logo

(04) كتاب الحج- من قوله: “الخامس: الاستطاعة..”

مشاهدة من الموقع

ما المراد بالاستطاعة في الحج؟

مِلك الزاد والراحلة، لمَّا كان الناس في الزمن السابق يحجون على الرواحل وعلى الإبل يحتاجون إلى مِلك الزاد: الطعام والشراب والكسوة، وأيضًا الراحلة بشراءٍ أو استئجارٍ، في وقتنا الحاضر تغيرت أمور الناس، وأصبح حج الناس عن طريق حملات وشركات الحج؛ ولذلك نستطيع أن نقول: إن الاستطاعة: هي القدرة على تحصيل تكلفة الحج مع حملة أو شركة حجٍّ، هذه هي الاستطاعة، فإذا قلنا: مثلًا هنا في الكويت، كم تكلفة الحج المناسبة لك؟ فإذا قيل مثلًا: هي كذا دينارًا، إذنْ هذه هي الاستطاعة، هل تستطيع أن تدفع؟ كم المتوسط الآن لتكلفة حملات الحج؟ كم؟ 1500 دينارٍ، فإذا كان مثلًا سيستطيع أن يدفع هذا المبلغ؛ إذنْ يكون مستطيعًا للحج، لا يستطيع؛ يكون غير مستطيعٍ.

فالآن تغيرت أمور الناس، في السابق: هو ملك الزاد والراحلة، الآن: القدرة على تحصيل تكلفة الحج مع شركة حجٍّ أو حملة حجٍّ.

ثم إن المؤلف ذكر أن هذا الوجوب مقيدٌ بأمورٍ.

قال:

بشرط كونه فاضلًا عما يحتاجه.

يعني: زائدًا عما يحتاجه.

من كتبٍ.

“من كتبٍ” إذا كان طالب علمٍ؛ لأن طالب العلم الكتب بالنسبة له شيءٌ أساسيٌّ، طالب العلم الكتب بالنسبة له مثل الطعام والشراب؛ ولذلك انظر كيف أن الفقهاء يقولون: إنه لا يعتبر مالكًا للزاد والراحلة؛ إلا إذا كان يملك فاضلًا عما يحتاج إليه من الكتب، فانظر كيف جعلوا الكتب من الأشياء الأساسية بالنسبة لطالب العلم؟!

أما إذا لم يكن طالب علمٍ؛ فالكتب لا تعني له شيئًا كثيرًا، لا يشترط: أن يكون زائدًا أو فاضلًا عما يحتاج إليه من كتبٍ؛ ولذلك لو أن المؤلف قيَّد هذه العبارة: من كتبٍ إذا كان طالب علمٍ.

ولو كان عنده كتبٌ أو مكتبةٌ؛ فلا يلزمه أن يبيعها لأجل أن يحج، إلا إذا كانت مما لا يحتاج إليه؛ كما لو كان مثلًا عنده أكثر من طبعةٍ، عنده نسخٌ زائدةٌ، فلو باع إحداها لم يتضرر؛ فهنا يمكن أن يقال: بأنه يبيع الزائد والشيء الذي لا يحتاج إليه.

قال:

ومسكنٍ.

لو كان عنده مسكنٌ، عنده بيتٌ؛ لا يلزمه أن يبيعه لأجل أن يحج، ولو كان مستأجرًا للمسكن؛ فكذلك أيضًا لا يلزم أن يخرج منه ويستأجر بيتًا بأجرةٍ أقل؛ لأن السكن من الحاجات الأساسية، فلا بد أن يملك زائدًا عما يحتاج إليه من المسكن.

وخادمٍ.

