logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح أبواب من صحيح مسلم/(21) تتمة باب فضائل عائشة رضي الله عنها- حديث “إن كان رسول الله ليتفقد..”

(21) تتمة باب فضائل عائشة رضي الله عنها- حديث “إن كان رسول الله ليتفقد..”

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.

اللهم آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشَدًا.

أيها الإخوة: نستأنف هذا الدرس -بعد توقفه فترة الإجازة والاختبارات- في التعليق على كتاب الفضائل من “صحيح مسلم”، في هذا اليوم الثلاثاء، السادس من جمادى الآخرة، من عام 1442 للهجرة.

تتمة فضائل عائشة رضي الله عنها

وكنا قد وصلنا إلى فضائل عائشة رضي الله عنها، وأخذنا جملة من الأحاديث ولم نكملها.

وصلنا إلى قول المصنف رحمه الله:

84 – (2443) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي: عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ  لَيَتَفَقَّدُ يَقُولُ: أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا؟. اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي.

سبق أن قلنا: إنَّ عائشة رضي الله عنها هي أحب أزواجه إليه، كان عليه الصلاة والسلام يفرح إذا كانت ليلة عائشة رضي الله عنها، وكان يظهر عليه ذلك، يظهر عليه محبته لعائشة رضي الله عنها، وكان يعدل بين نسائه، مع أن القسم ليس واجبًا عليه أصلًا، فهذا من خصائص النبي عليه الصلاة والسلام، أن القسم ليس واجبًا عليه، وإنما هو مستحب؛ لقول الله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ[الأحزاب: 51]، وهذه الآية استدل بها العلماء على أن القسم ليس واجبًا على النبي ، ولكنه عليه الصلاة والسلام من كريم خلقه أنه كان يعدل في القسم وإن لم يكن واجبًا عليه.

وقد رُوي عنه الحديث: اللهم هذا قسمي فيما أملك؛ فلا تَلُمْنِي فيما تملك ولا أملك [1]. يعني: أنه كان يقسم عليه الصلاة والسلام فيما يستطاع من المبيت والنفقة والكسوة، ولكن يقول: لا تَلُمْنِي فيما تملك ولا أملك. يعني: المحبة والميل؛ فإن المحبة والميل لا يمكن العدل فيها؛ كما قال الله تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [النساء:129].

وقد ذكرنا في الدرس السابق: أن أزواج النبي عليه الصلاة والسلام اجتمعن -يعني: ما عدا عائشة رضي الله عنهن- واتفقن على أن يكلمن فاطمة بنت النبي في أن تذهب إليه، وتقول له: إن أزواجك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، فذهبت فاطمة للنبي وهو عند عائشة رضي الله عنها، فقال لها النبي : ألست تحبين ما أحب يا فاطمة؟. قالت: بلى. قال: فأحبي هذه [2]، يعني: عائشة، فرجعت فاطمة رضي الله عنها إلى زوجات النبي عليه الصلاة والسلام، وأخبرتهن بالذي قال، فقلن لها: ما نراك أغنيتِ عنا شيئًا. يعني: ما فعلتِ شيئًا، ارجعي إليه مرةً أخرى وقولي: إن أزواجك يُناشدنك العدل في ابنة أبي قحافة. قالت فاطمة: والله لا أُكلمه أبدًا. ثم أرسلن زينب بنت جحش، وكانت هي التي تُسامي عائشة رضي الله عنها في المنزلة، فأتت النبي عليه الصلاة والسلام وهو عند عائشة رضي الله عنها، وقالت: إن أزواجك أرسلنني يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة. فحصل بينها وبين عائشة رضي الله عنهما نقاشٌ حادٌّ، والنبي عليه الصلاة والسلام ساكتٌ لا يتكلم، ثم رجعت زينب رضي الله عنها.

الحاصل من هذا: أن محبة النبي لعائشة رضي الله عنها كانت ظاهرة، والجميع يعلم بها، وهذه من الأمور التي لا يُلام عليها الإنسان؛ لأن الميل والمحبة أمر يقذفه الله تعالى في القلب، ويجعله الله تعالى في القلب، ولا يملِك الإنسان من أمره شيئًا بالنسبة له.

وفي هذا الحديث تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: إن كان رسول الله لَيَتَفَقَّد -يعني: ليطلب ويسأل- يقول: أين أنا اليوم؟ أين أنا غدًا. وهذا لمَّا كان في مرض موته، كان يحب أن يكون في بيت عائشة رضي الله عنها، فكان يقول: أين أنا اليوم؟ أين أنا غدًا؟ استبطاءً ليوم عائشة رضي الله عنها، واشتياقًا لها ولنوبتها وليلتها؛ لأنه كان يحبها ويأنس بها.

قالت: فلما كان يومي قبضه الله.

فلما كان يومي، تعني بذلك: يومها الأصيل بحسب الدور، وإلا فقد كان عليه الصلاة والسلام في مرض موته جميع الأيام في بيتها؛ لأن أزواجه لما رأينه يقول: أين أنا اليوم؟ أين أنا غدا؟. تنازلن جميعًا عن ليلتهن، كل واحدة تنازلت عن ليلتها، واتفقن على أن يبقى عليه الصلاة والسلام في مرض موته في بيت عائشة رضي الله عنها.

لكن تقول عائشة رضي الله عنها أيضًا: إن النبي عليه الصلاة والسلام إنما قبض في يومي الأصيل بحسب الدور، وليس في اليوم الذي قد وهب لي.

قالت: فلما كان يومي، يعني الأصيل، وكان يوم الاثنين، قبضه الله بين سحري ونحري.

والسَّحْر -بفتح السين وإسكان الحاء- المقصود به: الرئة.

وجاء في رواية البخاري: “ما بين حاقِنَتي وذاقنتي” [3]. وهي بمعنى: سحري ونحري، أي: مات ورأسه ما بين حَنَكِها وصدرها، كانت مُسنِدَةً النبيَّ عليه الصلاة والسلام، ومات ورأسه ما بين حنكها وصدرها.

وهذا يدل على قربها الشديد من النبي عليه الصلاة والسلام.

ثم ساق المصنف رحمه الله بسنده:

85 – (2444) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِاللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، وَهُوَ مُسْنِدٌ إِلَى صَدْرِهَا..

وهذا يؤكد أن هذا هو المعنى، معنى قولها: “ما بين سحري ونحري”، و”ما بين حاقنتي وذاقنتي”. يعني: أنه مات ورأسه ما بين حنكها وصدرها، مُسنِدٌ رأسه إليها.

وَهُوَ يَقُولُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ.

أيضًا: ساق المصنف رحمه الله بسنده هذا الحديث من طريقٍ أخرى، ثم قال:

86 – (2444) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ -وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى- قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: “كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّهُ لَنْ يَمُوتَ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

من خصائص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

وهذا من خصائص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: أنَّ النبيَّ يُخيَّر بين الدنيا والآخرة، فالله تعالى يكرم الأنبياء عليهم السلام، فلا يموتون حتى يخيَّروا، يقال للنبي: هل تريد أن تعيش أو تريد أن تقبض؟ فجميع الأنبياء خُيِّروا، ومنهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وجميعهم اختاروا لقاء الله ​​​​​​​؛ لأن ما عند الله تعالى خير: وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى[الأعلى: 17].

