عناصر المادة
- كتابُ الصِّيام
- باب: فضل شهر رمضان
- باب: وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال
- باب: لا تَقَدَّموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين
- باب: الشهر يكون تسعًا وعشرين
- باب: بيان أن لكلِّ بلدٍ رؤيتهم
- باب: بيان أنه لا اعتبار بكبر الهلال وصغره
- باب: بيان معنى قوله : شَهْرَا عِيدٍ لا يَنْقُصان
- باب: بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر
- باب: فضل السحور، وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره، وتعجيل الفطر
- باب: بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار
- باب: النَّهي عن الوِصَال في الصوم
- باب: بيان أن القُبلة في الصوم ليست مُحرَّمةً على مَن لم تُحرك شهوته
- باب: صحة صوم مَن طلع عليه الفجر وهو جُنُبٌ
- باب: تغليظ تحريم الجِماع في نهار رمضان على الصائم
- الأسئلة
تأملوا -أيها الإخوة- هذا الحديث العظيم: مَن يُرد الله به خيرًا يُفقهه في الدين [1] يعني: إذا رأيتَ من نفسك الحرص على التَّفقه في دين الله فهذه أمارةٌ -إن شاء الله- على أنه أُريد بك الخير.
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه واتَّبع سُنته إلى يوم الدين.
اللهم لا علمَ لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.
ربنا آتنا من لدنك رحمةً، وهيِّئ لنا من أمرنا رشدًا.
هذا هو الدرس السابع والسبعون في شرح “صحيح مسلم” في هذا اليوم الثلاثاء الثاني والعشرين من شهر شعبان من عام 1444 للهجرة.
وكنا قد أعلنَّا عن أن التعليق سيكون على كتاب “الصيام” من “صحيح مسلم”، وكتاب “الصيام” من “صحيح مسلم” طويلٌ، لكن الإمام مسلمًا -كما مرَّ معنا في الدروس السابقة– يذكر الرواية الصحيحة ثم يُتْبِعها برواياتٍ كثيرةٍ، وأحيانًا تكون مُتابعاتٍ، وأحيانًا من باب التَّنبيه على ضعفها، فالروايات المُتكررة سنكتفي منها بروايةٍ واحدةٍ إلا إذا كانت فيها زيادةٌ أشرنا إليها.
وبهذا -إن شاء الله- ننتهي من كتاب “الصيام” الأسبوع القادم إذا سِرْنَا بهذه الطريقة، وليست الطريقة السابقة، ففي الطريقة السابقة كنا نأخذ كلَّ روايةٍ ونشرحها، لكن حتى نُنْهِي كتاب “الصيام” سنكتفي بالرواية الأولى، وأما الروايات الأخرى التي بمعناها فتكفي عنها أو تُغْنِي عنها الرواية الأولى.
والإمام مسلمٌ في هذا الكتاب لم يُرتبه على منهجيةٍ معينةٍ، فتارةً يأتي بفضائل رمضان، ثم بعد ذلك ينتقل لرؤية الهلال، ثم لبعض الأحكام، ثم يتكلم عن بعض الفضائل، ثم الصوم في السفر، ثم يرجع لصيام التطوع، ثم يرجع لفضائل الصوم، فليست هناك منهجيةٌ واضحةٌ في الترتيب، لكننا سنسير على ترتيب الإمام مسلم؛ لأن هذا الدرس هو في التعليق على “صحيح مسلم”، فسنسير على ترتيبه.
والبخاري في التبويب والتَّراجم أجود؛ ولذلك يُقال: فِقْه البخاري في تراجمه، وإن كان الإمام مسلمٌ في سَرْدِ الروايات أيضًا مُتميزًا، ولكلٍّ منهما طريقته.
كتابُ الصِّيام
قال:
كتابُ الصِّيام.
الإمام مسلمٌ لم يُترجم الأحاديث، وإنما الذي ترجم هو النووي، فهو الذي أتى بالتراجم.
“كتاب الصيام”، و”الصيام” معناه في اللغة: الإمساك، وهذه المادة تعني: الإمساك، ومنه قول الله تعالى عن مريم عليها السلام: فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا [مريم:26]، صَوْمًا يعني: إمساكًا عن الكلام، ومنه قول الشاعر:
خيلٌ صِيَامٌ وأخرى غيرُ صائمةٍ | تحت العَجَاجِ وأخرى تَعْلُكُ اللُّجُمَ |
“خيلٌ صيامٌ” يعني: مُمسكة عن الصَّهِيل، فهذه المادة تعني: الإمساك.
وأما شرعًا: فهو التَّعبد لله بالإمساك عن الأكل والشرب وسائر المُفَطِّرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
هذا أحسنُ ما قيل في تعريفه، فلا بد من إضافة كلمة “التَّعبد”؛ لأنه لو كان إمساكًا من غير تعبُّدٍ فلا يُعتبر صومًا شرعًا.
باب: فضل شهر رمضان
قال:
باب: فضل شهر رمضان.
وابتدأ المؤلف هذا الباب بحديث:
أبي هريرة : أن رسول الله قال: إذا جاء رمضان فُتِّحَتْ أبواب الجنة، وغُلِّقَتْ أبواب النار، وصُفِّدَت الشياطين [2].
قوله: إذا جاء رمضان، وأيضًا جاء في الحديث الآخر: مَن صام رمضان [3]، فيه دليلٌ على أنه لا بأس بأن يُقال: “رمضان” من غير إضافة كلمة “شهر”، وفيه ردٌّ على مَن قال: لا يُقال “رمضان”، وإنما يُقال: “شهر رمضان”، ويستدلون بما يُرْوَى حديثًا: لا تقولوا رمضان؛ فإن رمضان اسمٌ من أسماء الله [4]، ولكن هذا الحديث أخرجه البيهقي، وهو حديثٌ ضعيفٌ، بل مُنكرٌ؛ لمُخالفته للأحاديث الصحيحة.
ورمضان ليس من أسماء الله، وأسماء الله تتضمن الكمالات، فكلُّ اسمٍ يتضمن كمالًا، فرمضان ليس من أسماء الله قطعًا.
والتعبير أيضًا برمضان من غير إضافة “شهر” جاء في بعض الأحاديث، ومنها هذا الحديث، وحديث: مَن صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر [5]، وما جاء في معناه.
وعلى ذلك فلا بأس بأن يقال: “رمضان” من غير أن يُقْرَن ذلك بكلمة “شهر”.
قال: فُتِّحَتْ أبواب الجنة، وأبواب الجنة ثمانيةٌ، ومنها: باب الرَّيَّان الذي يختص به الصائمون، ولكنها أبوابٌ عظيمةٌ جدًّا، ما بين مِصْرَاعَي كلِّ بابٍ وبابٍ مسيرة أربعين عامًا، أبوابٌ عظيمةٌ جدًّا.
أبواب الجنة ثمانيةٌ، وأبواب النار سبعةٌ: لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ [الحجر:44].
فتُفتَّح أبواب الجنة إذا دخل شهر رمضان، وتُغلق أبواب النار إذا دخل شهر رمضان؛ وذلك ترغيبًا للصائمين لكي يستكثروا من الأعمال الصالحة ومن الطاعات، ويَكُفُّوا عن المعاصي، ففيه تشجيعٌ لهم على الإقبال على الطاعات لكون أبواب الجنة قد فُتحتْ، والكفُّ عن المعاصي، فإن أبواب النار قد أُغلقتْ.
ففي هذا الشهر من كل عامٍ تُفتح أبواب الجنة الثمانية، وتُغلق أبواب النار السبعة، من دخول شهر رمضان إلى انتهائه.
قال: وصُفِّدت الشياطين جاء في بعض الروايات: مَرَدَة الشياطين [6]، فيكون التَّصفيد للمَرَدَة فقط، وليس لجميع الشياطين، فلا يَخْلُصون إلى ما كانوا يخلصون إليه من قبل.
ولا يَرد على هذا: أنَّ من الناس مَن يزداد فِسْقُه وتكثر سيئاته في رمضان؛ لأن العبرة بالأعمِّ الأغلب، والأعمُّ الأغلب على المسلمين أن الخير يكون منهم أكثر، وإقبالهم على الطاعة يكون أكثر، وكفَّهم عن المعاصي أكثر من غير رمضان من شهور العام، فالعبرة بالأغلب.
وهل المراد: تصفيد جميع الشياطين التي تُضِلُّ بني آدم؟
الجواب: لا، وإنما فقط المَرَدَة، وأما غير المَرَدَة فقد يحصل منهم إضلالٌ للخلق، وهذا أمرٌ واقعٌ، فقد يكون منهم إضلالٌ ووسوسةٌ للخلق، لكن الذي يُصَفَّد إنما هم المَرَدَة، فلا يَخْلُصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غير رمضان.
فهذه الأمور الثلاثة من خصائص هذا الشهر:
- أنه تُفتح فيه أبواب الجنة.
- وتُغلق فيه أبوابُ النار.
- وتُصفَّد فيه الشياطين.
ثم ساق المُصنف الحديث بروايةٍ أخرى:
إذا كان رمضان فُتحتْ أبواب الرحمة.
والمراد بالرحمة: الجنة، كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: أنتِ رحمتي، أرحم بكِ مَن أشاء [7].
وغُلِّقتْ أبوابُ جهنم، وسُلْسِلَت الشياطين [8].
وهو بمعنى الحديث السابق.
باب: وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال
ننتقل بعد ذلك إلى:
باب: وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال، وأنه إذا غُمَّ في أوله أو آخره أُكْمِلَتْ عدةُ الشهر ثلاثين.
ساق المصنف حديث:
ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي قال: لا تصوموا حتى تَرَوا الهلال، ولا تُفْطِروا حتى تَرَوه، فإن أُغْمِيَ عليكم فاقدروا له [9].
لا تصوموا حتى تَرَوا الهلال، ولم يقل: حتى يُهِلَّ الهلال، وهذا يدل على أن المُعتبر هو الرؤية، ونظير ذلك قول الله : وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187]، ولم يقل: حتى يطلع الفجر، وإنما حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ.
وقوله: فإن أُغْمِيَ عليكم نائبُ الفاعل ضمير مُستتر يعود على الهلال -هلال الشهر-: فإن أُغْمِيَ هلال الشهر، وفي الرواية الأخرى: فإن غُبِّيَ عليكم [10]، وفي لفظٍ: فإن غُمَّ عليكم [11]، ومعناها مُتقاربٌ.
فاقدروا له قيل: إن معنى فاقدروا له يعني: ضَيِّقوا عليه بأن يُجْعَل شهر شعبان تسعةً وعشرين يومًا.
وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة؛ ولذلك قالوا: إنه يُصام يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غَيْمٌ أو قَترٌ.
بل إن المُتأخرين من فُقهاء الحنابلة قالوا: إن ذلك واجبٌ؛ استدلالًا بفعل ابن عمر رضي الله عنهما، ولم يَرَوا أن ذلك هو يوم الشك، وقالوا: إن يوم الشك هو يوم الثلاثين إذا كان الجو صَحْوًا.
وهذا قولٌ مرجوحٌ، والقول الراجح: أن يوم الشك هو يوم الثلاثين إذا حال دون رؤية الهلال غَيْمٌ أو قَترٌ، وأنه لا يجوز صيام ذلك اليوم؛ لأنه هو يوم الشك، كما قال عمار بن ياسر : “مَن صام اليوم الذي يَشُك فيه الناسُ فقد عصى أبا القاسم ” [12].
ثم إن تفسير: فاقدروا له على أن المقصود: ضَيِّقوا عليه، هذا تفسيرٌ مرجوحٌ.
والصواب: أن معنى: فاقدروا له أي: احسِبُوا له قَدْرَه، وذلك بإكمال العِدة ثلاثين.
ومما يدل لذلك الرواية الأخرى: فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العِدة ثلاثين [13]، والروايات يُفسر بعضها بعضًا، فيكون الصحيح في تفسير معنى قوله: فاقدروا له أي: احسِبُوا له قَدْرَه بإكمال العِدة ثلاثين.
ثم ساق المصنف حديث ابن عمر رضي الله عنهما:
أن النبي ذكر رمضان، فضرب بيديه، فقال: الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا، ثم عَقَدَ إبهامه في الثالثة: فصوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن أُغْمِيَ عليكم فاقدروا له ثلاثين [14].
وساقه بعدة رواياتٍ، ومنها: أنه ثلاث مراتٍ قال عليه الصلاة والسلام: الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا، وفي الثالثة نَقَصَ إبهام اليد اليسرى [15]، أي: أنه عليه الصلاة والسلام قال بيديه هكذا: الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا يعني: كم؟
ثلاثون يومًا.
والشهر هكذا، وهكذا، وهكذا، كم؟
تسعةٌ وعشرون يومًا.
فأراد عليه الصلاة والسلام أن يُبين أن الشهر تارةً يكون ثلاثين، وتارةً يكون تسعةً وعشرين، لكن لما كان معظم مَن عنده من الصحابة أُمِّيين، لا يقرؤون، ولا يكتبون، أَعْلَمَهم بالإشارة بهذه الطريقة، وهي: أن الشهر يكون ثلاثين، ويكون تسعةً وعشرين يومًا، وأنه إذا غُمَّ عليكم فأكملوا العِدة ثلاثين: فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العِدة ثلاثين.
وأيضًا ذكر المصنف حديث:
ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي قال: إنا أُمَّةٌ أُميةٌ.
يعني بذلك: أُمة العرب، كانوا أُمِّيَّةً، ثم بعد ذلك قادتْ هذه الأُمةُ أُمَمَ الأرض في العلم والحكمة والأخلاق والآداب، فتفوَّقتْ على جميع أُمم الأرض هذه الأمةُ التي كانت أُمَّةً أُمِّيَّةً.
