logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح أبواب من صحيح مسلم/(57) باب التعوذ من شر ما عمل..- من حديث: “اللهم إني أعوذ بك من..”

(57) باب التعوذ من شر ما عمل..- من حديث: “اللهم إني أعوذ بك من..”

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا، ربنا آتنا من لدنك رحمةً وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.

نحمد الله على عودة الدروس حضوريًّا بعد هذه الجائحة التي توقفت معها الدروس سنةً وبضعة أشهرٍ، وإن كانت الدروس لم تتوقف حقيقةً؛ هي تُبث عن بعدٍ، لكن الآن -ولله الحمد- رجعت حضوريًّا، فنحمد الله تعالى ونشكره على ذلك، ونسأل الله تعالى الإعانة والتوفيق والتسديد.

وهذه الدروس -أيها الإخوة- من مجالس الذكر، ومجالس الذكر قد أخبر النبي في الحديث المتفق على صحته بأن لله ملائكةً سيارةً تلتمس مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلس ذكرٍ، قالوا: هلموا إلى حاجتكم، فتَحُف بهم الملائكة، تحف بالجالسين في مجلس الذكر، وفي آخر الحديث يقول الله تعالى: أُشهدكم أني قد غفرت لهم، يعني: للحاضرين مجلس الذكر، فتقول الملائكة: يا رب، إن فيهم فلانًا ليس منهم؛ وإنما أتى لحاجةٍ وجلس، فيقول الله: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم [1]، فهذه المجالس من مجالس تنزل الرحمات، والتعرض لمغفرة الله ، ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين [2].

فينبغي أن يحرص المسلم على هذه المجالس؛ ففيها أجرٌ وثوابٌ، وفيها تعرضٌ لمغفرة الله تعالى ورحمته، وفيها علمٌ يحصله، يستفيد منه في أمور دينه، ومن كان عنده هذا الحرص على طلب العلم والتفقه في الدين، هذه أمارةٌ على أنه أريد به الخير إن شاء الله؛ من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين.

والمهم في مثل هذه الدروس: هو الحرص على الانتظام والانضباط؛ فإن العلم لا يستطاع براحة الجسم، أما من كان يحضر درسًا ويغيب درسًا آخر، أو درسًا ويغيب درسين، فهذا لن يستفيد فائدةً كبيرةً؛ فلا بد من الصبر والتحمل والانتظام في طلب العلم، والحرص على تحصيله، وأيضًا مذاكرته؛ فإن حياة العلم المذاكرة.

في هذا الدرس شرحٌ لـ”صحيح مسلمٍ”، وقد وصلنا إلى كتاب الأدعية، باب الأدعية.

كتاب الأدعية

والأدعية: جمع دعاءٍ، والدعاء منزلته في الشريعة عَليَّةٌ وعظيمةٌ، بل إن النبي يقول: الدعاء هو العبادة [3]، والله تعالى يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]، ويقول: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون [البقرة:186].

وكما قال عمر بن الخطاب : “إني لا أحمل هم الإجابة؛ وإنما أحمل هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء؛ كانت الإجابة”.

والدعاء من أسباب تحصيل الخير، وتحصيل المطلوب في الدنيا والآخرة، والله تعالى يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، وكم من إنسانٍ حصَل على خيراتٍ عظيمةٍ بسبب دعوةٍ دعا الله بها.

آداب الدعاء

والدعاء -أيها الإخوة- له آدابٌ:

  • من أعظم آدابه: الإخلاص، أن يكون الداعي مخلصًا لله ، متعلقًا قلبه بالله، أرأيت المضطر تستجاب دعوته؟ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62]، وكذلك المظلوم تستجاب دعوته، كما قال عليه الصلاة والسلام: واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب [4].

لماذا؟ لماذا تستجاب دعوة المضطر والمظلوم؟ لو تأملنا السبب؛ نجد السبب: أن المضطر والمظلوم يقوم بقلبيهما إخلاصٌ عظيمٌ، فالمضطر وصل مرحلة الضرورة، كأنه في لُجَّةٍ من البحر، يقول: يا رب يا رب، هو يخشى أن يدركه الموج فيموت، فهما بين الموت والحياة، تصور إنسانًا بين الموت والحياة في لجة البحر، يقول: يا رب يا رب، كيف يكون مستوى الإخلاص عنده؟ مستوى الإخلاص يكون عظيمًا؛ ولذلك تستجاب دعوته مباشرةً أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62]، فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، مع أنهم مشركون، فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65].

كذلك المظلوم، المظلوم يدعو الله تعالى بإخلاصٍ وحرارة قلبٍ؛ لأنه قد أحس بِلَوْعة الظلم، وهو يدعو بصدق وإخلاص، دعاءً خالصًا من قلبه؛ ولذلك تستجاب دعوته، وأيضًا سببٌ آخر: أن الله لا يحب الظالمين.

لاحِظ هنا أن المشركين إذا دعوا الله مضطرين؛ استجيبت دعوتهم، مع وجود المانع الذي هو أعظم الذنوب: الشرك، فغلبت قوة الإخلاص، فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [العنكبوت:65]، يعني: قوة الإخلاص غلبت وجود المانع، وهو الشرك، فاستجيبت دعوتهم، وهذا يبين لنا عظيم شأن الإخلاص في الدعاء، فمن أعظم آدابه: الإخلاص لله ، وحضور القلب.

  • كذلك أيضًا من آداب الدعاء: ما ذكره ربنا سبحانه في قوله: وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا [الأعراف:56]، يكون الداعي بين الخوف والطمع، يطمع في الإجابة، ويخشى ألا يقبل الله منه، فإن المسلم مهما عمل من الطاعات؛ يكون وجلًا مشفقًا، وهذا هو شأن الصالحين، قال البخاري في “صحيحه”: قال ابن أبي مُليكة: “أدركت ثلاثين من أصحاب النبي ، كلهم يخاف النفاق على نفسه” وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا [الأعراف:56]، يكون الداعي بين الخوف والطمع.
  • كذلك أيضًا من آداب الدعاء: ما ذكره ربنا سبحانه بقوله: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً [الأعراف:55]، يكون الدعاء مصحوبًا بالتضرع والتأوُّه، والانكسار والانطراح بين يدي الله ، وأثنى الله تعالى على إبراهيم  بأنه أوَّاهٌ، لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ [التوبة:114]، يعني: كثير التأوُّه، فالله تعالى يحب من عبده التضرع والتأوه، والانكسار والانطراح بين يديه، هذا من أعظم أسباب إجابة الدعاء.
  • كذلك أيضًا من الآداب: ما ذكره الله سبحانه بقوله: وَخُفْيَةً، إخفاء الدعاء، فلا يجهر المسلم بالدعاء؛ لأن الله تعالى سميع الدعاء، قريبٌ مجيبٌ؛ فلا داعي لرفع الصوت، أرأيت -ولله المثل الأعلى- لو أن شخصًا أمامك تكلمه وترفع صوتك عليه، يرى أن هذا سوء أدبٍ، كيف ترفع صوتك عليَّ؟! كلمني بهدوءٍ.

الله سميعٌ قريبٌ مجيبٌ، يسمع كلامك، لا داعي لأن ترفع صوتك؛ فرفع الصوت ينافي أدب الدعاء؛ ولهذا قال سبحانه: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55]، وهذا يدل على أن رفع الصوت بالدعاء اعتداءٌ؛ لأن الله قال: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، ولذلك فما يُرى في بعض أدعية القنوت لبعض أئمة المساجد، حينما يدعو ويرفع صوته بالدعاء، هذا نوعٌ من الاعتداء في الدعاء، وإنما المطلوب أن يخفض صوته قدر الإمكان، بقدر ما يُسمع المصلين؛ لأن مقام الدعاء مقام خفضٍ للصوت وخفيةٍ، ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55].

  • كذلك أيضًا من آداب الدعاء: رفع اليدين إلا في المواضع التي دعا فيها النبي ولم يرفع يديه؛ كخطبة الجمعة، فإن الدعاء في خطبة الجمعة لا يشرع فيها رفع اليدين، لا للخطيب ولا للمستمعين للخطبة، إلا إذا استَسقَى، فيشرع للخطيب وللمستمعين أن يرفعوا أيديهم، لكن في الأدعية العامة يشرع رفع اليدين؛ لقول النبي : إن الله حييٌّ كريمٌ، يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صِفْرًا [5]. يعني: خائبتين، فعندما تدعو يشرع أن ترفع يديك بالدعاء، يا رب، يا الله، يا حي يا قيوم، ترفع يديك بالدعاء، هذا من آداب الدعاء.

أوقات الإجابة

وأيضًا ينبغي الحرص على اختيار الأوقات التي هي أحرى ما تكون لإجابة الدعاء:

ومن ذلك: آخر ساعةٍ يوم الجمعة بعد العصر [6]؛ فإنها أرجى ما تكون موافقةً لساعة الإجابة.

ومن ذلك: بين الأذان والإقامة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: الدعاء لا يُرَدُّ بين الأذان والإقامة [7]، وهو حديثٌ صحيحٌ، فإذا أتيت بالسنة الراتبة، أو تحية المسجد، ترفع يديك مستقبل القبلة تدعو الله .

كذلك أيضًا: في السجود، أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجدٌ؛ فاجتهدوا في الدعاء؛ فَقَمِنٌ -يعني: حَرِيٌّ- أن يستجاب لكم [8].

كذلك أيضًا: وقت السحر، وقت الثلث الأخير من الليل؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من سائلٍ فأعطيه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ وذلك كل ليلةٍ [9].

  • وأيضًا من آداب الدعاء، وهو من أهمها: ألا يستعجل الداعي في الإجابة، لا تستعجل إجابة الدعاء؛ الاستعجال من أسباب عدم الإجابة، يقول النبي : يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت، وقد دعوت ولم يستجب لي [10]، فإذا أردتَ أن يستجاب دعاؤك لا تستعجل الإجابة، استمر على الدعاء.

بعض الناس يريد أن يدعو الله مرةً أو مرتين ويستجاب دعاؤه، الله تعالى يريد منك أن تستمر على الدعاء، ويحب المُلحِّين في الدعاء، فكثيرٌ من الناس يدعو الله تعالى، ثم يقول: دعوت ولم يستجب لي، هذا من موانع الإجابة، ادع الله تعالى واستمر على الدعاء تأتك الإجابة، ولا تَشترِط على الله تعالى وقتًا معيَّنًا لإجابة الدعاء، الله تعالى أحكم الحاكمين جل وعلا.