قَالَتْ: فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ، يَقُولُ: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ، وَالشُّهَدَاءِ، وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا. قَالَتْ: فَظَنَنْتُهُ خُيِّرَ حِينَئِذٍ.

هنا النبي عليه الصلاة والسلام  قال: اللهم اغفر لي وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى.

فوائد من أحاديث فضائل عائشة رضي الله عنها

هذه الأحاديث تدل:

  • أولًا: تدل على فضل عائشة رضي الله عنها، حيث كان النبي يحبها كثيرًا، وقد كان يستبطئ يومها في مرض موته، ومات وهو مستند إلى صدرها، ما بين سحرها ونحرها، وما بين حاقنتها وذاقنتها، وهذا يدل على الفضل العظيم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
  • أيضًا من الفوائد: حسن فهم عائشة رضي الله عنها، وقوة إدراكها؛ فإنها قد فهمت من قول النبي عليه الصلاة والسلام: اللهم الرفيق الأعلى. أنه خُيِّر، وأنه لا يختار البقاء في الدنيا فهِمَت ذلك؛ لمَّا رأت النبي يقول: اللهم الرفيق الأعلى، ألحقني بالرفيق الأعلى. علمت أنه خُيِّر، ولهذا؛ جاء في الرواية الأخرى: “فقلت: إذَنْ لا يختارنا”. وهذا الفهم من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها توافق مع فهم أبيها لمَّا سمع النبي في آخر حياته يخطب ويقول: إن عبدًا خُيِّر بين الدنيا وما عنده، فاختار ما عند الله [4]. فبكى أبو بكر الصديق ، وفهم أن ذلك علامة على دُنُوِّ -قرب- أجل النبي ، فَهِم ذلك الصديق ، وتميز بهذا الفهم عن بقية الصحابة وبكى، وهذا يدل على عمق فهمه، وعظيم علمه ، فهو أعلم الصحابة، أبو بكر الصديق هو أعلم الصحابة وهو أفضلهم بإجماع أهل السُّنة.
  • كذلك أيضًا: هنا هذه الأحاديث تدل على أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عندها من الذكاء وحسن الفهم وقوة الإدراك الشيء الكثير، ولعلها أخذت هذا من أبيها؛ فإن أباها كان عنده من الذكاء والفطنة وقوة الإدراك والفراسة الشيء العظيم، ولهذا؛ توافق فهمها مع فهم أبيها رضي الله عنهما، أبوها أبو بكر الصديق لمَّا سمع النبي عليه الصلاة والسلام يقول: إن الله خيَّر عبدًا بين الدنيا وما عنده. فهم ذلك دُنُوِّ أجل النبي عليه الصلاة والسلام؛ ولذلك بكى، وعائشة رضي الله عنها لمَّا سمعت النبي يقول: اللهم الرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى. علمت أنه خُيِّر، وأنه اختار الله ، واختار ما عند الله سبحانه.
  • وقوله عليه الصلاة والسلام: اللهم اغفر لي وارحمني. دعاؤه بالمغفرة مع أن الله تعالى قد غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر، لكنه عليه الصلاة والسلام من تواضعه لربه يسأل الله تعالى المغفرة؛ فإن الإنسان مهما كان لا يعجَب بعمله، فالنبي عليه الصلاة والسلام غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومع ذلك؛ كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فتقول له عائشة رضي الله عنها: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فيقول: أفلا أكون عبدًا شكورًا!.
  • قوله : وارحمني: المسلم يسأل الله الرحمة، والرحمة إذا أعطاها الله تعالى الإنسان فحياته تكون سعيدة في كل شيء، إذا أعطاك الله الرحمة في أي شيء، انقلبت حياتك إلى السعد وإلى الرخاء وإلى اليسر، فإذا أعطاك الله الرحمة بأن رحِمَك في صحتك، أعطاك الله البركة العظيمة في الصحة، أعطاك الله الرحمة في الأولاد، كان الأولاد بارِّين، تقر عينك بهم، أعطاك الله الرحمة في أي شيء، يكون معه السعد، ويكون معه الخير الكثير والبركة العظيمة، ولهذا؛ من أعظم الأدعية التي ينبغي أن يدعو بها المسلم، وهو دعاء أُولِي الألباب: رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ[آل عمران: 8]، وذكر الله تعالى هذه الدعوة عن أصحاب الكهف: رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا[الكهف: 10]؛ فسؤال الله الرحمة من أعظم الأدعية التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم.

من هو الرفيق الأعلى؟

قال: وألحقني بالرفيق الأعلى. هنا في رواية مسلم: الرفيق، وفي الرواية الأخرى: الأعلى.

اختلف العلماء في المراد بالرفيق الأعلى على أقوال:

  • القول الأول: أن المراد بالرفيق الأعلى، قال النووي رحمه الله: إنهم الأنبياء الساكنون أعلى عِلِّيِّين، هذا هو القول الأول.
  • القول الثاني: قال الخطابي: الرفيق الأعلى: هو الصاحب المرافق، وهو هاهنا بمعنى الرفقاء، يعني: الملائكة.

إذَنْ، القول الأول: أنهم الأنبياء الساكنون أعلى عِلِّيِّين، القول الثاني: المقصود بالرفيق الأعلى: الملائكة.

  • القول الثالث: أن الرفيق الأعلى: هو الله ، فالله رفيق بعباده، وأَنَكَر هذا القولَ الأزهريُّ رحمه الله.
  • القول الرابع: أن المقصود بالرفيق الأعلى: ما قاله ابن عبدالبر رحمه الله: إنه مأخوذ من قول الله : وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا[النساء: 69]. 

فيكون معنى الرفيق الأعلى: أنهم الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون.

فكأنه عليه الصلاة والسلام يقول: يا ربِّ ألحِقْني بهؤلاء النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

وهذا القول الرابع، هو القول الراجح في المراد بالرفيق الأعلى:

  • أولًا: لدلالة الآية؛ فإن الله قال: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا[النساء: 69]. وهذا يدل على أن هؤلاء رفقتهم هي الرفقة الأعلى، وهذا يفسر معنى الرفيق الأعلى.
  • ثانيًا: الرواية التي ساقها مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أسمع أنه لن يموت نبي حتى يُخيَّر بين الدنيا والآخرة، فسمعتُ النبي في مرضه الذي مات فيه، وأخذته بُحَّةٌ، يقول: مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا. فهذا الحديث هو كالنص في المسألة؛ لأنه تارةً يقول: اللهم الرفيق الأعلى. وتارةً يقول، كما في هذه الرواية: مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا. فهذا هو القول الراجح في المسألة.

إذَنْ، القول الراجح في المسألة: أن المراد بالرفيق الأعلى هم الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، هذا هو تحقيق الكلام في معنى الرفيق الأعلى.

وعلى ذلك؛ يكون الجواب عن سؤال من سأل: هل يجوز أن أدعو الله تعالى وأقول: اللهم ألحقني بالرفيق الأعلى؟

الجواب: نعم، يجوز ذلك؛ لأن هذا الدعاء هو بمعنى قولك: “اللهم اجعلني مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين”.

وهؤلاء الذين أنعم الله عليهم، هم أعلى مقامات البشر، وصفوة البشر، أعلاهم:

درجة النبيين، الأنبياء والرسل هم أعلى البشر درجة في الجنة.

