logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(96) كتاب الجنا يات- من قوله: “وهي: التعدي على البدن..”

(96) كتاب الجنا يات- من قوله: “وهي: التعدي على البدن..”

مشاهدة من الموقع

ننتقل بعد ذلك إلى درس الفقه (دليل الطالب)، وكنا قد وصلنا إلى:

كتاب الجنايات

كتاب الجنايات.

والجنايات: جمع جناية، وهي لغة: التعدِّي على بدن أو مال أو عِرض. في اللغة: التعدِّي على بدن أو مال أو عِرض.

وأما اصطلاحًا فهي مخصوصة بالتعدِّي على الأبدان؛ ولهذا عرفها المؤلف رحمه الله قال:

وهي: التعدِّي على البدن، بما يوجب قصاصًا أو مالًا.

أما التعدِّي على الأموال وإن كان يسمى “جناية” لغة، إلا أنه اصطلاحًا لا يُسمى جناية، وإنما يُسمى: سرقة وغصبًا ونهبًا واختلاسًا وإتلافًا ونحو ذلك.

التعدي على العِرْض وإن كان لغة يسمى “جناية”، إلا أنه اصطلاحًا له أسماء أخرى، فيكون الزنا، عمل قوم لوط، أو القذف، أو نحو ذلك.

فإذن؛ هي اصطلاحًا مخصوصة بالتعدِّي على البدن فقط.

أقسام القتل

قال:

والقتل ثلاثة أقسام:

وهذا بناءً على قول الجمهور الذين قسَّموا القتل إلى ثلاثة أقسام، وهي:

  1. قتل العمد.
  2. وشبه العمد.
  3. والخطأ.

وأما المالكية فعندهم أن القتل قسمان فقط: عمد وخطأ، ونفوا شبه العمد، قالوا: إن الأدلة إنما دلَّت على العمد والخطأ فقط.

استدل الجمهور لقولهم بإثبات القتل شبه العمد وأن القتل ينقسم إلى ثلاثة أقسام بما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة قال: اقتتلت امرأتان من هُذَيْل، فقتلت إحداهما الأخرى بحَجَرٍ، فقضى رسول الله أنَّ ديةَ جنينها غُرَّةُ عبدٍ أو وليدةٍ، وقضى بدِيَة المرأة على عاقلتها[1].

فدل ذلك على أن هذا قتلٌ شبهُ عمدٍ؛ لأنه لو كان عمدًا لَمَا قضى به على العاقلة؛ لأن قتل العمد بالاتفاق يكون على القاتل وليس على العاقلة. ولا يمكن اعتباره خطأً؛ لأن الجناية قد وُجد القصد فيها؛ فدل ذلك على أنه شبه عمد.

وأيضًا يدل لهذا حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن النبي  قال: ألا إن ديةَ الخطأ شِبْهِ العمد ما كان بالسوط أو العصا: مائة من الإبل؛ أربعون منها في بطونها أولادها. أخرجه أبو داود وغيره[2].

وقالوا: هذه الأدلة وما جاء في معناها تدل على إثبات القتل شبه العمد؛ فتكون الأقسام ثلاثة: عمدًا، وخطأ، وشِبْهَ عمدٍ.

أما المالكية فقالوا: إن القتل ينقسم إلى عمد وخطأ فقط، وقالوا: إنه لم يرد في كتاب الله ولا في السنة إلا ذكر العمد والخطأ فقط. وقالوا: ثم إنه من جهة النظر: إذا كان الفعل مقصودًا فيه الجناية فهو العمد، وإذا كان غير مقصود فهو الخطأ.

والقول الراجح والله أعلم: هو قول الجمهور، وهو القول بإثبات شبه العمد، وأن الأقسام ثلاثة؛ وذلك لقوة أدلتهم.

وأما قول المالكية: “إنه لم يرد”، فغير مُسلَّم، بل ورد كما في الحديثين: حديث أبي هريرة[3]، وحديث عبدالله بن عمرو [4]. وما ذكروا من جهة المعنى لا يُسلَّم؛ لأنه أحيانًا قد يكون القصد موجودًا لكن الآلة لا تقتل غالبًا، فلا يمكن اعتباره عمدًا، ولا يمكن اعتباره خطأ.

ومما يُبيِّن ضعف قول المالكية: أن المالكية أنفسهم استثنوا مسألة: وهي ما إذا قتل الوالد ولده إذا لم يُضجعه فيذبحه، فإن كثيرًا منهم قالوا: هذا من شبه العمد، أما إذا أضجعه فذبحه فهو عمد. فهم اضطروا إلى استثناء هذه المسألة، وجعلوها من شبه العمد. وهذا مما يُضعف هذا القول.

فالصواب إذن هو قول الجمهور، وهو أن الأقسام ثلاثة:

  1. عمد.
  2. وخطأ.
  3. وشبه عمد.

التفريق بين أقسام القتل

نريد الآن أن نفرِّق بين هذه الأقسام، نحن رجحنا قول الجمهور، فنُريد الآن التفريق بين هذه الأقسام: القتل العمد، وشبه العمد، والخطأ.

تعريف القتل العمد

المؤلف ذكر تعريفًا لكل منها، نذكر التعريف لأجل الفَرْق، نتعجَّل بأخذ التعريف، عرَّف العمد قال:

أن يقصد الجاني مَن يَعْلمه آدميًّا معصومًا، فيقتله بما يغلب على الظنِّ موتُه به…

فلاحِظ هنا في القتل العمد: أن القصد موجود، القصد يسمِّيه بعضهم “القصد الجنائي”، القصد الجنائي هذا موجود.

ثانيًا: الآلة تقتل غالبًا. وانتبِه لهذا؛ القصد الجنائي أولًا، ثانيًا: الآلة تقتل غالبًا، فهذا يُعتبر عمدًا.

تعريف القتل شبه العمد

شبه العمد، نأخذ تعريف المؤلف، قال:

الثاني: شبه العمد؛ وهو أن يقصده بجناية لا تقتل غالبًا.

فأيضًا في القتل شبه العمد: القصدُ الجنائي موجود أو غير موجود؟ موجود. لكن، الآلة تقتل غالبًا أو لا تقتل غالبًا؟ لا تقتل غالبًا. وهذا هو الفرق بين العمد وشبه العمد.

فإذن؛ يتفق العمد وشبه العمد في أن القصد الجنائي موجود، لكن يختلفان في أن العمدَ الآلةُ فيه تقتل غالبًا، وشبه العمدِ الآلةُ فيه لا تقتل غالبًا.

أليس من المحتمل أن يكون في العمد مع وجود القصد الجنائي، أنه ما قَصَد قَتْله؟ الآلة تقتل غالبًا لكنه كان يمزح معه، أليس هذا الاحتمال واردًا؟ ربما أنه يمزح معه، ربما أنه يُنظِّف مسدسه مثلًا، يُنظف السلاح، فهل هذا له أثر؟ ليس له أثر، إذا كانت الآلة تقتل غالبًا ووُجد قصدٌ جنائيٌّ فهو عمد، ما ننظر لنِيَّته ولا قصده.

