logo
الرئيسية/دروس علمية/التعليق على كتاب السلسبيل في شرح الدليل/(80) كتاب النفقات- من قوله: “يجب على الزوج ما لا غنى لزوجته..”

(80) كتاب النفقات- من قوله: “يجب على الزوج ما لا غنى لزوجته..”

مشاهدة من الموقع

عناصر المادة

ننتقل بعد ذلك إلى التعليق على “السلسبيل في شرح الدليل”، وهذا هو الدرس رقم: (80)، في هذا اليوم الثامن والعشرين من شهر شعبان من عام (1444 هـ).

ولعلنا -إن شاء الله- نُكمل في هذا الدرس المجلد السابع، بحيث نبتدئ -إن شاء الله- بعد رمضان في المجلد الثامن بإذن الله تعالى.

كتاب النفقات

وصلنا إلى كتاب النفقات، قال المصنف رحمه الله:

كتاب النفقات

تعريف النفقات لغةً واصطلاحًا

“النفقات”: جمع نفقةٍ، وهي في اللغة: الإخراج، ومنه سُمِّي النفاق؛ لأنه خروجٌ من الإيمان.

ويقال: نَفَقَت البذرة، إذا خرجت، فهذه المادة تدل في اللغة العربية على معنى: الخروج.

واصطلاحًا: “كفاية من يَمونه بالمعروف”.

أسباب النفقة

قال: يجب على الزوج.

سبب النفقة ثلاثة أسبابٍ: الزوجية، والقرابة، والمِلك، هذا هو سبب النفقة: الزوجية، والقرابة، والملك، وعلى ذلك المؤلف رتب هذه الأبواب، فجعل أول النفقات في السبب الأول: وهو الزوجية، ثم بعد ذلك: السبب الثاني، وهو القرابة، جعل فيه نفقة الأقارب، ثم الفصل الذي بعده: نفقة المماليك، الملك؛ لأن النفقة ترجع في سببها إلى هذه الأسباب الثلاثة: الزوجية، والقرابة، والملك.

فنبدأ بالسبب الأول: الذي هو الزوجية، قال: “يجب على الزوج” يعني: النفقة على زوجته، وهذا بالإجماع؛ لقول الله تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ [الطلاق:7]، وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، ولقول النبي عليه الصلاة والسلام: ولهنَّ عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف [1]، إلى غير ذلك من الأدلة.

لكن ما هو سبب النفقة؟

سبب النفقة عند الجمهور، طبعًا هي محل خلافٍ؛ سبب نفقة الزوج على زوجته عند الحنفية: هو الحبس في البيت، لكن الجمهور يرون أن السبب: هو إمكان الاستمتاع بها، وهذا هو القول الراجح: أن سبب نفقة الزوج على زوجته: إمكانية الاستمتاع بها، فما دام أنه يمكن أن يستمتع بها؛ يجب عليه أن ينفق عليها؛ ولذلك إذا نَشَزت الزوجة -يعني تمردت- على الزوج، ولم يمكنه أن يستمتع بها؛ سقط حقها في النفقة، وكذلك أيضًا لو كانت عند أهلها ولم تُسلَّم له؛ لم تجب النفقة لها، وهذا يقودنا أيضًا إلى مسألةٍ أخرى: وهي نفقة الزوجة الموظفة، هل يجب على الزوج أن ينفق على زوجته الموظفة أو لا يجب؟

ننظر للسبب؛ هل السبب قائمٌ، وهو الزوجية؟ قائمٌ؛ إذنْ يجب، لكن هل الوظيفة لها أثرٌ في مقدار النفقة؟ الذي يظهر: أن الوظيفة لها أثرٌ؛ لأن الموظفة تنقطع عن البيت، وتغيب عن البيت ساعاتٍ، فسبب النفقة هو إمكان الاستمتاع بالزوجة، فهذا الغياب عن البيت لهذه الساعات يجعل نفقة الموظفة أقل من نفقة غير الموظفة.

فالأقرب -والله أعلم- أن يقال: إن الزوجة إذا كانت موظفةً؛ تجب لها النفقة، ولكن نفقتها أقل من نفقة الزوجة غير الموظفة، وسبب ذلك: هو انقطاعها عن البيت عدة ساعاتٍ في اليوم، فهذا يجعل نفقتها أقل من نفقة غير الموظفة.

ما يجب على الزوج من النفقة

ثم انتقل المؤلف للكلام عن: في ماذا تكون النفقة؟

قال: ما لا غِنى لزوجته عنه؛ من مأكلٍ ومشربٍ وملبسٍ ومسكنٍ بالمعروف.

يعني: يلزم الزوج أن يُنفِق على زوجته ما لا غنى للزوجة عنه من الأكل والشرب والكسوة، وكذلك المسكن، وكل ذلك بالمعروف.

قال:

ويَعتبر الحاكم ذلك -إن تنازعا- بحالهما.

يعني: إن تنازع الزوج والزوجة؛ فالحاكم يَعتبر بحال الزوجين.

وإذا قال الفقهاء: “الحاكم”، هذا المصطلح ماذا يريدون به؟ القاضي، فإذا وردت كلمة “الحاكم” في كتب الفقه؛ المقصود به: القاضي، فيقول المؤلف: إنه يعتبر حال الزوجين في تقدير النفقة، فإذا كان الزوج والزوجة موسرين؛ فتكون النفقة نفقة موسرٍ، وإذا كانا معسرين؛ فنفقة معسرٍ، وإذا كانا متوسطين؛ فنفقة متوسطٍ.

طيب، إذا كان بينهم اختلافٌ، الزوج معسرٌ، والزوجة موسرةٌ، أو العكس، فهل العبرة بحال الزوج أو بحال الزوجة؟

في هذه المسألة ثلاثة أقوالٍ للفقهاء:

  • القول الأول: أنه يجب أن ينفق نفقة المتوسط، إذا كانت حال الزوجين مختلفةً؛ أحدهما موسرٌ والآخر معسرٌ؛ فيجب على الزوج أن ينفق نفقة المتوسط ما بين الغني والفقير، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة، واستدلوا بقصة امرأة أبي سفيان لما أتت النبي ، قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجلٌ شحيحٌ، لا يعطيني ما يكفيني وولدي، قال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف [2]، فقالوا: إن إيجاب نفقة المُوسر على المُعسر أو المُعسر على المُوسر ليس من المعروف؛ فيكون الواجب المتوسط.
  • والقول الثاني: أن المعتبر هو حال الزوجة دون الزوج، فإذا كانت الزوجة مُوسرةً؛ يجب أن ينفق عليها نفقة موسرٍ، وإذا كانت معسرةً؛ يجب أن ينفق عليها نفقة معسرٍ، هذا هو مذهب الحنفية، وقولٌ عند الحنابلة، واستدلوا بالحديث السابق، ووجه الدلالة: خذي ما يكفيك، قالوا: هذا دليلٌ على أن المعتبر حال الزوجة.
  • والقول الثالث: أن المعتبر هو حال الزوج، وهذا هو مذهب الشافعية، وروايةٌ عند الحنابلة، وهو الراجح؛ لقول الله تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق:7]، فقوله: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ، يعني: من كان غنيًّا ينفق نفقة الغني، وقوله تعالى: وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ، يعني: إذا كان فقيرًا؛ فنفقة فقيرٍ، ثم أكد الله هذا المعنى فقال: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا مَا آتَاهَا، وهذه الآية الحقيقةَ كالنص في المسألة، فالأقرب -والله أعلم- أن المعتبر هو حال الزوج.

أما ما استدل به أصحاب القول الأول والثاني من قصة امرأة أبي سفيان، فالجواب: أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر أو أذِن لامرأة أبي سفيان أن تأخذ من أبي سفيان بالمعروف وليس مطلقًا، بالمعروف، والمعروف هو ما أقره الشرع، والشرع إنما أوجب ما هو مستطاعٌ.

فعلى ذلك: الراجح أن المعتبر هو حال الزوج؛ إذا كان الزوج غنيًّا؛ فينفق نفقة غنيٍّ، إذا كان فقيرًا؛ ينفق نفقة فقيرٍ، إذا كانت حاله متوسطةً؛ ينفق نفقة متوسطٍ.

فالراجح الذي يقتضيه الدليل: هو أن المعتبر هو حال الزوج.

قال المصنف رحمه الله:

وعليه مؤنة نظافتها؛ من دهنٍ وسدرٍ.

يعني: أدوات النظافة يجب على الزوج أن يُوفِّرها للزوجة، تدخل في النفقة، ومثَّل المؤلف بالدهن والسدر، يعني: ما هو موجودٌ في زمنه، وفي وقتنا الحاضر: المنظفات الحديثة؛ من أنواع الصوابين والشامبو، ونحو ذلك، هذه تدخل في نفقة الزوجة.

وثمن ماء الشرب والطهارة من الحدث والخبث وغسل الثياب.

يعني: يجب على الزوج أن يوفر هذه الأمور كلها، وتدخل في النفقة، فيجب أن يوفر ماء الشرب، كذلك الماء الذي تطهر به الزوجة من الحدث ومن النجاسة، وكذلك أيضًا الماء الذي تُغسل به الثياب؛ كل ذلك داخلٌ في النفقة.

وعليه لها خادمٌ إن كانت ممن يُخدَم مثلها.

يجب على الزوج أن يوفر لزوجته خادمًا، بشرط: أن تكون الزوجة ممن يُخدَم مثلها، يعني: بأن يكون مثلًا أهلها عندهم خدمٌ، أما إذا كانت ممن لا يُخدَم مثلها؛ فلا يجب على الزوج أن يوفر لها خادمًا؛ لأن الزوجة إذا كانت ممن يُخدَم مثلها؛ فتوفير الزوج خادمًا لها داخلٌ في المعروف، والله تعالى يقول: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19].

وهذه مسألةٌ يكثر السؤال عنها، فبعض الناس يسأل: هل يجب عليَّ أن أوفر خادمةً للزوجة؟

الجواب: إن كانت ممن يُخدَم مثلها؛ يجب، أما إن كانت ممن لا يُخدَم مثلها؛ لا يجب، فإذا كانت مثلًا أتت من أسرةٍ عند أهلها خادمةٌ، وعند خالاتها وأقاربها يُخدَم مثلهم؛ هنا يجب على الزوج أن يوفر لها خادمةً.

أما إذا كانت من بيئةٍ لا يُخدَم مثلها، أهلها ما عندهم خادمةٌ أصلًا، وأقاربها ليس مثلهم ممن يُخدَم؛ فلا يجب على الزوج أن يوفر لها خادمةً.

قال: وتلزمه مُؤنِسَةٌ لحاجةٍ.

كأن يُسكِنها في مكانٍ موحشٍ، وتخشى على نفسها وتخاف، فيقول الفقهاء: إنه يلزم الزوج أن يُحضر لها من يؤنسها؛ كأن يكون الإنسان مثلًا في قريةٍ في مكانٍ بعيدٍ، والزوج عنده عملٌ، ويغيب عن البيت ساعاتٍ طويلةً، والزوجة تخاف وتستوحش، فهنا الفقهاء يقولون: يلزمه أن يُحضر من يؤنسها، ويمكن أن يأتي بخادمةٍ ومُؤنسةٍ في الوقت نفسه، يعني: تحقق الغرضين جميعًا.

مسألة علاج الزوجة

طيب، علاج الزوجة هل يدخل في النفقة أو لا يدخل؟

أولًا التداوي ليس واجبًا، ونُقل الإجماع على ذلك، قد جاء في “الصحيحين” أن النبي عليه الصلاة والسلام في مرض موته أرادوا أن يلُدُّوه، يعني: يضعوا اللَّدُود -نوعٌ من الدواء- في فمه، فأشار إليهم: أن لا، فقالوا: كراهية المريض للدواء، فوضعوا فيه الدواء رغمًا عنه، فلما أفاق أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالقصاص منهم، وقال: لا يبقى أحدٌ في البيت إلا لُدَّ وأنا أنظر، إلا العباس؛ فإنه لم يشهدكم [3]، وبالفعل وُضع الدواء في فمِ الجميع، لُدُّوا جميعًا، وأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يبيِّن أن الإنسان حُرٌّ، إذا كان عقله معه؛ لا يُجبَر على الدواء، لا يجبر، لا يجبر على التداوي، فالإنسان إذا كان بكامل قواه العقلية؛ له الحرية، فإذا رفض المستشفى، رفض الدواء، لماذا يجبر؟

فلاحِظ هنا أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بأن يُقتص من هؤلاء الذين وضعوا في فيه الدواء، يعني: بغير رضاه، وأن يُقتص منهم جميعًا، وبالفعل اقتُصَّ منهم جميعًا، والقصة في “الصحيحين”؛ فهذا يدل على أن التداوي ليس واجبًا؛ ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله: لست أعلم سالفًا أوجب التداوي.

