logo
الرئيسية/دروس علمية/دورة في التعليق على كتاب الحج من كتاب السلسبيل (الكويت)/(18) باب أركان الحج وواجباته- من قوله: "وأول وقته من نصف..."

(18) باب أركان الحج وواجباته- من قوله: "وأول وقته من نصف..."

مشاهدة من الموقع

طواف الإفاضة

الركن الثالث من أركان الحج: طواف الإفاضة، وهو ركنٌ بالإجماع، وهو المذكور والمقصود بقول الله : ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29]؛ طواف الإفاضة ويُسمَّى طواف الزيارة، وقد حكاه الموفق ابن قدامة وابن عبدالبر وغيرهما إجماعًا أنه ركنٌ من أركان الحج.

وقت طواف الإفاضة

ويُشترط أن يقع بعد الوقوف بعرفة، فلا يصح أن يطوف قبل عرفة ولا قبل مزدلفة؛ لأن الله تعالى قد ذكر الطواف بعد الوقوف، قال: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة: 198] ومزدلفة تلي عرفة؛ ولمَّا ذكر النحر والذبح قال: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29]؛ فجعل الطواف بعد الوصول إلى منى. وعليه؛ فيُشترط لصحة طواف الإفاضة أن يكون بعد الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة. وعلى هذا؛ لو أن إنسانًا انطلق من عرفة ليطوف طواف الإفاضة، ثم عاد لمزدلفة فبات بها فلا يصح طوافه، وهذه المسألة سُئلتُ عنها اليوم؛ عن رجل طاف طواف الإفاضة يوم عرفة قبل عدة سنوات، وهذا لا يصح طوافه، لا بُدَّ أن يكون طواف عرفة بعد مزدلفة.

ولذلك ينبغي -يا إخواني- لمَن أراد أن يحج أن يتفقَّه في أحكام النسك، ويرفع مستوى الاهتمام بهذه العبادة، يقرأ بعض الكتيبات النافعة في هذا، ويسأل أهل العلم عما يُشكِل عليه، وأما أنه يذهب ويخطئ أخطاءً كبيرة والأثر المترتب عليها كبير مثل هذا الخطأ، خطأ كبير، هذا يترتب عليه أن طواف الإفاضة ما يصح، وأن حجه ما صح، لا بُدَّ أن يرجع الآن ويطوف طواف الإفاضة، ثم ننظر إن كان متزوجًا لا بُدَّ أن يجدد عقد النكاح إن تزوج في هذه الفترة، وهو يقول عدة سنوات، فهذا كله بسبب الجهل والذي سببه التساهل، وقلة الاهتمام؛ ولذلك مَن أراد أن يحج ينبغي أن يأخذ بعض الكتيبات النافعة؛ من أحسن الكتب في هذا كتاب الشيخ ابن باز رحمه الله "التحقيق والإيضاح لمسائل الحج والعمرة والزيارة"، كتيب صغير، إذا قرأته فهمت الحج كله؛ وكتاب الشيخ محمد بن عثيمين "المنهج لمريد العمرة والحج" أيضًا، ونحو ذلك من الكتيبات النافعة المفيدة.

ولذلك؛ في الحج كل عام تأتينا مسائل جديدة وغريبة بسبب أن بعض الحجاج يأتي ويُدْخِل بعض أفعال الحج في بعض، ويقع في جهل في أمور كثيرة بعضها قد يكون مُفسِدًا للحج، وبعضها يحتاج إلى جبره بدم، وبعضها يحتاج إلى نظر.

أول وقت طواف الإفاضة وآخره

قال:

وأول وقته من نصف ليلة النحر لمَن وقف.

يعني: يبتدئ وقت طواف الإفاضة من منتصف ليلة العيد لمَن وقف بعرفة ودفع إلى مزدلفة؛ وذلك لأن الرمي لا يبتدئ إلا بعد منتصف الليل.

وإلا فبعد الوقوف.

يعني: إن لم يكن وقف بعرفة إلا بعد منتصف الليل؛ فبعد وقوفه يبدأ طواف الإفاضة في حقه.

ولا حد لآخره.

أي: لا حدَّ لآخر طواف الإفاضة، فلو أتى به في أي وقت صح. وبعض العلماء يجعل آخر وقت لطواف الإفاضة شهر ذي الحجة، والراجح أنه لا حدَّ لآخره؛ لأن التحديد بابه التوقيف. وعلى ذلك؛ لو أن امرأة حاضت أو نفست ولم تتمكن من طواف الإفاضة، ثم أرادت أن ترجع لبلدها، وتعود بعد طهرها وتطوف طواف الإفاضة، فلا بأس بهذا، لكن إذا كانت متزوجة لا يقربها زوجها حتى تطوف طواف الإفاضة، هذه من المخارج؛ يعني مثلًا امرأة حاجَّة من الكويت، ثم أتاها الحيض قبل أن تطوف طواف الإفاضة، فقال محرمها: نرجع للكويت، وإذا طهرتِ نرجع بعد أسبوعين أو ثلاثة وتطوفين طواف الإفاضة؛ لا بأس، لكن بشرط ألَّا يقربها زوجها طيلة هذه الفترة؛ لأنها لم تتحلَّل التحلُّل الكامل.

