logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(98) كتاب الديات- من قوله: “من أتلف إنسانًا أو جزءًا منه..”

(98) كتاب الديات- من قوله: “من أتلف إنسانًا أو جزءًا منه..”

مشاهدة من الموقع

عناصر المادة

كتاب الديات

ننتقل بعد ذلك إلى درس الفقه من “دليل الطالب”، وكنا قد وصلنا إلى:

كتاب الدِّيَات

“الدِّيَات” جمع دِيَةٍ، وهي: المال المؤدَّى إلى مجنيٍّ عليه أو وليِّه بسبب جنايةٍ.

فقولنا: “المال المؤدَّى إلى مجنيٍّ عليه”، هذا إذا إذا كانت الجناية فيما دون النفس، أو “وليِّه”: إذا كانت في النفس.

وأصل الدِّيَة: من الفعل “وَدِيَ”، لكن حُذفت الواو، وأُبدلت الهاء مكانها، فأصبحت دِيَةً؛ كالوعد والعِدَة.

حكم من أتلف إنسانًا أو جزءًا منه بمباشرةٍ أو بسببٍ

قال:

من أتلف إنسانًا أو جزءًا منه.

“إنسانًا”: يُشير إلى الجناية في النفس، “أو جزءًا منه” فيما دون النفس.

بمباشرةٍ أو سببٍ؛ إن كان عمدًا؛ فالدِّيَة في ماله، وإن كان عن غير عمدٍ؛ فعلى عاقلته.

من تعدَّى على آخر، سواءٌ كانت الجناية في النفس أو فيما دون النفس، فإن كانت عن عمدٍ؛ فالدية على الجاني، ولا تُلزم عاقلته، وإنما تكون على الجاني في ماله، وقد نُقل الإجماع على ذلك كما نقله الموفق بن قدامة رحمه الله، قال: “أجمع أهل العلم على أن دِيَة العمد تجب في مال القاتل لا تحملها العاقلة”، ويدل لهذا قول الله تعالى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، والأصل أن بدل المُتلَف على متلِفِه، فهذا الحكم مجمعٌ عليه؛ ولهذا الآن ما نسمعه في قضايا القتل العمد وديات القتل العمد، نقول: الأصل أنها على الجاني، يعني: أقاربه من العاقلة لا يتحملون الدية، إنما يتحملونها في الخطأ وشبه العمد، أما العمد فعليه هو، على القاتل، إن ساعدوا معه؛ فهذا خيرٌ ويُؤجرون على هذا، لكن شرعًا لا يلزمهم ذلك، وإنما هي في مال القاتل، وعلى القاتل، هذا بالنسبة للعمد.

أما إذا كانت الجناية غير عمدٍ، ويعني بها المؤلف: الخطأ وشبه العمد؛ فهذه تكون على العاقلة: وهم عَصَبة القاتل أو الجاني، الجاني أوسع من القاتل، الجاني حتى يشمل الجناية في النفس وفيما دون النفس.

والدليل لهذا ما جاء في “الصحيحين” عن أبي هريرة قال: “اقتتلت امرأتان من هُذَيلٍ، فرمت إحداهما الأخرى بحجرٍ فقتلتها وما في بطنها، فقضى رسول الله بدية المرأة على عاقلتها” [1]، هذا هو الشاهد، فتكون إذنْ الدية على العاقلة في شبه العمد؛ وفي الخطأ من باب أولى، أما شبه العمد فعلى القول الراجح أنها تكون على العاقلة، وحديث أبي هريرة صريحٌ في هذا، وأما الخطأ فمحل إجماعٍ، نقل الإجماع غير واحدٍ من أهل العلم، نقله ابن المنذر، ونقله الموفق، وغير واحدٍ من أهل العلم على أن الدية في القتل الخطأ تكون على العاقلة.

ثم ذكر المؤلف بعد ذلك أمثلةً لما هو موجودٌ في زمنه، وذكر عدة تفريعاتٍ وبيَّن أحكامها، وهذه التفريعات التي ذكرها المؤلف بالإمكان أن نذكر معها أمثلةً من واقعنا المعاصر، فنأخذ الأمثلة التي ذكرها المؤلف ونربطها أيضًا بأمثلةٍ من الواقع.

حكم من حفر بئرًا قصيرةً فعمَّقها آخر فهلك فيها إنسانٌ

قال:

ومن حفر تعدِّيًا بئرًا قصيرةً فعمَّقها آخر؛ فضمان تالفٍ بينهما.

يعني: إن اشترك اثنان في حفر بئرٍ، أحدهما حفر بئرًا لكن ليست عميقةً، وأتى آخر وعمَّقها، فسقط فيها إنسانٌ فمات، فالضمان عليهما جميعًا؛ لحصول السبب منهما جميعًا.

وأفادنا المؤلف بهذا: أن من تسبب في قتل غيره، أو في إصابته بحفر حفرةٍ؛ فإنه يضمن؛ وعلى ذلك الآن: لو أردنا أن نطبقها في واقعنا المعاصر، الحفريات التي تضعها الشركات الآن، لو أن شركةً وضعت حفريةً في طريقٍ، فأتى إنسانٌ بسيارته ووقع في هذه الحفرية ومات، فمن يتحمل الدية؟

مداخلة: …..

الشيخ: الشركة، طيب لو أنه لم يمت، لكن السيارة حصل لها تَلَفيَّاتٌ؛ فالضمان على الشركة، هذا هو الذي عليه العمل في المحاكم، الشركة يكون عليها الضمان؛ ولهذا الشركة ينبغي لها أن تضع علاماتٍ تحذيريةً واضحةً للجميع، وتضع أيضًا من الوسائل ما يجعل الناس يتلافون الوقوع في هذه الحفريات، أما أنها تضع حفريةً ولا تضع علاماتٍ، أو تضع علاماتٍ غير كافيةٍ؛ فإنها تضمن وتتحمل ما قد يترتب من جناياتٍ بسبب هذه الحفريات.

مداخلة: …..

الشيخ: لو وضعت جميع العلامات التحذيرية، ولم يكن من الشركة أي تقصيرٍ ولو بنسبة 1%؛ فليس عليها شيءٌ، لا يكون عليهم شيءٌ، لو مثلًا وضعت هذه العلامات، وإنسانٌ أتى مسرعًا يمشي مئتين؛ فالخطأ منه؛ لأن العلامات واضحةٌ، والحواجز واضحةٌ، والوسائل واضحةٌ، لكن الخطأ من هذا الشخص الذي وقع فيها.

حكم من وضع سكينًا في بئرٍ فوقع فيها رجلٌ فهلك

قال:

وإن وضع ثالثٌ سكينًا؛ فأثلاثًا.

يعني: وضع الثالث سكينًا داخل هذه الحفرة، حفرةٌ حفرها واحدٌ وعمقها الثاني، والثالث وضع فيها سكينًا، فوقع فيها إنسانٌ، فتكون الدية بين هؤلاء الثلاثة.

حكم من وضع حجرًا فعثر فيها إنسانٌ فهلك

قال:

وإن وضع واحدٌ حجرًا تعدِّيًا، فعثر فيه إنسانٌ فوقع في البئر؛ فالضمان على واضع الحجر؛ كالدافع.

لو أتى إنسانٌ ووضع حجرًا فعثر فيه إنسانٌ، فوقع في هذه البئر، فهنا الإصابة بسبب هذا الحجر، وليس بسبب البئر، فيتحمل أو يضمن الذي وضع الحجر، أشبه الدافع، أشبه ما لو أتى إنسانٌ واستغفله ودفعه حتى وقع في هذه البئر.

مثالٌ من واقعنا المعاصر: حفريةٌ وُضع عليها علاماتٌ تحذيريةٌ، لكن أتت مثلًا شركة الكهرباء، أو شركة الاتصالات، وضعت أسلاكًا بجوار هذه الحفرية، فأتى إنسانٌ وعثر بهذه الأسلاك وسقط فيها، فالضمان على من وضع الأسلاك، هذا نربطه بالمثال الذي ذكره المؤلف.

حكم ما إذا تجاذب حُرَّان مكلفان حبلًا فانقطع فسقطا ميتين

قال:

وإن تجاذب حُرَّان مكلفان حبلًا فانقطع فسقطا ميتين؛ فعلى عاقلة كلٍّ دية الآخر.

يعني: تجاذبا حبلًا، كلٌّ يجذب الحبل، فسقطا ميتين؛ فعلى كل عاقلة ميتٍ أن تتحمل دية الآخر؛ وذلك لتسبُّب كلٍّ منهما في دية الآخر.

حكم ما لو تصادم اثنان فهلكا

وإن اصطدما؛ فكذلك.

وقد رُوي هذا عن عليٍّ ، يمكن أن نربطها في واقعنا الحاضر بحوادث السيارات، من يذكر لنا مثالًا نستطيع أن نربط به هذا المثال الذي ذكره المؤلف؟

اصطدم رجلان بسيارتيهما فماتا جميعًا، من يتحمل الدية الآن؟ أو ننظر ممن الخطأ؟ ننظر نسبة الخطأ، لكن لو قالوا: إن نسبة الخطأ 50%، 50%؛ كلٌّ منهما يتحمل دية الآخر، يعني: عاقلة الأول تتحمل دية الثاني، والثاني يتحمل دية الأول، وإذا كانا متكافئين؛ تساقطتا، لكن إذا لم يكونا متكافئين؛ هنا يَرِد دفع الفرق.

مداخلة: …..

الشيخ: يدفعها لورثة الميت، للورثة.

مداخلة: …..

الشيخ: العاقلة هي الملزَمة بالدفع، والآخذ هم الورثة.

مداخلة: …..

الشيخ: إذا كان 50%، 50%.