هذه أبرز آداب الدعاء، وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذا الباب جملةً من الأدعية المأثورة عن النبي ، والتي ينبغي حفظها والدعاء بها؛ فإن الدعاء بالأدعية المأثورة أفضل من الدعاء بالأدعية غير المأثورة.

وإن كان الدعاء ليس توقيفيًّا، يجوز أن تنشئ أدعيةً من عندك لقضاء حوائجك، لكن ينبغي التركيز على الأدعية المأثورة.

فذكر المصنف رحمه الله جملةً من هذه الأدعية، نبدؤها بالدعاء الأول:

الطالب: الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات وتتجدد النعم، ثم الصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال المؤلف رحمنا الله وإياه:

باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل

باب التعوذ من شر ما عَمِل ومن شر ما لم يعمل

حدثنا يحيى بن يحيى وإسحاق بن إبراهيم -واللفظ ليحيى- أخبرنا جَريرٌ، عن منصورٍ، عن هلالٍ، عن فروة بن نوفلٍ الأشجعي، قال: سألت عائشة رضي الله عنها عما كان رسول الله يدعو به الله، قالت: كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل [11].

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريبٍ، قالا: حدثنا عبدالله بن إدريس، عن حُصينٍ، عن هلالٍ، عن فروة بن نوفلٍ، قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن دعاءٍ كان يدعو به رسول الله ، فقالت: كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت وشر ما لم أعمل.

حدثناه محمد بن المثنَّى وابن بشارٍ، قالا: حدثنا ابن أبي عديٍّ، ح، وحدثنا محمد بن عمرو بن جبلة: حدثنا محمدٌ -يعني ابن جعفرٍ- كلاهما عن شعبة، عن حُصينٍ، بهذا الإسناد مثله، غير أن في حديث محمد بن جعفرٍ: ومن شر ما لم أعمل.

وحدثني عبدالله بن هاشمٍ: حدثنا وكيعٌ، عن الأوزاعي، عن عبدة بن أبي لبابة، عن هلال بن يِسَافٍ، عن فروة بن نوفلٍ، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي كان يقول في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت وشر ما لم أعمل [12].

الشرح:

نعم، هذا الدعاء دعاءٌ عظيمٌ: اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت يعني: من شر ما اكتسبَتْه يداي مما قد يوجب العقوبة في الدنيا والآخرة.

وأعوذ بك من شر ما لم أعمل يعني: مما قد يكون في المستقبل.

فتسأل الله تعالى الوقاية من شرور العمل في الماضي، وأيضًا أن الله تعالى يوفقك لاتقاء شرور العمل في المستقبل، فهذا من الأدعية الجامعة العظيمة التي كان النبي يدعو بها.

من الأدعية التي كان النبي يدعو بها

الطالب:

حدثني حجاج بن الشاعر: حدثنا عبدالله بن عمرٍو أبو معمرٍ: حدثنا عبدالوارث: حدثنا الحسين: حدثني ابن بريدة، عن يحيى بن يَعمَر، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، أن رسول الله كان يقول: اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، اللهم إني أعوذ بعزتك -لا إله إلا أنت- أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون [13].

الشرح:

نعم، هذا أيضًا دعاءٌ آخر، كان النبي يدعو به، يقول: اللهم لك أسلمت يعني: استسلمت لك، وانقدت لك.

وبك آمنت: آمنت بك وبما أمرت من الإيمان به، وعليك توكلت يعني: فوضت أمري إليك، وإليك أنبت يعني: انقدت لك، وبك خاصمت يعني: أنني لا احتج وأدافع إلا بك، بك احتج وأدافع.

اللهم إني أعوذ بعزتك: والعزة من صفات الله ، ويجوز التعوذ بصفات الله سبحانه؛ كعزة الله، وكلمات الله؛ ولهذا أيضًا يقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.

أعوذ بعزتك -لا إله إلا أنت- أن تضلني: فاستعاذ بعزة الله من الضلال؛ لأن الهداية بيد الله سبحانه، فالمسلم يتعوذ بالله من الضلال، ويسأل الله الهداية؛ ولهذا أمر المصلي في كل ركعةٍ يصليها أن يقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، هذا أعظم الأدعية، سؤال الله الهداية للصراط المستقيم، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فالمسلم يسأل الله الهداية، ويستعيذ بالله من الضلال؛ ولهذا كان من أكثر أدعية النبي أنه كان يقول: يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك [14]، اللهم مصرف القلوب، صرف قلوبنا على طاعتك [15].

وينبغي للمسلم أن يكثر من هذه الأدعية، وخاصةً لطالب العلم أن يجعل من وقته في اليوم والليلة نصيبًا للدعاء، يجعل هناك وقتًا للدعاء، إما مثلًا في آخر الليل في صلاة الليل، أو في غيرها، لكن لا يستغني عن الدعاء، ويدعو الله بخيري الدنيا والآخرة، فيسأل الله الجنة، ويستعيذ بالله من النار، يدعو بهذه الأدعية المأثورة، يسأل الله: يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك، يسأل الله الثبات، رب آتني في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً، وقني عذاب النار، أَعِنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ونحو ذلك، ويسأل الله تعالى له أن يبارك له في وقته وعمره وماله وولده وصحته، فيدعو الله ، لا يستغني عن الدعاء.

فكان عليه الصلاة والسلام مع أنه خير البشر، وهو المؤيد بالوحي، ومع ذلك يقول: أعوذ بعزتك -لا إله إلا أنت- أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون، فالله تعالى حياته حياةٌ كاملةٌ؛ لم تُسبق بعدمٍ، ولا يلحقها زوالٌ، حياةٌ كاملةٌ، بينما غيره حياته ناقصةٌ، مسبوقةٌ بعدمٍ؛ ولذلك قال: والجن والإنس يموتون.

الجن والإنس يموتون: في نفخة الصعق؛ كما قال سبحانه: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ [الزمر:68]، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ -يعني: نفخة الصعق- فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، وهذا يشمل الجن والإنس.

لكن هل يشمل الملائكة، أو أن الملائكة ممن استثنى الله : إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ؟

هذا محل خلافٍ بين العلماء، والقول الراجح: أنه يشمل حتى الملائكة، أن الجميع كلًّا يموت بنفخة الصعق.

إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ: قيل: الحور العين في الجنة، والله تعالى أعلم بمراده من هذا الاستثناء، لكن فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُون [الزمر:68]، هذه نفخة البعث، فالله له الحياة الكاملة التي لم تُسبق بعدمٍ، يعني: أن الله تعالى ليس قبله شيءٌ جل وعلا، حياته حياةٌ أزليةٌ كاملةٌ لم تسبق بعدمٍ، ولا يلحقها زوالٌ، بينما حياة غيره حياةٌ ناقصةٌ؛ لأن غيره مخلوقٌ، وهو جل وعلا هو الخالق.

فهذا الدعاء دعاءٌ عظيمٌ: اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، اللهم إني أعوذ بعزتك -لا إله إلا أنت- أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون.

دعاء كان النبي يدعو به إذا كان في سفر أو أسحر

حدثني أبو الطاهر: أخبرنا عبدالله بن وهبٍ: أخبرني سليمان بن بلالٍ، عن سُهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة ، أن النبي كان إذا كان في سفرٍ وأَسْحَرَ يقول: سمع سامعٌ بحمد الله وحُسن بلائه علينا، ربَّنا صاحِبْنا وأفضِلْ علينا، عائذًا بالله من النار [16].

الشرح:

هذا الحديث حديث أبي هريرة ، أن النبي كان إذا كان في سفرٍ وأسحر، “أسحر” يعني: أتى وقتُ السحر، وهو آخر الليل، قال: سمَّع سامعٌ وفي لفظٍ: سمِع سامعٌ، وقد رُوي بالوجهين؛ روي بتشديد الميم: سمَّع سامعٌ بفتح الميم من سمَّع، والوجه الثاني: سمِع سامعٌ، واختار القاضي عياض التشديد سمَّع سامعٌ وأشار إلى أنها رواية أكثر رواة مسلمٍ؛ فيكون الأظهر في ضبط الحديث: سمَّع سامعٌ.

ومعنى سمَّع يعني: بلَّغ سامعٌ قولي هذا لغيره، وقال مثله تنبيهًا على الذكر في السحر، والدعاء في ذلك.

وسمَّع سامعٌ، قال: بحمد الله، يعني: شهد شاهدٌ على حمدنا لله على نعمه وحسن بلائه، هذا معنى الحديث: سمَّع سامعٌ بحمد الله وحسن بلائه علينا.

ربنا صاحبنا يعني: احفظنا وأَحِطنا برعايتك، واكلأنا بعنايتك، ربَّنا صاحِبْنا وأَفضِل علينا يعني: تفضل علينا، واصرف عنا المكروه.

عائذًا بالله من النار: وهذا حالٌ منصوبٌ، أي: أقول هذا في حال استعاذتي واستجارتي بالله من النار.

هذا الدعاء بهذا الأسلوب ليس معتادًا في الأدعية، لكنه هكذا ورد، وهو كان دعاءً في السفر: سمَّع سامعٌ بحمد الله وحسن بلائه علينا، ربَّنا صاحبنا، وأفضل علينا، عائذًا بالله من النار.

كان النبي يكثر من سؤال الله المغفرة

حدثنا عبيدالله بن معاذٍ العنبري: حدثنا أبي: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه، عن النبي  أنه كان يدعو بهذا الدعاء: اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جِدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكلُّ ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيءٍ قديرٌ [17].

وحدثَّنَاه محمد بن بشارٍ: حدثنا عبدالملك بن الصبَّاح المِسْمَعي: حدثنا شعبة، بهذا الإسناد.

الشرح:

النبي كان يُكثر من سؤال الله المغفرة، وَرَدَ هذا في أدعيةٍ كثيرةٍ، وهذا يدل على عظيم شأن هذا الدعاء -سؤال الله المغفرة- مع أنه عليه الصلاة والسلام قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لكنه كان يقول ذلك تواضعًا لله ، فسؤال الله تعالى المغفرة من أعظم الأدعية؛ ولذلك يشرع للمصلي في الجلسة بين السجدتين أن يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، يكررها، والذي قد ورد في ذلك هو حديث حذيفة ، أن النبي كان يقول بين السجدتين: رب اغفر لي، رب اغفر لي، يكررها [18].

