ دليلٌ على أنها لو لم تَطهُر لَحَبَسَت النبيَّ ، وقال بعض العلماء في الطواف: ليس هنا دليلٌ على اشتراط الطهارة.

لكن ما ذكرناه من أول حديث عائشة رضي الله عنها، والإجماع الذي حُكي، وهذه المسألة أيضًا؛ لو كان فيها مندوحة لَبيَّن ذلك العلماء السابقون، لأنها مما تعُمُّ به البلوى؛ فكَوْن العلماء المتقدمين لم يذكروا ذلك، فهذا دليل على أنه لا ينبغي التوسُّع في هذه المسألة.

والإشكال إنما هو في طواف الإفاضة، أما بالنسبة لطواف الوداع فيسقط عن الحائض، وطواف العمرة أيضًا، فلا تطوف طواف العمرة كذلك.

السادس: قراءة القرآن

قال:

وقراءة القرآن.

حُكم قراءة القرآن للحائض

يعني: يَحرُم على الحائض أن تقرأ القرآن؛ وذلك لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: لا يقرأ الجُنُبُ ولا الحائضُ شيئًا من القرآن[16]. وهذا هو الذي ورد في نهي الحائض عن قراءة القرآن؛ وهذا الحديث رواه الترمذي وابن ماجه، وقد ذكر الترمذي في جامعه أنه سأل البخاريَّ عنه، فقال: إنه ضعيف. وكذلك الإمام أحمد قال: إنه ضعيف. وكذلك ضعَّفه البيهقي وقال: إنه من رواية إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة -وهو من الحجازيين-، وروايته عن الحجازيين ضعيفة؛ فهذا الحديث من جهة الإسناد قد ضعَّفه أئمة الحديث، فلا يَثبُت. وليس هناك دليل آخر غير هذا الحديث يدل على أن الحائض ممنوعة من قراءة القرآن.

وهذه المسألة مما تحتاج الأمة إلى بيانه في كل زمان ومكان، ولو كانت الحائض ممنوعة من قراءة القرآن لبيَّن ذلك النبيُّ . ولهذا؛ فالصواب أنه يجوز للحائض أن تقرأ القرآن، لأنه لم يثبت النهي عن قراءة الحائض القرآنَ بهذا الحديث المروي، وقد بيَّنَّا أنه لا يثبت.

ومع أن بعض الفقهاء قد قاس الحائض على الجُنُب، لكن هذا قياسٌ مع الفارق؛ لأن الجُنُب لا تطول مُدَّته، وأَمْره بيده متى شاء اغتسل وارتفعت الجنابة، بخلاف الحائض فإن مدتها تطول وأَمْرها ليس بيدها؛ ولهذا قال : حَيْضتُكِ لَيْسَتْ في يَدِكِ[17]؛ فإن قياسَ أحدهما على الآخر قياسٌ مع الفارق.

وإذ لم يثبت في نهي الحائض عن قراءة القرآن شيء، فلا يمكن أن نُؤَثِّم نساءَ الأمة بقراءة القرآن، وخاصة أن بعض النساء تطول عندهنَّ مدة الحيض، وبعض النساء تصل مدة الحيض عندهنَّ إلى عشرين يومًا، كمَن مثَّلْتُ لكم بهنَّ ممن تستخدم بعض موانع الحمل، قد تَصِل إلى عشرين يومًا؛ فكيف نمنعها من قراءة القرآن عشرين يومًا؟! وربما تكون من الحافظات لكتاب الله .

بل إنه قد جاء ما يدل على أن الحائض يُشرَع لها أن تقرأ القرآن؛ كما في حديث عائشة رضي الله عنها لما حاضت، فقال لها : افعلي ما يفعل الحاج، غير ألَّا تَطُوفي بالبيت[18] هذا لفظ البخاري، وزاد أحمد: ولا تُصلِّي[19]. بل جاء في رواية البخاري من حديث جابر قال: فأمَرَها النبيُّ أن تفعل ما يفعل الحاج غير ألَّا تطوف بالبيت ولا تصلي[20]؛ فنهاها النبيُّ عن أمرين: الصلاة، والطواف.

ولا ريب في أن قراءة القرآن من أفضل أعمال الحاج، ولو كانت الحائض ممنوعة من قراءة القرآن لَذَكر النبيُّ ذلك. ولهذا؛ فالصواب: أن الحائض يجوز لها أن تقرأ القرآن، لكن من غير أن تَمَسَّ المصحف.

وهذا يقودنا إلى المسألة الثانية؛ وهي: مَسُّ المصحف.

السابع: مَسُّ المصحف

قال:

ومَسُّ المصحف.

تُمنَع منه الحائض، بل يُمنَع منه حتى المُحدِث حَدَثًا أصغر؛ لكتاب النبي الذي كتبه لأهل اليمن (كتاب عمرو بن حزم)، وجاء فيه: وألَّا يَمَسَّ القرآنَ إلا طاهر[21]، وهذا الحديث قد تلقَّتْه الأمة بالقبول.

وأما قول الله : لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79] فلا يصح الاستدلال به؛ لأن المقصود بهم الملائكة، فالمطهرون هم الملائكة؛ ولذلك لم يقل: المُتطهِّرون، وإنما قال: المُطهَّرون، كما قال في موضع آخر: كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ۝فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ ۝فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ ۝مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ ۝بِأيْدِي سَفَرَةٍ [عبس:11-15]؛ فالمقصود بهم الملائكة.

ولكن قال بعض العلماء: في هذا إشارة إلى أنه إذا كان هذا القرآن لا يمسه إلا المُطهَّر من الملائكة، فينبغي لكم أيضًا أنتم أيها البشر ألَّا يمسه إلا مَن كان مُتطهِّرًا. فيُستنبَط منها ذلك بطريق الإشارة كما ذكر ذلك بعض المفسرين، لكن السنة قد دلَّت لهذا؛ كما في قوله : وألَّا يَمَسَّ القرآنَ إلا طاهر.

الثامن: اللُّبث في المسجد

قال:

واللُّبْث في المسجد.

لقوله : لا أُحِلُّ المسجدَ لحائض ولا جُنُب[22] وهذا الحديث رواه أبو داود، لكنه حديث ضعيف لا يصح، ويُغنِي عنه حديث أبي هريرة ، قال: بينما رسول الله  في المسجد، قال: يا عائشة، ناوليني الثوب، فقالت رضي الله عنها: إني حائض. قال: إن حَيْضتكِ لَيْسَتْ في يَدِكِ، فناولَتْه[23] وهذا الحديث رواه مسلم.

فما وجه دلالة هذا الحديث على أن الحائض ممنوعة من المُكث في المسجد؟

مداخلات: …

أنها قالت: “إني حائض”؛ دليلٌ على أنه متقرر عند الصحابة أن الحائض لا تمكث في المسجد، فهذا دليل على أن الحُكم متقرر ومعروف عند الصحابة ؛ ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: إني حائض. فقال : إن حَيْضتكِ لَيْسَتْ في يَدِكِ؛ يعني كأنه يقول لها: إذا نَاوَلْتِني هذا الثوب -مجرد مَدِّ اليد- لا يؤثر؛ لأنه لا يتعلق بالحيض.