مداخلة: …..
الشيخ: يعني: إذا كان كلٌّ منهما يتحمل دِيَة الآخر؛ فمعنى ذلك: تتساقط الديتان إذا لم يكن بينهما تفاوتٌ، أما إذا كان بينهما تفاوتٌ؛ فلا تتساقطان.

مثل ذلك أيضًا حتى في غير الوفيات، لو افترضنا أن الطريق مزدوجٌ، وحصل تصادمٌ بين السيارتين؛ كلٌّ منهما يضمن دية الآخر، هذا -على كل حالٍ- سيأتي الكلام عنه بعد قليلٍ.

حكم من أركب صغيرين لا ولاية له عليهما فاصطدما فهلكا

ومن أَركبَ صغيرين لا ولاية له على واحدٍ منهما فاصطدما فماتا؛ فدِيَتهما من ماله.

“أركَبَ صغيرين” يعني: في زمن المؤلف مثلًا على دابةٍ، وفي وقتنا الحاضر أركب صغيرين في سيارةٍ، “لا ولاية له على واحدٍ منهما، فاصطدما” فيما بينهما “فماتا؛ فديتهما من ماله”؛ وذلك لأنه متعدٍّ بإركابهما، لو أنه أركبهما بغير إذن أوليائهما، وحصل حادثٌ في الطريق فماتا، فهل يتحمل الدية؟ إي نعم، “كل ما ترتب على غير مأذونٍ؛ فإنه مضمونٌ”، فإذنْ يتفرع على ذلك هذه المسألة: أتى لصغيرٍ وأركبه من بيت أهله، ولم يأذن أهله بذلك، فيتحمل ما قد يترتب على ذلك من ضمانٍ.

حكم من أرسل صغيرًا لحاجةٍ فأتلف نفسًا أو مالًا

ومن أرسل صغيرًا لحاجةٍ فأتلف نفسًا أو مالًا فالضمان على مرسله.

لو أن شخصًا أرسل صغيرًا لكي يأتي له بحاجةٍ، فتسبب هذا الصغير في إتلافٍ؛ إما بإتلاف نفسٍ، أو إتلافٍ فيما دون النفس؛ فالضمان على مرسله؛ لأنه أرسل إنسانًا غير مكلفٍ، أو أنه مثلًا أعطاه السيارة وهو صغيرٌ عمره مثلًا عشر سنواتٍ، وأعطاه السيارة وتسبب في حادث، فيتحمل كل ما يترتب على هذا الحادث من ضمانٍ.

حكم من ألقى شيئًا ثقيلًا على سفينةٍ فغرقت

ومن ألقى حجرًا أو عِدْلًا مملوءًا بسفينةٍ فغرقت؛ ضمن جميع ما فيها.

وذلك لحصول التلف بفعله، وفي وقتنا الحاضر إذا تسبب قائد السيارة في حادثٍ، فمات جميع مَن في السيارة؛ فهل يتحمل دياتهم؟ مثلما حصل قبل شهرين، الشخص الذي كان ينقل المعلِّمات، وحصل حادثٌ ومات جميع من في السيارة، هل يتحمل الديات أو لا يتحمل سائق السيارة؟ إن كان منه تعدٍّ أو تفريطٌ؛ فيتحمل، والغالب أن حوادث السيارات لا تخلو من تعدٍّ أو تفريطٍ، فيتحمل إذا كان مثلًا يسير بسرعةٍ كبيرةٍ، مثل الذي حصل قبل شهرين، كان يسير بسرعةٍ كبيرةٍ جدًّا، فمثل هذا يتحمل، يكون عليه ديات جميع من معه في السيارة، وهل يكون عليه أيضًا كفارات؟ نعم، لو كان معه مثلًا عشرة أنفسٍ، فيصوم كم شهرًا؟ عشرين شهرًا، فإن قال قائلٌ: لماذا هذا التشديد؟ نقول: لأن الأثر كبيرٌ، كونه يتسبب في إزهاق أرواح أنفسٍ معصومةٍ ليس بالأمر الهين؛ ولهذا من كان قائدًا للسيارة ومعه أناسٌ؛ ينبغي له أن يحترز غاية الاحتراز، ويحرص على ألا يحصل منه تعدٍّ ولا تفريطٌ، أما أن يكون معه أنفسٌ معصومةٌ ويستهين بها ويُسرع بالسيارة؛ فيتحمل ما قد يترتب على ذلك.

فإذنْ هذا المثال الذي ذكره الفقهاء يمكن أن نُفرِّع عليه هذه الصور وهذه المسألة.

حكم من مَنَع مضطرًّا إلى طعامه أو شرابه حتى هلك

قال:

ومن اضطُر إلى طعام غير مضطرٍّ أو شرابه فمنعه حتى مات.

 فيضمنه، يعني: حتى مات المضطر، هذا إنسانٌ اضطر إلى طعامٍ، قال: يا فلان، أعطني أنا مضطرٌّ؛ إما أن تُعطيني وإلا سأموت، رفض، قال: أبدًا ما أعطيك، فمات المضطر، فيضمنه المانع؛ وذلك لأنه قتله بمنعه هذا الطعام الواجب عليه بذله، فكان عليه الضمان.

قال:

أو أَخَذ طعام غيره أو شرابه، وهو عاجزٌ عن دفعه فمات؛ ضمنه.

يعني: كان مثلًا في برِّيَّةٍ، فأخذ طعام غيره بالقوة، وهذا الذي قد أخذ طعامه ضعيفٌ وعاجزٌ عن دفعه، فمات من الجوع، فيضمنه هذا الآخذ.

أو أخذ دابته.

وفي وقتنا الحاضر يمكن أن نقول: أخذ سيارته وتركه في البر وحده فمات، فيضمنه.

أو ما يدفع به عن نفسه من سَبُعٍ ونحوه فأهلكه؛ ضمنه.

وذلك لأنه قد تسبب في هلاكه.

حكم من أتى برائحةٍ فمات منها حاملٌ أو حملها

قال:

وإن ماتت حاملٌ أو حملها من ريح طعامٍ؛ ضمن ربه إن علم ذلك من عادتها.

كيف تموت حاملٌ من ريح طعامٍ؟

يقولون: إن هذا قد يحصل من بعض النساء، فبعض النساء عندما تحمل تتغيَّر نفسيتها ومزاجها، ويحصل عندها ما يسمى عند العامة بـ”الوحم”، تتوحَّم من بعض الأشياء، فإذا كانت مثلًا تتوحَّم من رائحةٍ معينةٍ، فتسبب هو في جلب هذه الرائحة لها فماتت؛ فإنه يضمن إذا علم بأنها ستموت، إذا علم بذلك، أما إذا كان لا يعلم؛ فإنه لا يضمن.

قال الموفق بن قدامة رحمه الله -مسألةٌ نضيفها- “إذا تجارح رجلان، وزعم كلٌّ منهما أنه جرح الآخر دفعًا عن نفسه ولا بينة؛ وجب على كلٍّ منهما ضمان صاحبه..”.

انتبه! أنا أريد أن أذكر هذه المسألة وأُفرِّع عليها مسألةً من الواقع المعاصر: إذا تجارح رجلان وزعم كلٌّ منهما جرح الآخر دفعًا عن نفسه ولا بينة؛ وجب على كلٍّ منهما ضمان صاحبه؛ لأن الجرح قد وُجد، وما يدَّعيه من القصد لم يثبت؛ فوجب الضمان، والقول قول كل واحدٍ منهما مع يمينه في درء القصاص، هذه المسألة ذكرها الفقهاء: “إنْ تجارح اثنان ولا بيِّنة”، فيقولون: كل منهما يضمن جرح صاحبه، نفرِّع على ذلك مسألة: لو حصل حادثٌ في الطريق ولا بينة تدل على المخطئ منهما، مثلًا: اثنان في شارعٍ مزدوجٍ، والسيارتان تقابلتا وجهًا لوجهٍ، هذا يقول: هو الذي أخطأ، وهذا يقول: هو الذي أخطأ، وليس هناك شهودٌ، وليس هناك قرائن، وليس هناك أدلةٌ، ألا يمكن أن نُخرِّج هذه المسألة على هذه المسألة التي ذكرها الفقهاء؟ نُخرِّجها عليها، فنقول: الآن الإتلاف موجودٌ، هذا أتلف جزءًا من سيارة هذا، وهذا أتلف جزءًا من سيارة هذا، فنُخرِّجها على ما ذكر الفقهاء، يقول الفقهاء: “الجرح موجودٌ”، ونحن نقول: هنا الإتلاف موجودٌ ولا بيِّنة، فكلٌّ منهما يتحمل -يعني يضمن- سيارة صاحبه، فنقول: أنت أصلح سيارة صاحبك أو تحمل، ليس أصلح، وإنما تحمل النقص الذي حصل بسبب هذا الإتلاف في سيارة صاحبك، وصاحبك كذلك.

فهذه فائدةٌ نفيسةٌ في مثل هذه المسائل؛ لأن هذه قد تُشْكِل حتى على بعض القضاة، تُشكِل عليهم مثل هذه المسائل، فيكون الأمر ملتبسًا، لا يُدرى من المخطئ، كلٌّ منها يدعي أن الآخر هو المخطئ، وليس هناك بيِّنةٌ، بعض الحوادث ليس فيها بيِّنةٌ أن هذا هو المخطئ أو هذا هو المخطئ، والأمر ملتبسٌ، فما هو الحل؟ نُخرِّجها على هذه المسألة التي ذكرها الفقهاء، وكلٌّ منهما يضمن صاحبه.