إذا كان يُخدم مثله، أما إذا كان مثله لا يخدم؛ فلا يعتبر ذلك من الحوائج الأساسية، في بعض المجتمعات الخادم يعتبر شيئًا أساسيًّا، وبعض المجتمعات لا، ما يعتبر؛ فمثلًا في دول الخليج: في الوقت الحاضر أصبح من الأشياء الأساسية، لكن في بعض الدول لا يعتبر من الأشياء الأساسية، وكان في دول الخليج في الأزمنة السابقة أيضًا لا يعتبر شيئًا أساسيًّا؛ ولذلك يقيد “الخادم” بـ: أن يكون مثله يُخدم؛ ولذلك الزوج إذا تزوج امرأةً؛ هل يلزمه أن يأتي لها بخادمٍ؟ إذا كان مثلها يُخدم؛ يلزمه، أما إذا كان مثلها لا يخدم؛ لا يلزمه، إذا كانت عند أهلها يأتونها بخادمةٍ؛ فهنا يلزمه أن يأتي لها بخادمةٍ، أما إذا كان لا، أهلها ما عندهم خادمةٌ، ولا يُخدم مثلها؛ لا يلزمه أن يأتي لها بخادمةٍ.

قال:

وأن يكون فاضلًا عن مؤونته ومؤونة عياله.

 أيضًا يكون الزاد والراحلة زائدًا عما يحتاج إليه من نفقته ونفقة عياله؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام: كفى بالمرء إثمًا أن يُضيِّع من يقوت [1].

على الدوام.

يعني: يكون ما ذكر المؤلف زائدًا وفاضلًا على الدوام، وقوله: “على الدوام”، الحقيقةَ هذا مُشكِلٌ، يعني “على الدوام” كم سنةً؟ سنةً، سنتين، عشر سنين، ما ينضبط، كم سيعيش هذا الإنسان حتى نقول: على الدوام؟ ولذلك ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يشترط أن يكون فاضلًا عما ذكره المؤلف من هذه الأشياء إلى أن يعود من الحج وليس على الدوام، وهذا هو القول الراجح: إلى أن يعود.

من عليه دينٌ هل يجب عليه الحج؟

طيب هناك مسألةٌ يكثر السؤال عنها، وهي مسألة: أثر الدَّين على الحج، إذا كان على الإنسان ديونٌ، فهل يجوز له أن يحج وعليه ديونٌ أم لا؟

أولًا: إذا كان الدين مؤجلًا أو مقسطًا؛ فهذا ليس له أثر على الحج، عليك ديونٌ مؤجلةٌ أو مقسطةٌ، هنا يلزمك أن تحج إذا تحققت فيك الشروط السابقة، أما إذا كان الدَّين حالًّا؛ فهنا يجب سداد الدين، وسداد الدين مُقدَّمٌ على وجوب الحج.

وليس للإنسان أن يحج حتى يسدد هذا الدين أو يستأذن من الدائن، لماذا؟ لأن هذا المال الذي سيحج به هو في الحقيقة مستحَقٌّ للدائن، ليس لك هذا المال، عندك مثلًا ألف دينارٍ، وهذا زيدٌ من الناس يطلبك ألف دينارٍ، لو ذهبت وحججت بالألف الدينار هذه؛ زيدٌ يرى أنك حججت بماله، يقول: أنا مستحقٌّ للألف الدينار، كيف تذهب وتحج بها؟!

فيجب عليك أن تسدد الدين، وإذا لم تجد ما تحج به؛ فالله إنما أوجب الحج على المستطيع، إلا أن تستأذن من الدائن، تقول للدائن: أنا سأحج، وإن شاء الله بعد الحج أسدد لك، فإذا أذن لك بطيبةٍ من نفسه؛ فلا بأس، أما أن الإنسان يحج وعليه دينٌ حالٌّ؛ فليس له ذلك؛ لأنه كأنه حج بمال الدائن، لكن لو افترضنا أن شخصًا فعل ذلك، حج وعليه دينٌ حالٌّ ولم يستأذن من الدائن، هل حجه صحيحٌ؟

الجواب: نعم، حجه مكتمل الأركان والشروط والواجبات، لكنه يأثم بمماطلته للدائن، وينقص من أجره، وربما أيضًا أن هذا يؤثر في كون حجه مبرورًا، كيف يحج بمال غيره؟! هو في الحقيقة حج من مال غيره، هذا المال الذي حج به هو مستحَقٌّ للدائن، كأنه حج من مال غيره، فهذا ينقص من أجره ويأثم بذلك.