يليهم الصديقون، فالصديقون أعلى درجة من الشهداء، الصِّدِّيقية هي المرتبة التي تلي النبوة.

يليهم الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله ؛ إعلاء لكلمة الله.

يليهم الصالحون.

فنسأل الله تعالى أن يجعلنا مع هؤلاء الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم آمين.

نعود بعد ذلك للرواية الأخرى.

رؤية الأنبياء مقاعدهم من الجنة قبل قبضهم

 قال المصنف رحمه الله:

86 – حَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُاللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ.

87 – (2444) حَدَّثَنِي عَبْدُالْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ  قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ: إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يُرَى مَقْعَدَهُ فِي الْجَنَّةِ ثُمَّ يُخَيَّرُ. قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَلَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللهِ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي، غُشِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً، ثُمَّ أَفَاقَ فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى. قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: إِذَنْ لَا يَخْتَارُنَا. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَعَرَفْتُ الْحَدِيثَ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا بِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ. قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا رَسُولُ اللهِ ، قَوْلَهُ: اللهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى.

فوائد من حديث إنه لم يُقْبَضْ نبي قط..

  • هذا الحديث هو بمعنى الأحاديث السابقة، ويدل على أن الأنبياء يكرمهم الله بأنهم لا يقبضون حتى يُخيَّروا ويُرَوا مقاعدهم من الجنة إكرامًا لهم؛ فإنهم أكمل البشر، وأفضل البشر، وصفوة البشر، صلوات الله وسلامه عليهم.
  • أيضًا: من الفوائد: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان مرضه الذي مات فيه شديدًا؛ لدرجة أنه كان يُغشى عليه ويغمى عليه من شدة المرض، وكان يقول: إني أُوعَك كما يُوعَك رجلان منكم [5].
  • أيضًا من الفوائد: أن آخر كلمة تكلم بها النبي هي: اللهم الرفيق الأعلى. فختم له بهذا الدعاء العظيم: اللهم الرفيق الأعلى. وهذا من أحسن ما يختم به للإنسان، أن يختم له إما بكلمة التوحيد: لا إله إلا الله؛ فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة، أو يختم له بمثل هذا الدعاء، أن يسأل الله تعالى أن يرزقه الرفيق الأعلى؛ فيكون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ولذلك؛ لو أن أحدًا دعا الله عند موته، وجعل هذا آخر كلامه فلا بأس؛ لأنه يقتدي في ذلك بالنبي عليه الصلاة والسلام، يقول: اللهم الرفيق الأعلى. يعني: اجعلني مع هؤلاء الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

قصة إقراع النبي بين نسائه 

انتقل المؤلف رحمه الله بعد ذلك لقصةٍ أخرى لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قال: 

88 – (2445) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ عَبْدٌ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُالْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ إِذَا خَرَجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَطَارَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، فَخَرَجَتَا مَعَهُ جَمِيعًا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ إِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ سَارَ مَعَ عَائِشَةَ رضي الله عنها يَتَحَدَّثُ مَعَهَا، فَقَالَتْ حَفْصَةُ رضي الله عنها لِعَائِشَةَ: أَلَا تَرْكَبِينَ اللَّيْلَةَ بَعِيرِي وَأَرْكَبُ بَعِيرَكِ، فَتَنْظُرِينَ وَأَنْظُرُ؟ قَالَتْ: بَلَى. فَرَكِبَتْ عَائِشَةُ عَلَى بَعِيرِ حَفْصَةَ، وَرَكِبَتْ حَفْصَةُ عَلَى بَعِيرِ عَائِشَةَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ إِلَى جَمَلِ عَائِشَةَ وَعَلَيْهِ حَفْصَةُ فَسَلَّمَ، ثُمَّ سَارَ مَعَهَا حَتَّى نَزَلُوا، فَافْتَقَدَتْهُ عَائِشَةُ فَغَارَتْ، فَلَمَّا نَزَلُوا جَعَلَتْ تَجْعَلُ رِجْلَهَا بَيْنَ الْإِذْخِرِ وَتَقُولُ: يَا رَبِّ سَلِّطْ عَلَيَّ عَقْرَبًا أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي. رَسُولُكَ وَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَ لَهُ شَيْئًا.

يعني هذه قصة عجيبة، هذه حصلت في إحدى أسفار النبي عليه الصلاة والسلام، كان عليه الصلاة والسلام من هديه أنه إذا أراد السفر أقرع بين نسائه، فأيتهن خرجت القرعة سافر بها، فكان يريد أن تسافر معه زوجتان من زوجاته، فأصابت القرعة عائشة وحفصة، وهذا هو الواجب على من كان عنده أكثر من زوجة؛ إما أن يُقرِع بين نسائه، وإما أن يسافر بكل منهما سفرة مثل سفرة جارتها، فإما أن يعدل في السفر؛ إذا سافر بهذه يسافر بتلك، أو يضعَ القرعة؛ وبهذا لا يلزم السفر بالأخرى، وكان هذا هو الذي يصنعه النبي عليه الصلاة والسلام؛ لكثرة نسائه، فكانت القرعة من نصيب عائشة وحفصة، فخرجتا معه جميعًا.

وكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا كان بالليل سار مع عائشة رضي الله عنها، طبعًا في السابق كانوا يسيرون على الإبل، وكان السير يستغرق معهم تقريبًا في اليوم أربعين كيلو مترًا، أو في الليلة، ولذلك؛ أقل مسافة للسفر يقول الفقهاء: مسيرة يومين، يعني أربعين وأربعين: ثمانين كيلو مترًا، فقط أربعين كيلو مترًا؛ لأنهم يسيرون على الإبل، فلذلك يكون الوقت متسعًا.

كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا كان بالليل يسير تكون معه عائشة رضي الله عنها، يتحدث معها، ولم يكن يقسم بين عائشة وحفصة؛ لأنه كان في سفر، والسفر لا يقسم فيه، إنما القسم يكون في الحضر، فكان عليه الصلاة السلام في هذه السفرة مع عائشة دائمًا، وهذا معنى قولها: إذا كان بالليل سار مع عائشة رضي الله عنها يتحدث معها.

حفصة رضي الله عنها لما رأت هذه الحُظوة لعائشة رضي الله عنها، وهي أكبر منها سنًّا، وأكثر خبرةً في الحياة أيضًا؛ لأن حفصة كانت تزوجت قبل النبي عليه الصلاة والسلام، قيل: إنها تزوجت أكثر من مرة. بينما عائشة رضي الله عنها كانت صغيرة وجارية، وتوفي النبي عليه الصلاة والسلام وعمرها ثمان عشرة سنة، ما كان عندها من الخبرة مثل ما عند حفصة رضي الله عنهما.

حفصة رضي الله عنها أرادت أن تتحيَّل عليها، تأتي بحيلة رضي الله عنها، قالت لعائشة رضي الله عنها مثلا: ما رأيك بهذه الفكرة، أنك الليلة تركبين بعيري، وأنا أركب بعيرك، حفصة تريد أن تكون مع النبي عليه الصلاة والسلام، وأرادت أن ترغب عائشة رضي الله عنها في هذا المقترح، قالت: فتنظرين وأنظر.