فيكون إذَن وجه الدلالة: أن عائشة رضي الله عنها إنما امتنعت أولًا من مناولة النبي الثوبَ؛ لأنه كان متقررًا عند الصحابة أن دخول الحائض المسجدَ ممنوع، فأخبرَ أن مجرد إدخال اليد ليس ممنوعًا؛ لأن النبي أمر بإخراج المعتكفات لَمَّا حِضْنَ إلى رَحبة المسجد[24] وهذا الحديث رواه ابن بطة، وقال ابن مفلح في الفروع: إسناده جيد.

وقال بعض العلماء: إن قوله : إن حَيْضتكِ لَيْسَتْ في يَدِكِ[25] ليس بصريح في هذا، إنما منع النبيُّ الحائضَ من المُكث في المسجد لأجل تلويث المسجد، وإخراج المعتكفات لأجل التلويث، فإذا أُمِن التلويث جاز للمرأة أن تمكث في المسجد.

لكن هذا محل نظر؛ لأنه لا دليل على أن المقصود من المنع هو التلويث؛ فالأقرب -والله أعلم- هو أن الحائض ممنوعة من المُكث في المسجد، وهذا هو الذي عليه أكثر أهل العلم.

التاسع: المرور في المسجد إن خافت تلويثه

قال:

وكذا المرور فيه إن خافت تلويثه.

يعني: يَحرُم عليها أن تمرَّ، والمرور فيه قياسًا على الجُنُب؛ فقد قال تعالى: وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ [النساء:43]. وإن كان القياس يَرِد عليه ما قلناه من قبل، ولكن الحائض إذا كانت ممنوعة من المُكث في المسجد، فقد قالوا عن المرور: يُباح لها أن تمرَّ؛ لأنه إذا كان الجُنُب يمرُّ، فهي تمرُّ من باب أَوْلى، لكن يُشترط شرط، وهو أن تأمَن تلويثه؛ فقد قال تعالى: وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ، وعابر السبيل لا يضر مرورُه بالمسجد، ومعلومٌ أن الجُنُب أشدُّ من الحائض في ذلك؛ ولهذا فالجُنُب يُمنَع من قراءة القرآن بينما الحائض لا تُمنَع من قراءة القرآن، فإذا كان الجُنُب يجوز له المرور فالحائض يجوز لها المرور، ولكن اشترط الفقهاء أَمْن التلويث، وهذا ظاهر.

وفي وقتنا الحاضر، ومع وجود ما تتحفظ به النساء؛ يعني أن أَمْنَ التلويث موجودٌ؛ ولهذا فلا بأس بأن تمرَّ المرأةُ الحائضُ في المسجد. وتَرِد هذه المسألة كثيرًا في المسجد الحرام: لو كانت المرأة مثلًا مع مَحْرَمها وأرادت أن تمرَّ داخل المسجد الحرام، فلا بأس، لكن عليها ألَّا تمكث فيه؛ فهي ممنوعة من المُكث في المسجد، لا مجرد المرور مع أَمْن التلويث.

ما يُوجِبه الحيض

ثم انتقل المؤلف بعد ذلك إلى بيان ما يُوجِبه الحيض (مُوجِبات الحيض)؛ فقال:

الأول: الغُسل

ويوجب الغُسل.

وذلك لقول الله : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ [البقرة:222]؛ تَطَهَّرْنَ: يعني اغتسَلْنَ؛ فدل ذلك على أن المرأة الحائض يجب عليها أن تغتسل.

وأيضًا لقوله : دعي الصلاة أيام أقرائِكِ، ثم اغتسلي وصلي[26] متفق عليه. و”أيام أقرائِكِ” يعني: أيام حَيضتكِ؛ وهذا محل اتفاق.

الثاني: البلوغ

قال:

والبلوغ.

ويدل لذلك قول النبي : لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار[27] رواه أبو داود، وهو حديثٌ صحيح؛ وهذا دليل على أن الحيض من علامات البلوغ؛ ولذلك فأيهما أسرع بلوغًا: الذكر أم الأنثى؟ الأنثى أسرع؛ لأن الأنثى تحيض إما لتسع أو عشر أو إحدى عشرة غالبًا، بينما الذكر قد يبقى إلى خمس عشرة وهو لم يبلغ، فالأنثى أسرع بلوغًا من الذكر.

الثالث: الكفارة بالوطء فيه

قال:

والكفارة بالوطء فيه.

وطء الحائض -كما سبق- مُحرَّم، لكن لو حصل ذلك فإنه يوجب أولًا: التوبة إلى الله من هذا؛ وثانيًا: الكفارة.

وقد قال المؤلف:

ولو مُكرَهًا أو ناسيًا أو جاهلًا للحيض والتحريم، وهي دينار أو نصفه على التخيير.

سنأتي في الكلام عن المُكرَه والناسي، لكن نبين أولًا مقدار الكفارة.

قال المؤلف: “وهي دينار أو نصفه على التخيير”؛ وقد ورد في هذا حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض: يتصدق بدينار أو نصف دينار[28] وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والحاكم والبيهقي؛ وقال الإمام أحمد: “ما أحسنه من حديث”، وقال أبو داود لمَّا رواه: “هذه هي الرواية الصحيحة”، وقال الحافظ في بلوغ المرام: “صححه الحاكم وابن القطان، ورجَّح غيرُهما وقفه”، ورُوي عن الشافعي أنه قال: “لو ثبت هذا الحديث لَقُلتُ به”. والصواب: أنه حديث صحيح من جهة الإسناد، ورجاله ثقات، وهو على شرط البخاري؛ ولهذا فالحُكم الذي قرَّره المؤلف هو القول الراجح لصحة هذا الحديث.

وهذا القول هو من “المُفرَدَات”، ماذا يعني هذا المصطلح؟ يعني: أنه انفرد به الحنابلة عن المذاهب الأخرى؛ فيعني ذلك أن المذاهب الأخرى على غير ذلك، فالحنفية والمالكية والشافعية يَرَوْن أن مَن وطئ امرأته وهي حائض لا تجب عليه الكفارة، مع أن الشافعي قال: لو ثبت هذا الحديث لَقُلتُ به.

وقد تُوُفي الشافعي رحمه الله سنة (204هـ)؛ يعني تُوُفي قبل أن يُصنِّف البخاري صحيحه، ولذلك فإن بعض الأحاديث ربما لم يُعْتَنَ بها كما حصلت العناية بعد وفاة الشافعي؛ فلذلك قال: لو ثبت هذا الحديث لَقُلتُ به.

وكذلك أبو حنيفة متقدم، ويليه أيضًا الإمام مالك قبل الشافعي.

فالمقصود: أن هذا الحديث من جهة الإسناد عند أئمة هذا الشأن، حديث ثابت، وإذا ثبت وَجَبَ القول بمُوجَبِه. فقد قال هنا : يتصدق بدينار أو نصف دينار[29]، وقال المؤلف: بأنه على التخيير؛ يعني هو مُخيَّر. وأما قول بعض الفقهاء بالتفريق بين ما كان في أول الحيض أو آخره، وبين ما كان أسود أو غيره، فلا دليل عليه؛ فكل هذه التفصيلات والتفريعات لا دليل عليها، والصواب -كما قاله المؤلف-: أن ذلك على التخيير.

كم يعادل الدينار بالجرامات؟

لكن إذا أردنا أن نُعرِّف الدينار؛ فما هو الدينار؟ وكم يعادل؟

يعني: لو أن رجلًا وقع منه هذا، يحصل من بعض الناس مثل هذا، وتَرِد استفتاءات من بعض الناس في مثل هذا الأمر؛ فلا تستغربوا أن هذا يحصل، فالناس تحصل منهم عجائب، خاصة في مثل هذه الأمور؛ فيحصل مَن يطأ في نهار رمضان -وهو كثير-، ومَن يطأ امرأته وهي حائض، ومَن يطأ امرأته في دبرها؛ كل هذه الأمور تحصل إما جهلًا وإما عمدًا.

