الرئيسية/دروس علمية/التعليق على كتاب السلسبيل في شرح الدليل/(10) باب الأذان والإقامة- من قوله: “وهما فرض كفاية في الحضر..”
|categories

(10) باب الأذان والإقامة- من قوله: “وهما فرض كفاية في الحضر..”

مشاهدة من الموقع

عناصر المادة

ننتقل بعد ذلك إلى التعليق على “السلسبيل شرح الدليل”، وكنا قد انتهينا من المجلد الأول، وننتقل في هذا الدرس إلى المجلس الثاني.

والمجلد الأول كان يشتمل على أبواب الطهارة، المجلد الثاني يبتدئ بباب الأذان والإقامة، ثم كتاب الصلاة، والمؤلف خالف كثيرًا من الفقهاء في ذلك؛ حيث إن أكثر الفقهاء يبدءون بكتاب الصلاة، ثم يذكرون الأذان والإقامة في كتاب الصلاة، بل حتى كثيرٌ من فقهاء الحنابلة يفعل ذلك، ولكن المؤلف -صاحب “دليل الطالب”- خالف هذا الترتيب، فبدأ بباب الأذان والإقامة، ثم باب شروط الصلاة، ثم كتاب الصلاة، وكأنه رأى أن هذا الباب هو كالمقدمة لكتاب الصلاة؛ لأن الأذان والإقامة يتقدمان الصلاة، فرأى تقديم هذا الباب، ولا مشاحة في الاصطلاح.

تعريف الأذان لغةً واصطلاحًا

الأذان، تعريف الأذان لغةً: الإعلام، مشتقٌّ من الأُذن؛ لأنه بها يُسمع الإعلام، ومنه قول الله تعالى: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279]، وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ [التوبة:3].

وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ: وأذانٌ، يعني: إعلامٌ، مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ: الذي هو يوم النحر، وكان هذا في السنة التاسعة من الهجرة؛ لما بعث النبي أبا بكرٍ الصديق ، وأمره أن يُعلِم في الناس بما ذكره الله تعالى في الآية: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [التوبة:3]، يعني: ما ذكره الله في سورة التوبة، وأيضًا أمره بأن يُعلِم الناس بأنه لا يحج بعد هذا العام مُشركٌ، ولا يطوف بالبيت عريانٌ، فقوله: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يعني: إعلامٌ، فمادة الأذان تدور حول معنى الإعلام.

وأما شرعًا: فهو التعبد لله بالإعلام بدخول وقت الصلاة، بذكرٍ مخصوصٍ، هذا أحسن ما قيل في تعريفه.

حكم الأذان المسجَّل

وقولنا في أول التعريف: التعبد، يدل على أن الأذان عبادةٌ، وهذه العبادة يُشترط لها ما يشترط في العبادات؛ ومن ذلك: النية، والإسلام؛ وعلى هذا: الأذان عبر المسجل لا يصح؛ لأنه يفتقد إلى نيةٍ، والنية غير واردةٍ هنا؛ فلا يجوز الاعتماد على المسجل في الأذان، بل لا بد أن يؤذن أحد الناس.

وصوت المسجل هو مجرد حكاية صوتٍ؛ فلذلك نقول: إنه لا بد من مباشرة الأذان من أحد الناس، ولا يجوز الاكتفاء بالمسجل، اللهم إلا إذا أُريد به مجرد التذكير، وليس الاعتماد عليه بدلًا من المؤذن؛ كما يحصل في بعض المطارات والمستشفيات، وبعض الدوائر الحكومية، يجعلون صوتًا مسجَّلًا بالأذان، لا بأس بذلك، هذا من باب التذكير، أما في المساجد، هنا لا بد أن المؤذن يُباشر الأذان، ولا يَكتفي بالمسجل، لكن لو كان مثلًا في مطارٍ، في مستشفًى، في..، شُغِّلَ صوت المسجل بالأذان، لا بأس بذلك، هذا فيه تذكيرٌ للناس بدخول الوقت.

متابعة الأذان المسجَّل

طيب، متابعة الأذان المسجَّل لا تشرع متابعته؛ لأنه مجرد حكاية صوتٍ، وقد ذكر فقهاء الحنفية هذه المسألة، لكن بصورةٍ أخرى، قالوا: البَبْغاء إذا عُلِّم الأذان فأذَّن فلا تشرع متابعته، ويشبه الببغاء في الوقت الحاضر المسجل، كذلك نقول أيضًا: إن صوت المسجل بالأذان لا تشرع متابعته؛ وعلى ذلك: إذا كان الأذان مثلًا من الإذاعة أو من التلفاز مسجلًا؛ لا تُشرع متابعته؛ لأنه مجرد حكاية صوتٍ؛ ولذلك أحيانًا يأتون بصوت إنسانٍ ميتٍ، فهو مجرد حكاية صوتٍ.

أما الأذان المنقول على الهواء مباشرةً: فإذا كان المتابع لم يصلِّ بعد، فتشرع متابعته عند أكثر العلماء، أما إذا كان المصلي قد صلى؛ كأن يكون مثلًا صلى في مدينة الرياض، ثم ركب السيارة، وفتح الإذاعة، فوجد الأذان منقولًا من مكة، فهنا لا تشرع المتابعة؛ لأن الأذان إعلامٌ بدخول الوقت، وهو قد صلى؛ ولأنه يتضمن النداء والحث على الصلاة، والمؤذن يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، والمتابع قد صلى.

على ذلك نقول:

الأذان عبر المسجل لا تشرع متابعته.

الأذان المنقول على الهواء مباشرةً: إن كان قد صلى؛ لا تشرع متابعته، إن كان لم يصلِّ؛ فتُشرع متابعته.

تشريع الأذان

شُرِع الأذان في السنة الأولى من الهجرة، وقد جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في “الصحيحين”: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون، فيتحينون الصلاة، ليس ينادى لها، فتكلموا فقال بعضهم: نتخذ ناقوسًا، فكرهوا ذلك، قالوا: ناقوسًا كناقوس النصارى! وقال بعضهم: بوقًا مثل قرن اليهود، فكرهوا ذلك، فقال عمر: أولا تبعثون رجلًا ينادي بالصلاة، فقال رسول الله : يا بلال، قم فناد بالصلاة [1]، هذه روايةٌ في “الصحيحين”، لكن جاء في مسند أحمد وغيره تفصيلٌ أكثر، وهو أن عبدالله بن زيد بن عبد ربه ، رأى في المنام رجلًا يعلمه كلمات الأذان، يقول له: قل: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله..، وأتى بكلمات الأذان، فذهب للنبي  وأخبره، فقال عليه الصلاة والسلام: إنها لرؤيا حقٍّ، قم يا بلال، ألقِ عليه يا عبدالله ما رأيت في منامك، فليؤذن به، فذهب عبدالله بن زيدٍ ومعه بلالٌ، وعبدالله يلقنه كلمات الأذان، فأتى عمر  لما سمع ذلك، ذهب للنبي عليه الصلاة والسلام، قال: والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثلما رأى، فقال النبي : فلله الحمد [2]، فاتفقت رؤيا عبدالله بن زيد بن عبد ربه ورؤيا عمر رضي الله عنهما على كلمات الأذان، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بأن يؤذَّن بها، هذا هو أصل مشروعية الأذان.

وكلمات الأذان كلماتٌ عظيمةٌ ينبغي التأمل فيها والتفكر؛ المؤذن يبدأ أولًا بـ: الله أكبر، يعني: الله أكبر من كل شيءٍ، يكررها أربع مراتٍ، ثم بالشهادتين: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم ينادي المستمعَ للصلاة: حي على الصلاة: أقبل إلى الصلاة، حي على الفلاح: أقبل إلى الفلاح، ثم يختم بالتكبير، ثم بكلمة التوحيد: لا إله إلا الله، فهي كلماتٌ عظيمةٌ.

أيهما أفضل: الأذان أم الإمامة؟

اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

  • القول الأول: أن الإمامة أفضل، وهذا مذهب الحنفية والمالكية، قالوا: لأن هذا هو فعل النبي  وفعل خلفائه الراشدين، ولا يختارون إلا ما هو الأفضل.
  • القول الثاني: أن الأذان أفضل، وهذا هو مذهب الشافعية والحنابلة في الرواية المشهورة، قالوا: لأنه قد ورد في فضل الأذان ما لم يرد في فضل الإمامة؛ ومن ذلك: حديث أبي هريرة أن النبي قال: لو يعلم الناس ما في النداء -يعني: الأذان- والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه؛ لاستهموا [3]، متفقٌ عليه، يعني: لو يعلمون ما في الأذان من الفضل لتشاحُّوا عليه، بحيث يقترعون عليه أيهم يؤذن؟ كذلك أيضًا حديث معاوية  أن النبي قال: المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة [4]، رواه مسلمٌ، وحديث أبي سعيدٍ  أن النبي قال: لا يسمع صوت المؤذن جنٌّ ولا أنسٌ ولا شيءٌ إلا شهد له يوم القيامة [5]، وأيضًا حديث أبي هريرة  أن النبي قال: المؤذن يُغفر له مدى صوته، ويشهد له كل رطبٍ ويابسٍ [6]، وقول عمر : “لو كنت أطيق الأذان مع الخلافة؛ لأذَّنت”.

فهذه النصوص يقولون: وردت في فضل الأذان، ولم يرد مثلها في فضل الإمامة.

عند الموازنة والترجيح بين القولين، القول الراجح -والله أعلم- هو القول الثاني، وهو أن الأذان أفضل من الإمامة إلا في حق الإمام الأعظم، ومن كان مشغولًا بما فيه نفعٌ عامٌّ للمسلمين، فالإمامة في حقه أفضل.

إذنْ الراجح هو القول الثاني: أن الأذان أفضل، إلا في حق من له ولايةٌ عامةٌ، ومن كان مشتغلًا بما فيه نفعٌ عامٌّ للمسلمين، وهذا الترجيح هو الأقرب، وهو تلفيقٌ، ما يسميه بعض العلماء: التلفيق، والتلفيق لا باس به، التلفيق معناه: أن يكون هناك أكثر من رأيٍ، فيُرجَّح جزءٌ من هذا القول، وجزءٌ من هذا القول، يُسمى هذا تلفيقًا، وهو لا بأس به على القول الراجح.

أما القول بأن الإمامة أفضل إلا في حق من ذكرنا؛ فلأنه ورد في فضل الأذان من النصوص ما لم يرد في فضل الإمامة، وأيضًا الأذان أشق من الإمامة غالبًا، خاصةً في الزمن السابق، كان المؤذن ينشغل بمراقبة الوقت، ويرقى السطح والمنارة، ويرقب الشمس، ويرقب الشفق، ويأتي قبل دخول الوقت، فمشقة الأذان أكثر، يعني الأذان أشق من الإمامة، أما الإمامة فمجرد أنه يأتي ويؤم الناس، فالأذان أشق من الإمامة غالبًا.

وأما الاستثناء في قولنا: إلا من كان له ولايةٌ عامةٌ؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام وخلفاءه الراشدين  كانوا أئمةً، ولم يكونوا مؤذنين؛ ولهذا قال عمر : “لولا الخلافة لأذنت”، وقولنا أيضًا: “من هو مشتغلٌ بما فيه نفعٌ عامٌّ للناس”، يُقاس على ذلك: العالم الكبير المشتغل بتعليم الناس مثلًا، فالإمامة في حقه أفضل من الأذان؛ لأنه لو اشتغل بالأذان؛ كان ذلك على حساب أمورٍ أهم وأكثر منفعةً للناس، هذا عالمٌ كبيرٌ من علماء الناس، هل نقول: تكون مؤذنًا، أو تكون إمامًا؟ لا شك أن كونه إمامًا أفضل من كونه مؤذنًا، هذا القول الأقرب في هذه المسألة.

حكم الأذان والإقامة

ثم قال المصنف رحمه الله:

وهما فرض كفايةٍ.