إنا أُمةٌ أُميةٌ، لا نكتب، ولا نحسب، الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا، وعقد الإبهام في الثالثة.
يعني: تسعةً وعشرين.
والشهر هكذا، وهكذا، وهكذا يعني: ثلاثين [16].
وقوله: ولا نحسب، هل المراد من ذلك: أنه لا يُعْمَل بالحساب في إثبات الشهر؟
هذا هو الظاهر، الظاهر أنه لا يُعْمَل بالحساب في إثبات دخول الشهر، وهذا الذي عليه أكثر العلماء: أنه لا يُعْمَل بالحساب، وإنما العمل بالرؤية، لكن إذا دلَّ الحساب على استحالة الرؤية، فذهب بعض العلماء إلى أنه لا تُقْبَل شهادة الشاهد؛ لأن الشهادة من شروط قبولها: أن تنفك عما يُكذِّبها، فإذا دلَّ الحساب القطعي على عدم صحة الشهادة فإنها لا تُقْبَل.
وممن ذهب لذلك: رُوِيَ ذلك عن مُطَرِّفٍ من التابعين، وذهب إليه السُّبكي ورشيد رضا، وأيضًا أحمد شاكر، وإن كان أحمد شاكر ورشيد رضا يقولانه في النفي والإثبات، لكن السبكي في النفي فقط دون الإثبات.
وممن ذهب إلى هذا من المُعاصرين الشيخ محمد بن عثيمين، رحمة الله على الجميع.
يعني: أن الحساب يُؤخذ به في النفي دون الإثبات، في النفي فيما دلَّ عليه الحساب القطعي، كأن يكون غَرَبَ القمر قبل الشمس، ثم بعد غروب الشمس أتى شاهدٌ وقال: إني رأيتُ الهلال بعد غروب الشمس.
فعلى رأي هؤلاء: أنه لا تُقبل شهادة هذا الشاهد، مثلما سيحصل -إن شاء الله- في شهر شعبان، في يوم الثلاثاء القادم سيغرب القمر قبل الشمس، فلو تقدم شاهدٌ وقال: إني رأيتُ الهلال، فعلى رأي هؤلاء: أنه لا تُقْبَل شهادته؛ لأن القمر غَرَبَ قبل الشمس، والقمر مثل الشمس له شروقٌ وغروبٌ.
هناك تطبيقاتٌ تُتابع شروق القمر وغروبه كلَّ يومٍ، وهي موجودةٌ، يعني: التطبيقات موجودةٌ حتى في تقويم أم القرى، في مُحرك البحث في موقع تقويم أم القرى موجودٌ فيه الحساب: شروق القمر وغروبه يوميًّا، وإذا طابقته على الواقع تجده دقيقًا مثل: شروق الشمس وغروبها تمامًا، بل إن المُعادلة هي نفسها، المُعادلة واحدةٌ، وإنما فقط الذي يختلف هو المُدْخَلات، فإذا كنا نثق بشروق الشمس وغروبها، ونُفطر عليها في نهار رمضان، ونُصلي عليها صلاة المغرب، فهكذا أيضًا غروب القمر، فإذا غَرَبَ القمر قبل الشمس، ثم أتى الشاهد وقال: إني رأيتُ الهلال بعد غروب الشمس، فمعنى ذلك: أن هذا الشاهد مُتوهمٌ.
وهذا ما أصبح عليه العمل في العالم الإسلامي تقريبًا في السنين الأخيرة، أصبح العمل على هذا، يعني: منذ أكثر من عشر سنوات والعملُ في العالم الإسلامي على ذلك: أنه إذا دلَّ الحساب القطعي على عدم إمكانية الرؤية فَتُردّ شهادة الشاهد.
أما إذا لم يكن حسابه قطعيًّا، وإنما كان ظنيًّا؛ فلا تُردّ، كأن يكون القمر يغرب بعد الشمس -مثلًا- بدقائق، ويتقدم شاهدٌ برؤية الهلال، فهنا تُقْبَل شهادته؛ لأن القمر موجودٌ في الأُفق، وبعض الناس يُعطيهم الله تعالى حِدَّةً في النظر، لكن إذا غرب القمر قبل الشمس، والأفق ليس فيه هلالٌ أصلًا، ثم أتى الشاهد وقال: إني رأيتُ الهلال؛ فلا تُقْبَل شهادته.
أخذنا هذا من قوله عليه الصلاة والسلام: إنا أُمَّةٌ أُميةٌ، لا نَكْتُب، ولا نَحْسِب.
فالأقرب -والله أعلم- هو هذا القول: أنه لا يُؤخذ بالحساب في الإثبات، وإنما المُعتمد عليه هو الرؤية، لكن يُؤخذ به في النفي إذا كان قطعيًّا فقط دون الظَّنِّي.
ولي كتابٌ صغيرٌ اسمه “الاستعانة بالحسابات الفلكية في إثبات الأهلة” مطبوعٌ، وموجودٌ أيضًا على (الإنترنت)، تكلمتُ فيه عن هذه المسألة بالتفصيل، وذكرتُ أقوال العلماء وأدلتهم، فمَن أحبَّ مزيدًا من التَّوسع والاستزادة فليرجع لهذا الكتاب.
ثم ساق المصنف حديث ابن عمر رضي الله عنهما:
قال: سمع ابن عمر رضي الله عنهما رجلًا يقول: الليلة ليلة النصف. فقال له: ما يُدريك أن الليلة النصف؟ سمعتُ رسولَ الله يقول: الشهر هكذا، وهكذا، وأشار بأصابعه العشر مرتين، وهكذا في الثالثة، وأشار بأصابعه كلها، وحبس أو خنس إبهامه [17].
ابن عمر رضي الله عنهما لمَّا رأى رجلًا يقول: “الليلة ليلة النصف” أنكر عليه، وقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: إن الشهر يكون -يعني- ثلاثين، وقد يكون تسعًا وعشرين.
هذا مُراد ابن عمر رضي الله عنهما، وأنت لا تدري: هل الشهر ثلاثون أو تسعٌ وعشرون؟ فلماذا تقول: إن الليلة ليلة النصف؟
هذا مُراد ابن عمر رضي الله عنهما من هذا الكلام.
ثم ساق المُصنف أيضًا الحديث برواياتٍ أخرى:
إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتُموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فصوموا ثلاثين يومًا [18].
وفي الرواية الأخرى:
فأكملوا العَدَد [19].
وفي الرواية الأخرى:
فَعُدُّوا ثلاثين [20].
وكلها بمعنًى مُتقاربٍ.
باب: لا تَقَدَّموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين
ثم قال:
باب: لا تَقَدَّموا رمضانَ بصومِ يومٍ ولا يومين.
ساق المُصنف حديث:
أبي هريرة قال: قال رسول الله : لا تَقَدَّموا رمضان بصومِ يومٍ ولا يومين إلا رجلٌ كان يصوم صومًا فَلْيَصُمْه [21].
ففي هذا الحديث النَّهي عن تقدم رمضان بيومٍ أو يومين؛ احتياطًا لرمضان، وهو يوم الشك، أو حتى غير يوم الشك أيضًا، فإنه داخلٌ في هذا النَّهي، فمَن يصوم التاسع والعشرين -مثلًا- أو الثلاثين من شعبان؛ احتياطًا لرمضان يقول: ربما أنهم أخطؤوا في الحساب، أخطؤوا في دخول الشهر. فهذا ورد النَّهي عنه.
وهل النَّهي للتحريم أو للكراهة؟
الأقرب -والله أعلم- أن النَّهي للتحريم؛ لأن الأصل في النَّهي أنه يقتضي التَّحريم؛ ولذلك يقول عمار بن ياسر رضي الله عنهما: “مَن صام اليوم الذي يَشُك فيه الناسُ فقد عصى أبا القاسم “.
وقوله: إلا رجلٌ كان يصوم صومًا فَلْيَصُمْه يعني: إذا كان من عادته أن يصوم، ليس احتياطًا لرمضان، وإنما وافَقَ عادته في الصوم، كأن يكون يصوم يومًا ويُفطر يومًا، فوافق اليوم الذي يصومه الثلاثين من شعبان؛ فلا بأس، أو يكون -مثلًا- من عادته أن يصوم الاثنين والخميس، فوافق أحدهما آخِرَ شعبان؛ فلا بأس.
فمحلُّ النَّهي في صيام آخر شعبان احتياطًا لرمضان، فإن هذا هو الذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام.
وقال بعض أهل العلم: إنه يدخل في التَّنطع.
والمسلم يصوم مع الناس، ويُفطر مع الناس، كما قال عليه الصلاة والسلام: الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تُفطرون [22].
باب: الشهر يكون تسعًا وعشرين
باب: الشهر يكون تسعًا وعشرين.
وساق المُصنف هذا الحديث:
أن النبي أقسم ألا يدخل على أزواجه شهرًا، قال الزهري: فأخبرني عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما مضتْ تسعٌ وعشرون ليلةً أَعُدُّهُنَّ دخل عليَّ رسول الله . قالت: بدأ بي، فقلتُ: يا رسول الله، إنك أقسمتَ ألا تدخل علينا شهرًا، وإنك دخلتَ من تسعٍ وعشرين أَعُدُّهُنَّ! فقال: إن الشهر تسعٌ وعشرون [23].
هذه في قصة اعتزال النبي عليه الصلاة والسلام لنسائه، وهي قصةٌ في الصحيحين، وأيضًا نزلتْ فيها آياتٌ من سورة “الأحزاب”، نزلتْ آية التَّخيير: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:28- 29].
وأصل القصة: أن أزواج النبي عليه الصلاة والسلام اجتمعن وسَأَلْنَه أن يزيد في النَّفقة، فغضب النبي عليه الصلاة والسلام، لمَّا رأى هذا الترتيب وهذا الاجتماع بهذه الطريقة غضب وأقسم بالله العظيم ألا يدخل عليهن شهرًا كاملًا، وشاع الخبر في المدينة، وقال الناس: إن النبي عليه الصلاة والسلام طلَّق نساءه.
فبلغ ذلك عمر ، فأتى فَزِعًا ودخل على حفصة ابنته -أم المؤمنين رضي الله عنها- وهي تبكي، قال: أَطَلَّقَكِ رسولُ الله؟ قالت: لا أدري. ثم تكلم عليها -يعني- كلامًا شديدًا: كيف تفعلين هذا؟ أَتَغُرُّكِ فلانة؟ وتكلَّم عليها لأنها ابنته، وجعلتْ تبكي.
ثم انطلق لأمِّ سلمة رضي الله عنها، فقالت أمُّ سلمة: ما بقي يا ابن الخطاب إلا أن تدخل بين رسول الله ونسائه!
ثم ذهب يبحث عن النبي عليه الصلاة والسلام، فقيل: إنه في مَشْرَبَةٍ له، ووجد عنده غلامَه رَبَاحًا، قال: استَأْذِنْ لي. فاستَأْذَنَ له، فوجد النبيَّ عليه الصلاة والسلام مُغْضَبًا، فأراد عمر أن يُدْخِل الأُنْس على النبي عليه الصلاة والسلام؛ أولًا سأله سؤالًا قال: أطلَّقْتَ نساءك؟ قال: لا، فحمد الله وكَبَّر، ثم قال: يا رسول الله، أرأيتَ إن ضربتُ -يقصد: زوجته- فكسرتُ عنقها، ما تفعلون بي؟ أو كذا.
فضحك النبي عليه الصلاة والسلام وتبسَّم، ثم بعد ذلك نظر عمر فإذا المَشْرَبَة لا يوجد فيها إلا قبضةٌ من شعيرٍ، ووجد أن الحصير قد أثَّر في جنب النبي عليه الصلاة والسلام؛ فبكى عمر ، فقال : ما يُبكيك؟ قال: كِسْرَى وقيصر في القصور والأنهار والحُبُور، وأنت رسولُ الله وخيرته من خلقه، وليس عندك إلا هذه القبضة من الشعير، والحصير قد أثَّر في جنبك! قال : أوَفِي شَكٍّ أنت يا ابن الخطاب؟! أولئك قومٌ عُجِّلَتْ لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، أَمَا ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ فخرج عمر وبشَّر الناسَ بأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يُطلِّق نساءه [24].
وبقي عليه الصلاة والسلام شهرًا كاملًا يُؤْتَى له بالطعام والشرب في هذه المَشْرَبَة، واعتزل نساءه، ثم لما مضتْ تسعٌ وعشرون -كما ذكر هنا في هذه الرواية- دخل على عائشة رضي الله عنها، بدأ بها، فقالت: يا رسول الله، إنك دخلتَ من تسعٍ وعشرين! والله إني أَعُدُّهُنَّ عَدًّا. فقال عليه الصلاة والسلام: إن الشهر تسعٌ وعشرون.
وقوله: إن الشهر “ال” هنا للعهد الحضوري، أي: إن هذا الشهر تسعٌ وعشرون.
وحُكْم النبي عليه الصلاة والسلام بأن هذا الشهر تسعٌ وعشرون: إما أن يكون قد رأى الهلال، أو أنه قد رآه أحد الصحابة وأخبره، أو أنه قد أُوحِي إليه.
المهم أنه عليه الصلاة والسلام عَلِم أن هذا الشهر تسعةٌ وعشرون يومًا، فهذا هو الشاهد؛ قوله: إن الشهر تسعٌ وعشرون، وأورده المُصنف ليُبين أن الشهر الهجري القمري تارةً يكون تسعًا وعشرين، وتارةً يكون ثلاثين يومًا.