ولهذا؛ تجد بعض الناس قد يكون فعلًا يمزح مع صاحبه، يمازحه بالسلاح، ثم تنطلق رصاصة فيقتله به، الذي عليه العمل أنه يحكم بقتله قصاصًا.

أنا أعرف قضية من هذا القبيل، أن أحد الناس كان يُمازح صديقًا له ثم قتله وهو لم يقصد قتله، لكن لمَّا رُفع للمحكمة نظروا لهذين الركنين: القصد الجنائي، والآلة تقتل غالبًا، فقام يحلف، لا، موجودٌ القصد الجنائي، كونه يجعل يده على زناد البندقية أو المسدس هذا قصد جنائي، والآلة تقتل غالبًا. فحُكم عليه بالقتل قصاصًا، حتى الآن لم يُقتل، لكن حُكم عليه بالقتل قصاصًا وصُدِّق.

فعندنا الآن هذان الركنان: القصد الجنائي، والآلة تقتل غالبًا. وسنذكر الآن صورًا لهذا.

لكن، انتبِه للتفريق بين العمد وشبه العمد!

نذكر الآن القتل الخطأ.

تعريف القتل الخطأ

الخطأ.

قال:

أن يفعل ما يجوز له فِعله… فيَبِينُ آدميًّا معصومًا.
فيموت به؛ يعني: أن يصدر منه فعلٌ، فيقع على آدميٍّ معصوم لا يقصد إيقاعه عليه، فيموت به.

فلاحِظ أنه في الخطأ: هل القصد الجنائي موجود؟ غير موجود، القصد الجنائي غير موجود، لكن الآلة قد تكون تقتل، لكن القصد الجنائي غير موجود؛ كأن يرمي مثلًا صيدًا فيُصيب إنسانًا، لكن هنا القصد الجنائي غير موجود.

فإذن؛ في الخطأ يفعل ما يجوز له فعله مِن -مثلًا- رمي الصيد ونحو ذلك، لكن يتسبب في وفاة إنسان، فهذا يُعتبر من قبيل القتل الخطأ.

فإذا وُجِد القصد الجنائي، هنا ننظر للآلة؛ تقتل غالبًا: عمد، لا تقتل غالبًا: خطأ.

فهذا هو التفريق بين هذه الأقسام الثلاثة، وهذا هو الذي عليه العمل عندنا في المحاكم.

مداخلة: …..

الشيخ: إي نعم.

قصد الجناية، القصد الجنائي، يعني تُوجد قرائن تدل على أنه قَصَدَ التعدِّي على هذا الإنسان، ما كان مثلًا يقصد قتل الصيد، لو كان يقصد قتل الصيد، وقامت القرائن على أنه فعلًا كان يرمي صيدًا لكن أصاب إنسانًا؛ يُعتبر هذا من قبيل الخطأ، لكن إذا كان قصدًا جنائيًّا، يعني: رمى إنسانًا آخر بسلاح، هنا القصد الجنائي موجود، ننظر للآلة؛ تقتل غالبًا: عمد، لا تقتل غالبًا: شبه عمد.

مداخلة: …..

الشيخ: إي نعم.

مداخلة: …..

الشيخ: نعم، معرفة القصد الجنائي بالقرائن.

مداخلة: …..

الشيخ: القرائن هي التي تُبيِّن لنا القصدَ: جنائيٌّ أو ليس بجنائي.

مداخلة: …..

الشيخ: يعتبرون بها، يعني كيف نعرف أن هذا قصد جنائي أو غير جنائي؟ بالقرائن وبالأدلة، فالقرائن والأدلة تدل على أن هذا القصد جنائي أو أنه غير جنائي.

مداخلة: …..

الشيخ: ما الذي يُثبت أنه يمزح؟ ما فيه شيء يثبت. لو فتحنا هذا الباب لادَّعى كلُّ قاتلٍ أنه يمازح المقتول. ما فيه شيء يثبت.

مداخلة: …..

الشيخ: لو صدَّقه أولياءُ المقتول هذا صحيح، أما إذا لم يُصدِّقوه فلا بد. ما يوجد شيء يُثبت هذا؛ فيكون القصد الجنائي موجودًا.

عندنا الآن إذن هذه الأقسام الثلاثة، سنوضحها أكثر من خلال الأمثلة التي ساقها المؤلف.

الحقوق المتعلقة بالقتل العمد

قال:

أحدها: العمد العدوان، ويختص به القصاص أو الدِّيَة، فالوليُّ مخيَّر، وعفوه مجانًا أفضل.

فالقتل العمد العدوان، العدوان خرج به شبه العمد، فالقتل العمد العدوان يُخيَّر أولياء المقتول بين ثلاثة أمور: بين القصاص، والدِّيَة، والعفو مجانًا. فإن شاؤوا اقتصوا، وإن شاؤوا طلبوا الدِّيَة، وإن شاؤوا عفوا مجانًا.

وذلك أن القتل يتعلق به ثلاثة حقوق:

  • الحق الأول: حق الله ، وهذا الحق يسقط بالتوبة.
  • والحق الثاني: حق أولياء الدم، وهذا -كما ذكر المؤلف- يكون لهم؛ إما القصاص، أو الدِّيَة، أو العفو مجانًا.
  • والحق الثالث: حق المقتول، هذا يبقى لصاحبه يوم القيامة، حتى لو اقتُصَّ من القاتل يبقى لصاحبه.

ولهذا؛ جاء في “صحيح البخاري” أن النبي قال: أول ما يُقضى يوم القيامة بين الناس في الدماء[5].

لكن، اجتهد بعض العلماء وقال: لو صدق القاتل في توبته، فيُرجى أنَّ الله تعالى يُعوِّض المقتول خيرًا مما يأخذه من القاتل. الله أعلم، لكن الأصل أن حق المقتول باقٍ، ولا يُسقطه القصاص ولا الدِّيَة، إنما القصاص والدِّيَة حقٌّ لأولياء الدم.

الحكمة من القصاص

ما هي الحكمة من القصاص؟ لماذا شرع القصاص؟

هناك عدة حِكَم، لكن من أبرزها: التشفِّي، حصول التشفِّي من أولياء الدم؛ لأن أولياء الدم عندما يُقتل قريبهم يحصل عندهم غيظ وحَنق على القاتل، فعندما يُمَكَّنون من القصاص يحصل التشفِّي من هذا القاتل. هذه من أبرز حِكَم مشروعية القصاص.

ولهذا؛ فالسُّنة أن وليَّ الدم هو الذي يُباشر القتل، والذي عليه عمل الناس الآن من باب التوكيل. الآن، الناس يُوكِّلون من يقتل عنهم في القصاص، لكن كان الناس إلى وقت ليس بالبعيد، إلى عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله، كان يُعطى وليُّ الدم السيفَ، ويقال: اقتل القاتل. فيقتله، هذا أبلغ في التشفِّي.