وجاء في حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما: رب اغفر لي وارحمني، واهدني وارزقني، واجبرني وعافني [19]، لكن هذا الحديث في سنده مقالٌ، وهو غير محفوظٍ، من جهة الصناعة الحديثية غير ثابتٍ، والمحفوظ هو حديث حذيفة .

لكن هذا المقام مقام دعاءٍ؛ فلو دعا بين السجدتين بأي دعاءٍ فلا بأس، ولكن الأفضل والأقرب للسنة: أن يقتصر على قول: “رب اغفر لي”، يكررها، فبين السجدتين تقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، تكررها، والأحسن أن تكررها عشر مراتٍ؛ مثل التسبيح في الركوع والسجود الأفضل أن يكون عشر مراتٍ، فتكرر: رب اغفر لي، عشر مراتٍ، هذا هو الأفضل والأكمل.

فكان عليه الصلاة والسلام يُكثر من سؤال الله المغفرة على وجه الإجمال وعلى وجه التفصيل؛ على وجه الإجمال -كما ذكرنا- كان يقول: رب اغفر لي، وعلى وجه التفصيل -كما في هذا الحديث- يقول: اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، وهذا كله ألفاظٌ مترادفةٌ للذنب والمعصية: خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري.

اللهم اغفر لي جِدي وهزلي، وخطئي وعمدي يعني: كل الذنوب التي وقعتُ فيها على سبيل الجِد أو الهزل، أو الخطأ أو العمد.

وكلُّ ذلك عندي: قاله على سبيل التواضع.

اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت يعني: جميع الذنوب وما أنت أعلم به مني.

أنت المقدم وأنت المؤخر: معنى أنت المقدم، وأنت المؤخر: أي: تقدم من تشاء من خلقك، وتؤخر من تشاء، وأنت على كل شيءٍ قديرٌ.

فهذا من الأدعية المأثورة العظيمة التي كان النبي يدعو بها، فينبغي للمسلم أن يأخذ هذه الأدعية، وأن يحرص على أن يحفظها، يكتبها مثلًا في ورقةٍ ونحو ذلك، هذه الأدعية المأثورة، ويكررها حتى يحفظها، ويأتي بها بعد ذلك في مواضع الأدعية، وخاصةً السجود، الذي أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجدٌ.

دعاءٌ يجمع للداعي خيري الدنيا والآخرة

حدثنا إبراهيم بن دينارٍ: حدثنا أبو قَطَنٍ عمرو بن الهيثم القُطَعي، عن عبدالعزيز بن عبدالله بن أبي سلمة الماجشون، عن قدامة بن موسى، عن أبي صالحٍ السمَّان، عن أبي هريرة ، قال: كان رسول الله يقول: اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كل خيرٍ، واجعل الموت راحةً لي من كل شرٍّ [20].

نعم، هذا الدعاء من جوامع الأدعية، دعاءٌ عظيمٌ، يجمع للداعي خيري الدنيا والآخرة، يقول فيه النبي : اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، فيسأل الله تعالى أن يصلح له دينه؛ وذلك بأن يوفقه لعبادة الله كما يحب ويرضى، وأن يجنبه مضلات الفتن أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري.

وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، أي: أن يسأل الله تعالى أن يصلح له دنياه، وأن ييسر له الرزق؛ لأن المسلم إذا تيسر له الرزق، وصلحت له دنياه، كان ذلك عونًا له على العبادة، لكن إذا لم تصلح له دنياه، وكان يعيش في قلقٍ وكَدَرٍ، أو كان مشغولًا طوال الوقت بكسب لقمة العيش، فهذا له أثره على عبادته، وعلى طلبه للعلم ونحو ذلك؛ ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله من جهد البلاء، كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من جَهْد البلاء، ودَرَك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء [21]، فجهد البلاء هو الشيء الذي يجهد الإنسان، بحيث يشغله ويقلقه، ويكدر خاطره، ومثَّل بعض السلف لذلك بقلة المال وكثرة العيال، قالوا: هذا من جهد البلاء، كثرة العيال وقلة المال، إذا كان عند الإنسان قلة مالٍ وكثرة عيالٍ، هذا يدخل في جهد البلاء.

وأيضًا من أمثلة جهد البلاء: العمل الذي يستغرق وقت الإنسان، تجد بعض الناس من الصباح إلى أن يمسي وهو في عملٍ، وعملٍ شديدٍ وثقيلٍ، هذا من جهد البلاء أيضًا، ونحو ذلك من الأمور التي تثقل على الإنسان وتجهده.

فكان عليه الصلاة والسلام يقول: أصلح لي دنياي التي فيها معاشي، إذا أصلح الله دنيا الإنسان يعيش مستقرًا قرير العين، يؤدي العبادة بخشوعٍ وخضوعٍ وحضور قلبٍ.

والثراء ليس مذمومًا، إنما الذم لمن يجعل الدنيا والمال في قلبه، لكن إذا جعلها في يده، ولم يجعلها في قلبه، فهذا ليس بمحل ذمٍّ؛ ولذلك نصف العشرة المبشرين بالجنة، أو أكثر من النصف من أثرياء الصحابة ؛ فلا تعارض بين الثراء وبين الصلاح والتقوى، لا يلزم أن يكون الصالح فقيرًا، قد يكون غنيًّا، لكن المهم أن يجعل الدنيا في يده وليس في قلبه.

ومن علامة ذلك، إذا جعل في الدنيا في يده وليس في قلبه: أنها لا تشغله عن طاعة الله ، وإذا تعارض أمر الدنيا والآخرة قدم أمر الآخرة على أمر الدنيا.

فكان عليه الصلاة والسلام يسأل الله تعالى أن يصلح له دنياه: وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي.

وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي: وذلك بالاستعداد للآخرة بالأعمال الصالحة والتزود بزاد التقوى.

واجعل الحياة زيادةً لي في كل خيرٍ، واجعل الموت راحةً لي من كل شرٍّ: الحياة تكون زيادةً للمسلم إذا حسن عمله؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: خيركم من طال عمره وحسن عمله [22]؛ لأن الإنسان مع طول العمر يزداد أعمالًا صالحةً، وأما إذا ساء عمله؛ فطول العمر يكون نقمةً؛ لأنه تزداد به الذنوب.

ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق: خيركم من طال عمره وحسن عمله؛ وشركم من طال عمره وساء عمله، فطول العمر مع حسن العمل نعمةٌ؛ وطول العمر مع سوء العمل نقمةٌ؛ لأنه تكثر ذنوبه وسيئاته؛ ولذلك ينبغي إذا دعوت لأحدٍ بطول العمر أن تقيد ذلك بأن تقول: على طاعة الله، تقول: أطال الله عمرك على طاعته، ولا تقل: أطال الله عمرك، من غير تقييدٍ؛ لأن طول العمر مع سوء العمل نقمةٌ؛ كأنك تدعو عليه، لكن إذا قيدت ذلك بـ”على طاعة الله”؛ كان هذا دعاءً له بطول العمر مع حسن العمل.

واجعل الحياة زيادةً لي في كل خيرٍ، وقد جاء في الحديث الصحيح: أن رجلين من بَلِيٍّ [23]، استشهد أحدهما، وعاش بعده الآخر سنةً، فرآهما رجلٌ من الصحابة في المنام، فرأى الذي مات بعد الأول بسنةٍ في درجةٍ في الجنة أعلى من الأول؛ فاستَشكل ذلك، كيف الأول يموت شهيدًا، والثاني يموت بعده بسنةٍ على فراشه، والثاني في درجةٍ أعلى من الأول، فذكر ذلك للنبي ، فقال له النبي : أليس قد صام بعده رمضان، وصلى ستة آلاف ركعةٍ، أو كذا وكذا ركعةً [24].

لاحِظ هنا، هذه العبادات رفعته حتى صار أعلى درجةً من ذلك الشهيد، مع أن ذلك قُتل في سبيل الله، وهذا يدل على أن طول العمر مع حسن العمل نعمة من الله ؛ لأنه يزداد رصيده من الحسنات، وتكثر حسناته.

فكان عليه الصلاة والسلام يقول: واجعل الحياة زيادةً لي في كل خيرٍ يعني: توفقني بطول العمر مع حسن العمل، واجعل الموت راحةً لي من كل شرٍّ، وأيضًا الحياة قد يكون فيها فتنٌ، فتسأل الله تعالى إذا كان الموت خيرًا لك أن الله يقبض روحك ولا يعرضك لهذه الفتن؛ لأن بعض الناس قد يفتن في آخر عمره؛ يقع في فتن الشبهات أو فتن الشهوات، فيسأل الله تعالى أن يجعل الموت راحةً له من كل شرٍّ، خاصةً من الفتن المضلة.

فانظر إلى هذا الدعاء العظيم كيف جمع هذه المعاني! ولذلك ينبغي للمسلم أن يحرص عليه، اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خيرٍ، واجعل الموت راحةً لي من كل شرٍّ.

من أعظم الأدعية سؤال الله تعالى الهدى والتقى والعفاف والغنى

حدثنا محمد بن المثنَّى ومحمد بن بشارٍ، قالا: حدثنا محمد بن جعفرٍ: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبدالله عن النبي  أنه كان يقول: اللهم إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى [25].

وحدثنا ابن المثنَّى وابن بشارٍ، قالا: حدثنا عبدالرحمن، عن سفيان، عن أبي إسحاق، بهذا الإسناد مثله، غير أن ابن المثنَّى قال في روايته: والعفة.

الشرح:

نعم، هذا أيضًا من الأدعية العظيمة التي كان النبي يدعو بها، وهو من جوامع الدعاء: اللهم إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى.

أسألك الهدى يعني: هداية الله ؛ فإن من أعظم الأدعية أن تسأل الله تعالى الهدى والهداية؛ ولذلك المصلي في كل ركعةٍ يصليها يقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]؛ لأن الإنسان بحاجةٍ عظيمةٍ إلى هذا الدعاء، أن الله تعالى يهديه، وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء، فيسأل اللهَ تعالى المسلمُ الهداية والهدى.

