ننتقل بعد ذلك لـ”السلسبيل في شرح الدليل”، وكنا قد توقفنا عند:
باب الحيض
باب الحيض
وهو آخر أبواب كتاب الطهارة، وهذا الباب من الأبواب المهمة لطالب العلم، ويعد من أكثر أبواب الفقه إشكالًا، خاصةً في وقتنا الحاضر؛ لكثرة مسائله المُشكِلة، والتي من أسبابها: استخدام بعض الناس للعقاقير وموانع الحمل ونحو ذلك، وقد سببت اضطرابًا كبيرًا لبعض النساء.
وقبل تعريف الحيض، نشير إلى أن الحيض هو دم طبيعةٍ، وليس دمًا طارئًا؛ ولهذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام: إن هذا أمرٌ كتبه الله على بناتِ آدم، لمَّا رأى عائشة رضي الله عنها تبكي، عائشة كانت تريد أن تحج بدون أن تحيض، فلما كانوا قرب مكة في مكانٍ يقال له: “سَرِف”؛ حاضت، فدخل عليها النبي عليه الصلاة والسلام وهي تبكي، فقال لها عليه الصلاة والسلام مواسيًا لها: إن هذا أمرٌ كتبه الله على بنات آدم؛ فالشيء الذي يشترك الناس فيه؛ تهون عليهم مصيبته، فقال: افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت [1].
والمرأة قد يعتريها ما يعتريها من الآلام؛ لأجل هذا الحيض، وأيضًا للتغيرات التي تطرأ على المرأة بسبب ذلك، ولكن الله يُكفِّر بها من سيئاتها؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: ما يصيب المسلم من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ، ولا همٍّ ولا حَزَنٍ، ولا أذًى ولا غَمٍّ، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه [2].
فإذا كان الهمُّ والشوكة يكفر الله تعالى عن الإنسان بهما من خطاياه، فكيف بهذه الآلام التي تأتي للمرأة أثناء الحيض؟! فهي يُكفر الله تعالى بها عنها من السيئات.
والله تعالى وصف الحيض بالأذى، فقال: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة:222]، هو أذًى للمرأة، وهو ألمٌ، وهو معاناةٌ، وأيضًا ربما تتشكك المرأة في طهارتها، هذا نوعٌ من الأذى؛ لكنها حكمة الله اقتضت ذلك؛ ولذلك ففي الجنة المرأة لا تحيض، ولا يكون هناك حيضٌ ولا نفاسٌ، وصف الله تعالى نساء الجنة بأنهن أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ [البقرة:25]، لكن هذا في الدنيا؛ اقتضت حكمة الله أن يأتي المرأة، بل إن المرأة التي لا يأتيها الحيض بشكلٍ منتظمٍ لا يمكن أن تحمل، فحتى تحمل المرأة وتلد وتنجب؛ لا بد من أن يأتيها الحيض بصورةٍ منتظمةٍ.
تعريف الحيض لغةً واصطلاحًا
“الحيض” في اللغة معناه: السَّيَلان، يقال: حاض الوادي، إذا سال، وحاضت الشجرة، إذا خرج منها سائلٌ يشبه الصمغ، وهو مصدر حاضت المرأة تحيض حيضًا ومحيضًا.
قال النووي: له ستة أسماءٍ؛ أشهرها: الحيض، ويقال له: الطَّمْث، وهذا قد جاء في حديث عائشة رضي الله عنها، وأيضًا العِرَاك، والضَّحِك -وهذا سنعود إليه- والإكبار، والإعصار.
الحيض يطلق عليه: الضحك؛ ولهذا بعض المفسرين -وهذا مرويٌّ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما- فسر قول الله تعالى عن سارة زوج إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام: فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ [هود:71]، قالوا: إن معنى ضحكت: حاضت، ولكن الراجح في تفسير الآية: أن “ضحكت” بمعنى: الضَّحِك المعروف، إما ضحكت استبشارًا بهلاك قوم لوطٍ، أو أنها لما بشرتها الملائكة؛ ضحكت تعجبًا؛ ولهذا قالت: أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ [هود:72].
تعريف الحيض اصطلاحًا: هو دم طبيعةٍ يصيب المرأة في أيامٍ معلومةٍ، هذا أحسن ما قيل في تعريفه.
هناك تعريفٌ مشتهِرٌ في بعض كتب الفقه نقف معه وقفةً: هو دم طبيعةٍ وجِبِلَّةٍ، يخرج من قعر الرحم في أوقاتٍ معلومةٍ؛ لحكمة غذاء الولد.
أنا أريد أن أقف مع آخِر التعريف: “لحكمة غذاء الولد”، أنا كنت فيما سبق أذكر هذا التعريف في الدروس، وأتاني أحد الأطباء واعترض، كيف “حكمة غذاء الولد”؟! يعني: دم الحيض لا يتغذَّى به الولد، هو دمٌ فاسدٌ منتنٌ، كيف “حكمة غذاء الولد”؟! وبالفعل وجدت كلامه وجيهًا؛ فلذلك نقول: إن دم الحيض لا يتغذَّى به الولد؛ لأنه هو انفجارٌ للبويضة التي تخرج كل شهرٍ عند الأنثى، إذا لم تُلقَّح؛ فإنها تنفجر.
فالقول: إنه “غذاءٌ للولد”، موجودٌ في بعض كتب الفقه، وهو غير دقيقٍ كما يقول الأطباء وأهل الاختصاص؛ ولهذا فالأدق هو التعريف الأول الذي ذكرت.
طيب، هل الحيض خاصٌّ بنساء بني آدم؟ ذكر العلماء أنه ليس خاصًّا، وأن بعض الحيوانات تحيض، وجَمَعها بعضهم في بيتين موجودين في “السلسبيل”:
إن اللواتي يَحِضْن الكلُّ قد جُمعتْ | في ضمن بيتٍ فكن ممن لهنَّ يعي |
امرأةٌ ناقةٌ معْ أرنبٍ وَزَغٌ | وكلبةٌ فرسٌ خفَّاشٌ معْ ضَبُعِ |
ويحتمل أن يكون حيواناتٌ أخرى غير ما ذُكر.
بداية سن الحيض
لا حيض قبل تمام تسع سنين.
“لا” نافية للجنس، والمقصود هنا: النفي الشرعي؛ لأن عندنا قاعدةً في النفي: النفي إذا أُطلق؛ فأول ما ينصرف النفي إلى نفي الوجود، فإن لم يكن؛ فإلى نفي الصحة، فإن لم يكن؛ فإلى نفي الكمال.
طبعًا نفي الوجود هنا غير واردٍ، وعلى ذلك ينصرف النفي هنا للنفي الشرعي، وإنما قلنا: النفي الوجودي غير واردٍ؛ لأنه يوجد من الفتيات من تحيض قبل تسع سنين؛ فإذنْ مقصود المؤلف: لا حيض شرعًا قبل تمام تسع سنين.
طيب، كلمة “تمام” التي ذكرها المؤلف: “قبل تمام”، هل لها فائدةٌ؟
الجواب: نعم، لها فائدةٌ؛ لأن معنى “تسع سنين”: أنها أتمت تسع سنين ودخلت في العاشرة، وليس المعنى كما يَفهم بعض العامة أنها أتمت ثماني سنين ودخلت التاسعة، وهذا مطَّرِدٌ في جميع الأعمار التي يذكرها الفقهاء وأهل العلم؛ فمثلًا: قول النبي : مروا أبناءكم بالصلاة لسبعٍ [3] ما معنى لسبعٍ؟
بعض الناس يَفهم: إذا أتم ست سنين ودخل السابعة، هذا غير صحيحٍ، المعنى: إذا أتم سبع سنين ودخل الثامنة، واضربوهم عليها لعشْرٍ [4]، أتمَّ عشر سنين ودخل الحادية عشرة.
طيب، قول جمهور الفقهاء: إن إحدى علامات البلوغ خمس عشْرة سنةً؛ يعني: أتم خمس عشْرة سنةً ودخل في السادسة عشرة؛ ولذلك لو سئلت أنت: كم عمرك؟ مثلًا: لو افترضنا أن عمرك ثلاثون، كيف يكون عمرك ثلاثين؟ إذا أتممت ثلاثين ودخلت في السنة الحادية والثلاثين؛ يكون عمرك ثلاثين، أما إذا لم تُتِمَّ السنة الثلاثين فلا، عمرك تسعة وعشرون، حتى تُتم الثلاثين وتدخل في الحادية والثلاثين؛ تقول: عمري ثلاثون، فتُحسَب هكذا؛ ولذلك الناس يحسبونها بالنسبة للطفلِ الوليد بطريقةٍ صحيحةٍ؛ فمثلًا: الطفل لا يقال: عمره سنةٌ، حتى يُتم اثني عشر شهرًا، الطفل الذي عمره شهرٌ لا يقال: عمره سنةٌ، شهران، ثلاثةٌ، أربعةٌ، عشرة أشهرٍ، ولا يقال: عمره سنةٌ، متى يقال: عمره سنةٌ؟ إذا أتمَّ اثني عشر شهرًا ودخل في السنة الثانية؛ وهكذا أيضًا تُحسَب الأمور، هكذا بهذه الطريقة، فخُذْ هذه الفائدة النفيسة.
المؤلف يقول: “لا حيض” -يعني شرعًا- “قبل تمام تسع سنين”، هذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو أيضًا مذهب المالكية والشافعية؛ يعني قول الجمهور.