ولهذا؛ لو أن أحدًا من أولياء الدم في الوقت الحاضر طلب من المحكمة، قال: أنا أريد أن أباشر القتل بنفسي؛ يُمكَّن، لكن بشرط أن يُحسن القتل، ما يتعلم فيه، لا بد أن يُحسن القتل، إذا كان يُحسن القتل فيُمَكَّن.

قلنا إذن: أبرز حِكَم مشروعية القصاص تَشَفِّي أولياء الدم.

وأيضًا: حفظ النفوس؛ ولهذا قال تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [البقرة:179]، وكانت العرب تقول: “القتل أنفى للقتل”، فنزلت الآية: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ حتى لا يستهين الناس بأمر الدماء، فشُرع القصاص لهذه المعاني.

صور القتل العمد

القتل العمد، نحن ذكرنا ضابطه، المؤلف لم يذكر له صورًا، مع أن غيره ذكروا له عدة صور، صاحب “زاد المستقنع” ذكر له تسع صور، فنذكر هذه الصور ولو على سبيل الإجمال:

القتل بُمحدَّد، يعني: بما له نفوذٌ في البدن، كسكين وسيف. ومن ذلك في الوقت الحاضر المسدس والسلاح الناري بجميع أنواعه، فالقتل بهذه الوسائل يُعتبر من صور القتل العمد.

وأيضًا من صوره القتل بمُثقَّل؛ كأن يضربه بحجر كبير، أو بعصا غليظة، ونحو ذلك.

إذا كان الحصى صغيرًا، أو أنه لَكَزَه بيده، فهل يُعتبر قتل عمد أو شبه عمد؟

مداخلة: …..

الشيخ: أحسنت. فيه تفصيل؛ ننظر: إن كان في غير مَقْتَلٍ فهو شِبهُ عمدٍ، أما إن كان في مقتل فهو عمد.

انتبِه لهذا، حتى وإن كان الحصى صغيرًا، حتى وإن لَطَمه أو لَكَزه.

لذلك؛ قبل سنوات، حصلت مضاربة بين شخصين، ولَكَز أحدهما الآخر على مقتل فمات، فحُكِم عليه بالقصاص ونُفِّذ الحكم، وأثار هذا تساؤلات عند بعض العامة: كيف مجرد أن إنسان يَلْكُزُ آخر بيده يُقتل؟!

فالجواب عن هذا: أنه لَكَزه في مقتل، الإنسان فيه مقاتل، فإذا كان في مقتل -سَوَاءٌ: الحصى الصغير، أو اللَّطم، أو اللَّكز، أو نحو ذلك- فيُعتبر من صور القتل العمد.

وأيضًا من صور القتل العمد -ذكرها الفقهاء السابقون-: أن يُلقيه على سَبُع، أو حية، أو ينهشه كلبٌ، أو نحو ذلك.

وأيضًا ذكروا أن يُلقيه في نار أو يُغرقه ولا يمكن التخلص من ذلك، أو يخنقه بحبل، أو يحبسه ويمنع عنه الطعام والشراب.

وأيضًا من صور القتل العمد، قالوا: أن يقتله بسِحر يقتل غالبًا ويثبُت ذلك، فيُعتبر هذا من صور القتل العمد، لو اعترف الساحر بأنه فعلًا قتل فلانًا بالسحر فيُقتَصُّ منه.

مسألة القتل بالعين

لو أصابه بعين، هل يعتبر من صور القتل العمد؟ إنسان معروف بالعين، يعتبر قتلًا.

مداخلة: …..

الشيخ: طيب، كيف يقتله؟

مداخلة: …..

الشيخ: ثبوت هذا صعب، بعض الفقهاء ذكر هذا، وذكره ابن نصر الله من الحنابلة، قال: ينبغي أن يُلحق العائن بالساحر.

وابن القيم رحمه الله له تفصيل، قال: “إن كان ذلك بغير اختياره، بل غلب على نفسه؛ لم يُقتص منه، وعليه الدِّيَة، أما إن تعمَّد ذلك وقَدَر على ردِّه؛ فلولي الأمر أن يقتله بمثل ما قتله به، ويأتي بمن يُعينه، كما أعانه”.

لكن، هذا من جهة التنظيرِ سهلٌ الكلام فيه، لكن من جهة التطبيقِ صعبٌ، كيف نُثبت أصلًا أنه مات بسبب هذه العين؟ كيف نثبت؟ هذه الأمور ليست متعلقة بشيء محسوس، السحر، لا، السحر متعلق بشيء محسوس، ربما أعطاه شيئًا شربه ونحو ذلك. فالسحر يمكن، أما بالنسبة للعين، العين متعلقة بالروح؛ ولذلك إثباتها صعب.

مداخلة: …..

الشيخ: حتى لو وصفه ومات، يعني: هل نجزم فعلًا بأنه مات من هذا؟ قد يكون وافق أن عنده سكتة قلبية، ما نستطيع أن نجزم، ليس هناك شيء مادي محسوس.

يُعزَّر نعم، لكن القتل هذا صعب من جهة التطبيق.

افترِض نفسك قاضيًا، وعرَضَت لك هذه المسألة، هل تجرؤ على الحكم بقتله قصاصًا؟ ما يوجد شيء واضح أمامك، ما يوجد شيء واضح، ولا شك أن هذا العائن سيُنكر، أيُّ إنسان عاقل سيُنكر، فإذا أنكر هذا العائن، مثلما ذكر الشيخ عليٌّ مثلًا: وصفه ثم مات، فأتى أولياء هذا الميت وقالوا: إنه عانه، ونريد القتل قصاصًا. والعائن أنكر، قال: أنا وصفته، لكني ما أعنته. كيف نثبت أنه قتله؟!

فهذه من الأمور المتعلقة بشيء غير محسوس، فالذي يظهر -والله أعلم- أنه لا يثبت بذلك.

ولهذا؛ يعزر هذا العائن، ابن القيم رحمه الله قال: “إذا عُرف الرجل بالأذى بالعين؛ ساغ بل وجب حبسه وإفراده عن الناس، ويُطعم ويُسقى حتى يموت، ذكر ذلك غير واحد من الفقهاء، ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلاف”.

لأن هذا يضر الناس، هذا الذي يعين الناس يضرهم؛ لأن العين متعلِّقة بنفس خبيثة فيها حسد فتؤثِّر في الناس، وهي تتعلق بالروح، والروح ليست شيئًا ماديًّا، الروح من عالم آخر غير العالم المادي: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء:85].

يعني: العقل البشري المحدود يحكم على عالم المادة فقط، ما يستطيع أن يتجاوز هذا العالم إلى عالم آخر، الروح من العالم الآخر، الذي لا يستطيع العقل البشري أن يتجاوزه، العين مرتبطة بالروح، متعلقة بالروح وتؤثِّر على البدن؛ فهنا يأتي الإشكال الكبير من جهة التطبيق.

أما من جهة التنظير، سمعتم كلام بعض الفقهاء في المسألة.

مداخلة: …..