الضمان بالنسبة لحوادث السيارات، هل الضمان هو تكلفة الإصلاح؟ يعني مثلًا: إنسانٌ أخطأ عليك وصدم سيارتك، هل نُكلِّفه بأن يُصلح سيارتك؟ نقول: لا، ليس هذا هو المقصود شرعًا، وإنما الضمان يكون لنقص قيمة السيارة بسبب هذا الحادث، نقص قيمتها، وليس تكلفة الإصلاح، فمثلًا: السيارة قيمتها مئة ألف ريالٍ، ربما تكون تكلفة الإصلاح ألف ريالٍ، لكن لو بيعت بعد الحادث؛ لنقصت قيمتها عشرة آلاف ريالٍ، فإذنْ المتسبِّب في الحادث هل نُضمِّنه ألفًا؟ أو عشرة آلافٍ؟ عشرة آلافٍ.

انتبهوا لهذه المسألة! أنا يأتي إليَّ بعض الناس يسأل، يقول: حصل حادثٌ، وأُعطيت مثلًا من شركة التأمين مبلغًا قدره كذا، لكن السيارة ما كُلِّفت إلا ربع هذا المبلغ، هل يجوز لي أن آخذ هذا المبلغ؟

نقول: نعم، يجوز لك هذا؛ لأن المقصود ليس هو تكلفة الإصلاح، وإنما المقصود هو ضمان النقص الحاصل لهذه السيارة بسبب هذا الحادث؛ ولهذا التقدير الصحيح: هو تقييم السيارة قبل الحادث وبعد الحادث، وهذا يعمل به المرور في الحوادث الكبيرة، فيرسلون السيارة لشيخ المعارض يُقيِّمها قبل الحادث وبعد الحادث، هذا هو التقدير الصحيح؛ ولهذا قد تكون الصدمة يسيرةً، لكن المبلغ كبيرٌ؛ بسبب أنها تنقص قيمتها، تفترض أنك تبيع هذه السيارة، والمشتري يعلم بهذا الحادث، فكم سيكون النقص بسبب هذا الحادث؟ فهذا هو التقدير الصحيح، وليس التقدير هو معرفة تكاليف إصلاح السيارة.

فإذنْ هذه الفروع التي ذكرها المؤلف حقيقةً هي مفيدةٌ جدًّا في مسألة حوادث السيارات، نستطيع أن نُفرِّع على كل مسألةٍ ذكرها المؤلف مسألةً متعلقةً بحوادث السيارات في الوقت الحاضر، وحوادث السيارات.. يعني الإخوة الذين في الدراسات العليا يصلح أن تكون رسالةً علميةً يمكن أن ينطلق من هذا الكلام الذي ذكره الفقهاء.

حكم من وقع على نائمٍ غير متعدٍّ فتلف هو أو النائم

قال المؤلف رحمه الله:

فصلٌ
وإن تلف واقعٌ على نائمٍ غير متعدٍّ بنومه؛ فهدر.

يعني: وقع إنسانٌ على نائمٍ، وهذا النائم غير متعدٍّ، يعني: مكان نومه صحيحٌ، فتكون هذه الجناية هدرًا؛ لأن النائم لم يتعد، لم يحصل منه تعدٍّ، والله تعالى يقول: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [فاطر:18].

وإن تلف النائم؛ فغير هدرٍ.

لأن هذا الواقع متعدٍّ عليه، وقد وقع عليه، وتعدَّى عليه بهذا الوقوع.

نُريد أن نُفرِّع على المسألة السابقة مسألةً من الواقع: إذا سقطت سيارةٌ من جسرٍ على سيارةٍ أخرى، وهذا يحصل في حوادث السيارات، سقطت سيارةٌ من جسرٍ على سيارةٍ أخرى، فهل يضمن صاحب السيارة الواقعة أو ما يضمن؟ نعم يضمن، نفرِّعها على هذه المسألة التي ذكرها المؤلف، صاحب السيارة الواقعة يضمن التلف على السيارة التي وقعت عليها، فيمكن أن تُفرَّع عليها أيضًا هذه المسألة.

مداخلة: …..

الشيخ: كونه يترك السيارة في الطريق، يعتبر هذا تفريطًا، لكن يضع علاماتٍ تحذيريةً، يعني: من أوقف سيارته في الطريق يضع علاماتٍ تحذيريةً حتى لا تصطدم السيارة، فإذا لم يضع علامةً تحذيريةً؛ يكون مفرِّطًا ويتحمل.

حكم من سُلِّم إليه إنسانٌ ليعلمه السباحة فهلك

وإن سلَّم بالغٌ عاقلٌ نفسَه أو ولدَه إلى سابحٍ حاذقٍ ليعلمه فغرق.

سلَّمه ولده لتعليم السباحة، وهذا المعلم حاذقٌ، فغرق هذا الولد، فإنه لا يضمن في هذه الحال، لم يضمنه هذا المعلم؛ لأنه لم يحصل منه تعدٍّ ولا تفريطٌ.

حكم من أمر مكلفًا أن يَنزل بئرًا أو يصعد شجرةً فهلك

أو أمر مكلفًا أن ينزل بئرًا أو يصعد شجرةً فهلك.

فهل يضمن؟ نقول: لا يضمن.

وفي وقتنا الحاضر: لو أردنا أن نُفرِّع من المسائل المعاصرة: أمره بتنظيف الخزان العلوي، أو الخزان السفلي، أتى بعاملٍ لتنظيف الخزان، ثم حصل له التماس كهربائي ومات، هل يضمن؟ نقول: لا يضمن؛ لأنه لم يحصل منه تعدٍّ ولا تفريطٌ.

حكم من استأجر أجيرًا لحفر بئرٍ فهلك فيها

أو تلف أجيرٌ لحفر بئرٍ، أو بناء حائطٍ بهدمٍ ونحوه.

فلا يضمن، كل هذه المسائل لا يضمن فيها.

حكم من أمكنه إنجاء نفس من هَلَكةٍ فلم يفعل حتى هلك

أو أمكنه إنجاء نفسٍ من مهلكةٍ فلم يفعل.

فإنه في هذه الحال يقول: إنه لا يضمن؛ لأنه لا يُلزم أيضًا بمثل هذا الإنجاء، يتأكد في حقه، لكنه لا يجب عليه.

قال:

أو أدَّب ولده أو زوجته في نشوزٍ.

ضوابط تأديب الولد والزوجة

التأديب للعلماء فيه تفصيلٌ؛ المقصود: التأديب بالضرب، وهذا يكون للزوجة الناشز، وهذا قد أمر الله تعالى به، أو أرشد الله تعالى إليه بقوله: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]، وأيضًا أمر به النبي ، أو أرشد إليه النبي في قوله: مُرُوا أولادكم بالصلاة لسبعٍ، واضربوهم عليها لعشرٍ [2]، وهذا يدل على أن الضرب وسيلةٌ تربويةٌ لكن بشروطه، بشرط: ألا يكون مبرِّحًا، ويكون الهدف منه التأديب لا الانتقام؛ وذلك لأن بعض النفوس من البشر لا يمكن أن تستقيم إلا بهذا، بعض النساء عندها اعوجاجٌ شديدٌ، فلا يمكن أن تستقيم للزوج إلا بهذا، وبعض الأولاد أيضًا قد يكون عنده تمرُّدٌ، فما يمكن أن يُصلِّي إلا إذا استخدم أبوه شيئًا من القسوة بالضرب غير المبرِّح، الضرب هو رسالةٌ تربويةٌ لهذا المضروب بأنه قد قصَّر وأنه قد أخطأ، من البشر من لا يعرف إلا هذه اللغة فيُعامَل بها، وإن كان النبي عليه الصلاة والسلام لم يضرب بيده امرأةً ولا خادمًا، ولكن -كما ذكرنا- قد يُلجأ إليه، ولا شك أن كون المرأة الناشز تُضرب فتستقيم الحياة الزوجية، أحسن من كونها تُطلق، وبهذا يتبيَّن خطأ النظرة الغربية، الغرب عندهم أن الضرب جريمةٌ، عندهم الجلد والضرب عمومًا يعتبرونه جريمةً.

وأنا أذكر أني كنت في دورةٍ شرعيةٍ هناك في إحدى البلدان، ومن المشاكل التي تواجه الجالية المسلمة هناك، يقولون: إن الأطفال يُلَّقنون في المدارس: إذا ضربك أبوك؛ فاتصل على هذا الرقم، يُعطونه ثلاثة أرقامٍ سهلة، يُحفِّظونه للابن والبنت في المدرسة: إذا ضربك أبوك؛ اتصل علينا ونحن نأتي نأخذك منه، فإذا ضرب الأب ابنه؛ أتت الشرطة وأخذت الابن من أبيه، وليس فقط هذا، أخذوا الابن وسجنوا الأب، فأصبح المسلمون هناك في مشكلةٍ، ما يستطيعون تربية أولادهم، وأصبحت البنت في سن المراهقة تتبرج، ولا يستطيع أبوها أن يفعل معها شيئًا، فهذه من أكبر المشكلات التي تواجه المسلمين في بلاد الغرب هناك.

فيتبيَّن أنه ليس كل ما أتانا من الغرب يكون صحيحًا، فما أتانا من الغرب خطأٌ؛ لأن الله وهو خالق البشر أرشد إلى ضرب المرأة الناشز، النبي عليه الصلاة والسلام أرشد إلى ضرب الابن عندما يبقى أبوه يأمره بالصلاة ثلاث سنين، فلا ينفع معه هذا الأسلوب، فلا بد من تغيير هذا الأسلوب إلى أسلوبٍ فيه شيءٌ من الحزم، وإساءة مَن أساء في الضرب لا يجعلنا نقول: إن الضرب وسيلةٌ غير تربويةٍ، إذا كان الضرب غير مبرِّحٍ..، صحيحٌ أن بعض الناس قد يسيء، بعض الناس ربما بضربه يقتل.