فعندما يقع مثل هذا ممن وطئ امرأته وهي حائض، ونقول له: عليك كفارةٌ -دينار أو نصف دينار-. فإنه يقول: كيف؟ كم يعادل الآن الدينار أو النصف دينار؟

الدينار هو: المِثقال، والمِثقال يعادل: أربعة جرامات وربع جرام من الذهب. فنقول له: اذهب وتصدق بما يعادل أربعة جرامات وربع جرام من الذهب.

بكَم جرام الذهب؟ في حدود سبعين أو ثمانين ريالًا، وَلْنفترِض مثلًا أنه بسبعين ريالًا، فنضرب سبعين في أربعة، فكم المجموع؟ مئتان وثمانون. وكم يعادل ربع السبعين؟ يعني: المجموع في حدود ثلاثمئة ريال.

إذَن؛ فالدينار في حدود ثلاثمئة ريال، والنصف دينار في حدود مئة وخمسين ريالًا.

وكما تعرفون؛ فإن أسعار الذهب والفضة ترتفع وتنخفض لكن في هذه الحدود، فنقول: تصدق بهذا القدر؛ يعني بمبلغ تجد أنه يتراوح ما بين مئتين إلى أربعمئة ريال؛ يعني: في الغالب هو في هذه الحدود وفي هذا القدر. فنقول: تصدق إما بثلاثمئة ريال أو بنصفها (مئة وخمسين ريالًا) ونحو ذلك، المهم أنه يَتَصدَّق بمبلغ قريب من هذا الرقم.

وإذا قيل: “دينار” فالمقصود به الذهب الخالص الذي عياره (24)، أما الذهب الذي عياره (21) فليس خالصًا، وعيار (18) أقل خلوصًا؛ فالمقصود به إنما هو الذي من عيار (24).

والذي يظهر: أنه كبيرة؛ لأنه ما دام قد ترتبت عليه كفارة فهو كبيرة.

وضابط الكبيرة: ما ترتب عليه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة، والحد وما في معنى الحد هو ما ترتب عليه كفارة أيضًا.

وقد قال المؤلف: “ولو مُكرَهًا”؛ يشير بهذا إلى المرأة؛ لأن الإكراه إنما يكون في حق المرأة. وعند الجمهور: لا يُتصوَّر الإكراه في حق الرجل، مع أن بعض العلماء قال: إنه يمكن الإكراه في حق الرجل. ومَن قال: إنه لا يُتصوَّر الإكراه في حق الرجل، قال بأنه لا تنتشر آلة الرجل مع الإكراه. ولكن قال آخرون: يمكن أن تنتشر مع الإكراه. وهذا هو الأقرب؛ أن الإكراه كما يكون في حق المرأة، يكون في حق الرجل، لكنه أقل بكثير.

“أو ناسيًا أو جاهلًا”: يعني جاهلًا إما بالحيض أو جاهلًا بالحُكم، فيرى المؤلف أن الكفارة تجب على كلِّ تقدير. فالقول الصحيح: إن الكفارة لا تجب مع الإكراه أو النسيان أو الجهل؛ لعموم الأدلة على عدم مؤاخذة الناسي والجاهل والمُكرَه؛ ومنها قول الله  في آخر سورة البقرة: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا، قال اللهُ: قد فعلتُ، رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، قال اللهُ: قد فعلتُ[30]. فالله تعالى قد رفع عن هذه الأمة المؤاخَذة بالجهل والنسيان والإكراه؛ كما في قوله : إن الله عفا لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استُكرِهوا عليه[31].

فالصواب إذَن: أنه مع الإكراه أو النسيان أو الجهل لا تجب الكفارة، إنما هذا مع العمد والعلم والاختيار.

حُكم الكفارة على المرأة إن طاوعَت على الوطء

قال:

وكذا المرأة إن طاوعَت.

فحُكمها حُكم الرجل في جميع الأحكام، والأصل أن النساء شقائق الرجال في هذا، ولكنها لو كانت مُكرَهة فالصحيح أنها لا شيء عليها، وإذا كانت مُطاوِعة فعلى كلٍّ منهما كفارة، أما إذا كانت مُكرَهة فيختص بها الرجل.

نعم، يصلح أن تكون قاعدة عامة في جميع المسائل: مع الجهل والإكراه والنسيان فلا يؤاخَذ الإنسان؛ كما قال الله : وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5]، بل حتى في قتل الصيد الذي فيه إتلاف يقول الله : فَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95]. فالنصوص من الكتاب والسنة تدل على أن الإنسان إنما يؤاخَذ بالعمد والعلم والاختيار.

مداخلة: …

أما القاعدة في العبادات فهي أن: “الإنسان يُعذَر بالجهل والنسيان في فِعل المحظور لا في ترك المأمور”، هذه خاصة بالعبادات، لكن كلامنا الآن في غير العبادات.

حُكم الوطء بعد انقطاع الدم

قال:

ولا يباح بعد انقطاعه وقبل غُسلها أو تيمُّمها.

“غُسلها”: المقصود به الاغتسال، أو “تيمُّمها”: التيمم يقوم مقام الاغتسال.

“ولا يباح”: الضمير يرجع على الوطء؛ أي أنه إذا انقطع الدم قبل أن تغتسل المرأة فإنه لا يباح الوطء، وهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم؛ خالَف في ذلك الحنفية، ولكن الصحيح هو قول الجمهور: إنه لا يباح وطؤها بعد انقطاع الدم وقبل أن تغتسل.

إلا أنه استثنى من ذلك وقال:

غير الصوم والطلاق.

يعني: استثنى من ذلك الصومَ والطلاقَ؛ فالصوم: يصح من المرأة أن تصوم إذا انقطع عنها الدم ولو لم تغتسل -كالجُنُب-، وقد جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان النبي يُصبح جُنُبًا من غير جماع وهو صائم”[32].

وأما الطلاق؛ فَلِقوله  في قصة طلاق ابن عمر رضي الله عنهما لامرأته: مُرْه فَلْيُراجِعْها ثم لِيُطَلِّقْها طاهرًا أو حاملًا[33]، والمرأة إنما تَطهُر بانقطاع الدم.

إذَن؛ لا يباح بعد انقطاع الدم إلا الصوم والطلاق فقط.

وأيضًا:

واللُّبث بوضوء في المسجد.

وهذا محل خلاف بين أهل العلم؛ قالوا: قياسًا على الجُنُب. ولكن القياس هنا هو قياس على مسألة مُختلَف فيها: فالجُنُب هل يجوز له أن يمكث في المسجد؟ لا يجوز له إذا كان بغير وضوء؛ لقول الله : وَلَا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ [النساء:43]. لكن إذا توضأ الجُنُب فهل يجوز له أن يمكث في المسجد؟ هذه مسألة خلافية بين أهل العلم؛ فمن أهل العلم مَن رَخَّص في ذلك، ومنهم مَن مَنَع؛ والقول الصحيح: إنه لا يجوز حتى وإن توضأ؛ لأنه لا دليل على ذلك، والأثر المَروي عن بعض الصحابة لو صح عنهم فهو اجتهاد منهم ، والله  يقول: وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ [النساء:43].