ثم ساق المصنف هذا الحديث برواياتٍ أخرى مُقاربةٍ.
باب: بيان أن لكلِّ بلدٍ رؤيتهم
باب: بيان أن لكلِّ بلدٍ رؤيتهم، وأنهم إذا رَأَوا الهلالَ ببلدٍ لا يَثْبُت حُكْمُه لِمَا بَعُدَ عنهم.
وساق المُصنف القصة المشهورة، قصة كُرَيبٍ:
أن أمَّ الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدمتُ الشام، فقضيتُ حاجتها، واستُهِلَّ عليَّ رمضان وأنا بالشام، فرأيتُ الهلالَ ليلةَ الجمعة، ثم قدمتُ المدينة في آخر الشهر، فسألني عبدالله بن عباسٍ رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلتُ: رأيناه ليلة الجمعة. فقال: أنت رأيتَه؟ فقلتُ: نعم، ورآه الناس، وصاموا وصام معاوية. فقال ابن عباسٍ: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نُكْمِل ثلاثين أو نراه. فقلتُ: أَوَلَا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ قال: لا، هكذا أمرنا رسول الله [25].
قوله: “بيان أن لكلِّ بلدٍ رؤيتهم”، هذه المسألة هي مسألة اختلاف مطالع الهلال: هل اختلاف مطالع الهلال مُؤثرةٌ، أو غير مُؤثرةٍ؟
ولا خلاف بين العلماء على أنها مُؤثرةٌ واقعًا، لكن هل هي مُعتبرةٌ شرعًا أو لا؟
فمن العلماء مَن قال: إنها غير مُعتبرةٍ شرعًا، وأنه إذا رُئِيَ الهلال في أيِّ بلدٍ إسلاميٍّ فيلزم المسلمين كلهم الصيامُ.
وهذا هو المذهب عند الحنابلة.
والقول الثاني: أن لكلِّ أهلِ بلدٍ رؤيتهم مع اختلاف المطالع.
وهذا مذهب الشافعية، وهو القول الراجح، واختاره جمعٌ من المُحققين من أهل العلم؛ لأن الواقع هو اختلاف مطالع الهلال.
فمثلًا: في أقصى الشرق، لو قلنا: في استراليا، أو مثلًا: في نيوزيلندا، أو في البلاد الشرقية عمومًا، قد يكون غَرَب، أو في إندونيسيا -مثلًا- القمر غَرَب قبل الشمس، لكن لمَّا وصل عندنا هنا بعد عدة ساعاتٍ القمر غَرَب بعد الشمس، فأمكننا أن نرى الهلال، وهم لم يُمكنهم أن يروه، فهذا يدل على اختلاف مطالع الهلال، ولا يُضير هذا كون المسلمين يختلفون في مطالع الصوم أو الفطر يومًا، لا يضر، وهم يختلفون في أوقات الصلاة الآن، ويختلفون في أوقات الإمساك في رمضان، وأوقات الفطر.
فالأقرب -والله أعلم- هو اعتبار اختلاف مطالع الهلال، لكن ينبغي ألا يزيد ذلك على يومٍ، والواقع أن هذا الاختلاف بين المسلمين قد يصل أحيانًا إلى ثلاثة أيامٍ، وهذا اختلافٌ كثيرٌ.
فمثلًا: قد نصوم يوم الخميس، وبعض المسلمين في بعض البلدان لا يصومون الجمعة ولا السبت، ويصومون الأحد، وهذا اختلافٌ كثيرٌ، فالاختلافُ في يومٍ واحدٍ مقبولٌ، كما حصل في زمن الصحابة ، لكن أن يكون الاختلاف يومين أو ثلاثةً فهذا غير مقبولٍ، وهذا يدل على وجود الإشكال، لكن هل هذه القصة من قبيل اختلاف مطالع الهلال؟
في الحقيقة هذه القصة فيها إشكالٌ أيضًا، لماذا؟
لأن كُرَيبًا رأى الهلال أين؟
في الشام، وما عاصمة الشام التي كان فيها معاوية؟
دمشق، وابن عباسٍ رضي الله عنهما كان في المدينة، وفي دمشق خط الطول: 36، والعرض: 33، بينما في المدينة خط الطول: 39، والعرض: 24.
فإذا كانت دمشق 36، والمدينة 39، أيّهما أسبق: دمشق أو المدينة؟
دمشق، يعني: دمشق 36، والمدينة 39، فعندنا هذا خط الطول، وخط العرض: دمشق 33، والمدينة 24.
طبعًا، خطوط الطول تبدأ من (جرينتش)، وخط طول الرياض كم؟ 46.
فمعنى ذلك: أن دمشق على خط طول: 36، والمدينة على خط طول: 39، فإذا كان خط الطول 36 فمعنى ذلك: أن القمر إذا رأوه في دمشق لا بد أن يُرَى في المدينة، ولا ترد مسألة اختلاف المطالع هنا، لكن لو كان العكس فهذا صحيحٌ، فيُفترض أنه لما رُئِيَ الهلال في دمشق لا بد أن يُرَى في المدينة؛ لأن دمشق أسبق من المدينة، دمشق على 36، والمدينة على 39، فالشمس والقمر يطلعان في دمشق قبل المدينة، فمعنى ذلك: أنه لا تنطبق مسألةُ مطالعِ الهلال على هذه القصة، لكن يظهر -والله أعلم- أنَّ مَن في الشام اجتهدوا ورأوا الهلال لمَّا تراءوه، ومَن في المدينة تراءوا الهلال ولم يروه، ولم تكن هناك وسائل تواصُلٍ مثلما عليه الأمر في الوقت الحاضر؛ ولذلك فتخريج هذه المسألة على اختلاف مطالع الهلال لا يستقيم.
خُذْ هذه الفائدة التي قد لا تجدها في كتابٍ؛ لأن بعض العلماء يذكر هذه المسألة ويقول: يُستدل بها على اختلاف المطالع.
هذا غير صحيحٍ، فلو استدللنا بها على اختلاف المطالع لكان يُفترض أنَّ مَن في المدينة صاموا على رؤية مَن في الشام؛ لأن دمشق أسبقُ، ورُئِيَ فيها الهلال، فيُفترض أن يُرَى الهلال في المدينة.
إذن ليس لاختلاف المطالع أثرٌ على هذه المسألة، إنما يُقال: إن هؤلاء اجتهدوا وتراءوا الهلال ورأوه، وهؤلاء اجتهدوا ولم يروا الهلال، فهؤلاء صاموا، وهؤلاء لم يصوموا.
هذا أحسن ما يُقال في الجواب عن هذا الحديث.
أما أن نقول: إنه يدل على اختلاف المطالع. فهذا غير صحيحٍ؛ لأن اختلاف المطالع هنا غير واردٍ، فدمشق 36، والمدينة 39.
وأما في الوقت الحاضر فقد أصبح المسلمون لا يعملون باختلاف المطالع ولا بعدم اختلاف المطالع، وإنما أهلُ كلِّ بلدٍ يعملون بما يراه وليُّ الأمر في ذلك البلد.
فمثلًا: العام الماضي صام الناس رمضان هنا في المملكة، وفي الأردن تأخروا يومًا واحدًا.
طيب، الذين في المناطق الشمالية -تبوك والمناطق التي حولها- ما بينهم وبين الأردن إلا مسافةٌ يسيرةٌ، فكيف يصوم هؤلاء، وهؤلاء يُفطرون، والمطالع غير مختلفةٍ قطعًا؟!
إذن المُعتمد هو ما يراه وليُّ الأمر، فأصبح أهلُ كلِّ بلدٍ بحسب رأي ولي الأمر فيها، وهذا الذي عليه عملُ المسلمين.
والمطلوب هو: أن يتَّفق أهل البلد الواحد في الصوم وفي الفطر؛ لقول النبي : الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تُفطرون [26]، وهذا يدل على أن الاتفاق أمرٌ مقصودٌ شرعًا.
فعلى هذا نقول: إن المسلم ينبغي أن يكون مع جمهور المسلمين في البلد التي يسكن فيها، فإن كان له وليُّ أمرٍ يكون مع ولي الأمر، وإن كان في الأقليات الإسلامية التي في المجتمعات أو في البلدان غير المسلمة فيكون مع ما عليه جمهور المسلمين، أو أنه يعمل بما عليه جمهور المسلمين في العالم الإسلامي.
باب: بيان أنه لا اعتبار بكبر الهلال وصغره
باب: بيان أنه لا اعتبار بكبر الهلال وصغره، وأن الله تعالى أمدَّه للرؤية، فإن غُمَّ فَلْيُكْمَل ثلاثون.
وساق المُصنف حديث أبي البَخْتَريِّ، وقال:
عن أبي البَخْتَري قال: خرجنا للعمرة، فلما نزلنا ببطن نخلة قال: تراءينا الهلال، فقال بعض القوم: هو ابنُ ثلاثٍ. وقال بعض القوم: هو ابن ليلتين. فلقينا ابن عباسٍ، فقلنا: إنا رأينا الهلال، فقال بعض القوم: هو ابن ثلاثٍ. وقال بعض القوم: هو ابن ليلتين. فقال: أي ليلةٍ رأيتُموه؟ فقلنا: ليلة كذا وكذا. فقال: إن رسول الله قال: إن الله مَدَّه للرؤية، فهو لليلةِ رأيتُموه [27].
ثم ساق المُصنف أيضًا هذا الحديث، لكن قال:
ونحن بذات عِرْقٍ.
ثم قال:
إن الله قد أمدَّه لرؤيته، فإن أُغْمِيَ عليكم فأكملوا العِدَّة [28].
وقوله: إن الله مَدَّه للرؤية، وفي الرواية الأخرى: أمَدَّه لرؤيته يعني: أطال مدة الهلال حتى رأيتُموه.
فمراد ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن العبرة برؤية الهلال، وأن كِبَر الهلال أو صِغَره لا اعتبار لها، فإذا كنتم قد رأيتُموه فمعنى ذلك: أن الله أمدَّه لكي تروه، وإذا لم تروه أَكْمِلوا العِدَّة ثلاثين.
وعلى هذا فلا اعتبار بكبر حجم الهلال أو صغره، وهذا يحصل أحيانًا؛ تجد أن بعض الناس في ليلة اليوم الثاني من رمضان -مثلًا- أو ليلة الثالث من رمضان يقولون: الهلال كبيرٌ، فربما أن الهلال قد هَلَّ ولم يتقدَّم أحدٌ للشهادة برؤيته.
نقول: لا اعتبار بكبر حجم الهلال أو صغره، فربما يَغْرُب القمر قبل الشمس بدقيقةٍ واحدةٍ في اليوم التاسع والعشرين، فلا يرى الناسُ الهلالَ؛ فيُكْمِلون ثلاثين يومًا، فإذا أتى اليومُ الأول من الشهر يرى الناسُ الهلالَ حجمه كبيرًا، وهذا لا يضرُّ.
إذن لا اعتبار لحجم الهلال مِن كِبَرٍ أو صِغَرٍ، إنما الاعتبار للرؤية، وهذا هو مُراد ابن عباسٍ رضي الله عنهما في هذا الحديث؛ لأن بعض الناس قالوا: رأيناه ابن ليلتين. وبعضهم قالوا: ابن ثلاثٍ. فقال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: “إن الله أمَدَّه للرؤية، فهو لليلةِ رأيتُموه” يعني: أن العِبْرة بالرؤية، وكِبَرُ حجم الهلال أو صغره غير مُؤثرٍ في الحكم الشرعي.
هذا هو مُراد ابن عباسٍ رضي الله عنهما من ذلك.
باب: بيان معنى قوله : شَهْرَا عِيدٍ لا يَنْقُصان
باب: بيان معنى قوله : شَهْرَا عِيدٍ لا يَنْقُصان.
ثم ساق المُصنف بسنده حديث:
أبي بَكْرَة ، عن النبي قال: شَهْرَا عيدٍ لا يَنْقُصان: رمضان، وذو الحجة [29].
ومراد النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: لا يَنْقُصان أي: لا ينقصان أجرًا، وإن نقصا عددًا، فرمضان إذا كان تسعةً وعشرين يومًا هو كرمضان إذا كان ثلاثين يومًا، فيُؤجر المسلم على صيام رمضان إذا كان تسعةً وعشرين يومًا، كما يُؤجر على صيام رمضان إذا كان ثلاثين يومًا، فهما شَهْرَا عيدٍ لا يَنْقُصان أجرًا، وإن نقصا عددًا.
وليس المعنى: أنه إذا نقص شهر رمضان لا ينقص شهر ذي الحجة، هذا فهمٌ غير صحيحٍ، فالواقع أنهما قد ينقصان جميعًا، لكن المراد بالنَّقص في هذا الحديث: نُقْصَان الأجر، فإذا نقص شهر رمضان فكان تسعةً وعشرين يومًا، فالأجر لا ينقص، وإنما الأجر تامٌّ، فهو كما لو صام المسلمون ثلاثين يومًا، وهذا من فضل الله ورحمته بعباده، بل حتى لو حصل خطأٌ في إثبات الشهر فالعبرة بالظاهر، وأجرُ المسلمين لا ينقص.
وقد أجمع العلماءُ على أن الحُجَّاج لو وقفوا في عرفة في اليوم الثامن بدل اليوم التاسع خطأً: أن حجَّهم صحيحٌ ومُجزئٌ؛ لأن العبرة بالظاهر.
باب: بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر
ثم قال:
باب: بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، وأن له الأكل وغيره حتى يطلع الفجر، وبيان صفة الفجر الذي تتعلق به الأحكام من الدخول في الصوم، ودخول وقت صلاة الصبح، وغير ذلك.