والأمر الثاني: التُّقَى، أن الله تعالى يجعلك تقيًّا؛ فإن ميزان التفاضل بين الناس هو التقوى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، فتسأل الله تعالى أن يرزقك التقوى والتقى، وأن تكون متقيًا لله سبحانه.

والمسألة هي مسألة توفيقٍ من الله ، وليس..، مسألة التقوى والهدى هي مسألة توفيقٍ من الله سبحانه، ليست ترجع لاجتهاد الإنسان، ولا لذكائه، ولا لفهمه، ولا لعلمه، إنما هو توفيقٌ من الله سبحانه.

ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله: تجد رجلًا من أذكى الناس، ومع ذلك لم يهتد ولم يوفق، وتجد رجلًا أقل منه ذكاءً يهديه الله تعالى ويوفقه، فهذا الثاني خيرٌ من الأول، وإن كان الأول أذكى، وربما يكون أكثر ثقافةً وعلمًا وحدة ذكاءٍ، لكنه لم يرزق التوفيق، بينما الثاني رزق التوفيق، ووفقه الله تعالى للهدى والتقى، فالمسألة هي مسألة توفيقٍ من الله سبحانه.

والأمر الثالث: العفاف، تسأل الله العفة؛ العفة عن الحرام، العفة عن الزنا، والعفة عن أكل المال الحرام، والعفة عن كل ما هو محرمٌ؛ فإن العفة وصف شرفٍ للإنسان، خاصةً مع كثرة الفتن، يسأل المسلم ربه أن يرزقه العفاف، وأن يجعله عفيفًا بعيدًا عن الفواحش، ما ظهر منها وما بطن، وبعيدًا عن الحرام.

والأمر الرابع: الغِنى، والمقصود به: غنى النفس؛ فهو الغنى الحقيقي، وإلا لو كان الإنسان يملك ثروة طائلةً لكنه ليس عنده غنى النفس؛ يبقى فقيرًا، وإذا كان غني النفس حتى وإن كان فقيرًا؛ يعتبر في حقيقة الأمر غنيًّا؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: ليس الغنى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النفس [26].

ولهذا تجد بعض الناس من الأثرياء لكنه بخيلٌ وفقيرٌ، فالناس ينظرون له نظرة عطفٍ، يقولون: هذا إنسانٌ محرومٌ، يرثون لحاله؛ لأنه يجمع هذه الأموال وهذه الثروة للورثة، فهو محرومٌ منها، حرم نفسه منها، وحرم أولاده وأسرته منها، ويجمعها للورثة من بعده، فهذا من قلة التوفيق، وهذا في الحقيقة لا يعتبر غنيًّا وإن كان ذا ثروةٍ، يعتبر فقيرًا؛ لأنه فقير النفس، فالغنى الحقيقي: هو غنى النفس؛ ولذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام يسأل الله تعالى الغنى.

فهذا الدعاء -لاحِظْ- لا يتجاوز نصف سطرٍ، لكنه دعاءٌ جامعٌ عظيمٌ: اللهم إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى، فاحرص على أن تكثر من هذا الدعاء؛ فإنه يجمع لك هذا الخير العظيم، أن الله تعالى يرزقك الهدى، ويرزقك تقواه، ويرزقك العفة، ويرزقك غنى النفس.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم ومحمد بن عبدالله بن نميرٍ -واللفظ لابن نميرٍ، قال إسحاق: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا- أبو معاوية، عن عاصمٍ، عن عبدالله بن الحارث، وعن أبي عثمان النهدي، عن زيد بن أرقم، قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله يقول، قال: كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن نفسٍ لا تشبع، ومن دعوةٍ لا يستجاب لها [27].

الشرح:

نعم، هذا الدعاء جمع هذه المعاني، كان النبي يقول: اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والبخل والجبن.

العجز: أن الإنسان يعجز عن فعل الخير، والكسل: أنه لا يريد أن يفعل الخير، والجبن: أنه لا يريد نفع الآخرين ببدنه، والبخل: لا يريد نفع الآخرين بماله.

فكان عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله تعالى من هذه الأمور، فبعض الناس يعجز عن فعل الخير، يكون عاجزًا، يكون مثلًا في بيته يسمع الأذان ولا يصلي في المسجد مع الجماعة، عجزٌ، أو أنه كسلٌ لا يريد ذلك، لا يريد أن يصلي مع الجماعة.

والجبن والبخل: يكون جبانًا لا يريد نفع نفسه ولا نفع الآخرين، بعيدًا عن الشجاعة، والبخل أيضًا يبخل على نفسه، ويبخل على غيره، فهذه من الأخلاق المذمومة التي كان النبي يستعيذ بالله منها.

كذلك الهَرَم، والهرم معناه كما جاء في الأحاديث الأخرى: أن يُرَدَّ إلى أرذل العمر، كان عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله من أن يرد إلى أرذل العمر [28]، أرذل مراحل عمر الإنسان هي هذه الحال؛ أن يتقدم به السن، ويفقد عقله، فيُرَد إلى أرذل العمر.

فحتى هذه المرحلة أرذل من مرحلة الطفل الذي ولد؛ لأن الطفل الذي ولد تجد أن أهله يستبشرون به، ويؤملون فيه، لكن إذا بلغ هذه المرحلة من العمر، فربما يُثقِل على أهله وعلى أسرته في خدمته وفي تنظيفه، ونحو ذلك.

فكان عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله تعالى من أن يصل إلى هذه المرحلة، مرحلة الهرم، وأن يرد إلى أرذل العمر؛ ولذلك من الأدعية العظيمة: أن المسلم يسأل الله تعالى أن يعيذه من الهرم، ومن أن يرد إلى أرذل العمر.

وعذاب القبر: كان عليه الصلاة والسلام يُكثر من الاستعاذة بالله تعالى من عذاب القبر، وأهل السنة والجماعة يثبتون نعيم القبر وعذابه، ونعيم القبر وعذابه يكون للروح، أما البدن فإنه يأكله التراب، ولا يبقى منه إلا عَجْب الذَّنَب، كما قال عليه الصلاة والسلام.

ما هو عجب الذنب الذي يبقى؟

البدن إذا دُفن الإنسان في قبره؛ تبدأ الديدان تنهشه وتأكله، ويصبح ترابًا، لا يبقى من هذا الإنسان إلا عجب الذنب، فما هو عجب الذنب؟

طالب:

الشيخ: نعم، العُصعُص الذي هو آخر العمود الفقري، هذا يعني صغيرٌ جدًّا، ولا يرى حتى بالعين المجردة سبحان الله! ومنه يركب الخلق يوم القيامة.

فكل الناس يصبحون ترابًا بعد موتهم، إلا الأنبياء ومن شاء الله من الصديقين والشهداء والصالحين، أعلاهم درجة الصديقون، يليهم الشهداء، يليهم الصالحون، فهؤلاء لا تأكل الأرض أجسادهم، ومن عداهم -وهم الأكثر- يصبحون ترابًا.

فيكون نعيم القبر وعذابه على الروح، يكون على الروح، وأما البدن فإن البدن يبلى، فالمؤمن ينعم في قبره؛ والكافر يعذب في قبره، وقد يعذب أيضًا حتى المسلم، إذا كان من أصحاب الكبائر قد يعذب في قبره، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن من أسباب عذاب القبر النميمة، وأيضًا عدم الاستنزاه من النجاسة، فكان عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله من عذاب القبر.

ثم قال: اللهم آت نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن نفسٍ لا تشبع يعني: هنا سَجعٌ، فما حكم السجع في الدعاء؟

قال النووي رحمه الله: “هذا الحديث وغيره من الأدعية المسجوعة دليلٌ لما قاله العلماء من أن السجع المذموم في الدعاء هو المتكلَّف؛ فإنه يُذهب الخشوع والخضوع والإخلاص، ويُلهِي عن الضراعة والافتقار وفراغ القلب، وأما ما حصل بلا تكلفٍ ولا إعمال فكرٍ؛ لكمال الفصاحة ونحو ذلك، أو كان محفوظًا، فلا بأس، بل هو حسنٌ”.

فهذا الدعاء وإن كان فيه سجعٌ إلا أنه غير متكلفٍ، فإذا كان السجع غير متكلفٍ فهو -كما قال النووي رحمه الله- حسنٌ، إنما الأدعية المتكلفة: التي يتكلف الإنسان في الإتيان بلفظةٍ بعيدةٍ لأجل السجع، فهذا هو المذموم، وأما ما ورد في الحديث فهذا من السجع الحسن، وليس من السجع المذموم.

فقال عليه الصلاة والسلام: اللهم آت نفسي تقواها، يعني: يسأل الله التقوى، وزكِّها أنت خير من زكاها يعني: زكِّ نفسي، وإذا زَكَت النفس أفلحت؛ كما قال سبحانه: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9]، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى:14]، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، والله تعالى مولى المؤمنين، وهو خالق كل شيءٍ.

اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع: كان عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله تعالى من العلم الذي لا ينفع، وما أكثر العلوم التي لا تنفع، هناك علومٌ لا تنفع الإنسان، لا في أمور دينه ولا دنياه، فهذه ينبغي أن يستعيذ المسلم بالله تعالى منها؛ لأنها تُضِيع عليه وقته، وتُذهب عليه عمره، وتشغله عن طاعة الله ، وهو علمٌ لا ينفع.

ومن قلبٍ لا يخشع: القلب القاسي الذي لا يخشع، كان النبي يستعيذ بالله منه.

ومن نفسٍ لا تشبع: المقصود بذلك: أن تكون نفسه متصفةً بالحرص والطمع والشره، وهذه صفةٌ مذمومةٌ، وصفةٌ رذيلةٌ، أن يكون الإنسان شَرِهًا طماعًا، حريصًا جموعًا منوعًا، هذه ليست من أخلاق المؤمنين -النفس التي لا تشبع- وهذا موجودٌ، ترون في المجتمع من يتصف بهذه الصفة، يكون طماعًا..، شرهًا، متعلقًا بالمال تعلقًا شديدًا؛ ولذلك لا تجد للتسامح عنده مجالًا.

