logo
الرئيسية/دروس علمية/التعليق على كتاب السلسبيل في شرح الدليل/(15) واجبات الصلاة- من قوله “وواجباتها ثمانية.”

(15) واجبات الصلاة- من قوله “وواجباتها ثمانية.”

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهدية إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو الدرس السابع لهذا العام، في يوم الاثنين، الخامس والعشرين من شهر صفرٍ، من عام ألفٍ وأربعمئةٍ وثنتين وأربعين للهجرة.

والمعتاد أن هذا الدرس بعد العشاء، ولكن بسبب ظرفٍ طارئٍ قُدم الدرس في المغرب، يعني: بدل أن يكون اعتذارًا عن الدرس قلنا: نقدم الدرس ونجعله بعد المغرب.

فنسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في الدين، والعلم النافع، ربنا آتنا من لدنك رحمةً وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.

واجبات الصلاة

سنقتصر في هذا الدرس على التعليق على “السلسبيل في شرح الدليل”، وكنا قد وصلنا إلى واجبات الصلاة، صفحة: 199.

قال المصنف رحمه الله:

وواجباتها ثمانيةٌ.

فَعَدَّ المؤلف واجبات الصلاة ثمانيةً، وبعضهم يعتبرها سبعةً؛ فيَعتبر التشهد الأول والجلوس له واجبًا واحدًا، وبعضهم يجعلهما واجبين، كما صنع المؤلف، ولا مشاحة في الاصطلاح.

وهي على سبيل الإجمال:

  1. التكبيرات غير تكبيرة الإحرام.
  2. وقول: سمع الله لمن حمده، للإمام والمنفرد.
  3. وقول: ربنا ولك الحمد.
  4. وقول: سبحان ربي العظيم، في الركوع.
  5. وقول: سبحان ربي الأعلى، في السجود.
  6. وقول: رب اغفر لي، بين السجدتين.
  7. والتشهد الأول.
  8. والجلوس له.

تعريف الواجب لغةً واصطلاحًا

الواجبات: جمع واجبٍ، والواجب معناه في اللغة: اللزوم.

واصطلاحًا: الأفعال والأقوال التي يلزم المصليَ فعلُها أثناء الصلاة، وتصح الصلاة بدونها إذا تُرِكَت نسيانًا مع جبرها بسجود السهو.

وهذه الثمانية التي ذكرنا واجبةٌ؛ والدليل لذلك: هو مواظبة النبي عليها حتى توفاه الله ، وأيضًا لحديث رفاعة بن رافعٍ  الذي أخرجه أحمد وأبو داود بسندٍ صحيحٍ، أن النبي قال: إنه لا تتم صلاةٌ لأحدٍ من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء، ثم يكبر ويحمد الله ويثني عليه، ويقرأ بما تيسر من القرآن، ثم يقول: الله أكبر، ثم يركع حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، حتى يستوي قائمًا، ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول: الله أكبر، ويرفع رأسه حتى يستوي قاعدًا، ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله، ثم يرفع رأسه فيكبر، فإن فعل ذلك؛ تمت صلاته [1]، وأصله عند البخاري ومسلمٍ من حديث أبي هريرة ، لكننا أوردناه بهذه الرواية؛ لأنها أصرح في الوجوب؛ فإن قوله : فإن فعل ذلك؛ فقد تمت صلاته، صريحٌ في الوجوب.

وذهب جمهور أهل العلم إلى أن هذه الثمانية ليست واجبةً، وإنما هي مستحبةٌ، والموفق بن قدامة في “المغني” نسب هذا القول لأكثر العلماء، وقالوا: إنها لم تَرِد في حديث المسيء صلاته [2]، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ولو كانت واجبةً لعلَّمها النبيُّ المسيءَ صلاته.

والراجح: هو القول الأول، وهو مذهب الحنابلة، وأن هذه الثمانية واجبةٌ؛ فإن حديث رفاعة بن رافعٍ السابق صريحٌ في الوجوب، وسنده صحيحٌ، وأما حديث المسيء صلاته فلم تُذكر فيه جميع الواجبات؛ لم يذكر فيه التشهد، والتشهد الأخير من أركان الصلاة ولم يذكر فيه، ولم يذكر فيه السلام؛ فلعله اقتصر في تعليمه على ما أساء فيه.

هل القول بوجوب التكبيرات انفرد به الحنابلة؟

أشار لهذه المسألة الإمام ابن تيمية رحمه الله، وقال ابن تيمية رحمه الله: وَهِم من ظن أن القول بوجوب هذه التكبيرات من مفردات أحمد، وأن الإمام مالكًا يرى أن من ترك من ذلك ثلاثًا أعاد الصلاة، قال: وسبب الوهم: أن أصحاب مالكٍ يسمونها سننًا، ويريدون بها السنن الواجبة.

إذنْ ليس هذا القول من المفردات عند الحنابلة؛ فقد وافق المالكيةُ الحنابلةَ في هذا الرأي، لكنهم يرون أن من ترك ثلاثًا فإنه يسجد للسهو؛ وعلى ذلك: فيكون القول بالوجوب قول المالكية والحنابلة، والقول الآخر قول جمهور أهل العلم، نسبه الموفق لأكثر الفقهاء.

والقول الراجح -كما ذكرنا- هو القول بالوجوب، وأن هذه الثمانية كلها واجبةٌ.

حكم من ترك واجبًا من واجبات الصلاة

ثم بيَّن المؤلف ما الذي يترتب على ترك هذه الواجبات:

تبطل الصلاة بتركها عمدًا، وتسقط سهوًا وجهلًا.

لو ترك الإنسان واجبًا من هذه الواجبات الثمانية متعمدًا؛ بطلت صلاته، حتى وإن لم تكن أركانًا، وإنما هي واجباتٌ؛ لأنه يكون كالمستخف بالصلاة، أما إذا تركها سهوًا؛ فإنه يجبر ذلك بسجود السهو؛ ولذلك ترك النبي التشهد الأول سهوًا فجبره بسجود السهو؛ كما جاء في حديث عبدالله بن بُحَينة [3].

طيب، لنفترض أنه نسي سجود السهو، إن لم يَطل الفصل؛ يرجع ويأتي به، إن طال الفصل؛ سقط عنه.

التكبير لغير الإحرام

ثم عدَّ المؤلف هذه الواجبات، نأخذها على سبيل التفصيل:

الواجب الأول، قال:

التكبير لغير الإحرام.

أي: جميع التكبيرات ما عدا تكبيرة الإحرام، ويسميها الفقهاء: تكبيرات الانتقال، أما تكبيرة الإحرام فهي ركنٌ من أركان الصلاة كما سبق في الدرس الماضي.

وأما تكبيرات الانتقال: فهي تكبيرات الركوع والسجود والرفع من السجود، والرفع من التشهد الأول، هذه تسمى: تكبيرات الانتقال.

وحكمها: الوجوب؛ لمواظبة النبي عليها حتى توفاه الله ، وقد قال: صلوا كما رأيتموني أصلي [4].

تكبيرة المسبوق

المؤلف استثنى من هذه التكبيرات تكبيرةً واحدةً، قال: إنها ليست واجبةً؛ وإنما هي مستحبةٌ، ما هي؟ قال:

لكن تكبيرة المسبوق التي بعد تكبيرة الإحرام سنةٌ.

المسبوق الذي أتى وقد فاته شيءٌ من الصلاة، فالسنة له أن يكبر تكبيرتين: تكبيرة الإحرام، ثم تكبيرة الانتقال، فتكبيرة الانتقال هذه تُجزئ عنها تكبيرة الإحرام، مستحبةٌ وليست واجبةً، فلو أنه أدرك الإمام في الركوع، وكبر تكبيرةً واحدةً ناويًا بها تكبيرة الإحرام؛ أجزأ، لكن الأفضل أن يكبر تكبيرتين: تكبيرة الإحرام، وتكبيرة الركوع، وقد نُقل هذا -يعني أن تكبيرة الإحرام تجزئ عن تكبيرة الركوع- عن زيد بن ثابتٍ وابن عمر، ولا يعرف لهما مخالفٌ من الصحابة ؛ فكان كالإجماع.

إذنْ هذا هو الواجب الأول من واجبات الصلاة.

التسميع للإمام والمنفرد لا للمأموم

الواجب الثاني:

وقول: سمع الله لمن حمده، للإمام وللمنفرد، لا للمأموم.