أنا أذكر أن شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ رحمه الله أتاه رجلٌ وأخبره بأنه ضرب امرأته إلى أن ماتت، هذا قد يحصل، وأذكر أني اتصلت بي امرأةٌ قالت: إن زوجها ضربها إلى أن أغمي عليها.

إساءة من أساء نحن ننكرها، لكن أصل العمل نقول: إذا التزم فيه الزوج أو الأب بالضوابط الشرعية؛ فلا بأس به.

فما هي هذه الضوابط؟

نذكر هذه الضوابط، نقول: ما الذي يُشترط لعدم الضمان لما قد يترتب على التأديب؟

  • الأول الضابط الأول: أن يكون المؤدَّب مستحقًّا للتأديب.
    أما إذا كان غير مستحقٍّ للتأديب؛ فهذا أولًا لا يجوز، ويضمن؛ كأن تكون المرأة مثلًا غير ناشزٍ ويضربها بدون سببٍ، فأولًا: يأثم، ثانيًا: يضمن.
  • الشرط الثاني: أن يكون المؤدَّب قابلًا للتأديب، فإن كان غير قابلٍ؛ كأن يكون مجنونًا مثلًا، أو غير مميِّزٍ؛ فإنه يكون ضامنًا لما يترتب على هذا التأديب.
  • الشرط الثالث: أن يكون المؤدِّب يقصد بذلك التأديب لا الانتقام، فإن قصد الانتقام كان ضامنًا.
    كيف نعرف أنه قصد التأديب أو الانتقام؟ القصد من الأمور المتعلقة بالنية والقلب، فكيف نعرف؟ بالقرائن.
  • الشرط الرابع: أن يكون له ولاية التأديب، سواءٌ كانت ولايةً عامةً؛ كولاية السلطان على رعيته، أو ولايةً خاصةً؛ كولاية الأب مثلًا على ولده، والزوج على زوجته.
    المعلم هل له ولايةٌ على الطالب؟ نعم، قد تكون الوزارة سمحت لإدارة المدرسة فقط، للمدير فقط، المدير في حدودٍ معينةٍ أيضًا، أما المعلم ليس له ولايةٌ بهذا، ليس له ولايةٌ بالنسبة لتأديب الطالب.
    مداخلة: …..
  • هو أصلًا ليس له ولايةٌ، الولاية للمدرسة، يُفترض أن المعلم إذا قصَّر الطالب؛ يُحيله للمدير، إدارة المدرسة هي التي تؤدِّب، أما هو فيُؤدِّب بغير الضرب؛ لأنه ليس له ولايةٌ.
  • الخامس: ألا يسرف، فإن أسرف كان ضامنًا، وقد ورد في ذلك حديثٌ عن النبي ، وهو: قوله عليه الصلاة والسلام لا يُجلد أحدٌ فوق عشرة أسواطٍ، إلا في حدٍّ من حدود الله [3]، فلا يجوز أيضًا الزيادة في التأديب على عشرة أسواطٍ، وهذا ربما ندخله تحت الشرط الخامس، أو نجعله شرطًا مستقلًّا: ألا يزيد التأديب على عشرة أسواطٍ، حتى إدارة المدرسة مثلًا ما تزيد على عشرة أسواطٍ، ما تزيد على عشر جلداتٍ، والواقع أن بعض المدارس يزيدون، وهذا لا يجوز، فلا تزيد على عشرة أسواطٍ؛ لأنه إذا زاد على عشرة أسواطٍ؛ عرفنا أنه ليس المقصود منه التأديب، أصبح المقصود منه التشفِّي والانتقام ونحو ذلك، وهناك قاعدةٌ فقهيةٌ يرجع لها هذا الحكم، وهي: “أن ما ترتب على المأذون؛ فليس بمضمونٍ، وما ترتب على غير المأذون؛ فهو مضمونٌ”.

حكم من أدب ولده أو زوجته فهلك

نرجع لعبارة المؤلف، قال:

أو أدب ولده أو زوجته في نشوزٍ، أو أدب سلطانٌ رعيته ولم يسرف، فهدرٌ في الجميع.

يعني: لو التزم بهذه الشروط وهذه الضوابط، فترتب على ذلك تلفٌ؛ فإنه هدرٌ.

وإن أسرف، أو زاد على ما يحصل به المقصود، أو ضرب من لا عقل له من صبيٍّ أو غيره؛ ضمن.

يعني: لو اختلَّت هذه الشروط؛ فإنه يضمن، أشار المؤلف إلى بعضها، أشار إلى شرط الإسراف، وأشار إلى شرط الانتقام مثلًا، وأشار إلى شرط أن يكون قابلًا للتأديب.

فمعنى ذلك: إذا اختلَّ واحدٌ من هذه الشروط؛ فإنه يضمن.

حكم من نام على سقفٍ فهوى فأتلف شيئًا

قال:

ومن نام على سقفٍ فهوى به؛ لم يضمن ما تلف بسقوطه.

وذلك لأنه ليس من فعله، والله تعالى يقول: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [فاطر:18].

مقدار دية الرجل المسلم الحر

ثم قال المؤلف رحمه الله:

فصلٌ في مقادير النفس

انتقل المؤلف بعد ذلك للكلام عن مقادير النفس، وبدأ بدية الحر المسلم.

قال:

دية الحر المسلم طفلًا كان أو كبيرًا:

حتى لو كان عمره يومًا واحدًا ديته ماذا؟ قال:

مئة بعيرٍ، أو مئتا بقرةٍ، أو ألفا شاةٍ، أو ألف مثقال ذهبٍ، أو اثنا عشر ألف درهم فضةٍ.

وهذا يقودنا إلى مسألةٍ محل خلافٍ بين الفقهاء، وهي: ما هو الأصل في الدية؟

فالقول الأول، وهو المذهب عند الحنابلة، المذهب عند المتأخرين: أن الأصل في الدية هو ما قرره المؤلف: أنها مئة بعيرٍ، أو مئتا بقرةٍ، أو ألفا شاةٍ، أو ألف مثقالٍ، أو اثنا عشر ألف درهم فضة، هذا هو القول الأول، وهو المذهب عند المتأخرين من الحنابلة، واستدلوا بحديث جابرٍ  قال: فرض رسول الله الدية على أهل الإبل مئةً من الإبل، وعلى أهل البقر مئتي بقرةٍ، وعلى أهل الشاة ألفي شاةٍ [4]، أخرجه أبو داود في “سننه”، لكنه في سنده مقالٌ.

والقول الثاني في المسألة: أن الأصل في الدية الإبل، وهذا هو قول جمهور أهل العلم، وهذا هو القول الراجح، بل إن بعض الحنابلة صحح هذه الرواية، قال الزركشي: “وهي الأظهر دليلًا، وهي ظاهر كلام الخِرَقي”، ويدل لها قول النبي : في النفس المؤمنة مئةٌ من الإبل [5]، ويدل كذلك أيضًا قوله عليه الصلاة والسلام في حديث عبدالله بن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده: ألا إن في قتيل عمد الخطأ مئةً من الإبل[6]، وهذا هو القول الراجح: أن الأصل في الدية الإبل.

ثمرة الخلاف في المسألة:

إذا قلنا: إن الأصل هو الإبل؛ فلا يُعدل عنها إلى غيرها إلا برضا الطرفين، وإذا قلنا: إن الأصل هو الأصناف المذكورة؛ فإن ما أحضره الجاني من هذه الأصناف يلزم ولي الدم أخذه، وليس له المطالبة بغيره.

ونحن رجحنا أن الأصل: مئةٌ من الإبل، لو أن شخصًا قال: أنا ما أريد أن تعطيني نقدًا، أريد أن تعطيني مئةً من الإبل، فإذا قلنا: إن الأصل هو الإبل؛ يلزمه أن يعطيه مئةً من الإبل، لكن لو قلنا: إن هذه الخمسة كلها أصولٌ، نقول: أنت مخيَّرٌ، الجاني أو عاقلته مخيَّرون بين أن يأتوا بواحدٍ من هذه الأصول.

القول الصحيح: أن الأصل هو مئةٌ من الإبل.

في الوقت الحاضر كم تُقدَّر الدية؟ تُقدَّر بمئة ألفٍ الدية المخففة، ومئةٍ وعشرة الدية المغلظة، وقبل أشهرٍ رُفعت الدية المخففة إلى ثلاثمئة ألفٍ، والدية المغلظة إلى أربعمئة ألفٍ، فدية الخطأ ثلاثمئة ألفٍ، ودية العمد وشبه العمد أربعمئة ألفٍ، طبعًا العمد في حال التنازل عن القصاص إلى الدية، هذا أُقِرَّ قبل أشهرٍ، وأصبح الآن هو الذي عليه العمل، وهذا هو الحق في هذا؛ لأن القول بأنها مئة ألفٍ قليلٌ جدًّا، فوفِّقت مشايخ المحكمة العليا لهذا التقدير، وإن كان بعض الناس أيضًا يقول: إنه لا زال قليلًا، لكن على كل حالٍ هو أفضل بكثيرٍ من التقدير السابق.