فبيّن المؤلف حكم الأذان والإقامة، وأنهما فرض كفايةٍ في الحضر، وبهذا قال المالكية، ويدل لذلك قصة مالك بن الحويرث ، قال: “أتيت النبي في نفرٍ من قومي، فأقمنا عنده عشرين ليلةً، وكان رحيمًا رفيقًا، فلما رأى شوقنا إلى أهالينا، قال: ارجعوا، وكونوا فيهم، وعلموهم وصلُّوا، فإذا حضرت الصلاة؛ فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم [7]، لأنهم كانوا متقاربين في القراءة، متقاربين في الفقه والعلم؛ ولذلك اعتبر السن؛ ولحديث أبي الدرداء  أن النبي قال: ما من ثلاثةٍ في قريةٍ ولا بدوٍ لا يؤذَّن فيهم، ولا تقام فيهم الصلاة؛ إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية [8]، هذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد بسندٍ حسنٍ.

فقوله: ما من ثلاثةٍ في قريةٍ ولا بدوٍ لا يؤذَّن فيهم، ولا تقام فيهم الصلاة؛ إلا استحوذ عليهم الشيطان، هذا ظاهر الدلالة في أن الأذان فرض كفايةٍ، وهو من شعائر الإسلام الظاهرة؛ ولهذا لو اتفق أهل بلدٍ على تركه فإنهم يقاتَلون.

حكم الأذان الموحَّد

طيب، نحن تكلمنا عن الأذان عبر المسجل، والأذان المنقول على الهواء مباشرةً، هناك ما يُسمى بـ”الأذان الموحد”، موجودٌ في بعض البلدان، يعني: يُكتفى بأذانٍ واحدٍ، مثلًا مدينة الرياض، يؤذن المؤذن مثلًا في الجامع الكبير، ويُنقل لا سلكيًّا لجميع المساجد، فما حكمه؟ هذا من حيث الصحة صحيحٌ، لكن فيه إشكالاتٌ كثيرةٌ؛ من هذه الإشكالات: حرمان كثيرٍ من الناس من الأذان، وهو عبادةٌ جليلةٌ، ورد في فضلها نصوصٌ كثيرةٌ، فالمدينة التي يسكنها آلافٌ -وربما ملايين- لا يؤذِّن فيها إلا مؤذنٌ واحدٌ.

فالأقرب -والله أعلم- أن ترك هذا أولى، وأنه ينبغي أن يترك الناس تؤذن كل جماعةٍ في مسجدها، وأما ما قد يحصل من تفاوت بعض المؤذنين؛ فهو تفاوتٌ يسيرٌ لا يضر، فالأقرب: أن يُترك الأذان الموحَّد، وأن يُترك الناس على ما هم عليه، أن كل مسجدٍ يؤذَّن فيه، هذا هو الأقرب للنصوص، والأقرب للسنة.

في الحضر.

يُفهم منه أن الأذان والإقامة في السفر ليس فرض كفايةٍ، وهذا سوف يُصرِّح المؤلف به بعد قليلٍ، في قوله: “ويُسَنَّان للمفرد وفي السفر”.

ليس على النساء أذانٌ ولا إقامةٌ

على الرجال.

يُفهم منه أن النساء لا يجب عليهن أذانٌ ولا إقامةٌ، وهذا قد نُقل الإجماع عليه، قال الموفق بن قدامة: “لا أعلم فيه خلافًا”، فإن النساء لسن من أهل الجمعة والجماعات، والأذان إعلامٌ بدخول الوقت، والإقامة إعلامٌ بإقامة الصلاة، التي تُصلى جماعةً، هذا ليس من شأن النساء، وقد قال ابن عمر رضي الله عنهما: “ليس على النساء أذانٌ ولا إقامةٌ”، هنا مكتوبٌ: “قال ابن عباسٍ”، تُصوّب العبارة، الأثر عن ابن عمر وليس عن ابن عباسٍ ، لكنه مُباحٌ في حق النساء، يعني لا يُنكَر، لو أن امرأةً في وسط النساء أذَّنت وأقامت لا يُنكر هذا، مباحٌ في حقهن؛ فقد رَوى عبدالرزاق بسندٍ صحيحٍ عن عائشة رضي الله عنها، أنها كانت تؤذن وتقيم، ربما في بعض الحالات، أو بعض الأماكن التي فيها نساءٌ، ولما سئل ابن عمر رضي الله عنهما: هل على النساء أذانٌ؟ غضب وقال: “أنا أنهى عن ذكر الله؟!”، فإذا أذَّنت المرأة أو أقامت؛ لا يُنكر عليها، لكنه ليس واجبًا عليها، لكن لو أن المرأة مثلًا أقامت للصلاة لا يُنكَر؛ لأن هذا ورد عن بعض الصحابة؛ ورد عن عائشة، ورد عن ابن عمر ؛ فلا يُنكَر، لكنه ليس واجبًا على النساء، لكن هل الأولى فعله أو تركه؟ نقول: الأولى تركه؛ لأنه لم يُؤْثَر، لم يشتهر عند الصحابة ، لم يرد في حديثٍ صحيحٍ، لكن مَن فعلته من النساء في أوساط النساء لا يُنكر عليها.

أذان العبد

الأحرار.

يفهم منه أن الأرقاء ليس عليهم أذانٌ؛ لانشغالهم بخدمة أسيادهم، ثم انتقل المؤلف للحالات التي يُسن فيها الأذان بعدما بيَّن الحالات التي يجب.

الأذان والإقامة للمنفرد

قال:

ويُسنَّان للمنفرد.

إذا كان الإنسان منفردًا، بعيدًا عن العمران؛ كأن يكون في البر مثلًا، أو في سفرٍ، فيسن له أن يؤذِّن ثم يقيم.

أما لو كان في الحضر، يعني في بيته، فلا يشرع له الأذان، لا يسن في حقه، ويدل لذلك حديث أبي سعيدٍ السابق الذي ذكرناه، أن أبا سعيدٍ قال لعبدالرحمن بن أبي صعصعة: إن أراك تُحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك، فأذنت بالصلاة، فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جنٌّ ولا أنسٌ ولا شيءٌ؛ إلا شهد له يوم القيامة، قال أبو سعيدٍ: سمعته من رسول الله ، وحديث أيضًا عقبة بن عامر : يعجب ربك من راعي غنمٍ في رأس شَظِيَّة جبلٍ، يؤذِّن بالصلاة ويصلي، فيقول الله: انظروا إلى عبدي هذا، يؤذن ويقيم الصلاة، يخاف مني، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة [9]، أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي، وفي سنده مقالٌ، لكن حسنه بعض أهل العلم بمجموع طرقه.

أثناء فترة الحَجْر في جائحة (كورونا) كان بعض الناس يؤذنون في بيوتهم، نقول: إن هذا خلاف الأفضل، وخلاف السنة، ما دام أن المساجد تؤذن يُكتفى بأذان المساجد، إنما في البيوت تُقيم فقط، تكتفي بالإقامة، وإلا ما فائدة أذان المؤذن في المسجد؟ إنما يُشرع الأذان للمنفرد، لو كان في سفرٍ، في بَرِّيةٍ، ونحو ذلك، ولهذا قال المؤلف:

حكم الأذان في السفر

وفي السفر.

يعني: يُسن الأذان في السفر، وهذا هو المذهب عند الحنابلة.

والقول الثاني: أن الأذان فرض كفايةٍ في السفر كالحضر، واستدلوا بقصة مالك بن الحويرث : فليؤذن لكم أحدكم [10]، وهم في السفر؛ ولأن النبي لم يَدَع الأذان والإقامة حضرًا ولا سفرًا، قال الترمذي: “والعمل عليه عند أكثر أهل العلم”، وهذا هو الأقرب والله أعلم، أن الأذان أيضًا فرض كفايةٍ حتى في السفر، فهو فرض كفايةٍ في السفر وفي الحضر.

حكم الأذان والإقامة للمرأة

ويُكرَهان للنساء.

سبق القول: بأن الأذان لا يجب على النساء، وأنه مباح، لكن قول المؤلف أنه يُكره، هذا محل نظرٍ، نحن ذكرنا أن هذا مأثورٌ عن عائشة وعن ابن عمر ، ابن عمر غضب لما سُئل عن هذه المسألة، وقال: “أنا أنهى عن ذكر الله؟!”، يعني: كأنه رأى أن الأذان ذكرٌ لله، فكيف أنهى النساء عن ذكر الله ؟!

فالصواب كما سبق: أن الأذان بحق النساء غير مكروهٍ، وأنه مُباحٌ، لكن الأولى تركه، لكن لو أذنت امرأةٌ في وسط نساءٍ وأقامت؛ كما لو مثلًا كان النساء في مدرسةٍ، في مجمعٍ نسائيٍّ، فأذَّنت واحدةٌ؛ لأجل تنبيه الحاضرات، ثم أقامت للصلاة، لا بأس بذلك، ولا تصل المسألة إلى درجة الكراهة على القول الراجح.

ولو بلا رفع صوتٍ.

يعني: النساء لا يُشرع لهن الأذان، وإن لم يرفعن أصواتهن به؛ لأن أصل الأذان لم ترد مشروعيته للنساء، ونحن ذكرنا التفصيل في ذلك بالنسبة للنساء.

شروط صحة الأذان والإقامة

ثم انتقل المؤلف بعد هذا إلى شروط صحة الأذان والإقامة.

ولا يصحان إلا مُرَتَّبَين.

يعني: لا بد من ترتيب ألفاظها؛ لأنهما ثبتا شرعًا بهذا؛ فوجب مراعاته.

متوالِيَين عرفًا.

فلو فُصل بعض جُمَل الأذان عن بعضٍ لزمنٍ طويلٍ عرفًا؛ لم يصح، أما لو كان بزمنٍ يسيرٍ فلا بأس؛ مثال ذلك: المؤذن يؤذن، وبعد قول: أشهد أن محمدًا رسول الله، أُصيب بوعكةٍ، انخفاض سكرٍ، بوعكةٍ، المهم أنه قطع الأذان، بعد عشر دقائق أتى شخصٌ، هنا نقول: لا تُكمل الأذان؛ الفاصل طويلٌ، أو أتى هو الشخص نفسه، نقول: لا تُكمل الأذان، وإنما أَعِد الأذان من جديدٍ؛ لأنه يُشترط التوالي بين جمل الأذان.

وأن يكون من واحدٍ.

يعني: يكون الأذان من شخصٍ واحدٍ لا من شخصين، والإقامة تكون أيضًا من شخصٍ واحدٍ؛ لأنها عبادةٌ بدنيةٌ، فلم يصح أن يَبني فعله على فعل غيره كالصلاة؛ ولذلك -في مثالنا السابق- هذا المؤذن الذي أذن ثم أصابته وعكةٌ وقطع الأذان، لو أتى شخصٌ آخر؛ يعيد الأذان من جديدٍ، ولا يبني على الأذان السابق.

بنيةٍ منه.

يعني: لا بد أن ينوي المؤذن الأذان؛ لأنه عبادةٌ، قال عليه الصلاة والسلام: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى [11]، ولذلك قلنا: إن أذان المسجل الاعتماد عليه لا يصح؛ لأن الأذان يُشترط له النية، والنية غير واردةٍ من المسجل، لكن لو أراد أن يؤذن لأجل التعليم؛ مثلًا معلمٌ يشرح لطلابه الأذان، وطلب من أحد طلابه الأذان، لا بأس؛ لأنه هنا لم يقصد التعبد لله بالأذان؛ إنما قصد التعليم.

الشروط الواجب توفرها في المؤذن

ثم انتقل المؤلف لبيان الشروط الواجب توفرها في المؤذن:

قال:

الإسلام

وشُرِط كونه مسلمًا.

وهذا بالإجماع، فلو أذَّن الكافر لم يصح أذانه.

الذكورة

ذكرًا.

فلا يصح الأذان من الأنثى للرجال، أما من الأنثى للأنثى ففيه التفصيل السابق.

العقل

عاقلًا.

فلا يصح الأذان من مجنونٍ؛ لأنه عبادةٌ تفتقد إلى نيةٍ، والنية لا تصح من المجنون، ولا يعقلها المجنون.

التمييز

مميزًا.

وهنا لم يقل المؤلف: بالغًا، فلا يُشترط لصحة الأذان البلوغ، وإنما يُشترط التمييز، فلو أذَّن صبيٌّ عمره عشر سنواتٍ؛ صح أذانه، واختُلف في حد التمييز؛ فقال بعض الفقهاء: حد التمييز هو من يفهم الخطاب ويرد الجواب، وهذا هو قول المالكية، وقيل حد التمييز: إذا أتم سبع سنيين، وهذا قول الحنفية والشافعية.