التسميع يعني: قول: سمع الله لمن حمده، للإمام وللمنفرد؛ لمواظبة النبي على ذلك، ولم يُنقل عنه ولو مرةً واحدةً أنه ترك ذلك، وقد قال: صلوا كما رأيتموني أصلي [5]، ويختص ذلك بالإمام والمنفرد؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: إنما جُعل الإمام ليؤتم به… إلى قوله: وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد [6]؛ فدلَّ ذلك على أن التسميع للإمام ومَن في حكمه، وهو المنفرد، وأن المأموم لا يُسَمِّع -لا يقول المأموم: سمع الله لمن حمده- وإنما يقول: ربنا ولك الحمد.

قول: ربنا ولك الحمد، للإمام والمنفرد والمأموم

الثالث من واجبات الصلاة:

وقول: ربنا ولك الحمد، للكل.

“للكل” يعني: للإمام والمأموم والمنفرد، فهي واجبةٌ في حق الجميع.

صيغ التحميد

طيب، وقد وردت بأربع صيغٍ: وردت: ربنا ولك الحمد [7]، وربنا لك الحمد [8]، واللهم ربنا ولك الحمد [9]، واللهم ربنا لك الحمد [10].

احفظ هذه الصيغ الأربع:

  • ربنا ولك الحمد، بدون “اللهم”، وبالواو: ربنا ولك الحمد.
  • الصيغة الثانية: ربنا لك الحمد.
  • الصيغة الثالثة: اللهم ربنا ولك الحمد.
  • الصيغة الرابعة: اللهم ربنا لك الحمد.

وهذه كلها ثابتةٌ ومخرجةٌ عندكم في “السلسبيل”، كلها إما في “الصحيحين”، أو في أحدهما.

والسنة الإتيان بهذه الصيغ كلها على سبيل التنويع؛ فتارةً يقول: ربنا ولك الحمد، وتارةً يقول: ربنا لك الحمد، وتارةً: اللهم ربنا ولك الحمد، وتارةً: اللهم ربنا لك الحمد؛ لأن العبادات الواردة على وجوهٍ متنوعةٍ الأفضل أن تُفعل جميع الوجوه؛ لأن في هذا محافظةً على السنة، ثم إن هذا أدعى لحضور القلب وخشوعه، فإذنْ ينبغي التنويع بين هذه الصيغ الأربع.

معنى “سمع الله لمن حمده”

طيب، عندما يقول الإمام والمنفرد: سمع الله لمن حمده، ما معنى: سمع الله لمن حمده؟

معناها: استجاب الله لمن حمده، طيب، (استجاب) أليست تقال للدعاء؟

الجواب: أن من حمد الله؛ فقد دعا الله بلسان حاله؛ لأنه يرجو الثواب؛ فقد تضمن حمده الدعاء.

“كان النبي -كما يقول أنسٌ – إذا قال: سمع الله لمن حمده؛ قام حتى نقول: قد أوهم” [11]، يعني: قد نسي، فالسنة أن يطيل قليلًا، يعني: لا يُسرِع في هذا كما يفعله بعض الناس، وكما ذكرنا في الدرس السابق: السنة أن يكون هناك توازنٌ بين أفعال الصلاة، فيكون الركوع والرفع منه والسجود والجلسة بين السجدتين قريبًا من السواء، هذه الأربع، بخلاف القيام والجلوس للتشهد، تكلمنا عن هذا بالتفصيل في الدرس السابق.

إذنْ الركوع، والرفع من الركوع، والسجود، والجلسة بين السجدتين، هذه ينبغي أن تكون قريبًا من السواء.

التسبيح في الركوع

الرابع من واجبات الصلاة:

وقول: سبحان ربي العظيم، مرةً في الركوع.

لأنه لما نزل قول الله : فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74]، قال النبي عليه الصلاة والسلام: اجعلوها في ركوعكم [12]، وهذا أمرٌ، والأصل في الأمر أنه يقتضي الوجوب؛ ولأنه هدي النبي عليه الصلاة والسلام، فلم يترك ذلك، وقد قال: صلوا كما رأيتموني أصلي [13].

هل يزيد: “وبحمده”؟ هذه لم تثبت، وإنما يكتفي بقول: سبحان ربي العظيم، يُكررها، الواجب مرةً واحدةً، وأدنى الكمال ثلاثًا، والأكمل والأفضل عشرًا، والعشر؛ لأثر أنسٍ أنه لما رأى عمر بن عبدالعزيز يصلي؛ قال: “ما رأيت أحدًا بعد رسول الله أشبه صلاةً برسول الله من هذا الفتى؟” قالوا: فحَزَرْنا في ركوعه عشر تسبيحاتٍ، وفي سجوده عشر تسبيحاتٍ [14].

ويختم التسبيح بقول: “سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي”، سواءٌ في الركوع، أو في السجود، وهذه من السنن التي يَغفل عنها بعض الناس، يقتصر على قول: “سبحان ربي العظيم”، ولا يأتي بهذا الذكر: “سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي”، والحديث الوارد في ذلك في “الصحيحين” وهو صريحٌ؛ حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله يُكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن [15]، أخرجه البخاري ومسلمٌ.

فالسنة للمصلي إذا أتى بالتسبيح في الركوع أن يختم ذلك بقوله: “سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي”، وإذا أتى بالتسبيح في السجود أن يختم ذلك بقول: “سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي”.

طيب، إذا أتى بقول: “سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي”، هل له أن يأتي بالأذكار الواردة في تعظيم الله ؟

نقول: نعم؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: أما الركوع فعظموا فيه الرب [16]، سواءٌ أكان في فريضةٍ أو نافلةٍ، لكن إذا كان إمامًا فينبغي ألا يفعل ذلك؛ حتى لا يطيل على من خلفه فيشق عليهم، لكن لو كان منفردًا مثلًا، أو أنه كان مأمومًا وأطال الإمام، فيعظم الله ، والأفضل أن يقتصر على المأثور الوارد في تعظيم الله سبحانه؛ ومن ذلك قول: سُبُّوحٌ قدوسٌ، رب الملائكة والروح [17]، سبحان ذي الجبروت والملكوت، والكبرياء والعظمة [18]، ونحو ذلك.

التسبيح في السجود

الخامس من واجبات الصلاة:

قول: سبحان ربي الأعلى، مرةً في السجود.

ونقول هنا كما قلنا في الركوع: الواجب: مرةً واحدةً، أدنى الكمال: ثلاثًا، الأكمل والأفضل: عشرًا، ويأتي بعدها بــ”سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي”.

طيب، هل له أن يدعو؟ لا بأس أن يدعو بعد ذلك في السجود، لكن سيأتينا أن الدعاء في النافلة لا بأس أن يدعو فيه بما شاء، أما في الفريضة فيقتصر على أمور الآخرة، وسيأتي الكلام عن ذلك.

وهذا الموضع -يعني السجود- أقرب ما يكون فيه العبد من ربه؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجدٌ، فاجتهدوا في الدعاء؛ فقَمِنٌ أن يستجاب لكم [19]، وهو آكد أركان الصلاة، السجود آكد أركان الصلاة، بل إن ما سبقه من القيام والركوع والرفع منه إنما هي مقدمةٌ للسجود، وهو سر العبودية، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجدٌ، إذا وضع الإنسان أشرف أعضائه؛ وضع جبهته وأنفه على الأرض، فإنه يكون أقرب ما يكون من ربه ؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجدٌ؛ فاجتهدوا في الدعاء؛ فَقَمِنٌ -يعني: حريٌّ- أن يستجاب لكم.

وجاءت أذكارٌ في السجود؛ منها: اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، بحوله وقوته، تبارك الله أحسن الخالقين! [20]، وهذا ورد أيضًا أنه يقال في سجود التلاوة أيضًا.

إذنْ: السجود هو موضع دعاءٍ بعدما يأتي بالتسبيح، ثم يقول: “سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي”، فينبغي أن يجتهد في الدعاء، خاصةً في صلاة النافلة؛ فإنه من مواضع الإجابة.

الدعاء بين السجدتين

السادس من واجبات الصلاة:

وقوله: رب اغفر لي، بين السجدتين.

أي: أن يقول المصلي: رب اغفر لي، بين السجدتين، فيسأل الله تعالى المغفرة، والمغفرة تعني: ستر الذنب والعفو عنه، والواجب مرةً واحدةً، وأدنى الكمال ثلاثًا، والأكمل أن يأتي بها عشر مراتٍ.