لو أن شخصًا وجبت له الدية؛ دية مثلًا القتل الخطأ ثلاثمئة ألفٍ، وكان هذا فقيهًا، وقال: لا، أنا ما أريد ثلاثمئة ألفٍ نقدًا، أعطوني مئةً من الإبل، ذهب إلى المحكمة، وقال: أنا ما أريد ثلاثمئة ألف ريالٍ نقدًا، أريد أن تعطوني مئةً من الإبل، هل له ذلك؟ على القول الراجح له ذلك؛ لأننا قلنا: الأصل ما هو؟ مئةٌ من الإبل، وأيهما أفضل بالنسبة له؟ مئةٌ من الإبل أم ثلاثمئة ألف ريالٍ؟ مئةٌ من الإبل، لكن -كما ذكرنا- بالنسبة للقصاص: القصاص فيما دون النفس غيرُ  شائعٍ الآن؛ بسبب أن الناس لا يعرفون حقوقهم، هناك ضعفٌ في ثقافة معرفة الحقوق، فالناس لا يعرفون الحقوق التي لهم، لذلك يندُر أن نسمع أن شخصًا طالب مثلًا بحقه في القصاص فيما دون النفس، يعتقد أن له تعويضًا فقط، كذلك بالنسبة للدية، يعتقد أنها ثلاثمئة ألفٍ، ليس له شيءٌ آخر غير هذا، لكن لو أنه قال: أنا أريد مئةً من الإبل، ما أريد ثلاثمئة ألفٍ، فله ذلك؛ لأن على القول الراجح أن الأصل في الدية هو مئةٌ من الإبل.

مقدار دية الحرة المسلمة

قال:

ودِيَة الحُرَّة المسلمة على النصف من ذلك.

المرأة دِيَتها على النصف من الرجل، والدليل لهذا كتاب عمرو بن حزمٍ الذي كتبه النبي لأهل اليمن، وفيه: دِيَة المرأة على النصف من دِيَة الرجل [7]، وحُكي الإجماع على ذلك، بل لا يعلم عن أحدٍ من المتقدمين أنه خالف في هذه المسألة.

وبعض المتأخرين تأثَّر بالواقع، وبما يثيره الغرب من شبهاتٍ، وأنكم هضمتم حقوق المرأة، فقال بعض المعاصرين: إن دِيَة المرأة كدِيَة الرجل، فقيل: إن المسألة محل إجماعٍ، قال: إن هناك من خالف: وهو ابن عُلَيَّة والأصم، لكن هذان من المعتزلة، ولا يُعتبر خلافهما خلافًا، فالمسألة إذنْ هي محل إجماعٍ، ومسلك بعض الناس أنهم يحاولون تكييف الشريعة على الواقع، هذا خطأٌ، ينبغي أن يُكيَّف الواقع حسب ما تقتضيه الشريعة، لا أن تُكيَّف الشريعة على حسب الواقع.

فإذنْ نقول: إن هذا الحكم ليس فيه خلافٌ، هو محل إجماعٍ بين العلماء المتقدمين، وأما خلاف ابن عُلَيَّة والأصم فهو خلافٌ شاذٌّ غير معتبرٍ، وهما أصلًا من المعتزلة، ليسا من أهل السنة؛ فإذنْ هذا الحكم هو محل اتفاقٍ بين أهل العلم.

مقدار دية الكتابي والكتابية

ودِيَة الكتابي الحر كدية الحرة المسلمة.

يعني: على النصف، دية الكتابي الحر على النصف من دية المسلم؛ وذلك لحديث عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده: أن النبي قضى بأن عقل أهل الكتاب نصف عقل المسلمين [8]، رواه أحمد، وفي روايةٍ: دية الكافر نصف دية المسلم [9]، وهو أيضًا في “مسند الإمام أحمد”.

فدِيَة الكتابي إذنْ على النصف من دية المسلم في قول جمهور أهل العلم.

والحنفية عندهم أن دية الكتابي كدية المسلم، وهو قولٌ قويٌّ أيضًا، ولكن الذي عليه أكثر أهل العلم: أن دية الكتابي على النصف من دية المسلم.

قال:

ودية الكتابية على النصف.

يعني: على النصف من دية الكتابي، إذا كانت دية الكتابي على النصف من دية المسلم، فدية الكتابية على النصف من دية الكتابي، كم تكون نسبتها بالنسبة للمسلم؟ الربع.

مقدار دية المجوسي والمجوسية

ودية المجوسي الحر: ثمانمئة درهمٍ، والمجوسية على النصف.

يعني: الكافر، مقصود المؤلف بــ”المجوسي”: الكافر من غير أهل الكتاب، يقول: ديته ثمانمائة درهمٍ، وبعضهم يُعبِّر عن ذلك بـ”ثلثي عُشر الدية”، يعني: إذا أردنا أن نحسبها، ثلثا عشر الدية: ثمانمائة درهمٍ، الدية في الأصل كم من الدراهم بالنسبة لما كان عليه الأمر في عهد النبي عليه الصلاة والسلام؟ اثنا عشر ألف درهمٍ، طيب اثنا عشر ألف درهمٍ كم عُشرها؟ اثنا عشر ألفًا، تقسيم عشرة: ألف ومئتان، ألف ومئتان كم ثلثها؟ أربعمئةٍ، ثلثاها كم؟ ثمانمئةٍ، هذا وجه اختيار هذا الرقم، قد يقول قائل: أيش معنى ثمانمئةٍ؟ لماذا اخترتم هذا الرقم؟ هذا هو، فنقول: هي ثلثا عُشر الدية، فالدية هي اثنا عشر ألفًا، عُشرها ألفٌ ومئتان، ثلثها أربعمئةٍ، ثلثاها ثمانمئةٍ، بهذه الطريقة وبهذه المعادلة، هذا هو القول الأول في المسألة، واستدلوا لذلك بآثارٍ رُويت عن بعض الصحابة، رُوي عن عمر وعثمان وابن مسعودٍ .

  • والقول الثاني في المسألة: إن دية المجوسي، أو نقول بعبارةٍ أحسن وأعم: إن دية الكافر غير الكتابي كدية المسلم، وهذا هو مذهب الحنفية؛ قالوا: لعموم الأدلة الدالة من غير تفريقٍ بين المسلم وغير المسلم.
  • القول الثالث: إن دية الكافر غير الكتابي كدية الكتابي، ونحن قررنا أن دية الكتابي كم؟ على النصف من دية المسلم، وقالوا: لعموم الحديث: دية الكافر نصف دية المسلم، فإنه قد ورد عند الإمام أحمد بهذا اللفظ: دية الكافر نصف دية المسلم، والكافر يشمل الكتابي وغيره، وهذا القول هو القول الراجح والله أعلم: أن دية الكافر غير الكتابي -مجوسيًّا كان أو غيره- كدية الكتابي، وقد رجح هذا القول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، وبهذا نستطيع بعبارةٍ عامةٍ -على القول الراجح- أن نقول: إن دية الكافر عمومًا، كتابيًّا كان أو غير كتابيٍّ، على النصف من دية المسلم، ولا حاجة لهذا التفريق بين الكتابي وغير الكتابي.

وأما الآثار المروية عن بعض الصحابة :

فأولًا: في سندها مقالٌ.

ثانيًا: لو صحت؛ لا تقف في مقابلة النص؛ فإن قول الصحابي إنما يؤخذ به إذا لم يخالف النص.

فالقول الراجح إذنْ: إن دية الكافر غير الكتابي على النصف من دية المسلم، ونستطيع أن نقول عمومًا: إن دية الكافر على النصف من دية المسلم، كتابيًّا كان أو غير كتابيٍّ.

قال:

ويستوي الذكر والأنثى فيما يوجب دون ثلث الدية.

يعني: فيما دون ثلث الدية لا نفرق بين الذكر والأنثى فيما يتعلق بالجنايات والجروح، ومثَّل المؤلف لهذا بمثالٍ، قال:

فلو قطع ثلاث أصابع حرةٍ مسلمةٍ.

الأصبع كم ديته؟ عشر من الإبل، فلو قطع ثلاث أصابع؛ ففيها ثلاثون.

قال:

لزمه ثلاثون بعيرًا، فلو قطع رابعةً قبل بُرْءٍ؛ رُدَّت إلى العشرين.

لو كان رجلٌ قُطعت أربع أصابع منه، كم ديتها؟ أربعون من الإبل، أربعون من الإبل: أكثر من الثلث.

والمرأة فيما زاد على الثلث على النصف من الرجل، فالمرأة كم تكون دية أربع أصابع؟ عشرون.

لو قطع ثلاث أصابع: ثلاثون.

أربع أصابع: عشرون.

ولهذا قال بعضهم: إن هذا مخالفٌ للقياس، وابن القيم وجماعة قالو:ا إن هذا ليس مخالفًا للقياس.

المسألة ليس فيها دليلٌ ظاهرٌ من السنة، لكن فيها بعض الآثار المروية عن الصحابة في هذا؛ ومن ذلك: رُوي في هذا حديث عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده أن النبي قال: عقل المرأة مثل عقل الرجل، حتى تبلغ الثلث من ديته [10]، وهذا الحديث أخرجه النسائي، لكن سنده ضعيفٌ لا يصح، وسعيد بن المسيب قال: “إنه السنة”.

وقال ابن القيم: “إن أبا حنيفة والشافعي وجماعةً قالوا: هي على النصف في القليل والكثير، ولكن السنة أولى، والفرق فيما دون الثلث وما زاد عليه: أن ما دونه قليلٌ”، يُريد ابن القيم أن يُبيِّن أن هذا ليس على خلاف القياس، يقول: “ما دون الثلث قليلٌ، فجُبرت مصيبة المرأة فيه بمساواتها بالرجل؛ ولهذا استوى الجنين الذكر والأنثى في الدية؛ لقلة ديته، وهي الغُرَّة، أما ما زاد على الثلث فيعتبر كثيرًا، فتكون المرأة على النصف من الرجل”.

فالمسألة أيضًا هي محل خلافٍ بين العلماء، والمسألة ليس فيها أدلةٌ واضحةٌ وظاهرةٌ، ولكن فيها بعض الآثار التي تدل على أن المرأة تساوي الرجل فيما دون الثلث، فإذا وصلت الثلث فأكثر؛ فتكون على النصف من الرجل.