ولهذا؛ حيث إننا رجَّحنا في الجُنُب أنه لا يمكث في المسجد ولو توضأ، فكذلك أيضًا نقول هنا في الحائض: إنه لا يجوز لها أن تمكث في المسجد حتى ولو توضأَت.

علامات الطُّهر

ثم انتقل المؤلف بعد ذلك إلى مسألة مهمة؛ وهي مسألة: ما يُعرَف به انقطاع الدم.

قال:

وانقطاع الدم طُهْرٌ.

ثم وضَّح انقطاع الدم؛ فقال:

بألَّا تتغيَّر قطنةٌ احتَشَتْ بها في زمن الحيض.

علامات الطُّهر:

  • العلامة الأولى: انقطاع الدم؛ فإذا انقطع الدم فهذه علامة من علامات الطُّهر. فكيف تعرف المرأة انقطاع الدم؟

أفادنا المؤلف بذلك؛ فقال: “بألَّا تتغيَّر قطنةٌ احتَشَتْ بها في زمن الحيض”؛ يعني بأن تأتي بقطنة ونحوها فتُدخِلها في فَرْجها ثم تُخرِجها فلا تتغير؛ يعني لا يَعْلق بها دمٌ أو صُفرةٌ أو نحو ذلك، فهذا هو ما يسميه بعض الفقهاء بـ”الجفاف”؛ يعني أن تكون المرأة جافة، فانقطاع الدم هو من أظهَرِ وأبرَزِ العلامات.

ولكن من المعلوم أن المرأة الحائض لا يستمر معها سيلان الدم وجريانه، بل ينقطع ويخرج، فلو قلنا: بأن مجرد انقطاع الدم -ولو لحظةً- يحصل به الطُّهر؛ لشقَّ ذلك على كثير من النساء، فدمُ الحيض ليس دائمًا مستمرًّا في السيلان والخروج، إنما يتوقف تارةً ويسيل تارةً أخرى، ولكن ظاهر كلام المؤلف أن مجرد انقطاع الدم طُهْرٌ.

والصحيح أن انقطاع الدم المعتبر هو ما كان يومًا وليلةً فأكثر، وهذا هو اختيار المُوفَّق ابن قدامة رحمه الله، وأيضًا اختيار سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين رحمهما الله: أنه ما كان يومًا وليلةً فأكثر، أما ما كان أقل من يوم وليلة فلا يُعوَّل عليه.

واختار هذا أيضًا المُوفَّق في المغني؛ فقال: “يتوجَّه أن انقطاع الدم متى نقص عن اليوم فليس بطُهْر”، إلا أن ترى ما يدل عليه؛ مثل: أن يكون انقطاعه آخر عادتها، أو أن ترى القَصَّة البيضاء. وعلَّل المُوفَّق ذلك؛ فقال: “لأن الدم يجري مرةً وينقطع أخرى، وفي إيجاب الغُسل على مَن تَطهُر ساعةً بعد ساعة حرجٌ، ولأن ذلك يُفضي إلى ألَّا يستقر لها حيض”. وقوله هذا ظاهرٌ جدًّا؛ لأننا لو قلنا: إن مجرد انقطاع الدم طُهْرٌ لشقَّ ذلك على كثير من النساء؛ يعني يجب عليها أن تغتسل ثم بعد ذلك تعرف أنه بعد ساعة سيعاودها الدم؛ ففي ذلك مشقة كبيرة. ولذلك؛ فإن هذا القول هو الأقرب -والله أعلم-.

نقول: إذا انقطع عنها الدم تنتظر يومًا وليلةً؛ يعني إذا رأت الجفاف يومًا وليلةً فنعتبره طُهْرًا، أما ما كان أقل من يومٍ وليلةٍ فلا نعتبره طُهْرًا.

إذَن؛ هذه هي العلامة الأولى.

  • العلامة الثانية: القَصَّة البيضاء.

والقَصَّة البيضاء: هي سائل أبيض تعرفه النساء، ويخرج في آخر الحيض علامةً على الطُّهْر.

قال الإمام مالك: “إنا سألنا عن القَصَّة البيضاء، فإذا هو أمر معروف عند النساء يعرِفْنَه”. لكن هذه القَصَّة البيضاء لا تخرج من جميع النساء، وإنما تخرج من بعض النساء، وبعض النساء لا تخرج معهنَّ القَصَّة البيضاء مطلقًا، وبعضهنَّ تتأخر تأخرًا كبيرًا، وهذه لا تُعوِّل على القَصَّة البيضاء، وإنما تنتقل إلى العلامة الأخرى وهي انقطاع الدم.

بِمَ يُعرَف الطُّهْر؟

هذه المسألة مهمة جدًّا: بِمَ يُعرَف الطُّهْر؟

نقول: يُعرَف الطُّهْر بإحدى علامتين:

  • العلامة الأولى: القَصَّة البيضاء؛ وهي سائل أبيض يخرج من النساء عقب انتهاء الحيض.
  • العلامة الثانية: انقطاع الدم يومًا وليلةً فأكثر.

والسيدة عائشة رضي الله عنها كان يأتيها نساء الصحابة ويسأَلْنَها عن الطُّهْر؛ فتقول: “لا تَعْجَلْنَ حتى تَرَيْنَ القَصَّة البيضاء”[34]؛ هذا هو الدليل لهذه العلامة.

حُكم الصُّفْرة والكُدْرة

وهنا مسألة مهمة نذكرها لأهميتها: وهي ما يُسمى بـ”الصُّفْرة والكُدْرة”؛ يسميها الفقهاء بالصُّفْرة والكُدْرة، ويسميها النساء في الوقت الحاضر بالإفرازات التي تخرج من المرأة. فما حُكمها؟

الصُّفْرة والكُدْرة عند الفقهاء: في زمن الحيضِ حيضٌ؛ يعني تأخذ حُكم الحيض.

والصُّفْرة والكُدْرة: هما سائلان يخرجان من المرأة أحيانًا؛ فالصُّفْرة: ماء أصفر كماء الجروح؛ والكُدْرة: ماء ممزوج بحُمْرة، وأحيانًا أبيض كالصديد ونحوه.

فهذه الصُّفْرة والكُدْرة -التي تسميها النساء إفرازات-؛ إذا كانت في زمن الحيض فهي حيضٌ، أما إذا لم تكن في زمن الحيض فإن كانت بعد الطُّهْر فإنها لا تُعَدُّ شيئًا؛ لقول أم عطية رضي الله عنها: “كنا لا نَعُدُّ الصُّفْرة ولا الكُدْرة بعد الطُّهْر شيئًا”[35] وهذا الحديث بهذا اللفظ رواه أبو داود، والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين. ورواه البخاري بلفظ: “كنا لا نَعُدُّ الصُّفْرة ولا الكُدْرة شيئًا”[36]، وزيادة: “بعد الطُّهْر” عند أبي داود.

الحالة الثالثة للصُّفْرة والكُدْرة: أن تكون قبل الحيض أو بعده متصلة به؛ فتأخذ حُكم الحيض، لأنها كالمقدمة للحيض أو كالخاتمة له.