الشيخ: ممكن لو اعترف، لو اعترف ممكن نعتبره من قبيل الخطأ، أما إذا لم يعترف أيضًا يصعب، ما الذي يُثبت أنه مات بسببه؟

مداخلة: …..

الشيخ: لكن لو أنكر؟ أما إذا اعترف، فنعم يُحمَّل الدِّيَة، لا إشكال في هذا، لكن لو أنكر؟!

مداخلة: …..

الشيخ: يكون فيها دِيَة، نعم، الذي يظهر أنه يكون فيه الدِّيَة، يصعب الحكم بقتله.

مداخلة: …..

الشيخ: طيب، قد وافقت قدَرًا ما نجزم، قد تكون وافقت قدَرًا، ليس عندنا شيء مادي محسوس.

مداخلة: …..

الشيخ: بالقرائن، إذا وُجِدت قرائن يُعزَّر التعزير المناسب.

بعض الناس فهم التعزير أنه شيء كبير، ليس بالضرورة، التعزير أحيانًا يكون بالتوبيخ، أحيانًا بأخذ تعهُّد، أحيانًا بشيء يُناسب الجناية، وليس منحصرًا لا في السجن ولا في الجلد، وإنما بما يرى القاضي أن فيه مصلحة.

سنتكلم إن شاء الله بشيء من التفصيل عن التعزير في الشريعة الإسلامية، وعن بدائل السجن، والعقوبات البديلة، هذا إن شاء الله عندما نتكلم عن (باب التعزير) سنُفيض الكلام فيها إن شاء الله تعالى.

آخر سؤال في المسألة حتى نمشي في الشرح.

مداخلة: …..

الشيخ: السيارات فيها تفصيل، فإذا وُجِد قصد جنائي فيها مع كونها تقتل غالبًا يُعتبر عمدًا، يعني مثلًا: لو أنه صدمه بالسيارة فيُعتبر هذا قَتْلَ عمدٍ، وهذا قد نُفِّذ قبل أشهر فيمن صدم آخر وحكم عليه بالقتل قصاصًا.

لكن، لو كان راكبًا معه ثم انقلبت السيارة، فلا يمكن أن نعتبره عمدًا، ولا حتى شبه عمد، لكن لو قطع الإشارة فصدمه، الإشارة حمراء وقطعها، ثم أتى إنسان يمشي وصدمه ومات، فمن أيِّ أقسام القتل نعتبره؟ شبه عمد، الذي يظهر أنه شبه عمد، مع قطع الإشارة يُعتبر شبه عمد.

فإذن؛ ممكن أن تَرِد الأقسام الثلاثة كلها بالنسبة لحوادث السيارات.

مداخلة: …..

الشيخ: بحسب القرائن، هل ننظر للسرعة أيضًا؟ غالب السيارات لا تنفك مِن نسبةِ تسبُّبٍ، فهي إما أن تكون خطأً أو شبه عمد؛ العمد يكون فيمن تعمَّد فيمن صدمه مثلًا، ونحو ذلك.

وأيضًا من صور القتل العمد، قالوا: أن يقتله بسَمٍّ، يسقيه سَمًّا، تقول: السَّمٌّ أفصح من سُمٍّ، بسَمٍّ.

وكذلك أيضًا أن يتسبب بقتله فيما يقتل غالبًا، كما لو شهد شاهدان شهادة زُور على إنسان، فقُتل بسبب تلك الشهادة.

وقد جاء في “صحيح البخاري”: أن رجلين أتيا برجل، وادَّعَيَا أنه قد سرق، فأمر عليٌّ بقطع يده، فقُطعت يده، وكان تنفيذ الأحكام والحدود في زمن الصحابة في نفس اللحظة، ما تتأخر، القبض على السارق والحكم والتنفيذ في ساعةٍ واحدة. فأمر عليٌّ مباشرة بقطع يده، وقُطعت يده، فلما أتى اليوم الثاني أتَيَا برجلٍ آخر، وقالا: إنا قد أخطأنا في الأول، هذا هو السارق، فقال علي : لو أعلم أنكما تعمَّدْتُّما لقطعتكما. فغرَّمهما دِيَة الأول، وردَّ شهادتهما عن الثاني[6].

فدل قوله: “لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعتكما” على أنه لو شهد اثنان على آخر، فقُتل قصاصًا، ثم تبيَّن أنها شهادة زور؛ أنهما يُقتلان به، يُقادان به.

ننتقل بعد ذلك لكلام المؤلف رحمه الله، ذكر التعريف أو ضابط القتل العمد، ثم قال:

مسألة قتل الجماعة بالواحد

فلو تعمَّد جماعةٌ قتلَ واحدٍ؛ قُتلوا جميعًا إن صَلُح فِعلُ كلِّ واحدٍ منهم للقتل.

قَتْل الجماعة للواحد، تُقتل الجماعة بالواحد، لكن بهذا الشرط الذي ذكره المؤلف، وهو أن يصلح فعل كل واحد منهم للقتل؛ يعني: أنَّ فِعل كل واحد منهم لو انفرد يصلح للقتل، فيُقتلون جميعًا.

أما إذا كان فعل كل واحد منهم لا يصلح للقتل، كما لو جرحه الأول، ثم جرحه الثاني، ثم جرحه الثالث، وهذا الجرح لا يُؤدِّي للقتل غالبًا، فلا يُقتلون به ما لم يتواطؤوا على ذلك، يعني: لو تواطؤوا على ذلك، وفكَّروا وقالوا: نجرحه حتى ما يثبت علينا القَوَد، أنت اجرحه مثلًا، عشرة هم، واتفقوا على ذلك، وثبت اتفاقهم وتواطؤهم على ذلك؛ فيُقتلون به.

أما إذا لم يثبت اتفاقهم على ذلك؛ فلا يُقتلون به.

إذن؛ يُشترط لقتل الجماعة بالواحد أن يصلح فعل كل واحد منهم للقتل؛ ويدل لذلك قول عمر لمَّا قَتَل سبعةً من أهل صنعاء قَتَلوا رجلًا: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعًا[7]. ورُوي هذا أيضًا عن عليٍّ : أنه قتل ثلاثةً قتلوا رجلًا[8]. ورُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما[9]، وعن عدد من الصحابة ، ولم يُعلم لهم مخالف.

وهذا قول عامة أهل العلم؛ ولهذا قال ابن القيم: “اتفق الصحابة وعامة الفقهاء على قتل الجميع بالواحد”. فهذه المسألة محل اتفاق بين أهل العلم، لكن بهذا الشرط الذي ذكره المؤلف.

مداخلة: …..

الشيخ: دليل الشرط: أنه لو كان القتل بما لا يصلح، لو كان جرحَ كلُّ واحد منهم بما لا يصلح للقتل، فتكون الآلة لا تقتل غالبًا، ونحن اشترطنا: أن تكون الآلة تقتل غالبًا، أن يكون الفعل نفسه يقتل غالبًا. أما إذا كان الجرح لا يقتل غالبًا؛ انتفى الركن الثاني الضابط الذي ذكرناه، فلا يُعتبر قتلَ عمد عدوان، يُعتبر عمدًا لكن ليس عدوانًا، قتل العمد العدوان لا بد أن تكون الآلة فيه أو الفعل يقتل غالبًا.