تغليظ الدية في الحرم والإحرام والشهر الحرام

قال:

وتُغلَّظ دية قتل الخطأ في كلٍّ مِن حَرَم مكة وإحرامٍ وشهرٍ حرامٍ بالثلث.

يعني: تكون الدية زائد ثلث فيما إذا كان القتل الخطأ في حرم مكة، أو كان القتل الخطأ حال الإحرام، أو كان القتل الخطأ في الشهر الحرام، وهذه المسألة محل خلافٍ بين العلماء، وهذا القول الذي قرره المؤلف من المفردات، وإذا قلنا: “من المفردات”، فماذا نعني بهذا المصطلح؟ انفرد به الحنابلة عن بقية المذاهب؛ فمعنى ذلك: أن المذاهب الأخرى على خلافه.

قال:

فمع اجتماع الثلاثة يجب ديتان.

يعني: واحدةٌ للقتل، وواحدةٌ لتكرُّر التغليظ ثلاث مراتٍ؛ لأننا قلنا: ديةٌ، وثلثٌ، وثلثٌ، وثلثٌ، فتكون ديتان، واستدلوا لهذا بآثارٍ رُويت عن بعض الصحابة؛ كعثمان وابن عمر وابن عباسٍ .

والقول الثاني في المسألة: لا تُغلَّظ الدية في هذه المواضع، وهو قول جمهور أهل العلم؛ وذلك لعموم الأدلة الموجبة للدية من غير تفريقٍ بين الحرم والإحرام والشهر الحرام، ولأنه قد ورد في ذلك أيضًا حديث أبي شُريحٍ الكعبي ، وفيه أن النبي قال: ثم إنكم -يا معشر خزاعة- قتلتم هذا الرجل من هُذَيلٍ، وإني عاقله [11]، رواه الترمذي وقال هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، الحديث من جهة الإسناد صحيح، وهو نصٌّ في المسألة؛ فإن هذا كان في الحرم، ومع ذلك أخبر النبي بأنه سيعقله، ولم يقل: بديةٍ مغلظةٍ، ظاهر الحديث: أنه بديةٍ كغيره من الناس.

وهذا القول الأخير هو القول الراجح: وهو عدم التغليظ للدية في هذه الأمور التي ذكرها المؤلف.

ويبقى أن نجيب عن استدلال الحنابلة:

استدلوا ببعض الآثار عن الصحابة ، أجاب عنها ابن المنذر رحمه الله، قال ابن المنذر: “وليس بثابتٍ ما رُوي عن الصحابة  في هذا”؛ لأنها من جهة الإسناد لا تصح، قال: “ولو صح؛ فقول عمر يُخالفه”، يعني: رُوي عن عمر عدم التغليظ، “وهذا أصح في الرواية مع موافقة الكتاب والسنة والقياس”.

فالقول الصحيح إذنْ: هو عدم التغليظ في دية القتل الخطأ في حرم مكة، وفي الإحرام، وفي الشهر الحرام.

هل تغلظ دية الكافر إذا قُتل عمدًا؟

قال، ولعلنا نختم:

وإن قتل مسلمٌ كافرًا عمدًا؛ أُضعِفت ديته.

وعللوا لذلك قالوا: لإزالة القود عنه، وهذا القول أيضًا من المفردات، واستدلوا أيضًا بأثرٍ رُوي عن عثمان في هذا.

والقول الثاني في المسألة: لا تُضعَّف ديته، وإنما ديته كدية غيره، لا تضعَّف ديته، وهذا هو القول الراجح؛ إذ إن القول بتضعيف الدية لا دليل عليه، والأثر المروي عن عثمان في سنده مقالٌ، ولو صح؛ فلا يقف في مقابلة عموم الأدلة، ثم أيضًا يحتمل أن عثمان إنما فعل ذلك من باب التعزير، وليس على سبيل الدية، لو صح هذا الأثر عنه.

فالقول الصحيح: أنه إذا قَتَل مسلمٌ كافرًا؛ لا تضاعف ديته.

مقدار دية الرقيق

قال:

ودية الرقيق: قيمته، قلَّت أو كثرت.

الرقيق ديته قيمته، يعني: ننظر كم قيمة هذا الرقيق؟ فدائمًا الرقيق ديته قيمته، يعني: يضمن بقيمته، وهذا قول عامة أهل العلم.

نكتفي بهذا القدر، ونكمل -إن شاء الله تعالى- الحديث عن بقية أحكام ومسائل الدية في الدرس القادم، وما تبقى من الوقت نجيب فيه عما تيسر من الأسئلة.

الأسئلة

السؤال: أحسن الله إليكم -فضيلة الشيخ- وبارك فيكم، هذا سائلٌ يقول: هل قيد “تعدٍّ” في حفر الحفرة، ضابطٌ معتبرٌ في تحمل الدية؟

الجواب: ليس بضابطٍ، هو أصلًا حفر الحفرة وعدم وضع علاماتٍ تحذيريةٍ وحواجز، هو بحد ذاته يعتبر تعديًا؛ فلذلك الحفريات التي تضعها الشركات لا بد أن تضع أولًا حواجز عليها، ثانيًا: تضع علاماتٍ تحذيريةً، وإلا فإنها تكون ضامنةً.

السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ، هذا سائلٌ يقول: هل يحق لأحدٍ من العاقلة الامتناع عن دفع الدية في قتل الخطأ وشبه العمد؟

الجواب: لا يحق له الامتناع، ولو امتنع؛ أُجبِر، يُجبره القاضي، ويمكن للقاضي أيضًا أن يقتطع من رصيده، يكاتب البنك مثلًا ويُقتطع من رصيده لأجل هذه الدية؛ لأنها حقٌّ واجبٌ عليه، لكن هذا في القتل الخطأ وشبه العمد، أما في العمد فلا تجب الدية على العاقلة.

السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: في قاعدة “الاستدامة أقوى من الابتداء”، لم يتضح لي وجه وصفها بالقوة، ولو قيل بأنها أضعف -أي تأثرًا بالحكم- فهل يصح؟

الجواب: هو مقصودهم بالقوة: يعني أن الحكم الذي يكون يستمر، فمثلًا في الطِّيب، هو تَطَيَّب قبل الإحرام، يستمر، يعني: القول بالجواز، ولا يُقطع هذا الحكم لأجل الإحرام، فكانت هذه الاستدامة قويةً، هذا مقصود الفقهاء بالقوة هنا، يعني: أن حكمها قويٌّ يستمر فلا يُقطع بما طرأ عليه.

السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ، هذا سائلٌ يقول: في قاعدة “المشغول لا يُشغل”، لو كان عليه دينٌ فرَهَنه بيته، وقيمته كبيرةٌ، ثم استدان من آخر، فهل له أن يرهَنَه بيته أيضًا إن كان ذلك يستوفي القيمة؟

الجواب: أما إذا كان قد رَهَنه كامل البيت؛ فليس له أن يرهنه؛ لأنه مشغولٌ، والمشغول لا يُشغل هنا، أما إذا رهنه مثلًا جزءًا من البيت؛ فنعم، هو على حسب طبيعة الرهن؛ إذا رهنه كامل البيت؛ فهنا ليس له أن يرهنه مرةً أخرى، إلا إذا تنازل صاحب الحق وقال: يا فلان، أريد تعديل الرهن، نجعله بدل أن يكون على البيت كاملًا، على نصف البيت، فممكنٌ.

السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ، هذه بعض الأسئلة في أحكام القنوت: هذا السائل يقول: هل يُبدأ الدعاء بالثناء على الله، ويختم بالصلاة على النبي ؟

الجواب: أما بداية الدعاء بالثناء على الله تعالى، فالنبي قنت في النوازل [12]، فهل بدأ النبي دعاءه بالثناء على الله؟ لا شك أن أكمل الهدي هو هدي النبي ، عندما نتأمل في السُّنة الواردة: لم يرد أن النبي بدأ بالثناء على الله، وإنما يقول الراوي: “دعا لقومٍ ودعا على قومٍ”، فقط؛ لهذا فالأقرب للسُّنة: أن يبدأ بالدعاء مباشرةً، “دعا لقومٍ ودعا على قومٍ”.

وأما بالنسبة للصلاة على النبي فمحل خلافٍ أيضًا بين العلماء، هل يُختم دعاء القنوت بها أم لا؟ فمن أهل العلم من قال: إنه لا يُختم بها أيضًا دعاء القنوت؛ لأنها لم ترد أيضًا، كما أن الثناء لم يرد؛ فالصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام لم ترد.

والقول الثاني في المسألة: أنه لا بأس أن يُختم بها الدعاء؛ لعموم الأدلة الدالة على مشروعية الصلاة على النبي في الدعاء؛ ومنها: حديث الرجل الذي دعا ولم يحمد الله ولم يُصلِّ على النبي فقال : عَجِل هذا [13]، ولأن النبي لم يفعله؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كيف يصلي على نفسه، هو لم يفعله ضرورةً؛ فلهذا الأقرب والله أعلم: أنه يُختم الدعاء بالصلاة على النبي ، هذا هو الأقرب، والأمر واسعٌ في هذا، بالنسبة للصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام الأمر في هذا واسعٌ، يعني: إن أخذ بالقول بأنه يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام كان حسنًا، وإذا أيضًا ترك الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام؛ فالقول أيضًا بتركها قولٌ متجهٌ.