والقول الثاني في المسألة: أنه لا حد لأقل سنِّ تحيض فيه المرأة، وسيأتي الكلام عنه.
طيب، الجمهور استدلوا بماذا؟
استدلوا أولًا بأثرٍ رُوي عن ابن عمر رضي الله عنهما: “إذا أتى على الجارية تسع سنين؛ فهي امرأةٌ”، لكنه لا يصح من جهة الصناعة الحديثية.
وأيضًا رُوي عن عائشة رضي الله عنها موقوفًا عليها: “إذا بلغت الجارية تسع سنين؛ فهي امرأةٌ”.
إذنْ إذا بلغت الجارية تسع سنين؛ فهي امرأةٌ، لكن من جهة الإسناد لا يُعرف له إسنادٌ، ثم حتى لو صح؛ فليس بصريحٍ؛ لأنه لا حيض شرعًا قبل تسع سنين.
ويحتمل أن مراد عائشة رضي الله عنها: أنها امرأةٌ قد بلغت مبلغًا كبيرًا كمبلغ بعض النساء اللاتي يتحملن مسؤوليةً ويقمن بمعاونة أهل البيت، ونحو ذلك.
هناك مقولةٌ مشهورةٌ عن الإمام الشافعي: “رأيت بصنعاء جَدَّةً عمرها إحدى وعشرون سنةً”، ويريد بذلك أنها حاضت وهي بنت تسعٍ، ووَلَدَت بنتًا وعمرها عشرٌ، ثم بنتها حاضت ولها تسعٌ، وولدت بنتًا وعمرها عشرٌ، فأصبح المجموع إحدى وعشرين.
لكن هذه المقولة عن الإمام الشافعي لا تصح، على رغم شهرتها ووجودها في كثيرٍ من كتب الفقه، لكن بتتبعها من جهة الإسناد لا تصح عن الإمام الشافعي.
القول الثاني: إن شاء الله سنأتي له بعدما نتكلم عن قول المؤلف: “ولا بعد خمسين سنةً”.
أكثر سن الحيض
ولا بعد خمسين سنةً.
يعني: لا حيض بعد خمسين سنةً، طبعًا المقصود بـ”خمسين سنةً” -كما قلنا قبل قليل- يعني: تمام الخمسين والدخول في إحدى وخمسين؛ عللوا ذلك بتعليلٍ، قالوا: إن هذا ليس معروفًا عادةً، والعادة لها أثرٌ في الأحكام الشرعية، وأيضًا استدلوا بما رُوي عن عائشة رضي الله عنها: “إذا بلغت المرأة خمسين سنةً؛ خرجت من حد الحيض”، وهذا الأثر أيضًا ليس له أصلٌ.
القول الثاني: أنه لا حد لأقل سنٍّ تحيض فيه المرأة ولا لأكثره، بل متى ما رأت المرأة الدم المعروف عند النساء؛ فهو دم حيضٍ، حتى وإن كانت دون تسع سنين، أو كانت أكثر من خمسين.
وهذا القول روايةٌ عن الإمام أحمد، واختاره جمعٌ من المحققين من أهل العلم؛ كأبي العباس ابن تيمية، رحمهم الله تعالى جميعًا، واستدلوا بعدم الدليل على التحديد، ما الدليل على أن أقل سنٍّ تحيض فيه المرأة: تسع سنين؟ ليس هناك دليلٌ، نحن ناقشنا الأثر المروي عن عائشة وابن عمر ، وأنهما لا يصحان، كذلك ليس هناك دليلٌ على أن أكثر سنٍّ تحيض به المرأة خمسون سنةً.
واستدلوا أيضًا بظاهر الآية الكريمة: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة:222]، قالوا: إن الله علَّق الحكم بالأذى، متى ما وجدت المرأة هذا الأذى؛ فيُحكم بأنه حيضٌ، بغض النظر عن السن الذي وجدت فيه هذا الأذى.
وأيضًا بقول الله تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4]، ولم يقل: واللاتي بلغن خمسين سنةً، وإنما قال: يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ، ولو كان التحديد بخمسين سنةً؛ لقال: واللائي بلغن خمسين سنةً، والتحديد بابه التوقيف، ثم ما الفرق بين أن تحيض المرأة بعد أن تُتم خمسين سنةً بدقيقةٍ، فلا نعد الدم الخارج حيضًا، وقبل ذلك بدقيقةٍ فنعتبره حيضًا؟ فهذا يحتاج إلى دليلٍ، ولا دليل يدل على هذا التحديد، وعلى هذا القول.
فالقول الراجح: أنه لا حد لأقل سنٍّ تحيض فيه المرأة، ولا حد لأكثر سنٍّ تحيض فيه المرأة؛ قد تحيض المرأة قبل تسع سنين، وقد تحيض بعد خمسين سنةً، والواقع خير شاهدٍ لهذا.
الطالب:…
الشيخ: إذنْ أثر عائشة رضي الله عنها: “إذا بلغت الجارية تسع سنين؛ فهي امرأةٌ” [5]، هذا نعم أخرجه الترمذي معلقًا بدون إسنادٍ.
هل تحيض الحامل؟
قال:
ولا مع حملٍ.
يعني: لا حيض مع حملٍ؛ وهذا يدل على أن المرأة الحامل لا تحيض.
قال الإمام أحمد: إنما تَعرف النساء الحمل بانقطاع الدم، وهذا هو المذهب عند الحنفية والحنابلة: أن الحامل لا تحيض، واستدلوا بقول الله تعالى: وَأُولَاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4]، قالوا: لو كانت الحامل تحيض لكانت عدتها ثلاث حِيَضٍ، ولم تكن عدتها وضع الحمل.
وأيضًا استدلوا بحديث أبي سعيدٍ : أن النبي قال: لا توطأ حاملٌ حتى تضع، ولا غير ذات حملٍ حتى تحيض حيضةً [6]، أخرجه أبو داود، وسنده صحيحٌ.
فقوله : حتى تحيض حيضةً؛ يعني: حتى تُستعلم براءتها بالحيض؛ فدل ذلك على أنه لا يجتمع الحمل مع الحيض، وقالوا: لأن الحِسَّ يدل على أن الحامل لا تحيض.
القول الثاني في المسألة: أن الحامل يمكن أن تحيض، وهذا هو مذهب المالكية والشافعية، ورواية عن الإمام أحمد، واختار هذا القول الإمام ابن تيمية رحمه الله.
واستدلوا بعموم الآية: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة:222]، قالوا: سمَّى اللهُ الحيض أذًى، متى ما وُجد هذا الأذى؛ ثبت حكمه، سواءٌ أتى من حاملٍ أو من غير حاملٍ، وكذلك قول النبي : إذا كان دمُ الحيضة، فإنه أسود يُعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة [7]، فأناط الحكم بوجود الدم بهذه الصفة.
قالوا: أيضًا الواقع يدل لهذا، فيوجد نساءٌ يحملن ويحضن في الوقت نفسه.
والقول الراجح والله أعلم: هو أن الحامل يمكن أن تحيض، بشرط أن يخرج الدم على صفة دم الحيض، وهذا أمرٌ نادر الوقوع، لكنه ممكنٌ، أما إذا خرج الدم على غير صفة دم الحيض؛ فهذا دم فسادٍ، وهذا هو الغالب في الدم الذي يخرج من الحامل.
إذنْ الترجيح: نقول: الراجح أن الحامل يمكن أن تحيض، بشرط أن الدم الخارج يكون على صفة دم الحيض، أما إذا كان ليس على صفة دم الحيض؛ فهذا دم فسادٍ، وليس دم حيضٍ.
وقد سألتُ بعض الأطباء المختصين، فذكروا لي أنه من الناحية الطبية يمكن للحامل أن تحيض، إذا خرج الدم على صفة دم الحيض، وفسَّروا لهذا، قالوا: إنه في أحوالٍ قليلةٍ أو نادرةٍ قد يخرج من المرأة بويضتان: إحداهما تُلقَّح وتحمل منه المرأة، والأخرى تنفجر ويكون منها الحيض، فيجتمع الحمل والحيض في هذه الصورة، هذا هو الذي ظهر لي بعد بحثٍ طويلٍ لهذه المسألة.
إذنْ على القول الراجح: عندما تَسأل المرأةُ الحامل التي يخرج منها دمٌ، تقول: هل هذا دم حيضٍ؟ نقول: صِفِي لنا هذا الدم الذي يخرج منك، إن كان على صفة دم الحيض؛ فهو دم حيضٍ، وإن كان ليس على صفة دم الحيض؛ فهو دم فسادٍ، مع الأخذ في الاعتبار: أن خروج الدم من الحامل في الغالب دم فسادٍ، وأن كون الحامل تحيض ويخرج الدم بنفس مواصفات دم الحيض، هذا قليلٌ أو نادرٌ، لكنه ممكنٌ.
الإخوة كتبوا هذا التنبيه، تنبيه للإخوة المتابعين عن طريق (البِريسكوب): أن البث عن طريق (اليوتيوب) أوضحُ صوتًا وصورةً، وأفضل للمتابع، فننبه الإخوة إذا أرادوا وضوحًا في الصوت؛ فينتقلون لـ(اليوتيوب)، فهو أفضل في الصوت.