حُكم مَن حاضت قبل طواف الإفاضة

ومسائل الحيض بالنسبة للنساء مسائل مشكلة الحقيقة، والنبي لمَّا قيل له إن صفية قد حاضت قال: أحابستنا هي؟ قيل: إنها قد أفاضت، قال: فَلْتنفِر إذَن[1]؛ هذا دليل على أن المرأة الحائض تَحبس محرمها معها، فإذا أتاها الحيض، فإما أن ينتظر محرمها أو يعود وتبقى -يعني لم يكتمل حجها-، ثم ترجع مرة أخرى وتأتي بطواف الإفاضة؛ وهذا خيار ثانٍ.

هناك خيار ثالث ذكرتُه لأحد الإخوة أتى إليَّ في الحج، وقال: إن زوجته قد حاضت، قلتُ: طيب، ما تستطيعون الانتظار؟ قال: لا، ما نستطيع، قلتُ: طيب، تستطيع أن تذهب بها ثم ترجع؟ قال: يصعب عليَّ؛ أنا مرتبط بعمل، وأيضًا زوجها لن يقربها طيلة هذه الفترة حتى تطوف، فأرشدته إلى حَلٍّ؛ قلتُ: إذَن ممكن أن تذهب إلى مستشفى أو مستوصف وتطلب منهم إبرة لرفع دم الحيض، والأطباء يقولون: إذا كان مرة واحدة ما يضر، يضر إذا تكرر، أما مرة واحدة ما يضر، فإذا ارتفع الحيض تغتسل وتطوف؛ وبالفعل فعلوا ذلك، فارتفع حيضها وحصل الجفاف، فاغتسلت وطافت طواف الإفاضة، وأتيَا إليَّ في اليوم الثاني يَتَشَكَّراني، ويقولان: جزاك الله خيرًا، حَلَلْتَ لنا مشكلة. فهذا من الحلول التي تُذكر لبعض الإخوة. لكن هذا يختص بالإبرة؛ لأن الحبوب قد لا ترفع الحيض، الحبوب أضعف، وأيضًا هذا يُستشار فيه الطبيب المختص؛ لأن أجسام النساء تتفاوت، ربما بعض النساء قد تتضرر، وبعضهنَّ لا تتضرر؛ فيُستشار الطبيب المختص في هذا قبل أخذ هذه الإبرة.

حُكم تأخير طواف الإفاضة إلى الوداع

من أكثر المسائل التي يسأل عنها الحجاج، بل إنني صنَّفتُه هو السؤال رقم واحد الذي يسأل عنه الحجاج في الحج، خاصةً حجاج دول الخليج؛ وهو: هل يجوز تأخير طواف الإفاضة ليكون آخر أعمال الحاج، ويجزئ عن طواف الوداع؟

والجواب عن هذا السؤال: نعم يجوز؛ لأننا قلنا إنه لا حدَّ لآخر طواف الإفاضة، فإذا أخَّر طواف الإفاضة وجعله آخر أعمال الحج؛ أجزأ عن طواف الوداع، ويسعى بعده -يجعل السعي بعد الطواف-؛ لأن السعي يُشترط لصحته أن يسبقه طوافٌ مشروع.

إذا أخَّر الحاج طواف الإفاضة مع طواف الوداع، لكنه عندما أراد أن يطوف نوى طواف الوداع ونسي أن ينوي طواف الإفاضة؛ هذه من المسائل التي يكثر السؤال عنها، يكون منشغلًا بالذهاب، وربما يكون معه رفقة، فيطوف طواف الوداع وينسى أنه أخَّر طواف الإفاضة، كان الواجب أن ينوي طواف الإفاضة، أو ينوي طوافَ إفاضةٍ ووداعٍ، لكن إذا نسي ونواه طوافَ وداعٍ؛ فهل يجزئ عن طواف الإفاضة؟ هذا محل خلاف بين الفقهاء، وبعضهم يرى أنه لا يكفي عن طواف الإفاضة؛ لأنه نواه طوافَ وداعٍ، وقد قال عليه الصلاة والسلام: إنما الأعمال بالنيات[2] وهذا لم ينوِ طوافَ إفاضةٍ، وإنما نوى طوافَ وداعٍ، وهذا هو المذهب عند الحنابلة.

والقول الثاني في المسألة: أنه يجزئ، وينقلب طواف الوداع في حقه طوافَ إفاضةٍ، وهذا هو مذهب الحنفية والشافعية؛ قالوا: لأن نية الحج تشمل نية جميع أفعاله، ومنها طواف الإفاضة، كما أن نية الصلاة تشمل جميع أفعالها، فلا يحتاج المصلي إلى أن ينوي نيةً خاصةً للركوع، وإلى نيةٍ خاصةٍ للسجود، وإلى نيةٍ خاصةٍ للجلسة بين السجدتين، هكذا أيضًا الحج، تكفي نية الحج العامة، لا يحتاج إلى أن ينوي نيةً خاصةً للوقوف بعرفة، ونيةً خاصةً للمبيت بمزدلفة، ونيةً خاصةً لطواف الإفاضة، تكفي نية الحج العامة؛ ومما يؤيد هذا أنه لو وقف بعرفة نائمًا، أو جاهلًا أنها عرفة؛ فيصح وقوفه، وهذا يدل على أن النية العامة للحج تكفي؛ وهذا هو القول الراجح -والله أعلم-، وهو أنه إذا نوى أنه طوافُ وداعٍ يكفي عن طواف الإفاضة، يعني ينقلب تلقائيًّا عن طواف الإفاضة.

الرابع من أركان الحج: السعي بين الصفا والمروة.

^1 رواه البخاري: 1757، ومسلم: 1211.
^2 رواه البخاري: 1، ومسلم: 1907.
zh