التداوي: إما مباحٌ، أو مستحبٌّ، ورجحنا في درسٍ سابقٍ أنه مستحبٌّ؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: تَدَاوَوا، ولا تَدَاووا بحرامٍ [4]، ولأنه لما زار رجلًا مريضًا؛ قال : ادعوا طبيب بني فلانٍ [5].

فالتداوي الأقرب: أنه مستحبٌّ.

لكن هل يلزم الزوج علاج الزوجة؟

هذا محل خلافٍ بين الفقهاء:

  • القول الأول: أنه لا تجب نفقة علاج الزوجة على الزوج، وعلى هذا المذاهب الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة؛ قالوا: لأن الله إنما ألزم بالنفقة المستمرة الدائمة، أما نفقة العلاج من الأمور العارضة، والأصل في الإنسان السلامة من الأمراض ومن العلل.
  • القول الثاني: إن نفقة علاج الزوجة تجب على الزوج مطلقًا، وهو قولٌ لبعض المالكية، وذهب إليه كثيرٌ من المعاصرين، واستدلوا بقول الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، قالوا: ليس من المعروف أن يرى الزوج زوجته تشتكي من الأمراض ولا يعالجها.
  • القول الثالث قولٌ وسطٌ: أنه إذا كانت نفقة العلاج قليلةً عرفًا؛ فتجب على الزوج النفقة، أما إذا كانت كثيرةً عرفًا فلا تجب نفقة العلاج.

وهذا هو الأقرب والله أعلم، واختاره الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله؛ لأن نفقة العلاج اليسيرة تدخل في المعروف، ليس من المعروف أن الزوج يرى زوجته تتألم من صداعٍ مثلًا أو من انفلونزا أو من زكامٍ وتطلب منه أن يأتي لها بمُسَكِّنٍ مثلًا أو بعلاجٍ ويأبى؛ بحجة أن هذا غير واجبٍ عليه، ليس هذا من المعروف، لكن لو كان علاج الزوجة يتطلب نفقاتٍ كثيرةً وسفرًا للخارج ونحو ذلك، فالذي يظهر أن هذا لا يجب عليه شرعًا، لكن لو تبرع به؛ لكان هذا من المعاشرة بالمعروف، ومن الإحسان الذي يثاب ويؤجر عليه، هذا هو الأظهر في هذه المسألة.

وقت دفع نفقة الزوجة وكسوتها

ثم قال المصنف رحمه الله:

فصلٌ

والواجب عليه دفع الطعام في أول كل يومٍ.

يعني النفقة الآن الواجبة للزوجة متى تدفع؟

يقول المؤلف: إنه في أول اليوم يأتيها بقوتها من الإفطار والغداء والعشاء، مع طلوع شمس كل يومٍ، ولكن هذا محل نظرٍ؛ إذ لا دليل يدل لذلك، والأصل أن النفقة تجري مجرى عرف الناس، والله تعالى يقول: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233]، فليس على هذا دليلٌ، إنما يأتي بالنفقة في أي وقتٍ، سواءٌ في أول اليوم أو في وسطه، على حسب ما يتفق مع الزوجة عليه.

ويجوز دفع عِوَضه إن تراضيا.

يعني: الأصل أن النفقة هي دفع الطعام والشراب، لكن لو أن الزوجة قالت: لا، لا تعطيني الطعام ولا الشراب، أعطني نقدًا، وأنا أُفضِّل هذا، إذا تراضيا على ذلك؛ فلا بأس.

ولا يملك الحاكم أن يفرض عِوَض القُوت دراهم إلا بتراضيهما.

إذا تنازع الزوجان في النفقة؛ فلا يملك القاضي أن يفرض مكان الطعام دراهم إلا إذا تراضيا على ذلك؛ ولهذا قال ابن القيم: “فرضُ الدراهم لا أصل له في كتاب الله ولا سنة رسول الله ، ولا عن أحدٍ من الصحابة، بل المعروف الذي نص عليه صاحب الشرع أن يطعمهم مما يأكل، ويكسوهم مما يلبس، وليس المعروف سوى هذا”.

قال: وفرضه ليس بلازمٍ.

يعني: لا يلزم اتباع فرض الحاكم عِوَضَ الطعام دراهم.

طيب، هنا مسألةٌ مهمةٌ، بعض النساء تُطالب الزوج بنفقةٍ شهريةٍ، تقول: أعطني مصروفًا شهريًّا، هل هذا يجب على الزوج؟

لا يجب، إنما الواجب عليه أن يوفِّر لها ما تحتاج إليه من طعامٍ وشرابٍ وكسوةٍ ومسكنٍ، أما أن يفرِض لها مرتبًا شهريًّا، هذا لا يجب، إن تبرَّع بذلك، وتراضيا على ذلك؛ فلا بأس، لكن إن رفض الزوج وقال: لا أقبل بهذا، لكن أنا مستعدٌّ أن أوفِّر لكِ ما تحتاجين من الطعام والشراب والكسوة والمسكن؛ فلا يلزمه أن يعطيها مصروفًا شهريًّا؛ ولهذا ابن القيم رحمه الله قال: “فرض الدراهم لا أصل له في كتاب الله ولا سنة رسول الله ولا عن أحدٍ من الصحابة، بل المعروف الذي نصَّ عليه صاحب الشرع أن يُطعمهم مما يأكل، ويكسوهم مما يلبس، وليس المعروف سوى هذا”.

وهذه المسألة بدأت تنتشر مؤخرًا، بعض النساء تقول: أعطني راتبًا شهريًّا، أو مصروفًا شهريًّا، إن قبل الزوج ورضي بذلك؛ فلا بأس، لكن إن لم يقبل؛ لا يلزمه ذلك، إنما الذي يلزمه شرعًا أن يوفِّر لها الطعام والشراب والكسوة والمسكن؛ لأن هذه هي النفقة المطلوبة شرعًا.

ثم انتقل المؤلف للكلام عن الكسوة، قال:

ويجب لها الكسوة في أول كل عامٍ.

يعني في أول كل سنةٍ يعطيها ما تحتاج إليه من الكسوة للفصول الأربعة: للشتاء والصيف والربيع والخريف.

والأظهر -والله أعلم- أن المرجع في ذلك للعرف، وهذا الكلام الذي ذكره المؤلف لا دليل عليه.

وتملكها بالقبض، فلا بَدَل لما سُرق أو بَلِي.

يعني تملك الزوجة النفقة والكسوة بالقبض؛ وعلى ذلك: لو سُرقت أو بليت أو ضاعت؛ فلا يلزم الزوج أن يوفِّر بدلًا عنها.

وإن انقضى العام والكسوة باقيةٌ؛ فعليه كسوةٌ للعام الجديد.

يقولون: لأن الاعتبار بمُضِي الزمن دون حقيقة الحاجة.

لكن الأظهر -والله أعلم- في هذه المسألة: أن الكسوة بقدر الحاجة، والمرجع في ذلك للعرف.

وإن مات أو ماتت قبل انقضائه؛ رجع عليها بقسط ما بقي.

طبعًا هذه المسألة إنما تكون عند الفقر والحاجة، ويكون في ذلك مشاحةٌ، أما إذا كانت أحوال الناس متيسرةً -كما هو في وقتنا الحاضر- فلا يُحتاج إلى هذه المسائل.

فيقول: لو مات الزوج أو ماتت قبل انقضاء العام وهو قد أعطاها كسوةً؛ رجع عليها بقسط ما بقي، فللزوج أن يسترجع من الكسوة بقدر ما بقي، وكذلك للورثة حق الاسترجاع منها؛ لأنه تبيَّن أن الزوجة غير مستحقةٍ، فمثلًا: بداية العام الهجري أو المُحرَّم أعطاها كسوة سنةٍ كاملةٍ، ثم في شهر صفرٍ توفيت الزوجة، فيقول: الزوج يسترجع بقية الكسوة عن بقية العام.

والقول الثاني: إنه ليس له الاسترجاع؛ لأنه دفعها إليها بعد وجوبها، بوجوب هذه الكسوة عليه، فلم يكن له الرجوع، هذا هو الأقرب -والله أعلم- في المسألة، واختاره الموفق بن قدامة.

وإن أَكَلَت معه عادةً، أو كساها بلا إذنٍ؛ سقطت.

يعني إن أكلت الزوجة مع زوجها -كما هو المعتاد- أو كساها بلا إذنٍ؛ فإنها تسقط عنه نفقة الطعام والكسوة، والمرجع في ذلك كله في هذه المسائل كلها إلى العرف.

وهذه التقييدات والتفصيلات التي ذكرها المؤلف لا حاجة لها، بل نستطيع أن نضع قاعدةً عامةً: وهي أن المرجع في الطعام والشراب والكسوة إلى العرف: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19].

ما يسقط نفقة الزوجة وما لا يسقطها

قال المصنف رحمه الله:

فصلٌ

والرجعية مطلقًا، والبائن والناشز الحامل والمتوفَّى عنها زوجها حاملًا؛ كالزوجة في النفقة والكسوة والمسكن.

ذكر المؤلف أربع نسوةٍ تجب لهن النفقة والمسكن والكسوة كالزوجة تمامًا، وهن:

  • أولًا: المطلقة الرجعية، حاملًا كانت أو غير حاملٍ، وسبق أن ذكرنا أن الرجعية زوجةٌ، وتأخذ جميع أحكام الزوجة، ولو مات زوجها مُطلِّقُها؛ ورثته، ولو ماتت هي؛ ورثها؛ فلذلك الرجعية تستحق النفقة ما دامت في العدة، حتى ولو كانت غير حاملٍ.
  • الثانية: البائن، المطلقة طلاقًا بائنًا تستحق النفقة بشرط: أن تكون حاملًا، أما إذا لم تكن حاملًا؛ فلا تستحق.
  • الثالثة: الناشز، الناشز: هي التي خرجت عن طاعة الزوج -يعني: متمردةٌ على زوجها- التي لا تطيعه، تخرج بغير إذنه، تسافر بغير إذنه، لا تطيعه؛ هذه يسميها الفقهاء: “الناشز”، هذه يسقط حقها في النفقة، إلا في حالةٍ واحدةٍ تجب لها النفقة فيها: وهي أن تكون حاملًا؛ لأجل الحمل.
  • الرابعة: المتوفَّى عنها زوجها، أيضًا هذه تسقط نفقتها، إلا إذا كانت حاملًا، فتجب لها النفقة لأجل الحمل.

فإذنْ الرجعية تجب لها النفقة، حاملًا كانت أو غير حاملٍ، والبائن والناشز والمتوفَّى عنها زوجها إنما تجب لها النفقة إذا كانت حاملًا فقط.

قال:

ولا شيء لغير الحامل منهن.

يعني: من هذه النساء الثلاث، المقصود: الثلاث، وعبارة المؤلف مُوهمةٌ، “لا شيء لغير الحامل منهن” يعني: للثلاث، فلا تدخل الرجعية، يعني: للبائن والناشز والمتوفَّى عنها زوجها، فلغير الحامل لا تجب.

فالمطلقة طلاقًا بائنًا إذا لم تكن حاملًا؛ لا نفقة لها ولا سُكنى، الناشز إذا لم تكن حاملًا؛ لا نفقة لها، المتوفَّى عنها زوجها إذا لم تكن حاملًا؛ لا نفقة لها ولا سُكنى، لماذا؟ لأن مال الميت أصبح تَرِكةً، أصبح ملكًا للورثة.

لكن ينبغي للورثة أن يُمكِّنوا زوجته من السُّكنى، ويحسنون إليها بالنفقة، لكن لو تشاحُّوا، أحيانًا يكون بينهم خلافاتٌ، فيكون هناك مُشاحَّةٌ، فنقول: المتوفَّى عنها زوجها ليس لها نفقةٌ ولا كسوةٌ ما دام أنها ليست حاملًا، ليس لها نفقةٌ ولا كسوةٌ، ولذلك لو أراد الورثة حَسَبوا عليها إيجار المنزل ما دامت باقيةً فيه.