ومن نفسٍ لا تشبع، ومن دعوةٍ لا يستجاب لها، يعني: أدعو الله تعالى ولا يستجاب لي؛ كأنه يدعو الله تعالى أن يجعله مستجاب الدعوة وأن يستجيب دعاءه.

من أدعية الصباح والمساء

حدثنا قتيبة بن سعيدٍ: حدثنا عبدالواحد بن زيادٍ، عن الحسن بن عبيدالله: حدثنا إبراهيم بن سويد النخعي: حدثنا عبدالرحمن بن يزيد، عن عبدالله بن مسعودٍ قال: كان رسول الله إذا أمسى قال: أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له قال الحسن: فحدثني الزُّبَيْد أنه حفظ عن إبراهيم في هذا: له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، اللهم إني أسألك خير هذه الليلة، وأعوذ بك من شر هذه الليلة وشر ما بعدها، اللهم إني أعوذ بك من الكسل وسوء الكِبَر، اللهم إني أعوذ بك من عذابٍ في النار وعذابٍ في القبر [29].

حدثنا عثمان بن أبي شيبة: حدثنا جريرٌ، عن الحسن بن عبيدالله، عن إبراهيم بن سويد، عن عبدالرحمن بن يزيد، عن عبدالله، قال: كان نبي الله إذا أمسى قال: أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، قال: أُراه قال فيهن: له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكِبَر، رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر، وإذا أصبح قال ذلك أيضًا: أصبحنا، وأصبح الملك لله [30].

الشرح:

نعم، هذا من أدعية الصباح والمساء، وفي روايةٍ أخرى، نعم أكمل.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن الحسن بن عبيدالله، عن إبراهيم بن سويدٍ، عن عبدالرحمن بن يزيد، عن عبدالله، قال: كان رسول الله ، إذا أمسى قال: أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، اللهم إني أسألك من خير هذه الليلة وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها، اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهَرَم وسوء الكِبَر، وفتنة الدنيا وعذاب القبر.

قال الحسن بن عبيدالله: وزادني فيه زُبَيدٌ، عن إبراهيم بن سويدٍ، عن عبدالرحمن بن يزيد، عن عبدالله، رَفَعَه، أنه قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ [31].

الشرح:

نعم، هذا من أذكار الصباح والمساء، وأذكار الصباح والمساء ينبغي أن يحرص عليها المسلم، وأن يحافظ عليها؛ فإنها حصنٌ حصينٌ للمسلم، يتحصن بهذه الأذكار من الشرور؛ فإن الإنسان خلق ضعيفًا.

ولكن من رحمة الله أن جعل هذه الأذكار حصنًا يتحصن بها من الشرور، من شر شياطين الجن والإنس، ومن الشرور الموجودة في هذا الكون، فإذا حافظ على هذه الأذكار، فإن هذا من أسباب حفظه وعدم وقوع المكروه له.

ولهذا ذُكر عن أبي العباس القرطبي رحمه الله أنه قال: ما نزلتُ منزلًا إلا قلت فيه: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم؛ طوال عمري، فلم أصب بشيءٍ، وذات ليلةٍ نسيت أن آتي بهذا الذكر؛ فلدغتني عقربٌ.

فهذا يدل على أن هذه الأذكار حصنٌ حصينٌ للمسلم؛ ولذلك ينبغي أن يحرص المسلم على أن يأتي بأذكار الصباح بعد صلاة الفجر، وأن يأتي بأذكار المساء بعد صلاة العصر، فهذا هو أفضل وقتٍ للإتيان بهذه الأذكار، أذكار الصباح، بعدما يأتي بأذكار صلاة الفجر؛ يأتي بعد ذلك بأذكار الصباح، ومنها هذا الذكر الذي بين أيدينا، وإذا صلى صلاة العصر يأتي بأذكار المساء، ومنها أيضًا هذا الذكر الذي بين أيدينا.

ومن أفضل الكتب المصنفة في أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم: كتاب “تحفة الأخيار” لشيخنا عبدالعزيز بن بازٍ رحمه الله، فهو كُتيبٌ صغير الحجم، عظيم النفع، وقد اشترط الشيخ -كما ذكر في مقدمة الكتاب- ألا يذكر فيه إلا أذكارًا ثابتةً بإسنادٍ صحيحٍ أو حسنٍ، فيمكن من لم يحفظ أذكار الصباح وأذكار المساء أن يأخذ هذه الأذكار مثلًا من هذا الكتاب، ولو أن يقرأها من الكتاب، حتى يحفظها، لكن لا يدع هذه الأذكار، هذه حصنٌ لك تتحصن بها من الشرور.

ومن ذلك أيضًا: أن تقرأ آية الكرسي، وسورة الإخلاص والمعوذتين، مع أذكار الصباح والمساء، فهذه يستحب قراءتها مع أذكار الصباح والمساء، ويستحب قراءتها دبر كل صلاةٍ، وأن تكرر بعد صلاة الفجر والمغرب ثلاث مراتٍ، بالنسبة لسورة الإخلاص والمعوذتين.

ولو أخذنا على سبيل المثال المعوذتين؛ سورة الفلق وسورة الناس، سبحان الله! كتابتهما في المصحف لا تتجاوز نصف صفحةٍ، ولكن كما قال الإمام ابن القيم: قد تضمنتا هاتان السورتان الاستعاذة بالله تعالى من جميع الشرور في الدنيا، أي شرٍّ في الدنيا يخطر ببالك، تجد أن هاتين السورتين قد تضمنتا الاستعاذة بالله منه.

سبحان الله! هذا من عظمة القرآن، من إعجاز القرآن، هاتان السورتان لا تتجاوز كتابتهما في المصحف نصف صفحةٍ، ومع ذلك قد تضمنتا الاستعاذة بالله من جميع الشرور التي في الدنيا، أي شرٍّ يخطر ببالك، تجد أن هاتين السورتين قد تضمنتا الاستعاذة بالله تعالى منه، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ۝مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ [الفلق:1-2]، يعني: من جميع الشرور التي في المخلوقات، وهكذا أيضًا بقية أذكار الصباح والمساء.

فينبغي أن يحرص المسلم عليها، وهكذا أيضًا أذكار النوم؛ فإنها -بإذن الله تعالى- تحفظ المسلم، وكما قال، كما جاء في حديث أبي هريرة : “إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، لن يزال عليك من الله حافظٌ، ولا يقربك شيطانٌ حتى تصبح” [32].

هذا الذكر الذي ذكره الإمام مسلمٌ هنا، هذا من أذكار الصباح والمساء، إذا أمسى، قال: أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، اللهم إني أسألك خير هذه الليلة وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر هذه الليلة وشر ما بعدها، اللهم إني أعوذ بك من الكسل.

فأولًا: تأتي بهذا التهليل أولًا: أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، ثم تقول: اللهم إني أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها، فتسأل الله من خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر هذه الليلة وشر ما بعدها.

ثم رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكِبَر: ورُوي: سوء الكِبْر، لكن الصواب -كما قال القاضي وغيره والخطابي- أنها: الكِبَر، وليس الكِبْر.

وسوء الكِبَر: المقصود بها: الهَرَم، وأن يُرَدَّ الإنسان إلى أرذل العمر.

ولاحِظْ كيف تكرر الدعاء بالاستعاذة بالله ، لاحِظْ كيف تكررت الاستعاذة بالله تعالى من سوء الكبر ومن الهرم، ومن أن يُرَدَّ إلى أرذل العمر.

وأعوذ بك من الكسل؛ لأن الكسل هو الذي يعيق الإنسان عن فعل الطاعات، فمثلًا الذي لا يصلي مع الجماعة في المسجد، من أبرز الأسباب: الكسل، كسلان، وتجد أنه ليس عنده شغلٌ، جالسٌ في البيت عند التلفاز، أو جالسٌ عند (النت)، ويسمع الناس يصلون في المسجد، وهو لا يصلي، من أبرز الأسباب: الكسل، فكان عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله من الكسل وسوء الكِبَر.

رب أعوذ بك من عذابٍ في النار وعذابٍ في القبر: فهذا الدعاء من الأدعية التي تقال عند المساء، وأيضًا تقال عند الصباح، لكن عند الصباح بدل أن تقول: أمسينا وأمسى الملك لله..، تقول: أصبحنا وأصبح الملك لله، بدل: أمسينا وأمسى الملك لله، تقول: أصبحنا، وأصبح الملك لله..

فاحفظوا هذا الدعاء، فينبغي لطالب العلم إذا سمع هذه الأدعية أن يحفظها وأن يطبقها، في الصباح تأتي بهذا الدعاء، لكن تقول: أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له.. إلى آخره، وفي المساء تقول: أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله، لا إله إلا الله.. إلى آخره.

فينبغي أن يحرص المسلم على الإتيان بهذه الأذكار، وأيضًا بقية أذكار الصباح والمساء.

حدثنا قتيبة بن سعيدٍ: حدثنا ليثٌ، عن سعيد بن أبي سعيدٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة ، أن رسول الله  كان يقول: لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده [33].

الشرح:

نعم، كان عليه الصلاة والسلام يأتي بهذا الذكر: لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، هذا في غزوة الأحزاب، التي هي غزوة الخندق، فإن الله أرسل على الأحزاب جنودًا وريحًا لم تروها؛ لأن الأحزاب تحزبت، تريد أن تستأصل النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه .

واجتمعت قريشٌ واليهود، ومن معهم من المنافقين، وتحزبوا جميعًا للقضاء على دولة الإسلام في ذلك الوقت على النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه ، فأرسل الله عليهم ريحًا اقتلعتهم، وأرسل جنودًا لم يروها.

فقوله: أعز جنده، يعني المقصود: في ذلك المقام وفي غيره، ونصر عبده يعني: رسوله ، وغلب الأحزاب وحده جل وعلا فلا شيء بعده.

كان عليه الصلاة والسلام يقول هذا عند الصفا والمروة، فكان عند بداية كل شوطٍ من أشواط السعي يستقبل القبلة، ويرفع يديه، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو، ويكرر ذلك ثلاث مراتٍ، وهكذا أيضًا عند المروة.

حدثنا أبو كُريبٍ محمد بن العلاء: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت عاصم بن كُليبٍ، عن أبي بردة، عن عليٍّ، قال: قال لي رسول الله : قل: اللهم اهدني وسددني، واذكر بالهدى هدايتَك الطريق، والسدادِ سدادَ السهم.