قال:

وإن جرح واحدٌ جُرْحًا، وآخرُ مائةً؛ فسَوَاءٌ.

لكن بالشرط الذي ذكره المؤلف، أن يصلح فعل كل واحد منهم للقتل.

قال:

ومَن قَطَع أو بَطَّ سِلْعةً خَطِرةً مِن مُكلَّفٍ بلا إذنه.

السلعة: هي غُدَّةٌ تظهر بين الجلد واللحم، إذا غُمزت باليد تحركت، هذه يسميها الفقهاء بـ”السلعة”، هي غُدَّة تظهر بين الجلد واللحم، إذا غمزت باليد تحركت، هذه تشبه الثآليل ونحوها، يقول: لو أنه قطع أو بطَّ هذه السلعة، من مكلف بلا إذنه.

فمات؛ فعليه القَوَد.

وذلك لتعدِّيه بذلك، أو أنه فعل ذلك من غير مُكلف بلا إذن وليه فمات؛ فعليه القود أيضًا؛ لأنه قد تعدَّى.

هل يقتل الطبيب إذا أجرى العملية بغير إذن المكلف؟

الشيخ: هل يُقاس على ذلك العملياتُ الجراحية؟ لو اجتهد الطبيب في إجراء عملية جراحية بغير إذن المكلف؟ هل يُقتل الطبيب به أو لا يُقتل؟

مداخلة: …..

الشيخ: لا يُقتل، لماذا؟

مداخلة: …..

الشيخ: لكن، لماذا أجرى العملية من غير إذن؟

مداخلة: …..

الشيخ: الذي يظهر في هذا: أن الطبيب لا يُقاد إذا أجرى عملية ولو بغير إذنه، لكن عليه الدِّيَة؛ وذلك لأنه إنما فعل ذلك إنقاذًا من هلكةٍ، الطبيبُ عندما يفعل ذلك ليس له مصلحة، وهو يريد إنقاذ هذا المريض الذي أمامه، فهو اجتهد في إنقاذ معصومٍ من هلكة فلا يُقاد به، وإنما تكون عليه الدِّيَة. وهذا هو الذي عليه العمل، الذي عليه العمل الآن في الأخطاء الطبية عمومًا أن يكون فيها تعويض مالي، أو تكون فيها الدِّيَة.

فلا يُقاس الطبيب على من بَطَّ سلعة، هذا الذي بطَّ سلعة ليس بطبيب أصلًا، أتى واجتهد وقطع هذه القطعة، فلم يُؤذن له وليس بطبيب، وليس فيها إنقاذ -أيضًا- من هلكة، إنما أتى وربما كان عنده فضول، أو ربما عنده قصدٌ جنائي، أو نحو ذلك، المهم أنه تسبَّب في وفاة هذا الشخص؛ فهذا يُقاد به.

بخلاف العمليات الجراحية، العمليات الجراحية هي أشبه بإنقاذ المعصوم من هلكة. فهذا الطبيب مجتهد في إنقاذ هذا المعصوم، أشبه ما لو وجده غريقًا، أو وجده حريقًا، أو نحو ذلك، فأنقذه، لكن ما دام أنه قد فعل ذلك بغير إذنه، وتسبَّبت تلك العملية في وفاته، فيكون عليه الدِّيَة في هذا؛ لأنه كان يُفترض أن يأخذ إذنه في ذلك، أو يأخذ إذن وليِّه إذا كان غير مكلف.

مداخلة: …..

الشيخ: الذي يظهر أنه يُعتبر إذن الورثة في هذه الحال إذا كان لا يمكن، مثلًا: مغمى عليه، يُعتبر إذن الورثة في هذا.

مداخلة: …..

الشيخ: المهم أنه يأخذ الإذن، إذا أخذ الإذن ما يوجد إشكال.

مداخلة: …..

الشيخ: إذا تسبَّبت هذه العملية في وفاته فعليه الدِّيَة. نعم، لا بد أن يضمن، ما يُقتل، ما يُقتل الطبيب مطلقًا في جميع الصور إلا إذا وُجِد قصدٌ جنائي، والقصد الجنائي مُنتَفٍ في مسألة الطبيب أصلًا.

ضابط القتل شبه العمد

قال:

الثاني: شبه العمد.

وتكلمنا عنه، وقلنا: القول الراجح هو قول الجمهور: وهو إثباته، وذكرنا الدليل له.

المؤلف ذكر ضابطه:

وهو أن يقصده بجناية لا تَقتل غالبًا، ولم يجرحه بها، فإن جرحه ولو جُرْحًا صغيرًا قُتل به.

وذلك لأن الآلة إذا جرحه بها فالجرح له سراية، وله نفوذ وغور في البدن، فقد يُؤدِّي إلى الموت، فإذا جرحه بتلك الآلة فيُعتبر هذا من قبيل القتل العمد؛ ولأن البدن فيه مَقاتل خَفيَّة، فهو أشبه ما لو غرز فيه إبرة فمات.

فإذن؛ إذا جرحه -حتى ولو بإبرة- فمات فإنه يُقتل به.

قال:

الثالث: الخطأ، وهو: أن يفعل ما يجوز له فعله.

يعني: القصد الجنائي في الخطأ غير موجود.

مِن دَقٍّ، أو رَمْيِ صيدٍ ونحوِه، أو يظنه مباحَ الدَّمِ، فيَبِين آدميًّا معصومًا.

فهنا القصد الجنائي غير موجود، لكنه فعل ما يجوز له فعله فتسبَّب في وفاة غيره.

ما يترتب على القتل الخطأ وشبه العمد

يقول المؤلف:

ففي القسمين الأخيرين.

يعني: الخطأ وشبه العمد.

الكفارة على القاتل.

يعني: الكفارة في مال القاتل. وسنتكلم إن شاء الله في درس قادم عن أحكام كفارة القتل بالتفصيل.

والدِّيَة على عاقلته.

الدِّيَة على عاقلة القاتل، والعاقلة: هم العَصَبة. وأيضًا المؤلف عقد لها بابًا، وسنتكلم عن (أحكام العاقلة) بالتفصيل في درس قادم إن شاء الله تعالى.

ففي القتل الخطأ وشبه العمد: دِيَةٌ وكفارة؛ دِيَةٌ على العاقلة، وكفارة في مال القاتل.

أما القتل العمد فقلنا: إنه موجب لثلاثة أمور: إما القصاص، أو الدِّيَة، أو العفو مجانًا. وعلى قول الجمهور: ليس هناك كفارة في القتل العمد. وسيأتي بحث هذه المسألة إن شاء الله، وبحث خلاف العلماء فيها.

حكم من طلب من آخر أن يقتله أو يجرحه ففعل

قال:

ومن قال لإنسان: اقتُلني أو اجرحني، فقتله أو جرحه؛ لم يلزمه شيء.