ولهذا نقول: قدِّم الدين على الحج، الحج غير واجبٍ عليك في هذا الحال، والدين واجبٌ، فقدم سداد الدين على الحج، وإذا كنت متشوفًا للحج متعلقًا به، أو وجدت أن هذه فرصةٌ؛ استأذن من الدائن، فإن أذن لك؛ فلا بأس.

الحج على نفقة الغير

طيب لو كان الإنسان لا يستطيع الحج، لكن وجد من يبذل له الأجرة مجانًا؛ هل يجب عليه الحج؟ نقول: لا يجب، لماذا؟ لأن هذا البذل يعتبر هبةً، وقد يلحق الإنسانَ المنةُ بسبب هذه الهبة، ولا يلزم أن يكون الإنسان تحت منة غيره، المنة هي أذًى نفسيٌّ، وهذه المنة تُبطل المعروف، إذا كان هذا المعروف زكاةً أو صدقةً؛ فإنها تُبطل الأجر تمامًا؛ كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى [البقرة:264]، هذا مرضٌ عند بعض الناس، ربما يفعل الشيء مخلصًا لله فيه، لكنه يمتن به؛ ولذلك الإنسان الذي سيعمل المعروف ويمتن به، نقول: الأحسن ألا تعمل المعروف، اتركه؛ كما قال الله تعالى: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة:263]، إذا كنت ستتصدق وتعمل معروفًا وتحفظ كرامة هذا الإنسان الذي تعمل معه المعروف أو الصدقة، وإلا فلا تفعله، قل قولًا معروفًا أحسن؛ ولهذا قال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ [البقرة:264]، مَثَل هذا الذي يتصدق ويمتنُّ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ [البقرة:264]، ما معنى الصفوان؟ يعني: حجرٌ أملس عليه ترابٌ، سبحان الله! انظر إلى هذا المثل العجيب! حجرٌ أملس عليه ترابٌ، فَأَصَابَهُ وَابِلٌ: نزل عليه مطرٌ غزيرٌ، فَتَرَكَهُ صَلْدًا، ما ظنك بحجرٍ أملس عليه ترابٌ، ونزل عليه مطرٌ غزيرٌ جدًّا؟! هل سيَبقى شيءٌ من هذا التراب على الحجر؟ لن يبقى عليه شيءٌ، سيذهب، سيزول التراب، هكذا أيضًا يذهب ويبطل الأجر بالمنة والأذى.

من أراد أن يساعد فقيرًا أو يعمل معروفًا، أهم شيءٍ أن يحفظ كرامة هذا الفقير، أو هذا الذي يعمل معه المعروف، حفظ كرامته أهم من أن تعطيه، وإلا فعطيةٌ معها جرح كرامةٍ، هذه لا خير فيها، أحسن شيءٍ لا تعمل هذا المعروف، وإنما قل كلامًا طيبًا، قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة:263]؛ ولذلك لو بُذِل الحج مجانًا؛ لا يلزم الإنسانَ قبوله، بعض الناس عنده عزة نفسٍ، ما يلزمه، ولا يجب عليه الحج، لكنه يجوز أن يقبل.

فإن قال قائل: ما هو الأفضل: هل الأفضل أن يقبل، أو لا يقبل؟

نقول: هذا فيه تفصيلٌ:

فإذا كان متيقنًا أن هذا الباذل لأجرة الحج لن يمتن عليه؛ كأن يكون الباذل هو أبوه أو أمه مثلًا؛ فالأولى أن يقبل وأن يحج بهذا المال؛ لأنه يكسب أجرًا وثوابًا وعملًا صالحًا، وقد يكون حجه مبرورًا، ويرجع من الذنوب كيوم ولدته أمه.

