logo
الرئيسية/دروس علمية/الدورة التأهيلية في الفقه- جامعة الإمام/(78) باب جواز ‌الصوم ‌والفطر في شهر رمضان للمسافر- من حديث “أن رسول الله ﷺ خرج عام..”

(78) باب جواز ‌الصوم ‌والفطر في شهر رمضان للمسافر- من حديث “أن رسول الله ﷺ خرج عام..”

مشاهدة من الموقع

عناصر المادة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.

ربنا آتنا من لدنك رحمةً وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.

هذا هو الدرس الثامن والسبعون في شرح “صحيح مسلمٍ”، في هذا اليوم الثلاثاء، التاسع والعشرين من شهر شعبان من عام (1444 هـ)، وبه نستكمل -إن شاء الله- في التعليق على كتاب الصيام من “صحيح مسلمٍ”.

جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصيةٍ

وكنا قد وصلنا إلى:

باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصيةٍ، إذا كان سفره مرحلتين فأكثر، وأن الأفضل لمن أطاقه بلا ضررٍ أن يصوم، ولمن يشق عليه أن يفطر

وهذا التبويب من النووي رحمه الله.

قوله: “باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية”، هذا هو قول الجمهور: أنه لا بد من أن يكون السفر في غير معصيةٍ، فإن كان سفر معصيةٍ؛ فليس له أن يفطر ولا أن يترخص برخص السفر؛ قالوا: حتى لا يكون في ذلك إعانةٌ له على المعصية.

والقول الثاني: أنه ما دام يسمى سفرًا؛ فله الترخص برخص السفر، حتى وإن كان السفر سفر معصيةٍ؛ لعموم الأدلة، وهذا هو القول الراجح، واختاره أبو العباس ابن تيمية وجمعٌ من المحققين من أهل العلم؛ لأنه لا دليل يدل على أن المسافر سفر معصيةٍ ليس له الترخص، والأدلة عامةٌ في أن كل مسافرٍ له الترخص برخص السفر.

وقول النووي: “إذا كان سفره مرحلتين فأكثر”، فيه إشارةٌ إلى أقل مسافةٍ للسفر، وهي مرحلتان، والمرحلة تعادل (40 كيلومترًا)، ومرحلتان؛ يعني: (80 كيلومترًا)، فأقل مسافةٍ للسفر: هي (80 كيلومترًا).

لكن كيف تحسبها؟ من مفارقة العمران، وليس من البيت، من مفارقة العمران.

وعلى ذلك: الآن المسافة ما بين مكة وجدة هل هي مسافة سفرٍ؟

الجواب: لا؛ لأنها أقل من (80 كيلو)، مِن آخر جدة إلى أول مكة أقل من (80 كيلو).

المسافة ما بين الرياض والخَرْج، هل هي مسافة سفرٍ؟

أقل من (80 كيلو)؛ فليست مسافة سفرٍ.

ما بين الرياض وحُرَيْمِلَة مثلًا أقل من (80 كيلو)، فهي ليست مسافة سفرٍ.

فخذ هذا الضابط: أقل مسافةٍ للسفر: هي (80 كيلومترًا)، لكن تُحسَب من آخر عمران البلد الذي أنت مقيمٌ فيه.

ثم ساق المصنف رحمه الله في هذا الباب أحاديث كثيرةً؛ في بعضها: أن النبي صام وهو مسافرٌ [1]، وفي بعضها: أنه أفطر وهو مسافرٌ [2].

فمن ذلك: حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما:

أن رسول الله خرج عام الفتح في رمضان، فصام حتى بلغ الكَدِيد [3].

وفي لفظٍ: القديد، هو مكانٌ معروفٌ.

ثم أفطر، وكان صحابة رسول الله يتبعون الأحدث فالأحدث مِن أمره.

وساقه المصنف برواياتٍ أخرى، ساقه أيضًا، قال:

قال الزهري: وكان الفطر آخر الأمرين، وإنما كان يؤخذ من أمر رسول الله بالآخِر فالآخِر، قال الزهري: فصبَّح رسولُ الله مكة لثلاث عشرة ليلةً خَلَت من رمضان [4].

فهنا في هذه السَّفْرة أفطر عليه الصلاة والسلام؛ لأنه قد شق عليه الصوم.

أما قوله: “وكان صحابة رسول الله …”، هذا من كلام الزهري.

وأيضًا قوله: “فصبَّح رسولُ الله مكة لثلاث عشرة ليلةً خلت من رمضان”، هذا أيضًا من كلام الزهري، وهو محل نظرٍ؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام صبح مكة يوم الجمعة لعشرين من رمضان، وأقام فيها تسعة عشر يومًا، وليس “لثلاث عشرة ليلةً خلت من رمضان”، وإنما لعشرين من رمضان. فهذا من كلام الزهري، ويعني تعقبه أهل العلم.

وفي حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما الآخَر:

أن النبي عليه الصلاة والسلام سافر فصام حتى بلغ عُسْفان.

ولا يزال يُسمى بهذا الاسم إلى الآن.

ثم دعا بإناءٍ فيه شرابٌ، فشربه نهارًا؛ ليراه الناس، ثم أفطر [5].

فأيضًا في هذه السفرة أفطر عليه الصلاة والسلام.

ثم ساق المصنف أيضًا الحديث برواياتٍ أخرى، وأنه بلغ كُرَاعَ الغَمِيم، ودعا بقدحٍ من ماءٍ فأفطر عليه الصلاة والسلام:

فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام؟ فقال: أولئك العصاة، أولئك العصاة [6].

وذلك لأنهم لم يقبلوا رخصة الله، ولم يتأسَّوا برسول الله ، وكأن هؤلاء الصحابة لم يتعمَّدوا المخالفة، لكنهم رأوا أن المغرب قريبٌ، وأنهم يتحملون المشقة.

ثم ساق المصنف أيضًا حديث جابرٍ :

أن النبي كان في سفرٍ، فرأى رجلًا قد اجتمع عليه الناس وقد ظُلِّل، فقال: ما له؟، قالوا: رجلٌ صائمٌ، فقال: ليس من البر أن تصوموا في السفر [7].

وأيضًا ساق عدة أحاديث في هذا المعنى؛ منها حديث أبي سعيدٍ :

غزونا مع رسول الله لِست عشرة مضت من رمضان، فمنا من صام، ومنا من أفطر، فلم يَعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم [8].

أحوال الصيام والفطر للمسافر

وساقه بعدة ألفاظٍ ثم قال:

باب أجر المفطِر

مجموع هذه الأحاديث يدل على أن المسافر له أحوالٌ:

  • فيستحب له الفطر إذا شق عليه الصوم، يستحب له الفطر؛ لما في ذلك من الأخذ برخصة الله تعالى؛ ولأن هذا هو هَدي النبي .
  • ويجب عليه الفطر إذا كان الصوم يُلحق به الضرر، أو يشق عليه مشقةً شديدةً؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: أولئك العصاة، أولئك العصاة؛ لأنهم قد شق عليهم الصوم مشقةً شديدةً؛ ولقوله : ليس من البر الصيام في السفر.
  • ويباح الصوم إذا لم يَشُق عليه، إذا لم يشق عليه الصوم فيباح، ويستحب إذا كان هو الأيسر له؛ لأن النبي في بعض أسفاره صام وفي بعض أسفاره أفطر.

والناس الآن مع تيسُّر وسائل المواصلات، ومع وجود التكييف في السيارة، والتكييف في الطائرة، والتكييف في المنازل؛ أصبح كثيرٌ من الناس لا يشق عليهم الصوم في السفر، فإذا كان الصوم لا يشق على الإنسان في السفر؛ فالأفضل له أن يصوم؛ لأن النبي في بعض أسفاره صام ولم يفطر؛ وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام كان يُخدَم، ويَتسابق الصحابة  على خدمته، ويُظلِّلون عليه، فرأى عليه الصلاة والسلام أنه لم يشق عليه الصوم؛ فصام [9].

فإذنْ العبرة هنا بالمشقة؛ إذا لم يشق الصوم على المسافر؛ فالأفضل في حقه الصوم؛ لأنه هدي النبي عليه الصلاة والسلام في بعض أسفاره، ولما فيه من الإسراع في براءة الذمة.

أما إذا شق عليه؛ فالأفضل في حقه الفطر، وقد يجب في بعض الأحوال؛ كما لو كانت المشقة شديدةً، أو كان الصوم يُلحق به الضرر.

وقوله: “فلم يَعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم”، يدل على أن الأمر فيه سعةٌ، وأن المسألة اجتهاديةٌ، الإنسان يجتهد في حاله؛ فإن صام فلا بأس، وإن أفطر فلا بأس، الأمر في هذا واسعٌ، وإنما فقط الحكم يدور حول الأفضلية: هل الأفضل الصوم، أو الأفضل الفطر؟ إلا في حالاتٍ خاصةٍ هي التي نقول فيها بوجوب الفطر.

أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل

ثم قال النووي:

باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل

وساق حديث أنسٍ :

كنا مع رسول في السفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، فنزلنا منزلًا في يومٍ حارٍّ، أكثرُنا ظلًّا صاحب الكساء، ومنا من يتقي الشمس بيده، فسقط الصُّوَّام وقام المفطرون، فضربوا الأبنية وسَقَوا الرِّكَاب، فقال رسول الله : ذهب المفطرون اليوم بالأجر [10].

وذلك لأنهم أخذوا بالرخصة، وخدموا من معهم، فكان أجرهم أعظم ممن صام وسقط.

ثم ساق المصنف أيضًا حديث أبي سعيدٍ ، وفيه:

أن النبي قال: إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم؛ فكانت رخصةً، فمنا من صام، ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلًا آخر، فقال: إنكم مُصبِّحو عدوِّكم، والفطر أقوى لكم فأفطِروا، فكانت عَزْمةً [11].

يعني في البداية خيَّرهم عليه الصلاة والسلام، ثم أمرهم أمر إلزامٍ بالفطر في الجهاد في سبيل الله؛ فدل ذلك على أن الجهاد يجوز فيه الفطر ولو لم يكن فيه سفرٌ، فالقتال في سبيل الله يجوز فيه الفطر حتى ولو لم يكن فيه سفرٌ؛ لما فيه من القوة على العدو.

واستدل بهذا الإمام ابن تيمية حينما نزل التتار في شهر رمضان في دمشق، فقال المجاهدون: لا نستطيع أن نجاهد مع الصوم، فأفتاهم رحمه الله بجواز الفطر من أجل القتال والتَّقَوِّي.

ومنع من ذلك بعض الفقهاء وقالوا: لا يجوز أن تفطروا وأنتم لستم مسافرين ولا مرضى، بل يجب عليكم الصوم.

لكنه رحمه الله قال: إن الفطر جائزٌ، وكان يمشي بين الصفوف ومعه خُبْزةٌ يأكلها؛ كي يقتدي به الناس ويفطروا.

فإذنْ يجوز الفطر في القتال في سبيل الله، ولو من غير سفرٍ ولا مرضٍ.

التخيير في الصوم والفطر في السفر

ثم قال:

باب التخيير في الصوم والفطر في السفر

ساق عدة أحاديث؛ منها: حديث حمزة بن عمرٍو الأسلمي، أنه سأل النبي ، فقال:

يا رسول الله، إني أجد بي قوةً على الصيام في السفر، فهل عليَّ جُناحٌ؟ قال: هي رخصةٌ من الله، فمن أخذ بها فحسنٌ، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه [12].

وهذا يدل على أن الأمر فيه سعةٌ.

وأيضًا ساق الحديث الذي فيه صيام النبي ، وهو حديث أبي الدرداء :

لقد رأيتُنا مع النبي في بعض أسفاره في يومٍ شديد الحر، حتى إن الرجل ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما منا صائمٌ إلا رسول الله وعبدالله بن رواحة [13].

والظاهر: أنه عليه الصلاة والسلام لم يَشُق عليه الصوم؛ لكونه كان مخدومًا؛ ولذلك صام، وقلنا: إن من لم يشق عليه الصوم؛ فالأفضل في حقه الصوم في السفر.

استحباب الفطر للحاج بعرفاتٍ يوم عرفة

باب استحباب الفطر للحاج بعرفاتٍ يوم عرفة

وساق الإمام مسلمٌ حديث أم الفضل بنت الحارث، أم ابن عباسٍ :

أن ناسًا تمارَوا عندها.

يعني: شَكُّوا في صيام رسول الله .

فقال بعضهم: هو صائمٌ، وقال بعضهم: ليس بصائمٍ، فأرسلت إليه بقدح لبنٍ وهو واقفٌ على بعيره بعرفة فشربه [14].

وهذا من ذكائها وفطنتها رضي الله عنها، وهي أم ابن عباسٍ ، أم عبدالله، لكن الفضل أكبر منه؛ ولذلك يقال لها “أم الفضل”، أمُّ الفضل بن عباسٍ، فأرسلت اللبن للنبي عليه الصلاة والسلام؛ لتختبره هل هو صائمٌ أو مفطرٌ، فشرب اللبن والناس ينظرون، فعلم الناس أنه كان مفطرًا؛ ولهذا، السنة للحاج يوم عرفة أن يكون مفطرًا، ويُكره للحاج أن يصوم يوم عرفة، وقد رُوي في ذلك حديثٌ عن النبي : أنه نهى عن صيام يوم عرفة بعرفة [15]، وفي سنده مقالٌ، لكن يُغني عن هذا: هذه الأحاديث التي فيها أن النبي عليه الصلاة والسلام كان مفطرًا، وكان أصحابه  مفطرين في يوم عرفة.