والقول الأول بأن حد التمييز: من يفهم الخطاب ويرد الجواب، غير منضبطٍ؛ لأنه يوجد بعض الأطفال الأذكياء، يفهم الخطاب ويرد الجواب وعمره ثلاث سنين، أو أربع سنين، وهو غير مميزٍ، لكن لحدة ذكائه؛ يفهم الخطاب ويرد الجواب، فهل يُعتبر مميِّزًا وعمره ثلاث سنواتٍ؟ هذا لا يقول به أصحاب القول الأول؛ ولهذا القول الثاني أضبط، وأيضًا القول الثاني هو الذي وردت به السنة؛ كما في قول النبي عليه الصلاة والسلام: مُرُوا أولادكم بالصلاة لسبعٍ [12]، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بأن يؤمر الصبيان بالصلاة لسبعٍ.

وأيضًا حتى الدراسات العالمية تدل على أن الطفل إنما يبدأ في التعقل والاستيعاب إذا أتم ست سنين؛ ولذلك يُشترط في جميع دول العالم لدخول المدرسة أن يُكمل الصبي ست سنواتٍ، يعتبرون هذا شرطًا لدخول المدرسة؛ لأنه قبل ذلك لا يستطيع التمييز، لا يعقل النية، لا يُدرك الإدراك التام، وإن كان أيضًا وهو صبي أيضًا عنده خفةٌ في الضبط، لكن التمييز المعتبر شرعًا إنما يكون بعد بلوغه سبع سنواتٍ، وقولنا: سبع سنواتٍ -كما قلنا في الدرس السابق– يعني: أتم سبع سنين ودخل في الثامنة.

النطق

ناطقًا.

فلا يصح الأذان من الأخرس؛ لأنه لا ينطق ولا يستفاد من أذانه، والأذان هو الإعلام بدخول الوقت.

العدالة

عدلًا ولو ظاهرًا.

يُشترط في المؤذن: العدالة؛ لحديث أبي هريرة أن النبي قال: الإمام ضامنٌ، والمؤذن مؤتمنٌ [13].

قوله: والمؤذن مؤتمنٌ، يدل على أنه لا بد أن يكون المؤذن عدلًا؛ لأنه مؤتمنٌ على دخول الوقت، وأيضًا كان المؤذنون في السابق..، كان المؤذن يَرقَى على السطح، وعلى المنارة، وربما اطلع على بيوت الناس، قد يكون فيها عوراتٌ، قد يكون فيها نساءٌ، فلا بد أن يكون مؤتمنًا على ذلك، ومفهوم اشتراط المؤلف العدالة: أنه لا يصح أذان الفاسق، وهذا محل خلافٍ بين العلماء، على قولين:

  • القول الأول: أنه لا يصح أذان الفاسق، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، واختاره ابن تيمية رحمه الله؛ للحديث السابق.
  • القول الثاني: أنه يصح مع الكراهة؛ لحصول المقصود به؛ لأن الأذان هو الإعلام بدخول الوقت، وهذا قد حصل منه الإعلام ولو كان فاسقًا.

والقول الثاني هو الأقرب والله أعلم، لكن مع الكراهة، والأولى: أن الفاسق لا يولَّى الأذان، هذا هو الأولى، وأن يؤذِّن للناس خيار الناس؛ لأن الأذان عبادةٌ عظيمةٌ، ونحن ذكرنا أنه أفضل من الإمامة في الجملة، فينبغي ألا يليها إلا العدول من الناس، أما مستور الحال الذي لا يُعرف بفسقٍ، وأموره مستورةٌ؛ فيصح أذانه؛ ولهذا قال المؤلف: “ولو ظاهرًا”، يعني: من لم يظهر منه فسقٌ، ولم يُقطع بعدالته؛ فيصح أذانه، وقد ذكر الموفق ابن قدامة رحمه الله اتفاق العلماء على ذلك، إنما الخلاف فيمن هو ظاهر الفسق، وضابط الفسق: هو ارتكاب الكبيرة، والكبيرة: هو ما ترتب عليه حدٌّ في الدنيا ووعيدٌ في الآخرة؛ من لعنةٍ أو غضبٍ أو سخطٍ أو نارٍ، أو نفي إيمان، أو نفي دخول الجنة، وبعض العلماء يضيف لذلك: أو الإصرار على صغيرةٍ، لكن لم أقف على دليلٍ يدل على هذا، والمعروف عند العلماء: أن ضابط الفسق: هو ارتكاب الكبائر.

هنا في “السلسبيل” مسألةٌ: كره أكثر العلماء التمطيط والتلحين المتكلَّف في الأذان، مع قوله بصحته، ينبغي أن يؤدِّي المؤذن الأذان بصوتٍ حسنٍ، وأن يُحسِّن صوته بالأذان من غير تكلفٍ، ومن غير تمطيطٍ وتلحينٍ زائدٍ، والأذان مع التكلف والتمطيط والتلحين يصح مع الكراهة، وإن كان بعض الفقهاء قالوا: إنه لا يصح، ولكن القول الراجح: أنه يصح مع الكراهة.

دخول الوقت

ولا يصحان قبل الوقت.

“ولا يصحان”: الضمير يرجع إلى الأذان والإقامة، يعني: لا يصح الأذان والإقامة قبل دخول وقت الصلاة؛ فلا يجوز للمؤذن أن يؤذن قبل دخول الوقت؛ لأنه مؤتمنٌ على ذلك؛ ولأن الفائدة من الأذان هي الإعلام بدخول الوقت، فأذانهم قبل الوقت ينافي هذا المعنى؛ ولذلك في حديث مالك بن الحويرث : فإذا حضرت الصلاة؛ فليؤذن لكم أحدكم [14]، فإذا حضرت الصلاة، الصلاة لا تحضر إلا بدخول الوقت، لكن لو أن المصلين أخروا الصلاة لسببٍ؛ كأن يكونوا مسافرين، أو أنهم في البَر، فقالوا مثلًا: صلاة الظهر لن نصليها إلا الساعة الثالثة؛ حتى تكون قريبًا من وقت العصر؛ فنصلي صلاة الظهر ثم ننتظر قليلًا إلى أن يدخل وقت العصر، ثم نصلي صلاة العصر، فإذا أُخِّرت الصلاة؛ فيؤخر معها الأذان، والدليل لهذا: ما جاء في “الصحيحين” عن أبي ذرٍّ ، قال: أذَّن مؤذن النبي الظهر -أي: أراد أن يؤذن- فقال له النبي : أَبْرِد -أو قال: انتظر انتظر– قال: حتى رأينا فيء التُّلُول، فأذن، ثم أُقيمت الصلاة، وقال عليه الصلاة والسلام: إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة [15]، فهذا يدل على أنه إذا أُخرت الصلاة يؤخر معها الأذان، استثنى المؤلف من هذا مسألةً، فقال:

إلا أذان الفجر، فيصح بعد نصف الليل.

أي: أذان الفجر الثاني يصح قبل دخول الوقت، وأجاز ذلك أيضًا مالكٌ والشافعي، وهذا القول قد يكون فيه مخرجٌ للمؤذنين من الإشكالية في دخول وقت صلاة الفجر؛ حيث يتحرج بعض المؤذنين من الأذان لصلاة الفجر، اعتمادًا على بعض التقاويم، فبهذا على قول الحنابلة يرتفع الحرج، واستدل أصحاب هذا القول بحديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي قال: إن بلالًا يؤذن بليلٍ؛ فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتومٍ [16]، لكن هذا الاستدلال محل نظرٍ؛ إذ إن أذان بلالٍ  لم يكن أذانًا لصلاة الفجر، وإنما هو أذانٌ لأجل التنبيه فقط، فقد جاء في حديث ابن مسعودٍ : فإنه يؤذن بليلٍ؛ لِيَرْجِعَ قائمَكم، ولينبِّه نائمَكم، وليس أن يقول في الفجر، وقال بإصبعه ورفعها هكذا [17].

وعلى هذا فقول المؤلف: إن أذان الفجر يصح قبل الوقت، محل نظرٍ، والقول الراجح: أنه لا يصح أذان الفجر إلا بعد طلوع الفجر الصادق، أما الأذان الأول فهو لإيقاظ النائم، وتذكير القائم للتأهب لصلاة الفجر؛ تذكير القائم الذي يصلي صلاة الليل بأنه قد اقترب دخول وقت الفجر، وإيقاظ النائم؛ لكي يستعد لصلاة الفجر، وظاهر الحال في عهد النبي أنه لم يكن الفارق بين الأذان الأول والأذان الثاني كبيرًا، وقد جاء في “الصحيحين” من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: إن بلالًا يؤذن بليلٍ؛ فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتومٍ، ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا، وكان ابن أم مكتومٍ رجلًا أعمى لا يؤذن حتى يقال: أصبحت أصبحت [18].

فقوله: “ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا”، هذا يدل على تقارب الأذانين، الأذان الأول والأذان الثاني، وأن الفاصل لم يكن طويلًا، وأما جعل الفرق الآن بين الأذان الأول والثاني ساعةً، هذا وقتٌ كبيرٌ؛ ولهذا أصبحت الفائدة من الأذان الأول ليست كبيرةً كما كان عليه الأمر من قبل، لو جُعِل الفارق مثلًا في حدود نصف ساعةٍ مثلًا، مع أن ظاهر الحال في عهد النبي أنها أقل من نصف ساعةٍ؛ لأنه لم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا، ويرقى هذا، قيل: إن بلالًا إذا أذن الأذان الأول؛ بقي في مكانه رافعًا يديه مستقبلًا القبلة يدعو، وقدَّر هذا بعض العلماء بقدر ما يتسحر المتسحر عادةً، يعني في حدود ربع ساعةٍ، لو قلنا بالكثير نصف ساعةٍ، لكن يُجعل أكثر من ذلك فهذا يُفوِّت المقصود من الأذان الأول؛ ولذلك لو طُبقت السنة، وأن المؤذن الأول يؤذن قبل الأذان الثاني مثلًا بنصف ساعةٍ، أو ثلث ساعةٍ؛ تجد أن الناس يستفيدون من هذا الأذان، ويتأهبون ويستيقظون ويتوضؤون، ويأتون للمسجد.

ومثل ذلك أيضًا: الأذان الأول لصلاة الجمعة، التبكير به أيضًا قلل من فائدته؛ لأن الغرض من الأذان الأول يوم الجمعة: هو التنبيه على قرب دخول الخطيب، فلو كان قريبًا من دخول الخطيب…، كان أكثر فائدةً، يعني الآن الذي يُعمل في الحرمين جعل الفارق بين الأذان الأول والأذان الثاني هو الأقرب لما فعله الصحابة ، أما الزيادة على ذلك، جعله ساعةً أو ساعةً ونصفًا، فهذا يقلل من فائدته.

ما يستحب في الأذان والمؤذن

رفع الصوت في الأذان

ورفع الصوت ركنٌ.

رفع الصوت ركنٌ في الأذان؛ لأجل أن يحصل المقصود من الأذان وهو الإعلام، فإذا لم يرفع صوته لم يحصل المقصود؛ ولذلك في حديث أبي سعيدٍ قال: إني أراك تحب الغنم والبادية، إذا كنت في غنمك وباديتك فارفع صوتك؛ فإنه لا يسمع صوت المؤذن جنٌّ ولا أنسٌ ولا شيءٌ؛ إلا شهد له يوم القيامة [19]، مع وجود مكبرات الصوت، هل يقال: إن رفع الصوت ركنٌ؛ لأن مكبرات الصوت تكبِّر الصوت، وتؤدي الغرض؟

فنقول: لا، لا يعتبر رفع الصوت ركنًا مع وجود مكبرات الصوت، ومع ذلك يُستحب رفع الصوت في المكبر، لكن بصورةٍ غير مزعجةٍ؛ لأن بعض المؤذنين أيضًا يرفع صوته بصورةٍ مزعجةٍ ومروعةٍ لبعض الناس، ينبغي أن يُرفع الصوت بطريقةٍ تكون غير مزعجةٍ أيضًا للجيران؛ لأن كل ما يؤذي الآخرين فمنهيٌّ عنه، كل ما يؤذي، وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا [الأحزاب:58]، حتى لو قال لك شخصٌ واحدٌ من الجيران: إن صوت الأذان أو صوت الإمام يؤذي أسرتي، فينبغي أن يُرفع هذا الأذى، وألا يُرفع صوت المكبر.