قالوا: إن المكان الذي فيه عائشة رضي الله عنها غير المكان الذي فيه حفصة رضي الله عنها، كانت تقول يعني: تتفرجين على مناظر أخرى غير التي أنا كنت أتفرج عليها، يعني تسيرين في طريق آخر، وأنا في طريق آخر؛ حتى يتسع نظرك وتأنسين بما ترين، فتنظرين وأنظر.

فاستحسنت عائشة رضي الله عنها هذه الفكرة، قالت: بلى. فركبت عائشة على بعير حفصة، وركبت حفصة على بعير عائشة رضي الله عنها، فجاء النبي عليه الصلاة والسلام إلى جمل عائشة وعليه حفصة، فسلَّم عليها، وسكت النبي عليه الصلاة والسلام، تغافل عن الموقف، ما تكلم، ما تدخل في هذا، يعني هذا شيء فعلته عائشة وحفصة فيما بينهما.

ثم سار معها حتى نزلوا، فافتقدته عائشة رضي الله عنها؛ لأنه كان في جهة أخرى، وأصبح يتحدث مع حفصة رضي الله عنها وافتقدته، وأصبحت لم تره؛ فهنا أخذت عائشةَ الغيرة، غارت غيرة شديدة، فلمَّا نزلوا من على الإبل، عائشة رضي الله عنها أخذتها الغيرة والحنق والندم أيضًا: فأرادت أن تلوم نفسها بموافقتها لحفصة رضي الله عنها على هذا المقترح، وجعلت من شدة الغيرة والندم تجعل بين رجليها الإذخر، تأخذ الإذخر وتقطعه، وتجعله بين رجليها من شدة الندم والحنق، وتقول: يا ربِّ سلِّط علي عقربًا أو حيَّةً تلدغني! من شدة ندمها ومعاتبتها لنفسها، كيف توافق على هذا؟! وكيف تأتي حفصة بهذه الفكرة وتأخذ منها النبي عليه الصلاة والسلام، وتبقى عائشة رضي الله عنها ليس معها أحد، من تُحصِّل الآن؟! النبي عليه الصلاة والسلام يكون معها في السفر، ويتكلم معها، ويتحدث معها؟ فهنا ندمت عائشة رضي الله عنها، وعاتبت نفسها ولامت نفسها، فجعلت تجعل الإذخر بين رجليها، وتقول: يا ربِّ سلِّط علي عقربًا أو حية تلدغني! من شدة الندم ومن شدة الغيرة أيضًا، ولِمَا رأت من الحيلة، يعني هذا شيء يجري على اللسان، دعاء باللسان غير مراد بالقلب، يقولون: هو دعاء باللسان غير مراد بالقلب، أحيانًا الإنسان من شدة الحنق أو الغضب يقول: أنا كيف فات عليَّ هذا الشيء؟ فربما دعا على نفسه من غير ما يشعر.

ثم جعلت تقول: رسولك، ولا أستطيع أن أقول شيئًا، يعني: هذا النبي عليه الصلاة والسلام، أنا أريد أن أحترمه وأن أوقره، ولا أستطيع أن أقول شيئًا.

فوائد من قصة إقراع النبي بين نسائه

هذه القصة فيها فوائد:

  • أولًا: كمال حسن عشرة النبي عليه الصلاة والسلام، حيث كان يُقرِع بين نسائه، وإن كان القسم ليس واجبًا عليه، على القول الراجح؛ لقول الله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ[الأحزاب: 51].
  • أيضًا من الفوائد: بيان ما جبل عليه النساء من الغيرة، كما رأينا في هذه القصة، أولًا: حفصة غارت من عائشة رضي الله عنها؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان في الطريق يتحدث معها ولم يتحدث مع حفصة، ثم بعد ذلك لما عملت حفصة هذه الحيلة غارت عائشة رضي الله عنها غيرة شديدة حتى إنها جعلت تقطع الإذخر وتجعله بين رجليها، وتقول: يا ربِّ سلِّط علي عقربًا أو حية تلدغني! من شدة ومن فرط الغيرة.

وقال أهل العلم: إنَّ الإنسان معفوٌّ عنه ما يقوله عند شدة الغيرة، يعني شدة الغيرة يعفى عن الإنسان فيما يتكلم به؛ لأنه كالغضبان غضبًا شديدًا، وكالمكره؛ فإن الغيرة تحدث في النفس أمورًا عظيمة، فما يتكلم به الإنسان معفو عنه، وقال كثير من أهل العلم: حتى لو أن المرأة من شدة الغيرة قذفت فلا يقام عليها الحد، قال بهذا: مالك وطائفة من أهل العلم، وذلك؛ لأن الإنسان عند شدة الغيرة كالمكره، ولذلك؛ قالت عائشة رضي الله عنها ما قالت من شدة الغيرة.

فضل عائشة رضي الله عنها على النساء

ثم ساق المصنف رحمه الله حديثًا آخر في فضل عائشة رضي الله عنها:

89 – (2446) حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ -يَعْنِي ابْنَ بِلَالٍ- عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ.

هذا الحديث سبق معنا في درس سابق، وقلنا: إن الثريد معناه: الخبز المفتت في المرق وغيره، وهو طعام سريع الهضم كثير النفع، فكما أن عائشة رضي الله عنها كثيرة النفع للأمة بالعلم والفتيا، والثريد غالبًا لا يكون إلا باللحم، وهو أفضل الأطعمة ليسارة مؤونته، وسهولة إساغته، وعظيم بركته، وقد كان هو جُلَّ أطعمتهم، وكان هو ألذَّ أطعمتهم بالنسبة إليهم، أما غيرهم فقد يكون غير الثريد أطيب وأفضل، لكن عند العرب يعتبرون الثريد أفضل الطعام، فالثريد هو أفضل أطعمة العرب، فهنا النبي عليه الصلاة والسلام يقول: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.

ومر معنا هذا الحديث بلفظ: كَمَل من الرجال كثير، ولم يكمُل من النساء غير مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام [6].

وهذا يدل على الفضل العظيم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث شبهها النبي بهذا التشبيه البليغ.

ثم ساق المصنف رحمه الله طرقًا أخرى لهذا الحديث، ثم قال:

90 – (2447) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ وَيَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ لَهَا: إِنَّ جِبْرِيلَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ.

فوائد من حديث إن جبريل يَقْرَأُ عليك السلام

  • وهذا فيه فضيلة ظاهرة لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث إن جبريل عليه السلام يسلم عليها، جبريل الروح الأمين أعظم الملائكة يسلم عليها، وهذا يدل على عظيم فضلها.

وأيضًا حصل هذا مع خديجة رضي الله عنها، في حديث مر معنا، مر معنا الحديث السابق [7]، قال عليه الصلاة والسلام: أتاني جبريل فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشِّرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. فهنا يعني خديجة رضي الله عنها أقرأها السلام من ربها، وأيضًا سلَّم عليها جبريل، وأيضًا أقرأها جبريل السلام، وهنا أيضًا عائشة رضي الله عنها الذي سلم عليها جبريل : إن جبريل يقرأ عليك السلام. قالت: فقلتُ: وعليه السلام ورحمة الله.

  • وأخذ العلماء من هذا: استحباب بعث السلام، أنك تقول لفلان: سلِّم لي على فلان، اقرأ على فلان مني السلام، فهذا مستحب، وهنا جبريل طلب من النبي عليه الصلاة والسلام أن يقرئ خديجة وعائشة رضي الله عن الجميع، منه السلام، فهذا يدل على استحباب بعث السلام.