والدليل لهذا: حديث حذيفة  أن رسول الله كان يقول بين السجدتين: رب اغفر لي، رب اغفر لي [21]، وجاء في حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن النبي كان يقول بين السجدتين: رب اغفر لي وارحمني، واهدني وارزقني، واجبرني وعافني [22]، وهذا الحديث أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه، وظاهر إسناده الصحة، لكنه عند التحقيق لا يثبت من جهة الصناعة الحديثية، أنا كنت ذكرته في فقه العبادات، من كان يستمع لفقه العبادات؛ كنت ذكرت هذا، ثم ظهر لي بعد ذلك أن هذا الحديث لا يثبت؛ وذلك لأنه رُوي من طريق كاملٍ أبي العَلاء، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، ورواه أربعةٌ من الثقات عن حبيب بن أبي ثابتٍ بدون زيادة: وارحمني، واهدني وارزقني، واقتصروا على قول: رب اغفر لي، وكاملٌ أبو العلاء فيه ضعفٌ، قالوا: كان ممن يَقلب الأسانيد؛ ولهذا الترمذي لما خرَّج هذا الحديث قال: هذا حديثٌ غريبٌ، وأشار لضعفه الحافظ ابن رجبٍ، وحتى لو قلنا: إن كاملًا أبا العلاء ثقةٌ، فقد خالف من هو أوثق منه؛ كون أربعةٍ من الثقات يتفقون على عدم الزيادة، وينفرد بها هذا الراوي؛ فهذا يسمى عند المحدثين: شذوذًا، الرواية الشاذة: هي مخالَفَة الثقة لمن هو أوثق منه، على أن كاملًا أبا العلاء -كما ذكرنا- فيه ضعفٌ، لكن لو أخذنا بقول من وثقه من أهل العلم، فيكون ثقةً قد خالف من هو أوثق منه وأكثر، وهم أربعةٌ من الثقات، رووه عن حبيب بن أبي ثابتٍ بالاقتصار على قول: رب اغفر لي.

وعلى ذلك: فمِن جهة الصناعة الحديثية لا تثبت هذه الزيادة: وارحمني، واهدني وارزقني، واجبرني وعافني، فيكون المحفوظ الاقتصار على قول: رب اغفر لي، فقط.

وعلى ذلك: فالسنة أن يقتصر المصلي في الجلسة بين السجدتين على قول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، يكررها، لكن مع ذلك لو زاد ودعا فلا حرج؛ لأن هذا موضع دعاءٍ، لكن الأكمل والأقرب للسنة الاقتصار على قول: رب اغفر لي؛ لأن هذا الموضع وإن كان موضع دعاءٍ؛ إلا أنه ليس موضع دعاءٍ مطلقٍ؛ وإنما السنة وردت بدعاءٍ مقيَّدٍ، وهو سؤال المغفرة فقط، فالأقرب للسنة والأكمل: أن يقتصر في الجلسة بين السجدتين على قول: رب اغفر لي، يكررها.

التشهد الأول

السابع من واجبات الصلاة، قال:

والتشهد الأول على غير من قام إمامه سهوًا.

التشهد الأول من واجبات الصلاة، بينما التشهد الأخير من أركان الصلاة، والدليل على أن التشهد الأول من واجبات الصلاة: أن النبي لما نسيه -كما في حديث عبدالله بن بُحَينة – جبره بسجود السهو [23]، ولولا أنه واجبٌ؛ لما سجد للسهو بتركه، ولو كان ركنًا؛ لما جُبر بسجود السهو، ولأتى به وبما بعده، فهذا يدل على أنه واجبٌ وليس ركنًا.

وقول المصنف رحمه الله: “على غير من قام إمامه سهوًا”، يُفهم منه: أن التشهد الأول لا يكون واجبًا في حق المأموم إذا قام إمامه سهواً؛ لأن الإمام إذا سها واستتم قائمًا؛ فليس له الرجوع في هذه الحال، والمأموم مطالبٌ بمتابعة إمامه، فيسقط عنه التشهد في هذه الحال، ولا يكون واجبًا عليه، وهذه من المسائل التي يُلْغَز بها، يقال: متى يكون التشهد غير واجبٍ في الصلاة؟ الجواب: في حق المأموم إذا قام إمامه سهوًا.

الجلوس للتشهد الأول

الثامن من واجبات الصلاة، قال:

والجلوس له.

يعني: الجلوس للتشهد الأول، وبعض الفقهاء يجعل التشهد الأول والجلوس له واجبًا واحدًا، وبعضهم يجعلهما واجبين، كما صنع المؤلف، ولا مشاحَّة في الاصطلاح، الأمر في ذلك واسعٌ؛ وإنما نصُّوا على ذلك؛ احترازًا مما لو أتى بالتشهد الأول وهو قائم مثلًا، قالوا: لا بد أن يأتي به وهو جالسٌ.

سنن الصلاة

ثم لما فرغ المؤلف من أركان وواجبات الصلاة؛ انتقل بعد ذلك للكلام عن سنن الصلاة.

حكم من ترك شيئًا من سنن الصلاة

قال المصنف رحمه الله:

وسننها: أقوالٌ وأفعالٌ.

قسَّم المؤلف السنن إلى أقوالٍ وأفعالٍ.

ولا تبطل بترك شيءٍ منها ولو عمدًا.

لأنها سننٌ ومستحباتٌ، حتى لو تركها عمدًا؛ فلا يؤثِّر ذلك على صحة الصلاة باتفاق أهل العلم.

ويباح السجود لسهوه.

يعني: لو ترك سنةً من هذه السنن؛ فيباح له أن يسجد سجود السهو، وهذه المسألة اختلف فيها الفقهاء على ثلاثة أقوالٍ:

  • القول الأول: أنه لا يُشرع السجود لترك السنن؛ لأن الصلاة لا تَبطل لتركه عمدًا، فلم يُشرع السجود للسهو.
  • القول الثاني: أنه يباح، كما قال المؤلف.
  • القول الثالث: التفصيل؛ قالوا: إذا ترك سنةً من عادته الإتيان بها؛ فيُشرع في حقه أن يسجد للسهو، أما إذا ترك سنةً ليس من عادته الإتيان بها؛ فلا يشرع في حقه سجود السهو، وهذا وسطٌ بين قولين، اختاره الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، فمثلًا: لو أن الإمام ترك الإسرار في الصلاة السرية وجهر، يعني: صلى بالناس صلاة العصر وجهر: الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، جهر، فهنا ترَك سنةً، سبح به الناس فأسر، فترك سنةً من السنن، فهو من عادته أنه يُسر في السرية، ويجهر في الجهرية، فالأفضل في حقه أن يسجد للسهو، لكن لو كانت سنةً من السنن، نفترض مثلًا أنها جلسة الاستراحة، نسيها، فلا يُشرع في حقه سجود السهو، ما دام أنه ليس من عادته الإتيان بها؛ وإنما تارةً يأتي بها، وتارةً لا يأتي بها، فلا يُشرع في حقه سجود السهو.

دعاء الاستفتاح

فسنن الأقوال إحدى عشرة:

قوله بعد تكبيرة الإحرام: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك.

هذا هو دعاء الاستفتاح، وهو مستحبٌّ وليس واجبًا، وقد ورد بعدة صيغٍ، وهذه الصيغة من أخصرها وأفضلها: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك [24]، وقد اختار هذه الصيغة الإمام أحمد بن حنبلٍ رحمه الله، واحتج بأن عمر بن الخطاب كان يعلمها الناس في المسجد، كون عمر يختارها لتعليم الناس في المسجد؛ دليلٌ على أفضليتها، ولأن هذه الصيغة اشتملت على التعظيم والتمجيد لله ووحدانيته: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، مع اختصارها، ووجازة ألفاظها، وسهولة حفظها؛ ولهذا هي المنتشرة عند عامة الناس.

بعض صيغ دعاء الاستفتاح

لكن أيضًا جاءت صيغٌ أخرى في دعاء الاستفتاح؛ منها: ما جاء في “الصحيحين” عن أبي هريرة : كان رسول الله يسكت بين التكبير وبين القراءة إسكاتةً، قال: أحسبه قال: هُنَيَّةً، فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله، إسكاتك بين التكبير والقراءة، ما تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نَقِّني من الخطايا كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدَّنَس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبَرَد [25].