ومراد المؤلف بذلك: أن المراد بقول الله : حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187]، المراد بذلك: بياض النهار من سواد الليل؛ ولذلك ساق هذه القصة، قصة:
عدي بن حاتم ، قال: لمَّا نزلتْ: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ قال عَدِيٌّ: يا رسول الله، إني أجعل تحت وِسَادتي عِقَالَيْنِ.
يعني: خيطين.
عِقَالًا أبيض، وعِقَالًا أسود؛ أعرف الليل من النهار. فقال رسول الله : إن وسادتك لَعَرِيضٌ، إنما هو سواد الليل وبياض النهار [30].
فعَدِيُّ بن حاتم كان قد جعل تحت وسادته عِقَالين، يعني: خيطين، أحدهما أسود، والآخر أبيض، وجعل يأكل ويشرب حتى يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فحمل الخيط الأبيض والخيط الأسود على الخيط الحسي، فبيَّن له النبي عليه الصلاة والسلام أن المراد سواد الليل وبياض النهار، وليس المراد به الخيط الحسي.
ودلَّ هذا الحديث على أنه يُباح الأكل والشرب والجِمَاع إلى أن يتبين بياض النهار من سواد الليل؛ وهذا لقوله: إنما هو سواد الليل وبياض النهار، والمراد بذلك: طلوع الفجر الصادق الذي يتبين به بياض النهار من سواد الليل.
وقوله: إن وسادتك لعريضٌ، وفي الرواية الأخرى: إن وِسَادك لعريضٌ [31]، بعض العلماء قال: إن مقصود العرب إذا قالوا لأحدٍ: إن وسادك لعريضٌ، يعني: يريدون الغباوة، يعني: إنك غبيٌّ، ولكن هذا بعيدٌ، فلا يمكن للنبي عليه الصلاة والسلام أن يقول هذا لصحابيٍّ.
العرب يقولون للغبي: إن وسادك عريضٌ، يعني: بسبب طول الرقبة، يقولون: مَن كان طويل الرقبة تكون هناك مسافةٌ بين الرأس والقلب؛ فتغلب عليه البلادة والغباوة، بخلاف مَن كان قصير الرقبة، ولكن الواقع بخلاف ذلك، فتجد أحيانًا مَن كان قصير الرقبة ليس ذكيًّا، وتجد مَن هو طويل الرقبة وذكيٌّ.
ويبعد جدًّا أن مقصود النبي عليه الصلاة والسلام هذا المعنى، وإنما مقصود النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: إن وسادتك لعريضٌ أن هذه الوسادة التي وَسِعَت الخيطَ الأبيض والخيط الأسود وسادةٌ عريضةٌ، كأنها على عَرْض الأفق؛ لأن معناه: أن وسادته على عَرْض الأفق، إذن تكون وسادتك عريضةً؛ لأن المقصود بياض النهار من سواد الليل، فهذا يحتاج لوسادةٍ عريضةٍ جدًّا.
هذا هو المقصود، وليس المقصود المعنى الذي ذكره بعض العلماء من البلادة أو الغباوة؛ لأنه معروفٌ حُسْنُ خُلُق النبي عليه الصلاة والسلام، وأنه لم يكن يتكلم بمثل هذا الكلام لأحد أصحابه، ولكن مقصوده: إن وسادك لعريضٌ إذا كانت هذه الوسادة سَتَسَع عَرْضَ الأُفق؛ لأن المقصود بياض النهار من سواد الليل، وهو إنما يكون في عَرْض الأفق، فهذا هو المعنى الصحيح لهذه الكلمة: إن وِسَادَكَ أو وسادتك لعريضٌ.
ومن فوائد هذا الحديث: أنَّ مَن أكل ظانًّا أن الفجر لم يطلع، ثم تبين أنه طلع: أن صومه صحيحٌ؛ فإن عدي بن حاتم كان يأكل ويشرب يظن أن الفجر لم يطلع؛ لأنه اعتمد على الخيطين الحِسِّيين: الأبيض والأسود، والواقع أن الفجر قد طلع، ومع ذلك لم يأمره النبي بالقضاء.
وعلى ذلك فمَن أكل أو شرب ظانًّا أن الفجر لم يطلع، ثم تبيَّن أن الفجر قد طلع، فصومه صحيحٌ؛ لأنه أكل أو شرب بطريق الخطأ، ومَن أكل أو شرب بطريق الخطأ فهو كمَن أكل أو شرب بطريق النسيان، فصومه صحيحٌ.
ومن فوائد هذا الحديث: أن النبيَّ إذا أتاه أحدٌ يستفتيه لا يُوبِّخه ولا يُعنِّفه، وربما يُمازحه، وهذا من حُسن خُلُقه عليه الصلاة والسلام، فإن قوله: إن وسادتك لعريضٌ لعل هذا من قبيل المُمازحة لعديٍّ ، يعني: كيف تسع وسادتك عرض الأفق؟! فهذا لعله من قبيل المُمازحة له، وهذا من حُسن خُلُق النبي عليه الصلاة والسلام.
وساق المصنف هذا الحديث بروايةٍ أخرى مُتقاربةٍ.
وأخذ بعض العلماء من هذا فائدةً هي: أنَّ مَن تأول القرآن جاهلًا بما يُراد به فإنه لا شيء عليه؛ لأن الصحابة فعلوا مثلما فعل عدي ، لكنه فعل ذلك قبل أن ينزل قولُ الله تعالى: مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187].
ولهذا ساق المصنف بعد هذا الحديث حديث:
سهل بن سعدٍ : لمَّا نزلت: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ [البقرة:187] قال: فكان الرجل إذا أراد الصوم رَبَطَ أحدهم في رِجْلَيه الخيطَ الأسود والخيط الأبيض، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبيَّن له رِئْيُهُما، فأنزل الله بعد ذلك: مِنَ الْفَجْرِ، فعلموا أنما يعني بذلك: الليل والنهار [32].
فيكون قول الله تعالى: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ المقصود بذلك: بياض النهار من سواد الليل.
ثم ساق المصنف حديث:
عبد الله بن عمر: أن رسول الله قال: إن بلالًا يُؤذِّن بليلٍ، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم [33].
وساق هذا الحديث بعدة رواياتٍ:
قال: ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويَرْقَى هذا [34].
كان النبي له مُؤذِّنان للفجر: أحدهما يُؤذن الأذان الأول وهو بلالٌ ، والآخر يُؤذن الأذان الثاني وهو عبدالله ابن أم مكتوم، وكان رجلًا أعمى، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول للصحابة: إن بلالًا يُؤذن بليلٍ يعني: هذا الأذانُ ليس لصلاة الفجر، وإنما كما جاء في روايةٍ أخرى: لِيَرْجِع قائمكم، ويُوقظ نائمكم [35].
فكلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم، وكان ابن أم مكتوم رجلًا أعمى، لا يُؤذن حتى يُقال: أصبحتَ، أصبحتَ.
وهذا يدل على أن الأذان الأول لا عبرة به؛ لأنه من باب التَّنبيه على قُرب طلوع الفجر، وأن المُعتبر هو الأذان الثاني؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: فكلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم.
وأيضًا يدل هذا على استحباب الأذان الأول لصلاة الفجر، ولكن قال الفقهاء: إنه إنما يكون ذلك مُستحبًّا في حقِّ مَن اعتاده، أما مَن لم يَعْتَدْهُ فلا يكون مُستحبًّا؛ لأن هذا يُرْبِك الناس، فإذا كان المُؤذن تارةً يُؤذن الأذان الأول، وتارةً لا يُؤذن؛ سيُسبِّب إرباكًا للناس، لكن إذا عرفوا من عادته أنه يُؤذن الأذان الأول، ثم يُؤذن الأذان الثاني؛ فلا بأس بذلك.
وهل هذا خاصٌّ برمضان، أو يشمل جميع أيام العام؟
محل خلافٍ، والراجح: أنه يشمل جميع أيام السنة، لكن إنما يكون ذلك في حقِّ مَن اعتاده، أما إذا لم يَعْتَدْهُ فلا يُؤذن الأذان الأول؛ حتى لا يُسبِّب ذلك إرباكًا للناس.
وقوله: “ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويَرْقَى هذا”، هذه اللفظة فيها إشكالٌ؛ كيف يكون بين الأذان الأول والثاني ما بين أن ينزل هذا ويَرْقَى هذا؟
وأُجيب عن هذا بأجوبةٍ، منها:
أولًا: أن هذه العبارة مُدرجةٌ، وأنها ليست من كلام ابن عمر رضي الله عنهما، وأنها مُدرجةٌ من بعض الرواة.
ولكن ابن حجر وجماعة ذكروا أنها صحيحةٌ، وحملوها ووجَّهوها توجيهًا آخر، قالوا: إن بلالًا كان إذا أذَّن الأذان الأول بقي يذكر الله تعالى ويدعوه ويرقب الفجر؛ لأن ابن أم مكتوم رجلٌ أعمى، يرقب الفجر حتى إذا طلع الفجر نزل وأخبر ابن أم مكتوم بأنه قد طلع الفجر؛ فَصَعِدَ ابن أم مكتوم وأذَّن الأذان الثاني.
هذا أحسن ما قيل في توجيه هذه الرواية.
وعلى هذا تكون المدة الزمنية بين الأذان الأول والأذان الثاني طويلةً أو قصيرةً؟
قصيرة؛ لم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويَرْقَى هذا، فهي مدةٌ قصيرةٌ بقدر ما يتسحَّر المُتسحر، وكان سحورهم في وقت النبي عليه الصلاة والسلام ليس كسحورنا الآن، كان سحورهم مجرد تمراتٍ يأكلونها، أو شيءٍ يسيرٍ، أو عُلْقَةٍ من الطعام، يعني: الفَرْق بين الأذان الأول والثاني بقدر ما يتسحَّر المُتسحر عادةً.
الآن بعض الناس جعلوا الفرق بين الأذان الأول والثاني تقريبًا ساعةً؛ ولذلك أصبح الأذان الأول يفقد بعض فائدته؛ لأن الغرض منه هو التَّنبيه لقُرب دخول الفجر، لكن لو طُبِّقت السُّنة، وكان الأذان الأول قريبًا من الأذان الثاني؛ الناس تنتبه، يقولون: ما تبقى على الفجر إلا قليل.
يعني: لو جُعِلَ ما بين الأذان الأول والثاني ربع ساعةٍ -مثلًا- مع أن ظاهر الحديث أنها أقلّ، لكن لو تجوَّزنا وقلنا: ربع ساعةٍ، فالناس ستنتبه: ما بقي على طلوع الفجر إلا ربع ساعةٍ، تجد أن المُتسحر يتسحَّر، وأيضًا يتوضأ الإنسان، والذي يُصلي يُوتر، فتكون للأذان الأول فائدةٌ.
ونظير ذلك أيضًا: الأذان الأول ليوم الجمعة، كونه يتقدم كثيرًا عن الأذان الثاني يُقلل من فائدته، لكن لو كان مثلما كان عليه الأمر زمن الصحابة؛ لأن الغرض من الأذان الأول ليوم الجمعة التَّنبيه لقُرب دخول الخطيب، والناس في ذلك الزمن ما كانت معهم ساعات، وكان بعضهم أيضًا يبيعون ويشترون في الأسواق، فكان الأذان الأول يُنبه لقُرب دخول الخطيب؛ ولذلك ينبغي أن يكون الأذان الأول أيضًا ليوم الجمعة قريبًا من الأذان الثاني؛ حتى يستفيد الناس.
والآن ما عليه عمل الحرمين من جعل الأذان الأول يوم الجمعة قبل الأذان الثاني بنصف ساعةٍ هذا هو الأقرب.
وأما أن يكون الفاصل طويلًا فهذا يجعل الفائدة منه قليلةً، فيجعل الناس لا تهتم به كثيرًا، لكن لو كان في حدود نصف ساعةٍ أو أقلّ فالناس تنتبه لقُرب دخول الخطيب، ويتأهبون ويأتون للمسجد الجامع.
قوله: “وابن أم مكتوم الأعمى” [36] فيه دليلٌ على جواز ذِكْر الإنسان بعاهةٍ فيه إذا كان لا يكره ذلك، فإذا كان الرجل أعمى، وقيل له: الأعمى، ولا يَكْرَه ذلك، فلا بأس؛ ولهذا قال ابن عمر رضي الله عنهما في هذا الحديث: “ابن أم مكتوم الأعمى”، والله قال: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى [عبس:1- 2]، فإذا كان لا يكره ذلك فلا بأس، ومثل ذلك: الأعرج والأعمش ومَن به عاهةٌ، إذا ذُكِرَ ذلك من باب التَّمييز والتَّعريف، ولم يكن يكره ذلك؛ فلا بأس به.
ثم ساق المصنف هذا الحديث بعدة رواياتٍ، ومنها حديث ابن مسعودٍ :
لا يَمْنَعَنَّ أحدًا منكم أذانُ بلالٍ -أو قال: نداء بلالٍ- مِن سحوره؛ فإنه يُؤذن -أو قال: يُنادي- بليلٍ؛ ليرجع قائمكم، ويُوقظ نائمكم [37].
وهذه هي الفائدة من أذان بلالٍ، يعني: الأذان الأول.
قال: ليس أن يقول هكذا وهكذا وصوَّب يده ورفعها حتى يقول هكذا وفرَّج بين إصبعيه [38].
المقصود أن أذان بلالٍ ليس على الفجر الصادق، وإنما أذان ابن أم مكتوم هو الذي على الفجر الصادق، وهو الذي يمنع من الأكل والشرب، وهو الذي يُمْسِك به الصائم.