وقد جاء في “صحيح مسلم” عن أنس  أن فتًى من أَسَلَمَ قال: يا رسول الله، إني أريد الغزو وليس معي ما أتجهز به، قال عليه الصلاة والسلام: ائت فلانًا؛ فإنه كان قد تجهز فمرض. فأتاه، وقال له: إن رسول الله يقرئك السلام، ويقول: أعطني الذي قد تجهزت به. فأعطاه إياه، فهنا لما أرسله النبي عليه الصلاة والسلام قال: قل له: إن رسول الله يقرئك السلام، فهذا يدل على أن هذا من السُّنة، من السُّنة إذا وجدت إنسانًا وسيقابل رجلًا تحبه وتأنس به، أن تقول له: أقرئ فلانًا مني السلام، أو تقول: سلِّم لي على فلان، فهذا مما وردت به السُّنة، وقد كان النبي يفعله مع بعض أصحابه كما في هذا الحديث.

وأيضًا: أخبر النبي عليه الصلاة والسلام خديجة وعائشة بأن جبريل يقرؤهما السلام.

لكن هل يجب على الرسول تبليغه؟ يعني إذا قلت لفلان: أقرئ فلانًا مني السلام. أو: سلِّم لي على فلان. فهل يجب على هذا الذي تقول له هذا الكلام أن يبلغ هذا السلام ويأثم إن لم يبلغه؟! اختلف العلماء في ذلك:

قال النووي رحمه الله: يجب على الرسول تبليغه؛ لأنه أمانة، فيجب على من قلتَ له: سلِّم لي على فلان. أن يسلم على فلان؛ لأنه أمانة.

وقال بعض أهل العلم: إن هذا كالوديعة، إن التزمه وجب، وإلا فلا، أي أن هذا المُبلِّغ الذي تقول له: سلم لي على فلان. إن قال إن شاء الله أسلم لك على فلان. أو: إن شاء الله يصل. يجب عليه أن يبلغه السلام.

أما إذا لم يلتزم، إذا سكت، المهم أنه لم يلتزم، لم يحصل منه التزام بتبليغ فلان السلام، فلا يجب عليه ذلك، وهذا هو الأقرب -والله أعلم- أنه إن التزم بذلك وجب عليه أن يبلغ السلام، أما إن لم يلتزم لم يجب عليه ذلك.

  • وأيضًا من الفوائد: أن السُّنة أن يَرُدَّ من بُلِّغ السلام على الرسول وعلى المُبلِّغ، أن يرد على من بلَّغه السلام وعلى الرسول، أن يرد عليهما جميعًا.

إذَنْ، نقول: دل هذا الحديث على أن من السُّنة أن يرد من بُلِّغ السلام على من سلَّم عليه وعلى المبلِّغ له السلام.

ولذلك؛ خديجة رضي الله عنها، لما بلَّغها النبي سلام جبريل قالت: إن الله هو السلام ومنه السلام، وعليك وعلى جبريل السلام [8].

فإذا قال أحد لك: سلِّم لي على فلان، تذهب إلى فلان، وتقول له: إن فلانًا يسلم عليك، السُّنة أن تقول له: وعليك وعليه السلام. كما قالت خديجة رضي الله عنها: وعليك وعلى جبريل مني السلام.

فالأحسن أن تشمل بالرد المبلغ والمبلغ عنه، أن تشملهما جميعًا بالسلام كما فعلت خديجة رضي الله عنها، فهذا من السُّنة إذا سلَّم عليك أحد، أتاك رجل من الناس قال: فلان يبلغك السلام. فالسُّنة أن تقول له: وعليك وعليه السلام.

ثم ساق المصنف رحمه الله هذا الحديث:

عن عَائِشَةَ رضي الله عنها، زَوْجَ النَّبِيِّ ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : يَا عَائِشُ، هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ. قَالَتْ: وَهُوَ يَرَى مَا لَا أَرَى.

قوله: يا عائش هذا من باب الترخيم؛ لأنه عليه الصلاة والسلام يعني يخاطب عائشة رضي الله عنها بالمخاطبات الرقيقة، يقول لها: يا عائش من باب الترخيم والترقيق، وهذا من حسن خلقه عليه الصلاة والسلام، فكان يخاطب عائشة رضي الله عنها بهذه المخاطبة، يعني كالمدَلِّل لها، بدل ما يقول: يا عائشة. يقول: يا عائش.

ثم ساق المصنف رحمه الله حديث أم زرع، ولعلنا نختم به، وهو حديث عظيم، وصنَّف فيه بعض أهل العلم مصنفات في شرحه، كالحافظ ابن رجب.

حديث أم زرع

قال:

92 – (2448) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عِيسَى -وَاللَّفْظُ لِابْنِ حُجْرٍ- حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَخِيهِ عَبْدِاللهِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً، فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَلَّا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا.

إحدى عشرة امرأة جلسن في الجاهلية، وتعاهدن فيما بينهن على ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئًا، يحتمل: أن يكون في الجاهلية، ويحتمل ألا يكون؛ لأن هنا عائشة رضي الله عنها أطلقت، المهم أن هذا قد حصل.

قَالَتِ الْأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ، عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَعْرٍ، لَا سَهْلٌ فَيُرْتَقَى، وَلَا سَمِينٌ فَيُنْتَقَلَ.

هل هي تمدحه أو تذمه؟

الجواب: أنها تذمه، شبهت زوجها بلحم الجمل الغث، يعني: المهزول، على رأس جبل وعر: يعني صعب الوصول إليه، تعني بذلك سوء خلقه، شبهت زوجَها بلحم الجمل الغث، وسوءَ خلقه بالجبل الوعر، فلا الجبل  سهل فلا يشق ارتقاؤه لأخذ اللحم ولو كان هزيلًا، ولا اللحم سمين فيُتحمل المشقة في صعود الجبل، وأرادت بذلك: أن زوجها قليل الخير، يعني ما عنده إلا خيرٌ قليلٌ، غَثِيثٌ كما يقال؛ لعدة أوجه:

أولًا: كونه كلحم الجمل، لا كلحم الضأن.

ثانيًا: أنه مع ذلك غَثٌّ مهزُولٌ رديءٌ.

ثالثًا: أنه صعب التناول لا يوصل إليه إلا بمشقة شديدة.

فهو يجمع إلى قِلَّة خيره تكبُّرَه وسوء خلقه، فهو ليس بالسهل فيُرتقَى، ولا بالسمين فيُنتقل، يعني ليس جبلًا سهلًا فيرتقى، ويؤخذ ما عليه من اللحم، ولا السمين فيُنتَقَل، أي: تنقله الناس إلى بيوتهم ليأكلوه، بل يتركونه رغبة عنه لرداءته.

وجاء في روايةٍ: فيُنتقى. وليس: فيُنتقل. أي: فيستخرج نَقْيُه، وهو المخ، يعني أن زوجها ما فيه خير، أو خيره قليل، فتريد بذلك أن تذمه.

قَالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ، إِنِّي أَخَافُ أَلَّا أَذَرَهُ، إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ.

الثانية تقول: زوجي لا أبثُّ خبره، يعني لا أنشره وأشيعه، إني أخاف ألا أَذَرَه، يعني خبره طويل إن شرعت في تفاصيله لا أقدر على إتمامه لكثرته. وقيل: إن المعنى: إني أخاف أن يطلقني.