لاحِظ من لحظة وفاة الزوج يَسقط حق الزوجة في السَّكن، إلا إذا كانت حاملًا؛ ولهذا ينبغي للإنسان أن يحسن إلى أهله، خاصةً إذا كان يخشى من الورثة، يعني مثلًا: يُوقِف البيت، يُوقِفُه، يُسكن فيه المحتاج من ورثته؛ حتى لا يتسلط بعض الورثة على مثلًا زوجته، وعلى بعض أولاده من القُصَّر ومن البنات ونحوهم، يتسلط عليهم بعض الورثة ويخرجوهم، أو يقولوا: نحسب عليكم إيجارًا، ولهم الحق في هذا لو أرادوا.

فالأحسن -إذا خشي الإنسان من ذلك- أن يجعل البيت وقفًا، يقول: يسكن فيه المحتاج، فتسكن فيه زوجته، يسكن فيه المحتاج من الورثة من غير مِنَّةٍ من أحدٍ من الورثة، وهذا من الإحسان، من الإحسان: أن الإنسان يُرتِّب وضع أسرته، بحيث لو قدَّر الله عليه شيئًا؛ يكون الأمر مرتبًا؛ لأنه من لحظة الوفاة، الزوجة ليس لها حقٌّ في البيت، هي كبقية الورثة، لهم الحق في أن يخرجوها، أو يحسبوا عليها البيت إيجارًا، إلا إذا كانت حاملًا.

سؤال: الناشز -يا شيخ- لها حق الإرث؟

الشيخ: إذا كانت ناشزًا؛ نعم، لها حق الإرث، لكن يسقط حقها في النفقة فقط.

حكم نفقة الزوجة إذا سافرت لحاجتها أو لنزهةٍ أو زيارةٍ

ولا لمن سافرت لحاجتها أو لنزهةٍ أو زيارةٍ ولو بإذن الزوج.

يعني: من سافرت لحاجتها، أو لنزهةٍ -لفسحةٍ- أو لزيارةٍ؛ يسقط حقها في النفقة، حتى ولو كان بإذن الزوج؛ لفوات التمكين الذي هو سبب النفقة.

والقول الثاني في المسألة: أنها إذا خرجت بإذنه؛ فلا يسقط حقها من النفقة؛ لأنها ليست ناشزًا، وهذا هو القول الراجح، وهي إنما خرجت بإذنه وعلمه، فالراجح: أنه لا يسقط حقها من النفقة.

حكم اختلاف الزوجين في أخذ النفقة والنشوز

ولو ادَّعى نشوزًا، أو أنها أخذت نفقتها وأنكرت؛ فقولها بيمينها.

لو ادَّعى الزوج أن الزوجة ناشزٌ، أو ادَّعى أنها أخذت حقها من النفقة لكنها هي أنكرت، فإن كان هناك بيِّنةٌ؛ فالقول قول صاحب البينة، أما إن لم يكن هناك بيِّنةٌ؛ فيقول المؤلف: إنه يقدَّم قول الزوجة بيمينها؛ لأن الأصل عدم ذلك.

وبعض العلماء يقول: إن القول قول من يشهد له العرف بالنظر لحال الزوجين وللقرائن؛ ولهذا قال ابن القيم: “إذا ادعت المرأة أنه لم يُنفق عليها ولم يكسُها مدة مُقامها معه، أو سنين كثيرةً، والحِسُّ والعرف يكذبها؛ لم يحِلَّ للحاكم أن يسمع دعواها، ولا يطالبه بردِّ الجواب”.

فإذا كان هناك قرائن تدل لكونه أعطاها النفقة أو لم يعطها؛ فيُعمل بتلك القرائن.

ومن القرائن مثلًا: أن تكون الزوجة معروفةً بالنشوز وسَلَاطة اللسان، ومتمرَّدةٌ على الزوج، وادَّعت أنه لم يُعطها نفقةً؛ فهنا الأقرب هو صدق الزوج، أو أن تكون المسألة بالعكس: تكون المرأة صالحةً ومستقيمةً، والزوج يظهر عليه آثار البخل والشح وعدم المبالاة؛ فيغلب جانب صدق المرأة.

فالمقصود: أن القاضي يجتهد في هذا، فإن وُجدت قرائن تدل على صدق الزوج أو الزوجة؛ فيُغلب جانبه، لكن لو لم توجد؛ فقول الزوجة مقدمٌ على الزوج في هذه المسألة.

حكم إعسار الزوج بالنفقة، أو غيابه دون ترك النفقة

قال المصنف رحمه الله:

ومتى أَعسر بنفقة المعسر أو كسوته أو مسكنه، أو صار لا يجد النفقة إلا يومًا دون يومٍ، أو غاب الموسر وتعذَّرت عليه النفقة بالاستدانة وغيرها؛ فلها الفسخ فورًا ومتراخيًا.

إذا عجز الزوج عن النفقة؛ للزوجة أن تُطالب بالفسخ، فإذا لم يجد قدر النفقة -نفقة المُعسر إذا كان معسرًا- أو كان مُوسرًا لكنه كان غائبًا ولم يترك لها نفقةً، وتعذَّر عليه أن يُنفق عليها ولو بالاستدانة؛ فالمرأة لها الحق أن تطالب بالفسخ، فيقول القاضي له: إما أن تنفق، وإما أن يُفسخ العقد؛ ولهذا جاء في حديث أبي هريرة  أن النبي قال: أفضل الصدقة عن ظهر غنًى، واليد العليا خيرٌ من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، تقول المرأة: إما أن تُطعمني وإما أن تُطلِّقني… إلى آخر الحديث، قالوا: يا أبا هريرة، سمعت هذا من رسول الله ؟ قال: لا، وهذا من كِيس أبي هريرة [6]، يقصد آخر الحديث: “تقول المرأة: إما أن تطعمني، وإما أن تطلقني..”، هذا من كِيس أبي هريرة، ما معنى “من كِيس أبي هريرة”؟ يعني: من كلامه، ليس من كلام النبي عليه الصلاة والسلام، لكن هذا يدل على أن هذا القول معروفٌ عند الصحابة: أن الرجل إذا لم يعط المرأة النفقة؛ فلها أن تطلب الفسخ، تقول المرأة: إما أن تطعمني وإما أن تطلقني.

وهذه المسألة فيها ثلاثة أقوالٍ:

  • القول الأول: أن المرأة لها المطالبة بالفسخ عند الإعسار بالنفقة، وهو مذهب الشافعية والحنابلة.
  • والقول الثاني: ليس لها ذلك، وذهب إليه الحنيفة، واختاره ابن سعدي.
  • والقول الثالث: أن لها الفسخ فيما إذا أعسر عن النفقة الحاضرة والمستقبلية، لا الماضية، وهو مذهب المالكية.

والأقرب -والله أعلم- هو القول الأول؛ لظاهر حديث أبي هريرة ، أنه إذا عجز عن النفقة؛ المرأة لها أن تطلب الفسخ.

قال:

ولا يصح بلا حاكمٍ.

يعني: الفسخ في جميع الأحوال لا بد أن يكون عن طريق القضاء؛ لأنه مختلفٌ فيه، فلا بد من حسمه قضاءً عند الحاكم.

قال:

فيفسخ بطلبها، أو تفسخُ بأمره.

يعني: إما أن الحاكم يفسخ بطلب المرأة، أو أنها تفسخ هي بأمرٍ من الحاكم.

حكم أخذ النفقة من مال الزوج إذا امتنع عنها

وإن امتنع الموسر من النفقة أو الكسوة وقدَرَت على ماله؛ فلها الأخذ منه بلا إذنه بقدر كفايتها وكفاية ولدها الصغير.

إذا بخل الزوج بالنفقة أو قصَّر فيها، إما أنه لم يعطها، أو لم يعطها ما يكفيها، يعني: بأن كان الزوج بخيلًا، فإن قدرت المرأة أن تأخذ منه بغير علمه؛ فلا بأس؛ كأن تجد مثلًا محفظته وفيها نقودٌ، يجوز أن تفتح المحفظة وتأخذ منها، لكن بالمعروف بقدر ما يكفيها وولدها، وهذه قد أفتى فيها النبي لما أتته امرأة أبي سفيان، قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجلٌ شحيحٌ، لا يعطيني ما يكفيني وولدي، قال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف [7].

مداخلة: والآن بطاقات إلكترونية يا شيخ.

الشيخ: قد أحيانًا يضع نقدًا، صحيحٌ أن بعض النساء تقول: ما أستطيع أن أصل لمال الزوج، لكن أحيانًا ربما يضع نقدًا مثلًا عنده في محفظته، أو تستطيع بأية طريقةٍ أن تصل لمال الزوج، فإذا استطاعت أن تصل لمال الزوج؛ يجوز لها أن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها وولدها، لكن بالمعروف ليس المجال مفتوحًا تأخذ ما تريد، وإنما بالمعروف، بقدر الكفاية، وهكذا ما يكفي أولادها أيضًا، المؤلف قيَّد هذا بالولد الصغير، والأقرب أن النفقة لازمةٌ للرجل لأولاده، سواءٌ كان صغيرًا أو كبيرًا، يعني: لو كان عندها ابنٌ كبيرٌ غير موظفٍ وعاطلٌ عن العمل، يجب عليه أن ينفق عليه.

وهذه المسألة أيضًا ليست خاصةً بالزوجة، كل من يطلب آخر دَينًا، واستطاع أن يظفر منه بحقه، يجوز أن يأخذه، بشرط: أن يكون المال ظاهرًا ولا يكون خافيًا، ستأتينا المسألة بعد قليلٍ، بشرط: أن يكون المال ظاهرًا ولا يكون خافيًا، لعلنا نتكلم عنها في حينها.

ثم انتقل المؤلف بعد ذلك للسبب الثاني من أسباب وجوب النفقة: وهو القرابة.

نفقة الأقارب والمماليك

أو قال:

باب نفقة الأقارب والمماليك

وبدأ بالكلام عن نفقة الأقارب، والأقارب إما أن يكونوا أصولًا، أو فروعًا، أو حواشي.

الأصول: الآباء والأمهات وإن علوا.

والفروع: الأبناء والبنات وإن نزلوا.

والحواشي: هم من تفرَّعوا عن الأصول، فيدخل فيهم الإخوة والأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات.

شروط وجوب النفقة على الأقارب

قال:

تجب على القريب.

يعني: من الحواشي.

نفقة أقاربه وكسوتهم وسُكناهم بالمعروف.

لقول الله تعالى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، ثم قال: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233].

بثلاثة شروطٍ:

إذنْ تجب نفقة القريب على قريبه، إذا لم يكن من الأصول ولا الفروع، بثلاثة شروطٍ، والدليل على وجوب نفقة القريب.. أولًا: نذكر الشروط، ثم نذكر الدليل:

الأول: أن يكونوا فقراء لا مال لهم ولا كسب.

لا بد أن يكون هذا القريب الذي يُنفق عليه فقيرًا، وهذا ظاهرٌ.

الثاني: أن يكون المُنفِق غنيًّا، إما بماله أو كسبه، أو يَفضُل عن قوت نفسه وزوجته ورقيقه يومَه وليلته.

الثاني: أن يكون المنفق غنيًّا، وغنى كل شيءٍ بحسبه، ليس المقصود أن يكون من الأثرياء، لكن إذا كان عنده فاضلٌ عما يكفيه، يعني: عن قوت نفسه وزوجته ورقيقه والبهائم التي ينفق عليها ونحو ذلك؛ فيجب عليه أن ينفق على أقاربه.

الثالث: أن يكون وارثًا لهم بفرضٍ أو تعصيبٍ، إلا الأصول والفروع فيجب لهم وعليهم.

إذنْ ثلاثة شروطٍ:

  • أن يكون هذا القريب فقيرًا.
  • الشرط الثاني: أن يكون المنفِق غنيًّا.
  • الشرط الثالث: أن يكون وارثًا لهم بفرضٍ أو تعصيبٍ.

انتبه للشرط الثالث، يعني: أن يكون المُنفَق عليه فقيرًا، هذا ظاهرٌ، أن يكون المُنفِق قادرًا وغنيًّا، هذا ظاهرٌ.

الشرط الثالث: أن يكون المُطالَب بالنفقة وارثًا لهذا القريب، لا بد أن يكون وارثًا له، فإن لم يكن وارثًا له؛ لم تجب عليه نفقته.

طيب، ما الدليل لهذا الضابط أو لهذا الشرط الذي قلنا: هو من أهم الشروط -أن يكون القريب وارثًا لقريبه- ما الدليل؟

الدليل في سورة البقرة: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233]، يعني: إن لم يكن الأب موجودًا؛ فالوارث تجب عليه النفقة بنص الآية، وجعل الله الضابط في هذا هو كونه وارثًا: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ.