فتكون إذَن الصُّفْرة والكُدْرة على ثلاث أحوال:

  • الحال الأولى (أن تكون الصُّفْرة والكُدْرة في زمن الحيض): فتأخذ حُكم الحيض.
  • الحال الثانية (أن تكون الصُّفْرة والكُدْرة بعد الطُّهْر): فلا تُعَدُّ شيئًا.
  • الحال الثالثة (أن تكون الصُّفْرة والكُدْرة قبل الحيض أو بعده متصلة به): فتأخذ حُكم الحيض.

بهذه القسمة نستطيع أن نَعرِف حُكم الصُّفْرة والكُدْرة مطلقًا؛ يعني ما تسميه النساء بالإفرازات.

هذه المسألة تُشكِل جدًّا على كثير من النساء، لكن بهذا التوضيح والتبسيط تستطيع أن تعرف المرأةُ حُكم الصُّفْرة والكُدْرة مطلقًا؛ فلو أردنا أن نضبط هذه الحالات الثلاث: ما حُكم الصُّفْرة والكُدْرة أو الإفرازات بالنسبة للنساء؟

  • إن كانت في زمن الحيض؛ فهي حيضٌ.
  • بعد الطُّهْر؛ فهي طُهْرٌ.
  • إن كانت متصلة بالحيض قبله أو بعده؛ فهي حيضٌ.

حُكم قضاء الحائض والنفساء الصوم والصلاة

قال:

وتقضي الحائض والنُّفَساء الصومَ لا الصلاة.

وهذا مُجمَع عليه؛ ويدل لذلك قول النبي : أَلَيْسَ إذا حاضت لم تُصَلِّ ولم تَصُم؟[37]، فهذا دليل على أنها لا تصلي ولا تصوم.

أما بالنسبة للقضاء؛ فيدل لذلك ما جاء في الصحيحين: أن النبي سُئل عن نقصان دين المرأة، فقال: ما رأيتُ من ناقصات عقلٍ ودِينٍ أذهبَ لِلُبِّ الرجل الحازم من إحداكنَّ، قُلْنَ: يا رسول الله، وما نقصان الدِّين؟ قال: أَلَيْسَ إذا حاضت لم تُصَلِّ ولم تَصُم؟[38].

وسُئلت عائشة رضي الله عنها: ما بالُ الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: “كان يصيبنا ذلك على عهد رسول الله فنُؤمَر بقضاء الصوم ولا نُؤمَر بقضاء الصلاة”[39]. وهذا بالإجماع؛ ولعل الحكمة في ذلك: أن الصلاة تتكرر فيشقّ قضاؤها، والصوم لا يتكرر لأن أيامه معدودة من شهر رمضان، ولا تتجاوز غالبًا سبعة أيام، فلا يشقّ قضاؤها، بخلاف الصلاة.

أحكام المستحاضة

ثم قال المؤلف:

فصل.

يعني: في بيان أحكام المستحاضة والنفاس.

قال:

ومَن جاوَزَ دمُها خمسة عشر يومًا فهي مستحاضة.

مَن هي المستحاضة؟

المستحاضة: مِن الاستحاضة؛ والاستحاضة: هو ما يسميه بعض الناس بـ”النزيف”، وهو الدم إذا استمر مع المرأة فإنها تكون مستحاضة.

والمؤلف ضبط المستحاضة بأنها: مَن جاوز دمُها خمسة عشر يومًا، ولكن هذا بناءً على أنَّ أكثرَ مدةٍ للحيض خمسة عشر يومًا، وقد رجَّحنا أنه لا حدَّ لأكثَره؛ ولهذا فإن هذا القول محل نظر، والصحيح أن المستحاضة هي: مَن استمر معها الدم دائمًا، أو دائمًا إلا أيامًا قليلة. هذه هي المستحاضة، أما مَن كانت تَطهُر أيامًا ويأتيها الدم أيامًا فليست بمستحاضة.

الفرق بين دم الحيض والاستحاضة

  • العلامة الأولى (من جهة اللون): لون دم الحيض أسود أو يميل إلى السواد، أما لون دم الاستحاضة فأحمر.
  • الفرق الثاني (من جهة الرائحة): دم الحيض مُنتِن الرائحة، ودم الاستحاضة لا رائحة له.
  • الفرق الثالث (من جهة الكثافة): دم الحيض ثخين غليظ كثيف، ودم الاستحاضة رقيق.

فيمكن بهذا للمرأة أن تُميِّز بين دم الحيض والاستحاضة.

وقد ذكر بعض المعاصرين علامة رابعة؛ وهي: أن دم الحيض لو جُمِّد لا يتَجَمَّد، بخلاف دم الاستحاضة فلو جُمِّد يتَجَمَّد؛ ذكر هذا الشيخ ابن عثيمين رحمه الله كعلامة رابعة.

فالعلامات إذَن أربع علامات:

  • دم الحيض أسود، ودم الاستحاضة أحمر.
  • دم الحيض مُنتِن الرائحة، ودم الاستحاضة لا رائحة له.
  • دم الحيض ثخين غليظ كثيف، ودم الاستحاضة رقيق.
  • دم الحيض لا يتَجَمَّد، بينما دم الاستحاضة يتَجَمَّد.

فيمكن للمرأة أن تُميِّز بين دم الحيض والاستحاضة بهذه العلامات.

أحوال المستحاضة

قال:

تجلس من كل شهر ستًّا أو سبعًا بتَحَرٍّ، حيث لا تمييز، ثم تغتسل وتصوم وتصلي بعد غَسلِ المحل وتعصيبه.

نريد أن نلخص أيضًا -كما ذكرنا- المسائل؛ لأن ضبط القواعد فيها مهم، فكما ذكرنا مسائل الصُّفْرة والكُدْرة إذا ضبطتَّ أحوالها الثلاث تستطيع أن تَعرِف حُكمها.

مثال ذلك: امرأة كان من عادتها أن تحيض أول كل شهر سبعة أيام، ثم أتتها الاستحاضة؛ فإنها تعمل بعادتها، فيكون أول كل شهر تمكث سبعة أيام لا تصوم ولا تصلي. إذَن؛ فإن مَن كان لها عادة فإنها تعمل بعادتها.

الحال الثانية: مَن لم يكن لها عادة، ولها تمييز (أي: تستطيع أن تُميِّز بين دم الحيض ودم الاستحاضة)؛ فإنها تعمل بالتمييز بإحدى العلامات الأربع التي ذكرناها.

الحال الثالثة: مَن كان لها عادة وتمييز؛ فهي تعرف لنفسها عادة قبل الاستحاضة، ولها مع ذلك تمييز (أي: تستطيع أن تُميِّز بين دم الحيض ودم الاستحاضة)؛ فأيهما يُقدَّم: العادة أم التمييز؟

مداخلات: …

إذَن؛ أنتم اختلفتم كما اختلف العلماء في هذه المسألة:

  • فمن العلماء مَن قال: إن العادة تُقدَّم؛ وهو المذهب عند الحنابلة.
  • ومنهم مَن قال: إن التمييز يُقدَّم؛ وهو قول الشافعية.

لكن لو أردنا أن نتأمل في المسألة أيهما أضبط وأدق: العادة أم التمييز؟

العادة ممكن أن تضطرب، لكن التمييز إذا كان واضحًا فهو في الحقيقة أدق، فإنها تستطيع تمييز كون هذا دمًا أسود أو أحمر، ويأتيها الدمُ أحمرَ طيلة الشهر إلا في سبعة أيام في وسط الشهر فليس هذا بغلبة ظن، وتستطيع أن تُميِّز كون هذا دم حيض (دم الحيض الذي تعرفه من قبل) وهذا دم استحاضة، بينما الغالب أن الاستحاضة لا تأتي إلا مَن عندها شيء من الاضطراب، فالعادة ممكن أن ترتبك وتضطرب؛ ولذلك فالتمييز في الحقيقة أضبط.