أما إذا كان يخشى من أن باذل المال يمتن عليه -معروفٌ أن هذا الذي يبذل المال متقلِّبٌ، وربما يجرحه بكلامٍ ويمتن عليه- فالأولى ألا يقبل هذه الهبة، وأن ينتظر حتى يرزقه الله من فضله وييسر له حجًّا من حُر ماله.

الحج عن الغير

كون الإنسان يحج عن غيره ويأخذ مالًا، هنا لا بأس، لكن يجعل نيته ليس لأجل الدنيا، وإنما لأجل الحج، والوصول إلى المشاعر، وعمل ما تيسر من الطاعات؛ ولهذا هناك مقولةٌ مشهورةٌ عن الإمام ابن تيمية رحمه الله، قال: من أخذ ليحج؛ فلا بأس، ومن حج ليأخذ؛ فليس له في الآخرة من خلاقٍ.

وهذه مسألة: التشريك في النية، وهذه -إن شاء الله- سنتكلم عنها في الوصية، وصية ابن قدامة، سنتكلم عن هذه المسألة بالتفصيل، النية إذا خالطها الرياء قبل وبعد وأثناء، ومسألة تشريك النية: يريد بعمله الدنيا والآخرة، أو يريد الدنيا فقط، هذه -إن شاء الله- فيها تفاصيل سنتكلم عنها -إن شاء الله- في الدرس الليلة بإذن الله، فنؤجل الحديث عنها؛ لأن فيها تفصيلاتٍ لأهل العلم.

طيب هناك مقولةٌ عند بعض الناس: وهي أن من حج فالأفضل أن يتصدق بالمال الذي يريد أن يحج به، ويستدل لذلك بقصة ابن المبارك لمَّا أراد أن يحج ووجد امرأةً فقيرةً فأعطاها نفقة الحج، وقال: إن هذا أعظم أجرًا وثوابًا، القصة مذكورةٌ في “السلسبيل”، الحاشية رقم: 1، ص 225.

لكن نقول: إن الحج أفضل، هل يستوي من يذهب ويُحرم ويطوف ويسعى، ويذهب لعرفاتٍ ومزدلفة، ويرمي الجمرات، ويناله ما يناله من المشقة والتعب؛ بمجرد أنه يأخذ هذا المبلغ ويعطيه فقيرًا، هل يستوي هذا وهذا؟

العجب من قول بعض الناس: إن كونه يبذل المال أفضل! إنسانٌ تعب، ذهب وأحرم بالحج وطاف، وربما كان الطواف فيه زحامٌ شديدٌ، وسعى ثم أيضًا تنقل بين المشاعر، وربما أيضًا كان فيه زحامٌ، وقف بعرفة، ذهب لمزدلفة، وذهب للجمرات في يوم العيد الحادي عشر والثاني عشر، وبات بمنًى ثم..، وطاف طواف الوداع، يعني ناله جهدٌ كبيرٌ ومشقةٌ عدة أيامٍ، هل يستوي هو ومن يأخذ هذا المبلغ ويعطيه فقيرًا؟! لا يمكن هذا؛ الأصول وقواعد الشريعة والأدلة تدل على خلاف هذا، هذه المقولة مقولةٌ غير صحيحةٍ، الصواب: أن الحج أعظم أجرًا وثوابًا، وأن الحاج يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه إذا كان حجه مبرورًا.