فهذا -من حيث الصحة- أصح، لكن ابن القيم وجماعة من أهل العلم قالوا إن: سبحانك اللهم وبحمدك أفضل؛ لِمَا ذكرنا من الاعتبارات: من كونه يتضمن التمجيد والتحميد لله سبحانه والوحدانية، مع اختصار لفظه، مع كون عمر يُعلمه الناس في المسجد، فقالوا: إن سبحانك اللهم وبحمدك أفضل.

والأفضل أن يُنوِّع؛ تارةً بهذا، وتارةً بهذا، ووردت أيضًا صيغٌ أخرى للاستفتاحات، لكنها إنما وردت في صلاة الليل، فالأفضل أن تُجعل في صلاة الليل، وإذا أَتَى بأية صيغةٍ من صيغ الاستفتاحات؛ أجزأ.

هل يأتي المسبوق بدعاء الاستفتاح؟

إذنْ: دعاء الاستفتاح سنةٌ في حق الإمام والمأموم والمنفرد، لكن المسبوق يُشرع له دعاء الاستفتاح، إلا إذا خشي أن يركع الإمام قبل قراءته للفاتحة، فلا يأتي بدعاء الاستفتاح، وإنما يَشرع في قراءة الفاتحة مباشرةً؛ مثال ذلك: رجلٌ أدرك الإمام في الركعة الثانية من صلاة الظهر، وغلب على ظنه أن الإمام سيركع في آخر القراءة، وأنه لو استفتح؛ لَمَا اتسع الوقت للاستفتاح وقراءة الفاتحة، فالأفضل أن يَشرع في قراءة الفاتحة مباشرةً ولا يستفتح؛ لأن دعاء الاستفتاح مستحبٌّ، بينما قراءة الفاتحة في حق المأموم واجبةٌ، وكذا إذا أدرك أيضًا المسبوقُ الإمام في غير القيام؛ كأن يدرك المسبوقُ الإمام في الركوع، أو في الرفع منه، أو في السجود، أو في الجلسة بين السجدتين، ونحو ذلك، فلا يُشرع له دعاء الاستفتاح؛ لأن محلَّه أول الصلاة، وقد فات.

بعض الناس يأتي والإمام في آخر القراءة، ويكبر ويستفتح، ثم يركع مع إمامه ولم يقرأ الفاتحة، وهذا خطأٌ، كان الواجب عليه أنه يكبَّر ويشرع في قراءة الفاتحة مباشرةً؛ لأن دعاء الاستفتاح ليس واجبًا عليه، وإنما هو مستحبٌّ، بينما قراءة الفاتحة واجبةٌ، فإذا غلب على ظنه أن الإمام سيركع قريبًا؛ فالأفضل في حقه أن يشرع في قراءة الفاتحة ولا يستفتح.

أيضًا من المواضع التي لا يستفتح فيها: صلاة الجنازة، فصلاة الجنازة لا يؤتى فيها بدعاء الاستفتاح، وإنما يكبِّر المسلم مباشرةً: الله أكبر، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم يأتي بالبسملة، ويقرأ الفاتحة من غير حاجةٍ لقراءة دعاء الاستفتاح.

الاستعاذة قبل قراءة الفاتحة

والتعوذ.

أي: بعدما يأتي بدعاء الاستفتاح يتعوذ.

والصيغة المشهورة للتعوذ: الواردة في قول الله : فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]، يعني: يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ووردت صيغٌ أخرى؛ منها: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم؛ من هَمْزه ونفخه ونفثه [26].

قال الموفق بن قدامة رحمه الله: “وهذا كله واسعٌ، ومهما استعاذ؛ جاز بلا كراهةٍ”.

طيب، هل الاستعاذة تكون في جميع الركعات، أو يقتصر على الاستعاذة في الركعة الأولى؟

أما الاستعاذة في الركعة الأولى: فهذا ظاهرٌ، لكن في الركعة الثانية والثالثة والرابعة -يعني: إذا قام المأموم مثلًا للركعة الثانية- هل يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو مباشرةً: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ۝الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:1-2]؟

هذا محل خلافٍ بين أهل العلم، وسبب الخلاف: هو الخلاف في القراءة في الصلاة، هل هي قراءةٌ واحدةٌ في جميع الركعات، أو أن لكل ركعةٍ قراءةً مستقلةً؟ إذا قلنا: إن القراءة في الصلاة قراءةٌ واحدةٌ، فتكفي استعاذةٌ واحدةٌ في الركعة الأولى، وإذا قلنا: لكل ركعةٍ قراءةٌ، فلا بد أن يأتي بالاستعاذة لكل ركعةٍ، قولان لأهل العلم:

  • القول الأول: أنه يستحب أن يستعيذ في كل ركعةٍ، وبه قال الشافعي وأصحابه، وهو روايةٌ عن الإمام أحمد، واختارها ابن تيمية، رحمة الله تعالى على الجميع.
  • والقول الثاني: أن التعوذ يختص بالركعة الأولى فقط، وأما الركعة الثانية والثالثة والرابعة فلا يتعوذ فيها، وإنما يبدأ بالبسملة: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:1-2]، وهذا هو الصحيح من مذهب الحنابلة، واختاره ابن القيم رحمه الله، وهذه من المسائل القليلة التي خالف فيها ابن القيم شيخه ابن تيمية رحمهما الله تعالى؛ فابن تيمية يقول: إنه يُستحب التعوذ في كل ركعةٍ، وابن القيم يقول: إن التعوذ إنما يكون في الركعة الأولى فقط.

القائلون بأنه يُستحب التعوذ في كل ركعةٍ استدلوا بعموم الأدلة؛ ومنها؛ قول الله : فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]، قالوا: هذا يعم كل ركعةٍ، وقالوا: لأن القراءة في كل ركعةٍ قراءةٌ مستقلةٌ.

وأما القائلون بأن التعوذ يختص بالركعة الأولى فقط، فقد استدلوا بما جاء في “صحيح مسلمٍ” عن أبي هريرة قال: كان رسول الله إذا نهض من الركعة الثانية؛ استفتح القراءة بــالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، ولم يسكت [27]، قالوا: فالظاهر أنه كان لا يتعوذ؛ لأنه لو كان يتعوذ؛ لسكت عليه الصلاة والسلام قليلًا وأتى بالتعوذ، فالصحابة  نقلوا كل شيءٍ، حتى وصفوا اضطراب لحيته [28]، ولما سكت للإتيان بدعاء الاستفتاح؛ سألوه: ماذا تقول [29]؟

فكون الراوي يقول: إنه عليه الصلاة والسلام يستفتح الركعة الثانية بـالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ هذا يشير إلى أنه لم يكن يتعوذ.

ثم إن القراءة في الصلاة قراءةٌ واحدةٌ، ويكفي أن يتعود في الركعة الأولى؛ بدليل أنه إنما يأتي بدعاء الاستفتاح في الركعة الأولى فقط؛ فكذا الاستعاذة، فلا فرق بين دعاء الاستفتاح وبين الاستعاذة.

ثم إن قارئ القرآن خارج الصلاة..، نفترض أن قارئ القرآن يقرأ خارج الصلاة، وتخلل هذه القراءةَ إجابة للمؤذن، أو تسبيحٌ أو تحميدٌ أو تكبيرٌ أو تهليلٌ، فإنه لا يُشرع له إعادة الاستعاذة، وإنما يكمل قراءته، وكذلك أيضًا في الصلاة، هي صلاةٌ، تخلل هذه الصلاة أذكارٌ؛ من تسبيحٍ وتحميدٍ وتكبيرٍ ودعاءٍ، يقولون: لو كنتَ مثلًا تقرأ القرآن، ثم أذن المؤذن، تابعت المؤذن، ثم رجعت تريد أن تقرأ القرآن، لا يحتاج أن تستعيذ مرةً ثانيةً، تُكمل القراءة، هكذا أيضًا في الصلاة، إذا استعذت في الركعة الأولى، فلا حاجة لأن تستعيذ مرةً ثانيةً في الركعة الثانية والثالثة والرابعة؛ لأنه إنما تخلل الصلاة أذكارٌ؛ من تسبيحٍ وتحميدٍ وتكبيرٍ وتهليلٍ ونحو ذلك.