القول الراجح: إنه إذا وُجد من المرأة عادة وتمييز؛ فإنها ترجع إلى التمييز لكونه أدق وأضبط.

الحالة الرابعة: ليس لها عادة ولا تمييز، وهذه تسمى بالمُتحيِّرة والمُحيِّرة. فكيف تكون مُتحيِّرة؟ أي: أنها تحيَّرت لنفسها ولا تدري.

والمُحيِّرة؛ قالوا: لأنها حيَّرَت العلماء في شأنها؛ فلا عادة لها ولا تمييز، لكن العلماء بحثوا أحكامها وبيَّنوا حُكمها.

وكنتُ أقول: إن هذه الحالة نادرة، حتى لقد اتصل بي بعض النساء، فسألتُ المرأة التي اتصلت: هل لكِ عادة؟ قالت: ما لي عادة، عادتي مضطربة أصلًا، منذ أن خلقني الله وعادتي مضطربة. قلتُ: هل تستطيعين أن تُميِّزي دم الحيض من دم الاستحاضة؟ قالت: لا أستطيع، فكلها دم ولا أستطيع أن أُمَيِّز. فهنا ذكرتُ قول الفقهاء: امرأة ليس لها عادة ولا تمييز.

فمِثْلُ هذه؛ الحُكم فيها أنها تمكث غالبَ عادة النساء، وغالبُ عادة النساء -كما مَرَّ معنا- كم يومًا؟ ستة أيام أو سبعة؛ لقوله لحَمْنة بنت جحش: تحيَّضي ستة أيام أو سبعة في عِلم الله، ثم اغتسلي وصلي[40] رواه أحمد وأبو داود والترمذي.

وقال بعض العلماء: إنها تمكث غالبَ عادة نسائها. يقصدون مَن هنا؟ يقصدون: أمها وأخواتها وخالاتها. وهذا القول (أنها تمكث غالبَ عادة نسائها) أقرب، فيُنظَر إلى العادة الغالبة لنسائها (أمها وأخواتها وخالاتها). فإذا قالوا: العادة الغالبة سبعة أيام؛ تمكث سبعةَ أيام، وإذا قالوا: العادة الغالبة ستة أيام؛ تمكث ستةَ أيام، وإذا قالوا: العادة الغالبة تسعة أيام؛ تمكث تسعةَ أيام. هذا القول هو الأقرب -والله أعلم-.

إذَن؛ هذه أحوال المستحاضة الأربع:

  • أن يكون لها عادة فقط.
  • أن يكون لها تمييز فقط.
  • أن يكون لها عادة وتمييز.
  • ألَّا يكون لها عادة ولا تمييز.

حُكم المستحاضة

المؤلف يقول: إنها “تغتسل وتصوم وتصلي”؛ يعني حُكمُها حُكمُ الطاهرة، لكنها تتحفظ، وذلك في قوله: “بعد غَسلِ المحل وتعصيبه” أي إن المستحاضة تتحفظ حتى لا يخرج منها الدم؛ ولهذا قال المؤلف بعد ذلك:

وتتوضأ في وقت كل صلاة.

يعني: حُكمُها حُكمُ صاحب الحدث الدائم؛ ولهذا قال المؤلف بعد ذلك:

وكذا يفعل كلُّ مَن حَدَثُه دائم، وتنوي بوضوئها الاستباحة.

وهذا القول سبق أن ذكرناه في درس سابق -قبل درسين تقريبًا- في صاحب الحدث الدائم: هل يجب عليه أن يتوضأ قبل دخول وقت كل صلاة أم لا؟ وأحضر لنا الأخ عليٌّ بحثًا في هذا، وذكرنا رواية البخاري: “ثم توضَّئي لكلِّ صلاة”[41]، وقلنا: إن هذه الرواية أخرجها البخاري ولم يخرجها مسلم، وإن بعض الحفاظ كابن رجب قالوا: إن هذه الرواية مُدرَجة وليست من كلام النبي ، وإنما من قول هشام بن عروة، المهم أنها ليست من كلام النبي . وبعضهم قال: “الصواب أنها من قول عروة”، وبعضهم قال: “إنها من قول هشام”، لكنها ليست من كلام النبي .

فعند التحقيق نجد أن هذه اللفظة “ثم توضَّئي لكلِّ صلاة” لا تثبت؛ ولهذا تَرَكها مسلمٌ عمدًا ولم يخرجها في صحيحه، وإذا كان كذلك فإنا لا نستطيع أن نُلزِم عباد الله بما لم يُلزِمهم به الله تعالى. ولهذا فالقول الصحيح أنه لا يجب عليها ولا على صاحب الحدث الدائم أن يتوضأ عند دخول وقت كل صلاة؛ وهو رأي الإمام مالك واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله.

وهذا القول ذكروا أن الشيخ محمد بن عثيمين رجع إليه في “حاشية الشرح الممتع”؛ حيث كان يرى أنه يجب على صاحب الحدث الدائم أن يتوضأ عند دخول وقت كل صلاة، ثم تبيَّن له بعد أن حقَّق أن هذه اللفظة لا تثبت عن النبي ، فرجع إلى القول بأنه لا يجب على مَن كان حَدَثه دائمًا أن يتوضأ عند دخول وقت كل صلاة، وإنما ذلك يُستحب.

هذا هو القول الأظهر -والله أعلم- عند التحقيق؛ ولهذا نقول: المستحاضة يُستحب لها أن تتوضأ لوقت كل صلاة ما لم يخرج منها ناقض آخر، فلو أنها مثلًا خرج منها بول أو غائط فلا بد أن تتوضأ كغيرها، لكن إذا لم يخرج منها ناقض آخر فلا يجب عليها أن تتوضأ لأجل دم الاستحاضة، وهكذا مَن به سَلَسٌ لا يجب عليه أن يتوضأ لوقت كل صلاة، وإنما يُستحب.

حقيقةً؛ هذا القول أيضًا يرفع الحرج عن بعض الذين ابتُلوا بذلك، فحدَّثني أحد الناس وقال أن حَدَثه دائم، يقول أنه يجد حرجًا في صلاة الجمعة عند الزوال، وأنه يخرج من المسجد الجامع ويتوضأ، وكذلك بالنسبة لوقت صلاة الفجر -حيث وقت الأذان متقدم-، يقول أنه يخرج ثم يتوضأ، يقول: إنني أجد حرجًا كبيرًا.

لكن بناءً على هذا القول؛ نقول: لا يجب عليك ذلك، وإنما ذلك مُستحَب -إن تيسر لك-، وإلا فإنه لا يجب عليك ذلك؛ ربما يجد الحرج في الحج مثلًا وفي الزحام ونحو هذا. فالقول الصحيح إذَن؛ أنه لا يجب على مَن حَدَثه دائم أن يتوضأ عند دخول وقت كل صلاة، وإنما يُستحب ذلك؛ وكذلك أيضًا القول الراجح أنه لا ينوي بالوضوء الاستباحة، وإنما هو كغيره. فمَن حَدَثه دائم؛ هو كغيره من الناس في أنه إذا خرج منه ناقض غير الحدث الدائم فإنه يتوضأ وينوي رفع الحدث، أما الحدث الدائم فإنه لا يُوجِب الوضوء عند دخول وقت كل صلاة؛ هذا هو الذي يترجح في هذه المسألة -والله أعلم-.