فإذنْ تجب نفقة القريب إذا كان يرثه لو مات، ويدل لوجوب نفقة القريب أيضًا: قول الله : وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ [الإسراء:26]، وقول الله سبحانه: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى [النساء:36].

قال ابن القيم رحمه الله: “فجعل الله سبحانه حق ذي القربى يلي حق الوالدين؛ كما جعله النبي سواءً بسواءٍ، وأخبر سبحانه بأن لذي القربى حقًّا على قرابته: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ، وأمره بإتيانه إياه، فإن لم يكن ذلك حقَّ النفقة؛ فلا ندري أي حقٍّ هو؟”، يعني: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ، ما هو حق القريب؟ حق القريب: النفقة، ومن أعظم الإساءة للقريب: أن يرى الإنسان قريبه فقيرًا محتاجًا وهو قادرٌ ولا يساعده.

طيب، إذنْ: إذا توفَّرت هذه الشروط الثلاثة؛ وجب على الإنسان أن ينفق على قريبه، لكن من غير الأصول والفروع، الأصول والفروع تجب مطلقًا من غير هذه الشروط، لكن من غير الأصول والفروع يجب على الإنسان أن ينفق على قريبه، نحن ذكرنا هذه الشروط الثلاثة: فقر المنفَق عليه، غِنَى المنفِق، هذه واضحةٌ، الشرط الثالث: أن يكون وارثًا له بفرضٍ أو تعصيبٍ.

هذا شخصٌ له أخٌ وأبٌ، وأخوه فقيرٌ، هل يجب عليه أن يُنفِق على أخيه وهو غنيٌّ؟ شخصٌ غنيٌّ وله أخٌ فقيرٌ وله أبٌ، هل يجب عليه أن يُنفِق على أخيه الفقير؟ لا يجب، لماذا؟ لأنه غير وارثٍ له لو مات، وإنما يستحب.

لو كان الأب غير موجودٍ، هل يجب عليه أن ينفق على أخيه؟

يجب، ولذلك لا يجوز أن يعطيه من زكاته؛ لأنه لو أعطاه من زكاته فيريد أن يدرأ بها النفقة، فإذا كان أخوه فقيرًا أو أخته فقيرةً، وهو الوارث لأخيه أو لأخته لو مات؛ يجب عليه أن ينفق عليه من حُر ماله وليس من الزكاة، بينما لو لم يكن وارثًا له؛ لا يجب، ويجوز أن يعطيه من الزكاة، بل يستحب؛ لأنها تكون زكاةً وصلة رحمٍ.

هذا رجلٌ له أخٌ فقيرٌ، والأب متوفًّى، لكن الأخ الفقير له أبناءٌ، فهل تجب عليه نفقته أو لا تجب؟ لا تجب، لماذا؟ لأنه غير وارثٍ له.

هل يجوز أن نعطيه من الزكاة؟ يجوز.

خذ هذا الضابط: هذا الرجل له عمٌّ فقيرٌ، ويرثه لو مات، هل تجب عليه نفقته؟ تجب، إذا كان لا يرثه لو مات؛ لا تجب.

إذنْ الضابط: هو قول الله تعالى: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233]، هذا هو الضابط، إذا كان يرثه لو مات؛ يجب عليه أن ينفق عليه، وليس له أن يعطيه من الزكاة، أما إذا كان لا يرثه لو مات؛ لم يجب عليه أن ينفق عليه، ويستحب له أن يعطيه من الزكاة، لكن هذا الشرط لا يشمل عمُودَي النَّسب، عمودا النسب -وهم الوالدان وإن علوا، أو الأولاد وإن نزلوا- تجب النفقة عليهم، سواءٌ كانوا وارثين أو غير وارثين؛ ولهذا المؤلف قال: إلا الأصول والفروع، فيجب لهم وعليهم مطلقًا، فتجب النفقة على الوالدين، وهذا بالإجماع، وهذا من أعظم حقوق الوالدين: النفقة عليهما، والله تعالى أوصى ببِرِّ الوالدين: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [البقرة:83]، والبر يكون بالقول والفعل وبالمال، من كان أبوه فقيرًا أو أمه فقيرةً؛ يجب عليه أن ينفق عليهما وجوبًا.

طيب، هل يجوز أن يعطيهما من زكاة ماله؟ لا، إنما يجب عليه أن يُنفق عليهما من حُرِّ ماله، وهكذا بالنسبة للأولاد أيضًا، الأولاد يجب عليه أن ينفق عليهم، وليس له أن يُعطيهم من زكاة ماله، لكن هناك حالةٌ واحدةٌ يجوز للإنسان أن يدفع الزكاة لوالديه ولأولاده، ما هي؟

طالب:

الشيخ: قضاء الدين، أحسنت، إذا كان على والده أو والدته دينٌ حالٌّ، أو على ابنه أو ابنته دينٌ حالٌّ؛ يجوز له أن يُسدِّد هذا الدين من زكاته، لماذا؟ لماذا استثنينا هذه الحالة؟ لأن الإنسان ليس ملزمًا بأن يُسدِّد الدين عن والديه ولا عن أولاده، لو كان أبوك عليه ديونٌ؛ هل يلزمك شرعًا أن تسدد عنه؟ لا يجب؛ ولذلك حتى قضاءً لا يلاحقون الابن بسداد دين أبيه، أو الأب بسداد دين ابنه، ما دام أنه لا يجب عليه شرعًا أن يسدِّد الدين عنه؛ يجوز له أن يعطيه من الزكاة.

نفقة الأقارب على قدر إرثهم

قال:

وإذا كان للفقير ورثةٌ دون الأب؛ فنفقته على قدر إرثهم.

يعني: هذا الفقير له أكثر من وارثٍ لكن غير أبيه، أما إن كان أبوه موجودًا؛ يجب عليه أن ينفق عليه، لكن أباه غير موجودٍ وله أقارب؛ فتكون النفقة على حسب الإرث؛ فمثلًا: له أمٌّ وجدٌّ؛ فالأم يجب عليها ثلث النفقة، والجد الثلثان، وهكذا، فيكون بحسب الإرث، هذه امرأةٌ ليس لها أبٌ، ولم تتزوج، ولها أخوان شقيقان، فنفقتها على مَن؟ أخويها، كم تجب؟ نصف النفقة على هذا الأخ، والنصف الثاني على الأخ الآخر، لها أخٌ شقيقٌ وأخٌ لأبٍ، النفقة على من؟ الأخ الشقيق، لها أخٌ لأمٍّ، وأخٌ شقيقٌ وأخٌ لأبٍ، هذه امرأةٌ لها أخٌ شقيقٌ، وأخٌ لأبٍ، وأخٌ لأمٍّ، وأبوها غير موجودٍ، ولم تتزوج، وليس لها أولادٌ، نفقتها على من؟ على الشقيق؟

على الأخ لأمٍّ مقدار السدس، وعلى الشقيق الباقي، والأخ لأبٍ ليس عليه نفقةٌ، لماذا؟ لأنه بحسب الإرث، الأخ لأبٍ أصلًا لا يرث؛ فليس عليه نفقةٌ.

الأخ لأمٍّ السدس، إذنْ عليه نفقة السدس، مقدار السدس، سدس النفقة.

الأخ الشقيق له الباقي؛ إذنْ له نفقة الباقي.

المقصود: أن الضابط في هذه المسائل كلها: هو قول الله : وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233].

سبحان الله! كلمةٌ في القرآن لاحظ كيف أفادتنا في هذه الأحكام الكثيرة: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233].

قال:

ولا يلزم الموسر منهم مع فقر الآخر سوى قدر إرثه.

يعني: لو كان للرجل الفقير أخَوَان أحدهما موسرٌ والآخر معسرٌ، فلا يجب على المُوسر إلا نصف النفقة فقط، حتى لو كان أخوه الثاني معسرًا.

حكم الإجبار على الكسب لأجل النفقة

ومن قَدر على الكسب؛ أُجبر لنفقة من تجب عليه من قريبٍ وزوجةٍ.

يقول: من كان قادرًا على التكسُّب والعمل، وله زوجةٌ وله أولادٌ؛ يُجبر على العمل؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: كفى بالمرء إثمًا أن يُضَيِّع من يعول [8].

فإنسانٌ مثلًا: العمل متيسِّرٌ، حصلت له وظيفةٌ ولا يريد أن يعمل، وعنده زوجةٌ وعنده أولادٌ؛ يُجبَر على العمل، إذا لم يكن له عذرٌ؛ يُجبَر؛ لأنه لو لم يعمل؛ يترتب على هذا أنه ضيَّع حق الزوجة وحق الأولاد.

ترتيب الأقارب في استحقاق النفقة

ومن لم يجد ما يكفي الجميع؛ بدأ بنفسه.

إذا لم يجد مالًا يكفي الجميع؛ يبدأ بنفسه؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ابدأ بنفسك فتصدق عليها [9]، ابدأ بنفسك ثم بمن تعول [10].

يليه:

فزوجتِه.

لأن نفقة الزوجة على سبيل المعاوضة، وليست على سبيل المواساة، الزوجة تقول: إما أن تُنفِق وإما أن تُطلِّق، فهي نفقتها مؤكدةٌ.

فرَقِيقِه.

نفقة الرقيق تلي نفقة الزوجة؛ لكونها تجب مع اليسار والإعسار.

فولدِه، فأبيه، فأمه، فولد ابنه، فجده، فأخيه، ثم الأقرب فالأقرب.

يعني: تكون النفقة على حسب ترتيبهم في الميراث.

والمقدم في الميراث: الابن أو الأب؟ أيهما أقوى في الميراث؟ الابن، فالنفقة إذنْ تجب للابن مقدَّمًا على الأب؛ لأن عصوبة الابن أقوى من عصوبة الأب، يعني: هذا رجلٌ عنده أبٌ وعنده ابنٌ، وما تكفي النفقة لابنه ولأبيه، ويريد أن يقدِّم أحدهما، فالمقدم من؟ الابن؛ لأنه أقوى في الإرث.

لكن يُشكل على هذا قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار، فتوسَّل أحدهم بأنه كان يقدِّم والديه على أولاده في شرب اللبن، فكان هذا من أسباب تفريج الكربة وانفراج الصخرة [11].

ويجاب عن هذا:

أولًا: بأنه كان في شرع من كان قبلنا.

ثانيًا: يظهر -والله أعلم- أن أولاد الرجل لم تكن حاجتهم شديدةً، وإنما كانوا يريدون شيئًا زائدًا على حاجتهم الضرورية، فرأى الرجل أن إكرام والديه مقدَّمٌ على إكرام أولاده، هذا أحسن ما يقال في الجواب عن هذه القصة، وإلا لو أخذناه من الناحية الفقهية؛ نفقة الأولاد مقدمةٌ على الأبوين.

حكم أخذ النفقة المستحقة من مال المنفق وإنفاق الأجنبي بنية الرجوع

ولمستحِق النفقة أن يأخذ ما يكفيه من مالِ مَن تجب عليه بلا إذنه إن امتنع.

هذه (مسألة الظَّفَر): من استحق النفقة ولم يُعطَ النفقة؛ فله أن يأخذ من مال من تجب عليه بلا إذنه وبغير علمه؛ لقصة امرأة أبي سفيان: خُذي ما يكفيك وولدك بالمعروف [12]، وكما ذكرنا أن هذه المسألة ليست خاصةً بالزوجة، بل تشمل كل مستحقٍّ للنفقة؛ فعلى هذا: لو كان هناك شابٌّ وليس عنده عملٌ، وأبوه غنيٌّ لكنه لا يعطيه النفقة؛ فيجوز أن يأخذ من مال أبيه بغير علمه لكن بالمعروف، إذا استطاع أن يصل لمال أبيه يأخذ منه ما يكفيه؛ لأنه أحيانًا قد يُقتِّر بعض الناس على زوجته وعلى أولاده، هنا يجوز أن يأخذوا من ماله بغير علمه، وهذه المسألة تسمى: (مسألة الظَّفَر)، وهي محل خلافٍ، والأقرب -والله أعلم- أنه إذا كان سبب الحق ظاهرًا؛ فيجوز للإنسان أن يأخذ حقه بأية طريقةٍ، أما إذا كان سبب الحق خفيًّا؛ فليس له ذلك؛ لأنه قد تترتب عليه مفاسد، وقد يُتَّهم بالسرقة، قد تُقطع يده بسبب ذلك؛ “سبب الحق ظاهرًا”: أن يكون إنسانٌ يطلب آخَر دينًا، وهذا الدين مثبتٌ إما بشهودٍ مثلًا، أو بوثيقةٍ، فطالَب: يا فلان، سدد لي الدين، رفض أو ماطل، فاستطاع أن يصل لمال هذا الرجل، نعم، استطاع أن يصل إلى ماله، يجوز أن يأخذ، يأخذ من ماله لكن بشرط: أن يكون سبب الحق ظاهرًا، يعني مثلًا: اشترى منه سلعةً ورفض أن يسدد، وقال: أنا أطلبك دينًا، أريد أن أتقاضى الدين الذي أطلبك في ذمتك، أو مثلًا: لو جاء عنده محلٌ تجاريٌّ واشترى منه ولم يسدد، وقال: هذا جزءٌ من الدين الذي عندك، يجوز أم لا يجوز؟ يجوز بشرط: أن يكون الدين الذي له مُثْبَتًا، سبب الحق ظاهرٌ، فإذا كان سبب الحق ظاهرًا؛ فهذه تسمى: (مسألة الظَّفَر).