ما لم يؤذن لحاضرٍ.

يعني: لو كان في السفر مثلًا، فهو يؤذن لحاضرٍ، فلا يُشترط رفع الصوت، يعني مثلًا جماعةٌ في سفرٍ، أراد أحدهم أن يؤذن، لا يُشترط رفع الصوت، يمكن أن يؤذن بدون رفع الصوت، أو كانوا في البر وأذَّن، لكن إذا رفع الصوت فهو أفضل، حتى يشهد له جميع ما سمعه؛ فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن إنسٌ ولا جنٌ ولا شيءٌ؛ إلا شهد له يوم القيامة [20].

أن يكون المؤذن صَيِّتًا

وسُن كونه صيتًا.

يعني: سُن كون المؤذن جهوري الصوت، رفيع الصوت؛ لأنه أبلغ في الإعلام؛ ولهذا عبدالله بن زيد بن عبد ربه  هو الذي رأى الأذان، ومع ذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: ألقه على بلالٍ؛ فإنه أندى منك صوتًا [21]، اختار عليه الصلاة والسلام بلالًا؛ لأن بلالًا كان جهوري الصوت، رفيع الصوت، مع أن الذي رأى الأذان هو عبدالله بن زيدٍ.

أيضًا اختار النبي أبا محذورة ؛ لأنه كان صيتًا، فينبغي أن يكون المؤذن جهوري الصوت، لا يكون صوته منخفضًا أو ضعيفًا، إنما يكون حسن الصوت، جهوري الصوت، مكبرات الصوت في الوقت الحاضر، هي من نِعَم الله علينا في هذا الزمن، وهي تزيد صوت المؤذن قوةً وحسنًا؛ وعلى ذلك: لا يُشترط أن يكون المؤذن صيتًا مع وجود مكبرات الصوت، ولكنه يستحب ذلك؛ لأنه مهما كان صيتًا أو جهوري الصوت؛ يبقى لصوته أثرٌ حتى مع وجود مكبرات الصوت.

الأمانة

أمينًا.

للحديث السابق: المؤذن مؤتمنٌ، خاصةً في الزمن السابق، لمَّا كان المؤذن يصعد على المنارة، ويصعد السطح، وربما اطلع على بعض عورات من حول المسجد من الجيران.

العلم بدخول الوقت

عالمًا بالوقت.

هذه السنة تكاد تكون معدومةً الآن لدى كثيرٍ من المؤذنين، حيث يعتمدون على التقاويم اعتمادًا كليًّا، ولو قلت للمؤذن: كيف يكون الزوال؟ أو كيف يصبح طول ظل كل شيءٍ مثله بعد ظل الزوال؟ ما عرف، أو كيف يكون الشفق؟ فأصبح المؤذنون يعتمدون الآن على التقاويم، وينبغي أن تُحيا السنة، وأن يَعرف المؤذن أوقات الصلوات بعلاماتها الشرعية، وأن يَعرفها معرفةً عمليةً، وأن يَظهر ذلك ويُبرز، خاصةً للمؤذنين، وإن كان المؤذنون الآن يعتمدون في ذلك على التقاويم.

الطهارة

متطهرًا.

يعني: يسن في المؤذن أن يكون متطهرًا، وظاهر كلام المؤلف أن الطهارة ليست شرطًا، وهذا في الحدث الأصغر، أما في الحدث الأكبر فسيأتي.

القيام في الأذان والإقامة

قائمًا فيهما.

يعني: السنة للمؤذن: أن يكون قائمًا في الأذان والإقامة، وهذا بالإجماع، نقله ابن المنذر؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: يا بلال، قم فأذن بالناس [22].

وعلى هذا: إذا أذن المؤذن قاعدًا ننظر؛ إن كان لعذرٍ فلا بأس، أما إن كان لغير عذرٍ فظاهر كلام المؤلف أنه يصح مع الكراهة، قالوا: لأن المقصود هو الإعلام وقد حصل، والقول الثاني: أنه لا يصح؛ لأن الأذان عبادةٌ، وقد وردت نصوصٌ بفعلها قائمًا؛ فلا يصح فعلها قاعدًا بدون عذرٍ، وكذلك أيضًا بالنسبة للإقامة؛ ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله: “لم يُنقل عن أحدٍ من السلف الأذان قاعدًا لغير عذرٍ”، إذا كان كبيرًا في السن، أو مريضًا، وأذن وهو قاعدٌ، أُتِيَ له بكرسيٍّ فأذن وهو قاعدٌ، لا حرج، أو أقام وهو قاعدٌ، لا حرج.

أما أن يؤذن وهو قاعدٌ من غير عذرٍ، فبعض أهل العلم يرى أن الأذان لا يصح.

حكم أذان المُحدِث

لكن لا يُكره أذان المحدث، بل إقامته.

أذان المُحدِث حدثًا أصغر جائزٌ؛ لأنه لا يزيد على قراءة القرآن، ولا يُشترط لها الطهارة، والأذان ذكرٌ، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يذكر الله على كل أحيانه [23]، فلا بأس أن يؤذن المؤذن على غير وضوءٍ، خاصةً أن بعض المؤذن قد يضيق عليه الوقت؛ فيأتي للمسجد ويؤذن ثم يذهب ويتوضأ، فلا بأس بذلك، وإن كان الأفضل أن يؤذن على طهارةٍ، أما حديث: لا يؤذن إلا متوضئ [24]، فهو موقوفٌ على أبي هريرة ، ولا يصح مرفوعًا.

وأما الإقامة: فالمؤلف يرى أنه تكره إقامة غير المتوضئ؛ لأنه إذا أقام وهو غير متوضئٍ؛ فسيذهب ويتوضأ بعد الإقامة، وربما تفوته تكبيرة الإحرام والركعة الأولى؛ فيُكره أن يقيم على غير وضوءٍ.

وأما المُحدِث حدثًا أكبر: فاختَلف الفقهاء في صحة أذانه على قولين:

  • القول الأول: أنه لا يصح، وهو رواية عن أحمد؛ لأن الأذان ذكرٌ شُرِع للصلاة، أشبه القراءة والخطبة.
  • والقول الثاني: صحة أذان الجنب مع الكراهة، وهذا هو المنصوص عن الإمام أحمد، وهو قول أكثر أهل العلم؛ لأنه أحد الحدثين؛ فلم يمنع من صحة الأذان، كالحدث الأصغر.

وهذا الخلاف إذا كان الأذان خارج المسجد، حيث كان المؤذنون قديمًا يؤذنون خارج المسجد على المنائر وعلى الأسطح، أما في وقتنا الحاضر أصبح عامة المؤذنين يؤذنون داخل المسجد، ومعلومٌ أن الجنب لا يجوز له المكث في المسجد؛ لقول الله تعالى: إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ [النساء:43]؛ وعلى ذلك: فالمحدث حدثًا أكبر ليس له أن يؤذن، ليس لكونه أذانًا؛ وإنما لأجل أنه سيترتب على ذلك أنه يمكث في المسجد وهو جنبٌ، وهذا لا يجوز.

 الأذان أول الوقت

ويُسن الأذان أول الوقت.

لقول جابرٍ : “فكان بلالٌ لا يؤخر الأذان عن الوقت، وربما أخر الإقامة شيئًا” [25]، وهذا حديثٌ حسنٌ، فكان بلالٌ يؤذن أول الوقت، ومؤذنو النبي يؤذنون أول الوقت؛ فالسنة أن يكون الأذان أول الوقت.

وينبغي أن يكون المؤذن دقيقًا، خاصةً أن الأذان قد يُعتمد عليه في إفطار الصائمين، وفي الإمساك، فبعض المؤذنين ربما لا يكون عنده دقةٌ، وتأتينا فتاوى أحيانًا من أناسٍ يقولون: المؤذن أذن بطريق الخطأ قبل الأذان بربع ساعةٍ، فأفطرنا، فما الحكم؟

ينبغي أن يكون المؤذن حريصًا على الوقت، دقيقًا، ويتأكد قبل الأذان، يتأكد من الساعة، يهتم، يحرص على الدقة.

الترسُّل في الأذان

والترسل فيه.

الترسل معناه: الترتيل والتمهُّل والتأني وعدم الإسراع، فهذا من آداب الأذان وسننه؛ لأنه أبلغ في الإسماع، وأما الإقامة فالسنة فيها الحدر، من غير ترتيل وترسل؛ لأنها إعلامٌ للحاضرين، وبعض المؤذنين عندما يُقيم لا تكاد تفرق بين أذانه وإقامته، هذا خلاف السنة، تجد أنه يقيم إقامةً يترسل فيها، ويرتلها كما يرتل الأذان، هذا خطأٌ، وهذا خلاف السنة، السنة أن الإقامة يحدر بها، يأتي بها سريعًا؛ لأنها إعلامٌ للحاضرين، أما الأذان فهو الذي يرتَّل، وهو الذي يترسل فيه ويتأنى.

طيب، هنا مسألةٌ مهمةٌ، هي من دقائق مسائل العلم، هل جُمَل الأذان تقال جملةً جملةً، أو يَقرِن بين كل تكبيرتين؟ يعني عندما يؤذن هل يقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أو يقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر؟

اختلف العلماء في ذلك:

  • فمنهم من قال: إن الأفضل أن يقرن كل تكبيرتين بنفسٍ واحدٍ، يعني يقول: الله أكبرُ الله أكبر، الله أكبرُ الله أكبر، واستدلوا بحديث أنسٍ : “أُمِرَ بلالٌ أن يشفع الأذان، وأن يوتر الإقامة” [26]، قالوا: دلَّ ذلك الحديث على أن كلمات الأذان شفعٌ، وهذا يقتضي القرن بين كل تكبيرتين؛ لأن التكبير وإن كانت صورته صورة التثنية، إلا أن هذه التثنية بالنسبة للأذان كالكلمة الواحدة، فمعنى ذلك: أنه إذا قال: الله أكبرُ الله أكبر، بنَفَسٍ واحدٍ، ثم كرر ذلك؛ صارت كل تكبيرتين كالتكبيرة الواحدة، وهذا يقولون: إنه يحقق الشفع في الأذان.
  • القول الثاني: أن الأفضل أن يفرد المؤذن جُمَل التكبير؛ يعني يقول: الله أكبرْ، الله أكبرْ، الله أكبرْ، الله أكبرْ، وهذا ما يُعبر عنه بعضهم بأن يكون الأذان جزمًا لا معربًا، جزمًا يقول: الله أكبرْ، هنا جزم الراء بالسكون، أما إذا أعربها قال: الله أكبرُ، الله أكبرُ، هذا يكون معربًا، وهذا القول حكاه ابن الأنباري عن أهل اللغة، وأيضًا رُوي عن إبراهيم النخعي أنه قال: “شيئان مجزومان كانوا لا يُعربونهما، الأذان والإقامة، وهذا إشارةٌ إلى جميعهم، قال في “الإنصاف”: قال المجد ابن تيمية: “معناه: استحباب تقطيع الكلمات بالوقف على كل جملةٍ، فيحصل الجزم والسكون بالوقف، لا أنه مع عدم الوقف على الجملة يترك إعرابها”، وبعض أهل العلم قال: إنه ينبغي أن يُعمل بالصيغتين، هذه تارةً، وهذه تارةً.