لم يلزمه شيء من جهة الضمان؛ وذلك لإذنه في الجناية عليه، فسقط حقه منه.

ولكن من جهة الإثم يأثم؛ لأن بدن الإنسان: هل هو مملوك له؟ بدنك الآن هل هو ملك لك؟ ليس ملكًا لك، هو ملك لله ، فليس لك الحق أن تقول: اقتلني أو اجرحني، فهو ملك لله سبحانه، فهو من جهة الإثم يأثم، أما من جهة الضمان فلا يضمن.

مداخلة: …..

الشيخ: حقه في الآخرة، الذي يظهر أنها ليست مسألة سقوط الحق، بل إنه يكسب إثمًا وأوزارًا بهذا، فضلًا عن الحق؛ لأنه قال: اقتلني فقتله، هذا بالنسبة للمقتول.

أما القاتل فإنه يأثم بهذا، ويترتب عليه وجوب التوبة إلى الله . لكن، من جهة الضمان، إذا ثبت فعلًا أنه قال له: اقتلني أو اجرحني؛ فيسقط الحق؛ لأنه إذا مات ولم يقل ذلك، وعفا أولياء الدم، سقط، فما بالك إذا كان هو الذي قد عفا.

مداخلة: …..

الشيخ: الإثم في حق القاتل والمقتول، أما في حق القاتل فظاهر؛ لأنه قَتَل. وأما في حق المقتول فإنه لا يملك أصلًا بدنَه حتى يأذن في هذا.

قال:

وكذا لو دفع لغير مُكلَّفٍ آلةَ قتلٍ ولم يأمره به.

فإنه ليس عليه شيء، ولا يُلزِم دفعُ الآلة شيئًا؛ لأنه لم يأمره بالقتل ولم يُباشره، لكن ما لم توجد قرينة تدل لذلك.

فمثلًا؛ لو باعه سلاحًا، ولم يعلم هذا الذي باعه السلاح بأنه سيذهب ويقتل به شخصًا، أو وهبه السلاح؛ لا شيء عليه.

لكن، لو وُجدت القرائن التي تدل على أن هذا المشتري، أو هذا الذي وهبه هذا السلاح، سوف يقتل به شخصًا؛ فإنه يشترك معه في القتل، يشترك معه في الضمان في الدِّيَة فقط، وإلا فإن المباشرة تقطع حكم السببية.

هذه قاعدة في (باب الجنايات): “أن المباشرة تقطع حكم السببية”، إذا اجتمع مباشر ومتسبِّب، فالقود على المباشر فقط دون المتسبِّب.

شروط القصاص في النفس

ثم قال المؤلف رحمه الله:

باب: شروط القصاص في النفس.
وهي أربعة.

ذكر المؤلف: أن القصاص في النفس له أربعة شروط، وهذه الشروط عُلِمت بالاستقراء:

الأول: البلوغ والعقل

الشرط الأول: تكليف القاتل.

بأن يكون القاتل بالغًا عاقلًا؛ وذلك لأن القصاص عقوبة مغلَّظة، فلا يجب القصاص على الصغير، ولا على المجنون؛ لقول النبي : رُفع القلم عن ثلاثة، وذكر منهم: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يُفيق[10]؛ ولأنهما ليس لهما قصد صحيح.

ولهذا؛ عند الفقهاء قاعدة، وهي: “أن عمد الصبي والمجنون خطأ”، يعني: يترتب عليه ما يترتب على الخطأ.

قال المؤلف:

فلا قصاص على صغير ومجنون، بل الكفارة في مالهما، والدِّيَة على عاقلتهما.

هل الكفارة تجب بقتل الصغير والمجنون، أو لا تجب؟ هذه أيضًا سنبحثها إن شاء الله في باب (كفارة القتل)، وسنتكلم عنها بالتفصيل.

أما كون الدِّيَة على العاقلة فهذا بالاتفاق، الدِّيَة على عاقلة الصغير، وعلى عاقلة المجنون.

الشرط الثاني: عصمة المقتول

قال:

الثاني: عصمة المقتول.

عصمة المقتول، وذلك بألَّا يكون مهدَر الدم، فإن كان المقتول مهدَر الدم فلا قود؛ ولهذا قال المؤلف:

فلا كفارة ولا دِيَة على قاتلِ حربيٍّ، أو مرتدٍّ، أو زانٍ مُحصَنٍ، ولو أنه مثله.

لو أنَّ مسلمًا قتل حربيًّا فلا قَوَد ولا كفارة، ولو قتل زانيًا مُحصَنًا محكومًا عليه بالرجم فلا قود أيضًا ولا كفارة، ولو قتل مرتدًّا ثبتت رِدَّته فكذلك أيضًا.

وقوله: (ولو أنه مثله) يعني: لو أنَّ زانيًا محصنًا، قتل زانيًا محصنًا مثله؛ فكذلك لا قود ولا كفارة.

هناك مسألة كنا نود التنبيه لها: وهي متعلقة بالشرط السابق، نحن لما قلنا: “تكليف القاتل”، السكران إذا قَتَل حال سُكْره، هل يُقتص منه أو لا يُقتص؟

مِن أهل العلم من قال: إنه لا يُقتص منه، قال به بعض الشافعية؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء:43]، قالوا: والسكران لا يعلم ما يقول، وقياسًا على المجنون.

وذهب أكثر أهل العلم إلى أن السكران يُقتص منه إذا قتل حال سكره. وهذا هو القول الصحيح، وهو الذي عليه العمل؛ وذلك لعموم الأدلة الموجبة للقتل على كل قاتل، من غير تفريق بين السكران وغيره.

وأما الآية الكريمة فليس فيها دلالة على أن السكران لا يُقتص منه، وإنما فيها نهي عن قربان الصلاة وقت السُّكر، وكان هذا في أول مراحل تحريم الخمر، ثم بعد ذلك نهى الله عن الخمر: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:90]؛ ولأنه لو قيل بعدم القصاص من السكران لاتُّخِذ السُّكر ذريعة للقتل، كلُّ من أراد أن يقتل آخر شرب مسكرًا وقَتل.

والقياس على المجنون قياس مع الفارق؛ وذلك لأن السكران عاصٍ بسُكْره واختياره، بخلاف المجنون، فالجنون بغير اختياره.

فالصواب هو ما عليه أكثر أهل العلم من أنه يُقتص من السكران، وهذا هو الذي عليه العمل.

ومثل السكران أيضًا متعاطي المخدرات، أيضًا يُقتص منه.

الشرط الثالث: المكافأة

الشرط الثالث قال:

الثالث: المكافأة.

يعني: المكافأة بين القاتل والمقتول حال الجناية، قال المؤلف:

بألا يَفضُلَ القاتلُ المقتولَ حالَ الجناية بالإسلام أو الحرية أو المِلك.

وبناءً على ذلك: فلا يُقتل مسلم بكافر؛ لقول النبي : لا يُقتل مسلم بكافر رواه البخاري[11].