أقل الحيض وأكثره
نعود لعبارة المؤلف، قال:
وأقل الحيض: يومٌ وليلةٌ، وأكثره: خمسة عشر يومًا، وغالبه: ستٌّ أو سبعٌ.
أقل الحيض: يومٌ وليلةٌ، هذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو أيضًا مذهب الشافعية؛ واستدلوا، قالوا: إن العادة لم تجر بأن يوجد حيضٌ في أقل من يومٍ وليلةٍ، وأيضًا أكثر من خمسة عشر يومًا، قالوا: لم تجر العادة بأن يوجد حيضٌ أكثر من خمسة عشر يومًا.
والقول الثاني في المسألة: أنه لا حد لأقل الحيض؛ قالوا: لأنه ليس هناك دليلٌ يدل للتحديد، والتحديد بابه التوقيف، وأما الاستدلال بالعادة فيقال: إنه قد وجد من النساء من يخرج منها الدم في أقل من يومٍ وليلةٍ؛ ولهذا قال الميموني: قلت لأحمد: أيصح عن رسول الله شيءٌ في أقل الحيض وأكثره؟ قال: لا، قلت: فيصح عن أحدٍ من أصحاب رسول الله ؟ قال: لا، وهذا القول -وهو أنه لا حد لأقل الحيض- هو مذهب المالكية، وهو اختيار ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى، وهذا هو القول الراجح: أنه لا حد لأقل الحيض؛ قد تحيض المرأة ساعاتٍ، بل على القول الراجح يمكن أن يكون دم الحيض دفعةً واحدةً، بشرط أن يخرج وفيه صفات دم الحيض، إذا خرج من المرأة دمٌ فيه صفات دم الحيض؛ فهو حيضٌ، ولو كان دفعةً واحدةً، لكن يشترط أن تكون هذه الدفعة غزيرةً بحيث تسيل سيلانًا، أما لو كانت نقطًا يسيرةً لا تسيل؛ فليست بحيضٍ؛ لأن الحيض في اللغة: السيلان.
خذ هذه الفائدة، هذه الفائدة ليست موجودة في “السلسبيل”: بعض النساء يكون الدم معها نقط، هذا ليس بحيضٍ، لا بد من أن يسيل، أما مجرد نقطٍ تخرج منها؛ فهذا لا يُعتبر حيضًا؛ لأن الحيض معناه في اللغة: السيلان، فلو خرج من المرأة دَفْعةٌ واحدةٌ غزيرةٌ؛ يعتبر حيضًا ولو كان لأقل من يومٍ وليلةٍ، هذا بالنسبة لأقل الحيض.
إذنْ في أقل الحيض، القول الراجح: إنه لا حد لأقله.
وأما أكثر الحيض، فكما سمعتم: أن الشافعية والحنابلة حدَّدوه، وكذلك أيضًا المالكية، حدَّدوه بخمسة عشر يومًا، والحنفية حدَّدوه بعشرة أيامٍ.
وهناك قولٌ لبعض أهل العلم: أنه لا حد لأكثره؛ وعللوا بالتعليل السابق، قالوا: التحديد بابه التوقيف، ولم يرد دليلٌ يدل على التحديد.
الحقيقةَ هذه المسألة من المسائل المُشكِلة، كنت في السابق أُرجِّح القول بعدم التحديد، وأنه لا حد لأكثر الحيض، حتى وردت إليَّ استفتاءاتٌ من بعض النساء: بعضهن يمتد معهن الدم عشرين يومًا، وبعضهن إحدى وعشرين، وبعضهن اثنين وعشرين يومًا، فلا يمكن أن نعتمد هذا دمَ استحاضةٍ؛ لأنه ليس جميع الشهر، طيب اعتبارُه دمَ حيضٍ عشرين يومًا هذا مُشكِلٌ؛ لأنه يترتب على هذا أن المرأة تبقى ثلثي عمرها لا تصلي ولا تصوم، وممنوعةٌ من المعاشرة الزوجية، هذا يسبب لها ضررًا عظيمًا، هل تأتي الشريعة بمثل هذا؟
ولذلك لما اتصلت بي إحدى الأخوات واستشكلت، فأقول لها: هل الدم نفس مواصفات دم الحيض؟ تقول: نعم، وهذا خاصةً لمن تَستخدم اللولب؛ تطول معها مدة الحيض، فبدأت أُعيد بحث المسألة من جديدٍ، فظهر لي -والله أعلم- أن الأقرب هو قول الجمهور، وهو التحديد بخمسة عشر يومًا، التحديد لا بد منه هنا.
ومما يدل للتحديد: أن الله تعالى جعل عدة المطلقة ثَلَٰثَةَ قُرُوٓءٍ [228]، وجعل عدة اليائسة والصغيرة في مقابل ذلك ثلاثة أشهرٍ [8]؛ ليكون في كل شهرٍ حيضٌ وطهرٌ، والأصل: أن المرأة تحيض وتَطهر في الشهر مرةً واحدةً؛ يعني تحيض مرةً واحدةً وتطهر؛ وعلى ذلك: فأكثر ما يمكن أن يصل إليه الحيض هو منتصف الشهر، وهو خمسة عشر يومًا؛ لأن الشهر حيضٌ وطهرٌ.
وبعضهم يستدل بما يُروى حديثًا: “تمكث إحداهن شطر دهرها لا تصلي”، قال: “شطر دهرها”، وهذا لو ثبت؛ لكان حجةً، لكن بحثتُ عنه ولم أقف له على إسنادٍ، ورجعت لكلام بعض المحدثين فوجدت أيضًا أنهم لم يقفوا على إسنادٍ له، قال البيهقي: طلبته كثيرًا في شيءٍ من كتب أصحاب الحديث، فلم أجد له إسنادًا، وقال ابن المُلقن: نصَّ غير واحدٍ من الحفاظ على أنه لا يُعرف له أصلٌ؛ وعلى ذلك: فهذا لا أصل له، لكن التعليل الذي ذكرتُ هو تعليلٌ وجيهٌ؛ وهو أن الله تعالى جعل الشهر مقابل الحيض والطهر، جعل عدة المطلقة ثلاثة قروءٍ، وعدة اليائسة ثلاثة أشهرٍ، ففي كل شهرٍ حيضٌ وطهرٌ، فأقصى ما يصل إليه الحيض منتصف الشهر، وهو خمسة عشر يومًا، هذا هو الأقرب والله أعلم؛ وعلى ذلك: فيكون أكثر مدة الحيض خمسة عشر يومًا، كما هو قول جماهير الفقهاء.
أما قول المؤلف: “غالبه ستٌّ أو سبعٌ”، فدليله حديث حَمْنة بنت جحشٍ، لما استحيضت فسألت النبي ، فقال: تحيَّضي ستةَ أيامٍ أو سبعةً في علم الله [9].
ويؤيدها أيضًا الواقع؛ فإن غالب حيض النساء ستة أيامٍ أو سبعةٌ، وهذا قد لا يترتب عليه فائدةٌ، إلا من جهة بعض أحكام المستحاضة كما سيأتي إن شاء الله.
أقل الطهر بين الحيضتين وأكثره
قال:
وأقل الطُّهر بين الحيضتين: ثلاثة عشر يومًا، وغالبُه بقية الشهر، ولا حد لأكثره.
أقل الطهر: ثلاثة عشر يومًا، وغالب الطهر بقية الشهر.
ويستدلون لذلك بقصة عليٍّ لما جاءته امرأةٌ تُخاصم زوجها الذي طلقها، وقالت لعليٍّ : إني قد حضت ثلاث حيضاتٍ في شهرٍ واحدٍ؟ فقال عليٌّ لشُريحٍ: “اقضِ فيها”، فقال: إن جاءت ببِطَانةٍ من أهلها -ممن يُرضى دينه وأمانته- تزعم أنها حاضت ثلاث حِيَضٍ تطهر عند كل قرءٍ وتصلي؛ جاز لها، وإلا فلا، قال عليٌّ : “قالون”، “قالون” يعني: أحسنت، بلسان الروم؛ هذا يدل على أن استخدام غير اللغة العربية أحيانًا في مراتٍ قليلةٍ لا بأس به.
فشُريحٌ يقول: إن هذه الحالة نادرةٌ، لكنها ممكنةٌ، لكن بشرط أن تأتي ببطانةٍ من أهلها ممن يشهد بذلك، وذلك بأن تحيض يومًا وليلةً فتطهر ثلاثة عشر يومًا، ثم تحيض يومًا وليلة فتطهر ثلاثة عشر يومًا، ثم تحيض يومًا وليلةً.
ومعنى ذلك أنها حاضت ثلاث حيضاتٍ في شهرٍ واحدٍ، لكن هذه حالاتٌ نادرةٌ.
ولذلك فهنا شُرَيح قال: لا بد من أن تأتي ببطانةٍ من أهلها، ممن يُرضى دِينه وأمانته، لكن هذا ليس بدليلٍ ظاهرٍ على التحديد، وإنما شُريحٌ يقول: إن هذا هو الغالب، أن أقل مدة الحيض: أنها يومٌ وليلةٌ، لكن الواقع: أن الحيض قد يأتي أقل من ذلك -كما ذكرنا- قد يكون الطُّهر.. قد لا يتقيَّد بهذا -أن الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يومًا- قد يكون الطُّهر أقل، قد يكون عشرة أيامٍ، قد يكون خمسة أيامٍ، قد يكون أحيانًا أقل من هذا، فليس هناك حدٌّ لأقل الطهر بين حيضتين على القول الراجح.