وحيث امتنع منها زوجٌ أو قريبٌ وأنفق أجنبيٌّ بنية الرجوع؛ رجع.

هذا رجلٌ وجبت عليه النفقة لكنه امتنع، فأتى إنسانٌ محسنٌ أجنبيٌّ وأنفق، فإن كان أنفق بنية الرجوع؛ رجع، وإن كان أنفق بنية التبرع؛ فليس له الرجوع.

مثال ذلك: رجلٌ مثلًا طلقت ابنته أو أخته، ورفض المطلق أن ينفق على هذه المرأة وأولادها، هذه المرأة ما دامت في العدة؛ تجب لها النفقة ولأولادها، فقام أبوها أو أخوها بالإنفاق على هذه المرأة وأولادها، فإن كان أنفق بنية الرجوع؛ رجع على الزوج، قال: أنا أعطيت أولادك نفقةً، أعطيتهم مثلًا عشرة آلاف ريالٍ، أعطني، وإن كان أنفق عليهم بنية التبرع؛ لم يرجع، كيف نعرف أنها بنية الرجوع أو بنية التبرع؟ يُسأل عن ذلك؛ فإن لم يرضَ بذلك المُطالِب بالمال؛ يُحلَّف، يُحلِّفه القاضي: أنه أنفق بنية الرجوع أو بنية التبرع؛ لأن النية هو الذي يعلم بها؛ فيُحلف، يُحلِّفه القاضي بأنه أنفق بنية الرجوع، فإذا حلف بأنه أنفق بنية الرجوع؛ فإنه يرجع على المطالب بالنفقة.

لا نفقة مع اختلاف الدِّين إلا بالولاء

ولا نفقة مع اختلاف الدِّين إلا بالولاء.

يعني: النفقة بالقرابة لا تجب مع اختلاف الدِّين، فلا يستحق الولد المسلم النفقة على أبيه الكافر أو العكس، إلا بالولاء فقط.

حكم النفقة على المماليك وإعفافهم

ثم قال المصنف رحمه الله:

وعلى السيد نفقة مملوكه وكسوته ومسكنه، وتزويجه إن طَلَب.

الرِّق الآن انقرض في العالم، وأصبح ممنوعًا رسميًّا في جميع دول العالم، وملاحقًا أيضًا ومجرَّما في جميع الدول؛ ولذلك لا يكاد يكون له وجودٌ في الوقت الحاضر، فنحن نقرأ إذنْ هذا الكلام من الناحية النظرية فقط، فالسيد تجب عليه نفقة مملوكه وكسوته ومسكنه، وتزويجه إن أراد ذلك؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف [13]، وأما تزويجه؛ فلقول الله تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32]، الصالحين من عبادكم يعني: من العبيد ومن الإماء.

وله أن يسافر بعبده المزوَّج، وأن يستخدمه نهارًا.

لا بأس، حتى لو كان العبد متزوجًا، لكنه يُمكِّنه من زوجته.

وعليه إعفاف أَمَته إما بوطئها، أو تزويجها، أو بيعها.

إذا كان الانسان عنده أَمَةٌ فيجب عليه أن يُعفِّها، إما بأن يطأها بملك اليمين، أو بأن يزوِّجها، أو بأن يبيعها.

الإحسان إلى المملوك وتحريم الإساءة إليه

ويحرم أن يضربه على وجهه.

الضرب على الوجه محرَّمٌ مطلقًا، لا يجوز، وقد قال عليه الصلاة والسلام: إذا قاتل أحدكم أخاه؛ فليجتنب الوجه؛ فإن الله خلق آدم على صورته [14]، وقال: من لطم غلامه؛ فكفارته عتقه [15].

أو يشتم أبويه ولو كافرين.

لا يجوز للسيد أن يشتم أبوي الرقيق، حتى ولو كانا كافرين، والأصل في المسلم أنه لا يَشتم غيره، وهذا يقودنا إلى مسألة: حكم لعن الكافر المعيَّن، وهذه مسألةٌ فيها خلافٌ بين العلماء:

  • من العلماء من أجاز ذلك؛ ولذلك تجد ابن كثيرٍ رحمه الله كلما ذكر كافرًا؛ قال: لعنه الله، ومنهم: القرطبي وابن حجرٍ وبعض أهل العلم.
  • والقول الثاني: أنه لا يجوز لعن الكافر المعيَّن ولا الدعاء عليه، واختاره الشيخ العثيمين رحمه الله، وهو الأقرب؛ وذلك لما جاء في “صحيح البخاري” أن النبي كان إذا صلَّى صلاة الفجر ورفع من الركوع من الركعة الثانية؛ قَنَت فقال: اللهم الْعَن فلانًا وفلانًا وفلانًا، فأنزل الله ​​​​​​​ قوله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ [آل عمران:128] [16]، فنهاه الله عن لعنهم والدعاء عليهم: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، عليك البلاغ، فهذه الآية هي كالنص في المسألة، ولأن الله قادرٌ على أن يهديه مهما بلغ من الكفر.

فالأقرب والله يعلم: أنه لا يجوز لعن الكافر المعيَّن ولا الدعاء عليه، وإنما يدعو له بالهداية، إلا في حالٍ واحدةٍ، وهي إذا كان ظالمًا، فيجوز الدعاء على الظالم؛ لأنه إذا كان يجوز الدعاء على المسلم الظالم؛ فالكافر من باب أولى؛ لقول الله تعالى: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النساء:148]، قال ابن عباسٍ: “لا يُحِبُّ الله أن يدعوَ أحدٌ على أحدٍ إلا أن يكون مظلومًا”.

أو يكلفه من العمل ما لا يُطيق.

لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ولا تُكلِّفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم [17].

ويجب أن يُريحه وقت القيلولة ووقت النوم والصلاة المفروضة.

لأن هذا من المعروف، ولقوله عليه الصلاة والسلام: لا ضَرَرَ ولا ضِرَار [18]، وهذا كما هو مطلوبٌ في حق المملوك؛ أيضًا في حقِّ الأجير؛ كالسائق والخادمة والعامل ونحو ذلك، فيجب أن يُمنح وقتًا للقيلولة، وقتًا للنوم والصلاة.

وتُسن مداواته إن مرض.

تُسن ولا تجب؛ لأنهم إذا كانوا يقولون: لا يجب علاج الزوجة؛ فالرقيق من باب أولى.

وأن يطعمه من طعامه.

لقوله عليه الصلاة والسلام: من كان أخوه تحت يده؛ فليطعمه مما يأكل [19].

تأديب المملوك والزوجة والولد

وله تقييده إن خاف عليه، وتأديبه.

إن خاف أن يهرب يقول: له أن يقيده، وله أن يؤدِّبه بالضرب غير المبرِّح، وأبو بكرٍ لما أضاع غلامُه الجمل جعل يضربه وهو مُحرِمٌ، وقال: كيف تُضيِّع البعير؟ والنبي عليه الصلاة والسلام يبتسم ويقول: انظروا إلى هذا المُحرِم [20].

ولا يصح نَفْله إن أَبَقَ.

لقوله عليه الصلاة والسلام: إذا أَبَقَ العبد؛ لم تقبل له صلاةٌ [21]، والمقصود بالنفي هنا نفي القبول، والمقصود بالنفي هنا: نفي القبول الذي هنا في الأجر والثواب، وإلا فإن هذه الصلاة تبرأ بها الذمة.

وللإنسان تأديب زوجته.

هذا استطرادٌ من المؤلف، وإلا هذا سبق معنا في النشوز عندما تكلمنا عن النشوز وعلاج النشوز، وعقد المصنف له فصلًا، لكن أتى هنا استطرادًا؛ لقول الله تعالى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]، ويكون الضرب غير مبرِّحٍ، وإن كان الأفضل تركه.

وولدِه ولو مكلَّفًا.

لقوله عليه الصلاة والسلام: واضربوهم عليها لعشرٍ [22]، لكن الضرب كله للتأديب، لا تجوز زيادةٌ فيه على عشرٍ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: لا يُجلد أحدٌ فوق عشرة أسواطٍ، إلا في حدٍّ من حدود الله [23].

بضربٍ غير مبرِّحٍ.

يعني: غير شديدٍ؛ لأن المقصود منه التربية والتأديب، وليس المقصود منه التشفي والانتقام.

ولا يلزمه بيع رقيقه مع قيامه بحقوقه.

يعني: لا يُجبر السيد على بيع المملوك إذا كان قائمًا بحقوقه.

النفقة على البهائم

ثم انتقل المؤلف للكلام عن حقوق الحيوان.

قال:

وعلى مالك البهيمة إطعامها وسقيها.

يجب عليه أن يطعمها وأن يسقيها، وقد قال عليه الصلاة والسلام: دخلت النار امرأةٌ في هرةٍ حبستها، لا هي أطعمتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خَشَاش الأرض [24]، وهذا يدل على أن حبس الحيوان من غير طعامٍ ولا شرابٍ حتى يموت من كبائر الذنوب، ومن أسباب دخول النار، وهذا يدل على عظمة هذه الشريعة، كيف أنها راعت حقوق الحيوان فضلًا عن الإنسان، فلا تجد دينًا من الأديان ولا شريعةً من الشرائع راعت حقوق الحيوان مثل شريعة الإسلام.

دخلت النار امرأةٌ بسبب هرةٍ، دخلت بَغِيٌّ الجنة بسبب كلبٍ سقته [25]، يعني: الأولى أساءت للحيوان، والثانية أحسنت للحيوان، الأولى دخلت النار، والثانية دخلت الجنة.

فإن امتنع أُجبر، يعني: هذا انسانٌ أحمق، عنده بهائم، ورافضٌ أن يعلفها أو يسقيها، ويقول: أنا حُرٌّ، هل يُترك؟ يُجبَر من الحاكم، لا يحبسها حتى تموت.

فإن أبى أو عجز؛ أُجبِر على بيعها أو إجارتها، أو ذبحها إن كانت تؤكل.

 قيل له: يا فلان أطعمها، رفض، قال: أنا حُرٌّ، هذا حلالي وأنا حُرٌّ فيه، نقول: لا، لست حُرًّا، فإما أن تُطعمها، وإما أن تبيعها، وإما أن تُؤجرها، وإما أن تذبحها، لكن تتركها هكذا، هذا لا يجوز، ولا تُقَرُّ على ذلك.

ويحرم لعنها.

هذا بالإجماع، يحرم لعن البهائم، والنبي لما لعنت امرأةٌ ناقةً؛ قال: خذوا ما عليها ودعوها؛ فإنها ملعونةٌ [26]، فلا يجوز لعن الحيوان، ولا اللعن مطلقًا، لعن المؤمن لا يجوز، نحن رجحنا قبل قليلٍ حتى لعن الكافر المعيِّن، قلنا: إنه لا يجوز.

اللعن هل هو من الكبائر أو من الصغائر؟ من يجيب؟ من الكبائر، وقد جاء في “الصحيحين” أن النبي قال: لعنُ المؤمن كقتله [27]، وهذا صريحٌ في أن اللعن من الكبائر، وهذا يدل على خطورة المسألة، بعض الناس اللعن على لسانه، تعوَّد على اللعن، بل إن اللعن من أسباب دخول النار؛ فإن النبي لما قال: تصدَّقنَ؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار، قلن: بم يا رسول الله؟ قال: تكفرن العشير وتُكثِرن اللعن [28]؛ فدل هذا على أن كثرة اللعن من أسباب دخول النار، لكن اللعن على سبيل المقابلة يجوز، لو قال إنسانٌ: لعنك الله، يجوز أن تقول: بل لعنك الله أنت، لكن لا تَزِد، لا تقل: بل لعنك الله ولعن والديك، لا، لا يجوز؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: المُستَبَّان ما قالا؛ فعلى البادئ يعني: الإثم كله على البادئ ما لم يعتدِ المظلوم [29].