إذا قتل المسلم كافرًا معاهدًا أو ذميًّا عمدًا وعدوانًا، هل يُقتص منه؟ لا يُقتص منه، حتى وإن كان عمدًا وعدوانًا، لكن يُعزَّر؛ لافتياته، ولأنه فعل أمرًا محرمًا إذا كان معصوم الدم؛ لقول النبي : من قتل معاهدًا بغير حق لم يَرَح رائحة الجنة. أخرجه البخاري في “صحيحه”[12].

لكن، من جهة القصاص فلا يُقتص منه؛ لعدم المكافأة بين القاتل والمقتول.

لو قتل حُرٌّ عبدًا عمدًا وعدوانًا، هل يُقتص منه؟ لا يُقتص منه؛ لعدم المكافأة بين الحر والعبد.

وهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، والجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة على أنه لا يُقتل الحر بالعبد؛ لمفهوم الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ [البقرة:178].

وأيضًا جاء عن عليٍّ أنه قال: من السُّنة ألا يُقتل حُرٌّ بعبد. رواه البيهقي[13]. ورُويت في هذا آثار عن عدد من الصحابة .

والقول الثاني قول الحنفية، مذهب الحنفية: أن الحر يقتل بالعبد، وقولهم قول قوي؛ لأن الآثار في سندها مقال، ودلالة الآية غير ظاهرة، يعني: الاحتجاج بمفهوم المخالفة فقط، مفهوم المخالفة ضعيف، فالدلالة غير واضحة، فقول الحنفية في هذه المسألة: أن الحر يُقتل بالعبد قول قوي.

لكن، الذي عليه الجمهور أن الحر لا يُقتل بالعبد.

وقوله: (أو الملك) فلا يُقتل السيد بعبده، ولا كذلك الحر بمُبَعَّض، ولا المُكاتَب بقِنِّه؛ لأنه مالكٌ لرقبته.

قال المؤلف:

فلا يُقتل المسلم ولو عبدًا بالكافر ولو حُرًّا، ولا الحُرُّ ولو ذِمِّيًّا بالعبد ولو مسلمًا، ولا المُكَاتِبُ بعبده ولو كان ذا رحمٍ محرم له.

قوله: (ولو) كان فيه إشارة للخلاف، فيها خلاف، يعني: من الفقهاء من قال: إنه إذا كان ذا رحمٍ مُحرَّمٍ عليه أو مَحْرَم له، فإنه لا يُقتل به. والصواب هو ما قرره المؤلف رحمه الله.

ويُقتل الحُرُّ المسلم ولو ذكرًا بالحُرِّ المسلم.

هذا بالإجماع.

ولو أنثى.

أراد المؤلف التنبيه في هذا؛ لمسألة قتل الذكر بالأنثى، فمسألة الذكورية والأنوثة لا أثر لها، فيُقتل الذكر بالأنثى، والأنثى بالذكر.

ودلَّ لهذا أدلةٌ كثيرة، منها: ما جاء في الصحيحين: أن النبي قتل يهوديًّا رَضَّ رأس جارية بين حجرين، فأمر بأن يُرَضَّ رأسه بين حجرين[14]. فدل ذلك على أن الذَّكَر يُقتل بالأنثى، والأنثى بالذكر أيضًا.

وجاء في كتاب عمرو بن حزم  الذي كتبه النبي لأهل اليمن: أن الرجل يُقتل بالمرأة.

قال:

والرَّقِيق كذلك.

مراد المؤلف بهذا: أن يُقتل الرقيق المسلم بالرقيق المسلم.

وبمَن هو أعلى منه.

المعنى: أنه يُقتل الكافر بالمسلم، الكافر إذا قتل مسلمًا، العكس، يعني: المسلم إذا قتل كافرًا لا يُقتص منه، لكن لو كانت المسألة بالعكس: الكافر هو الذي قتل مسلمًا، فيُقتص منه أو لا؟ يُقتص منه، هذا هو مراد المؤلف.

طيب، لو كان العبد هو الذي قتل الحر؟ كذلك يُقتص منه. فقوله: (وبمَن هو أعلى منه) يُشير لهذا المعنى.

والذِّمِّيُّ كذلك.

مراد المؤلف بهذا: أنه يُقتل الذِّمي الحر بالذِّمِّي الحر، ويُقتل الذِّمي الرقيق بالذِّمي الحر، على التفصيل السابق.

الشرط الرابع: ألا يكون المقتول ولدًا للقاتل

الشرط الرابع.

من شروط القصاص:

أن يكون المقتول ليس بولد للقاتل.

يعني: عدم الولادة بين المقتول والقاتل، بألا يكون المقتول ولدًا للقاتل.

قال:

فلا يُقتل الأب وإن علا، ولا الأم وإن علت، بالولد ولا ولد الولد وإن سَفَل.

وذلك لقول النبي : لا يُقتل والد بولده. رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما[15]. قال الحافظ ابن عبدالبر: “هو حديث مشهور عند أهل العلم بالحجاز والعراق، مستفيض عندهم، وعليه العمل عند أهل العلم”.

فإذن؛ لا يٌقتل الوالد بولده.

المؤلف أدخل الجد والجدة مع الوالد والولد، وهذا هو المذهب عند الحنابلة: لا يُقتص الجد بولد ولده، ولا الجدة بولد ولدها أو ولد ابنتها.

والقول الثاني في المسألة: إن هذا الحكم خاص بالأب والأم فقط، وأن الجد إذا قتل ولد ولده يُقتل به، وهكذا الجدة. وهذا القول رواية عن الإمام أحمد، واختاره الإمام ابن تيمية رحمه الله، قال رحمه الله: “أما دخول الجد والجدة تحت النص؛ فالسُّنة إنما جاءت: لا يُقتل والد بولده[16]، فإلحاق الجد بذلك وأب الأم بعيد”.

هذا هو القول الراجح: إن الحكم خاص بالأب والأم، وأن ذلك لا يشمل الجد ولا الجدة؛ وذلك لأن الأب والأم لهما من الشفقة والحنان والعطف ما يمنعهما من قتل أولادهما على سبيل العمد والعدوان، إذا كان الأب والأم سويين، فكون الوالد يُقدِم على قتل ولده، سواء كان أبًا أو أمًّا يُورث شبهة تمنع من وجوب القود والقصاص.

قبل سنوات، يمكن العام الماضي أو الذي قبله، رجل قتل ابنته وقُتِل بها، كيف نُخرِّج هذه؟

مداخلة: …..

الشيخ: تعزيرًا، أحسنت.

انتبِه للمأخذ! عندما يُعلم مثلًا خبر القتل، يعني: فرقٌ بين قوله: “قصاصًا” أو “حدًّا” أو “تعزيرًا”، قد يكون الحَدُّ حَدَّ حرابة، قصاص، تعزير.

القصاص! ما يمكن لوالد أن يُقتص في ولده أبدًا، لكن تعزيرًا إذا كانت الجريمة بشعة، فربما أن القاضي يرى قتله تعزيرًا، أما قصاصًا فهذا غير وارد، قصاصًا لا يمكن؛ لأن الأب -له- والأم لهما من الشفقة ما يمنع من الإقدام على قتل أولادهما.