ولهذا ساق المصنف هذا الحديث بلفظ:
لا يَغُرَّنَّ أحدَكم نداءُ بلالٍ من السحور، ولا هذا البياض حتى يستطير [39].
نداء بلالٍ كما ذكرنا؛ لأنه هو الأذان الأول، ولا يترتب عليه حكمٌ.
ولا هذا البياض المقصود به: الفجر الكاذب، المقصود بالبياض: الفجرُ الكاذب، ويُسمَّى “المُستطيل” باللام.
حتى يستطير “المُستطير” بالراء: هذا هو الفجر الصادق.
والفجر فجران: كاذب، وصادق.
فالفجر الكاذب يخرج قبل الفجر الصادق، وأكثر ما يتَّضح في النصف الأول من الشهر القمري؛ لأن النصف الثاني يكون القمر موجودًا، فيُؤثر ضوء القمر على ضوء الفجر الكاذب، لكن في النصف الأول من الشهر القمري يتَّضح الفجر الكاذب أكثر، ويكون على شكلٍ هرميٍّ كَذَنَبِ السِّرْحَان، كما جاء في بعض الأحاديث [40]، وأحيانًا يكون له سطوعٌ، فمَن يراه يظن أنه الفجر الصادق؛ ولهذا تأمَّل قول النبي عليه الصلاة والسلام: لا يَغُرَّنَّ، فهذا دليلٌ على أنه يَغُرُّ مَن لا يعرفه، ومَن ليست عنده خبرةٌ.
فهذا الأذان -يعني: الفجر الكاذب- لا يترتب عليه حكمٌ شرعيٌّ، وإنما الفجر الذي تترتب عليه الأحكام الشرعية: من إمساك الصائم، ومن دخول وقت صلاة الفجر هو الفجر الصادق الذي يستطير، والذي يظهر في الأُفق مُعترضًا، ويزداد ضوؤه شيئًا فشيئًا حتى يُغطِّي ضوؤه ضوء الفجر الكاذب، فالفجر الصادق إذا خرج يُغطِّي ضوؤه على الفجر الكاذب.
ثم ساق المصنف هذا الحديث بعدة ألفاظٍ:
لا يَغُرَّنَّكم أذانُ بلالٍ، ولا هذا البياضُ لِعَمُود الصُّبح.
لأن الفجر الكاذب يكون بياضًا على شكل هرمٍ.
حتى يستطير هكذا [41].
يعني: ينتشر، الذي هو الفجر الصادق.
وفي الرواية الأخرى في حديث سَمُرَة:
لا يَغُرَّنَّكم من سحوركم أذانُ بلالٍ، ولا بياضُ الأُفق المُستطيل هكذا حتى يستطير هكذا [42].
وفي حديث سَمُرَة أيضًا:
لا يَغُرَّنَّكم نداءُ بلالٍ، ولا هذا البياض حتى يبدو الفجر، أو قال: حتى ينفجر الفجر [43].
الفجر الصادق ينفجر ويزداد الضوء بسرعةٍ، وهذا ربما لا تلحظه داخل البلد -داخل المدينة- لكن لو كنتَ في البَرِّيَّة تَرقُب الفجر الصادق تجد أن الفجر الصادق -كما جاء في الرواية- ينفجر ويزداد ضوؤه شيئًا فشيئًا، بخلاف الفجر الكاذب؛ تجد أنه يبقى هكذا لا يزيد ضوؤه، وإنما يخرج الفجر الصادق ويُغطيه.
باب: فضل السحور، وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره، وتعجيل الفطر
ثم قال المصنف رحمه الله:
باب: فضل السحور، وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره، وتعجيل الفطر.
وساق بسنده حديث:
أنس : أن رسول الله قال: تسحَّروا؛ فإن في السُّحور بركةً [44].
قوله: السُّحور يعني: التَّسحُّر، من الفعل.
وأما السَّحور: فهو الطعام الذي يُتسحَّر به.
يُقال: سَحُور وسُحُور، فالسَّحور: هو ما يُتسحَّر به، أما السُّحور: فهو الأكل الذي هو الفعل.
نظير ذلك: الطُّهور والطَّهور؛ فالطُّهور معناه: التَّطهر، والطَّهور: الماء الذي يُتطهَّر به.
والوُضوء والوَضوء؛ فالوُضوء: هو فعل الوضوء، والوَضوء: الماء الذي يُتوضَّأ به. وهكذا.
قال: تسحَّروا؛ فإن في السُّحور بركةً، في السُّحور بضم السين، فأخبر عليه الصلاة والسلام بأن السحور فيه بركةٌ، وتظهر هذه البركة من وجوهٍ:
أولًا: أن فيها امتثالًا لأمر النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا أمرٌ، وأقلُّ ما يُفيده الأمر: الاستحباب.
ثانيًا: أن فيه مُخالفةً لأهل الكتاب، كما قال عليه الصلاة والسلام: فَصْلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أَكْلَة السَّحَر [45].
ثالثًا: أن السحور فيه بركةٌ، وهذه البركة أولًا: باتباع السنة. ثانيًا: أن البركة بأن يتقوى الإنسان في نهاره؛ فإن الإنسان إذا تسحَّر يكون أكثر نشاطًا وأكثر قوةً مما لو لم يتسحر.
إذن السحور فيه بركةٌ، وقد تكون فيه بركاتٌ أخرى لا نعلمها.
والمقصود: أن النبي عليه الصلاة والسلام أَمَرَ بالسُّحور، وأخبر أن في السحور بركةً، وهذا يدل على استحباب السحور.
وعلى هذا فينبغي للمسلم إذا أراد الصيام أن يتسحر، وبعض الناس تجد أنه ينام قبل الفجر بساعاتٍ، ثم يستيقظ لصلاة الفجر من غير سحورٍ، وهذا خلاف السنة؛ فالسنة أن يتسحر، ولو أن يتسحر على تَمَراتٍ، أو على ماءٍ، المهم أنه يتسحر.
وقد جاء في “سنن أبي داود” بسندٍ جيدٍ: أن النبيَّ قال: نِعْمَ سَحُور المؤمن التَّمْر [46]، فليس المقصود بالسحور: أن الإنسان يأكل وجبةً كاملةً، المقصود: أنه يأكل أيَّ شيءٍ يريد بذلك إصابة السُّنة والحصول على البركة المذكورة في هذا الحديث.
وفي حديث:
عمرو بن العاص: فَصْلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أَكْلَة السَّحَر [47].
لأن أهل الكتاب لا يتسحَّرون، ويُقال: إنهم يصومون من نصف الليل، فيأتي السَّحَر عليهم وهم صِيَامٌ؛ ولذلك فأكلة السَّحر فَصْلُ ما بين المسلمين وأهل الكتاب.
ثم ساق المصنف بسنده حديث:
زيد بن ثابت : تسحرنا مع رسول الله ، ثم قمنا إلى الصلاة، قلتُ: كم كان قدر ما بينهما؟ قال: خمسين آية [48].
“خمسين آية” كانوا يُقدرون بالآيات، وجاء في روايةٍ عند الطبراني: “قدر قراءة سورة الحاقة”، وسورة الحاقة اثنان وخمسون آية، قدَّرها الحافظ ابن حجر فقال: “ثلثُ خُمُسِ ساعة”، والساعة ستون دقيقةً، حتى في وقت ابن حجر الساعة ستون دقيقةً.
طيب، خُمُسُ الستين كم؟
ستون تُقسم على خمسةٍ: اثنا عشر، وثلث الاثني عشر: أربعةٌ؛ يعني: أربع دقائق.
فكان ما بين الأذان والإقامة لصلاة الفجر في عهد النبي عليه الصلاة والسلام: أربع دقائق فقط.
قال الحافظ ابن حجر: “وذلك بمقدار ما يتوضأ الرجل عادةً”.
فكان عندهم في زمن النبي عليه الصلاة والسلام يُؤذِّن المُؤذن، والناس يأتون بالسُّنة الراتبة، ثم تُقام الصلاة، هذا هو الذي كان عليه الأمر في عهد النبي عليه الصلاة والسلام.
أما الانتظار الطويل بين الأذان والإقامة -أحيانًا ثلث ساعة وربما أكثر- فهذا إنما حدث مُتأخرًا، فهذا ربما يكون فيه تعطيلٌ لمصالح الناس ونحو ذلك؛ ولذلك ينبغي أن تكون الإقامةُ وقتُها قريبًا من الأذان.
والذي عليه الأمر في عهد النبي عليه الصلاة والسلام: أنها بمقدار أربع دقائق أو خمس، في هذه الحدود، مقدار قراءة خمسين آية، فيُؤذن المُؤذن، ويأتي الناس بالسنة الراتبة، ثم تُقام الصلاة، هذا هو الذي كان عليه الأمر في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، قدر قراءة خمسين آية.
وقوله: “تسحرنا مع رسول الله ” فيه دليلٌ على جواز مُشاركة الإنسان في سحوره، وأنهم كانوا يتسحَّرون مع النبي عليه الصلاة والسلام أحيانًا.
ثم ساق المصنف بسنده حديث:
سهل بن سعد : أن رسول الله قال: لا يزال الناس بخيرٍ ما عجَّلوا الفطر [49].
قوله: لا يزال الناس بخيرٍ يعني: لا يزال أمر الأُمة مُنتظمًا وهم يُحافظون على سُنة تعجيل الفطر؛ لبُعْدِهم عن الغلو، وتطبيقهم لسُنة النبي عليه الصلاة والسلام، وأنهم إذا أخَّروا الفطر فهذه علامةٌ على فسادٍ يقعون فيه.
فهذه بُشْرَى من النبي عليه الصلاة والسلام بأن الناس إذا كانوا يُعجلون الفطر فهم على خيرٍ، وأنهم إذا تركوا هذه السنة فقد فسد أمرهم وحالهم؛ ولذلك قال: لا يزال الناس بخيرٍ ما عجَّلوا الفطر.
ودلَّ هذا الحديث على استحباب تعجيل الفطر، وذلك بأن يغلب على الظنِّ غروبُ الشمس، فإذا غلب على الظنِّ غروب الشمس ينبغي أن يُبادر الصائم للفطر، ولا يلزم التَّيقن -تيقن غروب الشمس- إنما تكفي غلبة الظنِّ.
وهذا هو الذي كان عليه الأمر في عهد النبي عليه الصلاة والسلام؛ ولذلك جاء في “صحيح البخاري” عن أسماء رضي الله عنها قالت: “أفطرنا على عهد النبي يوم غَيْمٍ، ثم طلعت الشمس” [50]، لو كانوا لا يُفطرون إلا وهم مُتيقنون ما أفطروا والجوُّ غائمٌ، وهذا دليلٌ على أنهم أفطروا بناءً على غلبة الظنِّ؛ ولذلك طلعت الشمس ولم يُؤْمَروا بالقضاء.
إذن الفطر يكون بناءً على غلبة الظنِّ.
والآن في وقتنا الحاضر أصبحت التَّقاويم تُؤدِّي الغرض، فالتَّقاويم الآن بالنسبة للأماكن المُنبسطة -مثل: مدينة الرياض- دقيقةٌ، ويمكن أن يُعْتَمَد على التقويم في معرفة وقت غروب الشمس، لكن في الأماكن المُرتفعة ينبغي أن يُحْسَب أثرُ الارتفاع، أما الأماكن المُنبسطة -مثل: مدينة الرياض ونحوها- فيُعتمد على التقويم في غروب الشمس.
ثم ساق المصنف حديث:
أبي عطية قال: دخلتُ أنا ومسروقٌ على عائشة، فقلنا: يا أم المؤمنين، رجلان من أصحاب محمدٍ ، أحدهما يُعَجِّل الإفطارَ.
يريدون به: ابن مسعودٍ كما في آخر الرواية.
يُعَجِّل الإفطار، ويُعجِّل الصلاة.
والآخر.
يريدون به: أبا موسى الأشعري .
يُؤخِّر الإفطار، ويُؤخِّر الصلاة.
قالت: أيّهما الذي يُعجِّل الإفطار ويُعجِّل الصلاة؟ قلنا: عبدالله. يعني: ابن مسعودٍ، قالت: كذلك كان يصنع رسول الله [51].
ثم ساق المصنف هذا الحديث برواياتٍ أخرى:
رجلان من أصحاب محمدٍ كلاهما لا يَأْلُو عن الخير.
يعني: لا يُقَصِّر عنه.
أحدهما يُعَجِّل المغرب والإفطار، والآخر يُؤخِّر المغرب والإفطار. فقالت: مَن يُعجِّل المغرب والإفطار؟ قال: عبدالله. فقالت: هكذا كان رسول الله يصنع [52].
وهذا الحديث يدل على أن تعجيل الإفطار والصلاة هو السنة، وأنه يُكره تأخير الإفطار، فتأخير الإفطار بعد غروب الشمس يُكره، والسنة هي تعجيل الإفطار، وتعجيل صلاة المغرب.
باب: بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار
باب: بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار.
ساق المصنف بسنده حديث:
عمر قال: قال رسول الله : إذا أقبل الليل، وأدبر النهار، وغابت الشمس؛ فقد أفطر الصائم [53].
ثم ساق المصنف هذا الحديث بروايةٍ أخرى، قال:
عن عبدالله بن أبي أوفى.
قوله: إذا أقبل الليل، وأدبر النهار، وغابت الشمس، ذكر ثلاثة أمورٍ:
الأمر الأول: إقبال الليل، يعني: إقبال الظُّلْمَة.
والأمر الثاني: إدبار النهار، وذلك أيضًا بإقبال الظُّلْمَة.
والأمر الثالث: غروب الشمس.