هل يشترط إذن الوالدين في الحج؟

طيب، من وجب عليه الحج، هل يشترط له إذن الوالدين؟

نقول: إذا كان حج الفريضة؛ فلا يشترط، أما إذا كان حج النافلة؛ ففيه تفصيلٌ:

إذا منعه أبوه أو أمه أو كلاهما من الحج؛ فننظر ما السبب؟ إن كان السبب معتبرًا شرعًا؛ كأن يحتاجا إلى خدمته؛ فطاعة الوالدين مقدمةٌ على حج النافلة؛ لأن النبي لما سُئل عن أحب العمل إلى الله؛ قال: الصلاة على وقتها، قيل: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قيل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، وفي روايةٍ: قيل ثم أي؟ قال: حج مبرورٌ [2]، وأيضًا الحج نوعٌ من الجهاد، فقدَّم عليه الصلاة والسلام بر الوالدين على الجهاد وعلى الحج.

أما إذا لم يكن لوالديه غرضٌ صحيحٌ، وإنما مجرد تعنتٍ ومنعٍ من غير سببٍ واضحٍ، وليسا بحاجةٍ لخدمته؛ فلا يلزمه طاعتهما؛ لأن أيضًا بعض الوالدين يكره التدين، ويكره المتدين، ويكره أن ابنه يعمل أعمالًا صالحةً؛ من حجٍّ أو من صيام نافلةٍ أو من صدقاتٍ، فهذا الأب أو الأم لا يطاع في هذا، إنما الطاعة في المعروف [3]، طاعة البشر للبشر غيرَ النبي عليه الصلاة والسلام مقيدةٌ بالمعروف، إنما الذي طاعته من البشر مطلقةٌ، من هو؟ هو النبي عليه الصلاة والسلام، وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [الحشر:7]، مطلقًا، سواءٌ عرفت الحكمة أو لم تعرفها، أما طاعة غير النبي عليه الصلاة والسلام من البشر فمقيدةٌ بالمعروف، طاعة الزوجة لزوجها بالمعروف، طاعة الولد لوالديه بالمعروف، طاعة ولي الامر بالمعروف، كل البشر، طاعة البشر للبشر بالمعروف، إلا النبي فطاعته مطلقةٌ؛ لأن طاعته طاعةٌ لله، وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]؛ ولهذا الضابطُ في طاعة الولد لوالديه، متى تجب؟ تجب فيما كان لهما فيه منفعةٌ ولا ضرر فيه على الولد، هذا هو الضابط.

هل يجب الحج على الفور؟

قال:

فمن كملت له هذه الشروط؛ لزمه الحج فورًا، إن كان في الطريق أمنٌ.

“لزمه الحج فورًا”: هذا يرجع لمسألةٍ أصوليةٍ، هل الأصل في الأوامر أنها تقتضي الفورية أو بالتراخي؟ قولان للأهل العلم: فالجمهور على أن الامر يقتضي الفورية، والشافعي على أنه يقتضي التراخي، والأقرب: ما ذهب إليه الجمهور في الجملة؛ وعلى هذا: فالحج واجبٌ على الفور، لكن إذا كان الحج واجبًا على الفور؛ فلماذا أخَّر النبي الحج إلى السنة العاشرة، مع أنه فُرض قبل ذلك؟

أولًا: اختُلف في وقت فرضيَّة الحج؛ فمنهم من قال: إنه في السنة السادسة، وهذا قول الجمهور، ولكن هذا القول محل نظرٍ؛ لأن مكة في السنة السادسة لم تكن بدار إسلامٍ، ويبعد جدًّا أن يُفرض الحج على الناس ومكة ليست بدار إسلامٍ، مكة فتحت في السنة الثامنة من الهجرة، فلا يمكن أن يفرض الحج قبل السنة الثامنة؛ وعلى ذلك: القول الراجح: أن الحج إنما فُرض في السنة التاسعة أو العاشرة، والأقرب: أنه فُرض في السنة التاسعة.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أحمد: 6495، ورواه مسلم: 996، بنحوه.
^2 رواه البخاري: 26، ومسلم: 83.
^3 رواه البخاري: 7145، ومسلم: 1840.
zh