والقول الراجح: هو القول الثاني، وهو أن يقف على كل جملةٍ، يعني إذا أذن يقول: الله أكبرْ، الله أكبرْ، الله أكبرْ، الله أكبرْ، أشهد أن لا إله إلا الله، يقف على كل جملةٍ، هذا هو الأفضل، وهذا هو الأقرب للسنة؛ وذلك لأن إبراهيم النخعي حكاه عن التابعين، قال: “شيئان مجزومان كانوا لا يُعرِبونهما: الأذان والإقامة”، فحكاه عن التابعين، والتابعون أخذوه عن الصحابة ؛ لأن هذا مما تتوفر الدواعي لنقله عمليًّا، أن كل مؤذنٍ يقتدي بمن سبق، ونقله ابن الأنباري عن أهل اللغة، ثم من جهة المعنى: عندما يقول المؤذن: الله أكبر، معناه: الله أكبر من كل شيءٍ، حتى يتحقق هذا المعنى، ويحصل التأمل فيه والتدبر، الأَولى أن يقف عليه، يقول: الله أكبر، بخلاف ما إذا قال: الله أكبر الله أكبر، لا يكون فيه من التدبر والتأمل كما يكون عند الجزم والوقوف عند كل تكبيرةٍ؛ فعلى هذا نقول: الأقرب للسنة: أن المؤذن يقف على كل جملةٍ: الله أكبرْ، الله أكبرْ، الله أكبرْ، الله أكبرْ، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، يقف على كل جملةٍ، هذا هو القول الراجح، وهو الأقرب للسنة، وهو المأثور عن السلف في هذا، وإن وصل فلا حرج، الأمر فيه سعةٌ، لكن كلامنا في أيهما أفضل وأقرب للسنة.

الأذان على مكانٍ مرتفعٍ

وأن يكون على علوٍ.

لأن هذا أندى للصوت، وأبعد وأوصل للناس، خاصةً قديمًا، حيث الناس يؤذنون على أسطح المساجد، وعلى المنائر، أما مع وجود مكبرات الصوت في الوقت الحاضر، فلا يقال باستحباب هذا؛ لأن المقصود يحصل باستخدام المكبرات، فلا يحتاج إلى أن المؤذن يصعد على المنارة، أو يصعد على السطح، إنما يؤذن من داخل المسجد، لكن يستحب أن تُجعل سمَّاعات الأذان الخارجية على مكانٍ مرتفعٍ، تُجعل سمَّاعات الأذان الخارجية على المنارة، في أعلى المنارة مثلًا، وأعلى سطح المسجد؛ لأن هذا أبلغ في إيصال صوت المؤذن.

رفع الوجه إلى السماء حال الأذان

رافعًا وجهه.

يعني: يُستحب للمؤذن أن يرفع وجهه إلى السماء حال أذانه، هذه المسألة ذكرها بعض الفقهاء، ونص عليها الإمام أحمد، وقال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: “يستحب للمؤذن أن يرفع فمه ووجهه إلى السماء إذا أذن وأقام، نص عليه أحمد، كما يُستحب للذي يتشهد عقب الوضوء أن يرفع رأسه إلى السماء”، كأن الإمام ابن تيمية نظر إلى قاعدة الشريعة أنه عند الإعلام بذكر الله يُستحب رفع الرأس قليلًا إلى السماء، لكن عند التأمل في الأحاديث الواردة في ذلك؛ نجد أن الأحاديث المروية في ذلك كلها ضعيفةٌ، فالحديث الوارد في رفع البصر إلى السماء بعد الوضوء ضعيفٌ، لا يصح، أيضًا رفع الرأس بعد تكبيرة الإحرام، لا دليل عليه، والقول باستحبابه يحتاج إلى دليلٍ، وليس في المسألة دليلٌ، وهذا وإن كان قد نص عليه الإمام أحمد، وهو صاحب سنةٍ وأثرٍ، والإمام ابن تيمية أيضًا، وأيضًا هو صاحب سنةٍ وأثرٍ، لكن العبرة بالدليل؛ كما قال الإمام مالكٌ: “كلٌ يؤخذ من قوله ويُرد، إلا رسول الله “.

فالقول باستحباب رفع الوجه والرأس أثناء الأذان إلى السماء، هكذا، هذا يحتاج إلى دليلٍ، ما من دليلٍ يدل لهذا، ولا حتى آثار عن الصحابة ولا عن التابعين، يعني أن المؤذن إذا أراد أن يؤذن يرفع وجهه، يؤذن هكذا رافعًا وجهه، هكذا: الله أكبر، طيب ما الدليل؟ ما من دليلٍ؛ فعلى ذلك نقول: الأقرب -والله أعلم- أنه لا يستحب، لكن إن فعل ذلك لا يُنكَر عليه، وقد قال به أئمةٌ، وقد قال به الإمام أحمد والإمام ابن تيمية، لكن الأقرب -والله أعلم- أنه يؤذن من غير حاجةٍ إلى رفع رأسه ووجه إلى السماء.

أن يجعل إصبعيه في أذنيه

جاعلًا سبابتيه في أذنيه.

السبابتان تثنية سبَّابةٍ، والسبَّابة هي الإصبع الذي يلي الإبهام، هذه السبابة، الإصبع الذي يلي الإبهام.

طيب، لماذا سميت سبابة؟ لأن الإنسان يشير بها عند السب، ويقال لهما أيضًا: سبَّاحتان؛ لأن الإنسان يشير بهما عند التسبيح، سبحان الله، يشير بهما، وبعض أهل العلم يستحب إطلاق السبَّاحتين، يقول: لأن المسلم ليس من شأنه أن يسب، لكن الأمر فيه سعةٌ؛ لأن إطلاق السبابتين جاء في بعض الآثار، وليس في هذا إقرارٌ للسب، وإنما هو حكايةٌ للواقع، أن بعض الناس إذا أراد أن يسب رفع إصبعه، فالأمر في هذا واسعٌ.

والدليل على استحباب إدخال السبَّاحتين في الأذنين عند الأذان، حديث أبي جحيفة : “رأيت بلالًا يؤذن ويدور، وأتتبع فاه هاهنا وهاهنا، وإصبعاه في أذنيه” [27]، أخرجه الترمذي وقال: “حديثٌ حسنٌ صحيحٌ”، وقال: “عليه العمل عند أهل العلم، يستحبون أن يُدخل المؤذن إصبعيه في أذنيه في الأذان”.

والفائدة من ذلك: أنه أقوى للصوت وأعلى، يعني عندما تريد أن تؤذن، عندما تضع إصبعيك السبَّابتين أو السبَّاحتين في أذنيك، صوتك يرتفع أكثر، بخلاف إذا قلت: الله أكبر، بأعلى صوتٍ، جرب من نفسك، وإذا أدخلت إصبعيك وأتيت بأعلى صوتٍ؛ تجد أنك إذا وضعت السبَّاحتين في الأذنين؛ تكون أرفع وأعلى صوتًا.

أيضًا هناك فائدةٌ أخرى: وهي أن من رآه؛ يعرف أنه يؤذن.

استقبال القبلة

مستقبل القبلة.

أي: يستحب أن يؤذن مستقبل القبلة، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك، ونقله أيضًا الموفق بن قدامة.

الالتفات عند الحيعلتين

يلتفت يمينًا بـ: حي على الصلاة، وشمالًا بـ: حي على الفلاح.

فالالتفات عند الحيعلتين سنةٌ، لكن ما صفة هذا الالتفات؟

هنا رأيان للفقهاء: الرأي الأول: هو الذي مشى عليه المؤلف، أنه يمينًا: حي على الصلاة، وشمالًا: حي على الفلاح، ويلتفت برقبته، ولا يزيل قدميه عن مكانهما عند التفاته، يعني يقول: حي الصلاة، حي على الفلاح، أول شيءٍ يبدأ بـ: حي على الصلاة، حي على الصلاة، ثم: حي على الفلاح، حي على الفلاح.

فإذنْ عندنا صفتان:

  • الصفة الأولى: أنه يلتفت بـ: حي على الصلاة، يمينًا وشمالًا، وبـ: حي على الفلاح [28].
  • القول الثاني: يلتفت يمينًا عندما يقول: حي على الصلاة، في المرتين جميعًا، وشمالًا حينما يقول: حي على الفلاح، في المرتين جميعًا.

يعني الصفة الأولى يقول: حي على الصلاة، ثم يلتفت شمالًا: حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، هذه الصفة الأولى، الصفة الثانية: حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، لاحظتم الفرق، الفرق دقيقٌ.

طيب جاء في حديث أبي جحيفة : “رأيت بلالًا يؤذن، قال: يقول يمينًا وشمالًا: حي على الصلاة، حي على الفلاح [29]، رجح ابن دقيق العيد أنه يقول: حي على الصلاة عن يمينه، ثم عن شماله، ثم يكون لكل جهةٍ نصيبها.

والأقرب -والله أعلم- هو القول الثاني، وهو أنه يقول: حي على الصلاة مرتين عن يمينه، وحي على الفلاح مرتين عن شماله، هذا رجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وهو ظاهر النص، فيقول: حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، هذا هو الأقرب للسنة.

هل يشرع الالتفات في الوقت الحاضر مع وجود مكبرات الصوت؟

المقصود من الالتفات: هو إبلاغ الناس، وإذا التفت مع وجود مكبر الصوت، مع وجود اللاقط، فإن هذا ربما يؤثر على جودة الصوت، فلهذا لا يقال بالالتفات، لكن ينبغي أن يلتفت يسيرًا بالقدر الذي لا يؤثر على الصوت لأجل تطبيق السنة، فمثلًا وهو يؤذن في اللاقط، يعني لا يقف هكذا: حي على الصلاة، يلتفت قليلًا، لو التفت قليلًا هكذا: حي على الصلاة، هذا لن يؤثر على جودة الصوت، ولا على مستوى الصوت، ومع ذلك يطبق السنة، أما لو التفت هكذا، اللاقط أمامه، والتفت هكذا: حي على الصلاة، الصوت سوف يضعف، والمقصود هو إيصال الصوت للآخرين؛ ولذلك إذا أراد أن يلتفت وهو يؤذن في مكبر الصوت؛ يلتفت يسيرًا قليلًا هكذا: حي على الصلاة، حي على الصلاة، ثم يلتفت شمالًا: حي على الفلاح، حي على الفلاح، قديمًا إذا أراد أن يؤذن في غير مكبرات الصوت؛ هنا يلتفت التفاتًا كاملًا، هكذا: حي على الصلاة، هكذا، لاحِظ الفرق بين الأمرين.

ولا يزيل قدميه.

يعني: أن الالتفات -كما ذكر- يكون بالرقبة؛ فلا يزيل قدميه عن القبلة في التفاته.

ما لم يكن بمنارةٍ.

يعني: إذا كان يؤذن بمنارةٍ، فإنه يدور حتى يُبلغ صوته أبعد مسافةٍ ممكنةٍ؛ لحديث أبي جحيفة ، قال: “فخرج بلالٌ فأذن، فاستدار في أذانه”، لكن هذا الحديث ضعيفٌ؛ وعلى هذا: لا يُشرع الدوران عند الأذان، لا على المنارة، ولا على غيرها.

متى يقول المؤذن: الصلاة خيرٌ من النوم

وأن يقول بعد حيعلة أذان الفجر: الصلاة خيرٌ من النوم.

“بعد حيعلة”: الحيعلة: مصدرٌ مصنوعٌ من “حي على الصلاة، حي على الفلاح”، فهو مركبٌ من عدة كلماتٍ، حي على الصلاة، يقال: حيعلةٌ، ومثلها: حوقلةٌ “لا حول ولا قوة إلا بالله”، ومثلها: حمدلة، من “الحمد لله رب العالمين”، هذه تسمى: مصادر مصنوعة.

جاء في حديث أبي محذورة : “فإذا كانت صلاة الصبح، قلت: الصلاة خيرٌ من النوم، الصلاة خيرٌ من النوم، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله” [30]، كما عند أبي داود والنسائي وأحمد، وهذا يسميه الفقهاء: التثويب، التثويب: من ثاب، إذا رجع؛ لأنه يرجع إلى دعائهم بقوله: الصلاة خيرٌ من النوم، بعدما دعاهم بقوله: حي على الصلاة، حي على الفلاح.

لكن “الصلاة خيرٌ من النوم”، هل تقال في الأذان الأول للفجر، أو في الأذان الثاني؟

ظاهر السنة أنه في الأذان الثاني، وبعض أهل العلم قال: إنه في الأذان الأول، وهذا أخذ به الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، لكن ظاهر السنة: أنه في الأذان الثاني، وإن جاء في أذان أبي محذورة : إذا أذنت بالأول من الصبح، فقل: الصلاة خيرٌ من النوم [31]، ومن المعلوم: أن الأذان الأول ليس لصلاة الصبح، وإنما ليُوقظ النائم، ويرجع القائم، فعلى ذلك يكون معناه: إذا أذنت بالأول، يعني المقصود به ما نسميه نحن بالأذان الثاني؛ لأن الإقامة أيضًا تُسمى أذانًا، كما قال عليه الصلاة والسلام: بين كل أذانين صلاةٌ [32].