فالقول الراجح: أنه ليس هناك حدٌّ لأقل الطهر بين الحيضتين، ولا حد لأكثره.
طيب، إذا قلنا: إنه ليس هناك حدٌّ لأقل الطهر؛ فلا بد من أن نُحدِّد العلامات التي يُعرف بها الطهر، حتى تعرف المرأة كيف تكون طاهرةً.
علامة الطهر من الحيض
علامة الطهر من الحيض: علامتان:
- العلامة الأولى: علامةٌ حسيةٌ ظاهرة واضحةٌ: وهي القَصَّة البيضاء، والقَصَّة البيضاء: هو سائلٌ أبيض يخرج عند انتهاء الحيض تعرفه النساء.
- العلامة الثانية: الجفاف وانقطاع الدم يومًا وليلةً فأكثر عند النساء اللاتي لا يَرَيْن القَصَّة البيضاء، أو أن القصة البيضاء عندهن مضطربةٌ أو تتأخَّر كثيرًا.
وهذا التحديد بيومٍ وليلةٍ، هو أعدل ما قيل، وهو اختيار الموفق ابن قدامة، واختيار شيخنا عبدالعزيز ابن بازٍ، رحمهم الله تعالى؛ لأن الجفافَ لأقل من يومٍ وليلةٍ هذا معتادٌ عند النساء، المرأة الحائض ليس الحيض يخرج معها بصورةٍ مستمرةٍ، بل يخرج ويتوقف، فأحيانًا يخرج مثلًا ساعةً ثم يتوقف ساعتين، ثم يخرج عشر دقائق ثم يتوقف ساعةً، وهكذا، الحيض لا يخرج من المرأة بصورةٍ مستمرةٍ.
فلو اعتبرنا مجرد التوقف والجفاف طهرًا؛ لشَق ذلك على النساء؛ ولذلك فالأحسن: هو التحديد بيومٍ وليلةٍ، فإذا حصل الجفاف عند المرأة يومًا وليلةً فأكثر؛ فيعتبر هذا طهرًا.
وعلى ذلك: فلا حد لأقل الطهر، بل المرجع في ذلك للتحديد بإحدى هاتين العلامتين.
طيب، إذا عاد للمرأة الدم بعد الحكم بطهارتها على صفة دم الحيض؛ فهو حيضٌ؛ ولذلك ربما يتكرر عليها الحيض في الشهر عدة مراتٍ، هذه امرأة أتاها الحيض، مثلًا أربعة أيامٍ، ثم رأت الطهر خمسةَ أيامٍ، ثم رجع الحيض مرةً أخرى، نقول: يُعتبر حيضًا، وهذا يوجد لدى بعض النساء، ويسميه الفقهاء: التلفيق، فإذا رأت المرأة الحيض؛ فهو حيضٌ، وإذا رأت الطهر؛ فهو طهرٌ، بشرط ألا تزيد مدة الحيض في الشهر على خمسة عشر يومًا؛ يعني تجمع أيام الحيض كلها في الشهر، ولا تزيد على خمسة عشر يومًا، هذه مسألةٌ مهمةٌ للأخوات؛ لأن بعض النساء يكون عندهن تقطعٌ في الحيض؛ يأتيها الحيض ثم الطهر، ثم الحيض ثم الطهر، نقول: هذا نعم، إذا رأت الحيض؛ فهو حيضٌ، وإذا رأت الطهر؛ فهو طهرٌ ولو تكرر في الشهر عدة مراتٍ.
هذه يسميها الفقهاء بالتلفيق، بشرط أن مجموع أيام الحيض لا يزيد في الشهر على خمسة عشر يومًا؛ لأن الله علق حكم الحيض بوجوده، فإذا وُجِد؛ عُدَّتْ حائضًا.
ما يحرم بالحيض
ثم انتقل المؤلف بعد ذلك لبيان ما يحرم بالحيض، قال:
ويحرم بالحيضِ أشياء؛ منها:
أولًا:
وهذا بالإجماع؛ لقول الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222]، وقد جاء في حديث أنسٍ : أن اليهود كانوا إذا حاضَتْ فيهم المرأة؛ لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبي ، سألوه عن ذلك، فأنزل الله هذه الآية، فقال عليه الصلاة والسلام: اصنعوا كل شيءٍ إلا النكاح [10]، يعني: إلا الوطء.
فاليهود كان عندهم تشددٌ في التعامل مع الحائض؛ كانت المرأة إذا حاضت اعتزلوها، لم يؤاكلوها ولم يشاربوها، يكون لها أكلٌ مستقلٌّ، وشربٌ مستقلٌّ، ومكانٌ مستقلٌّ تبقى فيه وكأنها رجسٌ نجسٌ، سبحان الله! يُقابل ذلك النصارى، فالحال عندهم كغير الحائض؛ ولذلك الزوج يطأ زوجته الحائض، وهذا تساهلٌ كبيرٌ.
والإسلام دينٌ وسطٌ بين اليهودية المتشددة، وبين النصرانية المتساهلة؛ فجعلوا المرأة الحائض كالطاهرة في التعامل معها، إلا أن زوجها يجتنب وطأها حتى تطهر، اصنعوا كل شيءٍ إلا النكاح.
قال:
والطلاق.
أي: يحرم طلاق الحائض، وهذا أيضًا بالإجماع؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1]، يعني: مُستقبِلين عِدَّتهن، وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ [الطلاق:1].
وقد أنكر النبي على ابن عمر رضي الله عنهما لما طلق امرأته وهي حائضٌ، بل غضب من ذلك وقال: مُرْه فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسكها بعد، وإن شاء طلق؛ فتلك العدة التي أمر الله أن تُطلَّق لها النِّساء [11].
ويسمِّي الفقهاء الطلاق في الحيض بالطلاق البدعي، لكن هل يقع أو لا يقع؟ هذا محل خلافٍ بين أهل العلم؛ المذاهب الأربعة وأكثر أهل العلم على وقوعه، وهناك قولٌ بعدم الوقوع، تبنَّاه ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى، وأي القولين أرجح؟ إن شاء الله سيأتي بحث هذه المسألة بالتفصيل في كتاب الطلاق.
قال:
والصلاة.
أي: يحرم على الحائض أن تصلي، وهذا بالإجماع؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: إذا أقبلت حيضتك؛ فدعي الصلاة [12].
والصوم.
يعني: يحرم على الحائض أن تصوم، هذا أيضًا بالإجماع.
طيب، بعض النساء تكون في البيت، خاصةً الفتيات الصغيرات، وتخجل من أن تخبر أهلها بأنها حائضٌ، فتصوم، ما حكم صومها؟ نقول: إذا تعبدت لله بالصوم، فإنها آثمةٌ، لكن إذا أمسكت عن الأكل والشرب بدون نية الصوم؛ فلا بأس، لا يعتبر هذا الصيام شرعًا، المهم ألا تتعبد لله بنية الصوم وهي حائضٌ.
قال:
والطواف.
يعني: يحرم على المرأة أن تطوف وهي حائضٌ، وقد حُكي الإجماع على ذلك؛ لقول النبي لعائشة رضي الله عنها لما حاضت: افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت [13]، وقد حَكَى الإجماع على ذلك: ابن عبدالبر وابن رشدٍ وابن حزمٍ والنووي والصنعاني وغيرهم.
طيب، إذا حاضت المرأة وطافت؛ يعني طافت وهي حائضٌ، هل يصح طوافها؟ نقول: لا يصح عند عامة أهل العلم.
لكن عَرَضَتْ نازلةٌ في عصر ابن تيمية رحمه الله، عن امرأةٍ حاضت ولم تطف طواف الإفاضة، وأصبحت بين أمرين: إما أن تغادر مع القافلة وهي لم تطف طواف الإفاضة، وهو ركنٌ من أركان الحج، أو أنها تطوف وهي حائضٌ، فأفتاها ابن تيمية أنها تطوف وهي حائضٌ للضرورة.
لكن فتوى ابن تيمية رحمه الله هذه نطاقها ضيقٌ جدًّا، هذه في حال امرأةٍ هي بين أمرين: إما أن تترك ركنًا من أركان الحج، وهو الطواف، أو أنها تطوف وهي حائضٌ، فكونها تطوف وهي حائضٌ خيرٌ مِن أن تترك ركن الطواف؛ ولذلك ينبغي عدم التوسع في الفتيا بذلك؛ فالأصل أن المرأةَ تبقى حتى تطهر؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام لمَّا قيل: إن صفية حاضت، قال: أحابِسَتُنا هي [14].
الأصل أن المرأة تَحبس مَحرمها حتى تطهر ثم تطوف، أو أن المرأة ترجع إلى بلدها، ثم إذا طهرت؛ رجعت مرةً أخرى وأتت بطواف الإفاضة.
وفي وقتنا الحاضر، يمكن استخدام بعض العقاقير أو الإبر التي ترفع الحيض، وتغتسل المرأة وتطوف، وهذا الأطباء يقولون: إنها إذا فعلته المرأة مرةً واحدةً؛ لا يضر، وإنما إذا تكرر من المرأة؛ فهذا هو الذي يضرها.
وهذا قد ذكرتُه لرجلٍ حاضت امرأته، وهو مضطرٌ للسفر، فذكرت له أن يذهب للمستوصف، وسيساعدونه في الحل، فذهب بالفعل، وأعطوا امرأته إبرةً فارتفع الحيض، واغتسلت وطافت، وأتى إليَّ شاكرًا.