والحكمة من ذلك: حتى يتقوى الحاج على الدعاء؛ لأن الصائم تضعف نفسه، وينشغل بنفسه، لكن إذا كان مفطرًا يكون نشيطًا، ويتقوى على الدعاء؛ ولذلك قلنا: يباح الفطر في الجهاد، ويباح الفطر أيضًا بالنسبة للحاج؛ لما في ذلك من التَّقوِّي، ففي الجهاد يتقوى على القتال في سبيل الله، والحاج يتقوى على الدعاء.

صوم عاشوراء

باب صوم عاشوراء

ذكر المؤلف أحد عشر حديثًا في هذا الباب، وأكثر من ذلك؛ وذلك للاختلاف الكثير في الروايات؛ ومن ذلك: حديث عائشة رضي الله عنها، قالت:

كانت قريشٌ تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله يصومه، فلما هاجر إلى المدينة؛ صامه وأمر بصيامه، فلما فُرض شهر رمضان قال: من شاء صامه، ومن شاء تركه [16].

وهذا يدل على أن صيام عاشوراء كان في أول الأمر واجبًا قبل فرض صيام شهر رمضان، ثم نُسخ الوجوب فبقي مستحبًّا؛ ولذلك أمر بصيامه عليه الصلاة والسلام، فلما فُرض شهر رمضان قال: من شاء صامه، ومن شاء تركه، وكانت قريشٌ تصومه في الجاهلية.

وساق المصنف هذا الحديث بعدة رواياتٍ، ثم ساق حديث ابن عمر رضي الله عنهما أيضًا بمعنى حديث عائشة رضي الله عنها:

أنه ذُكر عند رسول الله يوم عاشوراء فقال: كان يومًا يصومه أهل الجاهلية، فمن أحب منكم أن يصومه فليصمه، ومن كره فليدعه [17].

وساق أيضًا حديث ابن عمر رضي الله عنهما برواياتٍ أخرى، ثم أيضًا ساق حديث ابن مسعودٍ في صيام عاشوراء:

عن عبدالرحمن بن يزيد قال: دخل الأشعث بن قيسٍ على عبدالله.

وإذا ورد “عبدالله” مجردًا؛ يقصد به من؟ ابن مسعودٍ .

وهو يتغدَّى، فقال: يا أبا محمد، ادْنُ إلى الغداء، فقال: أوَليس اليوم يوم عاشوراء؟! قال: وهل تدري ما يوم عاشوراء؟ قال: وما هو؟ قال: إنما هو يومٌ كان رسول الله يصومه قبل أن ينزل شهر رمضان، فلما نزل شهر رمضان تُرك [18].

وهذا اجتهادٌ منه ، وخالفه فيه بقية الصحابة، فالنسخ إنما كان للوجوب فقط، وبقي على الاستحباب؛ فصيام يوم عاشوراء مستحبٌّ استحبابًا مؤكدًا.

وساق المصنف حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال:

قدم رسول الله المدينة، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسُئلوا عن ذلك؟ فقالوا: هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون، فنحن نصومه تعظيمًا له، فقال النبي : نحن أولى بموسى منكم، فأمر بصومه [19].

وساقه بعدة ألفاظٍ وبعدة رواياتٍ، لكن يَرِد إشكالٌ هنا: وهو أن النبي وجد اليهود صيامًا حين قَدِم، ومعلومٌ أن قدوم النبي لم يكن في شهر محرمٍ ولا في عاشوراء، وإنما كان في شهر ماذا؟ لمَّا قَدم المدينة قَدِمها في شهرِ ربيعٍ الأول.

فالجواب عن ذلك: من العلماء من قال: إن اليهود غيروا التاريخ، وكانوا يؤرخون بالسنة الشمسية، فوافق يوم عاشوراء عندهم اليوم الذي نجَّى الله فيه موسى.

وقال بعض أهل العلم: إن قوله: “قدم المدينة فوجد اليهود”، لا يعني الفورية والتعقيب؛ لأن الفاء قد تأتي لغير التعقيب؛ كما في قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً [الحج:63]، ومعلوم أن الأرض لا تصبح مخضرةً في ليلةٍ، وإنما تكون بعد وقتٍ.

ويقولون: “تزوج فلانٌ فوُلِد له”، ومعلومٌ أن الولادة له تحتاج إلى وقتٍ؛ يعني على الأقل تسعة أشهرٍ، فالفاء قد تأتي لغير التعقيب، وبذلك يرتفع الإشكال، والجواب الثاني أظهر.

ثم ساق المصنف أيضًا حديث أبي موسى بمعنى حديث ابن عباسٍ .

متى يصام يوم عاشوراء؟‬

ثم قال النووي رحمه الله:

باب أي يومٍ يصام في عاشوراء

وقع في هذا خلافٌ: ما هو عاشوراء؟ هل هو العاشر من محرمٍ، أو التاسع من محرمٍ؟ وساق الإمام مسلمٌ:

عن الحَكَم بن الأعرج قال: انتهيت إلى ابن عباسٍ رضي الله عنهما، وهو مُتوسِّدٌ رداءه في زمزم، فقلت له: أخبرني عن صوم عاشوراء، قال: إذا رأيت هلال المُحرَّم؛ فاعدد وأصبِح يوم التاسع صائمًا، قلت: وهكذا كان رسول الله يصومه؟ قال: نعم [20].

فمن العلماء من قال: إن ابن عباسٍ رضي الله عنهما يرى أن عاشوراء هو اليوم التاسع وليس العاشر، وإلى هذا ذهب النووي وجماعةٌ، وقال بعضهم: إن هذا ليس بدليلٍ؛ فإن مقصود ابن عباسٍ: صم التاسع والعاشر، وقيل: إن المراد: صم التاسع بعد اليوم الذي يُرى فيه الهلال.

وبكل حالٍ: قول جماهير العلماء من السلف والخلف: أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر محرمٍ، وأما قول ابن عباسٍ هذا فمُحتمِلٌ؛ يحتمل عدة احتمالاتٍ، فهو من المتشابه، والذي عليه عامة أهل العلم وعامة السلف والخلف: هو أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر محرمٍ.

صيام التاسع من محرمٍ

ثم ساق المصنف أيضًا حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما:

حين صام رسول الله يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنه يومٌ تعظمه اليهود والنصارى، فقال: فإذا كان العام المقبل -إن شاء الله- صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأتِ العام المقبل حتى توفي رسول الله ، وفي الرواية الأخرى: لئن بقيت إلى قابلٍ؛ لأصومن التاسع [21].

طيب، لماذا لم يصم النبي عليه الصلاة والسلام التاسع أول ما قدم المدينة، مع أنه كان يصوم عاشوراء؟

الجواب: أنه.. نعم تفضَّل.

الطالب:

الشيخ: أحسنت! كان في أول الأمر يحب مخالفة كفار قريشٍ وموافقة أهل الكتاب، فكان يقتصر على صيام عاشوراء، فلما أظهره الله تعالى على كفار قريشٍ، وفتحت مكة في السنة الثامنة من الهجرة؛ أصبح عليه الصلاة والسلام يحب مخالفة اليهود؛ لأن كفار قريشٍ قضي عليهم، ما بقي إلا اليهود، فأصبح يحب مخالفتهم، فقال: لئن بقيتُ إلى قابلٍ؛ لأصومنَّ التاسع، يعني: لأجل مخالفة اليهود، فتوفي عليه الصلاة والسلام؛ فدل هذا على أنه يستحب أن يصام مع العاشر التاسعُ.

مراتب صيام عاشوراء

وقد ذكر ابن القيم وابن حجرٍ وجماعةٌ من أهل العلم: أن لصيام عاشوراء أربع مراتب:

  • المرتبة الأولى: أن يصام عاشوراء ويومٌ قبله ويومٌ بعده، وهذه أعلى المراتب.
    • أولًا: لأن فيها تحقيقًا لمخالفة اليهود.
    • ثانيًا: أن فيها صيام ثلاثة أيامٍ من الشهر، وسيأتينا أن صيام ثلاثة أيامٍ من الشهر سُنةٌ.
    • ثالثًا: أن فيها استكثارًا من الصيام في شهر محرمٍ، وصيامه ورد فيه فضلٌ خاصٌّ.
      وبغض النظر عن رواية: “صوموا يومًا قبله ويومًا بعده”؛ فإنه في سندها مقالٌ، والأقرب أنها ضعيفةٌ، لكن الاعتماد ليس عليها، وإنما على هذه المعاني.
  • المرتبة الثانية: أن يصوم عاشوراء مع التاسع؛ يعني التاسع والعاشر.
  • المرتبة الثالثة: أن يصوم العاشر والحادي عشر.
  • المرتبة الرابعة: أن يصوم العاشر فقط، ولا يكره صيام العاشر فقط؛ لأنه أصلًا هو هَدي النبي عليه الصلاة والسلام، لكنه في آخر حياته قال: لئن بقيت إلى قابلٍ؛ لأصومن التاسع.

فتكون أربع مراتب:

  • المرتبة الأولى: صيام التاسع والعاشر والحادي عشر.
  • الثانية: التاسع والعاشر.
  • الثالثة: العاشر والحادي عشر.
  • الرابعة: العاشر فقط.

نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

باب من أكل في عاشوراء؛ فليكُفَّ بقية يومه

وهذا كان في أول الأمر، لمَّا كان صيام عاشوراء واجبًا.

ساق الإمام مسلمٌ حديث سلمة بن الأكوع :

بعث رسول الله رجلًا مِن أَسْلمَ يوم عاشوراء، فأمره أن يؤذِّن في الناس: من كان لم يصم؛ فليصم، ومن كان أكل؛ فليتم صيامه إلى الليل [22].

وهذا يدل على أن صيام عاشوراء كان واجبًا، ثم نُسخ الوجوب وبقي الأمر على الاستحباب.

ثم ساق المصنف حديث الرُّبَيِّع بنت مُعوِّذٍ رضي الله عنها، قالت:

أرسل رسول الله غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: من كان أصبح صائمًا؛ فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطرًا؛ فليتم بقية يومه، فكنا بعد ذلك نصومه ونُصوِّم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللُّعبة من العِهْن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار [23].

وهذا يدل على أن صيام عاشوراء كان واجبًا، ثم نُسخ فبقي على الاستحباب، ويدل على استحباب تعويد الصبيان الصيام، وأن هذا هو هدي السلف.

وفي أي سن يُطالَب أو يؤمر الصبي، أو.. “يطالب الصبي”؛ يعني: يؤمر أمر إرشادٍ واستحبابٍ.

في أي سنٍّ يؤمر الصبي بالصيام؟

قال بعض الفقهاء: سبع سنين؛ كالصلاة، ولكن هذا محل نظرٍ؛ لأن مشقة الصوم أكثر من مشقة الصلاة، فيظهر -والله أعلم- أنه يؤمر الصبي إذا غلب على الظن أنه يُطيق الصوم ولا يشق عليه الصوم، وهذا يختلف؛ يعني مثلًا إذا كان اليوم إجازةً، وليس عنده مدرسةٌ، فيمكن، يعني يؤمر بالصوم، لكن إذا كان يشق عليه الصوم؛ عنده مدرسة مثلًا ولو صام شق عليه الصوم؛ فهنا لا يؤمر بالصوم.

فيراعى في ذلك المصلحة؛ لأن هذا الصبي مرفوعٌ عنه القلم، فأَمْره بالصوم من باب التمرين والتعويد فقط، وإلا لو لم يصم؛ فلا إثم عليه.

وقولها: “كنا نجعل له اللعبة من العِهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام؛ أعطيناه إياه”؛ هذا يدل على جواز تسكيت الصبي إذا بكى، وأنه يُعطَى لعبةً ونحوها، وأن هذا لا يدخل في الكذب.. هذا لا يدخل في الكذب؛ يعني يُسلَّى الصبي بأي شيءٍ، فلا يدخل هذا في الكذب، وكان الصحابة  يفعلون هذا مع صبيانهم.

النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى

باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى

وصوم يوم الفطر ويوم الأضحى محرمٌ بالإجماع، وساق المصنف حديث عمر ، عن أبي عُبيدٍ مولى ابن أزهر قال:

شهدت العيد مع عمر بن الخطاب ، فجاء فصلى، ثم انصرف فخطب الناس فقال: إن هذين يومان نهى رسول الله عن صيامهما: يوم فطركم من صيامكم، والآخر يومٌ تأكلون فيه من نسككم [24].

يعني: عيد الفطر وعيد الأضحى.