وتحميلها مُشِقًّا.

يعني: لا يجوز تحميل الدابة ما لا تطيقه أو يشُقَّ عليها.

وحلبُها ما يضرُّ ولدها.

كذلك هذا لا يجوز لما فيه من الضرر.

وضربها في وجهها.

كما أنه لا يجوز ضرب الآدمي في وجهه؛ كذلك البهيمة لا يجوز ضربها في وجهها.

ووَسْمُها فيه.

الوَسْم: وضع علامةٍ في الدابة عن طريق الكَيِّ بالنار، فهذا يجوز لكن في غير الوجه، أما الوجه فلا يجوز، ولمَّا مر النبي على حمارٍ قد وُسِم في وجهه؛ قال : لعن الله من وسمه [30]، رواه مسلمٌ.

وذبحها إن كانت لا تُؤكل.

إذا كان الحيوان لا يُؤكل لا يجوز ذبحه؛ لأن هذا عبثٌ وإضاعةٌ للمال.

ويجوز استعمالها في غير ما خلقت له.

كأن تكون بقرةً ويستعملها في الركوب والحمل، لا بأس؛ لأن هذه الحيوانات كلها خلقت لبني آدم: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]، فإن قال قائلٌ: أليس النبي قال: بينما رجلٌ يسوق بقرةً إذ ركبها فضربها، فقالت: إنَّا لم نخلق لهذا، وإنما خلقنا للحرث، فقال الناس: سبحان الله، بقرةٌ تتكلم! فقال: فإني أؤمن بهذا أنا وأبو بكرٍ وعمر، وما هما ثَمَّ [31]؟ هذا يكون في آخر الزمان، البقرة تتكلم تلتفت على صاحبها وتقول: لم نُخلق لهذا، فيقول النبي عليه الصلاة والسلام: أنا أؤمن بهذا وأبو بكرٍ وعمر، وأبو بكرٍ وعمر لم يكونا موجودين في المجلس، يعني: فيه تزكيةٌ لهما بأن عندهما من اليقين ما يجعلهما يصدِّقان ذلك.

فالجواب عن هذا نقول: إن هذا إخبارٌ عن نطق الحيوان، وعن فهم الإنسان للغة الحيوان في آخر الزمان، وأن هذا من أشراط الساعة، لكنه لا يدل على عدم جواز استخدام الحيوان في غير ما خُلِق له.

بقي معنا الحضانة، آخر الجزء السابع، هل تنشطون لنأخذه؛ حتى نقف على الجزء الثامن، لا تأتون الدرس القادم بمجلدين، فالحضانة تقريبًا خمس عشرة صفحةً، لعلنا -إن شاء الله- ننتهي منها في حدود عشر دقائق بإذن الله ​​​​​​​.

باب الحضانة

قال المصنف رحمه الله:

باب الحضانة

تعريف الحضانة

الحضانة: مأخوذةٌ من الحِضن، وهو الجنب؛ لأن الحاضن أو المربي يضم الطفل إلى حِضنه.

واصطلاحًا: عرَّفها المؤلف بقوله:

وهي حفظ الطفل غالبًا عما يضره، والقيام بمصالحه.

إذنْ شَمِل تعريف المؤلف أمرين:

  • الأول: حفظه عن الضرر.
  • الثاني: القيام بمصالحه.

ومثَّل المؤلف لذلك بقوله:

كغَسل رأسه وثيابه، ودهنه وتكحيله، وربطه في المهد ونحوه، وتحريكه لينام.

يعني: هذه أمثلةٌ للقيام بمصالحه، والمرجع في ذلك إلى العرف.

 من أحق بالحضانة؟ هذا عند التنازع، غالبًا أن ذلك يكون عند الطلاق.

تقديم الأم في الحضانة وإن طلبت الأجرة

قال:

والأحق بها الأم.

الأحق بالحضانة: الأم، لكن ما لم تتزوج؛ لقول النبي لما جاءت امرأةٌ فقالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وِعَاءً، وثديي له سقاءً، وحجري له حِواءً، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله : أنت أحق به ما لم تَنكحي [32]؛ فدل هذا على أن الأم هي الأحق بالحضانة، ولأن الأم أكثر شفقةً وحنانًا وعطفًا ورعايةً للطفل من الأب، وعلى هذا المذاهب الأربعة، وحُكي إجماعًا.

ولو بأجرة مثلها مع وجود متبرعةٍ.

هذا إذا لم تكن في حبال الزوج، إذا كانت مطلقةً؛ فيجوز أن تأخذ أجرةً على الحضانة حتى مع وجود متبرعةٍ، ولكن إذا طلبت الأم الأجرة على الرضاع -على إرضاع ولدها- فهل لها ذلك؟

القول الأول: إن لها ذلك مُطلقًا؛ لقول الله تعالى: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [الطلاق:6]، وهذا مذهب الحنابلة.

القول الثاني: هو التفصيل؛ إن كانت الأم في حبال الزوج وفي عصمته؛ فليس لها أن تطالب بأجرةٍ على الرضاع، بل يجب أن ترضع ولدها مجانًا، أما إذا لم تكن في عصمته ولا في حباله؛ بأن تكون مطلقةً؛ فلها أن تطلب أجرةً على الرضاع، وهذا هو القول الراجح، وهو قول الجمهور.

إذنْ ما معنى قول الله تعالى: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [الطلاق:6]؟

يعني: هذا المقصود به المرأة المطلقة التي ليست في حبال الزوج، فلا تأتي امرأةٌ في حبال الزوج وفي عصمته، وتقول: أعطني أجرةً على الرضاع!

نقول: لا، ليس لها ذلك على القول الراجح، لكن إذا كانت مطلقةً؛ فلها أن تطلب أجرةً على الرضاع، هذا هو الأظهر -والله أعلم- وهو اختيار ابن تيمية وابن القيم وجمعٍ من المحققين من أهل العلم.

الحنابلة استدلوا بأن لها الأجرة مطلقًا بعموم الآية: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ [البقرة:233]، فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [الطلاق:6]، ولكن الآية محمولةٌ على ما إذا لم تكن الأم في عصمة الزوج، أما إذا كانت في عصمة الزوج؛ فالأصل أنها مطالبةٌ بالرضاع: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233].

ترتيب استحقاق الحضانة بعد الأم

ثم أمهاتها القربى فالقربى.

يعني: الأولى في الحضانة بعد الأم: أمهات الأم؛ كالجدة أو أم الجدة ونحو ذلك.

ثم الأب، ثم أمهاته.

يعني: الأب، ثم الجدة من قِبل الأب.

ثم الجد، ثم أمهاته، ثم الأخت لأبوين، ثم لأمٍ، ثم لأبٍ، ثم الخالة لأبوين، ثم الخالة لأمٍ، ثم الخالة لأبٍ، ثم العمات كذلك، ثم خالات أمه، ثم خالات أبيه، ثم عمات أبيه، ثم بنات إخوته وأخواته، ثم بنات أعمامه وعماته، ثم لباقي العَصَبة الأقرب فالأقرب.

وهذا الترتيب من المؤلف ليس عليه دليلٌ ظاهرٌ؛ لهذا ابن سعدي رحمه الله قال: “لم يتحرَّر لي في الحضانة ضابطٌ تطمئن إليه النفس، إلا أنه يراعى مصلحة المحضون”.

فهذا الترتيب الذي ذكره المؤلف ليس عليه دليلٌ، وفيه شيءٌ أيضًا من الاضطراب.

وذهب ابن تيمية رحمه الله إلى تقديم الأقرب فالأقرب مطلقًا، سواءٌ من جهة الأب أو من جهة الأم، وقال: “إذا استوت درجتهم؛ قُدِّمت الأنثى على الذكر”، يعني: في الحضانة، في باب الحضانة الأنثى يُرجَّح جانبها أكثر من الذكر.

وإن كانا ذكرين أو أنثيين مع استواء الدرجة وحصلت المشاحة في جهةٍ واحدةٍ؛ فيُقرع بينهم، ومع اختلاف الجهة؛ تُقدَّم جهة الأبوة، هذا هو رأي ابن تيمية رحمه الله، يعني: يُفهم من كلامه: أنه إذا اجتمعت الأم مع الجد؛ فتُقدَّم الأم؛ لأنها أقرب.

إذا اجتمع الأب مع الجدة -التي هي أم الأم- يُقدَّم الأب؛ لأنه أقرب على ضابط ابن تيمية.

إذا اجتمع الجد والجدة هنا الدرجة واحدةٌ، إذا كانت الدرجة واحدةً يُغلَّب جانب الأنثى، فالجدة أقرب، مقدمةٌ.

إذا اجتمعت أم الأم وأم الأب؛ فعند الحنابلة أم الأم مقدمةٌ، وعند ابن تيمية أن أم الأب مقدمةٌ.

يعني: هذا رأي ابن تيمية رحمه الله، جيدٌ لكن يُشكِل عليه: أن الجدة التي من جهة الأم والخالة هذه مقدمةٌ على الأب، هذا هو ظاهر السنة في قصة اختصام عليٍّ وزيدٍ وجعفر في بنت حمزة، فقال عليٌّ : أنا أحق بها، وهي بنت عمي، وقال جعفرٌ : ابنة عمي، وخالتها تحتي، وقال زيدٌ : ابنة أخي؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام آخى بينهما، فقضى النبي بها لجعفرٍ، وقال: الخالة بمنزلة الأم [33]، إذا كانت الخالة بمنزلة الأم؛ فأم الأم بمنزلة الأم من باب أولى، أم الأم والخالة الذي يظهر -والله أعلم- أنها مقدَّمةٌ على الأب.

فالراجح: تقديم الخالة وأم الأم على الأب؛ لأن الأب في الحقيقة إذا أخذ من يريد حضانته هل سيحضنه بنفسه؟ سيحضنه عن طريق امرأةٍ أخرى، فكونها تحضنه جدته أو خالته أولى من المرأة الأجنبية؛ لأن هذا من جهة النظر.

إذنْ الأقرب -والله أعلم- هو الضابط الذي ذكره ابن تيمية في تقديم الأقرب فالأقرب، لكن يستثنى من ذلك الجدة من جهة الأم والخالة، فهي مقدمةٌ على الأب والجد وأمهاتهما، يعني: نأخذ بقول ابن تيمية، لكن نعدل عليه تعديلًا يسيرًا فقط، نقول نفس رأي ابن تيمية، لكن نستثني الجدة من جهة الأم والخالة فقط؛ لظاهر النص.

موانع الحضانة

الرِّق

ولا حضانة لمن فيه رِقٌّ.

لأن الحضانة ولايةٌ، والرقيق ليس من أهلها، ومشغولٌ بخدمة سيده، ومن العلماء من قال: له الحضانة إذا أذِن سيده له في ذلك، وكما ذكرنا أن الرق الآن انقرض.

الفسق

ولا لفاسقٍ.

يعني: الفاسق ليس له حق الحضانة؛ لأنه لا يوثق فيه، ولا يؤتمن على تربية الطفل، وسبق أن ذكرنا معنى “الفاسق”، يعني: الذي ارتكب الكبيرة من الكبائر.

وسألني أحد الإخوة قبل الدرس، قال: هل يقال: إن الفاسق من ارتكب كبيرةً وأصر على صغيرةٍ؟

فهذا قولٌ لبعض العلماء، لكن ليس عليه دليلٌ، اعتبار مَن أصر على صغيرةٍ فاسقًا ليس عليه دليلٌ؛ لأنه لو قلنا بهذا لفسَّقنا كثيرًا من المسلمين؛ بعضهم مثلًا يحلق لحيته، لو اعتبرناها من الصغائر وهو مُصِرٌّ على الصغيرة، هل نقول: كل من حلق لحيته فاسقٌ؟ بعضهم مثلًا مُصِرٌّ على النظر الحرام، هل نعتبره فاسقًا؟ في كثيرٍ من المسائل لو تأملت فيها؛ سيترتب على هذا تفسيق كثيرٍ من المسلمين، والتفسيق مثل التبديع، ومثل التكفير، يحتاج إلى دليلٍ؛ فالقول بأن المصر على الصغيرة يعتبر فاسقًا يحتاج إلى دليلٍ، ولا دليل يدل لذلك؛ فالأقرب -والله أعلم- أن نقول: إن الفاسق هو من ارتكب كبيرةً فقط، من غير حاجةٍ لأن نقول: أو أصر على صغيرةٍ.