فهذا يمكن أن يُلجأ إليه، لكن بعد الاستشارة الطبية، بعد استشارة الأطباء المختصين؛ لأنه أيضًا بعض النساء ربما أجسامهن لا تتحمل مثل هذا، فلا بد من استشارة الطبيب المختص.
قال:
وقراءة القرآن.
حكم قراءة الحائض القرآن
يعني: يحرم على الحائض أن تقرأ القرآن.
وهذه المسألة محلُّ خلافٍ بين الفقهاء على قولين:
- القول الأول: أن المرأة الحائض يحرم عليها أن تقرأ القرآن، وهذا مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة؛ يعني قول الجمهور.
- والقول الثاني: الجواز، وهو روايةٌ عن الإمام مالكٍ.
واستدل الجمهور بحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن [15]، هذا الحديث أخرجه الترمذي، لكنه يقول عنه ابن تيمية رحمه الله: هذا حديثٌ ضعيفٌ باتفاق أهل المعرفة بالحديث، ويقول الحافظ ابن حجرٍ: إنه ضعيفٌ من جميع طرقه.
فإذنْ هو ضعيفٌ ضعفًا شديدًا، فهو غير صالحٍ للاحتجاج به، وعللوا لذلك فقالوا: لأن منع الحائض من قراءة القرآن أقرب إلى تعظيم القرآن وصيانته.
القول الثاني: أن الحائض يجوز لها أن تقرأ القرآن، وهو روايةٌ عن الإمام مالكٍ، قالوا: الدليل: عدم الدليل؛ فلم يرد دليلٌ يدل على منع الحائض من قراءة القرآن، والحديثُ المروي في ذلك -كما قلنا- ضعيفٌ باتفاق أهل المعرفة بالحديث، وقولهم بأنه أقرب لتعظيم القرآن؛ هذا غير مُسلَّمٍ، ليس ثَمَّ علاقةٌ بين منع الحائض من قراءة القرآن وبين تعظيم القرآن، بل وردت أدلةٌ ظاهرها يدل على أن الحائض يجوز لها أن تقرأ القرآن؛ من ذلك: حديث عائشة رضي الله عنها لمَّا حاضت في الحج، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت [16]، وهذه رواية أحمد [17]، وجاء في رواية البخاري عن جابرٍ: “فأمرها النبي أن تَنسُك المناسك كلها، غير أنها لا تطوف بالبيت، ولا تصلي حتى تطهر” [18].
وجه الدلالة: أن النبي عليه الصلاة والسلام نهاها عن أمرين: عن الطواف، وعن الصلاة فقط.
ومعلومٌ أن قراءة القرآن من أفضل أعمال الحاج، فلو كانت ممنوعةً منها؛ لبين ذلك النبي ، ثم إن هذه المسألة من المسائل العظيمة التي تحتاج لها نساء الأمة، فلو كانت الحائض ممنوعةً من قراءة القرآن؛ لبين ذلك النبي للأمة بيانًا واضحًا، وَلاشْتهر ذلك كما اشتهر منعها من الصلاة، ومنعها من الصيام، ومنعها من الطواف.
فعلى هذا: القول الراجح: أن الحائض يجوز لها أن تقرأ القرآن، وهذا اختيار شيخنا عبدالعزيز ابن بازٍ رحمه الله تعالى.
حكم مس الحائض المصحف
قال:
ومس المصحف.
يعني: أن الحائض يحرم عليها مس المصحف، والحائض وغير الحائض، المُحْدِث عمومًا لا يجوز له أن يمس المصحف.
واستدلوا بقول الله تعالى: لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79]، لكن الاستدلال بالآية محل نظرٍ؛ لأن الْمُطَهَّرُونَ المقصود بهم: الملائكة، بدليل ما بعدها: كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ [عبس:11-16].
لكن ابن تيمية رحمه الله قال: يمكن أن يُستدل بالآية بطريق الإشارة؛ لأن هذه الصحف إذا كان لا يمسها إلا المطهرون من الملائكة؛ لكرامتها عند الله ؛ فينبغي لكم -أنتم يا بني آدم- ألا يمسها إلا من هو متطهرٌ.
وأيضًا استدلوا بكتاب عمرو بن حزمٍ الذي كتبه النبي عليه الصلاة والسلام لأهل اليمن، وفيه: ألا يمس القرآن إلا طاهرٌ [19]، هذا هو القول الذي عليه عامة أهل العلم، وعليه المذاهب الأربعة؛ وعلى ذلك: فالحائض لا يجوز لها أن تمس القرآن مباشرةً، لكن من وراء حائلٍ لا بأس؛ كأن تلبس قُفَّازَين مثلًا وتفتح صفحات المصحف بالقفازين، لا بأس بذلك، المهم أن الحائض يجوز لها أن تمس المصحف من وراء حائلٍ، ولا يجوز لها أن تمس المصحف مباشرةً، ويجوز لها أن تقرأ القرآن مطلقًا على القول الراجح.
قال:
واللُّبث في المسجد.
يعني: يحرم على الحائض اللبث في المسجد؛ لقول الله : وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ [النساء:43]، فنهى الله تعالى الجنب عن المكث في المسجد إلا مجتازًا، فالحائض كذلك أولى بالنهي؛ لأن حَدَثَها أغلظُ.
وأيضًا يدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي قال لها لمَّا كان معتكفًا: ناولِيني الخُمْرة، وهي شيءٌ يضعه الرجل على وجهه أثناء سجوده، قالت: إني حائضٌ، قال: إن حيضتك ليست في يدك [20]، رواه مسلمٌ.
فقول عائشة رضي الله عنها: “إني حائضٌ”، هذا يدل على أنها قد فهمت أن الحائض ليس لها المكث في المسجد، فبيَّن النبي عليه الصلاة والسلام أن الحيضة ليست في اليد؛ يعني: إذا ناولْتِني باليد؛ فهذا مجردُ مَدِّ يدٍ لا يؤثر، فحيضتك ليست في يدك، وليس لها علاقةٌ، اليد ليس لها علاقةٌ بالحيض.
لكن الشاهد: أن عائشة رضي الله عنها فهمت أن الحائض ممنوعةٌ من المسجد، وأقرها النبي عليه الصلاة والسلام على هذا الفهم.
وكذا المرور فيه إن خافت تلويثه.
يعني: يحرم على الحائض أن تمر في المسجد إن خافت أن تلوثه بالدم؛ صيانةً للمسجد عن النجاسة.
في وقتنا الحاضر، مع وجود ما تتحفَّظ به النساء، يؤمَن هذا التلويث؛ وعلى ذلك: فلا تُمنع الحائض من المرور في المسجد، وإنما تُمنع من المكث فيه.
هنا تَرِدُ مسألةٌ يكثر السؤال عنها: وهي أنه يوجد في بعض المساجد حلقات تحفيظ القرآن الكريم النسائية، فبعض الأخوات من المعلمات والطالبات والمشرفات يأتيهن الحيض، هل يجوز لهن أن يأتِين إلى المسجد وهن حُيَّضٌ؟
الجواب: لا يجوز؛ لأن المرأة الحائض ممنوعةٌ من المكث في المسجد؛ ولذلك ينبغي أن تكون حلقات التحفيظ في غير المساجد، حلقات التحفيظ النسائية تكون في غير المساجد، يُجعل هناك دُورٌ في غير المساجد، أو يُجعل مكانٌ خارج المسجد في حلقات التحفيظ النسائية، حتى يزول الحرج؛ لأن الحيض يأتي تقريبًا ربع النساء؛ لأن الحيض يأتي أسبوعًا من أربعة أسابيع؛ فمعنى ذلك: أن ربع هؤلاء النساء تأتيهن الدورة الشهرية، فيلحقهن الحرج؛ ولذلك فالأحسن في حلقات التحفيظ النسائية، أنها تكون خارج المسجد.
ما يوجبه الحيض
ثم انتقل المؤلف بعد ذلك لما يوجبه الحيض، قال:
ويوجب الغسل.
يعني: يوجب الحيضُ الغسل بعد انقطاعه، وهذا بالإجماع؛ للآية الكريمة، فقول الله تعالى: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ [البقرة:222]، يعني: اغتسلن، ولقول النبي عليه الصلاة والسلام: ثم اغتسلي وصلي [21]، وهذا بالإجماع.
وأيضًا مما يوجبه الحيض: البلوغ، فالحيض إحدى علامات البلوغ، وهو من أسرع العلامات، والأنثى في الغالب أسرع من الذكر بلوغًا.
والكفارة في الوطء فيه.
حكم وطء الحائض
وطء الحائض محرمٌ بالإجماع، لكن لو حصل وطءٌ؛ فيُوجب أولًا: التوبة إلى الله تعالى، ثانيًا: الكفارة، ما هي الكفارة؟
قال:
ولو مُكرَهًا أو ناسيًا أو جاهلًا الحيض والتحريم، وهي دينارٌ، أو نصفه، على التخيير.
يعني: مَن وطئ امرأته وهي حائضٌ، يرى المؤلف أنه يجب عليه الكفارة، وهي دينارٌ أو نصف دينارٍ، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو من المفردات، واستدلوا بحديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن النبي قال في الرجل يأتي امرأته وهي حائضٌ: يتصدق بدينارٍ، أو نصف دينارٍ [22]، وهذا الحديث أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي، لكن الصحيح أنه موقوفٌ على ابن عباسٍ رضي الله عنهما.