والحكمة من النهي عن الصوم يوم العيد: لما فيه من الفرق بين فريضة الصوم وإباحة الفطر، فلو لم يوجب الشارع الفطر؛ لاستمر بعض الناس في الصوم، ولأنه يوم عيدٍ للمسلمين، فينبغي أن يفرحوا فيه، وأن يشكروا نعمة الله عليهم، وهذا يناسبه الفطر وليس الصوم.

وأما الأضحى؛ فحتى يأكل الإنسان من ذبيحته ومن أضحيته، فلو كان لم يُحرِّم الشارع الصوم؛ لربما أن بعض الناس يكون صائمًا، ويذبح أضحيته ولا يأكل منها، وربما يكون هناك حِكَمٌ أخرى، والله تعالى أعلم.

وفي إشارة عمر لهذه المسألة في خطبته دليلٌ على أن الخطيب ينبغي أن يَذكر في الخطب بعض الأحكام، ولو أنه ليس دائمًا أن تكون الخطبة وعظيَّةً، وإنما يجعل فيها بعض الأحكام التي يُعلِّم فيها الناس.

ثم ساق المصنف حديث أبي هريرة أيضًا، وحديث أبي سعيدٍ  في النهي عن صيام يومي العيدين، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما كذلك أيضًا، لكن جاء في حديث أبي سعيدٍ : أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:

لا يصلح الصيام في يومين: يوم الأضحى، ويوم الفطر من رمضان [25].

فاستخدم عليه الصلاة والسلام كلمة: لا يصلح، في التعبير عن النهي، وهذا يدل على أنه يستخدم هذا المصطلح في التعبير عن النهي.

وعلى ذلك فقول بعض المفتين إذا سُئل عن مسألةٍ فقال: “لا يصلح”، يعني: هذا سائغٌ، وأصله هذا الحديث، فيمكن للمفتي أن يقول: “لا يصلح”، بدل أن يقول: “ورد فيه النهي”، يقول: “لا يصلح هذا”؛ فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: لا يصلح الصيام في يومين: يوم الأضحى، ويوم الفطر من رمضان.

تحريم صوم أيام التشريق

باب تحريم صوم أيام التشريق

ساق الإمام مسلمٌ حديث نُبَيْشَة الهُذَلي ، قال:

قال رسول الله : أيام التشريق أيام أكلٍ وشربٍ [26].

وساقه بروايةٍ أخرى:

وذكرٍ لله.

وأيام التشريق: هي الأيام الثلاثة التي بعد يوم عيد الأضحى أو عيد النحر، يعني: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من شهر ذي الحجة.

وسميت بأيام التشريق؛ لأن الناس كانوا قديمًا يُشرِّقون فيها اللحم، يعني: ينشرونه للشمس حتى ييبس فلا يَخْنَز، يضعون معه مِلحًا ثم ينشرونه في الشمس فلا يخنز، وبعض الناس يسمونه (قَفْرًا)، هذا كان الناس قديمًا وإلى وقتٍ ليس ببعيدٍ يفعلون هذا باللحم، فسُميت بأيام التشريق.

ففي هذا الحديث: أيام التشريق أيام أكلٍ وشربٍ وذكرٍ لله ، إشارةٌ إلى النهي عن صيامها؛ لأنها إذا كانت أيام أكلٍ وشربٍ؛ فلا تصام، وهذا هو الذي لأجله أورد المصنف هذا الحديث.

وساق المصنف أيضًا حديث كعب بن مالكٍ  بهذا المعنى، لكن سيأتي من حديث عائشة وابن عمر : “لم يرخص في أيام التشريق أن يُصَمن، إلا لمن لم يَسُق الهدي” [27].

فلا يجوز صيام أيام التشريق إلا في حالةٍ واحدةٍ، وهي: من لم يجد الهدي، فإنه يصوم ثلاثة أيامٍ في الحج وسبعةً إذا رجع لأهله، يجوز أن تكون الثلاثة أيامٍ في أيام التشريق فقط في حق من لم يجد الهدي، وأما من عداه؛ فلا يجوز له أن يصوم في أيام التشريق.

هنا مسألةٌ يحسن التنبيه إليها: وهي أن اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة داخلٌ في أيام التشريق التي ورد النهي عن صيامها؛ وعلى ذلك: فمن كان من عادته أن يصوم أيام البيض؛ فلا يصوم اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة، وإنما يعوض بيومٍ آخر مكانه؛ كأن يصوم الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر من شهر ذي الحجة، أما اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة فلا يجوز صومه؛ لدخوله في أيام التشريق.

كراهية صيام يوم الجمعة منفردًا

باب كراهية صيام يوم الجمعة منفردًا

أورد المصنف حديث جابرٍ..، حديث محمد بن عباد بن جعفرٍ قال:

سألت جابر بن عبدالله رضي الله عنهما وهو يطوف بالبيت: أَنَهَى رسول الله عن صيام يوم الجمعة؟ فقال: نعم وربِّ هذا البيت [28].

وأيضًا حديث أبي هريرة :

لا يصم أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده [29].

وأيضًا الحديث الآخر:

لا تختصوا ليلة الجمعة بقيامٍ من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيامٍ من بين الأيام، إلا أن يكون في صومٍ يصومه أحدكم [30].

وهذه الأحاديث فيها النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصوم، لكن هل النهي يقتضي التحريم، أو الكراهة؟ قولان للعلماء، والأظهر -والله أعلم- أن النهي للتحريم؛ لأن الأصل في النهي أنه يقتضي التحريم، إلا إذا وجد صارفٌ يصرف النهي من التحريم إلى الكراهة، ولا يوجد صارفٌ هنا؛ فيبقى على الأصل.

لكن لو صام قبله يومًا أو بعده يومًا؛ زال حكم النهي، وهو التحريم أو الكراهة، فيصوم الخميس والجمعة مثلًا، أو الجمعة والسبت، لكن لو أنه وافق الصوم؛ يعني مثلًا: هذا رجلٌ كان مِن عادته أنه يصوم يومًا ويفطر يومًا، فأفطر الخميس وصام الجمعة، وأفطر السبت، فما الحكم؟

يجوز، لأنه لم يخص يوم الجمعة بالصيام لكونه يوم جمعة، ولأنه قال عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة : إلا أن يكون في صومٍ يصومه أحدكم.

طيب، لو كان يصوم يوم الجمعة منفردًا؛ لأنه يوم الإجازة بالنسبة له، خاصةً من يعمل في القطاع الخاص ليس عنده إجازةٌ إلا يوم الجمعة، فيصوم يوم الجمعة فقط لكونه يوم إجازةٍ، فهل هذا يجوز؟

نعم يجوز؛ لأنه لم يخص يوم الجمعة لكونه يوم جمعةٍ؛ وإنما خصَّه لمعنًى آخر، فإذنْ لم يخص الجمعة بالصوم لكونه جمعةً؛ وإنما لمعنًى آخر فلا بأس؛ ويدل لهذا قوله عليه الصلاة والسلام: إلا أن يكون في صومٍ يصومه أحدكم.

بيان نسخ قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ

باب بيان نسخ قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ، بقوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ

ساق الإمام مسلمٌ حديث سلمة بن الأكوع ، قال:

لما نزلت هذه الآية: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184]، كان من أراد أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها [31].

وأيضًا ساق حديث سلمة بروايةٍ أخرى، وكان هذا في أول الأمر، فكان أول ما نزل من الصيام فيه التخيير؛ فمن شاء صام، ومن شاء أفطر وافتدى؛ كما في قوله سبحانه: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:184]؛ يعني: الصيام خيرٌ من الفطر والإطعام.

فكان هذا في أول الأمر، ثم نُسخ ذلك بالآية التي بعدها، يريد قول الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]، فتكون الآية: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184]، منسوخةً بقوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185].

والحكمة من ذلك: التدرج؛ لأن الشيء الشاق نجد أن الشريعة تتدرج في إيجابه، وأيضًا في باب المحرمات تتدرج في النهي عنه؛ كما في تحريم الخمر؛ وعلى ذلك فقوله: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ نقول: منسوخةٌ، والناسخ هو قوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ.

قضاء رمضان في شعبان

باب قضاء رمضان في شعبان

ساق المصنف عدة أحاديث عن عائشة رضي الله عنها، قالت:

كان يكون عليَّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان؛ الشغل من رسول الله [32].

وهذا الحديث يدل على أنه لا يجوز تأخير رمضان إلى ما بعد رمضان الثاني؛ لأنه لو كان جائزًا؛ لأخرته عائشة رضي الله عنها كما أخرته في عام القضاء.

ومن جهة النظر: كما أنه لا يجوز تأخير الصلاة حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى، فكذلك لا يجوز تأخير قضاء رمضان حتى يدخل رمضان الثاني، لكن تأخيره إلى آخر شعبان يجوز.

أيضًا هذا يدل على أن قضاء رمضان ليس واجبًا على الفور، بل للمسلم أن يؤخره إلى رمضان من العام الذي يليه.

الحكمة من كون عائشة رضي الله عنها تؤخر الصيام إلى شعبان، قالت: “الشغل برسول الله “؛ لأنها تريد أن تكون متهيئةً للنبي عليه الصلاة والسلام، متى ما أرادها؛ تكون متهيئةً له، وهذا من حسن تبعلها رضي الله عنها، لكن، هل معنى هذا أن عائشة رضي الله عنها كانت لا تصوم صيام النافلة؟ قال به بعض أهل العلم.

وقال آخرون: إنها تصوم صيام النافلة؛ لأن صيام النافلة لا يَمنع من أن النبي عليه الصلاة والسلام لو أرادها أن تقطع الصوم؛ لأن صيام النافلة لا بأس بقطعه، بخلاف صيام الفريضة، فإنه لا يجوز قطعه.

وهذا هو اللائق بعائشة رضي الله عنها؛ بَعيدٌ أن عائشة كانت لا تصوم صيام النافلة، لكن كانت لا تصوم صوم الفريضة؛ لأن صوم الفريضة لا يجوز قطعه، فتخشى أن النبي عليه الصلاة والسلام -يعني- يريدها وتكون صائمة صوم فريضةٍ فلا تستجيب للنبي عليه الصلاة والسلام، أما صيام النافلة، فالظاهر أنها كانت تصوم، هذا هو الأقرب من قولي العلماء في المسألة.

قضاء الصيام عن الميت

باب قضاء الصيام عن الميت

أورد المصنف حديث عائشة رضي الله عنها:

أن رسول الله قال: من مات وعليه صيامٌ، صام عنه وليُّه [33].

وهذا على سبيل الاستحباب، وإلا فلا تَزِر وازرةٌ وزر أخرى، لكن بعض الفقهاء حمله على صيام النذر، ولكن هذا قول مرجوحٌ، والصواب أنه عامٌّ، ولا يختص بصوم النذر.

وهناك قاعدةٌ أصوليةٌ عند الأصوليين، وهي: أن ذِكر فردٍ من أفراد العموم بحكمٍ يوافق العموم لا يقتضي التخصيص، وإنما هو على سبيل المثال.

فهذه القصة أتت في رجلٍ كان قد نَذَر الصوم، فسأل النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: من مات وعليه صومٌ؛ صام عنه وليه، لكن هذا لا يقتضي التخصيص بالنذر، وإنما هو عامٌّ في كلِّ صومٍ.

والذي يصام عنه هو الذي كان قد أفطر من رمضان ثم تمكَّن مِن القضاء ولم يقضِ ومات، فيُشرع لأقاربه أن يصوموا عنه.

أما من كان مريضًا مرضًا لا يُرجى برؤه، أو كان كبيرًا في السن؛ فهذا إنما يجب عليه الإطعام ابتداء؛ ولذلك لا يصام عنه وإنما يطعم عنه، فرقٌ بينهما.

إذنْ الذي يصام عنه مَن هو؟ الذي تمكَّن من القضاء ولم يقض، هذا هو الذي يشرع لأقاربه أن يصوموا عنه، أما الذي كان مريضًا مرضًا لا يرجى برؤه؛ فالواجب الإطعام ابتداءً، الكبير في السن: الواجب الإطعام ابتداءً، بل حتى المريض مرضًا يرجى برؤه، لو استمر به المرض ومات ولم يتمكن من القضاء؛ فليس عليه شيءٌ، أو أنه مات بعد العيد مباشرةً فليس عليه شيءٌ.

إذنْ إنما يُشرع القضاء فقط في حق من تمكَّن من القضاء ولم يقض.

طيب، هل يمكن أن أقارب هذا الميت يتوازعون الصيام؟ يعني: مثلًا عليه خمسة أيامٍ، وله خمسة إخوةٍ، أو خمس أخواتٍ، فقالوا: كلُّ واحدٍ منا يصوم يومًا؟ يجوز؟

الطالب:

الشيخ: نعم يجوز، إلا فيما يُشترط فيه التتابع؛ صيام شهرين متتابعين، هذا لا بد فيه أن يكون مِن شخصٍ واحدٍ، أما ما لم يُشترط فيه التتابع؛ فيمكن لأقاربه أن يقسموا الصيام بينهم.

ثم ساق المصنف حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما:

أن امرأةً أتت رسول الله فقالت: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم شهرٍ؟ فقال: أرأيتِ لو كان عليها دَينٌ أكنت تقضينه؟، قالت: نعم، قال: فدَيْن الله أحق بالقضاء [34].