طيب، بعض العلماء قال: إن الفاسق له الحضانة إذا كان فسقه لا يؤدي إلى عدم قيامه بحق الحضانة، يعني: إذا كان مثلًا كثير اللعن، لكنه يستطيع أن يقوم بالحضانة على أكمل وجهٍ، فلا يمنع ذلك من حضانته، لكن إذا كان فسقه يؤدي لعدم قيامه بالحضانة؛ مثل إنسانٍ يتعاطى مخدراتٍ، فهنا ليس له حقٌّ في الحضانة، هذا القول هو الأقرب والله أعلم، وهو التفصيل بالنسبة للفاسق: إذا كان فسقه يؤدي إلى عدم قيامه بالحضانة؛ فيسقط حقه فيها؛ مثل متعاطي المخدرات. أما إذا كان فسقه لا يؤدي إلى عدم قيامه بالحضانة؛ ففسقه لا يمنع من حقه بالحضانة، ومثَّلنا لذلك بكثير اللعن، وقد اختار هذا القول ابن القيم رحمه الله تعالى، وابن عثيمين، وهو الأقرب.

الكفر

ولا لكافرٍ على مسلمٍ.

لأن فيه خطرًا على دينه: فأبَوَاه يُهَوِّدانه أو يُنَصِّرانه، أو يُمَجِّسانه [34].

زواج الأم بأجنبيٍّ

ولا لمتزوجة بأجنبيٍّ.

يعني: سواءٌ كانت أمَّه أو حاضنةً أخرى؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: أنتِ أحق به ما لم تَنكحي [35].

والمقصود بـ”الأجنبي”: من لم يكن من عَصَبات المحضون، يعني: هذا طفلٌ تزوجت أمه بأجنبيٍّ ليس من عصبات المحضون، يسقط حقها في الحضانة، لكن لو تزوجت برجلٍ من عصبات المحضون، تزوجت مثلًا بعمِّه؛ لا يسقط حق المرأة في الحضانة، انتبه لهذه المسألة، فلو أن هذه المرأة تزوجت بأخي زوجها -يعني بعم الطفل- فلا يسقط حقها في الحضانة حتى وهي متزوجةٌ، إنما يسقط حقها في الحضانة إذا تزوجت بأجنبيٍّ.

والدليل لذلك: أن النبي قضى بابنة حمزة لجعفرٍ [36]؛ لأمرين:

أولًا: أن خالتها تحته.

ثانيًا: لأنه ابن عمها.

الحكم إذا زال المانع، أو أَسقَط الأحقُّ حقَّه

ومتى زال المانع، أو أَسقَط الأحقُّ حقَّه ثم عاد؛ عاد الحق له.

يعني: هذه امرأةٌ تزوجت بأجنبيٍّ؛ سقَطَ حقها في الحضانة، ثم طُلِّقت، فيعود الحق لها.

هل الحضانة حقٌّ للحاضن أم حقٌّ عليه؟

فيها قولان للعلماء:

  • القول الأول: أن الحضانة حقٌّ للحاضن، وللحاضن أن يتنازل عن حقِّه متى ما شاء، وإذا امتنع؛ انتقلت لمن بعده حتى تنتهي للحاكم، وهذا هو مذهب الحنابلة والمالكية.
  • والقول الثاني: أن الحضانة حقٌّ للحاضن وحقٌّ عليه؛ أي: إن نازعه آخر فيها؛ فهي له، وإن لم ينازعه آخر فيها؛ فهي حقٌّ عليه، وإلى هذا ذهب الحنفية والشافعية، ونصره ابن القيم، وهذا هو القول الراجح: أن الحضانة حقٌّ للحاضن وحقٌّ عليه؛ لأن القول بأنها حقٌّ له وليست حقًّا عليه؛ يؤدي إلى ضياع الطفل، فربما أن كلًّا من الزوج والزوجة يمتنع عن الحضانة، طيب من الذي يقوم بحضانة الطفل؟ فهي حقٌّ له وحقٌّ عليه.

الأحق بالحضانة إذا أراد أحد الأبوين السفر

وإن أراد أحد الأبوين السفر ويرجع؛ فالمقيم أحق بالحضانة.

لإزالة ضرر السفر عن الطفل، يعني مثلًا: كان الأحق بالحضانة الأب؛ لكون الأم متزوجةً بأجنبيٍّ، ثم إن الأب أراد السفر للابتعاث للدراسة أو للعمل مدةً طويلةً، فهنا تكون الأم هي الأحق، حتى وإن كانت متزوجةً بأجنبيٍّ.

وإن كان للسُّكنى وهو مسافة قصرٍ؛ فالأب أحق، ودونها؛ فالأم أحق.

يعني: إن كان سفر أحد أبويه للسُّكنى والإقامة، ويَبعد المحل الذي يريده للسكنى مسافة قصرٍ، أكثر من (80 كيلومترًا)؛ فالأب أحق؛ لأنه يقوم بتأديبه والقيام بشؤونه، وإن كان البلد الذي أراد أحد الأبوين الانتقال له أقل من مسافة القصر؛ فالأم أحق؛ لأنها أكثر شفقةً، وهذا قول الجمهور.

والقول الثاني: أن الأم أحق بشرطين:

  • أن يكون البلد الذي تريد أن تنتقل إليه هو بلدها.
  • والثاني: وقوع النكاح فيه، وهو مذهب الحنفية.

القول الثالث: أن الأم أحق به إذا كان المحضون بحاجةٍ لها، أما إذا لم يكن بحاجةٍ لها؛ فالأب أحق؛ لأن العبرة بمصلحة المحضون.

والأقرب والله أعلم: أن يُنظر لمصلحة المحضون في ذلك.

حضانة الصبي إذا بلغ سبع سنين

آخر فصلٍ معنا، قال:

فصلٌ

وإذا بلغ الصبي سبع سنين عاقلًا؛ خُيِّر بين أبويه.

لأنه أقل من السبع قلنا: الأحق الأم، لكن إذا بلغ سبعًا؛ يُخير بين أبويه؛ لحديث أبي هريرة  أن امرأةً أتت النبي فقالت: يا رسول الله، إن زوجي يريد أن يذهب بابني، فقال زوجها: مَن يحاقُّني في ولدي؟ فقال النبي : هذا أبوك، وهذه أمك، فاختر، فأخذ بيد أمه فانطلقت به [37]، وقضى به الصحابة .

وذهب بعض العلماء إلى أنه يكون عند الأصلح، فإن استويا في الصلاح فيخير، وهذا هو الأقرب، وقالوا: إن الحديث السابق يُحمل على حال الاستواء في الصلاح؛ لأن الناس في زمن النبوة يغلب عليهم الصلاح والاستقامة، أما بعد ذلك فالغالب وجود التفاوت؛ ولهذا قال ابن القيم: “لو كانت الأم أَصْوَنَ من الأب وأغْيَرَ منه قُدِّمت عليه، ولا الْتفات إلى قرعةٍ ولا اختيار الصبي في هذه الحال؛ فإن الصبي ضعيف العقل يُؤْثِر البطالة، فإذا اختار من يساعده على ذلك؛ لم يُلتفَت لاختياره”، يعني هذا طفلٌ صبيٌّ، عمره ثماني سنين، يعني كيف يقال: يُخيَّر؟! يُنظر للأصلح، إلا إذا استويا في الصلاح.

قال ابن القيم: “سمعت شيخنا يعني ابن تيمية يقول: تنازع أبوان صبيًّا عند بعض الحكام، يعني عند بعض القضاة، فخيَّره بينهما، فاختار الصبي أباه، فقالت أمه: سله لأي شيءٍ اختار أباه؟ فقال الصبي: أمي تبعثني كل يومٍ إلى الكُتَّاب والفقيه -يعني المعلم- يضربني، وأبي يتركني ألعب مع الصبيان، فقضى به القاضي للأم”.

فإذنْ نقول: إذا بلغ سبع سنين؛ يكون عند الأصلح، فإن استويا في الصلاح؛ فيُخيَّر.

فإن اختار أباه؛ كان عنده ليلًا ونهارًا.

وسبق أن قلنا: عند الأصلح.

ولا يُمنع من زيارة أمه، ولا هي من زيارته.

هذه مسألةٌ مهمةٌ، لا يجوز للأب أن يمنع أطفاله من زيارة أمهم، ولا أن يمنع أمهم من زيارتهم؛ لأن هذا عقوقٌ لا يجوز، وقطيعةٌ للرحم، فمنعه لأولاده من زيارة أمهم هذا محرمٌ، بل من الكبائر، لا يجوز للأب أن يمنع الأولاد من زيارة أمهم، ولا أن يمنع أمهم من زيارتهم ولا من التواصل معهم.

وإن اختار أمه؛ كان عندها ليلًا، وعند أبيه نهارًا؛ ليُؤدِّبه ويُعلِّمه.

سبق أن رجحنا أنه يكون عند الأصلح، إلا عند التساوي، هذا بالنسبة للصبي إذا بلغ سبع سنين، قلنا: إنه يكون عند الأصلح، إذا استَوَيا في الصلاح؛ فيُخيَّر.

طيب، ماذا عن الأنثى؟

حضانة الأنثى إذا بلغت سبع سنين

قال المؤلف:

وإذا بلغت الأنثى سبعًا؛ كانت عند أبيها وجوبًا إلى أن تتزوج.

هذا هو المذهب عند الحنابلة، يقولون: إذا بلغت الأنثى سبع سنين؛ فتكون عند الأب؛ لأنه هو الأحفظ للبنت، والأقدر على صيانتها وحفظها.

والقول الثاني: أنها تكون عند الأم، وهذا قول الجماهير: الحنفية والمالكية والشافعية، وروايةٌ عند الحنابلة، واختاره ابن القيم؛ قالوا: لأن الأم أكمل شفقةً ورحمةً من الأب، ولأن الأب غالبًا يتصرَّف في المعاش، والأم تبقى مقصورةً في البيت؛ فهي أقدر على الحضانة وعلى الصيانة والحفظ للبنت، ولأن البنت تحتاج إلى تعلُّم ما يَصلح للنساء، وهذا إنما تقوم به النساء لا الرجال.

قال ابن القيم: “وكل مفسدةٍ يعرض وجودها عند الأم؛ فإنها تَعرِض أو أكثر منها عند الأب”، فالأم أشفق عليها وأَصْوَن لها من الأجنبية؛ لأن الأب لن يتولَّى الحضانة بنفسه، وإنما سيجعل هذه البنت عند زوجته، وكونها تكون عند أمها أولى من أن تكون عند زوجة أبيها، فهذا القول الثاني هو الأرجح: أن الأنثى إذا بلغت سبعًا؛ تكون عند أمها وليس عند أبيها، هذا هو الأقرب والله أعلم، وهو الأقرب لمقاصد الشريعة، وأيضًا للفطرة، أيهما أكثر شفقةً على البنت وعنايةً ورعايةً وحفظًا؟ الأم أو الاب؟ الأم، إلا إذا وُجد سببٌ يقتضي أن تكون عند الأب؛ كأن تكون الأم غير مأمونةٍ؛ كأن تكون الأم مثلًا تشجعها على التبرج وعلى الفساد، وعلى أن تكون غير مأمونةٍ، هنا تكون عند الأب، أما إذا كانت الأم صالحةً؛ فهي أولى بالحضانة من الأب.

ويمنعها -أو من يقوم مقامه- من الانفراد.

لأن انفرادها مظنَّةٌ للفساد، يعني: إذا كانت عرضةً للعدوان عليها.

ولا تُمنع الأم من زيارتها، ولا هي من زيارة أمها إذا لم يَخَف الفساد.

لكن إذا خيف الفساد؛ فالأولى عدم المنع؛ لأنها مهما كانت تبقى أمها، لكن تُمنع من الخلوة بها.

ونظير ذلك: إذا خاف الزوج أن يُفسد أهل الزوجة زوجته عليه؛ فلا يمنعها من الزيارة؛ حتى لا يتسبب في قطيعة الرحمة أو العقوق، لكن يمنعها من الخلوة بهم، يقول: أسمح لك بالزيارة لكن بحضوري مثلًا.

حضانة المجنون

والمجنون ولو أنثى عند أمه مطلقًا.

لأن الأنثى أصلح من الرجل في هذه الحال.

ولا يُترك المحضون بيد من لا يصونه ويصلحه.

لأن هذا يؤدي إلى فوات المقصود من الحضانة.