حُكم وطء المستحاضة

قال:

ويَحرُم وطء المستحاضة ولا كفارة.

هذا القول في الحقيقة هو من أضعف الأقوال، فتحريم وطء المستحاضة هذا يؤدي إلى أن الزوج لا يطأ امرأته أبدًا، فكيف نُحرِّم على رجل وطء امرأته؟!

“ويَحرُم وطء المستحاضة”؛ هذا أيضًا عند بعض الحنابلة ليس هو المذهب؛ فعبارة صاحب “الزاد”: “ولا توطأ إلا مع خوف العنت”؛ المقصود بالعنت: الزنا، ولكنه أيضًا حتى هذا القول قول ضعيف.

والصواب: أنه لا بأس بوطء المرأة المستحاضة من غير كراهة ولو مع عدم خوف العنت؛ وذلك لأن الصحابة الذين استُحِيضت نساؤهم -وهنَّ سبع عشرة امرأة-، لم يُنقَل عن النبي أنه أمر واحدًا منهم أن يعتزل زوجته، ولو كان يَحرُم وطؤها لَبَيَّن ذلك النبيُّ للأمة، ولأن الأصل هو إباحة وطء الزوج لزوجته؛ كما قال : نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223].

وقياس الاستحاضة على الحيض قياس لا يستقيم، قياس مع الفارق؛ للفرق بينهما في طبيعته وفي أحكامه، ولأن المستحاضة تستبيح الصلاة مع هذا الدم، وتحريم الصلاة أعظم من تحريم الوطء؛ ولهذا فإن هذا القول الذي ذهب إليه المؤلف قول ضعيف جدًّا.

والصواب: أنه يباح وطء المستحاضة من غير كراهة؛ ولهذا فإن المؤلف نفسه قال: “ولا كفارة”؛ يعني كأنه لِضَعْف هذا القول قال: “ولا كفارة”.

أحكام النفاس

قال:

والنفاس لا حَدَّ لأقله.

تعريف النفاس

النفاس مِن: نفَّس اللهُ كُرْبته؛ سُمِّي بذلك لما فيه من تنفيس كُرْبة المرأة.

ويعرِّفه الفقهاء بأنه: دم يخرج من المرأة عند الولادة أو معها أو قبلها بيوم أو يومين أو ثلاثة مع الطَّلْق؛ فأحيانًا يخرج قُبَيل الولادة بيومين، وأحيانًا قُبَيل الولادة بيوم، وأحيانًا قُبَيل الولادة بثلاثة أيام؛ هذا كله تابع لدم النفاس.

مدة النفاس

قال: “لا حَدَّ لأقله”: وهو كذلك لا حَدَّ لأقله.

قال:

وأكثره أربعون يومًا.

يعني: أكثر النفاس أربعون يومًا؛ وذلك لقول أم سلمة رضي الله عنها: “كانت النُّفَساءُ تجلس على عهد النبي أربعين يومًا”[42] رواه أحمد وأبو داود والترمذي.

والقول الثاني في المسألة أنه ستون يومًا، وهو مذهب الشافعية، وحملوا حديث أم سلمة على الغالب.

والواقع أنه يوجد من النساء مَن يستمر معها دم النفاس أكثر من أربعين يومًا، بل ربما نقول: كثير من النساء يستمر معها دم النفاس أكثر من أربعين يومًا؛ ولهذا نقول: الراجح أن الدم إذا كان مستمرًّا على وتيرة واحدة فإنها تبقى نُفَساء إلى تمام الستين، وإن زاد عن ستين يومًا فإنه دمُ فسادٍ.

فالأقرب -والله أعلم- هو مذهب الشافعية في هذه المسألة، لكن بشرط أن يكون الدم على وتيرة واحدة؛ لأن كونه يزيد على ستين يومًا غيرُ معتاد على النساء، فيُشْبه أن يكون دمَ فسادٍ، أما كونه يزيد عن أربعين يومًا فهو معتادٌ لدى كثير من النساء؛ وهذا هو رأي الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، ولعله هو الأقرب.

وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: “لا حَدَّ لأقل النفاس ولا لأكثره ولو زاد على الأربعين أو الستين أو السبعين، لكن إن اتصل فهو دمُ فسادٍ”.

ولكنَّ القولَ بالإطلاقِ محلُّ إشكالٍ في الحقيقة؛ فإنه إذا زاد على ستين يومًا يُشْبه أن يكون ليس دم نفاس، ولم تجر العادة بأن المرأة يستمر معها النفاس أكثر من ستين يومًا، بل جرت العادة بأن بعض النساء يستمر معها الدم أكثر من أربعين يومًا. فالأقرب -والله أعلم- هو مذهب الشافعية في هذا؛ أنه إذا زاد عن ستين يُشْبه أن يكون دمَ فسادٍ، أما إذا زاد على أربعين وكان على وتيرة واحدة فهو دمُ نفاسٍ.

متى يثبت حُكم النفاس؟

قوله:

ويثبت حُكمه بوضع ما يتبيَّن فيه خَلْق إنسانٍ.

يثبت حُكم النفاس بأن تضع المرأة ما تَبيَّن فيه خَلْق إنسانٍ.

ومتى يتبين خلق الإنسان؟ تبيُّن خَلْق الإنسان نأخذه من حديث ابن مسعود عن النبي  قال: إن أحدكم يُجمَع خَلْقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفةً، ثم علقة مثل ذلك، ثم مُضغة مثل ذلك[43]، والله قال عن المُضغة: مُضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغِيْرِ مُخَلَّقَةٍ [الحج:5]؛ وهذا يدل على أن التخليق يكون في طَوْرِ أيِّ شيءٍ: النطفة أم العلقة أم المُضغة؟ المُضغة. والمُضغة متى تبتدئ؟ بعد ثمانين يومًا يبدأ طَوْر المُضغة.

فإذا ولدت لأقل من ثمانين يومًا فهذا الدم دمُ فسادٍ؛ لأنه قطعًا لم يتبيَّن فيه خَلْقُ إنسان، وتصوم معه وتصلي، ويُستحب على القول الراجح -ولا يجب- أن تتوضأ عند دخول وقت كل صلاة. أما إذا وضعت لأكثر من تسعين يومًا ففي الغالب أنه ظَهَر فيه التخليق.

الإشكال ما هو؟ الإشكال فيما بين الثمانين إلى التسعين، فيُحتمل أن يكون قد تبيَّن فيه خَلْق إنسان، ويحتمل ألا يكون؛ ولهذا يُنظَر فيما وضعت المرأة: هل فيه خَلْقُ إنسان أم لا؟ إن كان تبيَّن فيه خَلْقُ إنسان من يدٍ أو رِجل أو عين فتكون نُفَساء وتَثبُت أيضًا لها أحكام العدة، وإن كان لا يتبيَّن فيه خَلْقُ إنسان فيكون دمَ فسادٍ، وإذا كنا لا نعلم فالأصل أنه دمُ فسادٍ وليس دمَ نفاسٍ.

قال:

فإن تخلَّل الأربعين نقاءٌ فهو طُهْر لكن يُكرَه وطؤها فيه.