فهذا يدل على مشروعية الصيام عن الميت، وأن الذمة تبرأ بذلك؛ ولهذا قال: فدَين الله أحق بالقضاء.

ثم ساق المصنف حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما أيضًا بمعنى الحديث السابق، وأيضًا ساق حديث بريدة ، قال:

بينا أنا جالسٌ عند رسول الله ؛ إذ أتته امرأةٌ فقالت: إني تصدقت على أمي بجاريةٍ، وإنها ماتت؟ فقال رسول الله : وجب أجرك، وردَّها عليك الميراث، قالت: يا رسول الله، إنه كان عليها صوم شهرٍ، أفأصوم عنها؟ قال: صومي عنها، قالت: إنها لم تحج قط، أفأحج عنها؟ قال: حجي عنها [35].

وهذا يدل أولًا: على أن الإنسان إذا تصدق بمالٍ، ثم عاد إليه بسببٍ شرعيٍّ؛ فإنه لا بأس بذلك، فالإنسان قد يَهَب قريبه شيئًا ثم يرثه، فيعود إليه مرةً أخرى، فنقول: رده الله عليك بالميراث؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: ردها عليك الميراث.

وأيضًا من فوائد هذا الحديث: مشروعية قضاء الصوم عن الميت؛ لقوله : صومي عنها، وأيضًا الحج عن الميت، وأن ثواب الصوم والحج يصل إلى الميت.

الصائم يُدعى لطعامٍ أو يقاتَل فيقول: إني صائمٌ

باب الصائم يُدعى لطعامٍ، أو يقاتَل، فليقل: إني صائمٌ

ثم ساق بسنده حديث أبي هريرة :

أن النبي قال: إذا دُعي أحدكم إلى طعامٍ وهو صائمٌ فليقل: إني صائمٌ [36].

فهذا يدل على أنه إذا دُعي الإنسان إلى طعامٍ وهو صائمٌ صيام نافلةٍ، فينبغي أن يجيب الدعوة ويَعتذر بأنه صائمٌ، وإذا اقتضت المصلحة أن يفطر فلا بأس؛ إذا كان فطره فيه جبرٌ لخاطر الداعي، وفيه أُنسٌ، وفيه مصلحةٌ؛ مِن صلةِ رحمٍ مثلًا، ونحو ذلك، فالأفضل في حقه أن يفطر.

أما إذا كان يرى أن الداعي سيتقبل منه الأمر وسيعذره، فيحضر ويعتذر بأنه صائمٌ: فليقل: إني صائمٌ، وكما مر معنا: المتطوع أمير نفسه؛ إن شاء صام، وإن شاء أفطر [37].

حفظ اللسان للصائم

باب حفظ اللسان للصائم

ساق الإمام مسلمٌ حديث أبي هريرة : أن النبي قال:

إذا أصبح أحدكم يومًا صائمًا؛ فلا يَرفُث ولا يَجهل، فإن امرؤٌ شاتَمه أو قاتَله؛ فليقل: إني صائمٌ، إني صائمٌ [38].

والبخاري ساقه بهذا اللفظ [39]، وساقه أيضًا برواية: من لم يَدَع قول الزور والعمل به؛ فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه [40].

قال: إذا أصبح أحدكم صائمًا؛ فلا يَرفُث ولا يَجهل، فإن امرؤٌ شاتَمه أو قاتله؛ فليقل: إني صائمٌ، إني صائمٌ؛ يعني: هذا يدل على أن الصائم ينبغي أن يتأدب بآداب الصيام، وأن الصيام ليس فقط الإمساك عن الأكل والشرب والمفطرات الحسية، بل أيضًا الإمساك عن المعاصي.

كل معصيةٍ تقع من الصائم تنقصه من أجر الصائم؛ ولذلك حتى لو شاتمه أحدٌ أو قاتله، فينبغي ألا يقابل السِّبَاب بمثله ولا الجهل بمثله، وإنما يقول: إني صائمٌ، ويقول ذلك جهرًا، وبعض العلماء يقول: إنه يقوله سرًّا، والصواب أنه يقوله جهرًا.

وفي قوله : إني صائمٌ فوائد:

  • الفائدة الأولى: توبيخ هذا السَّابِّ أو المُقاتِل.
  • والفائدة الثانية: الانتصار للنفس؛ ليعلم بأنه لم يترك مقابلته عجزًا أو خوفًا، وإنما لكونه صائمًا، والله تعالى يقول: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ [الشورى:39].
  • والثالثة: أن يبين لهذا المقاتِل السابِّ: أن من آداب الصيام ألا يقابل الإنسان من أساء إليه بمثل إساءته؛ فيكون في هذا نوعٌ من التوجيه والتربية له.

فضل الصيام

باب فضل الصيام

ساق الإمام مسلمٌ حديث أبي هريرة قال:

سمعت رسول الله يقول: قال الله ​​​​​​​: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام، هو لي وأنا أجزي به، فوالذي نفس محمدٍ بيده، لَخُلْفَةُ فم الصائم أطيب عند الله مِن ريح المسك [41].

ثم ساق أيضًا هذا الحديث بعدة ألفاظٍ، وقوله: إلا الصوم فإنه لي، أي: أن الإنسان يُجزَى على الأعمال الصالحة من باب الحسنة بعشر أمثالها، إلا الصوم، فإن الله ​​​​​​​ يَجزي عليه جزاءً خاصًّا من عنده، والعطية بقدر معطيها، وهو سبحانه أكرم الأكرمين؛ وهذا يدلُّ على أن الجزاء المرتب على الصوم عظيمٌ جدًّا؛ وأضرب لهذا مثالًا: لو أن معلمًا أعطى الطلاب كل طالبٍ جائزةً، ثم قال: أما أنت -يا فلان- فلك عندي جائزةٌ خاصةٌ، فما الذي يُفهَم من هذه الجائزة؟ يُفهَم أنها أفضل من جوائز زملائه؛ لأنها جائزةٌ خاصةٌ؛ وهكذا أيضًا ثواب الصوم ثوابٌ خاصٌّ مِن عند الله .

والحكمة من ذلك والله أعلم: أن الصوم يَظهر فيه الإخلاص لله سبحانه؛ لأن هذا الصائم لن يراقبه أحدٌ من البشر طوال النهار، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ يعني على الأقل سيدخل دورة المياه، فيستطيع أن يأكل ويشرب فيها، ما أحد يطَّلِع عليه من البشر، فكونه يلتزم بالصوم طوال النهار؛ دليلٌ على إخلاصه لربه سبحانه؛ ولهذا فجزاء الصوم عظيمٌ؛ ولهذا جاء في حديث أبي أمامة قال: قلت: يا رسول الله، مُرني بعملٍ أعمله، قال: عليك بالصوم؛ فإنه لا مِثْل له [42]، أخرجه أحمد بسندٍ صحيحٍ، وهذا يشمل صوم الفريضة وصوم النافلة.

وفي هذا الحديث:

لَخُلُوفُ فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك [43].

الخُلُوف: هي الرائحة الكريهة التي تخرج من فم الصائم عند الجوع، فإنه عند الجوع يخرج من فم الصائم رائحة كريهة، هذه تسمى خُلوف، لكنها طيبة عند الله ، بل أطيب عند الله من ريح المسك؛ لكونها ناشئة عن طاعة لله .

ثم ساق المصنف حديث أبي هريرة ، قال:

قال رسول الله : الصيام جُنَّةٌ [44].

ومعنى جُنَّة: يعني وقايةٌ، يَتَّقي به صاحبُه الآثام في الدنيا؛ كما في قوله سبحانه: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، وأيضًا يقي صاحبه من النار يوم القيامة.

ثم ساق المصنف حديث أبي هريرة بروايةٍ أخرى، وفيها زيادةٌ:

للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه [45].

وهذا يدل على أن الصائم يفرح فرحتين:

  • الفرحة الأولى: عند الفطر، وهذا أمر مشاهدٌ؛ تجد أن الإنسان عند غروب الشمس أو قبيل غروب الشمس، عندما يحين موعد الإفطار يفرح بالفطر؛ بما أباح الله له من الطعام والشراب وسائر المفطرات.
  • ويفرح أيضًا فرحًا أعظم منه: وهو عندما يلقى ربه  فيجد ثواب الصيام عظيمًا.

فهو يفرح فرحتين: فرحةً عند فطره، وفرحةً عند لقاء ربه ​​​​​​​.

ثم ساق المصنف حديث أبي هريرة أيضًا برواياتٍ أخرى وألفاظٍ أخرى.

ثم ساق حديث سهل بن سعدٍ قال:

قال رسول الله : إن في الجنة بابًا يقال له: الرَّيَّان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحدٌ غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم؛ أُغلِق فلم يدخل منه أحدٌ [46].

والجنة لها كم بابًا؟ كم عدد أبواب الجنة؟ ثمانيةٌ؛ أحدها: الرَّيَّان.

والنار لها كم بابًا؟ سبعة أبوابٍ، لكنها أبوابٌ عظيمةٌ، أبواب الجنة والنار أبوابٌ عظيمةٌ جدًّا، فأحد أبواب الجنة الثمانية: الريان، هذا يدخله الصائمون.

والمراد بهم: الذين أغلب عباداتهم وتطوعاتهم الصيام؛ يعني يغلب عليهم الصيام، فهؤلاء هم الذين يدخلون من باب الريان.

فضل الصيام في سبيل الله لمن يطيقه

باب فضل الصيام في سبيل الله لمن يطيقه بلا ضررٍ ولا تفويت حقٍّ

ساق الإمام مسلمٌ حديث أبي سعيدٍ  أن النبي قال:

ما من عبدٍ يصوم يومًا في سبيل الله؛ إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا [47].

وقد اختلف العلماء في معنى قوله : في سبيل الله، فقيل: يعني في شرع الله .

وقيل: إنه يصوم خالصًا لله سبحانه.

وقيل: إن المراد بقوله: في سبيل الله، يعني: في الجهاد في سبيل الله، وهذا هو القول الراجح؛ لأن الأصل أن هذا مصطلح “في سبيل الله”، إذا جاء في لغة الشارع؛ فالمقصود به الجهاد في سبيل الله، فيكون هذا في سبيل الله؛ يعني: الجهاد في سبيل الله، قد يكون وقت المرابطة، وعند الثغور، وعند الاستعداد للمعركة، ونحو ذلك.

أما عند تقابل الصفين فقلنا: إن الأفضل الفطر، لكن من المعلوم أن القتال يبقى المقاتلون معه مدةً طويلةً؛ يعني بعضهم يبقى مرابطًا، وبعضهم عنده ثغورٌ، وبعضهم يستعد، وبعضهم في التنقل، فمن صام في سبيل الله؛ حاز هذا الأجر، من صام في وقت الجهاد في سبيل الله؛ باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا؛ وهذا يدل على فضل الصيام في الجهاد في سبيل الله.

جواز صوم النافلة بنيَّةٍ من النهار قبل الزوال

باب جواز صوم النافلة بنيَّةٍ من النهار قبل الزوال، وجواز فطر الصائم نفلًا من غير عذرٍ

ساق الإمام مسلمٌ حديث عائشة رضي الله عنها، قالت:

قال لي رسول الله ذات يومٍ: يا عائشة، هل عندكم شيءٌ؟، قلت: يا رسول الله، ما عندنا شيءٌ، قال: فإني صائمٌ [48].

وهذا يدل على جواز إنشاء نية صيام النافلة أثناء النهار، بشرط ألا يكون قد أكل أو شرب أو أتى شيئًا من المفطرات من طلوع الفجر.

مثال ذلك: في يومٍ من الأيام أذن للظهر ولم تأكل شيئًا من الفجر، فقلتَ: ما بقي إلا القليل؛ أعتبره صيام نافلةٍ، فيجوز.

فيجوز إذنْ إنشاء نية صيام النافلة أثناء النهار، بشرط ألا يكون قد أكل أو شرب أو أتى شيئًا من المفطرات قبل ذلك.

الطالب:

الشيخ: نعم، أما قول النووي: “قبل الزوال”، قولٌ لبعض أهل العلم، لكنه قولٌ مرجوحٌ، التحديد بقوله: “قبل الزوال”، هذا لا دليل عليه، بل حتى لو كان بعد الزوال.

وكون النبي عليه الصلاة والسلام يدخل على عائشة رضي الله عنها، ويقول: هل عندكم شيءٌ؟، تقول: ما عندنا شيءٌ، يدل على ما كان عليه النبي من شَظَف العيش، ومن قلة المال، وقد عُرضت عليه كنوز الأرض، لكنه أبى عليه الصلاة والسلام، واختار أن يعيش بهذه الطريقة.

وإن كان في آخر عمره عليه الصلاة والسلام أغناه الله من الغنائم، أغناه الله تعالى: وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى [الضحى:8]، لكن كان قبل ذلك يأتي للبيت ولا يجد شيئًا يؤكل، كما في هذا الحديث، قال: هل عندكم شيءٌ؟، قالت: لا، قال: فإني صائمٌ.