والقول الراجح والله أعلم: هو القول الثاني، وهو أنه تكفي الاستعاذة في الركعة الأولى، هذا هو القول الأظهر؛ لأن دليلهم أقوى، خاصةً حديث أبي هريرة  أنه عليه الصلاة والسلام كان يفتتح القراءة من الركعة الثانية بـالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، هذا كالنص في المسألة، فالأقرب -والله أعلم- أن الاستعاذة في الركعة الأولى تكفي، ومع ذلك لو أراد أن يحتاط، أو أراد أن يستعيذ بالله؛ لِطرد الشيطان، يعني: يقول: ما دام أنه قد قال بهذا بعض أهل العلم، فأنا في الركعة الثانية والثالثة والرابعة آتي بالاستعاذة؛ لأجل طرد الشيطان: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]، الأمر في هذا واسعٌ إن شاء الله، لكن عند التحقيق والتحرير يظهر -والله أعلم- أن القول الراجح هو القول الثاني، وهو اختصاص التعوذ بالركعة الأولى، فخُذ هذا التحقيق الذي قد لا تجده مجموعًا هكذا في موضعٍ واحدٍ في كتابٍ آخر.

قراءة البسملة في الصلاة

والبسملة.

وهي أن يقول: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1]، والبسملة آيةٌ مستقلةٌ من القرآن بإجماع العلماء، نزلت للفصل بين السور ما عدا سورة براءة، يعني: سورة التوبة.

هل البسملة آيةٌ من الفاتحة؟

لكن هل البسملة آيةٌ من الفاتحة، أو ليست بآيةٍ من الفاتحة؟ قولان لأهل العلم:

  • القول الأول: أن البسملة ليست بآيةٍ من الفاتحة، وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم، وهو قول جمهور السلف، وهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة، بل قد حُكي إجماعًا: أن البسملة ليست بآيةٍ من الفاتحة.
  • القول الثاني: أن البسملة آيةٌ من الفاتحة، وهذا هو مذهب الشافعية، وروايةٌ عند الحنابلة.

والقائلون بأن البسملة ليست بآيةٍ من الفاتحة، استدلوا بما جاء في “صحيح مسلمٍ” عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : قال الله تعالى: قَسَمت الصلاة -يعني الفاتحة- بيني وبين عبدي نصفين؛ فإذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، قال الله تعالى: حمدني عبدي، فإذا قال العبد: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي، فإذا قال العبد: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، قال الله تعالى: مجَّدني عبدي، فإذا قال العبد: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، قال الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، قال الله تعالى: سألني عبدي، ولعبدي ما سأل [30].

وجه الدلالة: أن البسملة لو كانت آيةً من الفاتحة؛ لقال: فإذا قال العبد: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وهنا قال: فإذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وهذا ظاهرٌ في أن البسملة ليست بآيةٍ من الفاتحة، والحديث في “صحيح مسلمٍ”، وهو كالصريح، أو كالنص في هذه المسألة، هذه وجهة القائلين بأن البسملة ليست بآيةٍ من الفاتحة، أما الشافعية ومن وافقهم فاستدلوا بأن الصحابة  أثبتوها في المصحف في أوائل السور ما عدا سورة التوبة، قالوا: لو لم تكن قرآنًا؛ لما أثبتوها في المصحف بدون تمييز؛ لأن ذلك يحمل على اعتقاد أنها قرآنٌ، وهي ليست بقرآنٍ، فيكونون قد غرروا بالمسلمين، فهذا لا يجوز اعتقاده في الصحابة ، كذا قالوا.

والراجح: هو القول الأول، وهو أن البسملة ليست بآيةٍ من الفاتحة، وأما ما ذكره الشافعية من الاستدلال، فنقول: إنما هذا الاستدلال يصح لو كانت البسملة ليست بآيةٍ من القرآن، ولا نقول بذلك؛ البسملة آيةٌ من القرآن، نزلت في الفصل بين السور، ما عدا سورة براءة، وإنما الخلاف في كونها آيةً من الفاتحة، فالتعليل الذي ذكره الشافعية يقولون: لو لم تكن آيةً لما أجمع الصحابة  على إثباتها في المصحف؛ إنما يَرِد على مسألة: هل البسملة آيةٌ من القرآن، أو ليست بآيةٍ من القرآن؟ فنقول: هي آيةٌ من القرآن، والدليل: أن الصحابة  كتبوها وأثبتوها في المصاحف، لكن ليس هذا هو محل الخلاف؛ وإنما محل الخلاف: هل هي آيةٌ من الفاتحة أم لا؟ فهذا التعليل المذكور تعليلٌ في مسألةٍ ليست هي محل خلافٍ، تعليلٌ في غير محل الخلاف.

وعلى ذلك: فالقول الراجح: أن البسملة ليست بآيةٍ من الفاتحة؛ يترتب على هذا: أن الإنسان لو تركها؛ فصلاته صحيحةٌ، بينما على قول الشافعية لو تركها؛ فقد ترك جزءًا من أركان الصلاة؛ فلا تصح الصلاة، لكن على قول الجمهور: لو ترك البسملة فلم يقرأها، واكتفى بقراءة الفاتحة؛ فصلاته صحيحةٌ؛ لأن قراءتها مستحبةٌ، وليست واجبةً.

طيب، إذا قلنا: إن البسملة ليست بآيةٍ من الفاتحة، فيَرِد على هذا إشكالٌ: وهو أننا عندما نفتح المصاحف؛ نجد أن الآية رقمَ (1) في الفاتحة: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1]، الآية رقم (2): الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، الآية رقم (3): الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، رقم (4): مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، رقم (5): إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، (6): اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، (7): صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7].

نقول: إن هذا الترقيم إنما حدث بعد زمن الصحابة والتابعين، هو ترقيمٌ حادثٌ، وهو اجتهادٌ ممن فعل ذلك، واعتمد على قول الشافعية ومن وافقهم.

طيب، على قول الجمهور إذا قلنا: البسملة ليست بآيةٍ من الفاتحة، العلماء أجمعوا على أن الفاتحة سبع آياتٍ؛ لقول الله : وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87]، فكيف تكون الفاتحة سبع آياتٍ إذا اعتبرنا البسملة ليست بآيةٍ من الفاتحة؟

نقول: إنها تكون سبع آياتٍ على النحو الآتي: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الآية الأولى، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الآية الثانية، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ الآية الثالثة، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ الآية الرابعة، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ الآية الخامسة، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ الآية السادسة، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ الآية السابعة؛ ولهذا ينبغي للمصلي أن يقف على رؤوس الآي، فيقف عند: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ يقف، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ تكون الآية الأخيرة؛ فعلى القول الراجح: يكون الترقيم هكذا، وبذلك يرتفع الإشكال.

التأمين بعد قراءة الفاتحة

وقول: آمين.

التأمين عند الفراغ من الفاتحة سنةٌ للإمام والمأموم؛ لقول النبي : إذا أمَّن الإمام فأمنوا؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة؛ غُفر له ما تقدم من ذنبه [31].

و”آمين” معناها: اللهم استجب يا رب؛ وذلك لأن الفاتحة قد تضمنت دعاءً عظيمًا من أعظم الأدعية التي يحتاج لها المسلم، بل هو في غاية الضرورة لها، وهو سؤال الرب الهداية، فكان فرضًا على كل مسلمٍ أن يدعو به في كل ركعةٍ يصليها، فرضًا كانت صلاته أم نافلةً: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، هذا دعاء، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ هذا من أعظم الأدعية، فيشرع بعد ذلك أن يقول الإمام والمأموم والمنفرد: آمين، يعني: اللهم استجب يا رب هذا الدعاء.

“آمين” ليست من القرآن بالإجماع؛ فهي مستحبةٌ، يؤتى بها استحبابًا بعد الانتهاء من الفاتحة مباشرةً، الأفضل أن يأتي الإمام والمأموم والمنفرد بالتأمين بعد قراءة الفاتحة مباشرةً؛ لعل تأمينه يوافق تأمين الملائكة، فإن النبي يقول: إذا أمَّن الإمام فأمنوا؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة؛ غُفر له ما تقدم من ذنبه، وهذا الحديث متفقٌ عليه، أخرجه البخاري ومسلمٌ.

من وافق تأمينه تأمين الملائكة؛ غُفر له ما تقدم من ذنبه، هذا فضلٌ عظيمٌ؛ ولذلك قال بعض أهل العلم: ينبغي للمأموم أن يكون متيقظًا، من حين أن يقول الإمام: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ، مباشرةً يقول: آمين؛ رجاءَ أن يوافق تأمينُه تأمين الملائكة؛ فإنه إذا وافق تأمينه تأمين الملائكة؛ غُفر له ما تقدم من ذنبه، وقد جاء في “صحيح مسلمٍ” عن أبي موسى أن النبي قال: وإذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ، فقولوا: آمين، يُجِبْكم الله [32]، يعني: تقول: اللهم استجب يا رب، الله تعالى يستجيب.