قالت: لا أبثُّ خبره، إني أخاف ألا أذره، إن أذكرْه أذكرْ عجره وبجره.

العُجَر والبُجَر: أصل العجر: هي العروق، والبجر: العروق التي في البطن خاصة، والعرب تكني بها عن العيوب الظاهرة والباطنة، فتريد بذلك أن زوجها كثير المعايب، متعقد النفس عن المكارم، فهي تريد أيضًا أن تذمه بهذا الذم الشديد.

قَالَتِ الثَّالِثَةُ: زَوْجِي الْعَشَنَّقُ، إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ، وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ.

العَشَنَّق، يعني: الطويل، هل هي تمدحه أو تذمه؟

قال بعض العلماء: إن المقصود بذلك الذم، قالوا: لأن الطول في الغالب دليل على السفه؛ وذلك لبعد الدماغ عن القلب، ولا يعتب علينا الإخوة الطوال، يقولون هذا غالبًا، لكن هذا محل نظر؛ لأننا نجد في المجتمع ما شاء الله من أعطاهم الله تعالى طولًا ومع ذلك ليس عندهم سفه، عندهم كمال رشد؛ فهذا هو القول محل نظر.

ولذلك؛ العرب تمدح الإنسان بالطول، وعندهم مَثَلٌ مشهورٌ يقولون: الطول عزٌّ، فهذا؛ حتى لا يعتب علينا الإخوة الطوال، ومنهم المصور: أبو ريماس أيضًا لا يعتب علينا، يعني العرب تمدح بالطول، هذا الصحيح أن الطول يمدح به، وليس يذم، فكما يقال: الطول عز. لكنها تريد بذلك، هي تقول: زوجي العشنق، تعني أنه طويل، لكنه طُولٌ بغير نفعٍ، تريد بذلك أنه طول ما فيه فائدة، تريد أنه مَظهَرٌ لا مَخبَرٌ، ولذلك؛ تقول: إن أنطق أُطلَّق. إن تكلمتُ وذكرت عيوبه فبلغه ذلك طلقني، وإن أسكت على ما فيه من عيوب أُعلَّق: أكون معلقة؛ لا أنا بالمتزوجة، ولا أنا بالمطلقة، فهذا أيضًا ذم شديد لزوجها.

الرابعة على العكس، تمدح زوجها.

قَالَتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ؛ لَا حَرَّ وَلَا قُرَّ، وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سَآمَةَ.

قالوا: هذا مدح بليغ، يعني: ليس فيه أذًى، بل هو راحةٌ ولذاذة عيشٍ كليل تهامة، وليل تهامة: يكون الجو فيه عليلًا، وليل تهامة يضرب به المثل، فهي تقول: زوجي كليل تهامة لا حَرَّ ولا قرَّ، ولا مخافة ولا سآمة، يعني: أنه ليس منه أذًى ولا منه شرٌّ، بل هو رجلٌ كريمُ الخلق سمحٌ.

إذَنْ، الرابعة تمدح.

قَالَتِ الْخَامِسَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ، وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ.

إن دخل فَهِدَ، يعني هذا مدح له أيضًا، يعني: إن دخل البيت فهو كالفهد بكثرة النوم؛ لأن الفهد يقولون: إنه كثير النوم، فهو كثير النوم في البيت، وأيضًا كثير الغفلة، ولذلك؛ قالت: لا يسأل عما عهد، ما يسأل عن البيت، يدخل البيت وما وضع له من طعام أكله؛ لا يدقق، لا يسأل، كثير النوم، كثير الغفلة.

وإن خرج أسِدَ، يعني: ليس معنى ذلك أنه غبي، أو أنه ساذج، إن خرج فهو أسد مع الناس، وصفته بالشجاعة، فهي أيضًا تمدح زوجها.

قَالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ، وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ، وَإِنِ اضْطَجَعَ الْتَفَّ، وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ.

هذا ذمٌّ وليس مدحًا.

إن أكل لفَّ، يعني: يلف الطعام كله، يُكثِر من الأكل.

وإن شرب اشتفَّ: أيضًا يشرب جميع ما في الإناء.

وإن اضطجع التف: يلتف بالرداء، ولا يضاجع زوجته، ولا يدنو منها، يعرض عنها، هذا أيضًا ذم.

ولا يولج الكف ليعلم البث، يعني: أنه بعيد عن زوجته، ولا يضع يده عليها لكي تبث له همومها وأحزانها، فهي تريد أن هذا لا يهمه إلا نفسه، الأكل والشرب، وينام وحده، ولا يسأل عن أحد، فهذا موضع ذم، تريد ذم زوجها.

قَالَتِ السَّابِعَةُ: زَوْجِي غَيَايَاءُ -أَوْ عَيَايَاءُ- طَبَاقَاءُ، كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ، شَجَّكِ، أَوْ فَلَّكِ، أَوْ جَمَعَ كُلًّا لَكِ.

هذا أيضًا ذم.

غياياء، يعني: أنه أحمق.

وعياياء، يعني: أنه عِنِّين، يعجز عن الجماع.

وأيضًا: طباقاء، يعني: يعجز عن الكلام، تنطبق شفتاه، فهو جمع هذه المعايب كلها؛ أنه أحمق، وما يعرف يتكلم، وأيضًا عنده ضعف في الجماع.

كل داء له داء، جميع عيوب الناس فيه، يعني تقول: الأدواء فيه، كل شيء تَفَرَّقَ من الناس من المعايب موجود فيه، كأنها تقول: كل عيوب الناس فيه.

شجَّك، يعني: قد يصل به سوء الخلق والحمق إلى أن يَشُجَّ امرأته.

أو فلَّك، يعني: يَكْسِرها ويضربها.

أو يجمع بين ذلك كله، فهذا ذم شديد لزوجها.

قَالَتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي الرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ، وَالْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ، وَأَنَا أَغْلِبُهُ وَالنَّاسَ يَغْلِبُ.

يعني: هذا مدح له أيضًا.

زوجي الريح ريح زرنب، الزرنب: نبات طيب الرائحة.

والمس مس أرنب، يعني: أنه لين في خُلُقه وحسن معاشرته، كريم الخلق.

وأنا أَغلِبه،..: تغلبه المرأة، وهو يغلب الناس، وهذا موجود، صنف من الناس مع الناس أسد؛ وفي بيته نعامة، في بيته ضعيف؛ لكنه مع الناس شديد، فهذه المرأة تصف زوجها بذلك، تقول: أنا أغلبه والناسَ يغلِب، فهو ضعيف جدًّا، ضعيف الشخصية مع زوجته، ولكنه شجاع ويغلب الناس، يعني: جمعت بين المدح والذم له.

قَالَتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ، طَوِيلُ النِّجَادِ، عَظِيمُ الرَّمَادِ، قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِ.

تريد بذلك: أن زوجها وصَفَته بأنه رفيع العماد، يعني: الشرف والذكر.

قالت: طويل النجاد، النِّجَاد: حمائل السيف، يعني أنه شجاع، وصَفَته بالجود وكثرة الضيافة والشجاعة.

عظيم الرماد كذلك أيضًا، عظيم الرماد: تصف العرب من كان كريمًا بعظيم الرماد؛ لكثرة الضيافة.