وحدثنا ابن نُميرٍ: حدثنا عبدالله -يعني ابن إدريس- أخبرنا عاصم بن كُليبٍ، بهذا الإسناد، قال: قال لي رسول الله : قل: اللهم إني أسألك الهدى والسداد، ثم ذكر بمثله [34].

الشرح:

نعم، هذا الحديث يقول فيه عليه الصلاة والسلام لعليٍّ : قل: اللهم اهدني وسددني، اهدني: من الهداية، كما ذكرنا، تكرر الدعاء بالهداية؛ لأن الإنسان مضطرٌّ إلى هداية الله ​​​​​​​.

وسددني المقصود بالسداد: يعني الاستقامة في الأمور كلها، أي: وفقني وسددني في جميع أموري.

قال: واذكر بالهدى هدايتَك الطريق، يعني: عندما تدعو الله ؛ كن مستحضرًا لمعنى ما تدعو به، عندما تقول: أسألك الهدى، اذكر هدايتك الطريق، وأن الله تعالى يهديك الصراط المستقيم.

واذكر أيضًا عندما تقول: وسددني، سداد السهم، عندما ترسل السهم، ويسدَّد السهم ويقع في الشيء الذي قصدته برمي السهم، فتسأل الله تعالى أن يسددك في أقوالك وأعمالك وجميع أمورك.

فقوله: واذكر، يعني: استحضر معنى ما تدعو به، استحضر معنى الهدى، واستحضر معنى السداد، وهكذا أيضًا في بقية الأدعية، عندما يدعو المسلم ربه ينبغي أن يحرص على أن يدعو الله تعالى بحضور قلبٍ، وأن يستحضر معنى ما يدعو به، وألا يدعو الله تعالى بقلبٍ غافلٍ لاهٍ.

باب التسبيح أول النهار وعند النوم

باب التسبيح أول النهار وعند النوم

حدثنا قتيبة بن سعيدٍ وعمرٌو الناقد وابن أبي عمر -واللفظ لابن أبي عمر- قالوا: حدثنا سفيان، عن محمد بن عبدالرحمن، مولى آل طلحة، عن كريبٍ، عن ابن عباسٍ، عن جويرية، أن النبي خرج من عندها بكرةً حين صلى الصبح، وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى، وهي جالسةٌ، فقال: ما زلتِ على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم، قال النبي : لقد قلتُ بعدك أربع كلماتٍ، ثلاث مراتٍ، لو وُزنَتْ بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته [35].

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريبٍ وإسحاق، عن محمد بن بشرٍ، عن مسعرٍ، عن محمد بن عبدالرحمن، عن أبي رِشدِينَ، عن ابن عباسٍ، عن جويرية، قالت: مر بها رسول الله حين صلى صلاة الغداة، أو بعدما صلى الغداة، فذكر نحوه، غير أنه قال: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته.

الشرح:

هذا يسميه العلماء الذكر المضاعف، وأصله هذا الحديث، حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما، عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها، إحدى أمهات المؤمنين، أن النبي خرج من عندها بكرةً حين صلى الصبح.

الغالب أن النبي إذا صلى صلاة الصبح يبقى في مصلاه حتى تطلع الشمس، هذا هو الغالب، لكن كان أحيانًا يخرج بعد صلاة الصبح مباشرةً، كما في هذا الحديث.

فخرج بكرةً حين صلى الصبح، وهي في مسجدها، يعني: في مكانها الذي صلت فيه صلاة الفجر، ثم رجع بعد أن أضحى، يعني: بعدما ارتفعت الشمس، يعني بعد قرابة ثلاث ساعاتٍ تقريبًا، وهي جالسةٌ.

فقال: ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟، يعني: تسبحين، بقيتْ جويرية رضي الله عنها تسبح من صلاة الفجر إلى أن أضحت، تسبح قرابة ثلاث ساعاتٍ.

قالت: نعم، قال النبي : لقد قلتُ بعدك أربع كلماتٍ ثلاث مراتٍ، لو وُزنَتْ بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهن، يعني: هذا الذكر المضاعف يعدل في الأجر والثواب الذكر الذي أتت به أم المؤمنين جويرية رضي الله عنها ثلاث ساعاتٍ أو تزيد، وهو: سبحان الله وبحمده….

قال أولًا: لقد قلتُ بعدك أربع كلماتٍ ثلاث مراتٍ يكرر ثلاث مراتٍ، سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.

سبحان الله وبحمده عدد خلقه: خَلْقُ الله عددٌ كثيرٌ لا يحصيهم إلا الله، ورضا نفسه يعني: ما يُرضِي به الله ، يعني: تسبيحًا وحمدًا يُرضِي الله ، يَرضَى به سبحانه.

وزنة عرشه: العرش هو أعظم المخلوقات، وقد جاء عند أبي داود بسندٍ صحيحٍ: أن النبي قال: أُذِن لي أن أحدث عن ملكٍ من حملة العرش، ما بين أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمئة سنةٍ [36]، إذا كانت هذه عظمة مخلوقٍ، فكيف بعظمة الخالق؟! وإذا كان هذا الملك أحد حملة العرش الثمانية، ما بين أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمئة سنةٍ، فكيف بعظمة العرش؟! وما هذه السماوات السبع والأرضين بالنسبة للكرسي -الذي هو موضع قدمي الرب- إلا كحلقةٍ ألقيت في صحراء، وما الكرسي بالنسبة للعرش إلا كحلقةٍ ألقيت في صحراء، فأنت تسبح الله تعالى تسبيحًا زنة عرشه.

ومداد كلماته: كلمات الله تعالى لا يحصيهن إلا الله، قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [الكهف:109]، فكلمات الله تعالى لا تنفد، فهذا الذكر ذكرٌ عظيمٌ، ينبغي أن يحرص عليه المسلم كل يومٍ، ينبغي أن تأتي به كل يومٍ، وأن تكرره ثلاث مراتٍ: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، سبحان الله وبحمده زنة عرشه، سبحان الله وبحمده رضا نفسه، سبحان الله وبحمده مداد كلماته، تقول ذلك ثلاث مراتٍ.

ولا بأس أيضًا أن تجعل هذه الصيغة في الأذكار الأخرى، فتقول: الحمد لله عدد خلقه، الحمد لله زنة عرشه، لا إله إلا الله عدد خلقه، لا إله إلا الله زنة عرشه، لا إله إلا الله رضا نفسه، لا إله إلا الله مداد كلماته، الله أكبر عدد خلقه، الله أكبر زنة عرشه، الله أكبر رضا نفسه، الله أكبر مداد كلماته، لا بأس أن تستخدم هذه الصيغة في الأذكار الأخرى، فهذا يسميه العلماء: “الذكر المضاعف”، وهذا يدل على فضل الفقه في الدين؛ لأن الذي عنده فقهٌ في الدين يأتي بهذا الذكر المضاعف، ويَعدِل بالثواب والأجر مقدار التسبيح الذي يسبح به غيره عدة ساعاتٍ، تأتي بهذه الكلمات ثلاث مراتٍ تعادل تسبيحًا لعدة ساعاتٍ، فهذا يدل على عظيم شأن الفقه في الدين، فهذا من ثمرة الفقه في دين الله .

ونكتفي بهذا القدر، وإن شاء الله تعالى بين الأذان والإقامة نجيب عما تيسر من الأسئلة.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

من كان عنده سؤالٌ ويرغب في الإجابة عنه؛ يرسل السؤال، وبين أيدينا أسئلةٌ مرسلةٌ عبر وسائل التواصل، نجيب عما تيسر حسبما يتسع به الوقت.

الأسئلة

السؤال: عند صلاة المريض هل يكفي الإيماء بالرأس، أو لا بد من حني الظهر؟

الجواب: عند صلاة المريض وعدم قدرته على الركوع والسجود؛ فإنه يكتفي بالانحناء، ويكون انحناؤه للسجود أكثر من انحنائه للركوع، والمقصود بالانحناء: أن ينحني برأسه وظهره، وليس المقصود أن ينحني برأسه فقط، وقد رأيت بعض المقاطع التي يقول المتحدث فيها: إن الانحناء بالرأس يكفي، وهذا غير صحيحٍ، بل الظاهر أن الصلاة لا تصح إذا اكتفى بالانحناء برأسه، مع قدرته على حني ظهره، والفقهاء قد ذكروا هذا، نص على هذا صاحب “المغني” وغيره: أنه لا بد من الانحناء بالظهر.

فمثلًا عند الركوع تقول: الله أكبر، هكذا، وعند السجود تنحني بقدر ما تستطيع، فلا بد من الانحناء بالرأس والظهر، ومراد من قال: ينحني برأسه، يعني: وبظهره، لكن لم يذكروا الظهر؛ لأنه معلومٌ ومعروفٌ، على أن الفقهاء صرحوا بالانحناء بالظهر، لكن جاء في بعض الروايات في غير صلاة المريض: أومأ برأسه، هذه في صلاة السفر، ففي صلاة السفر كان عليه الصلاة والسلام إذا صلى على الدابة أومأ برأسه [37].

أولًا: يحتمل أن المقصود: برأسه وظهره.

ثانيًا: أن هذا كان على الدابة، وعلى الدابة ربما لا يستطيع إلا الإيماء بالرأس فقط، لا يستطيع أن ينحني بظهره.

وأما بالنسبة لصلاة المريض فلا بد من الانحناء بالرأس والظهر، لكن يكون الانحناء للسجود أخفض منه للركوع، أما الاكتفاء بحني الرأس، وعدم حني الظهر مع قدرته على أن يحني ظهره، فلا تصح الصلاة.

فبعضهم مثلًا إذا ركع يركع هكذا، وإذا سجد يخفض رأسه هكذا، فهذا لم يأت بالواجب الشرعي، المطلوب: أن يتقي الله ما استطاع، وأن ينحني برأسه وظهره، لكن يكون انحناؤه للسجود أخفض من انحنائه للركوع.

السؤال: هل يؤجر الرجل في طلب العلوم الدنيوية إذا احتسب النية؟ وما النية التي يستحضرها؟

الجواب: نعم، يؤجر على نيته، لو طلب مثلًا علم الطب، أو علم الهندسة، أو أي علمٍ من العلوم الدنيوية، ونوى بذلك نفع المسلمين، فإنه يؤجر على نيته.