ويستحب الجهر بالتأمين في الصلاة الجهرية، ويستحب أن يكون التأمين من الإمام والمأموم والمنفرد، أي: أن التأمين يكون من كل مُصَلٍّ، بعض الناس يتساهل في الإتيان بهذه السنة، فبعض الناس -خاصةً بعض المأمومين- لا يقول: آمين، أو يقولها من غير جهرٍ، فالسنة أن يرفع صوته بالتأمين، فإذا قال الإمام: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ، الإمام والمأمومون كلهم يقولون: آمين، وينبغي أن يُرفع الصوت بذلك ويُجهر به؛ كما ورد ذلك عن السلف.

قراءة سورةٍ بعد الفاتحة

وقراءة السورة بعد الفاتحة.

أي: أنه يستحب قراءة سورةٍ بعد الفاتحة، وإلى هذا ذهب الفقهاء، وذهب الحنفية إلى أن ذلك واجبٌ.

والصواب: قول الجمهور؛ لأنه ليس هناك دليلٌ ظاهرٌ يدل على الوجوب، وما استدل به الحنفية من حديث أبي سعيدٍ : لا صلاة لمن لم يقرأ بالحمد وسورةٍ في فريضةٍ أو غيرها [33]، رواه الترمذي، وهو حديثٌ ضعيفٌ لا يصح، وأكثر أهل العلم على أن قراءة سورةٍ بعد الفاتحة مستحبةٌ؛ أن هذه قراءةٌ مستحبةٌ وليست واجبةً، والأفضل أن يقرأ سورةً كاملةً، الأفضل في قراءة السورة بعد الفاتحة: أن تكون سورةً كاملةً، هذا هو هدي النبي غالبًا.

قال ابن القيم رحمه الله: “كان من هديه قراءة السورة كاملةً، وربما قرأها في الركعتين، وربما قرأ أول السورة، أما قراءة أواخر السور وأوساطها فلم يُحفظ عن النبي “، ولهذا ما يُرى من بعض الأئمة أن غالب قراءتهم من أواخر السور، أو من أوساطها، هذا خلاف السنة، فينبغي أن يحرص الإمام على أن يقرأ سورةً كاملةً ما أمكن، إما أن يقرأ سورةً في الركعة الأولى، وسورةً في الركعة الثانية، أو على الأقل يقرأ سورةً ويقسمها بين الركعتين، لا بأس أن يقرأ من أواسط السور ومن أواخرها، لكن ينبغي أن يكون ذلك غير الغالب، وأن يكون الغالب على قراءته أن يقرأ سورةً كاملةً، جاء عن عبدالله بن السائب  قال: “صلى لنا النبي الصبح بمكة، فاستفتح سورة المؤمنين، حتى جاء ذكر موسى وهارون، فأخذت النبيَّ سَعْلةٌ فركع” [34]، الظاهر أنه كان سيُكْملها، لكن أخذته سعلةٌ -يعني مثل الكحة- فركع.

وورد أن النبي كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا [البقرة:136]، وفي الثانية: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ [آل عمران:64]، وهذا يدل على أنه لا بأس بالقراءة من أواسط السور ومن أواخر السور، لكن ينبغي أن يكون ذلك غير الغالب، وأن يكون الغالب قراءة سورةٍ كاملةٍ.

ومن السنن أيضًا: أن تكون القراءة من المفصَّل، والمفصل يبتدئ من سورة (ق) إلى سورة الناس، والسنُّة أن تكون القراءة في صلاة الفجر من طِوَال المفصل، أي: من سورة (ق) إلى سورة: عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ [النبأ:1]، وأن تكون القراءة في صلاة المغرب من قصار المفصل: من الضحى إلى الناس، وأن تكون القراءة في الظهر والعصر والعشاء من وسط المفصل، أي: من عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ إلى الضحى، السنة أن تكون كذلك غالبًا، لكن لا يداوم عليها، وإنما أحيانًا يقرأ من غيرها؛ ولهذا أنكر زيد بن ثابتٍ على عبدالملك بن مروان، قال: “ما لي أراك تقرأ في المغرب بقصار السور، وقد رأيتُ النبي يقرأ فيها بطُولَى الطُّولَيَين!” [35]، يعني: بسورة الأعراف، فلا يكون ذلك بصفةٍ دائمةٍ، وإنما بصفةٍ غالبةٍ؛ فأحيانًا يقرأ من غير هذا، من غير المفصل، لكن الأكمل أن تكون غالب القراءة من المفصل؛ ولهذا عاتب النبي معاذًا على إطالته الصلاة؛ لأن معاذًا كان يصلي مع النبي صلاة العشاء، ويرجع يصلي بقومه، وهو في حقه فريضةٌ، وفي حقهم نافلةٌ، فذات ليلة افتتح بسورة البقرة، يريد أن يقرأ بسورة البقرة كاملةً، وسورة البقرة تعادل جزئين ونصفًا تقريبًا، وكان يصلي خلفه أنصاريٌّ فلاحٌ في مزرعةٍ، من أول النهار متعبٌ مجهَدٌ، ينتظر متى يأتي وقت العشاء؛ حتى يصلي ثم ينام، فمعاذ افتتح يقرأ سورة البقرة، فهذا الأنصاري أكمل لنفسه وانصرف، فلما سلَّم معاذٌ أخبره المصلون بأن هذا الرجل أكمل لنفسه وانصرف، قال معاذٌ: هذا منافقٌ، فبلغت هذه المقولة هذا الرجل؛ فذهب للنبي وأخبره، فدعا النبي معاذًا وقال: أفَتَّانٌ أنت يا معاذ؟! -كيف تقرأ بهم سورة البقرة كاملةً؟!- أفتانٌ أنت يا معاذ، هلَّا قرأتَ بـسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس:1]، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا [الشمس:4] [36]، فسمى له سُوَرًا من وسط المفصل.

ومن الحِكَم في هذا والله أعلم:

  • أولًا: التيسير على الناس، وعدم الإطالة عليهم.
  • أيضًا: أن يحفظ الناس هذه السور، فإذا كان الإمام يُرددها؛ يحفظها الناس خلفه، خاصةً أن المأمومين شرائح شتى، فيهم الأمي، وفيهم العامي، وفيهم الإنسان المشغول الذي ليس عنده وقتٌ للحفظ، فإذا سمعوا هذه السور تتكرر على أسماعهم؛ حفظوها مع مرور الوقت، مثلًا قصار السور، لماذا يحفظها أكثر الناس؛ لأنهم يسمعونها تكرر على أسماعهم، فهذه من الحِكَم في القراءة من المفصل، لكن ينبغي أن يقرأ الإمام أحيانًا من الطِّوَال، النبي عليه الصلاة والسلام ورد عنه أنه قرأ بـ(الأعراف) في سورة المغرب [37]، قرأ بـ(الصافات) في الفجر [38]، قرأ بـ(المؤمنون) في الفجر [39]، فالقراءة من غير المفصل يأتي بها أحيانًا على غير الغالب.

قال لي أحد الإخوة: إنني في مسجدٍ، أخشى أن الناس ينسون قصار السور، يقول: الإمام عندنا لا يكاد يقرأ من قصار السور، يقرأ من حفظه من الطِّوَال، تارةً يقرأ من البقرة، تارةً من آل عمران، تارةً من الأعراف، تارةً من الأنفال، لا يكاد يقرأ من قصار السور.

هذا خلاف السنة، ربما أن الإمام يقول: أريد أن أراجع حفظي، تراجع حفظك في غير الصلاة، أنت إمامٌ وأنت مؤتمنٌ؛ ينبغي أن تحرص على تطبيق السنة، والسنة: أن تقرأ من المفصل في الفجر من طِواله، وفي المغرب من قصاره، وفي الظهر والعصر والعشاء من وسطه، فينبغي أن تحرص على تطبيق السنة في هذا.