لكن الذي -يا إخوان- نُنبِّه عليه: هو أن بعض أئمة المساجد يُطيلون دعاء القنوت، ويأتون ببعض الألفاظ المنكرة، التي قد تصل للتعدي، وهذه صلاة فريضةٍ يحافَظ عليها محافظةً شديدةً، الأصل أن الكلام خارج الصلاة يُبطلها؛ لهذا الفقهاء قالوا: إذا قهقه فبان حرفان؛ بطلت صلاته، فكون بعض الإخوة يأتي بألفاظٍ غريبةٍ، وأيضًا يخرج عن النازلة، هذا قد يُؤثِّر حتى على صحة الصلاة، فليس المقام الآن مقام استعراضٍ للألفاظ، واستعراضٍ للدعاء، صلاة النافلة أمرها أوسع، صلاة النافلة في دعاء القنوت في صلاة الوتر أمرها أوسع، هي صلاة نافلةٍ، والنبي عليه الصلاة والسلام كان إذا مر بآيةٍ فيها تسبيحٌ؛ سبح، وإذا مر بآيةٍ فيها عذابٌ؛ تعوَّذ، فأمرها واسعٌ، حتى إن بعض الفقهاء أجاز حتى في صلاة النافلة أن يشرب ماءً، ورُوي هذا عن عبدالله بن الزبير وعن بعض الصحابة ، وإن كان الأقرب: أن هذا غير مشروعٍ، لكن هذا يُبيِّن تسامح العلماء في صلاة النافلة، أما صلاة الفريضة فيُحافَظ عليها، حتى إن النبي مع كونه يصلي بالصحابة خمس مراتٍ في اليوم والليلة، ولم يتخلف إلا في حالاتٍ معدودةٍ جدًّا، ربما مرتين أو ثلاثًا فقط طيلة عشر سنواتٍ في المدينة، ومع ذلك لم يُنقل عن النبي ولو مرةً واحدةً أنه إذا مر بآيةٍ فيها تسبيحٌ؛ سبح، وإذا مر بآيةٍ فيها عذابٌ؛ تعوَّذ في صلاة الفريضة؛ وهذا يدل على محافظته عليه الصلاة والسلام على صلاة الفريضة، فصلاة الفريضة ينبغي أن يُحافَظ عليها محافظةً شديدةً.

فالتوسع في دعاء القنوت مخالفٌ للسُّنة، وفيه خطرٌ أيضًا أن الصلاة تبطل، فينبغي تنبيه بعض الأئمة الذين يتوسعون.

ومن العجب: أن بعض الأدعية الدعاء أطول من الصلاة كلها! يعني: الصلاة كلها ربما ما تكون أربع دقائق، والدعاء كله عشر دقائق؛ وهذا يدل على قلة الفقه وعلى الجهل.

ثم أيضًا بعض الأدعية فيها نوعٌ من الاعتداء في الدعاء، فالدعاء بأمرٍ غير ممكنٍ هذا من الاعتداء في الدعاء، والدعاء بما يخالف سنن الله تعالى المعلومة كذلك من الاعتداء في الدعاء، ينبغي للداعي أولًا أن يحرص على الأدعية المأثورة قدر الإمكان، إذا لم يمكن يأتي بالأدعية التي معناها واضحٌ جدًّا، ولا تحتمل أي معنًى ربما يُفسَّر على أنه نوعٌ من الاعتداء في الدعاء.

السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ، هذا السائل أيضًا يقول: هل يشرع القنوت في جميع الصلوات؟ أم في الجهرية فقط؟ وهل يشرع القنوت في صلاة الجمعة؟

الجواب: اختلف العلماء في مشروعية دعاء القنوت:

المالكية عندهم: أن دعاء القنوت في النازلة في صلاة الفجر فقط.

والحنفية: أنه في الصلوات الجهرية.

والشافعية والحنابلة: أنه في جميع الصلوات، وهذا هو الأقرب، ولكن أكثر الأحاديث على أنه في صلاة الفجر وصلاة المغرب، فإذا جعله في جميع الصلوات؛ فلا بأس، صحت بهذا السنة عن النبي [14]، إن اقتصر على الفجر والمغرب؛ فأكثر الأحاديث على هذا، أكثر الأحاديث على الاقتصار على دعاء القنوت في صلاة الفجر وصلاة المغرب، مع صحتها أيضًا في الصلوات الأخرى.

وأما بالنسبة لصلاة الجمعة فمحل خلافٍ، هل يقنت فيها أم لا؟ والقول الراجح: أنه لا يقنت فيها؛ لأمورٍ:

الأمر الأول: أنه لم يرد، والأصل في العبادات التوقيف، ومن قال بمشروعية القنوت هو الذي يطالَب بالدليل، أما من قال بعدم مشروعيته لا يطالب بالدليل؛ لأن الأصل هو الحظر والمنع.

ثانيًا: أن الجمعة فيها خطبة الجمعة، وبإمكان الخطيب أن يدعو بالنسبة لما يتعلق بالنازلة في خطبة الجمعة، ويحصل بذلك المقصود.

السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ، هذا سائلٌ يقول: كيف نقسم الدية؟ أو كيف نقسم الدية على العاقلة، بالتساوي أم بالتفاوت؟

الجواب: سيأتينا إن شاء الله، يعني: نُرجئ الجواب عن هذا السؤال، عندما نأتي لباب العاقلة؛ سنتكلم عن مسائل وأحكام العاقلة بالتفصيل.

هذه فائدةٌ كتبها أحد الإخوة، يقول: ابن عُلَية المعتزلي: هو إبراهيم بن إسماعيل، أبوه: المحدث الراوية الإمام إسماعيل بن إبراهيم بن مِقْسَمٍ، الشهير بابن عُلَية: وهي أمه. جزاك الله خيرًا الذي كتب هذه الفائدة.

مداخلة: …..

الشيخ: نقول: إن قوله شاذٌّ، ليس معروفًا أصلًا بالاجتهاد، ليس معروفًا بالفتوى والاجتهاد والعلم.

مداخلة: …..

الشيخ: ليس لأجل هذا المبدأ: أنه خالف، وإلا لو قلنا بهذا؛ فهناك بعض العلماء عندهم بعض المخالفات في المعتقد، ومع ذلك يُعتبر خلافهم؛ كابن حزمٍ، ابن حزمٍ جهميٌّ جَلدٌ، ومع ذلك العلماء يعتبرون خلافه، لكن المأخذ في هذا أصلًا: أنهم ما عُرفوا بالاجتهاد، خلافُهم غير معتبرٍ أصلًا.

السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ، هذا سائلٌ يقول: ما المقصود بنصف دية الرجل: المرأة الجانية أم المجني عليها؟ وما الدليل على ذلك؟

الجواب: المرأة المجني عليها، المقصود: أن ديتها نصف دية الرجل، يعني مثلًا: إنسانٌ دهس امرأةً في حادث سيارةٍ، ماتت بطريق الخطأ، فتلزمُ هذا القاتلَ الديةُ، كم الدية؟ لا نقول: إنها مئةٌ من الإبل، خمسون من الإبل، يعني بتقديرنا المعاصر: مئةٌ وخمسون ألفًا، هذا هو المقصود، وكما ذكرنا الدليل على ذلك: قلنا: الحديث الذي رُوي في كتاب عمرو بن حزمٍ الذي تلقته الأمة بالقبول، هذا هو الأصل، وأيضًا: الإجماع، لم يُعلم عن أحدٍ من المتقدمين خلافٌ، إلا ما نُقل عن ابن عُلَية والأصم، وقلنا: إن خلافهما غير معتبرٍ.

السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ، هذا سائلٌ يقول: ما حكم بيع السيارة التي تُشترى بالتقسيط من معرض السيارات على المعرض مرةً أخرى، حتى يتم استيفاء الأقساط، وحتى يكون المشتري هو المالك الأول للسيارة؟

الجواب: بيع السيارة التي تُشترى بالأقساط على المعرض نفسه؛ هذا يَحتمل أكثر من صورةٍ:

إذا كان المقصود: أن المعرض يبيع السيارة بالتقسيط ثم يشتريها؛ فهذه مسألة “العِينة” المحرمة.

الصورة الأخرى التي يتحملها السؤال: أن يكون البائع جهةً أخرى؛ مثل البنك عن طريق المعرض، هذا لعله الذي يقصده الأخ السائل، ثم هو يبيعها مرةً أخرى للمعرض، هذه تُشبه “العِينة الثلاثية”، فنقول: مَن اشترى من المعرض؛ يبيعها على جهةٍ أخرى غير المعرض، إلا إذا لم يكن هناك تواطؤٌ بين المعرض وبين البائع الأول، وقام وحرَّج على السيارة، وكان صاحب المعرض من جملة المشترين، فلا بأس، أما إذا كان هناك تواطؤٌ، أو كان هناك عرفٌ في كون السيارة تباع ثم تعود مرةً أخرى لصاحب المعرض؛ فهذا يجعلها حيلةً على الربا.

السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ، هذا سائلٌ يقول: صليتُ المغرب، وفي الركعة الثانية قنتُّ بالجماعة ناسيًا، ثم سلمت من الثانية سهوًا، وبعد السلام نبهني الجماعة أنني لم أُصلِّ الثالثة، فقمت وصليت الثالثة، ثم سجدت للسهو بعد السلام، فهل فعلي صحيحٌ؟

الجواب: فعله صحيحٌ، لا شيء عليه، لكن الغريب من جماعة المسجد الذين وافقوه على دعاء القنوت في الثانية ثم نبهوه، أين هم عن تنبيهه أصلًا؟! بالنسبة له هو قد أتى بدعاء القنوت في غير موضعه، لكن باعتبار أن ذلك سهوٌ، وقد سجد للسهو؛ فليس عليه شيءٌ.

السؤال: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، هذا سائلٌ يقول: ما حكم الكلام في خطبة الاستسقاء، وهل للشيخ عبدالله بن قعودٍ رحمه الله تعالى رأيٌ في التطبيق العملي لصلاة الاستسقاء؟

الجواب:الاستماع لخطبة الاستسقاء وخطبة العيد ليس واجبًا، إنما هو مستحبٌّ، الكلام جائزٌ، وإن كان الأولى تركه، بخلاف خطبة الجمعة؛ لأن الاستماع إليها واجبٌ، ويحرم الحديث والإمام يخطب، هذا هو المقرر عند أكثر أهل العلم.