ولكن العلم الذي وردت النصوص بالثناء عليه وعلى أهله، إنما هو العلم الشرعي؛ لأنه هو ميراث الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا علومًا دنيوية، وإنما ورَّثوا علوم الشريعة.

السؤال: ما حكم السفر لزيارة قبر النبي ؟

الجواب: لا يجوز السفر لأجل زيارة قبر النبي ، ولكن يسافر لأجل الصلاة في مسجد النبي ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: لا تُشَد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى [38].

فلا يجوز إنشاء السفر لتعظيم بقعةٍ إلا لهذه المساجد الثلاثة؛ وعلى ذلك فينبغي إذا أراد أن يسافر للمدينة أن ينوي بذلك الصلاة في مسجد النبي ، وإذا وصل مسجد النبي زار قبر النبي ، لكن لا يقصد من ذلك السفر أن يشد الرحل لأجل زيارة قبر النبي ، إنما يقصد بشد الرحل الصلاة في مسجد النبي .

السؤال: إذا كان للإنسان أسنانٌ صناعيةٌ فهل يجب عليه نزعها عند المضمضة؟

الجواب: لا يجب عليه نزعها عند المضمضة؛ وذلك لأن المضمضة يكفي فيها أن يدخل الماء إلى فمه، ثم يَمُجُّه، وهذا متحققٌ مع وجود الأسنان الصناعية، فحتى لو وجد أسنانًا صناعيةً أو لم توجد، الحد الأدنى للمضمضة متحققٌ؛ وعلى ذلك فلا يجب نزع الأسنان الصناعية عند المضمضة.

السؤال: إذا تواجد مَن أنابه الإمام مع من هو أحفظ منه، فمن يقدَّم؟

الجواب: يقدم نائب الإمام؛ لأن نائب الإمام يقوم مقام الإمام، فهو أولى بالإمامة، ولو كان يوجد من هو أحفظ منه، فالإمام الراتب هو المقدَّم؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ولا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه [39]، وإمام المسجد هو سلطانٌ في مسجده، يعني هو بمثابة مدير المسجد؛ ولذلك لا يجوز أن يُفتات عليه، هو الأولى بالإمامة، وإذا أناب أحدًا فنائبه يقوم مقامه.

السؤال: إذا جمع بين المغرب والعشاء جمع تقديمٍ، فهل يدخل في حقه وقت صلاة الوتر؟

الجواب: نعم، إذا جمع بين المغرب والعشاء جمع تقديمٍ، دخل في حقه وقت صلاة الوتر، فله أن يصلي صلاة الوتر بعد صلاة العشاء مباشرةً.

السؤال: يقول: ذكرتم أنه لا يجوز أخذ شيءٍ من الهدية إذا كان يعمل لشراء البضائع للشركة، وأشكل علينا جواز أخذ الهدية من كان يعمل في خدمة الحُجَّاج.

الجواب: الذي ورد النهي عنه هي هدايا العمال، هدايا العمال غُلولٌ [40]، كما جاء في الحديث، ولما أتى رجلٌ بالزكوات من الناس؛ أتى للنبي وقال: هذا لكم وهذا أهدي إليَّ، فقال عليه الصلاة والسلام: ما بال الرجل نستعمله فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إليَّ؟! أفلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه شيءٌ أم لا؟! [41].

فالذي يُعطَى لأجل منصبه فلا يجوز له أن يأخذ هذه الهدايا لأجل منصبه، أما إذا أعطي لفقره فلا بأس، وهذا هو وجه الجمع، فإذا وجدت إنسانًا فقيرًا، عاملًا فقيرًا، أعطيته لفقره لا بأس، فأنت تعطيه لوصف الفقر، لكن إذا أعطيت شخصًا لأجل منصبه، فهذا هو الذي لا يجوز، الضابط في هذه المسألة هو قول النبي : أفلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه شيء أم لا؟، هذا العامل المسكين لو جلس في بيت أبيه وأمه فسيعطى لأنه فقيرٌ، هو يعطى لأجل وصف الفقر، لكن إنسانٌ مديرٌ مثلًا، مدير شركةٍ، مدير دائرةٍ، معلمٌ مثلًا للطلاب، ونحو ذلك، هذا إنما يُعطَى لأجل منصبه؛ ولذلك لو جلس في بيت أبيه وأمه ما أُعطي هذه الهدايا، أعطي لأجل منصبه الوظيفي، فهذا هو الذي لا يجوز.

فإذن ضابط المسألة: هو قول النبي : أفلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه شيءٌ أم لا؟!، لا تجد ضابطًا أحسن من هذا الضابط.

السؤال: ما حكم القَزَع؟ وهل تخفيف الشعر من الجوانب أكثر من أعلاه يعتبر قزعًا؟

الجواب: القزع مكروهٌ عند عامة أهل العلم، مكروهٌ ولا يصل إلى درجة التحريم، إلا إذا تضمن تشبهًا بغير المسلمين؛ فيكون محرمًا لأجل التشبه، أما إذا لم يتضمن تشبهًا، وإنما يعني شابٌّ اختار هذه القصة -قصة القزع- فهذا مكروهٌ.

وهكذا أيضًا تخفيف الشعر من الجوانب، يعني هو نوعٌ من القزع، مكروهٌ ولا يصل إلى درجة التحريم، ولم أجد أن أحدًا من الفقهاء السابقين قال بتحريم القزع، عامة الفقهاء يقولون: إنه مكروهٌ، إلا إذا تضمن تشبهًا، فيحرم لأجل التشبه.

السؤال: لدي أرضٌ فارغةٌ، ولست متأكدًا هل أبيعها في المستقبل أم لا، هل عليها زكاةٌ؟

الجواب: ليس عليها زكاةٌ؛ لأن الأرض التي تجب فيها الزكاة: هي الأرض التي قد جزم صاحبها ببيعها في الحال أو في المستقبل بقصد التربح، أما إذا لم يجزم ببيعها، كان مترددًا، فلا زكاة فيها، وهكذا إذا جزم ببيعها لكن ليس بقصد التربح؛ وإنما بقصد أن يبني له مسكنًا فلا زكاة فيها، أو قصد بيعها رغبةً عنها، فلا زكاة فيها، أو أنه يريد أن ينتقل مثلًا إلى حيٍّ آخر، من حيٍّ إلى حيٍّ آخر، فعرض أرضه أو عرض بيته للبيع، وبقي معروضًا سنةً أو سنتين أو أكثر، لا زكاة فيها؛ لأنه لم يقصد بذلك التربح؛ وإنما قصد بالبيع رغبةً عن هذا العقار، فإذا كانت نيته الرغبة عن العقار؛ فليس فيها زكاةٌ.

إذنْ لا تجب الزكاة في الأرض، إلا إذا جزم بنية البيع في الحال أو في المستقبل بقصد التربح، والله تعالى فرَّق بين البيع والتجارة، فقال : رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ [النور:37]، فذكر الله تعالى أمرين: التجارة، والبيع، فليس كل بيعٍ تجارةً، قد يكون البيع ليس بقصد التجارة، لغرضٍ آخر غير التجارة.

فإذا كان قد جزم بنية البيع لغرضٍ غير التجارة -يعني غير التربح- فلا زكاة فيها، أما إذا جزم بنية البيع بقصد التربح، ومضى على ذلك سنةٌ؛ فهذه فيها الزكاة.

السؤال: ما حكم قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعة الثالثة والرابعة من صلاة العشاء؟

الجواب: لا بأس بذلك، لكن يكون أحيانًا على غير الغالب، قراءة سورةٍ في الركعة الثالثة من صلاة المغرب، أو في الثالثة والرابعة من الظهر أو العصر أو العشاء، لا بأس به، لكن يكون أحيانًا على غير الغالب؛ لأن الغالب من هدي النبي أنه كان يكتفي بقراءة سورة الفاتحة في الركعة الثالثة والرابعة.

السؤال: لديَّ مبلغٌ من المال استثمرته مع مؤسسة مقاولاتٍ تقوم ببناء وحداتٍ سكنيةٍ، وتعرضها للبيع، هل فيه زكاةٌ؟

الجواب: نعم، هذا المبلغ فيه زكاةٌ؛ لأنه عُروض تجارةٍ، فأنت أعطيتهم هذا المبلغ لاستثماره في بيع عقاراتٍ، فأعطيتهم هذا المال، فهو عروض تجارةٍ، فيجب عليك أن تزكيه عن كل سنةٍ.

السؤال: هل يجوز مكالمة المخطوبة مع موافقة أهلها؛ لمعرفة حالها ورغبتها وشروطها، والحديث عن أمر الزواج؟

الجواب: لا بأس بذلك إذا أمنت الفتنة؛ لأنه إذا جاز النظر إليها، فتجوز مكالمتها من باب أولى؛ لأن النظر أشد من الكلام، فلا بأس بذلك، لكن يكون من غير توسعٍ، ويكون بقدر الحاجة، ويكون بعلم وموافقة أهلها، فبهذه الضوابط نقول: لا بأس بذلك إن شاء الله.

السؤال: ما حكم تطويل شعر الرأس، هل هو سنةٌ؟

الجواب: النبي كان شعره طويلًا [42]، وكان يرجله، ولكن تطويل الشعر مثل لبس العمامة، ومثل لبس الإزار والرداء، فالسنة فيها أن الإنسان يتبع عادة أهل بلده، فيفعل مثلما يفعل أهل البلد، فلا يشذ عنهم، والشذوذ عنهم في اللباس يسمى لباس الشهرة، وقد ورد فيه الوعيد: من لبس لباس شهرة؛ ألبسه الله تعالى لباس مذلةٍ يوم القيامة [43].

وعلى هذا نقول: إذا كان الإنسان في بلدٍ أهل البلد لا يطيلون شعورهم، كما هو عليه الحال الآن لدى أكثر الناس؛ فحينئذٍ لا يكون تطويل الشعر سُنةً، أما لو كان في بلدٍ اعتاد الناس تطويل شعورهم، مثلما كان عليه الناس في زمن النبي عليه الصلاة والسلام؛ فيكون هذا سنةً.