القول الثاني: أنه لا شيء عليه سوى التوبة والاستغفار، وهذا قول الجماهير من الحنفية والمالكية والشافعية، وهو روايةٌ عند الحنابلة، وقال الترمذي: هو قول عامة الأمصار؛ لأنه لم يثبت عن النبي في ذلك شيءٌ، وأما حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما فهو موقوفٌ عليه، لا يثبت مرفوعًا.
والقول الراجح هو قول الجمهور، وهو القول الثاني: وهو أنه لا تجب عليه الكفارة، لكن إذا أخرجها على سبيل الاستحباب والتطوع؛ فلا بأس.
وقول المؤلف: “ولو مكرَهًا”، يعني: حتى لو كان الرجل مكرهًا على الجماع، فالكفارة لا تسقط عنه.
هل يُتصوَّر أن الرجل يُكره على الوطء والجماع؟
هذا محل خلافٍ: فبعضهم قال: إنه لا يمكن؛ لأن الآلة لا تنتشر مع الإكراه، وقال بعضهم: إن الإكراه ممكنٌ في حق الرجل، يمكن أن يُستثار مع الإكراه، هذا هو الأقرب، لكن الغالب أن الإكراه يكون في حق المرأة أكثر من الرجل.
وقوله: “أو ناسيًا أو جاهلًا للحيض والتحريم”، يعني: تجب عليه الكفارة حتى لو كان جاهلًا بالحيض أو بالحكم، ولكن قد دلت الأدلة على رفع المؤاخذة عن المكرَه، وعن الجاهل والناسي: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه [23].
وقول المؤلف: “على التخيير”، يعني: مخيرٌ بين أن يتصدق بدينارٍ أو نصف دينارٍ، وسبق أن رجحنا أن الكفارةَ لا تجب أصلًا.
وكذا هي إن طاوعت.
يعني: المرأة حكمها حكم الرجل إن طاوعت الرجل، أما إن أُكرهت؛ فيأتي الكلام السابق في الإكراه.
ما يباح بعد انقطاع دم الحيض
ثم قال المؤلف:
ولا يباح بعد انقطاعه وقبل غسلها أو تيممها غير الصوم والطلاق واللبث بوضوءٍ في المسجد.
يعني: لا يباح بعد انقطاع دم الحائض وقبل غُسلها من الأمور المحرمة المذكورة السابقة إلا الصوم والطلاق واللُّبث بوضوءٍ في المسجد؛ وعلى ذلك: يبقى الوطء على التحريم حتى تغتسل، وكذلك أيضًا لا يجوز لها قبل الغسل الطواف ولا الصلاة ولا مس المصحف.
أما التي تجوز لها بعد انقطاع الدم وقبل الغسل، فهي.. المؤلف حَصَرها في ثلاثةٍ:
- أولًا: الصوم، فيصح للمرأة أن تصوم إذا انقطع عنها الدم ولو لم تغتسل؛ لقول عائشة رضي الله عنها: “كان النبي يُدركه الفجر وهو جنبٌ من أهله، ثم يغتسل ويصوم” [24]، والحائض في ذلك كالجنب.
- وأما الطلاق، فكذلك أيضًا إذا انقطع دم الحيض، يباح للرجل أن يطلِّق ولو قبل أن تغتسل المرأة؛ لقصة ابن عمر رضي الله عنهما في قوله : ثم إن شاء أمسك بعدُ، وإن شاء طلَّق قبل أن يمس [25]، فهذان الأمران يجوزان بعد انقطاع الحيض وقبل الاغتسال.
- أما الثالث: وهو اللبث بوضوءٍ في المسجد؛ يعني: يجوز للحائض اللُّبث في المسجد إذا توضأت؛ قياسًا على الجنب، وهذا مقيسٌ على مسألةٍ مختلفٍ فيها أصلًا، وهي: هل للجنب اللبث في المسجد إذا توضأ؟ هذا محل خلافٍ بين الفقهاء، وسبق أن ذكرنا الخلاف بالتفصيل في درسٍ سابقٍ، ورجحنا قول الجمهور، وهو أن الجنب لا يجوز له المكث في المسجد ولو توضأ، والحائض كذلك.
معنى انقطاع دم الحيض
ثم فسر المؤلف معنى انقطاع الدم؛ يعني أراد أن يوضح، تكرَّر معنا هذا المصطلح: “انقطاع الدم”، أراد المؤلف أن يبينه، قال:
وانقطاعُ الدم -بألا تتغير قطنةٌ احتشت بها في زمن الحيض- طهرٌ.
يعني: لو أتت المرأة بقطنةٍ وأدخلتها في فرجها، ثم أخرجتها ولم تتغير -يعني: لم يَعلق بها دمٌ ولا صفرةٌ ولا كُدرةٌ، فكان المحل جافًّا- فهذا هو انقطاع الدم، هذا معنى انقطاع الدم الذي أشار إليه المؤلف؛ يعني باختصار: هو الجفاف.
كيف تعرف المرأة الجفاف؟ بأن تأتي بهذه القطنة وتدخلها بفرجها، فإذا خرجت القطنة كما هي؛ فمعنى ذلك أن الدم قد انقطع وحصل الجفاف.
طيب، هنا مسألةٌ مهمةٌ، وهي ما يسميها الفقهاء: الصفرة والكُدرة، وتسمى في الوقت الحاضر بالإفرازات.
الصُّفرة: هي ماءٌ يميل للون الأصفر كماء الجروح.
والكُدرة: ماءٌ كَدِرٌ ممزوجٌ بحمرةٍ أو بعروقٍ بُنِيَّة اللون، فتسمى: الإفرازات، ولها حالاتٌ:
- الحالة الأولى: إن كانت في زمن الحيض؛ فتأخذ حكم الحيض.
- الحالة الثانية: إن كانت بعد الطهر؛ فهذه لا تعد شيئًا؛ لقول أم عطية رضي الله عنها: “كنا لا نعد الكُدرة والصُّفرة بعد الطهر شيئًا” [26].
- الحالة الثالثة: أن تكون قبل الحيض، أو بعده متصلةً به؛ فتأخذ حكم الحيض؛ لأنها كالمقدمة أو كالخاتمة له، ومن كانت عادتها غير منتظمةٍ، وهي التي يُحكَم لها بالتلفيق كما سبق، فإذا حُكِمَ بطُهرها، فما رأته من صفرةٍ أو كدرةٍ فلا يعد حيضًا.
قال:
وتقضي الحائض والنفساء الصوم لا الصلاة.
وهذا بالإجماع؛ لقول عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن ذلك، قالت: “كان يصيبنا ذلك على عهد النبي ، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة” [27].
والحكمة في ذلك ظاهرةٌ: وهي أن الصلاة تتكرر فيشق قضاؤها، وأما الصوم فلا يتكرر، فهو أيامٌ معدودةٌ من شهر رمضان، في الغالب أنه ستة أيامٍ أو سبعةٌ، فلا يشق قضاؤها.
أحكام المستحاضة والنفاس
ثم انتقل المؤلف بعد ذلك لأحكام..، آخِرُ فصلٍ معنا في باب الحيض: أحكام المستحاضة والنفاس.
المستحاضة: اسم مفعول من الاستحاضة، وهو ما يسميه الناس في الوقت الحاضر بالنزيف، وهو الدم إذا استمر مع المرأة، فهو سيلان الدم في غير وقته مِن أدنى الرحم دون قَعْره؛ يعني: النزيف إذا استمر مع المرأة، هذا هو الذي يسميه الفقهاء بالاستحاضة.
الفرق بين دم الاستحاضة ودم الحيض
الفرق بين دم الاستحاضة ودم الحيض من وجوهٍ:
- الوجه الأول: من جهة اللون؛ فدم الحيض أسود أو يميل للسواد، ودم الاستحاضة أحمر.
- الفرق الثاني: مِن جهة الرائحة؛ فدم الحيض كريه الرائحة منتنٌ، بينما دم الاستحاضة لا رائحة له.
- الفرق الثالث: من جهة الكثافة؛ دم الحيض ثخينٌ وكثيفٌ، بينما دم الاستحاضة رقيقٌ.
- وذكر بعض المعاصرين مثل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فرقًا رابعًا، وهو أن دم الحيض لو جُمِّد لا يتجمَّد، بخلاف دم الاستحاضة فإنه إذا جُمِّد تجمد.
قال المؤلف:
من جاوز دمُها خمسة عشر يومًا؛ فهي مستحاضةٌ.
بناءً على أن أكثر مدة الحيض خمسة عشر يومًا، وسبق أن قلنا: إن هذا هو القول الراجح، لكن بشرط أن يكون دم الحيض متصلًا، يعني الدم متصلًا، أما من كانت تطهر أيامًا ويأتيها الدم أيامًا؛ فهي ليست بمستحاضةٍ.
قال:
تجلس من كل شهرٍ ستًّا أو سبعًا، حيث لا تمييز.
أحوال المستحاضة
طيب، أحوال المستحاضة: حتى يَسهُل ضبطها؛ نلخصها في أربع حالاتٍ؛ اضبط هذه الأحوال؛ تضبط أحكام الاستحاضة:
- الحالة الأولى: من كان لها عادةٌ، مستحاضةٌ لها عادةٌ، فتعمل بعادتها، مثلًا: أن عادتها أول الشهر، أو منتصف الشهر، أو آخر الشهر، تعمل بعادتها.