يستحب قراءة سورتي السجدة والإنسان في فجر الجمعة؛ كما جاء ذلك في “الصحيحين” من حديث أبي هريرة  عن النبي [40]، وقراءة سورتي السجدة والإنسان إذا قرأها الإمام بطريقة الحدر ليست طويلةً، يعني: تأخذ حدود ربع ساعةٍ تقريبًا، ليست طويلةً، أذكر أنني سمعت من يسأل شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله يقول: إنني إمامٌ، وأرغب في قراءة السجدة والإنسان في صلاة الفجر، لكن خلفي بعض كبار السن يشقُّ عليهم ذلك، فقال الشيخ: طبق السنة واقرأ السجدة والإنسان، وأما من يشق عليه ذلك فليجلس، الحمد لله له رخصةٌ في الجلوس، إذا كان يشق عليه القيام؛ يصلي جالسًا، لكن لا تترك السنة لأجل ذلك، جاء عند أبي داود أن النبي قرأ سورة الزلزلة في الركعتين جميعًا، عن رجلٍ من جهينة، أنه  قرأ إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا [الزلزلة:1]، في الركعة الأولى وفي الركعة الثانية، يقول: فلا أدري، نسي أم فعل ذلك عمدًا [41]، ولكن هذا الحديث ضعيفٌ، لا يثبت من جهة الصناعة الحديثية، فينبغي عدم تطبيق ذلك؛ لأنه بلغني أن بعض أئمة المساجد يفعل هذا، والحديث المروي في ذلك حديثٌ ضعيفٌ، لا يصح عن النبي .

الجهر بالقراءة للإمام

والجهر بالقراءة للإمام.

يعني: السنة: الجهر بالقراءة للإمام؛ وذلك في صلاة الفجر، وفي الأوليين من المغرب والعشاء، وفي صلاة الجمعة والعيدين وصلاة الكسوف؛ لأن النبي قد واظب على ذلك طيلة حياته.

كراهة الجهر للمأموم، ويُخيَّر المنفرد

ويكره للمأموم، ويُخيَّر المنفرد.

يكره الجهر للمأموم بالفاتحة، فإن السنة بحقه الإسرار، والجهر قد يشوش على من حوله.

وأما المنفرد: فهو مخيرٌ بين الإسرار والجهر في الصلاة الجهرية، وأما السرية فالإسرار أفضل في حق المنفرد، فيخير المنفرد بين الإسرار والجهر في الصلاة الجهرية؛ يعني: مثلًا إذا أراد أن يصلي المنفرد المغرب؛ امرأةٌ تُريد أن تصلي المغرب، أو تصلي العشاء، أو تصلي الفجر، هل الأفضل للمرأة أن تُسِر أو تجهر بالقراءة؟ نقول: هي مخيرة، وتختار ما هو الأصلح لقلبها، لكن في الصلاة السرية مثل صلاة الظهر والعصر الأفضل الإسرار.

وقال بعض أهل العلم: إن المأموم يجهر فيما يجهر به الإمام إذا كان مسبوقًا وقضى، وهكذا المنفرد، قولٌ لبعض أهل العلم، ويظهر أن الأقرب هو ما ذكره المصنف من أن المنفرد في الصلاة السرية الأفضل في حقه الإسرار، وأما الجهرية فهو مخيرٌ بين الإسرار والجهر، وفي صلاة الليل أيضًا مخيرٌ بين الجهر والإسرار، ويختار ما هو الأصلح لقلبه.

السنة بعد الرفع من الركوع

وقول غير المأموم بعد التحميد: مِلْءَ السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيءٍ بعد.

مراد المؤلف: أن غير المأموم هو الذي يقول: سمع الله لمن حمده، فيشرع في حقه أن يقول بعد ذلك: ربنا ولك الحمد، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، مِلْءَ السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيءٍ بعد [42]، أما المأموم فلا يزيد على قول: ربنا ولك الحمد.

والقول الراجح: أن هذا مشروعٌ في حق الجميع؛ في حق الإمام والمأموم والمنفرد؛ لعموم الأدلة؛ ومنها: حديث أبي سعيدٍ : كان رسول الله إذا رفع رأسه من الركوع قال: ربنا ولك الحمد، مِلْءَ السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد، أحقُّ ما قال العبد، وكلنا لك عبدٌ، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد [43].

الزيادة في عدد تسبيحات الركوع والسجود

وما زاد على المرة في تسبيح الركوع والسجود.

يعني: أن ذلك مستحبٌّ، وسبق الكلام عن ذلك، و”رب اغفر لي”، أيضًا ما زاد على قول: “رب اغفر لي”، مرةً واحدةً، وسبق أيضًا الكلام عن ذلك.

حكم الصلاة على النبي  وآله في التشهد الأخير

والصلاة في التشهد الأخير على آله -عليهم السلام- والبركة عليه وعليهم.

الصلاة على آل النبي يرى المؤلف أنها مستحبةٌ، وهذا قول عامة أهل العلم، أما الصلاة على النبي فهي ركنٌ على رأي المؤلف، وهي محل خلافٍ على ثلاثة أقوالٍ:

  • منهم: من قال: إنها ركنٌ، وهو قول الشافعية، والصحيح من مذهب الحنابلة.
  • والقول الثاني: أنها واجبةٌ.
  • والقول الثالث: أنها مستحبةٌ، وهو مذهب الحنفية والمالكية، وحُكي إجماعًا.

والقول بأنها ركنٌ، بعيدٌ؛ لأنه ليس هناك دليلٌ ظاهرٌ يدل على الركنية، وهناك من قال: بأن الصلاة على النبي مستحبةٌ وليست واجبةً، ولا يُعرف أن أحدًا من العلماء قال بوجوبها قبل مخالفة الشافعي، ورَدَّ هذه المقولةَ ابن كثيرٍ وابن القيم، قالوا: رُوي عن أفرادٍ من السلف أنهم قالوا بالوجوب، القائلون بوجوب الصلاة على النبي في التشهد الأخير، وأنها ركنٌ، استدلوا بالآية الكريمة: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، لكن هذا الاستدلال استدلالٌ بغير محل الخلاف، الآية عامةٌ في الصلاة وفي غيرها، تخصيصها بالصلاة يحتاج إلى دليلٍ، استدلوا بحديث كعب بن عجرة ، قالوا: يا رسول الله، عرفنا كيف نسلم عليك؛ فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ [44]، لكن هذا ليس بظاهرٍ في الركنية فضلًا عن الوجوب، قالوا: يا رسول الله، عرفنا كيف نسلم عليك، -يعني: في قول المصلي: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته- فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صلِّ على محمدٍ، القائلون بأنها واجبةٌ استدلوا بالأدلة السابقة، لكنهم حملوها على الوجوب.

أما القائلون بالاستحباب فقالوا: إن الوجوب -فضلًا عن الركنية- يحتاج إلى حديثٍ، أو دليلٍ صحيحٍ لا معارض له، وليس هناك دليلٌ ظاهرٌ يدل على ذلك، وهذا هو القول الراجح: أن الصلاة على النبي في التشهد الأخير مستحبةٌ وليست واجبةً، فضلًا عن أن تكون ركنًا؛ بدليل أن عمر  كان يعلم الناس التشهد على المنبر، ولم يكن يعلمهم الصلاة على النبي ؛ فالقول الراجح إذنْ: أنها مستحبةٌ وليست واجبةً.

الدعاء بعد الفراغ من التشهد

والدعاء بعده.

يعني: الدعاء بعد الفراغ من التشهد؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه [45]، الدعاء بعد التشهد وبعد الصلاة على النبي ، يتخير من الدعاء ما أعجبه، إذا كان في صلاةِ النافلة؛ فيتخير من الدعاء ما أعجبه من خير الدنيا والآخرة، أما في صلاة الفريضة فالأولى أن يقتصر على أمور الآخرة، المذهب عند الحنابلة أنه ليس له الدعاء في الصلاة بشيءٍ يُقصد به ملاذُّ الدنيا، بل قالوا: إن الصلاة تَبطل بذلك، قالوا: ليس له الدعاء بشيءٍ مما يُقصد به ملاذ الدنيا، وتبطل به.

ولكن القول الراجح: أنه لا بأس بالدعاء في صلاة النافلة بأمور الدنيا والآخرة؛ لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه، وأما الفريضة فالأفضل أن يقتصر في الدعاء على أمور الآخرة، ولا يدعو بأمور الدنيا، ومع ذلك لو دعا بأمور الدنيا فلا بأس، لكن الأفضل في صلاة الفريضة أن يقتصر على الدعاء بأمور الآخرة فقط.

ونقف عند سنن الأفعال؛ عند قول المؤلف: “وسنن الأفعال، وتسمى الهيئات”.