وقريب البيت من الناد، يعني: أنه قريب من الناس، الناس يجتمعون عنده وفي مجلسه، وهو قريب منهم، فتريد: أنه إنسان اجتماعي، كثير الكرم والشجاعة، ويخالط الناس كثيرًا، والناس يجتمعون به ويجتمع بهم، هذا على سبيل المدح.

قَالَتِ الْعَاشِرَةُ: زَوْجِي مَالِكٌ، وَمَا مَالِكٌ؟ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ، قَلِيلَاتُ الْمَسَارِحِ، إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ.

تريد أن له إبِلًا كثيرةً باركةً بفنائه، لا يوَجِّهُها تَسْرح إلا قليلًا، قدر الضرورة، ومعظم أوقاتها باركة بفنائه، فإذا نزل به الضيفان كانت الإبل حاضرة؛ فيكرمهم من ألبانها ولحومها.

إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ، قَلِيلَاتُ الْمَسَارِحِ، إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ، يعني: صوت المعازف، أي: أنه أيضًا يضع المعازف والعيدان لضيوفه.

 أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ، يعني: منحورات، تريد: أن زوجها همُّه أن يكرم الناس، همُّه إكرام الناس والضيافة، ونحو ذلك، إدخال السرور على الناس، يذبح لهذا، ويعطيه من اللبن، وأيضًا يضع له من المعازف ونحو ذلك، فهذه هي أكبر اهتماماته.

قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ، فَمَا أَبُو زَرْعٍ؟ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ، وَمَلَأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ،

هنا تمدحه مدحًا شديدًا، يعني: أنه رجل كريم، ملأ أذنيها بالحلي، وكذلك أيضًا ملأ من شحم عضدها، يعني: أنه أسمَنَها، كان كريمًا وغنيًّا.

وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي،

يعني: فرَّحني ففرحت.

وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ،

يعني: من أسرة فقيرة، ما عندهم إلا غنم، وكانت العرب تمدح أصحاب الخيل والإبل، وكانوا يحتقرون أصحاب الغنم، تقول: إنه وجدني في أصحاب غنم.

فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ

يعني: جعلني في إبل وخيل.

وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ،

يعني: عنده دائس: الذي يدوس الزرع، وكذلك الذي يُنَقِّي الطعام، تريد أنه نقلها نقلة من بيت أهلها الذين ما عندهم إلا الغنم، إلى مكانٍ فيه إبلٌ وفيه خيلٌ وفيه زرعٌ وفيه خيرٌ كثيرٌ.

أُمُّ أبي زرع، مدحت أيضًا أسرته:

أُمُّ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ؟ عُكُومُهَا رَدَاحٌ، وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ.

ابْنُ أَبِي زَرْع،

أيضًا ابنه من زوجةٍ أخرى.

فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ؟ مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ، وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ [9].

ثم مدحت بنت أبي زرع:

فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ؟ طَوْعُ أَبِيهَا وَطَوْعُ أُمِّهَا،

يعني: أنها بارَّة.

وَمِلْءُ كِسَائِهَا، وَغَيْظُ جَارَتِهَا، جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ؟ لَا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا..، وَلَا تَمْلَأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا [10].

هذا كله مدح لزوجها، وهو أشد ما كان من المدح من هؤلاء النسوة.

قَالَتْ: خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالْأَوْطَابُ تُمْخَضُ، فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا.

يعني: رأى امرأة معها ولدان.

كَالْفَهْدَيْنِ، يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ.

تريد: أنه رأى امرأة جميلة، والمراد بالرمانتين يعني: الثديين، تريد: أن لها ثديين حسنين صغيرين كالرمانتين، وأن لها خَصْرًا حسَنًا، فتريد: أنه رأى امرأة جميلة، معها طفلان يلعبان عندها.

فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا،

ربما أنها شرطت عليه ذلك، المهم أنه تزوج هذه المرأة، وطلَّق أم زرع.

قالت:

فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا سَرِيًّا، رَكِبَ شَرِيًّا، وَأَخَذَ خَطِّيًّا..

يعني نكحت رجلًا سيدًا شريفًا وسخيًا ولكنه ليس كأبي زرع.

وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا..

لكن قلبها مُعلَّق بزوجها الأول الذي هو أبو زرع.

قالت: فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِي -يعني: الزوج الثاني- مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ.

يعني رأت الفرق بين الزوجين، ولذلك؛ مدحت أبا زرع مدحًا شديدًا، وأحيانًا يقولون: النعمة لا تُعرف إلا بضدها، يعني ما عَرَفت هذه المرأة قدر أبي زرع إلا لما تزوجت زوجًا غيره، ورأت الفرق العظيم بينهما.

ماذا كان موقف النبي عليه الصلاة والسلام؟ هذا هو المهم، لمَّا سمع النبي هذا الكلام الذي تقوله عائشة رضي الله عنها عن إحدى عشرة امرأة اجتمعن، وتعاقدن أن يتحدثن عن أزواجهن ولا يكتمن شيئًا من أمور أزواجهن، وكل واحدة تكلمت عن زوجها مدحًا أو ذمًّا.

النبي عليه الصلاة والسلام رأى أن أعظمهن مدحًا لزوجها هي أم زرع، فقال: كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ.

وهذا من كمال خلقه وحسن عشرته عليه الصلاة والسلام، يعني كنت لك كأبي زرع لأم زرع، وهذا يدل على استحباب حسن المعاشرة للأهل، وحسن خلق النبي عليه الصلاة والسلام، ويكفينا قول ربنا سبحانه: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ[القلم: 4].

فوائد من حديث أم زرع

وفي هذه القصة من الفوائد: 

استحباب حسن المعاشرة للأهل.

وجواز الإخبار عن الأمم الماضية.

وأن المشبَّه بالشيء لا يلزم كونه مثلَه في كل شيء.

أيضًا من الفوائد: أن كناية الطلاق لا يقع بها الطلاق إلا بالنية؛ لأن النبي قال لعائشة: كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ. وأبو زرع قد طلَّق أم زرع.

أيضًا من الفوائد: أن هؤلاء النسوة ذَكَرْنَ بعضُهُنَّ أزواجَهُنَّ بما يكرهون، ولم يكن ذلك غِيبةً؛ لكونهم لا يُعرَفون بأعيانهم وأسمائهم، فكما يقال: لا غيبة لمجهول، فإذا ذُكر إنسان، ولم يُذكر اسمه، ولم يكن معروفًا لدى الحاضرين، فليس له غِيبة، ولذلك؛ يقال: لا غيبة لمجهول. عندما تقول: رجل كان كذا وكذا وكذا، له امرأة صفاتها كذا وكذا وكذا، والحاضرون لا يعرفون من الرجل، ولا يعرفون من هذه المرأة، لا يعتبر هذا من الغِيبة، ومن هنا؛ قال كثير من أهل العلم: لا غِيبة لمجهول.

ونكتفي بهذا القدر.

وبهذا نكون قد انتهينا أيضاً من هذا الجزء الخامس عشر، وسنستكمل أيضًا كتاب الفضائل بالجزء السادس عشر في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

طيب، الآن نجيب عنما تيسر من الأسئلة.