بهذا نكون قد انتهينا من الحضانة ومن المجلد السابع، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

نجيب عما تيسر من الاسئلة:

الأسئلة

السؤال: ما حكم شراء شقةٍ على المخطَّط، أي: قبل وأثناء البناء؟

الجواب: لا بأس بذلك، يُعتبر هذا عقد استصناعٍ، فإذا اشترى شقةً على المخطَّط، أو وقتَ بنائها؛ يُعتبر هذا عقد استصناعٍ، ولا بأس به.

السؤال: ما نصيحتك لطالب العلم في اغتنام رمضان في العبادة؟

الجواب: رمضان موسمٌ من مواسم التجارة مع الله ، وينبغي أن يحرص المسلم على اغتنامه، وأن تكون حاله في رمضان هذا العام أفضل من حاله في الأعوام الماضية؛ لأن المسلم كلما تقدم به العمر؛ ينبغي أن يكون إلى الله أقرب، وينبغي أن يحرص أولًا على الفرائض، يحافظ عليها، ثم يستكثر من النوافل، وبعض الناس عندهم قلة فقهٍ، يُركِّز على النوافل ويُخل بالفرائض؛ فينام مثلًا عن الصلاة المكتوبة، ويحرص على صلاة التراويح، حرصه على صلاة التراويح هذا شيءٌ طيبٌ، لكن ينبغي أن لا يُخِل بالفرائض، الفرائض أهم من النوافل، فعليه أولًا أن يحافظ على الفرائض، ثم يستكثر من النوافل، وأن يستحضر بأن شهر رمضان شهر عبادةٌ وطاعةٌ، وأن يقتدي بالنبي الذي كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، ينبغي أن تكون حال المسلم في رمضان أفضل من حاله قبل رمضان.

السؤال: ما حكم التأمين الطبي؟

الجواب: التأمين الطبي إذا كان تأمينًا تكافليًّا تعاونيًّا؛ لا بأس، أما إذا كان تجاريًّا؛ فجمهور المعاصرين على تحريمه، وهناك شركاتٌ تمارس التأمين التعاوني، فيمكن أن يشترك الإنسان في التأمين بجميع أنواعه، سواءٌ كان طبيًّا أو على السيارات أو أي نوعٍ من أنواع التأمين، ما دام أن الشركة تأمينها تأمينٌ تعاونيٌّ.

السؤال: جاءتني والدتي ترغب بأن تتبرع لي عن أخيها في دفع تكاليف الحج لي، علمًا أنها حجة الإسلام، والذي تريده هو كل المبلغ ولكن الحج عن نفسي؟

الجواب: لا بأس، إذا تبرع أحدٌ لك بتكاليف الحج؛ فهذا رزقٌ ساقه الله إليك، وتؤدِّي هذه الفريضة وهذا الركن، وإن كان الحج غير واجبٍ عليك، لكن لو وُجد من يتبرع لك بتكاليف الحج؛ فالأفضل أن تقبل وأن تحج؛ لأنك تأتي بعمل صالحٍ عظيمٍ: الحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة [38].

السؤال: عندنا في بلدنا الزوج والزوجة يشتركان في العقد عند شراء البيت من الحكومة، وعند موت أحدهما تنتقل الملكية التامة للثاني، كيف يُقسَّم الميراث حينئذٍ؟

الجواب: نعم، هذا موجودٌ في بلاد الغرب، يعتبرون أن الذمة واحدةٌ بين الزوج والزوجة، فالزوج يملك نصف الثروة، والزوجة كذلك، لكن شرعًا ذمة الزوج تختلف عن ذمة الزوجة؛ له ماله ولها مالها، لكن بما أنكم في بلدٍ -وذُكِر أنه في بلادٍ غير إسلاميةٍ- تتعاملون بقدر المستطاع، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، اتقوا الله ما استطعتم.

السؤال: كيف الجمع بين القول بأن الزوجة ليس لها حقٌّ في البيت بعد وفاة زوجها، مع قول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ [البقرة:240]؟

الجواب: هذا سؤالٌ جيدٌ، الآية فيما لو أوصى الزوج: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ [البقرة:240]، يعني: ينبغي للزوج إذا خشي على زوجته من الإخراج أن يُوصي بأن تبقى حولًا كاملًا، فإذا أوصى تُنفَّذ وصيته، لكن إذا لم يوص فلا يلزم أن تبقى الزوجة في بيت الزوج، لا يلزم؛ لأن البيت ملكٌ للورثة، إلا إذا رضي الورثة بذلك، لكن الآية محمولةٌ على أن الزوج إذا خشي من أن الورثة يُخرجون الزوجة، فينبغي للزوج أن يُوصي بأن تبقى زوجته سنةً كاملةً؛ ولذلك قال: وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ [البقرة:240]، يعني: إذا أوصى الزوج؛ لا يجوز أن تُخرج الزوجة، فَإِنْ خَرَجْنَ -يعني من أنفسهن- فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ [البقرة:240].

السؤال: لو كان مال الزوج قليلًا، فمن يُقدَّم في النفقة؟ والداه أم زوجته أم أولاده؟

الجواب: هذا تكلمنا عنه في الدرس، قلنا: الزوجة مُقدَّمةٌ، ثم الولد، ثم الوالدان، وذكرنا السبب في ذلك.

السؤال: باب الريان يكون للصائمين صيام النافلة، أم يكون لمن يصوم رمضان ولا يزيد عليه؟

الجواب: الذي ورد أن باب الريان يكون للصائمين، لكن تفاصيل ذلك لا أعلم أنه ورد فيها شيءٌ، والله تعالى أعلم، وفضل الله واسعٌ، فضل الله واسعٌ.

السؤال: ما حكم التعامل بالعملات الرقمية؛ مثل: (بيتكوين)؟

الجواب: أنا كنت متوقِّفًا فيها مدةً طويلةً، ثم ظهر لي مؤخَّرًا بعد التباحث مع بعض طلاب العلم، وبعد أيضًا استماعي لبعض الخبراء في هذا المجال؛ أنها جائزةٌ والله أعلم، وأنها عملةٌ كسائر العملات، لكنها عملةٌ من نوعٍ خاصٍّ، وأن ما يقال من التغرير فيها يسري في الأموال الأخرى أيضًا؛ يعني مثلًا: التذبذب الكبير الذي فيها هذا موجودٌ في الأسهم، خاصةً الأسهم الغير محددةٍ ارتفاعًا وانخفاضًا، عندنا في المملكة محددةٌ ارتفاعًا وانخفاضًا بــ(10%)، لكن في بعض الدول مفتوحٌ المجال.

فيقول بعض الخبراء الماليين: إن التذبذب الذي يكون في الأسهم المفتوحة هو مثل التذبذب الذي في (البتكوين) أو أشد؛ فيلزم من منع (البتكوين) أو العملات الرقمية لأجل هذا التذبذب أن يمنع أيضاً التعامل بالأسهم.

فالأقرب الله أعلم: هو أنها جائزةٌ، الأصل هو الجواز، الأصل في المعاملات: الحل والإباحة، إلا ما ورد الدليل بمنعه، وليس هناك مانعٌ يمنع من الجواز، وأما ما ذُكر من جهالة المصدر أو نحو ذلك، هذه غير مؤثرةٍ في الجواز؛ لأنها مشفَّرةٌ؛ ولذلك التزوير فيها صعبٌ جدًّا، بل إنه كما ذكر بعض الخبراء أن غسيل الأموال والتزوير في العملات الأخرى احتماليته أكبر من العملات الرقمية.

فالأقرب -والله أعلم- هو أنها جائزةٌ، وأن التعامل بها لا بأس به، هذا هو الذي ظهر لي مؤخرًّا في هذه المسألة، والله تعالى أعلم.

السؤال: من هو المُعسِر؟

الجواب: المعسر هو المعدم الذي ليس عنده شيءٌ، والمفلس من كان دَينه أكثر من ماله.

السؤال: تنتشر عند بعض الناس عبارة: الله يشتم والديك؟

الجواب: هذا محرمٌ، إذا لَعَن والديه، أو شتم والديه؛ هذا من كبائر الذنوب، وقد قال عليه الصلاة والسلام: إن من أكبر الكبائر: أن يسب الرجل والديه، قالوا: كيف يسب والديه؟! قال: يسب الرجل أبا الرجل؛ فيسب أباه، ويسب أمه؛ فيسب أمه [39]، يعني: حتى لو تسبب في سب والديه؛ فهذا يبوء بإثمه، فلا يجوز للإنسان أن يسب أصلًا، المسلم ينبغي أن يبتعد عن السب: ليس المسلم بالسبَّاب ولا باللَّعَّان ولا بالطَّعَّان ولا بالفاحش ولا البذيء [40]، واللعانون لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة [41].

السؤال: حكم الصلاة بين السواري؟

الجواب: الصلاة بين السواري عند عدم الحاجة مكروهةٌ، يعني مثلًا: بين هذه السارية وهذه السارية يُكره الصلاة فيها؛ لأن هذه السارية تقطع الصف، أما عند الحاجة تزول الكراهة؛ كأن يكون المكان مزدحمًا، كما في الحرمين مثلًا، أو في بعض الأماكن التي يكون فيها المكان مزدحمًا، تزول الكراهة، فعند الحاجة تزول الكراهة، أما عند عدم الحاجة؛ فالصلاة بين السواري مكروهةٌ.

السؤال: ما حكم تكرار العمرة في السَّفْرة الواحدة؟

الجواب: تكرار العمرة في السفرة الواحدة خلاف السنة، لكنه جائزٌ؛ لعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام: العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما [42].

الأفضل أن تخصَّ السفرة الواحدة بعمرةٍ واحدةٍ؛ لأن هذا هو هدي النبي عليه الصلاة والسلام وهدي أصحابه ، ولم يُؤْثَر عن أحدٍ من الصحابة أنه كان يعتمر أكثر من عمرةٍ في سَفْرةٍ واحدةٍ؛ فالأفضل إذنْ: أن تُخَصَّ العمرة في السفرة الواحدة، لكن مع ذلك لو كَرَّر؛ لم يرتكب حرامًا، يجوز ذلك، لكنه خلاف الأولى.

وبقية الأسئلة -إن شاء الله- نجيب عنها غدًا.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 1218.
^2, ^12 رواه البخاري: 5364.
^3 رواه البخاري: 4458، ومسلم: 2213.
^4 رواه أبو داود: 3855، والترمذي: 2038، وقال: حديث حسن صحيح.
^5 رواه النسائي: 6863، وابن حبان: 6075.
^6 رواه البخاري: 5355.
^7 رواه البخاري: 5364، ومسلم: 1714.
^8 رواه أبو داود: 1692، والنسائي في السنن الكبرى: 9131-9132، وأحمد: 6495، والحاكم: 8750.
^9 رواه مسلم: 997.
^10 رواه البخاري: 1426، ومسلم: 1042، بنحوه.
^11 رواه البخاري: 2215، ومسلم: 2743.
^13 رواه مسلم: 1662.
^14 رواه البخاري: 2559، ومسلم: 2612
^15 رواه مسلم: 1657.
^16 رواه البخاري: 4559.
^17 رواه البخاري: 30.
^18 رواه ابن ماجه: 2341، ومالك: 2/ 745، وأحمد: 2865.
^19 رواه البخاري: 30، ومسلم: 1661.
^20 رواه أبو داود: 1818، وابن ماجه: 2933، وأحمد: 26961.
^21 رواه مسلم: 70
^22 روا أبو داود: 495، وأحمد: 6756.
^23 رواه مسلم: 1708.
^24 رواه البخاري: 3318، ومسلم: 2242.
^25 رواه البخاري: 3467، ومسلم: 2245.
^26 رواه مسلم: 2595.
^27 رواه البخاري: 6105، ومسلم: 110.
^28 رواه البخاري: 304، ومسلم: 80.
^29 رواه مسلم: 2587.
^30 رواه مسلم: 2117.
^31 رواه البخاري: 3471، ومسلم: 2388.
^32 رواه أبو داود: 2267، وأحمد: 6707.
^33 رواه البخاري: 2699، ومسلم: 1783.
^34 رواه البخاري: 1358، ومسلم: 2658.
^35 رواه أبو داود: 2276، وأحمد: 6707.
^36 سبق تخريجه.
^37 رواه داود: 2277، والنسائي: 3496، والترمذي: 1357، وابن ماجه: 2351، وقال الترمذي: حسن صحيح.
^38, ^42 رواه البخاري: 1773، ومسلم: 1349.
^39 رواه البخاري: 5973، ومسلم: 90
^40 رواه الترمذي: 1977، وأحمد: 3839، بنحوه، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
^41 رواه مسلم: 2598.
zh