فإذنْ السنة: أن يتبع الإنسان عادة أهل بلده، وإلا فالذي يقول: سأطيل الشعر اقتداءً بالنبي ، سأطيل شعري، نقول: إذنْ البس عمامةً أيضًا، والبس إزارًا ورداءً، فإذا كنت تريد أن تقتدي بالنبي عليه الصلاة والسلام في هذه الأمور؛ فاقتد به في الجميع؛ البس عمامةً وإزارًا ورداءً، وهذا كله ليس سُنةً، السنة: أن تتبع أهل بلدك في اللباس، لا تشذ عنهم وتلبس لباس شهرةٍ.

وبعض الناس يطيل شعره، ليس بقصد السنة؛ وإنما بقصد أن يكون متميزًا بين الناس، أذكر شابًّا أطال شعره، فلما سُئل قال: أنا قصدت السنة، فلما ذهب واعتمر إذا به لم يحلق شعر رأسه؛ وإنما يقصر، فقيل له: تترك السنة المجمع عليها، وهي حلق الرأس، وتأتي بسنةٍ على الأقل نقول: مختلفٌ فيها؟!

فهذا يدل على أن ليس المقصود هو الحرص على السنة، وإنما بعض الناس يقصد مخالفة الناس، أو التميز، أو نحو ذلك، وإلا لو قصد السنة لكان حريصًا على جميع السنن، ومنها حلق الرأس أثناء العمرة.

فلذلك أقول: إن تطويل الشعر مثلُ لبس العمامة، مثل لبس الإزار والرداء، هذه يتبع الإنسان فيها عادة أهل بلده، لا يشذ عن أهل البلد، إلا في الأمور المحرمة، الأمور المحرمة لو كان أهل البلد مثلًا يُسبِلون لا يُسبِل، لكن في الأمور المباحة يكون الإنسان مع أهل بلده ولا يشذ عنهم.

السؤال: هل الأفضل المحافظة على صلاة الضحى، أو تركها أحيانًا؟

الجواب: هذه المسألة محل خلافٍ بين العلماء، والقول الراجح: أن الأفضل المحافظة على صلاة الضحى وعدم تركها، ويدل لذلك ما جاء في “صحيح مسلمٍ”، أن النبي قال: يُصبِح على كل سُلامَى من أحدكم صدقةٌ، يعني: على كل مَفْصِلٍ من مفاصله صدقةٌ، والإنسان له ثلاثمئةٍ وستون مفصلًا، فمطلوبٌ منه كل يومٍ أن يتصدق بثلاثمئةٍ وستين صدقةً؛ شكرًا لله على سلامة مفاصله.

ثم ذكر النبي أنواعًا من الصدقات؛ قال: فكل تسبيحةٍ صدقةٌ، وكل تهليلةٍ صدقةٌ، وكل تكبيرةٍ صدقةٌ، وأمرٌ بالمعروف صدقةٌ، ونهي عن المنكر صدقةٌ، ثم قال، وهذا موضع الشاهد: ويجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى [44]، أي: أن ركعتي الضحى تجزئ عن ثلاثمئةٍ وستين صدقةً؛ وهذا يدل على فضل صلاة الضحى وركعتي الضحى، وأنها تجزئ عن ثلاثمئةٍ وستين صدقةً، وهذا من أظهر الأدلة على أنه يستحب المحافظة على صلاة الضحى، فصلاة الضحى سنةٌ مؤكدةٌ.

وأفضل وقتها: آخره؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: صلاة الأوَّابين حين تَرْمَض الفِصَال [45]، يعني: حين تشتد الرَّمْضاء؛ وذلك في آخر الوقت، يعني قبل أذان الظهر بنحو نصف ساعةٍ، هذا هو أفضل وقتٍ لصلاة الضحى، لكن لو أراد أن يصليها في أول وقتها بعد طلوع الشمس بعشر دقائق أو ربع ساعةٍ؛ فلا بأس، خاصةً من يخشى النسيان أو الانشغال؛ فيصليها في أول وقتها، المهم أنه ينبغي أن يحرص على أن يأتي بصلاة الضحى، فإنها تجزئ عن ثلاثمئةٍ وستين صدقةً.

السؤال: ما القول الراجح في سجدة (ص)؛ حيث إني سمعت أن من أتى بها في الصلاة بطلت صلاته؟

الجواب: سجدة (ص) يشرع السجود عندها، يشرع سجود التلاوة عندها؛ لما جاء في “صحيح البخاري” من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: “رأيت النبي يسجد عندها” [46]، يعني: عند سجدة (ص)، وهذا في “صحيح البخاري”، وهذا نصٌّ صحيحٌ صريحٌ في مشروعية السجود عندها.

وقول بعض الفقهاء: إنها سجدة شكرٍ، فلا يسجد عندها، هذا قولٌ مرجوحٌ؛ لأن العبرة هو بفعل النبي عليه الصلاة والسلام، نحن مأمورون بالاقتداء بالنبي ، حتى وإن كانت سجدة شكرٍ، أليس النبي سجد عندها؟!

وأما قول بعضهم: إنه ركع ولم يسجد، فهذا غير مسَلَّمٍ، بل المقصود بالركوع هنا: السجود، كما قال الحافظ ابن كثيرٍ رحمه الله في “تفسيره”؛ ولذلك قال: وَخَرَّ رَاكِعًا [ص:24]، والخرور يكون للسجود ولا يكون للركوع، فمعنى وَخَرَّ رَاكِعًا، يعني: ساجدًا؛ لأنه قد يعبَّر عن السجود بالركوع.

وأما قول ابن عباسٍ رضي الله عنهما: “سجدة (ص) ليست من عزائم السجود”، فهذا اجتهادٌ منه ، خالفه فيه بقية الصحابة ، وقول الصحابي إذا خالفه صحابيٌّ آخر لا يكون حجةً، ويكفينا أن النبي سجد عندها.

سمعت شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ رحمه الله -لما عرض للخلاف في هذه المسألة- قال: يكفي أن النبي سجد عندها، فما دام أن النبي عليه الصلاة والسلام سجد عندها؛ فيشرع السجود عندها، فهي إحدى سجدات التلاوة في القرآن.

السؤال: ما حكم الكذب لجلب المنفعة؟

الجواب: الأصل أن الكذب لا يجوز، إلا فيما استثناه النص، وهو الكذب لأجل الإصلاح، وعند الحرب، وكذب المرأة على زوجها والزوج على زوجته فيما يخصهما، إذا اقتضت المصلحة ذلك، وما عدا ذلك فالأصل أنه لا يجوز الكذب.

لكن إذا احتاج الإنسان؛ يتأول؛ ولهذا قال بعض السلف: عجبت لمن عرف التأويل كيف يكذب؟! يتأول؛ يقصد شيئًا والمخاطب يفهم شيئًا آخر، مثل مثلًا: يدعوه إنسانٌ لدعوةٍ، يقول: عندي رجلٌ في البيت، هو يقصد مثلًا ابنه، وهو رجلٌ، فهو صادقٌ بهذا لم يقع في الكذب، وخرج من الموقف.

السؤال: كيف نجمع بين حديث: خيركم من طال عمره وحسن عمله [47]، واستعاذة النبي من أن يرد إلى أرذل العمر [48]؟

الجواب: نقول الجمع بينها: أن تسأل الله تعالى أن يطوِّل عمرك مع حسن العمل، ومع عدم الهرم، يعني: يطول عمرك من غير أن ترد إلى أرذل العمر.

وأما الحديث الآخر: فتستعيذ بالله من أن ترد إلى أرذل العمر، وأحيانًا الهرم يأتي للإنسان في وقتٍ مبكرٍ، بعض الناس يأتيه الهرم وهو في الثمانين؛ فلا تعارض بينهما، أن تقول: يا رب أسألك أن تجعلني ممن طال عمره وحسن عمله، يعني مع عدم الهرم، هذا هو وجه الجمع بينهما.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 6408، ومسلم: 2689.
^2 رواه البخاري: 71، ومسلم: 1037.
^3 رواه أبو داود: 1479، والترمذي: 2969، وابن ماجه: 3828، وأحمد: 18386، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
^4 رواه البخاري: 2448، ومسلم: 19.
^5 رواه أبو داود: 1488، والترمذي: 3556، وقال: هذا حديث حسن غريب
^6 رواه أبو داود: 1048، والنسائي: 1388.
^7 رواه أبو داود: 521، والترمذي: 212، وأحمد: 12200.
^8 رواه مسلم: 479.
^9 رواه البخاري: 1145، ومسلم: 758.
^10 رواه البخاري: 6340، ومسلم: 2735.
^11 رواه مسلم: 2716.
^12 رواه مسلم: 716.
^13 رواه مسلم: 2717.
^14 رواه الترمذي: 2140، وأحمد: 12107، وقال الترمذي: حديث حسن.
^15 رواه مسلم: 2654.
^16 رواه مسلم: 2718.
^17 رواه مسلم: 2719.
^18 رواه ابن ماجه: 897.
^19 رواه أبو داود: 850، والترمذي: 284، وابن ماجه: 898.
^20 رواه مسلم: 2720.
^21 رواه البخاري: 6347، ومسلم: 2707.
^22 رواه الترمذي: 2329، وأحمد: 17698، وقال الترمذي: وقال: حديث حسن غريب.
^23 بلي: حي من قضاعة.
^24 رواه أحمد: 8399.
^25 رواه مسلم: 2721.
^26 رواه البخاري: 6446، ومسلم: 1051.
^27 رواه مسلم: 2722.
^28 رواه البخاري: 4707، ومسلم: 2706.
^29, ^30, ^31 رواه مسلم: 2723.
^32 رواه البخاري: 3275.
^33 رواه مسلم: 2724.
^34 رواه مسلم: 2725.
^35 رواه مسلم: 2726.
^36 رواه أبو داود: 4727، بنحوه.
^37 رواه البخاري: 1097.
^38 رواه البخاري: 1189، ومسلم: 1397.
^39 رواه مسلم: 673.
^40 رواه أحمد: 23601، والغلول: الخيانة في المغنم والسرقة من الغنيمة قبل القسمة. ينظر النهاية لابن الأثير: 3/ 380.
^41 رواه البخاري: 6636، ومسلم: 1832.
^42 رواه مسلم: 2337.
^43 رواه ابن ماجه: 3607، وأحمد: 5664، بنحوه.
^44 رواه مسلم: 720.
^45 رواه مسلم: 748.
^46 رواه البخاري: 1069.
^47, ^48 سبق تخريجه.
zh