وأما ما ذكره عن رأي الشيخ عبدالله، رأي شيخنا الشيخ عبدالله بن قعودٍ رحمه الله مدونٌ في مجموع رسائل الشيخ، أنصح بها؛ فيها تحقيقاتٌ وفوائد علميةٌ، الشيخ رحمه الله يرى أن صلاة الاستسقاء إنما تُشرع عند وجود القحط، إذا قحط الناس، أما عند عدم وجود القحط فإنها تكون غير مشروعةٍ، فلا بد من القحط، حتى يصل إلى الحالة التي ذُكرت في بعض الأحاديث: “هلكت الأموال وانقطعت السُّبل”، أما أن تكون كل سنةٍ، أحيانًا بعض السنوات ما يكون فيها قحطٌ، فيرى الشيخ أن هذا غير مشروعٍ؛ لأنها عبادةٌ، والعبادة تحتاج إلى دليلٍ ظاهرٍ؛ فإذنْ لا بد من قحطٍ حتى تكون مشروعةً، لا بد أن يكون بالناس قحطٌ ظاهرٌ، وحتى أيضًا يستشعرون أهمية المطر ويأتون مُقبلين، فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يستسقي إلا عند وجود القحط وتأخُّر نزول المطر، لكن -يا إخوان- بالنسبة لتخصيص يومي الاثنين والخميس، هل عليه دليلٌ؟ فقط ذكره بعض الفقهاء حتى يكون صائمًا، وهما يومان تُرفع فيهما الأعمال إلى الله ​​​​​​​، لكن هذا تعليلٌ، وهذا ليس عليه دليلٌ، تكون صلاة الاستسقاء في أي يومٍ، لا يلزم أن تكون في الاثنين والخميس، في أي يومٍ.

صلاة الطلاب في المدارس للاستسقاء؟ لا بأس به، الأمر فيها واسعٌ، حتى وإن أخَّروها، لا يلزم أن تكون في أول النهار، حتى لو أخروها إلى الساعة التاسعة أو العاشرة أو الحادية عشرة، الأمر فيها واسعٌ.

صلاة النساء في المدارس؟ نقول: هذا غير مشروعٍ؛ لأنها وردت على صفةٍ معينةٍ، ويقوم بها الرجال، أما النساء يكتفين بالدعاء فقط، يعني الدعاء في السجود، والدعاء في آخر التشهد، ولا يشرع إقامتها جماعةً بالنسبة للنساء.

مداخلة: …..

الشيخ: ظاهر الأدلة أنه لا بأس، لكن الجمعة بإمكان الخطيب أن يستسقي، فالأولى: ألا تكون في الجمعة؛ لأن الخطيب يمكن أن يستسقي في خطبة الجمعة، ويحصل المقصود.

السؤال الأخير: أحسن الله إليك، يقول: أرجو من فضيلتكم شرح قاعدة: “لا إنكار في مسائل الخلاف”؛ لأن البعض يتخذ هذه القاعدة سلاحًا على كل من يُنكر المنكر؟

الجواب: هذا صحيحٌ، بعض الناس يتخذ هذه القاعدة لتعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن معظم المسائل ما تخلو من خلافٍ، لو أخذنا بهذا على إطلاقه؛ لعُطِّل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا أتينا صلاة الجماعة فيها خلافٌ، إذا أتينا تغطية الوجه فيه خلافٌ، فيُعطَّل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالإنكار في مسائل الخلاف التي يكون الخلاف فيها قويًّا معتبرًا عند أهل العلم، هذه التي لا إنكار في مسائل الخلاف فيها.

أما المسائل التي يكون الخلاف فيها ضعيفًا: فهذه يُنكر على المخالف، أو التي يكون فيها مخالفةٌ للحديث؛ فمثلًا: إذا كانت المرأة في بلادٍ، علماء البلد يُفتون بتحريم كشف الوجه، يُنكَر على المرأة التي تكشف وجهها، مثلًا: الخلاف في الأغاني خلافٌ غير معتبرٍ، خلافٌ شاذٌّ، فيُنكَر على من استمع للأغاني والموسيقى وآلات العزف والطرب، ولا يقال: إنه لا إنكار في مسائل الخلاف، لكن المسائل التي يكون فيها الخلاف قويًّا، هذه هي التي يقال: إنه لا إنكار فيها، إذا كان الخلاف خلافًا قويًّا؛ فمثلًا: إنسانٌ ترك جلسة الاستراحة في الصلاة، لا ينكر عليه إذا كان يرى عدم مشروعية جلسة الاستراحة، الخلاف فيها قويٌّ، أو: أن إنسانًا يجلس جلسة الاستراحة، هذه أيضًا على أنها أصلًا سنة، لا تأتي مسألة الإنكار أو عدم الإنكار، لكن على سبيل التنبيه، إذا كان طالب علمٍ مثلًا يرى عدم مشروعية جلسة الاستراحة، أو يرى جلسة الاستراحة مثلًا أنها مشروعةٌ في كل صلاةٍ، فهنا الخلاف فيها قويٌّ.

لكن بالنسبة للإنكار؛ الإنكار على وجه الخصوص الذي يكون في الأمور المحرمة، هذا المقصود: “لا إنكار في مسائل الخلاف”، التي الخلاف فيها قويٌّ، أما التي الخلاف فيها ضعيفٌ فلا يُلتفت لقول المخالف، وإلا لو أُخذ بهذا على إطلاقه؛ لعُطِّل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

السؤال: …..؟

الجواب: يظهر أنه ليس عليه شيءٌ؛ لأن هذا متعدٍّ، لو وضع شيئًا أمسك السارق فحصل تلفٌ، ليس عليه شيءٌ؛ لأن هذا السارق متعدٍّ، لكن بشرط: أن يستطيع أن يُثبت ذلك أمام القضاء، لا بد من إثباتٍ، وأمام الله ذمته بريئةٌ.

السؤال: …..؟

الجواب: متوسط الإبل، المقصود هو المتوسط، تُضبط بالعُرف، يعني كم أقل قيمة الإبل، وكم أعلى؟ وتُؤخذ بالمتوسط، فتُضبط بالعرف، ويُسأل أرباب الإبل: ما هو متوسط الإبل عندكم؟

السؤال: …..؟

الجواب: هذا في الحالة التي يكون معها غلبة ظنٍّ في الصلاة، يعني: إذا شك، وكان مع الشك تحرٍّ وغلبة ظنٍّ، هل صلى ثلاثًا أم أربعًا؟ فنقول: يعمل بما غلب على ظنه، ويسجد للسهو بعد السلام، هذا هو المقصود في الحديث، لكن هذا لا يُشكل على القاعدة “اليقين لا يزول بالشك”؛ لأن ما ثبت بيقينٍ لا يزول إلا بيقينٍ، لكن هنا ليس عندنا يقينٌ، الآن الرجل ما عنده إلا غلبة ظنٍّ، الآن غلب على ظنه أنه صلى ثلاث ركعاتٍ مثلًا، أو غلب على ظنه أنه صلى أربع ركعاتٍ، فنقول: اعمل بما غلب على ظنك واسجد للسهو، فاليقين هنا أصلًا غير واردٍ، اليقين غير موجودٍ أصلًا.

السؤال: …..؟

الجواب: القنوت قبل الركوع، القول الصحيح: أنه غير مشروعٍ؛ لأن القنوت إنما يكون بعد الركوع، أما حديث أنسٍ : “قنت النبي قبل الركوع وبعده” [15]، فحمله ابن القيم وجماعةٌ على أن المقصود بذلك: طول القيام، طول القراءة، فطول القراءة تسمى “قنوتًا”؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: أفضل الصلاة طول القنوت [16].

مداخلة: …..

الشيخ: إي نعم، إذا كان في النافلة؛ يقال: سبحان الله، أما في الفريضة فكما ذكرنا أصلًا في الفريضة يحترز المصلي من أن يأتي بكلامٍ إلا بقدر الشيء المتعلق بالفريضة؛ ولهذا أصلًا الإمام الأولى ألا يبدأ في قنوت النازلة بالثناء، فإن بدأ؛ فأرى أن الأحوط ألا يقول: سبحان الله.

لعله يكون آخر سؤالٍ، نعم تفضل.

مداخلة: …..؟

الشيخ: لو دعا؛ لا شيء عليه؛ لأن أصلًا الدعاء الأول وقع في غير محله زائدًا؛ فيكون ملغيًّا.

نكتفي بهذا القدر والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمدٍ.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 6910، ومسلم: 1681.
^2 رواه أبو داود: 495، بنحوه.
^3 رواه البخاري: 6848، ومسلم: 1708.
^4 رواه أبو داود: 4544، والبيهقي: 16598.
^5 رواه النسائي: 4857، ومالك في لموطأ: 2/ 849.
^6 رواه أبو داود: 4588، والنسائي: 4791، وابن ماجه: 2627.
^7 رواه البيهقي: 16738.
^8 رواه الترمذي: 1413، والنسائي: 4806، وابن ماجه: 2644، وأحمد: 7092.
^9 رواه أحمد: 6692.
^10 رواه النسائي: 6980.
^11 رواه أبو داود: 4504، والترمذي: 1406.
^12 رواه البخاري: 804، 1002، ومسلم: 675، 677.
^13 رواه أبو داود: 1481، والترمذي: 3477، والنسائي: 1284، وأحمد: 23937.
^14 رواه أبو داود: 1443، وأحمد: 2746.
^15 رواه ابن ماجه: 1183.
^16 رواه مسلم: 756.
zh