انتهينا من الكلام عن سنن الأقوال، ونقف عند سنن الأفعال؛ نفتتح بها درسنا القادم إن شاء الله تعالى.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

والآن يعني بعد الأذان نجيب عما تيسر من الأسئلة إن شاء الله.

الأسئلة

السؤال: هذا سائلٌ يسأل عن النظر إلى السبابة حال التشهد؟

الجواب: هذه المسألة ستأتينا بالتفصيل في الدرس القادم -إن شاء الله تعالى- في السنن الفعلية، سيذكر المؤلف أن منها: النظر إلى موضع السجود، وأنه في حال التشهد ينظر إلى موضع السجود، وبعض أهل العلم يقول: ينظر إلى السبابة، هذه مسألةٌ سنفصل الكلام فيها، ونذكر الخلاف في الدرس القادم -إن شاء الله تعالى- عند قول المؤلف: إن السنة النظر إلى موضع السجود.

السؤال: ما حكم جعل أكثر من نيةٍ للصلاة الواحدة، مثل أن تكون صلاة استخارةٍ وتحيةً للمسجد في نفس الوقت؟

الجواب: إذا كانت الصلاة ليست مقصودةً لذاتها؛ فلا بأس، فتحية المسجد ليست مقصودةً لذاتها؛ وإنما المقصود: ألا يجلس حتى يأتي بصلاةٍ، فلا بأس أن ينوي معها صلاةً أخرى؛ مثل: السنة الراتبة، فإذا أتى للمسجد لصلاة الظهر؛ ينوي السنة الراتبة، وينوي تحية المسجد، كذلك أيضًا الاستخارة ليست مقصودةً لذاتها؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: فليركع ركعتين من غير الفريضة [46]؛ فعلى ذلك: لا بأس أن ينوي بهاتين الركعتين تحية المسجد، وأيضًا الاستخارة، أو السنة الراتبة ينوي بها سنةً راتبةً ويستخير بعدها.

السؤال: هل يجوز أن تكون القراءة جهريةً في صلاة الوتر؛ لأجل سماع صوت التلاوة؟

الجواب: صلاة الليل يختار المسلم ما هو الأصلح لقلبه من الجهر أو الإسرار، فإذا كان الجهر أصلح لقلبه وأكثر خشوعًا؛ فيجهر بالقراءة، وإذا كان الإسرار أصلح لقلبه؛ فيسر، فالعلماء يقولون: إنه يختار ما هو الأصلح لقلبه، إلا إذا كان بجواره من يتأذى برفع الصوت؛ فلا يؤذِ غيره برفع الصوت.

السؤال: من يطيل الدعاء بعد التشهد الأخير في الصلوات الخمس، ما الضابط في ذلك؟ وما هو مقدار الوقت للدعاء في هذا الموضع؟ هل المجال مفتوحٌ بالدعاء حتى لو طال الوقت؟

الجواب: أما بالنسبة للإمام: فالإمام يراعي أحوال المأمومين خلفه، فلا يطيل إطالةً تشق عليهم؛ وعلى ذلك: فإذا كان الإمام في التشهد الأخير؛ فيأتي بدعاءٍ لا يطيل به على من خلفه من المأمومين، وأما إذا كان المصلي مأمومًا؛ فإنه يتخير من الدعاء ما أعجبه، لكن في صلاة الفريضة ينبغي الاقتصار على الدعاء بأمور الآخرة، أما صلاة النافلة فالأمر فيها واسعٌ، يدعو فيها بما يحضره من خيري الدنيا والآخرة، وأما المنفرد؛ كالمرأة في الصلاة، ففي صلاة النافلة تدعو بما تشاء من خيري الدنيا والآخرة ولو أطالت، وأما في صلاة الفريضة فينبغي أن تقتصر في الدعاء على أمور الآخرة.

السؤال: هل الأفضل أن يكتفي بقول: رب اغفر لي، أو يزيد: رب اغفر لي ولوالدي، عند الجلسة بين السجدتين؟

الجواب: الأفضل الاقتصار على قول: رب اغفر لي، يكررها، يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، رب اغفر لي، يكررها، الأفضل أن يقول ذلك عشر مراتٍ، كالتسبيح في الركوع والسجود، وسبق أن ذكرنا في الدرس أن زيادة: وارحمني، واهدني وارزقني، واجبرني وعافني، أن هذه الزيادة لا تثبت من جهة الصناعة الحديثية، وأن المحفوظ هو ما جاء في حديث حذيفة من قول: ربِّ اغفر لي يُكررها.

السؤال: إمام المسجد وجد محفظةً بها مبالغ ماليةٌ وبطاقاتٌ، وبعد الصلاة سأل المصلين عن صاحبها، هل يعتبر هذا من إنشاد الضالة؟

الجواب: نعم، هذا يأخذ حكم إنشاد الضالة، والنبي لما أتى رجلٌ يسأل عن جَمَله الشارد قال: من رأى منكم الجمل الأحمر؟ قال النبي : لا رده الله عليك؛ فإن المساجد لم تُبْن لهذا [47]، المساجد هي دُورٌ للعبادة، لم تُبْن لنِشْدان الضالة والبحث عن المفقودات، أو لعقد الصفقات التجارية، أو للدعايات، هذه كلها ينبغي أن تصان عنها المساجد.

وعلى ذلك: فتصرف هذا الإمام كان خطأً، ما هو الحل في مثل هذا، إذا وجد الإمام شيئًا مفقودًا؟ الحل: أن توضع لافتةٌ أو ورقةٌ على باب المسجد من الجهة الخارجية، ويقال: من كان له هذا الشيء؛ فليراجع مثلًا الإمام، أو يراجع المؤذن، أو حارس المسجد، أو نحو ذلك، لكن لا تُنشَد الضالة في المسجد، ولا يُعلَن عن المفقودات داخل المساجد؛ لأن المساجد هي دُور عبادةٍ، فينبغي أن تخصص للعبادة، وأن تصان عن أمور الدنيا.

طيب، هذه أبرز الأسئلة التي وردتنا.

نكتفي بهذا القدر، وموعدنا غدًا -إن شاء الله- بعد صلاة المغرب في التعليق على كتاب الفضائل من “صحيح مسلمٍ”.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أبو داود: 857، والنسائي: 1135، وابن ماجه: 460، وأحمد: 18997، ورواه البخاري: 757، ومسلم: 397، من حديث أبي هريرة .
^2 رواه البخاري: 757، ومسلم: 397.
^3 رواه البخاري: 829، ومسلم: 570.
^4 رواه البخاري: 631.
^5, ^13, ^23, ^29, ^37, ^39 سبق تخريجه.
^6, ^7 رواه البخاري: 689، ومسلم: 411.
^8 رواه البخاري: 722، ومسلم: 409.
^9 رواه البخاري: 795.
^10 رواه البخاري: 796، ومسلم: 409.
^11 رواه مسلم: 473.
^12 رواه أبو داود: 869، وابن ماجه: 887، وأحمد: 17414.
^14 رواه أبو داود: 888، والنسائي: 1135، وأحمد: 12661.
^15 رواه البخاري: 817، ومسلم: 484.
^16, ^19 رواه مسلم: 479.
^17 رواه مسلم: 487.
^18 رواه أبو داود: 873، والنسائي: 1049، وأحمد: 23411.
^20 رواه مسلم: 771، بنحوه.
^21 رواه النسائي: 1145، وابن ماجه: 897.
^22 رواه الترمذي: 284، وأحمد: 3514.
^24 رواه مسلم: 399.
^25 رواه البخاري: 744، ومسلم: 598.
^26 رواه أبو داود: 775، والترمذي: 242، وابن ماجه: 807.
^27 رواه مسلم: 599.
^28 رواه البخاري: 746.
^30 رواه مسلم: 395.
^31 رواه البخاري: 780، ومسلم: 410.
^32 رواه مسلم: 404.
^33 رواه الترمذي: 238.
^34 رواه مسلم: 455، وذكره البخاري تعليقًا: 1/ 154.
^35 رواه البخاري: 493.
^36 رواه البخاري: 705، ومسلم: 465.
^38 رواه أحمد: 4989.
^40 رواه البخاري: 891، ومسلم: 880.
^41 رواه أبو داود: 816، بنحوه.
^42 رواه مسلم: 471.
^43 رواه مسلم: 477.
^44 رواه البخاري: 3370، ومسلم: 406.
^45 رواه البخاري: 835، ومسلم: 402.
^46 رواه البخاري: 7390.
^47 رواه مسلم: 568.
zh