قالت: فخرج رسول الله ، فأُهدِيَتْ لنا هديَّةٌ -أو جاءنا زَوْرٌ- قالت: فلما رجع رسول الله قلت: يا رسول الله، أُهديت لنا هديةٌ -أو جاءنا زَوْرٌ- وقد خبَّأت لك شيئًا، قال: ما هو؟، قلت: حَيْسٌ، قال: هاتيه، فجئت به فأكل، ثم قال: قد كنتُ أصبحت صائمًا [49].

هذه قصةٌ أخرى، وهذا يدل على أن الصائم صيام نافلةٍ، يجوز له أن يقطع صومه؛ لأن النبي في هذا الحديث قطع صومه وأكل، والصائم أمير نفسه، الصائم المتطوع أمير نفسه؛ إن شاء صام، وإن شاء أفطر.

الطالب:

الشيخ: حتى لو كان عاشوراء، عاشوراء مستحب وليس واجبًا، لكن الأفضل أن يُتم صومه.

أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر

باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر

هذا من تبويب النووي رحمه الله.

ساق الإمام مسلمٌ حديث أبي هريرة ، قال:

قال رسول الله : من نسي وهو صائمٌ فأكل أو شرب؛ فليتمَّ صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه [50].

النسيان معناه: ذهولٌ عن شيءٍ معلومٍ، فيذهل الإنسان عن الشيء المعلوم فينسى.

هل النسيان نعمةٌ أو نقمةٌ؟

قد يكون نعمةً، وقد يكون نقمةً، فقد يكون نعمةً كونُ الإنسان ينسى الأمور المصائب، والأحداث الصعبة في حياته، هذه نعمةٌ من الله تعالى، لكن قد يكون نقمةً إذا كان يتسبَّب في تفويت الخير، إذا كان مثلًا كثير النسيان، وينسى أشياء كثيرةً ويفوته بسببها خيرٌ كثيرٌ، فقد يكون مصيبةً.

إذنْ قد يكون نعمةً، وقد لا يكون، بحسب الحال.

طيب، من نسي وهو صائمٌ فأكل أو شرب فصومه صحيحٌ، وهذا يدل على أن الناسي غير مؤاخذٍ لو أكل أو شرب وهو صائمٌ، وإنما أطعمه الله وسقاه، ومثل ذلك بقية المفطرات؛ ولذلك النووي قال: “وجِماعه”، حتى لو حصل الجماع ناسيًا، فيمكن أن يقع، خاصةً في أول رمضان، وخاصةً في البلاد التي فيها أقلياتٌ، بحيث لا يكون الناس صائمين، ويكون معظم الناس مفطرين، فقد يقع النسيان، وقوعه واردٌ، فإذا أتى بأي مفطِّرٍ من المفطرات ناسيًا؛ فصومه صحيحٌ.

طيب، رجلٌ كان من عادته أنه يصوم يومي الاثنين والخميس، ومثلًا في يوم الاثنين نسي وتغدَّى، أكل وجبة غداءٍ كاملةً ثم تذكَّر، صومه صحيحٌ أو غير صحيحٍ؟ صحيحٌ، أطعمه الله وسقاه، حتى لو كانت وجبة غداءٍ.

صيام النبي في غير رمضان

باب صيام النبي في غير رمضان، واستحباب ألا يُخلِّي شهرًا عن صومٍ.

ساق المصنف حديث عائشة رضي الله عنها:

عن عبدالله بن شَقيقٍ، قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: هل كان النبي يصوم شهرًا معلومًا سوى رمضان؟ قالت: والله إنْ صام شهرًا معلومًا سوى رمضان، حتى مضى لوجهه، ولا أَفْطَره حتى يصيب منه [51].

قولها: “والله إنْ”؛ يعني: ما، فهي نافيةٌ، يعني: ما صام شهرًا معلومًا.

وساق المصنف هذا الحديث بعدة ألفاظٍ؛ منها الحديث.. الرواية التي بعدها:

ما علمته صام شهرا كاملًا إلا رمضان [52].

وهذا يدل على أن الأفضل ألا يستكمل المسلم صيام شهرٍ نافلةً، حتى شهر محرِّمٍ لا يصومه كله، إنما يصوم أكثره لو أراد، أو شهر شعبان، لا يصومه كله، إنما يصوم أكثره؛ لأن أكمل الهَدي هدي النبي ، وهو عليه الصلاة والسلام لم يستكمل صيام شهرٍ كاملٍ سوى شهر رمضان.

ثم ساق المصنف حديث عائشة رضي الله عنها برواياتٍ أخرى؛ ومنها: أنه عليه الصلاة والسلام:

كان يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله استكمل صيام شهرٍ قط إلا رمضان، وما رأيته في شهرٍ أكثر منه صيامًا في شعبان [53].

كان عليه الصلاة والسلام يستكثر الصيام في شعبان، واختُلف في الحكمة من ذلك:

فقيل: إنه شهرٌ يَغفُل عنه الناس بين رجبٍ ورمضان.

وقيل: إنه يريد أن يوافق زوجاته في الصيام؛ لأن زوجاته كن يقضين القضاء الذي عليهن في شعبان.

وقيل: إن الصيام في شعبان بمثابة التمرين والتدرب على الصيام قبل رمضان.

وكل هذه معانٍ معتبرةٌ.

ثم ساق المصنف أيضًا حديث عائشة رضي الله عنها برواياتٍ أخرى، وفي الرواية الأخيرة:

خُذُوا من الأعمال ما تُطيقون؛ فإن الله لن يَمَلُّ حتى تَملوا.

قال: وكان يقول: أَحَب العمل إلى الله: ما داوم عليه صاحبه وإن قلَّ [54].

وهذا يدل على استحباب المداومة على العمل الصالح، حتى وإن كان قليلًا.

ترون -أيها الإخوة- سرعة مرور الليالي والأيام، ما إن يبتدئ الأسبوع؛ إلا سرعان ما ينتهي، ما إن يبتدئ الشهر؛ إلا سرعان ما ينتهي، بل ما إن يبتدئ العام؛ إلا وسرعان ما ينقضي؛ ولذلك ينبغي أن يجعل المسلم له بعد المحافظة على الفرائض نوافل يحافظ عليها، فإنه بذلك:

  • أولًا: القليل مع القليل يكون كثيرًا.
  • ثانيًا: أن هذا محبوبٌ إلى الله تعالى، فإن أحب العمل إلى الله: أدومه وإن قل.
  • ثالثًا: أنه إذا عَرَض له عارضٌ من مرضٍ أو سفرٍ أو غير ذلك؛ كُتب له الأجر كاملًا؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: إذا مرض العبد أو سافر؛ كَتب الله له ما كان يعمله صحيحًا مقيمًا [55].
  • رابعًا: أنه مع سرعة مرور الليالي والأيام، عندما يتذكر أنه قد داوم على أعمالٍ صالحةٍ؛ يفرح ويُسَر بذلك؛ يعني مثلًا: شعبان، نحن الآن في نهاية شعبان، لو كنتَ صمت ثلاثة أيامٍ من الشهر أو أكثر؛ تفرح الآن أنك صمت، يعني أتيت بهذا العمل الصالح، ختمت كذا ختمةً، أتيت بأعمالٍ كنت تداوم عليها، فتجد أنك مع مرور الليالي والأيام تفرح بأن الله وفقك لهذه الأعمال.

ولذلك ينبغي للمسلم، خاصةً لطالب العلم، أن يكون له أعمالٌ صالحةٌ من النوافل، يداوم ويحافظ عليها بعد المحافظة على الفرائض.

ثم ساق المصنف حديث عائشة رضي الله عنها برواياتٍ أخرى، وحديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما أيضًا بألفاظٍ قريبةٍ منه، ثم قال:

النهي عن صوم الدهر

باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرَّر به، أو فوَّت به حقًّا، أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يومٍ وإفطار يومٍ

وساق المصنف قصة عبدالله بن عمرٍو رضي الله عنهما؛ فعن عبدالله بن عمرو بن العاص، قال:

أُخبِرَ رسول الله أنه يقول: لأقومن الليل، ولأصومن النهار ما عشتُ، فقال رسول الله : أنت الذي تقول ذلك؟، قال: قد قلتُه يا رسول الله، قال: فإنك لا تستطيع ذلك، فصُم وأفطر، ونم وقم، وصم من الشهر ثلاثة أيامٍ؛ فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر [56].

وهذا يدل على فضل صيام ثلاثة أيامٍ من الشهر؛ لأن ثلاثة أيامٍ عن ثلاثين يومًا، فالحسنة بعشر أمثالها، لكن عبدالله بن عمرٍو رضي الله عنهما قال:

قلت: يا رسول الله، إني أُطيق أفضل من ذلك، قال: صم يومًا وأفطر يومين، قال: فإني أطيق أفضل من ذلك، قال: صم يومًا وأفطر يومًا، وذلك صيام داود ، وهو أعدل الصيام، قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك، قال: لا أفضل من ذلك [57].

فأعلى درجات صيام النافلة: صيام يومٍ وإفطار يومٍ، وهو صيام داود .

قال عبدالله بن عمرٍو: لأن أكون قبلت الثلاثة الأيام التي قال رسول الله ، أحب إليَّ من أهلي ومالي [58].

لأنه أحبَّ ألا يدع شيئًا فارق عليه النبي ، وإلا فهذه نافلةٌ؛ لو أنه لم يصم وترك ذلك؛ فلا لوم عليه.

وهذا يدل على أن الإنسان ينبغي له ألا يشق على نفسه، وسيأتي بيان وجه ذلك في الروايات الأخرى في قوله عليه الصلاة والسلام: فإن لنفسك عليك حقًّا، قال: فإن لعينك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا [59]؛ فهذا يدل على أن الإنسان ينبغي أن يكون متوازنًا، وأن يعطي كل ذي حقٍّ حقه؛ لأن كونه يصوم النهار ويقوم الليل، هذا سيؤدي إلى الإخلال بحقوق أهله؛ ولهذا لما سأل عمرو بن العاص امرأةَ عبدالله بن عمرٍو عن زوجها، قالت: “نِعم الرجل هو! لم يفتش لنا كَنَفًا”، تريد أنه مُعرِضٌ عنها.

فالنبي عليه الصلاة والسلام أرشده إلى التوازن؛ ولهذا قال: إن لأهلك عليك حقًّا، فينبغي للمسلم ألا يُغلِّب جانبًا على حساب جوانب أخرى، وإنما يعطي كل ذي حقٍّ حقه.

فإذنْ هذه القصة تدل على أن أعلى درجات صيام النافلة: هو صيام يومٍ وإفطار يومٍ، لكن في الرواية الأخرى التي ساقها الإمام مسلمٌ، ذكر قراءة القرآن، قال: اقرأ القرآن في كل شهرٍ، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: في كل عشرين، قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: في كل عشرٍ، قلت: أطيق أفضل من ذلك، قال: فاقرأه في كل سبعٍ، ولا تزد على ذلك [60].

وهذا يدل على أن الأفضل في ختم القرآن أن يكون في كل سبعة أيامٍ ختمةٌ، وهذا هو المنقول عن جمهور السلف، أنك تختم في كل أسبوعٍ ختمةً، هذا هو الأفضل، وهذا أمرٌ ميسورٌ على من يسَّره الله عليه، إذا كنت ستختم في كل أسبوعٍ ختمةً؛ معنى ذلك: أنك تقرأ في اليوم كم جزءًا؟ أربعة أجزاءٍ، وأربعةٌ في سبعةٍ: ثمانيةٌ وعشرون، وتضيف لها جزأين.

فأعلى ما وصل به النبي عليه الصلاة والسلام مع عبدالله بن عمرٍو رضي الله عنهما سبعة أيامٍ، لكن قال أهل العلم: لو ختم القرآن في أقل من سبعة أيامٍ فلا بأس، وأما حديث: لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاثٍ، ففي سنده مقالٌ [61].

كان الإمام الشافعي يختم القرآن في كل يومٍ ختمةً، وكذلك أبو حنيفة أيضًا كل يومٍ ختمةً، بل كان الشافعي في رمضان في كل يومٍ ختمتين، يعني ستين ختمةً.

وكنت أعجب من هذا حتى ذهبت لمَقرأةٍ قرآنيةٍ، فوجدت شبابًا معتكفين، وطوال الوقت يقرؤون القرآن، ويختمون القرآن في كل يومٍ ختمتين، كما كان الإمام الشافعي يفعل.

لأن الختمة تأخذ من القارئ المتقن حدود سبع ساعاتٍ ونصفًا تقريبًا، أو أقل أيضًا، فمن كان متفرغًا أو متقنًا، عمومًا متقنًا، يستطيع أن يختم؛ لأن المتقن يستطيع أن يقرأ في أي مكانٍ، يعني وهو في السيارة، وهو في الطريق، وهو على فراشه، في أي وقتٍ يقرأ، فهذا فضل الله، وفضل الله يؤتيه من يشاء.

لكن ينبغي للمسلم، وخاصةً لطالب العلم، أن يحرص على تلاوة القرآن، وأن يختمه في شهر رمضان -ونحن مقبلون عليه- أكثر من ختمة، لا تكفي ختمةٌ واحدةٌ، ينبغي أن يختمه أكثر من ختمةٍ.