“إن تخلَّل الأربعين نقاءٌ فهو طُهْر”؛ لقول عثمان بن أبي العاص لما طهرت زوجته قبل الأربعين: “لا تقربيني”[44]، هذا استدلوا به على كراهية الوطء، لكن هذا محل نظر؛ ربما أنه طلب منها ألَّا تقربه من باب التقذُّر أو نحو ذلك، أو لأجل أن تكتمل طهارتها، أو خوفًا من أن يرجع الدم.

والصواب أنه يجوز من غير كراهة، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: “إذا صَلَّت حَلَّت”؛ يعني: استباحت الصلاة؛ فتحل لزوجها. وإذا استباحت الصلاة فإنه يُستباح وطؤها من باب أَوْلى.

وقول عثمان بن أبي العاص -كما ذكرنا- اجتهادٌ من عنده، ويحتمل أنه لا يقصد بذلك الكراهة، وإنما يقصد بذلك أن تكتمل طهارتها خوفًا من أن يرجع إليها الدم.

فإذَن نقول: إذا طهرت المرأة قبل الأربعين فإنها تكون طاهرًا، والصحيح أنه لا يُكرَه وطؤها.

ومَن وضعت ولدين فأكثر؛ فأول مدة النفاس من الأول، فلو كان بينهما أربعون يومًا فلا نفاس للثاني.

يعني: إذا وضعت الولدين؛ فأول مدة النفاس من الأول، هذا ظاهر؛ لأنه يخرج الدم معه.

لكن قوله: “فلو كان بينهما أربعون يومًا فلا نفاس للثاني” هذا محل نظر، والصواب أنه إذا تجدَّد الدم للثاني فإنها تبقى في نفاسها. وهذا كان في الزمن السابق؛ كانت المرأة تضع مولودًا وربما بعد أيام تضع مولودًا آخر، ولكن في الوقت الحاضر أصبح هذا غير وارد مع تقدُّم الطب؛ فإذا حملت المرأة أكثر من مولود فإنها تضع في نفس الوقت، ولكن هذا يذكره الفقهاء لأنه كان بالناس في الزمن السابق ربما تضع مولودًا بعد مولود. ولهذا؛ فالصواب أن مدة النفاس للأول، وآخره للثاني.

إن أُجري لها عملية قيصرية، وأُخرج منها الولد بأن شُق بطنها (أُخرج الولد من غير الفرج)؛ فهل يكون حُكمها حُكم النُّفساء أم لا؟

نقول: إذا خرج منها الدم فحُكمها حُكم النُّفساء، أما إذا لم يخرج دم فحُكمها حُكم الطاهرات، والغالب أنه يخرج منها دم.

قال:

وفي وطء النُّفساء ما في وطء الحائض.

يعني: من الأحكام السابقة؛ مِن أنه يَحرُم، ومِن أن فيه كفارةً، على ما سبق تفصيله وبيانه.

حُكم شُرب الرجل ما يمنع الجماع

ثم خَتَم المؤلف بهذه المسألة؛ فقال:

ويجوز للرجل شُرب دواء مباح يمنع الجماع.

يعني: لو أراد الرجل أن يمتنع من الجماع بأخذ بعض الأدوية أو نحو ذلك، نقول: لا حرج عليه في ذلك؛ لأن الأصل هو الحِل والإباحة، ولكن الغالب أن هذا يحصل من المرأة وليس من الرجل؛ ولهذا قال:

حُكم شُرب المرأة ما يجلب الحيض أو يقطعه

وللأنثى شُربه لحصول الحيض ولقطعه.

قال الإمام أحمد: “لا بأس أن تشرب المرأة دواءً يقطع عنها الحيض إذا كان دواءً معروفًا”، ولكن يُشترط لشُرب المرأةِ دواءً يقطع الحيض شرطان:

الشرط الأول: ألَّا يلحقها ضرر.

الشرط الثاني: إذْن الزوج؛ لأن الزوج إذا لم يأذن فإنه ربما يتضرر بقطع الحيض؛ لأنه إذا انقطع الحيض فإن المرأة لا يمكن أن تحمل، والرجل له حق في الولد كما أن المرأة لها حق في الولد؛ فإذَن يُشترَط إذْن الزوج في قطع الحيض، وكذلك أيضًا في حصول الحيض يُشترَط أَمْن الضرر.

فإذَن؛ يجوز للمرأة استجلاب دم الحيض وكذلك قطع دم الحيض، لكن استجلاب دم الحيض يُشترَط فيه أَمْن الضرر، وقطع الحيض يُشترَط فيه: أَمْن الضرر، وإذْن الزوج.

حُكم استعمال موانع الحمل

وهذا يقودنا لبحث مسألةِ موانع الحمل؛ ما حُكمها؟

موانع الحمل إن كان المقصود بها تنظيم النسل فلا بأس بها، أما إذا قُصد بها قطعُ النسل فإن هذا لا يجوز. فمَنْع النسل لا يجوز قطعه بالكلية، أما إذا قُصد بها تنظيمُ النسل فإن هذا لا بأس به.

والأصل في هذا أن الصحابة كانوا يعزلون، وهذا نوعٌ من الموانع، كما قال جابر : “كنا نَعزِل والقرآن يَنزِل”[45]؛ فهذا إذا قُصد به التنظيم فلا بأس، أما إذا قُصد به القطع والمنع فإن هذا لا يجوز.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 305، ومسلم: 1211.
^2 رواه البخاري: 5642، ومسلم: 2572.
^3 رواه الترمذي: 1109.
^4 رواه مسلم: 334.
^5 رواه أحمد: 11596، وأبو داود: 2157.
^6 رواه أحمد: 27144، وأبو داود: 287.
^7 رواه ابن أبي شيبة: 20442، والبيهقي: 2776.
^8 رواه البخاري: 2030، ومسلم: 1106.
^9 رواه مسلم: 302.
^10 رواه البخاري: 5251، ومسلم: 1471.
^11 رواه البخاري: 5253، ومسلم: 1471.
^12 رواه البخاري: 320، ومسلم: 333.
^13 رواه البخاري: 304.
^14, ^18, ^23, ^25, ^29, ^40 سبق تخريجه.
^15 رواه البخاري: 1757، ومسلم: 1211.
^16 رواه الترمذي: 131، وابن ماجه: 596.
^17 رواه مسلم: 298.
^19 رواه أبو داود: 1786.
^20 رواه البخاري: 7230.
^21 رواه مالك: 1، والفاكهي: 2917.
^22 رواه أبو داود: 232.
^24 رواه ابن بطة: 889، وذكره ابن قدامة: 3/ 206.
^26 رواه البخاري: 325، ومسلم: 333.
^27 رواه أحمد: 25167، وأبو داود: 641.
^28 رواه أحمد: 2032، وأبو داود: 264، والترمذي: 136.
^30 رواه مسلم: 126.
^31 رواه ابن ماجه: 2043.
^32 رواه البخاري: 1931، ومسلم: 1109.
^33 رواه البخاري: 4908، ومسلم: 1471.
^34 رواه مالك: 97.
^35 رواه أبو داود: 307، والحاكم: 620.
^36 رواه البخاري: 97.
^37 رواه البخاري: 620.
^38 رواه البخاري: 1462، ومسلم: 79.
^39 رواه مسلم: 335.
^41 رواه البخاري: 228.
^42 رواه أحمد: 26584، وأبو داود: 311، والترمذي: 139.
^43 رواه الترمذي: 2137.
^44 رواه عبدالرزاق: 1202.
^45 رواه البخاري: 5208، ومسلم: 1440.
zh