- الحالة الثانية: ليس لها عادةٌ، لكن لها تمييزٌ، تستطيع أن تميز دم الحيض عن غيره من جهة اللون أو الرائحة أو الكثافة، فهنا تعمل بالتمييز.
- الحالة الثالثة: لها عادةٌ وتمييزٌ، اجتمع لها الأمران، لها عادةٌ ولها تمييزٌ، فهل نرجح العادة أو التمييز؟ هذا محل خلافٍ؛ المذهب عند الحنابلة تقديم العادة، والقول الثاني: تقديم التمييز، وهو مذهب الشافعية، والقول الراجح: هو القول الثاني؛ لأن التمييز أدق وأضبط، والعادة يمكن أن تضطرب؛ فالقول الراجح إذنْ: إذا اجتمع عادةٌ وتمييزٌ؛ فالتمييز مقدمٌ.
- الحالة الرابعة: من ليس لها عادةٌ ولا تمييزٌ، وهذه يسميها الفقهاء: المتحيرة، والمحيِّرة؛ المتحيرة يعني: متحيرةٌ في نفسها، والمحيِّرة: التي حيَّرت الفقهاء. وهذا كنت أحسب أنه نادر الوقوع، لكن من خلال استفتاءات بعض الأخوات، تبيَّن لي أنه موجودٌ لدى بعض النساء، ما الحكم فيها؟ الحكم فيها أنها تمكث غالب عادة نسائها؛ كأمها وأخواتها أو خالاتها، فإذا كانت عادتهن الغالب سبعة أيامٍ؛ فإنها تمكث سبعة أيامٍ، وإذا كان عادتهن الغالب أنها ستة أيامٍ؛ فتمكث ستة أيامٍ، لكن لو لم يكن لنسائها عادةٌ مستقرةٌ؛ فترجع لعادة غالب النساء، وهي ستة أيامٍ أو سبعةٌ.
حكم المستحاضة
قال:
ثم تغتسل وتصوم وتصلي.
يعني: حكمها حكم الطاهرة لكنها تتحفظ؛ ولهذا قال:
بعد غَسل المحل وتعصيبه، وتتوضأ في وقت كل صلاةٍ، وتنوي بوضوئها الاستباحة.
يعني: حكمها حكم صاحب الحدث الدائم، حكمها حكم صاحب السلس؛ ولهذا قال المصنف:
حكم صاحب الحدث الدائم
وكذا يَفعل كل من حدثُه دائمٌ.
وهذه المسألة سبق أن تكلمنا عنها فيما سبق، وذكرنا حكم صاحب الحدث الدائم، والخلاف بين الفقهاء في ذلك، وأن فيه ثلاثة أقوالٍ:
- القول الأول: أن صاحب الحدث الدائم يجب عليه أن يتوضأ لوقت كل صلاةٍ، وهو مذهب الحنفية والحنابلة.
- القول الثاني: يجب عليه أن يتوضأ لكل صلاةٍ، وهو مذهب الشافعية، لكل صلاةٍ وليس لوقت كل صلاةٍ.
- القول الثالث: أنه يُستحب ولا يجب، لا يجب عليه أن يتوضأ لكل صلاةٍ وإنما يستحب، وهذا مذهب المالكية، وقلنا: إن هذا هو القول الراجح، وهو اختيار ابن تيمية رحمه الله تعالى، وقلنا: إنه لم يرد دليلٌ يدل على أنه يجب على صاحب الحدث الدائم أن يتوضأ لكل صلاةٍ، أو لوقت كل صلاةٍ.
وأما حديث عائشة رضي الله عنها: “ثم توضئي لكل صلاةٍ” [28]، فقلنا: إن هذه غير محفوظةٍ، وإن كانت قد جاءت في “صحيح البخاري”، لكنها ليست صريحةً أيضًا في “البخاري”، في “البخاري” قال: قال أبي: “ثم توضئي لكل صلاةٍ”، ومسلمٌ لم يُخرِجها، بل نصَّ على أنه تركها عمدًا، وضعَّفها الحافظ ابن رجبٍ وذكر أنها مدرجةٌ من قول عروة بن الزبير، فهي لم تثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وعلى ذلك فالقول الراجح: أن صاحب الحدث الدائم -ومنه المستحاضة- يستحب له أن يتوضأ لوقت كل صلاةٍ ولا يجب.
فهذه المرأة المستحاضة إن خرج منها حدثٌ آخر؛ يجب عليها أن تتوضأ، لكن إذا لم يخرج منها إلا هذا الدم المستمر؛ فلا يجب عليها أن تتوضأ لوقت كل صلاةٍ.
وعلى القول الراجح: لا ينوي بالوضوء الاستباحة، وإنما هو كغيره من الناس، فإنه إذا خرج منه ناقضٌ غير الحدث الدائم؛ فإنه يتوضأ وينوي رفع الحدث، أما الحدث الدائم فإنه لا يوجب الوضوء عند دخول وقت كل صلاةٍ على القول الراجح.
حكم وطء المستحاضة
قال:
ويحرم وطء المستحاضة.
وهذا أضعف الأقوال؛ لأنه يفضي إلى أن الزوج لا يطأ امرأته أبدًا ما دامت مستحاضةً، وصاحب “زاد المستقنع” قال: ولا توطأ إلا مع خوف العنت، يعني: مع خوف الزنا.
وأيضًا هذا القول قولٌ ضعيفٌ، والصواب: أنه لا بأس بوطء المرأة المستحاضة من غير كراهةٍ، ولو مع عدم خوف العنت، وهذا هو قول جماهير الفقهاء؛ لأن الصحابة التي استُحيضت نساؤهم، لم يُنقل عن النبي أنه أمر واحدًا منهم أن يعتزل زوجته، ولو كان يحرم؛ لبيَّن ذلك النبي للأمة، وقياس الاستحاضة على الحيض قياسٌ مع الفارق.
قال:
ولا كفارة.
يعني: كأنه لضعف هذا القول؛ نفى الكفارة عمن وطئ المستحاضة، بخلاف من وطئ الحائض.
أحكام النفاس
ثم انتقل المؤلف للنفاس، قال:
والنفاس.
“النفاس” تعريفه في اللغة مِن “نَفَّس الله كُربته”، ويُعرِّفه الفقهاء بأنه: دمٌ يخرج من المرأة عند الولادة أو معها أو قبلها بيومين أو ثلاثةٍ مع الطلق، فهو يخرج بعد الولادة، وأحيانًا يسبق الولادة بيومٍ أو يومين.
أقل النفاس وأكثره
لا حد لأقله.
وهذا باتفاق العلماء.
وأكثره: أربعون يومًا.
لحديث أم سلمة رضي الله عنها: “كانت النساء على عهد رسول الله تقعد بعد نفاسها أربعين يومًا” [29].
والقول الثاني: أن أكثره ستون يومًا، وهو مذهب الشافعية، وحملوا حديث أم سلمة رضي الله عنها على الغالب؛ يعني: الغالب على النساء أن النفساءَ تقعد أربعين يومًا.
والقول الثالث: أنه لا حد لأكثره، وهو قول ابن تيمية رحمه الله.
والقول الراجح: هو القول الثاني، وهو أن أكثره ستون يومًا؛ لأنه يَبعُد جدًّا أن دم النفاس يزيد على ستين يومًا، والدم الذي يزيد على ستين يومًا هذا ليس بدم نفاسٍ معتادٍ، وإنما هو دم فسادٍ.
فالقول الراجح إذنْ: أن أكثر النفاس ستون يومًا.
متى يثبت حكم النفاس؟
قال:
ويثبت حكمه بوضع ما تَبيَّن فيه خَلق إنسانٍ.
يعني: إذا أسقطت المرأة وخرج منها دمٌ، هل هذا الدم دم نفاسٍ أو دم فسادٍ؟ نقول: إن وَضَعَتْ ما تبيَّن فيه خَلْق إنسانٍ؛ فهو دم نفاسٍ، وإن وضعت ما لم يتبين فيه خلق إنسانٍ؛ فهو دم فساد.
طيب، متى يتبيَّن خلق الإنسان؟
يتبيَّن خلق الإنسان في طَوْر المُضغة؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: إن أحدكم يُجمَع خَلْقُه في بطن أمه أربعين يومًا نطفةً، ثم علقةً مثل ذلك، أربعون وأربعون: ثمانون، ثم مضغةً [30]؛ معنى ذلك: أن طور المضغة يكون بعد الثمانين؛ فعلى هذا: إذا وَلدت المرأة لأقل من ثمانين يومًا؛ فهذا الدم دم فسادٍ؛ لأنه ليس فيه تخليقٌ، إذا ولدت بعد تسعين يومًا؛ فهذا دم نفاسٍ؛ لأن الغالب أنه حصل فيه التخليق، بين الثمانين والتسعين هذا يحتمل أن فيه تخليقًا، ويحتمل ألا يكون فيه تخليقٌ؛ ولذلك يُنظر: إن كان فيه تخليقٌ؛ فهو دم نفاسٍ، وإن لم يكن؛ فهو دم فسادٍ، وإن لم يُعلم الأمر؛ فالأصل أنه ليس بدم نفاسٍ.
حكم الجفاف إذا تخلل مدة النفاس
قال:
فإن تخلل الأربعين نقاءٌ؛ فهو طهرٌ، لكن يُكره وطؤها فيه.