فلا بد من النظر للنصوص مجتمعةً، فعند المحققين من أهل العلم: أن “الصلاة خيرٌ من النوم” إنما تقال في الأذان الثاني وليس في الأذان الأول في صلاة الفجر.

قول المؤذن: “حي على خير العمل”، هذه تفعلها بعض الطوائف، وهذا لا أصل له؛ ولهذا قال البيهقي: إن هذه اللفظة لم تثبت، والنووي قال: إنه يُكره ذلك، وبعض أهل العلم يشدد في هذا ويقول: إن زيادة: حي على خير العمل، بدعةٌ.

يُسن أن يتولى الأذان والإقامة واحدٌ

ويُسن أن يتولى الأذان والإقامة واحدٌ، ما لم يَشق.

لأن هذا هو الذي عليه العمل في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، كان بلالٌ  يؤذن ويقيم، كان أبو محذورة  يؤذن ويقيم، وابن أم مكتومٍ  كذلك.

وأما حديث زيادٍ الصُّدَائي: أمرني رسول الله أن أؤذن في صلاة الفجر، فأذنت، فأراد بلالٌ أن يقيم، فقال: إن أخا صُدَاء قد أذن، ومن أذن فهو يُقيم [33]، هذا حديثٌ ضعيفٌ، رواه أحمد وأبو داود، لكنه ضعيفٌ، وجاء في حديث عبدالله بن زيدٍ، الذي رأى الأذان في المنام أن النبي قال: ألقه على بلالٍ، قال عبدالله بن زيدٍ: أنا رأيته، وأنا كنت أريده، قال: فأقم أنت [34]، هذا أيضًا حديثٌ ضعيفٌ، لو صح فهو حجةٌ في هذه المسألة، لكنه ضعيفٌ، لا يثبت في هذه المسألة حديثٌ، إنما المعروف من مؤذن النبي عليه الصلاة والسلام: أن المؤذن يتولى الأذان والإقامة، فالأفضل أن المؤذن يتولى الإقامة، إلا إذا وُجد سببٌ؛ كأن يَعرِض للمؤذن عارضٌ فيقيم غيره، فلا بأس.

من جمع، أو قضى فوائت؛ أذَّن للأولى، وأقام للكل

قال:

ومن جمع أو قضى فوائت؛ أذَّن للأولى، وأقام للكل.

إذا جمع بين صلاتين، فيؤذن للأولى ويقيم لها، ثم يقيم للثانية من غير أذانٍ للثانية؛ كما فعل النبي في عرفة، حيث أذن المؤذن وأقيم لصلاة العصر، ولم يؤذن لصلاة العصر، أيضًا في مزدلفة أُذن أذانٌ واحدٌ، وأقيم لصلاة المغرب، وأقيم لصلاة العشاء، ولم يؤذن لصلاة العشاء [35].

أو قضى فوائت، أذَّن للأولى.

يعني: إذا أراد أن يقضي فوائت، فإنه يؤذن للأولى، ويُقيم للبقية، هذا إذا كان الإنسان في غير الحضر، أما إذا كان في الحضر، فأذان المسجد يكفي، يعني: لو كان عليه فوائت ويريد أن يقضيها في الحضر؛ يكتفي بالإقامة لكل صلاةٍ، من غير حاجةٍ لأذان، لكن لو كان في الحضر؛ كأن يكون في البرِّية أو في سفرٍ، فإنه يؤذن للأولى، ويقيم للبقية.

صفة الأذان والإقامة

طيب، هنا مسألةٌ مهمةٌ لم يذكرها المؤلف: وهي صفة الأذان والإقامة، ونحن نحتاج أن نستدركها، ورد الأذان على عدة صفاتٍ، من أشهرها: أذان بلالٍ  الوارد في حديث عبدالله بن زيدٍ، وهو خمس عشرة جملةً، وهو المشهور في أكثر بلدان المسلمين، وأيضًا ورد أذان أبي محذورة ، وأذان أبي محذورة هو كأذان بلالٍ رضي الله عنهما، لكن يختلف عنه بكون التكبير في أوله مرتين، وزيادة الترجيع بعد ذلك بالشهادتين، ومعنى الترجيع: أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، في نفسه، ثم يرجع ويرفع صوته بها، ويقول: أشهد أن محمدًا رسول الله، في نفسه، ثم يرجع ويرفع صوته بها.

اختلف العلماء في جمل الأذان على أقوال:

  • القول الأول: أن جمل الأذان خمس عشرة جملةً، وهو أذان بلالٍ ، الأذان المشهور: التكبير أربعًا، الشهادتان أربعًا، الحيعلتان أربعًا، التكبير مرتين، يختم بـ: لا إله إلا الله، هذا مذهب الحنفية والحنابلة، وهو الأذان الذي يؤذَّن به في الحرمين الآن، وفي أكثر بلدان العالم الإسلامي.
  • القول الثاني: أن الأذان سبع عشرة جملةً، وهو أذان أبي محذورة الذي ذكرنا، فإن التكبير في أوله مرتان، وزيادة الترجيع في الشهادتين، فمعنى ذلك: يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، في نفسه، ثم يرجع ويرفع صوته، أشهد أن لا إله إلا الله، ثم يرجع ويرفع صوته، أشهد أن محمدًا رسول الله، في نفسه، ثم يرجع ويرفع صوته، ثم يقول: أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم يرجع ويرفع صوته.
  • القول الثالث: أن جُمَل الأذان تسع عشرة جملةً، بالتكبير أربعًا في أوله مع الترجيع في صفة أذان أبي محذورة ، وهو مذهب الشافعية.

إذنْ اختلف المالكية والشافعية في التكبير في أول الأذان؛ فالمالكية يقولون: إنه مرتان، والشافعية يقولون: إنه أربعٌ، في “صحيح مسلمٍ” في حديث أبي محذورة ورد التكبير في أوله مرتين، لكن جاء في روايةٍ أخرى عند النسائي التكبير أربعًا، وجاء في بعض نسخ مسلمٍ أن التكبير أربعٌ.

فالأرجح من حيث الصناعة الحديثية في أذان أبي محذورة : أن التكبير أربعٌ، وليس مرتين؛ ولهذا قال ابن القيم رحمه الله: “صح عنه تكرار لفظ التكبير في أول الأذان أربعًا، ولم يصح عنه الاقتصار على مرتين”.

فعندنا إذنْ صفتان: صفة أذان بلالٍ ، وصفة أذان أبي محذورة ، اختار بعض المحققين من أهل العلم؛ كابن تيمية: أن الأفضل أن يؤذن بهذا تارةً، ويؤذن بهذا تارةً؛ لأن كلا الأذانين ثابتٌ في السُّنة، هذا هو القول الراجح.

لكن ينبغي في المساجد العامة ألا يُشوِّش الإنسان على الناس، وأن يكتفي بالأذان المشهور والإقامة المشهورة، لكن لو كان مثلًا في السفر وفي البرية، فينبغي أن تُحيا السنة، وأن يؤذن المؤذن بأذان أبي محذورة، ويقيم بإقامة أبي محذورة مثلًا، حتى تظهر السنة ولا تخفى، هذا بالنسبة إذنْ للأذان.

إذنْ الأفضل -كما ذكرنا- هو التنويع بين أذان بلالٍ وأذان أبي محذورة رضي الله عنهما، إلا في المساجد العامة، فيُكتفى بأذان بلالٍ ؛ حتى لا يشوش على العامة، لكن ينبغي أن تُحيا السنة ويؤذن بأذان أبي محذورة في غير المساجد العامة.

بالنسبة لألفاظ الإقامة، وردت على صفتين:

  • الصفة الأولى: إحدى عشرة جملةً، بحيث تكون ألفاظ الأذان كلها مرةً مرةً، إلا التكبير في أوله يكون مرتين، مع زيادة: قد قامت الصلاة، مرتين، هذه إقامة بلالٍ ، الإقامة المعروفة، التي يقام بها في الحرمين، ومعظم بلدان العالم الإسلامي، وهو مذهب الحنابلة والشافعية.
  • الصفة الثانية: أن الإقامة سبع عشرة جملةً، هي كأذان بلالٍ مع زيادة: قد قامت الصلاة مرتين، وهذه إقامة أبي محذورة ، وهو مذهب الحنفية، هناك قولٌ للمالكية: أن الإقامة تسع جُمَلٍ، حيث تكون ألفاظها كلها مرةً مرةً، حتى لفظ: قد قامت الصلاة، ما عدا التكبير في أولها فمرتين، واستدلوا لذلك بحديث أنسٍ : “أُمر بلالٌ أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة” [36].

“إلا الإقامة” يعني: إلا “قد قامت الصلاة”، والقول الراجح: أن الإقامة الثابتة: إقامة بلالٍ وإقامة أبي محذورة رضي الله عنهما، أما ما ذهب إليه المالكية فهو قولٌ ضعيفٌ؛ لأن المقصود بقوله: ويوتر الإقامة، أي: أن يجعل أكثر ألفاظ الإقامة وترًا، فلا يكررها، ما عدا التكبير، ولفظ “قد قامت الصلاة”، يوضح ذلك السنة العملية الواردة في إقامة الصلاة؛ وعلى ذلك: السنة أن يأتي بإقامة بلالٍ تارةً، وبإقامة أبي محذورة تارةً، لكن في المساجد العامة نقول: لا يشوش على الناس، فمثلًا البلدان التي تشتهر فيها إقامة بلالٍ، يقتصر على إقامة بلالٍ، لكن لو خرج الإنسان في سفرٍ، في بريةٍ؛ ينبغي أن تُحيا السنة، وأن يقيم بإقامة أبي محذورة، يؤذن بأذان أبي محذورة؛ حتى تظهر السنة، وحتى يؤتى بالسنة على جميع وجوهها وصفتها.

ما يُشرع لمن يسمع الأذان والإقامة

طيب، هنا انتقل المؤلف للكلام عما يشرع للسامع للأذان، قال:

وسُن لمن يسمع المؤذن أو المقيم أن يقول مثله.

أما بالنسبة للأذان فقد ورد في ذلك عدة أحاديث؛ منها: حديث أبي سعيدٍ : إذا سمعتم النداء؛ فقولوا مثلما يقول [37]، وحديث عبدالله بن عمرٍو رضي الله عنهما: إذا سمعتم المؤذن؛ فقولوا مثلما يقول ثم صلوا علي؛ فإنه من صلى علي صلاةً واحدةً؛ صلى الله عليه بها عشرًا [38]، وهذا مجمَعٌ عليه.

وأما بالنسبة للإقامة، فالمؤلف يرى أيضًا أن المقيم يتابَع ويردَّد خلفه، وأنه يشرع للسامع أن يجيب المقيم كما يجيب المؤذن، وهذه المسألة فيها قولان لأهل العلم:

  • القول الأول: أنه يستحب أن يجيب المقيم كما قال المؤلف، وهو قول الجمهور، واستدلوا بحديث أبي أمامة  أن بلالًا أخذ في الإقامة، فلما قال: قد قامت الصلاة، قال النبي : أقامها وأدامها [39]، هذا الحديث أخرجه أبو داود، لكنه حديثٌ ضعيفٌ لا يصح، وأيضًا استدلوا بحديث عبدالله بن مُغَفَّلٍ : بين كل أذانين صلاةٌ [40]، قالوا: فسمَّى الإقامة أذانًا، وقد قال عليه الصلاة والسلام: إذا سمعتم المؤذن؛ فقولوا مثلما يقول.
  • والقول الثاني: أنه لا تشرع إجابة المقيم، وإنما هذا خاصٌّ بالمؤذن، وهذا هو القول الراجح؛ لأن إجابة المؤذن وردت مفسرةً في بعض الروايات -كما جاء في “صحيح مسلمٍ” من حديث عمر – وذكَرَت صفة الأذان: إذا قال المؤذن: الله أكبر، الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر، الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله..، ذكر صفة الأذان فقط ولم يذكر صفة الإقامة، ثم قال: لا إله إلا الله، من قلبه؛ دخل الجنة [41]، فأتى بصفة الأذان مفسرةً ولم يأتِ بصفة الإقامة، وهذا يدل على أن المقصود في قوله : إذا سمعتم المؤذن، المقصود به: الأذان، وليس الإقامة، ثم أيضًا النبي كانت تقام بين يديه خمس صلواتٍ، ولم يُنقل عنه ولا في روايةٍ ضعيفةٍ أنه عليه الصلاة والسلام كان يتابع المقيم، ولا نُقل عن الصحابة  أنهم كانوا يتابعون المقيم إذا أقام، ولو فعلوا ذلك؛ لاشتهر واستفاض كما استفاضت متابعتهم للمؤذن.