ثم ساق المصنف حديث عبدالله بن عمرٍو رضي الله عنهما بعدة رواياتٍ وعدة ألفاظٍ.

استحباب صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ، وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس

باب استحباب صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ، وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس.

ساق المصنف حديث عائشة رضي الله عنها: سألَتْها معاذةُ العدوية:

أكان رسول الله يصوم من كل شهر ثلاثة أيامٍ؟ قالت: نعم، فقلت لها: من أي أيام الشهر كان يصوم؟ قالت: لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم [62].

وهذا يدل على استحباب صيام ثلاثة أيامٍ من الشهر، سواءٌ أكانت في أوله أو في وسطه أو في آخره، متتابعةً أو متفرقةً.

وبعض أهل العلم استحب أن تكون في أيام البيض: في الثالث العشر، والرابع عشر، والخامس عشر؛ لحديث أبي ذرٍّ [63]، وفي سنده مقالٌ، وبعض أهل العلم صححه.

لكن الأحاديث الواردة في “الصحيحين” وغيرهما: استحباب ثلاثة أيامٍ من الشهر عمومًا؛ كما قالت عائشة رضي الله عنها: “لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم”.

فسواءٌ صُمتَ ثلاثة أيامٍ من أول الشهر أو من وسطه أو من آخره، المهم أن تصوم ثلاثة أيامٍ من الشهر؛ ولهذا ينبغي لطالب العلم أن يحرص على هذه السُّنة.

وهناك طريقةٌ أخرى تستطيع أن تجمع بها بين صيام ثلاثة أيامٍ وصيام يوم الاثنين؛ بأن تصوم الاثنين، ثم الاثنين، ثم الاثنين، فتجمع بين الفضيلتين.

ثم ساق المصنف -الإمام مسلمٌ- حديث عِمْران بن حصينٍ رضي الله عنهما:

أن النبي قال له، أو لرجلٍ وهو يسمع: يا فلان، أَصُمتَ من سُرَّة هذا الشهر؟ [64].

وفي لفظٍ: مِن سَرَرِ هذا الشهر؟ [65].

قال: لا، قال: فإذا أفطرتَ، فصُمْ يومين [66].

كان هذا الرجل من عادته أنه يصوم آخر الشهر، أو أنه نذر أن يصوم آخر الشهر، وسَرَرُ الشهرِ: هو آخر الشهر، فلما سمع نَهْيَ النبي عليه الصلاة والسلام عن تقدُّم رمضان؛ لم يصم نهاية شهر شعبان، فأمره النبي عليه الصلاة والسلام أنه إذا أفطر يصوم يومين مكانها.

وهذا يدل على استحباب قضاء صيام النافلة؛ ولذلك فالقول الراجح فيمن كان له عذرٌ ولم يصم الست من شوالٍ: أن يقضيها في شهر ذي القعدة.

ثم ساق المصنف حديث أبي قتادة ، قال:

رجلٌ أتى النبي ، فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله ، فلما رأى عمر غضبه قال: رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ نبيًّا، نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله [67].

وغَضبُ النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن هذا السؤال سوء أدبٍ، هذه أمورٌ شخصيةٌ ينبغي ألا يُسأل عنها الإنسان، كيف صلاتك؟ كيف صيامك؟ هذه أمور ينبغي ألا يُسأل عنها، وإنما يَسأل عن الصيام، ولا يَسأل عما يفعله النبي عليه الصلاة والسلام.

فمِن سوء الأدب أن يُسأل الإنسان عن أموره الخاصة، يأتيك إنسانٌ فيقول: كيف تصلي؟ كيف تصوم؟ كيف..؟ هذا من سوء الأدب؛ ولهذا غضب عليه الصلاة والسلام.

قال عمر: يا رسول الله، كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: لا صام ولا أفطر [68].

وهذا يدل على كراهة صيام الدهر، وبعض أهل العلم يحمل هذا على التحريم.

قال: فكيف مَن يصوم يومين ويفطر يومًا؟ قال: ويطيق ذلك أحدٌ؟! [69].

يعني فيه صعوبةٌ، وفيه مشقةٌ.

قال: كيف من يصوم يومًا ويفطر يومًا؟ قال: ذاك صوم داود  [70].

وهو أعلى درجات صيام النافلة.

قال: كيف من يصوم يومًا ويفطر يومين؟ قال: وددت أني طُوِّقْت ذلك [71].

يعني: النبي عليه الصلاة والسلام تمنى لو أنه كان يستطيع أن يصوم يومًا ويُفطر يومين.

طيب، لماذا لم يكن النبي عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك؟ لانشغاله بمصالح أرجح؛ لأنه عليه الصلاة والسلام هو قائد الأمة، وهو الرسول ، وهو المُفتي، وهو كل شيءٍ بالنسبة للصحابة؛ كما تقول عائشة رضي الله عنها: “حَطَمَه الناس” [72]، فما كان يطيق أن يصوم يومًا ويفطر يومين؛ ولذلك قال: وددت أني طوِّقت ذلك.

ثم قال رسول الله : ثلاث من كل شهرٍ [73].

يعني: ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ تعدل صيام الشهر كله.

ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله، صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده [74].

وهذا يدل على استحباب صيام يوم عرفة لغير الحاج.

وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله [75].

وهذا يدل على استحباب صيام يوم عاشوراء، وسبق الكلام عنه.

ثم ساق المصنف هذا الحديثَ بروايةٍ أخرى، وساق أيضًا حديث أبي قتادة :

أن رسول الله سئل عن صوم الاثنين؟ قال: فيه وُلدت، وفيه أُنزِل عليَّ [76].

يعني: فيستحب صومه، فاستحبابه مؤكدٌ، واستحباب صيام يوم الاثنين آكد من استحباب صيام الخميس؛ لأن صيام يوم الاثنين للحديث الذي في “مسلمٍ”، وأما الخميس ففي سنده مقالٌ، وإن كان عامة أهل العلم على استحباب صيام الخميس، لكن استحباب صيام الاثنين آكد من استحباب صيام الخميس.

صوم سَرَر شعبان

قال: باب صوم سَرَر شعبان.

أعاد الإمام مسلمٌ الكلام عن سرر شعبان، مع أنه سبق قبل قليلٍ، وساق بسنده حديث عِمران السابق بعدة رواياتٍ، وتكلمنا عن المقصود بسرر شعبان، وأن هذا الرجل: إما أنه نذر، أو أنه من عادته أنه يصوم آخر الشهر، فلم يصم آخر شعبان، فأمره النبي عليه الصلاة والسلام بالقضاء.

فضل صوم المحرم

باب فضل صوم المحرَّم.

يعني شهر محرمٍ، ساق المصنف حديث أبي هريرة ، قال:

قال رسول الله : أفضل الصيام بعد رمضان: شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة: صلاة الليل [77].

وهذا يدل على استحباب الصيام في شهر محرمٍ، وأفضله يوم عاشوراء.

وأيضًا على استحباب صلاة الليل وقيام الليل؛ فإن قيام الليل هو دأب الصالحين، ولا يليق بطالب العلم ألا يقوم الليل، قيام الليل هو بمثابة الوقود الروحي للمسلم في اليوم والليلة، ومِن أعظم أسباب الثبات، احرص على قيام الليل، هو كأنه وقودٌ روحيٌّ لك، وأيضًا علامة على الصدق والإخلاص، على صدق التدين، وعلى الإخلاص؛ ولهذا يقولون: ما قام الليل منافقٌ؛ فينبغي أن يحرص المسلم على أن يجاهد نفسه على قيام الليل، وكما جاء في هذا الحديث: أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة: الصلاة في جوف الليل [78].

باب استحباب صوم ستة أيامٍ من شوالٍ إتباعًا لرمضان

باب استحباب صوم ستة أيامٍ من شوالٍ إتباعًا لرمضان.

وساق الإمام مسلمٌ حديث أبي أيوب :

أن رسول الله قال: مَن صام رمضان، ثم أتبعه ستًّا من شوالٍ؛ كان كصيام الدهر [79].

وذلك لأن صيام رمضان عن عشرة أشهرٍ؛ فإن الحسنة بعشر أمثالها، وصيام ستة أيامٍ من شوالٍ: صيام ستةٍ، إذا ضربنا ستةً في عشرةٍ؛ النتيجة كم؟ ستون، وستون يومًا تعادل شهرين، فإذا أضفنا شهرين إلى عشرة أشهر؛ تعادل اثني عشر شهرًا، هذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: كان كصيام الدهر، يعني: كصيام السنة كلها.

فضل ليلة القدر والحث على طلبها

باب فضل ليلة القدر، والحث على طلبها، وبيان محلها وأرجى أوقاتها.

ساق المصنف حديث ابن عمر رضي الله عنها:

أن رجالًا من أصحاب النبي أُرُوا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله : أَرَى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها؛ فليتحرها في السبع الأواخر [80].

وهذا الحديث يدل على أن ليلة القدر تُرَى في المنام، وعلى أن أرجى ما تكون فيه ليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان؛ لقوله : إني أَرَى رؤياكم قد تواطأت -يعني اتفقت- في السبع الأواخر، فمن كان متحريها؛ فليتحرها في السبع الأواخر.

ثم ساق المصنف حديث ابن عمر رضي الله عنهما:

تحرَّوا ليلة القدر في السبع الأواخر [81].

وحديث ابن عمر رضي الله عنهما:

رأى رجلٌ أن ليلة القدر ليلة سبعٍ وعشرين، فقال النبي : أرى رؤياكم في العشر الأواخر، فاطلبوها في الوتر منها [82].

ثم ساق المصنف هذا الحديث بعدة رواياتٍ، وساق حديث أبي هريرة أن النبي قال:

أُرِيتُ ليلة القدر، ثم أيقظني بعض أهلي فنُسِّيتُها، فالتمسوها في العشر الغوابر [83].

لكن الرواية المشهورة: أنه عليه الصلاة والسلام خرج يريد أن يُخبِر بها أصحابه، فتلاحى رجلان فأُنسِيَها، وعسى أن يكون خيرًا [84]، لكنها في العشر الأواخر، وأرجى ما تكون في السبع الأواخر.

ثم ساق المصنف حديث أبي سعيدٍ في اعتكاف النبي عليه الصلاة والسلام، وأنه اعتكف ليلة إحدى وعشرين، قال أبو سعيدٍ:

مُطِرنا ليلة إحدى وعشرين، فوَكَف المسجد في مصلى رسول الله ، فنظرت إليه وقد انصرف من صلاة الصبح ووجهه مبتلٌّ طينًا وماءً [85].

وكان قد قال : رأيتُني أسجد في ماءٍ وطينٍ [86].

طيب، هل هذا يدل على أن تلك الليلة كانت هي ليلة القدر؟ لا يدل؛ لأنه سيأتينا الآن في حديث عبدالله بن أنيسٍ أنه أيضًا: رآه يسجد في ماءٍ وطينٍ في ليلة ثلاثٍ وعشرين، والمطر إذا نزل في الغالب يتتابع، يعني ليست علامةً قاطعةً على أن تلك الليلة هي ليلة القدر.

ساق المصنف أيضًا حديث أبي سعيدٍ بروايةٍ أخرى، ثم ساق أيضًا حديث عبدالله بن أنيسٍ :

أن رسول الله ، قال: أُرِيت ليلة القدر ثم أُنسيتها، وأُراني صبحها أسجد في ماءٍ وطينٍ، قال: فمُطرنا ليلة ثلاثٍ وعشرين [87].

في ليلة ثلاثٍ وعشرين، وحديث أبي سعيدٍ : ليلة إحدى وعشرين.

فصلَّى بنا رسول الله ، فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه [88].

فإذنْ رؤيا أثر الماء والطين على جبهة النبي عليه الصلاة والسلام ليلة إحدى وعشرين، وليلة سبعٍ وعشرين أيضًا.

ثم ساق المصنف حديث ابن مسعودٍ : قال زِرُّ بن حُبَيْشٍ:

سألتُ أُبيَّ بن كعبٍ، قلت: إن أخاك ابن مسعودٍ يقول: من يَقُم الحول؛ يصب ليلة القدر؟ فقال: رحمه الله، أراد ألا يتكل الناس، ثم قال أُبيٌّ: أما إنه قد علم أنها في رمضان، وأنها في العشر الأواخر، وأنها ليلة سبعٍ وعشرين [89].

يعني.. أبي بن كعبٍ جزم بأن ليلة القدر ليلة سبعٍ وعشرين.

ثم حلف لا يستثني أنها ليلة سبعٍ وعشرين، قلت: فبأي شيءٍ تقول ذلك يا أبا المنذر؟ قال: بالعلامة -أو بالآية- التي أخبرنا بها رسول الله : أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها [90].

وكان أُبيٌّ قد راقب الشمس في عدة سنواتٍ، فوجد أنها تطلع صبيحة سبعٍ وعشرين لا شعاع لها، مراقبة الخبير، وليس مثل بعض الناس الذين تأتيهم تهيُّئاتٌ نفسيةٌ، فتارةً يقولون: ليلة إحدى وعشرين، وتارةً خمسٍ وعشرين، وتارةً..