إذا تخلل مدة النفاس جفافٌ؛ فهو طهرٌ، لكن يُكره وطؤها فيه؛ يعني لِمَا رُوي عن الحسن: أن عثمان بن أبي العاص كان يقول للمرأة من نسائه إذا نَفِسَتْ: “لا تقربيني أربعين ليلةً”، ولكن هذا في سنده مقالٌ، ولو صح فلعله فَعَل ذلك من باب طلب كمال الطهارة، والتقذُّرِ، ونحو ذلك.
والصواب: أن المرأة النفساء إذا طهرت قبل الأربعين؛ جاز وطؤها من غير كراهةٍ.
قال:
ومن وضعت ولدين فأكثر؛ فأول مدة النفاس من الأول، فلو كان بينهما أربعون يومًا؛ فلا نفاس للثاني.
يعني: إذا وضعت المرأة توأمًا؛ فأول مدة النفاس: من المولود الأول؛ لأن الدم يخرج معه، لكن قول المؤلف: “لو كان بينهما أربعون يومًا؛ فلا نفاس للثاني”، هذا محل نظرٍ، والصواب: أنه إذا تجدد الدم للثاني؛ تبقى في نفاسها.
وفي الوقت الحاضر مع تقدم الطب أصبح هذا غير واردٍ؛ لأن المرأة إذا حملت أكثر من مولودٍ؛ تضع في نفس الوقت.
حكم وطء النفساء
قال:
وفي وطء النفساء ما في وطء الحائض.
يعني: من الأحكام السابقة.
طيب، المرأة إذا أجرتْ عمليةً قيصريةً، فهل يكون حكمها حكم النفساء؟ نقول: نعم، حكمها حكم النفساء، ما دام الدم يخرج منها.
حكم استعمال موانع الحمل
قال:
ويجوز للرجل شرب دواءٍ مباحٍ يمنع الجماع.
هذه مسألةٌ مفترَضةٌ: لو وُجد دواءٌ إذا تناوله الرجل؛ مَنَع الإنجاب، يقول المؤلف: إنه يجوز.
وللأنثى شربه.
وهذا موجودٌ الآن، موانع الحمل الآن كثيرةٌ؛ فعلى هذا: المؤلف يرى أنه يجوز استخدام ما يمنع الحمل.
قال:
لحصول الحيض ولقطعه.
يعني: قطع الحيض، ولاستجلابه، لكن يُشترط لذلك شرطان:
- الشرط الأول: ألا يَلحق المرأة ضررٌ.
- والشرط الثاني: إذْنُ الزوج؛ لأنه إذا لم يأذن الزوج؛ فربما يتضرر بقطع الحيض؛ لأنه إذا انقطع الحيض؛ انقطع الحمل، والزوج له حقٌّ في الولد كما أن المرأة لها حقٌّ في الولد.
وعلى هذا نقول: موانع الحمل إذا كان المقصود بها تنظيم النسل؛ فلا بأس بها، بشرط ألا تضر المرأة، وأما إذا قُصد بها منع الحمل؛ فإن هذا لا يجوز.
وبهذا، نكون قد انتهينا من كتاب الحيض، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
الآن نأخذ بعض الأسئلة الواردة:
الأسئلة
السؤال: هذا سائلٌ يقول: إذا خرج الدم بعد خمسة عشر يومًا من الدورة؛ فهل يعتبر دم فسادٍ؟
الجواب: نعم، بعد خمسة عشر يومًا لا يعتبر دم حيضٍ؛ لأن هذا لا يمكن أن يكون دم حيضٍ، ويكون بعد خمسة عشر يومًا، معنى ذلك: أنه دم فسادٍ.
وأذكر أنني كنت في ندوةٍ طبيةٍ فقهيةٍ، والأطباء قالوا لنا: إن أكثر ما يمكن أن يصل إليه الحيض عشرة أيامٍ، إلا في أحوالٍ نادرةٍ، فيمكن أن تصل الأحوال النادرة بأكثر تقديرٍ إلى خمسة عشر يومًا، ما زاد على خمسة عشر يومًا يقولون: حتى الأحوال النادرة لا يمكن أن يكون فيها دم حيضٍ.
وعلى ذلك: فما زاد على خمسة عشر يومًا يعتبر دم فسادٍ.
السؤال: امرأةٌ حاملٌ بتوأمٍ، وضعت أحدهما، والآخر لم تضعه؟
الجواب: هذا ذكره المؤلف، وتكلمنا عنه، ربما الأخ السائل كتب هذا السؤال قبل أن يستمع لشرح آخِرِ الدرس.
السؤال: قوله : إن حيضتك ليست بيدك [31]، ألا يدل على جواز مس المصحف للحائض؛ قياسًا على دخول يدها في المسجد؟
الجواب: يعني هذا محتملٌ، لولا الإجماع على ذلك، فحُكي الإجماع على أن المرأة الحائض لا يجوز لها أن تمس المصحف، إلا في حق من لا يَعتبر خلاف الظاهرية؛ يمكن.
السؤال: في الحديث: لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلبٌ ولا صورةٌ [32]، ما المراد بالصورة؟ وهل ألعاب الأطفال المجسمة تدخل ضمنها؟
الجواب: المراد بالصورة: الصورة المحرمة شرعًا، وهي التي تتحقق فيها علة النهي عن التصوير: وهي المضاهاة لخلق الله ، فهي تشمل الصور المجسمة لذوات الأرواح؛ صور الإنسان، الحيوان، الصور المجسمة.
أما الفوتوغرافية والتلفزيونية: فهذه في الحقيقة ليست صورةً بالمعنى الشرعي، وإنما هي عَكسٌ، كان الناس قديمًا عندنا في المملكة يسمونها عكسًا، هي كصورتك في المرآة، إلا أنه بحكم التقنية فقط ثُبِّتت في الفوتوغرافية، وسُرِّعت في التلفزيونية.
أما بالنسبة لألعاب الأطفال المجسمة: فالذي يظهر -والله أعلم- أنه لا حرج فيها، الأمر فيها واسعٌ؛ لقصة عائشة رضي الله عنها [33]، ولأن اللعبة بيد الطفل كالممتهَنة، فلا يُشدد بالنسبة للأطفال، وإنما يُتسامح في حق الأطفال ما لا يُتسامح في حق الكبار.
السؤال:…؟
الجواب: نعم، إذا قرأ المأموم في الصلاة السرية الفاتحة، ولم يكملها وركع الإمام، نقول: يركع معه ولو لم يكمل الفاتحة، فالفاتحة بالنسبة للمأموم ليست ركنًا، وإنما هي من واجبات الصلاة، وواجبات الصلاة يتحملها الإمام عن المأموم.
السؤال:…؟
الجواب: في الرِّجْلين، القول الراجح: أن الصلاة صحيحةٌ، وأن تغطية الكفين والقدمين في الصلاة ليست واجبةً على المرأة، وإنما هي مستحبةٌ، وهو اختيار ابن تيمية رحمه الله.
طيب، هذه الأسئلة التي وردتنا، ونكتفي بهذا القدر.
ونلتقي بكم -إن شاء الله- غدًا بإذن الله تعالى بعد صلاة المغرب، وأيضًا عن طريق البث عن بُعدٍ، في كتاب الفضائل من “صحيح مسلمٍ”.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحاشية السفلية
^1 | رواه البخاري: 305، ومسلم: 1211 |
---|---|
^2 | رواه البخاري: 5642، ومسلم: 2573. |
^3 | رواه أبو داود: 495، وأحمد: 6756. |
^4 | سبق تخريجه |
^5 | ذكره الترمذي: 2/ 403، عقب حديث: 1109. |
^6 | رواه أبو داود: 2157. |
^7 | رواه أبو داود: 304، والنسائي: 215. |
^8 | وهو قوله تعالى: وَٱللَّائِي يَئِسۡنَ مِنَ ٱلۡمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمۡ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَٰثَةُ أَشۡهُرٖ وَٱللَّائِي لَمۡ يَحِضۡنَ [الطلاق:4]. |
^9 | رواه أبو داود: 287، وأحمد: 27144. |
^10 | رواه مسلم: 302. |
^11 | رواه البخاري: 5251، ومسلم: 1471. |
^12 | رواه البخاري: 228، ومسلم: 333. |
^13, ^16, ^25, ^31 | سبق تخريجه. |
^14 | رواه البخاري: 1757، ومسلم: 1211. |
^15 | رواه الترمذي: 131. |
^17 | رواه أحمد: 24109. |
^18 | رواه البخاري: 7230. |
^19 | رواه مالك في الموطأ: 1، والدارمي في مسنده: 2312. |
^20 | رواه مسلم: 298. |
^21 | رواه البخاري: 325، ومسلم: 334. |
^22 | رواه أبو داود: 264، والنسائي: 289، وأحمد: 2032. |
^23 | رواه ابن ماجه: 2043، بنحوه. |
^24 | رواه البخاري: 1926، ومسلم: 1109. |
^26 | رواه البخاري: 326. |
^27 | رواه مسلم: 335. |
^28 | رواه البخاري: 228. |
^29 | رواه أحمد: 26561، وأبو داود: 311. |
^30 | رواه البخاري: 3208، ومسلم: 2643. |
^32 | رواه البخاري: 3225، ومسلم: 2106. |
^33 | رواه البخاري: 6130، ومسلم: 2440. |