فالقول الراجح: أنه إنما تشرع متابعة المؤذن ولا تشرع متابعة المقيم.

قال:

إلا في الحيعلة، فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.

لحديث عمر  أن النبي قال: إذا قال المؤذن: الله أكبر، الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر، الله أكبر.. الحديث السابق، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله..، فهذا نصٌّ في المسألة، وهو في “صحيح مسلمٍ”، وهو حديثٌ صحيحٌ صريحٌ، ومن جهة المعنى أن المؤذن عندما يقول: حي على الصلاة، يعني يقول لك: أقبل إلى الصلاة، فأنت كيف تجيبه وتقول: حي على الصلاة؟! هو يقول لك: أقبل إلى الصلاة، أنت تقول: أقبل إلى الصلاة؟! لا، هذا ما يناسب، إذا قال لك: حي على الصلاة، تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، أسأل الله الإعانة، ولا حول لي ولا قوة لي إلا بالله، أيضًا يناديك يقول: حي على الفلاح، يعني تعال وأقبل إلى الفلاح، فأنت تجيبه تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول لي ولا قوة لي إلا بالله.

قال:

وفي التثويب: صدقت وبررت.

المقصود بالتثويب: قول المؤذن: الصلاة خيرٌ من النوم، مرتين، يقول المؤلف: إنه يستحب أن يقول السامع عنده: صدقت وبررت، وهذه الجملة لا أصل لها، وإنما هي استحسانٌ من بعض الفقهاء، والقول الراجح: أنه لا يُشرع أن يقال عند التثويب: صدقت وبررت؛ لعدم الدليل.

قال:

وفي لفظ الإقامة: أقامها الله وأدامها.

كما ذكرنا أنه قد رُوي في ذلك حديثٌ عند أبي داود [42]، لكنه حديثٌ ضعيفٌ.

والصواب: أن ذلك لا يشرع؛ لهذا سئل الإمام أحمد: هل يقال بعد الإقامة شيءٌ؟ قال: لا.

ثم يصلي على النبي إذا فرغ.

يعني: بعد متابعة المؤذن يصلي على النبي ؛ لحديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: إذا سمعتم المؤذن؛ فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا علي.. [43]، طيب كيف يصلي؟ يعني يقول: اللهم صل وسلم على رسولك محمدٍ، اللهم رب هذه الدعوة التامة.. إلى آخره، لكن هذه الصلاة تكون سرًّا، أما ما يُفعل في بعض البلدان، أن المؤذن إذا قال: لا إله إلا الله، قال: وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، أو قال: وصلى الله وسلم على سيدنا محمدٍ، هذا لا أصل له، بل هو أقرب للبدعة، إنما يقول هذا سرًّا فيما بينه وبين نفسه، وكذلك المتابع للأذان، ثم بعد الصلاة على النبي يأتي بما ورد ويقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته [44]، وهذا قد جاء في حديث جابرٍ في “صحيح البخاري”، وأن من قال ذلك؛ حلت له شفاعة النبي يوم القيامة.

وجاء في روايةٍ زيادة: إنك لا تخلف الميعاد [45]، لكنها زيادةٌ شاذةٌ، غير محفوظةٍ؛ فلا يشرع أن تقال، فلا يشرع زيادة: إنك لا تخلف الميعاد.

وجاء عند ابن السني: والفضيلة، والدرجة الرفيعة [46]، فهي مُدْرَجةٌ من بعض النُسَّاخ، وصرح الحافظ ابن حجرٍ، ثم السخاوي، أنها لم تَرِد في شيءٍ من طرق الحديث أصلًا، فالسنة إذنْ أن يقتصر على قول: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته.

مقامًا محمودًا: بالتنكير وليس بالتعريف، وليس: المقام المحمود، كما يقول بعض العامة؛ وإنما: وابعثه اللهم مقامًا محمودًا الذي وعدته.

ثم يدعو هنا.

لقوله لمَّا قيل له: إن المؤذنين يفضلوننا يا رسول الله، قال: قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تُعطه [47]، وهذا دليلٌ على أن هذا الموضع من مواضع إجابة الدعاء، وقد صح عن النبي أنه قال: لا يُرَدُّ الدعاء بين الأذان والإقامة [48].

وعند الإقامة.

هذا بناءً على القول بأنه يشرع متابعة المقيم، وسبق ترجيح القول بأنه لا يشرع.

طيب، النساء يشرع لهن ويستحب متابعة المؤذن كالرجال، المرأة إذا سمعت المؤذن يشرع لها أن تتابع المؤذن، قال الحافظ ابن رجبٍ في “فتح الباري”: “لا فرق في استحباب إجابة المؤذن بين النساء والرجال، وهو ظاهر إطلاق العلماء، وظواهر الأحاديث؛ فإن خطاب الذكور يدخل فيه الإناث تبعًا في كثيرٍ من العمومات”.

يُشرع لمن فاته إجابة المؤذن أن يجيبه بعد فراغ المؤذن، إذا لم يطل الفصل؛ لأنه نافلةٌ فاتت، فشرع له قضاؤها؛ كالوتر والسنن الرواتب؛ على هذا: لو كنت مثلًا في مكالمةٍ في الجوال والمؤذن أذَّن، ثم فرغت، ثم انتهيت من المكالمة، فيشرع لك أنك تقضي الأذان، تأتي بـ: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر..، ثم تأتي بما ورد بعده، فما لم يطل الفصل يشرع لمن فاتته إجابة المؤذن أن يجيبه بعد فراغ المؤذن.

حكم الخروج من المسجد بعد الأذان

طيب، آخر مسألةٍ معنا في هذا الدرس:

قال:

ويحرم بعد الأذان الخروج من المسجد بلا عذرٍ أو نية الرجوع.

يعني: إذا أذَّن المؤذن وأنت في المسجد؛ فلا يجوز لك أن تخرج منه بلا عذرٍ أو نية الرجوع؛ لِمَا رَوى مسلمٌ عن أبي الشعثاء قال: كنا قعودًا في المسجد مع أبي هريرة فأذَّن المؤذن، فقام رجلٌ من المسجد يمشي، فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: “أما هذا فقد عصى أبا القاسم [49]، قالوا: فهذا دليلٌ على تحريم الخروج بعد الأذان من المسجد، لكن المؤلف استثنى من هذا ما إذا كان الخروج بعذرٍ، فلا حرج عليه؛ كأن يصاب مثلًا بوعكةٍ صحيةٍ أو نحو ذلك، وكذلك إذا خرج بنية الرجوع للمسجد، فلا حرج، ذهب مثلًا ليتوضأ، يجدد الوضوء، لأمرٍ طارئٍ ثم رجع، لا حرج، لكن إذا خرج ليصلي في مسجدٍ آخر؛ كأن يكون حضر درسًا أو محاضرةً، فأذَّن المؤذن وهو في المسجد، ثم خرج يريد أن يصلي في مسجدٍ آخر، فلا بأس بذلك أيضًا، ولا يلزم الإنسان أنه إذا أذن المؤذن لا بد أن يصلي في هذا المسجد، وإنما المقصود من الحديث، المقصود الذم في الحديث، من خرج من المسجد ولم يصلِّ مع الجماعة، هذا هو الذي يصدق عليه: “فقد عصى أبا القاسم “، من خرج من المسجد بعد الأذان ولم يصل مع الجماعة، صلى في البيت، أما إذا خرج من المسجد يريد أن يصلي في مسجدٍ آخر؛ فلا بأس بذلك، ولا يشمله النهي الوارد في هذا الحديث.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الآن نجيب عما تيسر من الأسئلة.

السؤال: أيهما أفضل للنساء إذا أردن الأذان للتذكير: أن تؤذن إحداهن، أو يَقُمن بتشغيل أذانٍ مسجلٍ؟

الجواب: الأفضل أن تؤذن إحداهن؛ لأنه عبادةٌ، ولأن هذا مرويٌّ عن عائشة وعن ابن عمر ، فلا بأس بذلك، نحن ذكرنا أن الراجح أنه لا بأس، وإن اكتفين بتشغيل أذان المسجل فالأمر في هذا واسعٌ.

السؤال: حكم أذان الأعجمي الذي لا ينطق بعض الكلمات بوضوحٍ؟

الجواب: إذا كان لا ينطق بعض الكلمات بوضوحٍ؛ فالأولى ألا يؤذن، لكن أذانه صحيحٌ، ما لم يلحن لحنًا يغير المعنى، إذا كان يلحن لحنًا يغير المعنى؛ فهذا لا يصح أذانه، أما إذا كان لا يلحن، وإنما عنده عدم وضوحٍ في إظهار بعض الكلمات، فهذا أذانه صحيحٌ.

السؤال: ما حكم وضع الأذان في الجوال للتذكير؟

الجواب: لا بأس بذلك، هو ذكرٌ لله ، فإذا وَضع الأذان لأجل التذكير بدخول وقت الصلاة؛ فلا بأس، لكن بطريقةٍ لا تكون مزعجةً للآخرين؛ لأن بعض الناس يضع هذه الخاصية، وتزعج من حوله، فإذا كان يتأذى ولو شخصٌ واحدٌ؛ فينبغي ألا يفعل ذلك.

السؤال: فيما يخص صفة الأذان، لا فرق للسامع البعيد بين خمس عشرة جملةً، أو تسع عشرة جملةً؛ لأن السامع البعيد لا يسمع الترجيع، هل هذا صحيحٌ؟

الجواب: نعم، هذا صحيحٌ؛ ولهذا قد لا يكون هناك فرقٌ كبيرٌ بالنسبة للسامع، بين أذان أبي محذورة وأذان بلالٍ رضي الله عنهما، إنما الفرق يكون بين إقامة أبي محذورة وإقامة بلال رضي الله عنهما، فهذا الملحظ الذي ذكره الأخ السائل ملحظٌ جيدٌ، يعني يمكن للمؤذن أن يطبق أذان أبي محذورة  من غير أن يلحظ السامع ذلك؛ لأنه يرجع فيما بينه وبين نفسه من غير رفعٍ للصوت.

السؤال: هل في الترجيع يكون الصوت خفيفًا ويُسمع، أم يكون في نفسه ولا يُسمع؟

الجواب: لا، يكون في نفسه، لكن لا بد من النطق، كما ذكرنا في دروسٍ سابقةٍ أن عدم النطق لا يعتبر كلامًا، لا يسمى كلامًا، لا في لغة العرب، ولا في كلام الشارع، لا يسمى كلامًا؛ ولهذا قالوا: لو أن إنسانًا آمن في قلبه، ولم يتلفظ بالإيمان، لا يعتبر مسلمًا، وأول من أحدث القول بأن حديث النفس يُسمى كلامًا: سعيد بن كُلَّابٍ، ورتب على ذلك مسائل عقديةً منحرفةً في كلام الله ، وإنكار صفة الكلام، لكن المعروف عن السلف أن الكلام لا يُسمى كلامًا حتى ينطق به الإنسان، ومن أحسن من تكلم عن هذه المسألة: أبو العباس ابن تيمية رحمه الله.

فلا يُسمى كلامًا حتى يتلفظ به الإنسان؛ ولهذا لو طلَّق رجلٌ زوجته في نفسه لم يقع الطلاق بالإجماع، فإذا كان يريد أن يتكلم هنا في الأذان، إذا أراد أن يأتي بالترجيع، لا بد أن يتلفظ، ليس معنى “في نفسه”: أنه يقول في نفسه من غير تلفظٍ، لا بد من التلفظ بكلمات الأذان، لكن بصوتٍ خافتٍ، ثم يرفع صوته.