أُبيُّ بن كعبٍ راقب الشمس مراقبة الخبير، فوجد أنها تطلع صبيحة سبعٍ وعشرين لا شعاع لها؛ ولهذا فهي أرجى الليالي موافقةً لليلة القدر، وهذا هو قول جمهور الصحابة، وأيضًا هو المذهب عند الحنابلة: أن أرجى الليالي هي ليلة سبعٍ وعشرين.

ثم ساق حديث أبي هريرة ، قال:

تذاكرنا ليلة القدر عند رسول الله ، فقال: أيكم يذكر حين طلع القمر وهو مثل شِقِّ جَفْنَةٍ؟ [91].

ومثل شِق يعني: على هيئة نصف الجفنة، بأن يكون هلاليًّا، الهلال.. وهذا غالبًا يكون في آخر الشهر، ويعني إما أن يكون مثلًا ليلة سبعٍ وعشرين، أو ثمانٍ وعشرين، أو تسعٍ وعشرين، هذا هو الوصف الوارد في الحديث.

والأقرب: أن ليلة القدر ثابتةٌ لا تتنقل، هذا هو ظاهر النصوص، وظاهر المنقول عن الصحابة؛ لأن ليلة القدر إنما اكتسبت شرفها من نزول القرآن فيها: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1]، والقول بالتنقل ينافي هذا المعنى.

أرأيت عاشوراء، عاشوراء: العاشر من محرمٍ، هل يمكن أن يتنقل؟ لا يمكن، هو ثابتٌ في العاشر من محرمٍ، وأيضًا الليلة التي نزل فيها القرآن هي ليلة القدر، كيف ينزل القرآن مثلًا ليلة سبعٍ وعشرين، ثم نقول: إن ليلة القدر يمكن تكون ليلة إحدى وعشرين، هذا بعيدٌ.

وأيضًا لو كانت تتنقل؛ لكان النبي عليه الصلاة والسلام لمَّا أُنسِيَها في ذلك العام؛ أخبر بها في العام الذي بعده.

فالأقرب -والله أعلم- أنها ثابتةٌ، وأن أرجاها ليلة سبعٍ وعشرين.

كتاب الاعتكاف

ثم قال: كتاب الاعتكاف

اعتكاف العشر الأواخر.

والاعتكاف: هو التعبد لله تعالى في التزام المسجد لطاعة الله .

تكلمنا عنه في “السلسبيل” كلامًا مفصلًا.

ساق المصنف عدة أحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ منها: حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه عليه الصلاة والسلام: كان يعتكف العشر الأواخر [92]، وأنه اعتكف العشر الأواخر حتى توفاه الله ​​​​​​​، ثم اعتكف أزواجه من بعده [93].

ولذلك فالاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان سنة مؤكدة للرجال والنساء.

قال:

باب متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه

وساق حديث عائشة رضي الله عنها:

كان رسول الله إذا أراد أن يعتكف؛ صلى الفجر، ثم دخل معتكفه [94].

والمراد بذلك ليس المسجد، فإن المسجد كان عليه الصلاة والسلام يدخل معتكفه قبل غروب شمس ليلة إحدى وعشرين، لكن المقصود في هذا الحديث المعتكف الخاص؛ يعني كان للنبي عليه الصلاة والسلام في المسجد معتكفٌ خاصٌّ، كان يجلس فيه بعد الفجر، هذا مقصود: “صلى الفجر ثم دخل معتكفه”.

وإنه أمر بخبائه فضرب، أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، فأَمَرتْ زينب بخبائها فضرب، وأَمَر غيرُها من أزواج النبي بخبائه فضرب، فلما صلى رسول الله الفجر؛ نظر فإذا أخبية أزواجه، فقال: آلْبِرَّ أردتن؟، فأمر بخبائه فقُوِّض، وتَرَك الاعتكاف في شهر رمضان، حتى اعتكف في العشر الأُوَل من شوالٍ [95].

يعني زوجات النبي عليه الصلاة والسلام تنافسن، كل واحدةٍ وضعت لها خباءً، فكأنه عليه الصلاة والسلام رأى التنافس وعدم الإخلاص، فقال: هذه السَّنَة لن أعتكف، فلم يعتكف في العشر الأواخر، وزوجاته لم يعتكفن، ثم قضى ذلك فاعتكف العشر الأُوَل من شوالٍ؛ وهذا يدل على أن الاعتكاف لا يختص بالعشر الأواخر من رمضان، وإنما يمكن أن يكون في أي يومٍ من أيام السنة.

الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان

باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان

ساق الإمام مسلمٌ حديث عائشة رضي الله عنها، قالت:

كان رسول الله إذا دخل العشر؛ أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجَدَّ وشَدَّ المِئْزر [96].

كان عليه الصلاة والسلام يخلط العشرين الأولى من رمضان بصلاةٍ ونومٍ، فإذا دخلت العشر الأواخر؛ أحيا ليله، وأيقظ أهله، وشدَّ المئزر، فكان عليه الصلاة والسلام إذا دخلت العشر؛ انقطع عن الدنيا، وانقطع عن الناس، وتفرغ للعبادة، وجلس في معتكفه عليه الصلاة والسلام يتعبد لله .

وقولها: “وشدَّ المِئزر”، قيل: إن المعنى: المبالغة في الاجتهاد؛ لأن الإنسان إذا أراد أن يعمل عملًا جادًّا؛ شدَّ مئزره؛ حتى لا ينفلت عليه مع العمل، وقيل: كنايةٌ عن عدم إتيان النساء، وكلا المعنيين صحيحٌ، كلاهما صحيحٌ.

وهذا يدل على أن المسلم ينبغي له عند دخول العشر الأواخر أن يجتهد في الطاعة؛ فإن العشر الأواخر فيها ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهرٍ، وإن تيسر له أن يعتكف العشر الأواخر؛ فهذا هو الأكمل والأفضل، وهو هَدي النبي .

ثم ساق حديث عائشة رضي الله عنها:

كان رسول الله يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره [97].

صوم عشر ذي الحجة

ثم ختم قال:

باب صوم عشر ذي الحجة

وساق حديث عائشة رضي الله عنها، قالت:

ما رأيت رسول الله صائمًا في العشر قط [98].

 ثم ذكر الرواية الأخرى:

لم يصم العشْر [99].

وكونه عليه الصلاة والسلام لم يصم العشر، يعني جاء في روايةٍ عند أحمد، عن إحدى زوجات النبي عليه الصلاة والسلام: أنه كان يصوم تسع ذي الحجة [100]، لكن رواية حديث عائشة رضي الله عنها أصح.

لكن حتى لو كان لم يصم في عشر ذي الحجة؛ فإنه عليه الصلاة والسلام قد يأمر بالشيء ولا يفعله؛ لانشغاله بمصالح أرجح، فيكفينا قوله عليه الصلاة والسلام: ما من أيامٍ العمل فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر [101]، ويدخل في ذلك الصوم.

ولذلك يستحب صيام التسعة الأيام الأولى من شهر ذي الحجة، أو صيام ما تيسر منها، ويتأكد من ذلك يوم عرفة.

وأما قول من قال: إنه لا يستحب صيام التسعة الأيام الأُوَل من ذي الحجة، ويستدل بحديث عائشة رضي الله عنها، فنقول: طيب، أفضل الصيام، ما هو؟ أليس صيام داود ؟ كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، طيب، النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يفعله، هل نقول: إن صيام يومٍ وإفطار يومٍ ليس مستحبًّا؟

كون النبي عليه الصلاة والسلام لم يصم تسع ذي الحجة، لا يدل على عدم استحباب صيامها؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قد لا يفعل الشيء لانشغاله بمصالح أرجح، لكنه حث عليه بقوله، كما في صيام يومٍ وإفطار يومٍ.

وبهذا نكون قد انتهينا من التعليق على كتاب الصيام في “صحيح مسلمٍ”.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

طيب، نجيب عما تيسَّر من الأسئلة:

الأسئلة

السؤال: كيف نجمع بين أن يوصي الزوج زوجته بالمكث في بيته، وبين حديث: لا وصية لوارثٍ؟

الجواب: حديث: لا وصية لوارثٍ [102]، المقصود بذلك الوصية بمالٍ، أما هذه فوصيةٌ بأن تسكن، وصية للزوج بأن يوصي الورثة بأن يُمكِّنوا الزوجة من السكنى، خاصةً إذا كانت فقيرةً أو محتاجةً.

السؤال: هل تبرأ ذمة من يودع في حساب إبراء الذمة؟

الجواب: نعم، حساب إبراء الذمة هذا أنشئ ليضع الإنسان فيه ما دخل عليه من أموالٍ مشتبهةٍ من غير محاسبةٍ؛ يعني دخل عليك مالٌ مثلًا خارِجَ دوامٍ، وأنت لم تعمل خارج دوامٍ، وتحرَّجت من هذا المبلغ، فتضعه في حساب إبراء الذمة، وتبرأ ذمتك بذلك إن شاء الله.

السؤال: ضابط القصر في السفر، هل هي مسافة (80 كيلو)، أو العرف؟

الجواب: العرف نظريًّا أضبط، لكن العرف الآن مضطربٌ، لو خرجنا نحن الآن من مدينة “الرياض”، وقلنا: ما هو العرف؟ لاختلفنا، فالعرف مضطربٌ وغير مطردٍ، خاصةً في الوقت الحاضر، فلا بد من التحديد.

ثم أيضًا قول النبي عليه الصلاة والسلام: لا يحل لامرأةٍ أن تسافر مسيرة يومٍ وليلةٍ، إلا ومعها ذو محرمٍ [103]، فكأنه عليه الصلاة والسلام يقول: لا يحل لها أن تسافر أدنى مسافةِ سفرٍ، وعبَّر عن ذلك باليوم والليلة، واليوم والليلة تعادل (80 كيلومترًا).

وأيضًا هذا هو المأثور عن الصحابة؛ كابن عباسٍ وابن عمر ، كانوا يقولون: “يا أهل مكة، لا تَقصروا في أقل من أربعة بُرُدٍ”، وأربعة بردٍ تعادل (80 كيلومترًا).

فالأقرب -والله أعلم- أن أقل مسافةٍ للسفر: هي (80 كيلومترًا).

السؤال: هل لُبْس الثوب نِصْفَ الساق من السُّنة؟ وهل هو في وقتنا الحاضر من الشُّهرة؟

الجواب: مجموع الأحاديث الواردة يدل على أن السُّنة أن يكون الثوب فوق الكعب، وقال بعض أهل العلم: إن السُّنة أن يكون لنصف الساق، ولكن هذا قولٌ مرجوحٌ؛ لأن جميع الأحاديث التي فيها: أن الثوب يكون إلى نصف الساق مقرونةٌ بالنهي عن الإسبال.

ومما يدل لذلك: أن أبا بكرٍ لم يكن يفعل هذا، لم يكن يجعل ثوبه إلى نصف الساق، فلما سمع النبي يقول: من جر ثوبه خُيَلاء؛ لم ينظر الله إليه يوم القيامة. قال: يا رسول الله، إن إزاري يسترخي، إلا أن أتعاهده [104].

فلو كان إزار أبي بكرٍ إلى نصف الساق؛ لكان إذا استرخى إلى ما تحت الكعب انكشفت عورته.

فالأقرب -والله أعلم- من مجموع الروايات: أن السُّنة هو أن يكون الثوب فوق الكعب، وأنه لا يستلزم أن يكون إلى نصف الساق، بل إنه في الوقت الحاضر ربما إذا كان إلى نصف الساق قد يكون لِبَاسَ شُهرةٍ، إذا كان في البلد ليس فيه إلا هو مثلًا، قد يكون هذا شهرةً، وقد ورد النهي عن لباس الشهرة [105].

السؤال: من دُعي إلى طعامٍ وهو صائمٌ، هل الأفضل الإجابة، أو السكوت؟

الجواب: الأفضل الإجابة؛ كما جاء في الحديث: فليقل: إني امرؤٌ صائمٌ [106]، وبعض الناس عندهم مبالغةٌ في هذا، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: إذا دُعي أحدكم إلى طعامٍ؛ فليقل: إني امرؤٌ صائمٌ، ما المانع من أن يقول: إني امرؤٌ صائمٌ؟ ليس في هذا رياءٌ، بل في هذا تشجيعٌ للناس على صيام النافلة، وهكذا لو سابَّه أحدٌ أو قاتله وهو صائمٌ؛ يقول: إني امرؤٌ صائمٌ، ليس في هذا رياءٌ.

السؤال: ما الأفضل لطالب العلم في رمضان: قراءة القرآن، أو حفظه، أو قراءة كتب العلم؟

الجواب: الأفضل أن يُكثر من تلاوة القرآن، وأن يتعاهد ما تيسَّر من حفظه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يدارسه جبريل كل ليلة في رمضان [107]، وشهر رمضان هو شهر القرآن، فيجمع بين هذا وهذا، ولا مانع أيضًا من أن يقرأ في بعض كتب أهل العلم، فالمهم أن يُحسن الإفادة من وقته في رمضان، لكن ينبغي أن يركز على كثرة التلاوة من القرآن في شهر القرآن، في شهر رمضان.