أسئلة وأجوبة

نصيحة لمن يتكاسل عن صلاة الفجر في جماعة

س: ما نصيحتكم لمن يتكاسل عن صلاة الفجر وتفوته الصلاة مع الجماعة؟

الجواب: هذا قد حَرَم نفسه خيرًا عظيمًا؛ فإن صلاة الفجر سماها الله قرآن الفجر، قال: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ يعني صلاة الفجر وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا[الإسراء: 78]. أي: تشهدها الملائكة، وتجتمع فيها ملائكة الليل وملائكة النهار، وأيضًا: صلاة الفجر أخبر النبي بأن من صلى الصبح فهو في ذمة الله [11]. أي يكون في حفظ الله وفي عهده وفي ضمانه، ومن لم يصل صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد يُفَوِّت على نفسه هذا الفضل.

كذلك أيضًا: هذا الذي لم يصل صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد، افتتح يومه بمعصية الله ؛ فكيف يرجو التوفيق؟! وكيف يرجو الخير؟!

ثم أيضًا: التكاسل عن صلاة الفجر فيه تشبه بالمنافقين؛ فإن المنافقين لا يشهدون صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد.

ولذلك؛ فعلى المسلم أن يحرص على أن يصلي مع الجماعة في المسجد، وأن يهتم بذلك، فإن الإنسان إذا رفع مستوى الاهتمام بأي شيء فإنه يحققه، فإذا اهتم الإنسان بالاستيقاظ لصلاة الفجر؛ فسيجد من الوسائل ما يعينه على أداء الصلاة مع الجماعة في المسجد.

ما صحة حديث “يا ملائكتي اقضوا حاجة عبدي..“؟

السؤال: انتشر حديث: إن الله تعالى يقول: “يا ملائكتي، اقضوا حاجة عبدي؛ فقد غلب يقينُه قدري»؟

الجواب: هذا لا أصل له، ولا يجوز للإنسان أن ينقل مثل هذه الأحاديث التي لا أصل لها؛ لأن هذا من القول على الله تعالى بغير علم.

من يشكل عليه مسألة السفر هل يتم الصلاة؟

السؤال: أنا كثير السفر، ويشكل علي أحيانًا مسألة جمع وقصر الصلاة، فهل لي أن أتم جميع الصلوات؟

الجواب: إذا شككت هل أنت مسافر أو مقيم فأتم؛ لأن الأصل في الإنسان الإقامة وليس السفر، فإذا غلب على ظنك أنك مسافر فإنك تترخص برخص السفر؛ من القصر والجمع، والترخُّص بالمسح على الجوربين ثلاثة أيام بلياليهن، لكن إذا أشكل عليك الأمر، أو رأيت أن العلماء قد اختلفوا في مسألتك، هل أنت مسافر أو مقيم، فنرجع للأصل: وهو أن الأصل في الإنسان الإقامة وليس السفر، فتتم، ثم إنك إذا أتممت صلاتك صحيحة عند جميع العلماء، لكنك إذا قصَرت فربما تكون صلاتك غير صحيحة عند بعض أهل العلم، فعند الشك في كونك مسافرًا أو مقيمًا، فإنك تتم؛ لأن هذا هو الأحوط، ولأن الأصل في الإنسان الإقامة وليس السفر.

حكم قراءة أواخر البقرة في أغلب صلوات الفجر

السؤال: إمام يكرر آخر آيات البقرة: آمَنَ الرَّسُولُ..[البقرة: 285، 286]، في أغلب صلوات الفجر مع أنه حافظ للقرآن، هل ورد فضل في ذلك؟

الجواب: هذا لا أصل له، وكونه يكرر ذلك يعتقد أن هذا سُنة ليس بسُنة، وإن كانت هذه الآيات ورد فيها فضل، وهو قول النبي : من قرأ آخر آيتين من سورة البقرة في ليلةٍ كفتاه [12]. يعني: كفتاه من الشرور، لكن هذا لا يدل على سنية قراءتها في صلاة الفجر، فينبغي أن يُنبَّه هذا الإمام، وأن يحرص على أن تكون قراءته في صلاة الفجر من طوال المفصل، يعني من سورة (ق) إلى سورة (عم يتساءلون)، ولا يركز على قراءة هذه الآيات.

هل المسافة بين الرياض والدِّلَم مسافة قصر؟

السؤال: هناك من يتردد للعمل من سكان (الدِّلَم) إلى (الرياض) يوميًّا والمسافة بينهما قرابة 100 كيلو، ويشكل على البعض اعتبار هذه مسافة قصر لاختلاف..؟

الجواب: أنا حسبت المسافة ما بين آخر عمران الرياض إلى بداية الدِّلَم، وحسبها بعض طلبة العلم، فكانت أقل من 80 كيلو، فالمسافة الآن ما بين (الرياض) و(الخَرْج) وما بين (الرياض) و(الدلم) أقل من 80 كيلو، وإذا كانت أقل من 80 كيلو، فليس لمن يذهب إليها الترخص برُخَص السفر؛ إنما الذي يترخص برخص السفر الذي تكون مسافة السفر أكثر من 80 كيلو من مفارقة العمران، والأحسن: أن تأخذ عداد السيارة، وعند مفارقة العمران، يعني: آخر حي من أحياء مثلا مدينة (الرياض) -والغالب أنه يكون عند نقطة التفتيش؛ لأنها توضع عند آخر الأحياء- فتضع العداد على صفر، وتحسب المسافة؛ فإذا كانت أكثر من 80 كيلو فإنك تترخص، وإذا كانت أقل من 80 كيلو؛ فليس لك الترخص برخص السفر.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أبو داود: 2134.
^2 رواه البخاري: 2581، ومسلم: 2442.
^3 رواه البخاري: 4438.
^4 رواه البخاري: 3904.
^5 رواه البخاري: 5648، ومسلم: 2571.
^6 رواه البخاري: 3411، ومسلم: 2431.
^7 الحديث: 2432.
^8 رواه النسائي في السنن الكبرى: 8301.
^9 كمسل شطبة: مرادها أنه مُهَفْهَفٌ، خفيف اللحم كالشطبة، وهو مما يمدح به الرجل، والشَّطْبَة: ما شُطِب من جريد النخل، أي: شُقَّ، وهي السَّعْفَة؛ لأن الجريدة تشقق منها قضبانٌ رقاقٌ، والمَسَلُّ هنا: مصدر بمعنى المسلول، أي: ما سُلَّ من قشره، قال ابن الأعرابي وغيره أرادت بقولها: كمسل شطبة: أنه كالسيف سُلَّ من غِمده .
والجَفْرَة: الأنثى من أولاد المَعْز، وقيل من الضأن: وهي ما بلغت أربعة أشهر وفَصَلَت عن أمها، والمراد: أنه قليل الأكل، والعرب تمدح به. انتهى بتصرف من تعليق محمد فؤاد عبدالباقي على صحيح مسلم.
^10 لَا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا، وَلَا تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا، وَلَا تَمْلَأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا
لا تبث حديثنا تبثيثا: أي لا تُشيعه وتظهره، بل تكتم سرنا وحديثنا كله.
ولا تنقث ميرتنا تنقيثا: الميرة: الطعام المجلوب، ومعناه: لا تُفسِده ولا تُفَرِّقه ولا تذهب به، ومعناه: وصفها بالأمانة.
ولا تملأ بيتنا تعشيشا: أي لا تترك الكناسة والقمامة فيه مفَرَّقةً كعش الطائر، بل هي مصلحة للبيت معتنية بتنظيفه. انتهى من تعليق محمد فؤاد عبدالباقي على صحيح مسلم.
^11 رواه مسلم: 657.
^12 رواه البخاري: 4008، ومسلم: 807.
zh