السؤال: وأنا أسير بالسيارة أَمُرُّ بالمساجد وهي تؤذن، فأردد خلف مؤذنٍ، ثم أتجاوزه، وأسمع مسجدًا آخر، فكيف أتابع المؤذن؟

الجواب: الأولى أنك إذا تابعت مؤذنًا أن تستمر في متابعته حتى تنال الفضل والأجر الوارد في ذلك، لكن هذا ليس واجبًا عليك، والأمر في هذا واسعٌ، فتفعل ما تستطيع، وما يتهيأ لك في هذا.

السؤال: إحدى الأخوات تبيع سلعةً بثلاثين، وسعرها خمسةٌ أو عشرةٌ، والعائد لأعمالٍ خيريةٍ، هل يجوز أن يتعدى الربح نصف القيمة؟

الجواب: لا بأس بذلك، بشرط ألا يصل إلى حد الغَبْن أو الغِش، فإذا كانت زيادة الربح معتادةً؛ فلا بأس، أما إذا لم تكن معتادةً، وتصل إلى حد الخداع والغش والغبن؛ قهذا لا يجوز، والدليل على أنه ليس هناك حدٌّ للربح: قصة عروة بن جعدٍ البارقي، لمَّا أعطاه النبي دينارًا ليشتري به شاةً، فاشترى بالدينار شاتين، وباع إحدى الشاتين بدينارٍ، وأتى النبي بشاةٍ ودينارٍ، فدعا له بالبركة، فكان لو اشترى ترابًا لربح فيه [50]، وهذا في “صحيح البخاري”، يعني: نسبة الربح (100%)، وأقره النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك؛ فهذا يدل على أنه لا حد لأعلى الربح، بشرط ألا يصل للجشع والاستغلال والغبن والخداع، يعني يكون هذا معروفًا عند الناس، فإذا كان معروفًا عند الناس، وليس فيه خداعٌ ولا غشٌّ، وهذا هو سعر السوق، لكنه هو بطبيعته يشتري سلعًا بسعرٍ زهيدٍ، ثم يبيعها بسعر السوق، فيستفيد فائدةً كبيرةً، الأمر في هذا واسعٌ، سواءٌ جعل العائد لأعمالٍ خيريةٍ، أو لنفسه.

السؤال: تم الاتفاق بين البائع والمشتري على شراء بيتٍ، وتم دفع العربون، والباقي بعد خمسة أشهرٍ، وحال الحول على المال المحجوز لشراء البيت، فهل عليه زكاةٌ؟

الجواب: نعم عليه زكاةٌ، أي مبلغٍ نقديٍّ يحول عليه الحول ففيه الزكاة إذا كان قد بلغ نصابًا، بغض النظر عن الغرض الذي لأجله أعده، سواءٌ أعده لشراء بيتٍ، لبناء مسكنٍ، لنفقةٍ، لزواجٍ، لأي غرضٍ، ما دام أنه مبلغٌ نقديٌّ بلغ النصاب، وحال عليه الحول، ففيه الزكاة؛ لأنه قد تعلق به حق الفقراء والمساكين، وحتى لا يكون دُولةً بين الأغنياء منكم، يعني هذا المال لماذا تحتكره سنةً كاملةً ما تحركه، ما تفيد الناس، إذا احتكرته مدة سنةٍ، حبسته مدة سنةٍ؛ تعلق به حق هؤلاء الضعفاء؛ فعلى ذلك نقول: هذا المال فيه الزكاة، ما دام أنه قد حال عليه الحول وبلغ نصابًا.

السؤال: هل الإصرار على الصغائر يحيلها إلى الكبائر؟

الجواب: قال بهذا بعض أهل العلم، ولم أقف على دليلٍ ظاهرٍ يدل لهذا، وأنكر هذا الشوكاني رحمه الله، قال: إنه ليس هناك دليلٌ يدل على هذا؛ لأن الحقيقة القول بأن الإصرار على الصغائر يحيلها إلى الكبائر؛ يترتب عليه أمورٌ عظيمةٌ، يترتب عليه تفسيق كثيرٍ من الناس، فبعض الناس يصر على بعض الأمور الصغائر، تجد أنه مستمرٌّ عليها، فلو قلنا: إن هذا الإصرار يقلبها إلى الكبائر، معنى ذلك: أنه يترتب عليه تفسيقه، وهذا يحتاج إلى دليلٍ ظاهرٍ.

السؤال: إذا قصَّر الشخص في عمله؛ مثل: تأخر الحضور، فهل يعتبر من أكل المال الحرام؟

الجواب: إذا قصَّر الإنسان في عمله، من غير عذرٍ، فمعنى ذلك: أنه قد أخذ أجرًا بغير حقٍّ، فعليه إما أن يعوِّض بساعات عملٍ أخرى، أو يعيد هذا المبلغ الذي أخذه بغير حقٍّ، إلى حساب إبراء الذمة، إن كانت الجهة حكوميةً، أو إلى جهات ذلك العمل في القطاع الخاص، لا تبرأ الذمة إلا بهذا؛ لأنه أجيرٌ خاصٌّ، والأجير الخاص: هو من قُدِّر نَفْعُه بالزمن، فأنت عندك مثلًا سبع ساعاتٍ أو ثمان ساعاتٍ، فمعنى ذلك إذا ما داومت إلا خمس ساعاتٍ؛ تكون أخذت أجرًا مقابل ساعتين بغير حقٍّ.

أما الأجير المشترك: فهو من قُدِّر نفعه بالعمل، مهمةٌ تفعلها وتنقضي، فالموظف يعتبر أجيرًا خاصًّا، فإما أن يعوِّض بساعات عملٍ أخرى، أو أنه يحسب مقدار هذا المال، ويعيده إلى حساب إبراء الذمة، هذا هو الورع في ذلك.

السؤال: ما هي طريقة إخراج زكاة المال ممن يتسلم أقساطًا شهريةً، علمًا بأنه كلما اجتمع لديَّ مالٌ من هذه الأقساط؛ أقوم بشراء بضاعةٍ وبيعها مرةً أخرى بالأقساط؟

الجواب: يعني: أنت الآن عندك عُروض تجارةٍ، تبيع وتشتري بالأقساط، فعندك عروض تجارةٍ؛ فلا بد من الزكاة، ومعنى ذلك: أنك تزكي الدين الذي..

أولًا: تزكي السلع التي عندك عند حولان الحول، السلع التي عندك في محلك، تُقَيِّمها كأنك تريد أن تصفِّي، كم قيمتها السوقية؟

وأيضًا: تزكي الدين الذي لك في ذمم الآخرين، لكن تزكي رأس المال وربح السنة الحالية دون أرباح بقية السنوات، فتقدر مثلًا تقول: فلانٌ عنده أطلب مثلًا..، أنا قسطت السيارة، رأس مالها خمسون، قسطتها عليه مثلًا مدة خمس سنين، بخمسةٍ وسبعين، يعني: ربح كل سنةٍ خمس سنواتٍ، معنى ذلك: السنة الأولى تزكي رأس المال، وخمسون سنةً وربح السنة الأولى بخمسة آلاف، يعني: خمسة وخمسون ألفًا، السنة الثانية تزكي الربح خمسة آلافٍ، وتزكي ما تبقى من رأس المال؛ لأن رأس المال سوف يتآكل، إذا قلنا: خمس سنواتٍ، معنى ذلك: كل سنة عشرة آلافٍ القسط؛ فمعنى ذلك: السنة الثانية سيكون المتبقي أربعين ألفًا، مع خمسة آلافٍ، خمسةٌ وأربعون ألفًا، السنة الثالثة المتبقي ثلاثون ألفًا، مع خمسة آلافٍ، خمسةٌ وثلاثون ألفًا، السنة الرابعة المتبقي عشرون ألفًا مع خمسة آلافٍ، خمسةٌ وعشرون ألفًا، السنة الخامسة المتبقي عشرة آلافٍ مع الربح خمسة آلافٍ، خمسة عشر ألفًا، هذه طريقة زكاة الأقساط الشهرية لمن يتاجر فيها، هذا أعدل الأقوال، وهو رأي “المجمع الفقهي”، والمعايير الشرعية، والذي عليه أكثر العلماء المعاصرين.

السؤال: ما حكم الأكل من إناءٍ غير مغطًّى في الليل؟

الجواب: الأكل الأصل فيه الإباحة، لكن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر بأن السَّنة فيها ليلةٌ ينزل فيها وباءٌ لا يُصادف إناءً لم يُخمَّر؛ إلا وقع فيه [51]، وهذه الليلة لا نعلم متى تكون؛ ولذلك ينبغي إذا كان الإناء غير مغطًّى أن تغسله؛ لأنه ربما يكون وقع فيه هذا الوباء، أما إذا كان مغطًّى؛ فلا حاجة، يعني قمت بالاحتياط، لكن إذا كان غير مغطًّى؛ فاغسله وكل فيه؛ اتقاءً لهذا الوباء.

السؤال: النهي عن الحضور للمسجد لمن أكل ثومًا أو بصلًا، هل هذا الحكم سارٍ مع وجود الكمامات؟

الجواب: إذا كانت الكمامة تحجز الرائحة، فلا يتأذى من عن يمينك وعن يسارك؛ فلا بأس.

السؤال: حكم المواظبة على إرسال الأدعية عبر (الواتس)؟

الجواب: لا بأس بهذا، فيه تذكيرٌ للناس بهذا، تذكيرٌ الناس طيبٌ، تذكيرٌ بالأدعية، تذكيرٌ بالأذكار، بالمواعظ، بالمقاطع النافعة، يدخل في باب الدعوة إلى الله ، ونشر العلم.

ونكتفي بهذا القدر، ونلتقي بكم غدًا -إن شاء الله- بعد صلاة المغرب، في التعليق على كتاب الفضائل من “صحيح مسلمٍ”.

فنسأل الله للجميع الفقه في الدين، والعلم النافع، والتوفيق لما يحب ويرضى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 604، ومسلم: 377.
^2 رواه أبو داود: 499.
^3 رواه البخاري: 615، ومسلم: 437.
^4 رواه مسلم: 387.
^5 رواه البخاري: 609.
^6 رواه أبو داود: 515، وابن ماجه: 724.
^7 رواه البخاري: 628، ومسلم: 674.
^8 رواه أبو داود: 547، والنسائي: 847، وأحمد: 21710.
^9 رواه أبو داود: 1203، والنسائي: 666، وأحمد: 17312.
^10, ^14, ^18, ^19, ^20, ^40, ^42, ^43 سبق تخريجه.
^11 رواه البخاري: 1، ومسلم: 1907.
^12 رواه أبو داود: 495.
^13 رواه أبو داود: 517، والترمذي: 207، وأحمد: 7169.
^15 رواه البخاري: 535، ومسلم: 616.
^16 رواه البخاري: 617، ومسلم: 1092.
^17 رواه البخاري: 621، ومسلم: 1093.
^21 رواه أبو داود: 499، والترمذي: 189، وابن ماجه: 706، وأحمد: 16478، وقال الترمذي: حسن صحيح.
^22 رواه البخاري: 595.
^23 رواه مسلم: 373، وذكره البخاري تعليقا: 1/ 68، 129.
^24 رواه الترمذي: 200، والبيهقي في السنن الكبرى: 1858.
^25 رواه ابن ماجه: 713.
^26 رواه البخاري: 603، ومسلم: 378.
^27 رواه الترمذي: 197.
^28 أي: يمينا وشمالا أيضًا.
^29 رواه مسلم: 503.
^30 رواه أبو داود: 500، والنسائي: 647، وأحمد: 15378.
^31 رواه أحمد: 15376.
^32 رواه البخاري: 624، ومسلم: 838.
^33 رواه أبو داود: 514، والترمذي: 199، وابن ماجه: 717، وأحمد: 17537.
^34 رواه أبو داود: 512.
^35 رواه مسلم: 1218.
^36 رواه مسلم: 378.
^37 رواه البخاري: 611، ومسلم: 383.
^38 رواه مسلم: 384.
^39 رواه أبو داود: 528.
^41 رواه مسلم: 385.
^44 رواه البخاري: 614.
^45 رواه البيهقي في السنن الكبرى: 1933.
^46 رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة: 95.
^47 رواه أبو داود: 524.
^48 رواه أبو داود: 521.
^49 رواه مسلم: 655.
^50 رواه البخاري: 3642.
^51 رواه مسلم: 2014.