وهذه الأمور الثلاثة مُتلازمةٌ، وإنما جمع بينها؛ لأنه قد يكون في وادٍ ونحوه، بحيث لا يُشاهد الشمس، فيعتمد على إقبال الظلام وإدبار الضياء.
والمُعوَّل عليه من هذه العلامات الثلاث هو غروب الشمس، والمقصود بغروب الشمس: سقوط قرص الشمس في الأفق، أما إقبال الليل وإدبار النهار فهذه علامات على غروب الشمس، فالمُعوَّل عليه هو سقوط القرص، متى سقط قرص الشمس في الأفق حلَّ الفطر للصائم، حتى لو بقي أثر الحُمْرَة أو الصُّفْرَة أو الإسفار، هذا كله لا يضر، فالمُعول عليه هو سقوط قرص الشمس.
وإذا كان الإنسانُ داخل وادٍ أو نحو ذلك، ولم يَرَ قرص الشمس، يستدل لذلك بإقبال الليل وإدبار النهار.
وفي وقتنا الحاضر -كما ذكرنا- التَّقاويم تُساعد على معرفة ذلك، لكن المُعول عليه هو سقوط القرص.
وبعض الناس يظن أن المُعوَّل عليه هو ذَهاب الحُمْرة، وهذا غير صحيحٍ.
حدثني أحد الإخوة قال: إنه كان في مدينة الرياض، وسمع الأذان من الإذاعة، والشمس ما زالت باقيةً؟
قلتُ: هذا غير ممكنٍ، فأين حصل هذا؟
فذكر لي المكان في غرب الرياض، فذهبتُ إلى ذلك المكان، ورأيتُ القرص -قرص الشمس- قد سقط، ثم أذَّن المُؤذن، ورأيتُ أن التقويم دقيقٌ، وليس فيه أي إشكالٍ، لكن الأخ الذي قال ذلك إنما قصد الإسفار، أو قصد الحُمْرَة أو الصُّفْرَة، وهذه كلها لا تضر، هذه كلها لا يُعوَّل عليها، والمُعوَّل عليه هو سقوط القرص.
فانتبهوا لهذه المسألة؛ لأن بعض الناس يُثير إشكالاتٍ ويقول: إن الناس يُفطرون والشمس لا تزال.
اسأله عن القرص: هل قرص الشمس لا يزال؟
إذا سقط القرص فلا يضرُّ أثر الحُمْرَة أو الصُّفْرَة أو الإسفار، لا يضرُّ هذا، المهم هو سقوط القرص.
فالمُعول عليه إذن في دخول وقت صلاة المغرب وفي إفطار الصائم هو سقوط القرص، وإدبار النهار، وإقبال الليل، هذه كلها علامات على سقوط القرص، وعلى غروب الشمس.
إذن أهم علامةٍ هي سقوط القرص، أما إدبار النهار وإقبال الليل فهذه علامات فقط على سقوط القرص.
طالب: ……..
الشيخ: نعم، إذا ارتفع فإنه سيختلف التوقيت لديه؛ ولذلك لو أن رجلًا أفطر بعدما غربت الشمس وهو في المطار، ثم أقلعت الطائرة؛ فإنه سيرى الشمس، والحكم في هذه المسألة نقول: إن صومه صحيحٌ، وقد بَرِأَتْ ذِمَّته؛ لأنه لمَّا أفطر كانت الشمس قد غَرَبَتْ، ثم لما صعد الطائرة إذا هو يرى الشمس، فصومه صحيحٌ.
بخلاف ما إذا أقلعت الطائرة قبل غروب الشمس، ثم رأى القرص، فليس له الفطر حتى تغرب الشمس.
ومن ذلك: الأماكن المرتفعة، والأبراج العالية المرتفعة؛ ينبغي أن يُراعوا فارق التوقيت عمَّن يُفْطِر على الأرض؛ لأن مَن في برجٍ مُرتفعٍ يتأخر عنده الغروب قليلًا، وليس كثيرًا، وإنما بقدرٍ يسيرٍ، لكن ينبغي مُراعاة فارق التوقيت.
ثم ساق المصنف حديث:
عبدالله بن أبي أوفى قال: كنا مع رسول الله في سفرٍ في شهر رمضان، فلما غابت الشمس قال: يا فلان، انزل فَاجْدَحْ لنا، قال: يا رسول الله، إن عليك نهارًا. قال: انزل فَاجْدَحْ لنا، قال: فنزل فَجَدَحَ، فأتاه به، فشرب النبي ، ثم قال: إذا غابت الشمس من هاهنا، وجاء الليل من هاهنا؛ فقد أفطر الصائم [54].
وساق المصنف أيضًا هذا الحديث بروايةٍ مُقاربةٍ لهذا.
وقوله: فَاجْدَحْ لنا من الجَدْح، والجَدْح: هو خَلْطُ الشيء بغيره، والمراد: خلط السَّوِيق بالماء وتحريكه.
وهذا الحديث كسابقه يدل على أن المُعول عليه هو غروب الشمس، فإذا غربت الشمس فقد حلَّ الفطر للصائم ودخل وقت صلاة المغرب.
ودلَّ هذا الحديث على استحباب تعجيل الفطر؛ فإن النبي عجَّل الفطر وشَرِبَ من هذا السَّوِيق بمجرد غروب الشمس.
وفيه أيضًا من الفوائد: أنه لا بأس بالصوم في السفر؛ فإن النبي في هذه القصة كان في سفرٍ، ومع ذلك كان صائمًا؛ لقوله: “كنا مع رسول الله في سفرٍ في شهر رمضان”.
وسيأتي الكلام عن حكم الصيام في السفر مما يدل على أن الصيام في السفر لا بأس به، وأنه لا يجب الفطر لمَن كان مُسافرًا.
وأيضًا من فوائد هذا الحديث: أنه لا يجب الفطر على التمر، بدليل: أن النبي في هذا الحديث لم يُفطر على التمر، وإنما أفطر على هذا الشراب الذي هو السَّوِيق المخلوط بالماء، وهذا يدل على أنه لو أفطر الإنسان على غير التمر أحيانًا فلا بأس بذلك، لكن الأفضل أن يُفطر غالبًا على التمر، لكن لو أفطر -مثلًا- على عصيرٍ، أو أفطر على ماءٍ، أو أفطر على أي شيءٍ؛ فلا بأس، والنبي عليه الصلاة والسلام في هذه القصة أفطر على سَوِيقٍ.
وأيضًا من الفوائد: مشروعية تذكير العالِم بما يخاف أن يكون قد نسيه؛ فإنه في الرواية الأخرى لمَّا قال النبي : انزل فَاجْدَحْ لنا، قال: “يا رسول الله، لو أمسيتَ” [55]، وفي الرواية الثانية قال: “إن عليك نهارًا”؛ لأنه خشي أن النبي عليه الصلاة والسلام لم ينتبه؛ فراجَعَ النبيَّ عليه الصلاة والسلام في ذلك.
باب: النَّهي عن الوِصَال في الصوم
ثم قال رحمه الله:
باب: النَّهي عن الوِصَال في الصوم.
والوِصَال معناه: أن يَقْرِن الإنسان بين يومين فصاعدًا في الصوم، بحيث لا يأكل ولا يشرب، من باب العبادة لله .
وساق المصنف حديث:
ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي نهى عن الوِصَال، قالوا: إنك تُواصِل؟! قال: إني لستُ كهيئتكم؛ إني أُطْعَم وأُسْقَى [56].
وذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان يُواصِل الأيام، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فإنه كان لقوة تعلُّقه بربه ينشغل عن الطعام والشراب، وهذه الرتبة رتبةٌ عاليةٌ، فكأنه عليه الصلاة والسلام يقول: إني أُطْعَم وأُسْقَى بما في قلبي من التَّعلق بالله والانشغال بذكره، وبما يفتحه الله تعالى عليه من الفتوحات الإلهية.
وليس المقصود أنه يأتيه طعامٌ من الجنة، أو شرابٌ من الجنة كما قال بعض العلماء؛ لأنه لو كان يأتيه طعامٌ من الجنة لم يكن مُواصِلًا، وإنما كان مُفطرًا، ولكن المقصود أنه يستغني عن الطعام والشراب بتعلقه بربه سبحانه، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام.
ونَهْيُ النبي عليه الصلاة والسلام عن الوِصَال هل هو نَهْي تحريمٍ أو كراهةٍ؟
الجواب: أنه نهي كراهةٍ؛ ولذلك لما راجعوا النبي عليه الصلاة والسلام وقالوا له: إنك تُواصِل؟! فلما أَبَوا أن ينتهوا عن الوِصَال واصَل بهم يومًا، ثم يومًا، وهذا يدل على أن النَّهي للكراهة.
وكون الصحابة لم يمتثلوا نهيه عن الوِصَال؛ لأنهم ظنُّوا أنه إنما نهاهم عن الوِصَال رحمةً وشفقةً بهم، فقالوا: يا رسول الله، نحن نريد أن نُواصل، نتحمل ونصبر. فلما قالوا ذلك واصَل بهم النبي عليه الصلاة والسلام يومًا، ثم يومًا، ثم رأوا الهلال، فقال: لو تأخَّر الهلال لَزِدْتُكم، كالمُنَكِّل لهم حين أَبَوا أن ينتهوا [57].
فالوِصَال إذن مكروهٌ، والسُّنة أن يُفطر المسلم بغروب الشمس، حين تغرب الشمس يُفطر، وأما فِعْل النبي عليه الصلاة والسلام فهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، لكن جاء في بعض الروايات: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: فأيُّكم أراد أن يُواصل فليُواصل حتى السَّحَر [58]، وأنه يجوز الوِصَال إلى السَّحر، ولا يتعدَّى ذلك.
وساق المصنف هذا الحديث بعدة رواياتٍ، ومنها:
أنه عليه الصلاة والسلام قال: ما بالُ رجالٍ يُواصلون؟! إنكم لستم مثلي، أما -والله- لو تَمَادَّ لي الشهر لَوَاصَلْتُ وِصَالًا يَدَعُ المُتعمِّقون تعمُّقَهم [59].
وهذا يدل على أن الوِصَال داخلٌ في التَّعمق المنهي عنه، وهذا يبدو أنه -والله أعلم- اجتهادٌ من بعض الصحابة ، وليس من جميعهم، وإنما من بعض الصحابة، كأنهم رأوا أن النبي عليه الصلاة والسلام شفقةً ورحمةً بهم قال لهم: لا تُواصلوا؛ ولذلك نقول: إن الوِصَال مكروهٌ.
باب: بيان أن القُبلة في الصوم ليست مُحرَّمةً على مَن لم تُحرك شهوته
ثم قال المصنف رحمه الله:
باب: بيان أن القُبلة في الصوم ليست مُحرَّمةً على مَن لم تُحرك شهوته.
ثم ساق بسنده حديث عائشة رضي الله عنها، قالت:
كان رسول الله يُقبِّل إحدى نسائه وهو صائمٌ. ثم تضحك [60].
يعني: تريد نفسها.
وساق المصنف هذا الحديث بعدة رواياتٍ، وفيها أنها قالت:
وأيُّكم يملك إِرْبَه كما كان رسول الله يَمْلِك إِرْبَه؟ [61].
وفي الرواية الأخرى:
كان يُقبل وهو صائمٌ، ويُباشر وهو صائمٌ، ولكنه أملككم لإِرْبِه [62].
فدلَّتْ هذه الأحاديث على أن القُبْلةَ للصائم جائزةٌ حتى مع تحرُّك الشهوة، بل حتى المُباشرة جائزةٌ، لكن بشرط أن يغلب على الظنِّ أن مَن يفعل ذلك لا يحصل منه جِمَاعٌ ولا إنزالٌ، أما إذا كان لا يضمن ذلك فلا يجوز له ذلك، إذا كان لا يضمن لا يجوز، لكن إذا كان يعلم من نفسه أنه يملك نفسه فلا بأس بذلك؛ لأن النبي كان يفعل هذا، كان يُقبل وهو صائمٌ، ويُباشر وهو صائمٌ، ولكنه كما قالت عائشة رضي الله عنها: “كان أملككم لإِرْبِه”.
وعلى هذا نقول: إن هذا جائزٌ في حقِّ مَن يملك إِرْبَه، ومَن لا يخاف أن يتعدى ذلك إلى الجِماع، أو إلى الإنزال، أما إذا كان يخشى ولا يضمن نفسه فليس له ذلك.
وأيضًا استُدلَّ بهذا الحديث على أن خروج المَذْي -بالذال- لا يُفسد الصوم؛ لأن القُبلة والمُباشرة مَظِنَّةٌ لخروج المَذْي، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك.
وهذا هو القول الراجح، وهو مذهب الحنفية والشافعية: أن خروج المَذْي لا يُفسد الصوم؛ لأنه ليس هناك دليلٌ يدل على أن خروج المَذْي يُفسد الصوم، خلافًا للمذهب عند الحنابلة والمالكية: أن خروج المَذْي يُفسد الصوم.
والقول الراجح هو: أن خروج المَذْي لا يُفسد الصوم؛ لأن النبي كان يُقبِّل وهو صائمٌ، ويُباشر وهو صائمٌ، وذلك مظنَّةٌ لخروج المَذْي.
وهذا اختيار ابن تيمية وجَمْعٍ من المُحققين من أهل العلم.
باب: صحة صوم مَن طلع عليه الفجر وهو جُنُبٌ
ثم ساق المصنف هذا الحديث بعدة رواياتٍ، ثم قال:
باب: صحة صوم مَن طلع عليه الفجر وهو جُنُبٌ.
وساق بسنده قصة أبي هريرة : أن أبا هريرة كان:
يقول في قَصَصِه.