السؤال: من نسي وهو صائمٌ، فهل يقال: أطعمه الله وسقاه برمضان، ويكون أجره مثل أجر من لم يفطر ناسيًا؟

الجواب: نعم، يكون أجره مثل أجر من لم يفطر ناسيًا؛ لأنه لم يتعمد، وإنما أفطر ناسيًا، فأطعمه الله وسقاه، وصومه صحيحٌ.

السؤال: هل حديث: لا تزد على ذلك [108]، في ختم القرآن، هل يعتبر خلافًا للسنة: خَتْمُ القرآن كل يومٍ؟

الجواب: لا يعتبر خلافًا للسنة، والنبي عليه الصلاة والسلام إنما كان يُوجِّه عبدالله بن عمر رضي الله عنهما الذي كان شدَّد على نفسه؛ كان يصوم الدهر، ويقوم الليل، فبلغ به النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن يختم القرآن في كل سبعة أيامٍ ختمةً، لكن جمهور أهل العلم يقولون: لو أراد أن يختمه في أقل؛ فلا بأس.

السؤال: خالي لديه نزاعٌ مع والدتي، وقد آذاها، ولن يتوقف حتى أتدخل أنا، لكن والدتي حلفت إذا تدخلتُ أنها لا تحللني؟

الجواب: ينبغي أن تتدخل وتُصلح، ولا تخبر والدتك بذلك؛ لأن تدخلك فيه إصلاحٌ، فالله يقول: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114]، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: ألا أخبركم بما هو أفضل من درجة الصوم والصلاة والصدقة؟ إصلاح ذات البين [109]، رواه الترمذي بسندٍ صحيحٍ.

إصلاح ذات البين درجته أعلى من درجة الصوم والصلاة والصدقة، أجره عظيمٌ: فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114]، فكونك تصلح بين خالك ووالدتك، هذا فيه أجرٌ عظيمٌ، ولا تخبر والدتك بذلك، وإن علمتْ فقل: إنما أردت الإصلاح، وتلطَّف معها.

السؤال: ما تفسير قوله : تحروها في السبع الأواخر؟

الجواب: يعني: اجتهدوا في السبع الأواخر؛ حتى توافقوا ليلة القدر.

السؤال: لماذا بوَّب النووي صوم عشر ذي الحجة في كتاب الاعتكاف؟

الجواب: هذا غير ظاهرٍ، الترتيب فيه إشكالاتٌ مرت معنا، كما في “سَرَر شعبان”، يعني جزَّأه أيضًا، والتبويب هنا يعني فيه إشكالٌ، كان ينبغي أن يكون صيام عشر ذي الحجة مع صيام النافلة.

السؤال: هل للاعتكاف قضاءٌ؟

الجواب: نعم، النبي عليه الصلاة والسلام كان من عادته أنه يعتكف في العشر الأواخر، وفي تلك السَّنة التي حصل فيها التنافس بين زوجاته لم يعتكف، وقضى ذلك في شوالٍ؛ وهذا يدل على أن من كان له سُنة قد اعتادها، ولم يتيسر له أن يأتي بها؛ أن يقضيها.

السؤال: إذا رأيتُ رجلًا يأكل في رمضان: فهل أنهاه، أو أسكت؛ لأن الله أطعمه وسقاه؟

الجواب: بل تنهاه؛ لأن هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو معذورٌ، لكنك أنت لست معذورًا في أن تنكر عليه، فتُنَبِّهُه بأن الوقت وقت رمضان، وأنه صائمٌ، هذا هو القول الراجح في المسألة، أما القول بأنك تتركه، فهذا غير صحيحٍ، فهو إنما أطعمه الله وسقاه، يعني: فيما يتعلق به هو، أما أنت فمطلوبٌ منك أن تنبهه.

السؤال: ما أقل مدةٍ للاعتكاف؟

الجواب: أقل مدةٍ للاعتكاف، قال بعض العلماء: إنه يومٌ وليلةٌ، ولكن هذا لا دليل عليه، والأقرب -والله أعلم- أن أقل مدةٍ للاعتكاف: ما يسمى اعتكافًا عرفًا، يعني: مثلًا خمس دقائق، لا تسمى اعتكافًا عرفًا، لكن مثلًا ثلاث ساعاتٍ تسمى اعتكافًا عرفًا.

وعلى ذلك: فلو نويت الاعتكاف من حين دخولك المسجد لصلاة التراويح إلى حين خروجك بعد صلاة الوتر وصلاة التهجد فلا بأس؛ لأن بعض الناس يقول: أنا سأبقى في المسجد، خاصةً في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر، فيبقى في المسجد من حين مجيئه لصلاة العشاء والتراويح، ويستمر، ولا يخرج من المسجد إلا بعد صلاة التهجد، فهنا ينبغي له أن ينوي ذلك اعتكافًا.

السؤال: هل يمكن أن أعتكف قبل العشر الأواخر، أو رمضان كاملًا؟

الجواب: لا بأس، الاعتكاف مشروع طوال أيام السَّنة، لكن الأفضل أن يكون في العشر الأواخر.

السؤال: إمام مسجدٍ يقرأ من المصحف في صلاة الفريضة، فما الحكم؟

الجواب: ينبغي ألا يقرأ من المصحف في صلاة الفريضة؛ لأن بعض المذاهب الفقهية يرون بطلان الصلاة، وهو مذهب الحنفية، يرون بطلان الصلاة، وصلاة الفريضة يُحتاط لها؛ فينبغي أن يقرأ مما يحفظ، ولو من قصار السور.

أما صلاة النافلة، فبابها واسعٌ، وقد ورد عن بعض السلف أنهم يقرءون من المصحف في صلاة التراويح، فلا بأس بالقراءة من المصحف في صلاة النافلة.

أما صلاة الفريضة، فينبغي ألا يقرأ من المصحف فيها، خاصةً أن بعض الفقهاء يرون بطلان الصلاة في هذه الحال.

السؤال: هل دم اللثة يفسد الصوم؟

الجواب: لا يفسد الصوم، بشرط أن يلفظه ولا يبتلعه.

السؤال: ما حكم من عليه قضاءٌ ولم يصمه حتى أدركه رمضان؟

الجواب: يأثم بذلك إذا لم يكن له عذرٌ، وعليه التوبة إلى الله ، ويقضيه بعد رمضان، ويستحب له أن يطعم عن كل يومٍ مسكينًا.

السؤال: كيف يكون انعقاد نية الصوم؟

الجواب: من علم أن غدًا من رمضان؛ فقد نوى، ومن تسحر؛ فقد نوى، والنية تتبع العلم؛ ولذلك ينبغي ألا يدقق الإنسان كثيرًا في قضية النية في الصوم؛ يعني مثلًا: نحن نعلم الآن أن رمضان هو يوم الخميس، كلنا قد نوينا الصوم بهذا العلم، فتكفي هذه النية، وتكفي النية عن رمضان كله، إلا إذا أفطر الإنسان بعذرٍ؛ كامرأةٍ أتاها الحيض وأفطرت ثم طهرت، فهنا عليها أن تجدد نية الصوم.

السؤال: ما حكم مُعلَّقات البخاري؟

الجواب: معلقات البخاري: ما كان بصيغة الجزم؛ فله حكم الموصول، وما كان بصيغة التمريض؛ فهذا لا يُحكم له بالصحة ولا بالضعف، وإنما يُنظر في سنده.

فإذا جزم البخاري وقال: قال رسول الله كذا؛ فحكمه حكم الموصول، أما إذا قال: رُوي؛ فهنا يُنظر فيه.

طيب، لعلنا نختم بهذا:

السؤال: ما حكم جمع الشفع والوتر بتسليمةٍ واحدةٍ؟

الجواب: لا بأس بذلك؛ يعني يصلي ثلاث ركعاتٍ بتشهدٍ واحدٍ وتسليمٍ واحدٍ، لا بأس بذلك، لكن ينبغي ألا يكون هو الغالب، وأن يكون الغالب الفصل: يصلي ركعتين ثم يسلم، ثم يأتي بركعةٍ؛ لأن هذا هو الغالب من هَدي النبي ؛ ولقوله عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح؛ فليوتر بواحدةٍ [110].

وبعض الناس طوال رمضان يصلي ثلاث ركعاتٍ بتشهدٍ واحدٍ وسلامٍ واحدٍ، وهذا خلاف السنة، بل ينبغي أن يكون الغالب عليه هو الفصل: يصلي ركعتين ثم ركعةً، لكن لو سَرَدها أحيانًا ثلاث ركعاتٍ بتشهدٍ واحدٍ وسلامٍ واحدٍ أحيانًا على غير الغالب؛ فلا بأس.

ونكتفي بهذا القدر.

ونسأل الله تعالى أن يُبلِّغنا جميعًا رمضان، وأن يوفقنا فيه لصالح الأعمال، وأن يجعلنا ممن يصومه ويقومه إيمانًا واحتسابًا، وأن يجعلنا ممن يغفر له في هذا الشهر، وأن يجعلنا من عتقائه من النار.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 1945، ومسلم: 1122.
^2 رواه البخاري: 4279، ومسلم: 1113.
^3, ^4, ^5 رواه مسلم: 1113.
^6 رواه مسلم: 1114.
^7 رواه مسلم: 1115.
^8 رواه مسلم: 1116
^9 سبق تخريجه.
^10 رواه مسلم: 1119.
^11 رواه مسلم: 1120.
^12 رواه مسلم: 1121.
^13 رواه مسلم: 1122.
^14 رواه مسلم: 1123.
^15 رواه أبو داود: 2440، وابن ماجه: 1732، أحمد: 8031.
^16 رواه مسلم: 1125.
^17 رواه مسلم: 1126.
^18 رواه مسلم: 1127.
^19 رواه مسلم: 1130.
^20 رواه مسلم: 1133.
^21 رواه مسلم: 1134.
^22 رواه مسلم: 1135.
^23 رواه مسلم: 1136.
^24 رواه مسلم: 1137.
^25 رواه مسلم: 827.
^26 رواه مسلم: 1141.
^27 رواه البخاري: 1998.
^28 رواه مسلم: 1143.
^29, ^30 رواه مسلم: 1144.
^31 رواه مسلم: 1145.
^32 رواه مسلم: 1146.
^33 رواه مسلم: 1147.
^34 رواه مسلم: 1148.
^35 رواه مسلم: 1149.
^36 رواه مسلم: 1150.
^37 رواه أحمد: 26893، والترمذي: 732.
^38, ^41, ^43, ^44, ^45 رواه مسلم: 1151.
^39 رواه البخاري: 1894.
^40 رواه البخاري: 1903.
^42 رواه النسائي: 2220، وأحمد: 22140.
^46 رواه مسلم: 1152.
^47 رواه مسلم: 1153.
^48, ^49 رواه مسلم: 1154.
^50 رواه مسلم: 1155.
^51, ^52, ^53 رواه مسلم: 1156.
^54 رواه مسلم: 782.
^55 رواه البخاري: 2996.
^56, ^57, ^58, ^60 رواه مسلم: 1159.
^59 رواه البخاري: 1975، ومسلم: 1159.
^61 رواه أبو داود: 1390، وابن ماجه: 1347، وأحمد: 6775.
^62 رواه مسلم: 1160.
^63 رواه أحمد: 21334، والنسائي في “الصغرى”: 2422.
^64, ^65, ^66 رواه مسلم: 1161.
^67, ^68, ^69, ^70, ^71, ^74, ^75, ^76 رواه مسلم: 1162.
^72 رواه مسلم: 732.
^73 رواه 1162.
^77, ^78 رواه مسلم: 1163.
^79 رواه مسلم: 1164.
^80, ^81, ^82 رواه مسلم: 1165.
^83 رواه مسلم: 1166.
^84 رواه البخاري: 49.
^85, ^86 رواه مسلم: 1167.
^87, ^88 رواه مسلم: 1168.
^89, ^90 رواه مسلم: 762.
^91 رواه مسلم: 1170.
^92 رواه مسلم: 1171.
^93 رواه مسلم: 1172
^94 رواه مسلم: 1173.
^95 رواه مسلم: 1173
^96 رواه مسلم: 1174.
^97 رواه مسلم: 1175.
^98, ^99 رواه مسلم: 1176.
^100 رواه وأبو داود: 2437، وأحمد: 22334.
^101 رواه أبو داود: 2438، وأحمد: 6154.
^102 رواه أبو داود: 2870، وأحمد: 17666.
^103 رواه البخاري: 1088، ومسلم: 1339.
^104 رواه البخاري: 5784
^105 رواه أبو داود: 4029، وابن ماجه: 3606، 3607، وأحمد: 5664.
^106 رواه البخاري: 1904، ومسلم: 1904.
^107 رواه البخاري: 6.
^108 رواه البخاري: 5054، ومسلم: 1159.
^109 رواه أبو داود: 4919، والترمذي: 2509.
^110 رواه البخاري: 990، ومسلم: 749.
zh