يعني: الحديث، وليس المراد بذلك القصص؛ قَصَص الوُعَّاظ التي فيها الترغيب والترهيب، وإنما المقصود الحديث.
كان يقول:
مَن أدركه الفجر جُنُبًا فلا يصم.
قال: فذكرتُ ذلك لعبدالرحمن بن الحارث -لأبيه- فأنكر ذلك، فانطلق عبدالرحمن وانطلقتُ معه حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة.
كان الصحابة يرجعون لزوجات النبي عليه الصلاة والسلام.
فسألهما عبدالرحمن عن ذلك، فكلتاهما قالت: كان النبي يُصبح جُنُبًا من غير حُلُمٍ ثم يصوم.
قال: فانطلقنا حتى دخلنا على مروان، فذكر ذلك له عبدالرحمن، فقال مروان: عزمتُ عليك إلا ما ذهبتَ إلى أبي هريرة فَرَدَدْتَ عليه ما يقول.
قال: فجئنا أبا هريرة، وأبو بكر حاضرٌ ذلك كلَّه، قال: فذكر له عبدالرحمن، فقال أبو هريرة: أهما قالتاه لك؟ قال: نعم. قال: هما أعلم.
ثم ردَّ أبو هريرة ما كان يقول في ذلك إلى الفضل بن العباس، فقال أبو هريرة: سمعتُ ذلك من الفضل، ولم أسمعه من النبي .
قال: فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك، قلتُ لعبدالملك: أقالتا: في رمضان؟ قال: كذلك كان يُصبح جُنُبًا من غير حُلُمٍ ثم يصوم [63].
دلَّ هذا الحديث على أن الجنابة لا تضر إذا طلع عليه الفجر وهو جنبٌ، فلو حصل جِمَاعٌ، أو أن المرأة طهرتْ ولم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر؛ فذلك لا يضرُّ، وأن صومها صحيحٌ.
وكان أبو هريرة في أول الأمر يرى أنه إذا طلع الفجر والإنسان جنبٌ فصومه لا يصح، حتى أُخْبِرَ أبو هريرة بأن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أخبرتا: أن النبي كان يُصبح جنبًا ثم يصوم، فرجع أبو هريرة إلى قول عائشة وأم سلمة .
قال النووي: “أجمع العلماء على صحة صوم الجنب”.
كان هناك خلافٌ ثم ارتفع، والخلاف كان وقت أبي هريرة ، فلمَّا أُبْلِغ أبو هريرة بما ذكرتْه عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما رجع لقولهما؛ فانعقد الإجماع على صحة صوم الجنب.
وفي هذه القصة أيضًا من الفوائد: أن الصحابة يرجعون للحقِّ إذا تبين لهم، فأبو هريرة رجع لما ذكرتْه عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، وهذا يدل على حرصهم على الحقِّ، وطلبهم للحقِّ، وهكذا المسلم ينبغي إذا تبين له الحقُّ أن يرجع إليه.
وعلى هذا نقول: إن الجنب إذا طلع عليه الفجر وهو جنبٌ فصومه صحيحٌ، وهكذا الحائض إذا طهرتْ قبل طلوع الفجر ولم تغتسل فصومها صحيحٌ، وأن كون الاغتسال بعد طلوع الفجر لا يضرُّ ولا يُؤثر على صحة الصيام.
طيب، وددنا أن ننتهي من كتاب “الصيام”، لكن حتى نضبط الموقف نأخذ:
باب: تغليظ تحريم الجِماع في نهار رمضان على الصائم
باب: تغليظ تحريم الجِماع في نهار رمضان على الصائم، ووجوب الكفَّارة الكبرى فيه، وبيانها، وأنها تجب على المُوسِر والمُعْسِر، وتثبت في ذِمَّة المُعْسِر حتى يستطيع.
يعني: هذه الترجمة من النووي بناءً على مذهب الشافعية، والمسألة خلافيةٌ.
وساق المصنف حديث أبي هريرة :
جاء رجلٌ إلى النبي فقال: هلكتُ يا رسول الله. قال: وما أهلكك؟ قال: وقعتُ على امرأتي في رمضان. قال: هل تجد ما تعتق رقبةً؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين مُتتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد ما تُطْعِم ستين مسكينًا؟ قال: لا. ثم جلس، فأُتِيَ النبي بِعَرَقٍ فيه تَمْرٌ.
يعني: بِمِكْتَلٍ فيه تمرٌ.
فقال: تصدَّقْ بهذا، قال: أَفْقَرَ منا؟ فما بين لَابَتَيْها أهلُ بيتٍ أحوجُ إليه منا. فضحك النبي حتى بدتْ أنيابه، ثم قال: اذهب فَأَطْعِمْهُ أهلك [64].
وجاء في روايةٍ: أنه قال: يا رسول الله، هلكتُ [65]، وفي روايةٍ أنه قال: احترقتُ [66]؛ ولذلك ذكر مسلمٌ في إحدى الروايات: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: أين المُحْتَرِق؟ [67].
فهذا الرجل وقع على امرأته في نهار رمضان، فأمره النبي بالكفَّارة المُغلَّظة، وهي: عتق رقبةٍ، فإن لم يجد فصيام شهرين مُتتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا، فهذه هي كفَّارة الجِماع في نهار رمضان، وتجب على الرجل، وعلى المرأة أيضًا إلا إذا كانت المرأة مُكْرَهةً.
ولكن المقصود بإكراه المرأة أنه ليس لها خيارٌ، كأنها مُكَبَّلةٌ في يديها ورِجْلَيها، أما مجرد أن الزوج رفع الصوت عليها ونحو ذلك، فهذا ليس بإكراهٍ؛ ولذلك فالمرأة تتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية في هذا الموضوع، فيُفترض أنه إذا طلبها زوجها أن ترفض وتأبى، فإن أَصَرَّ فإنها تذهب وتترك الفراش وتهرب منه، أما أنها تُطاوعه وتَدَّعي الإكراه فهذا غير مقبولٍ منها إلا إذا أكرهها بحيث لا يكون لها أي خيارٍ.
أما بعض النساء التي تدَّعي الإكراه بمجرد رفع الصوت عليها أو نحو ذلك فهذا غير مقبولٍ، وعليها الكفَّارة المُغلَّظة كالرجل، أما إذا كان ليس لها خيارٌ؛ كأنها مُكبَّلةٌ في يديها ورِجْلَيها فهذه هي المُكْرَهة، يعني: الأصل أن الكفَّارة كما تجب على الرجل تجب على المرأة إلا إذا كانت مُكْرَهةً ليس لها أي خيارٍ.
إذن الجِماع في نهار رمضان يُفسد الصوم، وهو أشدّ المُفسدات، وأشد المُفَطِّرات، وتجب به هذه الكفَّارة المُغلَّظة، وهي: عتق رقبةٍ، والرِّقُّ انقرض الآن في العالم، فيُنْتَقَل إلى صيام شهرين مُتتابعين.
وأُنبِّه هنا إلى أن بعض العامة يقول: لا أستطيع أن أصوم شهرين مُتتابعين. ومُراده بذلك: أنه يَشُقُّ عليه، والمشقة لا بد منها؛ لأن صيام شهرين مُتتابعين فيه مشقةٌ؛ ولذلك نطرح عليه سؤالًا نقول: هل صُمْتَ رمضان كاملًا؟ إن قال: نعم. إذن أنت تستطيع أن تصوم شهرين مُتتابعين، لكن في ذلك مشقة، والمشقة لا بد منها؛ لعظم الذنب.
يعني: بعض الناس يأتي ويقول للمُفتي: إني لا أستطيع أن أصوم شهرين متتابعين. وبعض المُفتين يقول: إذن أَطْعِمْ ستين مسكينًا.
ينبغي إذا قال: لا أستطيع أن أصوم شهرين متتابعين. يُقال: هل صُمْتَ رمضان كاملًا؟ إن قال: نعم. طيب، هل تُعاني من أمراضٍ؟ إن قال: لا. إذن أنت تستطيع.
إنسانٌ صحيحٌ مُعافًى، لا يُعاني من أمراضٍ، فالأصل أنه يستطيع أن يصوم شهرين مُتتابعين، ويصوم رمضان كاملًا، والمشقة لا بد منها، لا بد من المشقة؛ لعظم الذنب.
إذن مَن كان يقدر على صيام شهرين مُتتابعين، ولا يُعاني من أمراضٍ، ولا من كبر سنٍّ، فالأصل أنه يجب عليه أن يصوم شهرين مُتتابعين، لكن لو قُدِّر أنه لا يستطيع أن يصوم شهرين مُتتابعين لأي سببٍ: إما لمرضٍ، أو لكبر سنٍّ، فينتقل إلى إطعام ستين مسكينًا.
هذا الرجل قال: لا أستطيع أن أصوم؛ لأنه قال: وهل أوقعني إلا الصيام. قالوا: كان معه شَبَقٌ، فكان لا يستطيع أن يصوم، يعني: عنده مرضٌ.
فإذا كان الإنسان مريضًا أو كبيرًا في السنِّ ينتقل للإطعام، أما إذا كان صحيحًا مُعافًى، وصام رمضان كاملًا، فالأصل أنه يستطيع أن يصوم شهرين مُتتابعين.
إذن إذا جامع في نهار رمضان تعلَّق بجِماعه خمسةُ أمورٍ:
- الأمر الأول: الإثم.
- والأمر الثاني: وجوب الإمساك بقية النهار.
- والأمر الثالث: وجوب القضاء.
- والأمر الرابع: وجوب الكفَّارة المُغلَّظة.
- والأمر الخامس: فساد الصوم.
ثم ساق المصنف هذا الحديث برواياتٍ أخرى مُقاربةٍ.
ثم بعد ذلك انتقل المؤلف للكلام عن الصوم والفطر للمُسافر، وهذه لعلنا -إن شاء الله- نفتتح بها الدرس الأسبوع القادم بإذن الله تعالى.
فنكتفي بهذا القدر.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأسئلة
الآن نُجيب عما تيسَّر من الأسئلة:
السؤال: يستخدم بعضُ مرضى السُّكَّريِّ مِجَسًّا بشريطٍ لاصقٍ؛ لمُتابعة حالة السكر بانتظامٍ، بدلًا من الإبرة، فما حكم الاغتسال مع وجوده؟ علمًا بأنه يبقى أربعة عشر يومًا، ويفسد في حال نزعه.
الجواب: لا بأس بذلك، وعندما يغتسل الغُسل الواجب يمسح عليه، فهو كالجَبِيرة، يُعامل كالجَبِيرة.
السؤال: هل على الذهب المُعَدِّ للاستخدام والزينة زكاةٌ؟
الجواب: هذه مسألةٌ خلافيةٌ، والجمهور على أن الحُلِيَّ المُعَدَّ للاستخدام والزينة لا زكاة فيه، وهو القول الراجح.
السؤال: ما حكم صلاة ركعتين عند القدوم من السفر؟
الجواب: صلاة ركعتين عند القدوم من السفر سُنةٌ، فكان من هَدْي النبي أنه إذا قدم من السفر قصد المسجد، فصلَّى فيه ركعتين، كما جاء في قصة جابرٍ وغيرها [68]، كان هذا هو هَدْي النبي ، وإذا لم تتيسر الصلاة في المسجد؛ لكونه قَدِمَ في وقتٍ المسجد فيه ليس مفتوحًا، فيأتي بهذه السُّنة في البيت، يُصلي ركعتين في بيته أول ما يقدم من السفر.
وهذه من السنن شبه المهجورة، فينبغي أن يحرص المسلم على تطبيق هذه السُّنة.
السؤال: أنا زارعٌ كُلْيَةً من أربعة أشهر، وقال الطبيب: لا تقدر أن تصوم. فما الحكم؟
الجواب: إذا كنت ترجو أن تكون قادرًا على الصيام في المستقبل، أو أخبرك الطبيب بذلك، فانتظر حتى تقدر على الصيام، ثم تقضي جميع الأيام التي أفطرتَها.
أما إذا كنتَ لا ترجو القضاء في المستقبل، وأخبرك الطبيب بأن وضعك سيستمر طوال عمرك هكذا، وأنك لا يمكن أن تصوم في المستقبل؛ فإنك تُطْعِم عن كل يومٍ مسكينًا، ويمكن أن تُعطي هذا الإطعام لجمعيةٍ خيريةٍ، والجمعياتُ الخيرية عندهم فتاوى، وعندهم تعليمات، وعندهم أيضًا قوائم بأسماء المُستحقين، فتبرأ الذمة بتوصيل مبلغ الإطعام لهم.
السؤال: مَن أفطر وهو شاكٌّ في غروب الشمس، هل يصح صومه؟
الجواب: الفقهاء يقولون: مَن أكل أو شرب شاكًّا في غروب الشمس فسد صومه؛ لأن الأصل بقاء النهار، ومَن أكل أو شرب شاكًّا في طلوع الفجر صحَّ صومه؛ لأن الأصل بقاء الليل.
فلا يجوز الفطر بمجرد الشك، لا بد من غلبة الظنِّ بغروب الشمس.
السؤال: ما مقدار إطعام المسكين لمَن أفطر في نهار رمضان وكان كبيرًا، أو مريضًا مرضًا لا يُرْجَى بُرْؤُه؟
الجواب: المَرْجع في ذلك العُرْف على القول الراجح، فما عَدَّه الناس إطعامًا فهو إطعامٌ.
وبالنسبة للطعام المطبوخ: الآن هناك عُرْفٌ مُستقرٌّ عند أصحاب المطاعم، تقول: أعطني نفرًا أو نفرين أو ثلاثةً. وكل أصحاب المطاعم يعرفون، وعندهم عُرْفٌ مُستقرٌّ: أرزٌ مع لحمٍ، أو أرزٌ مع دجاجٍ؛ نفرًا واحدًا، أو نفرين، أو ثلاثةً.
إذن المرجع في ذلك هو العُرْف، لكن إذا كان أهل البلد يَأْتَدِمون فينبغي أن يُخْرَج مع الطعام إدامٌ، يعني: يكون أرزٌ مع لحمٍ، أو أرزٌ مع دجاجٍ، ونحو ذلك، ولا يُكْتَفَى بالطعام فقط، لا يُكْتَفَى بالأرز، وإنما يكون معه إدامٌ.
السؤال: حكم الصيام بعد النصف من شعبان؟
الجواب: لا بأس بذلك، أما حديث: إذا انتصف شعبان فلا تصوموا [69] فحديثٌ ضعيفٌ؛ ضعَّفه الإمام أحمد وغيره.
السؤال: هل الترتيب في الكفَّارة المُغلَّظة واجبٌ أو مُستحبٌّ؟
الجواب: الترتيب واجبٌ، وليس مُستحبًّا، وإنما هو واجبٌ، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: هل تجد رقبةً؟ ثم قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين مُتتابعين؟ ثم قال: هل تستطيع أن تُطْعِم ستين مسكينًا؟ [70]، فالترتيب على الوجوب، وليس على الاستحباب.
السؤال: هل يجوز إضافة قول: “عدد خلقه، وزِنَة عرشه، ومِدَاد كلماته” على الاستغفار والتَّسبيح والحمد والتَّكبير؟
الجواب: نعم، لا بأس بذلك، هي وردتْ في التَّسبيح، ولا بأس أن يُجْعَل ذلك في التَّحميد، والتَّهليل، والتَّكبير، والاستغفار، والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، كل ذلك لا بأس به؛ لأن جنسه قد ورد.
السؤال: ما حكم قراءة القرآن من المصحف دون وضوءٍ؟
الجواب: إذا كان من غير مَسِّ المصحف فلا بأس، أما مسُّ المصحف فلا بد له من الطهارة، وعلى هذا المذاهبُ الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وأكثر أهل العلم على أنه تجب الطهارة عند مَسِّ المصحف.
أما لو أردتَ أن تقرأ القرآن عن ظهر قلبٍ فلا تجب لذلك الطهارة.
طيب، لو أردتَ أن تقرأ من المصحف الذي في الهاتف الجوال، هل تجب الطهارة عند مَسِّ المصحف الذي في الهاتف الجوال؟
لا تجب؛ أولًا: لأن المصحف الموجود في الهاتف الجوال مجرد شاراتٍ وذبذباتٍ كهربائيةٍ، وليس مُصحفًا حقيقيًّا.
ثانيًا: حتى لو فرضنا أنه كالمصحف الورقي المطبوع، فالعادة أن الهاتف الجوال له شاشتان: داخلية وخارجية، فالذي يمسّ المصحف عبر شاشة الهاتف الجوال إنما يمسّه من وراء حائلٍ.
فعلى ذلك لا بأس بمسِّ المصحف الموجود في الهاتف الجوال على غير طهارةٍ، بل إن وجود المصحف في الهاتف الجوال هو من نِعَم الله علينا في هذا الزمان؛ يكون معك المصحف في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، وتستطيع أن تقرأ في أي مكانٍ، تستطيع أن تقرأ وأنت في الانتظار، مثلًا: في المُستوصف، في المطار، في أي مكانٍ، فهو من نِعَم الله تعالى علينا في هذا الزمان.
السؤال: كيف يكون توجيه الحديث الذي في “المسند” في الرجل الذي بايع النبيَّ على أن يُصلِّي صلاتين؟
الجواب: نعم، هذا جاء في حديثٍ رواه أحمد: أن نفرًا -ليس رجلًا- بايعوا النبيَّ عليه الصلاة والسلام على أن يُصلوا صلاتين في أول إسلامهم، فَقَبِلَ منهم النبيُّ عليه الصلاة والسلام ذلك [71]، ثم بعد ذلك حَسُنَ إسلامهم فصلوا الصلوات الخمس كلها.
هذا من باب التَّدرج معهم، يعني: كونه يريد أن يُسلم ويُصلي صلاتين خيرٌ من أن يبقى على الكفر، هذا من باب التَّدرج معهم؛ ولذلك لما استقرَّ الإيمان في قلوبهم وحَسُنَ إسلامهم صَلَّوا الصلوات الكاملة.
واستدلَّ بهذا بعضُ العلماء على أنَّ مَن ترك بعض الصلوات ولم يتركها كلَّها أنه لا يكفر؛ لأنه لا يمكن أن يُقِرَّهم النبي عليه الصلاة والسلام على الكفر.
وهذا استدلالٌ جيدٌ، فالذي يكفر ويخرج من دائرة الإسلام هو مَن ترك الصلاة بالكلية، أما مَن كان يُصلي أحيانًا ويتركها أحيانًا فيكون من السَّاهين الذين توعدهم الله تعالى بقوله: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4- 5]، لكنه لا يخرج من دائرة الإسلام.
السؤال: ما حكم إطالة الشعر للرجل؟
الجواب: إطالة الشعر للرجل أو حلق الشعر للرجل يرجع الإنسان فيه لعادة أهل البلد، فإن كان أهل البلد يُطيلون شعورهم فَعَلَ، وإن كانوا لا يُطيلون شعورهم فإنه لا يُطيل شعره، فهو كلبس الإزار والرداء، ولبس العمامة، هذه يرجع فيها لعادة أهل البلد.
والآن عامة الناس تقريبًا في جميع المجتمعات: الرجال لا يُطيلون شعورهم، إنما ذلك خاصٌّ بالنساء؛ ولذلك لا يُقال: إن إطالة الشعر سُنةٌ.
والذي يقول: إطالة الشعر سُنةٌ؛ يلزمه أن يقول أيضًا: لُبْسُ العمامة سنةٌ؛ فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يلبس عمامةً، ولُبْسُ الإزار والرداء.
هذه الأمور يُرْجَع فيها لعادة الناس في البلد.
إذن إطالة الشعر للرجل يُرْجَع فيه لعادة أهل البلد، فالناس عندنا لا يُطيلون شعورهم، وعلى ذلك فلا يُقال: إن إطالة الشعر سُنةٌ.
السؤال: ما حكم السحور؟ هل هو واجبٌ؟
الجواب: السحور مُستحبٌّ، وليس واجبًا، وإنما مُستحبٌّ استحبابًا مُؤكدًا: تسحَّروا؛ فإن في السُّحور بركةً [72]؛ ولذلك لو أنه صام من غير سحورٍ فصومه صحيحٌ بالإجماع.
السؤال: رجلٌ مُصابٌ بالزهايمر، ويعلم وجوب صيام رمضان، لكنه يُفطر أحيانًا عمدًا بسبب المرض، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: الزهايمر له درجاتٌ، هناك درجةٌ خفيفةٌ لا تمنع من الصيام، ولا من الصلاة، فهذا الواجب عليه أن يصوم ويصلي ويأتي بالواجبات الشرعية.
وهناك الدرجة الشديدة التي تجعل الإنسان لا يضبط ولا يعرف مَن حوله وينسى، فهذا مرفوعٌ عنه القلم.
وهناك الدرجة الوسطى، فإذا كان أحيانًا لا يضبط ولا يعرف مَن عنده، وإذا صلَّى الصلاة لا يُكملها؛ فهذا حُكْمُه حُكْمُ الصبي المُميز: إن أتى بالطاعات أُثِيبَ، وإلا فليس عليه شيءٌ؛ لأنه إذا كان الصبي قارب البلوغ -يعني: مثلًا عمره أربع عشرة سنة- ولم تظهر عليه إحدى علامات البلوغ، ومع ذلك مرفوعٌ عنه القلم، لماذا؟
لِخِفَّة الضبط عنده، فما بالك بهذا الرجل الكبير في السنِّ الذي لا يعرف أحيانًا مَن حوله، وأحيانًا لا يستطيع أن يُكْمِل الصلاة؟ هو أولى بأن يكون مرفوعًا عنه القلم.
السؤال: شخصٌ كان مُصابًا بالسرطان، فأمره الطبيب بالإفطار، فأطعم عن كلِّ يومٍ مسكينًا، ثم شفاه الله، فهل يجب عليه القضاء؟
الجواب: ليس عليه شيءٌ؛ لأنه قد اتَّقى الله ما استطاع، ولا يجب عليه القضاء ولا شيءٌ آخر؛ لأنه فعل ما أُفْتِيَ به بناءً على كلام الطبيب، فهو قد أفطر بناءً على كلام الطبيب، وأُفْتِيَ بذلك، وأطعم عن كل يومٍ مسكينًا، ثم بعد ذلك شفاه الله تعالى بأي سببٍ؛ قد يكون بدعوةٍ مُستجابةٍ، وقد يكون بأي سببٍ من الأسباب، فهو قد أدَّى ما طُلِبَ منه شرعًا واتَّقى الله ما استطاع، وليس عليه شيءٌ: لا من قضاء، ولا إطعام، ولا أي شيءٍ آخر.
السؤال: لماذا لم يكن حديث كُرَيبٍ دالًّا على اختلاف المطالع، مع أن ثمرة هذه المسألة هي عدم الإيجاب برؤية الهلال في بلدٍ على كل البلدان؟
الجواب: لأننا لو قلنا باعتبار اختلاف المطالع، فحديثُ كُرَيْبٍ لا يدل لهذا؛ لأن معاوية والناس في دمشق صاموا يوم الجمعة، وابن عباسٍ رضي الله عنهما ومَن في المدينة صاموا يوم السبت، ويُفترض أنه إذا رُئِيَ الهلال في دمشق أن يُرَى في المدينة، فلا تَرِدُ مسألة اختلاف المطالع، إنما فقط تُحْمَل على أنهم اجتهدوا فَرَأَوا الهلال في دمشق ولم يَرَوه في المدينة؛ فهؤلاء صاموا، وهؤلاء أفطروا.
السؤال: أنا شخصٌ عندي قسطرة بولية من المثانة، وأحتاج لإدخال الماء عن طريق القسطرة إلى المثانة؛ لتجنب انسداد القسطرة، فهل هذا يُفطر؟
الجواب: هذا لا يُفطر، هذا مجرد تنظيفٍ فقط، ولا يُعتبر تغذيةً، ولا أكلًا، ولا شُرْبًا، وليس في معنى الأكل والشرب، والأصل صحة الصوم، فنقول: صومك صحيحٌ، ولا شيء عليك.
ونكتفي بهذا القدر.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحاشية السفلية
^1 | رواه البخاري: 71، ومسلم: 1037. |
---|---|
^2, ^8 | رواه مسلم: 1079. |
^3 | رواه البخاري: 38، ومسلم: 760. |
^4 | رواه البيهقي في “السنن الكبرى”: 7904. |
^5 | رواه مسلم: 1164. |
^6 | رواه أحمد: 7917. |
^7 | رواه البخاري: 4850، ومسلم: 2846. |
^9, ^14, ^15, ^16, ^17 | رواه مسلم: 1080. |
^10 | رواه البخاري: 1909. |
^11 | رواه البخاري: 1900، ومسلم: 1080. |
^12 | رواه أبو داود: 2334، والترمذي: 686 وقال: حسنٌ صحيحٌ. |
^13 | رواه البخاري: 1907. |
^18, ^19, ^20 | رواه مسلم: 1081. |
^21 | رواه مسلم: 1082. |
^22, ^26 | رواه الترمذي: 697، وقال: حسنٌ. |
^23 | رواه مسلم: 1083. |
^24 | رواه البخاري: 2468، 4913، ومسلم: 1479. |
^25 | رواه مسلم: 1087. |
^27, ^28 | رواه مسلم: 1088. |
^29 | رواه مسلم: 1089. |
^30 | رواه مسلم: 1090. |
^31 | رواه أبو داود: 2349. |
^32 | رواه مسلم: 1091. |
^33, ^34, ^36 | رواه مسلم: 1092. |
^35 | رواه البخاري: 621، ومسلم: 1093. |
^37, ^38 | رواه مسلم: 1093. |
^39, ^41, ^42, ^43 | رواه مسلم: 1094. |
^40 | رواه الحاكم في “المستدرك”: 700، والبيهقي في “السنن الكبرى”: 1765. |
^44, ^72 | رواه مسلم: 1095. |
^45, ^47 | رواه مسلم: 1096. |
^46 | رواه أبو داود: 2345. |
^48 | رواه مسلم: 1097. |
^49 | رواه مسلم: 1098. |
^50 | رواه البخاري: 1959. |
^51, ^52 | رواه مسلم: 1099. |
^53 | رواه مسلم: 1100 |
^54 | رواه مسلم: 1101. |
^55 | رواه مسلم: 1101 |
^56 | رواه مسلم: 1102. |
^57 | رواه مسلم: 1103. |
^58 | رواه البخاري: 1967. |
^59 | رواه مسلم: 1104. |
^60, ^61, ^62 | رواه مسلم: 1106. |
^63 | رواه مسلم: 1109. |
^64 | رواه مسلم: 1111. |
^65 | رواه البخاري: 1936. |
^66, ^67 | رواه مسلم: 1112. |
^68 | رواه البخاري: 3087، ومسلم: 715. |
^69 | رواه أبو داود: 2337. |
^70 | رواه البخاري: 1936، ومسلم: 1111. |
^71 | رواه أحمد: 20287 وفيه: عن نصر بن عاصم، عن رجلٍ منهم: أنه أتى النبيَّ فأسلم على أنه لا يُصلي إلا صلاتين، فَقَبِلَ ذلك منه. |