لكن بعض الناس قد تأتيه من جهة الأمراض النفسية والشكوك والوسواس، بعض الناس ربما يشك في ولده أن هذا الولد ليس منه، ثم يقتله، قد يكون لهذه الأسباب، فلو كانت الجريمة بشعة ورأى القاضي أنه يُقتل تعزيرًا، فهذا مما يسوغ فيه الاجتهاد، أما قصاصًا فلا.

مداخلة: …..

الشيخ: الأصل أنه ما يُقتل به، هذا الأصل.

لكن، إذا كانت الجريمة بشعة، مثل الذي حصل: إنسان يدهس ابنته بالسيارة وهي طفلة صغيرة، فهذه جريمة بشعة، ويُؤذيها، ويُعذبها قبل ذلك، فهنا ليس هناك مخرج إلا أن يُقال بالقتل تعزيرًا.

مداخلة: …..

الشيخ: هل الشريعة تَرِد بمثل هذا؟! أننا نترك هذا الإنسان الذي عذَّب ابنته بهذه الجريمة البشعة، ثم دهسها حتى ماتت؟! أيضًا لا بد من مراعاة مقاصد وأصول وقواعد الشريعة، مثل هذا مما يسوغ فيه الاجتهاد، على الأقل نقول: مما يسوغ فيه الاجتهاد.

مداخلة: …..

الشيخ: هذا إذا كان فيه شبهة، لكن إذا لم توجد شبهة، لو كانت الجريمة بشعة، فهنا لا يُترك أيضًا؛ لأن هناك أناسًا مثلما ذكرتُ لك، أحيانًا في غالب القضايا التي يقتُل فيها الوالد ولده أنه يشك في هذا الولد أنه ليس منه، وقد يكون بعض الناس عنده وسواس، بعض الناس عنده مرض نفسي.

مداخلة: …..

الشيخ: نفترض أنه قتله القاتل قصاصًا، أما تعزيرًا فيمكن.

على أن القتل تعزيرًا مسألة خلافية، سنتكلم عنها بالتفصيل، لكن الذي عليه العمل هو القتل تعزيرًا.

مداخلة: …..

الشيخ: الذي مضى بعد الدرس، فقط دعنا في مسألة الشرط الرابع، عندك سؤال في الشرط الرابع؟

مداخلة: …..

الشيخ: لا، ما يدخل، الأب من النَّسب فقط.

مداخلة: …..

الشيخ: هو لا يُعتبر أصلًا ولدًا له، هذا ابن زنا، إلا إذا أتت مسألةُ إلحاقه به، هذه مسألة أخرى، لكن في الأصل أنه لا يُعتبر ولدًا له.

مداخلة: …..

الشيخ: في الأصل أنه يُقتص منه.

القصاص يورث على قدر الميراث

ثم قال المؤلف رحمه الله:

ويُورث القصاص على قَدْر الميراث، فمتى ورِث القاتلُ أو ولدُه شيئًا من القصاص، فلا قصاص.

القصاص يُورث، يعني: لو مات مستحِقُّ القصاص فوَرَثتُه يقومون مقامه، فهو يُورَّث كما يُورث المال، يورث حق القصاص؛ لأنه حق؛ يكون حق القصاص على قدْر الميراث.

هذا الشخص مات، مَن الذي له الحق في العفو أو في المطالبة بالقصاص؟ من هم؟ ورثته الذين لهم الحق في المطالبة أو العفو. وسيأتي: لو عفا ولو واحد منهم سقط القصاص.

قال: (فمتى ورث القاتل أو ولده شيئًا من القصاص فلا قصاص)؛ في بعض الصور يرث القاتلُ دَمَه أو بعض دمه، أو ولدُه يرث دمَ أبيه.

مثال ذلك: لو قتل رجلٌ أخا زوجته، فسيكون من الورثة زوجتُه، إذا لم يكن له أبناء ولم يكن أبوه موجودًا، نفترض أن زوجته ورثت أخيها المقتول، ثم إن زوجته ماتت، فسيكون من الورثة زوجها القاتل، فيكون الآن القاتل ورث بعض دمه، يعني: ورث المطالبة بدمه؛ فيسقط القصاص مباشرة.

أُعيد المثال مرة أخرى: قتل إنسان أخا زوجته، وزوجته ترث من أخيها، ثم إن زوجته ماتت، فورثها القاتل فيسقط القصاص، يسقط القصاص عن القاتل، ما يُقتل، يسقط لا قود، وإنما يكون دِيَة فقط.

لماذا؟ لأن أحد الورثة هو نفس القاتل، والإنسان لا يُطالب بدمه، فيسقط القصاص مباشرة.

وأيضًا من الصور: لو قتل أحد الزوجين، وهذه الصورة لا يُخبر بها العامة، لو قتل أحد الزوجين الآخر ولهما أولاد؛ فلا قصاص.

لماذا؟ لأنه إذا قتل أحد الزوجين الآخر فمَن الوارث؟ الأولاد، الأولاد لا يملكون المطالبة بدم أبيهم، فيسقط القصاص. هذه قاعدة عند أهل العلم: “إذا قتل أحد الزوجين الآخر ولهما أولاد؛ فلا قصاص”.

ولكن أيضًا قد يحكم القاضي بالقتل تعزيرًا إذا كانت الجريمة بشعة ونحو ذلك، لكن من جهة القصاص فلا قصاص.

إذن؛ إذا ورث القاتل دمه أو بعض دمه، أو ورثه ولده؛ فلا قصاص، هذا يصح أن يكون ضابطًا في هذا الباب، الذي ذكره المؤلف يصح أن يكون ضابطًا: “متى ورث القاتل أو ولده شيئًا من القصاص، فلا قصاص”؛ وذلك لأنه لو ثبت القصاص لثبت له جزء منه، ولا يملك الإنسان أن يُطالَب بدَمِه، أو إذا كان الوارث ولده فلا يملك الولد أن يُطالب بدم أبيه، والدم لا يتبعَّض، القصاص لا يتبعَّض؛ فيسقط القصاص.

وهذا هو الذي عليه العمل، لكن -كما ذكرت- قد يكون للقضاء مَلْحَظٌ من جهة القتل تعزيرًا إذا كانت الجريمة بشعة، فربما يُقتل تعزيرًا، أما قصاصًا فلا يُقتل إذا كان القاتل ورث دمه، أو ورث ولدُه ذلك الدم أو بعض الدم؛ فيسقط القصاص مباشرة.

نكتفي بهذا القدر، ونقف عند باب (شروط استيفاء القصاص).

الأسئلة

السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ. هذا السائل يقول: هل يُقتل المسلم بالمعاهَد تعزيرًا؟

الشيخ: المسلم لا يُقتل بالكافر -معاهدًا كان أو غير معاهد- قصاصًا؛ وذلك للحديث: لا يُقتل المسلم بالكافر[17].

لكن، القتل تعزيرًا: الجمهور يرون أن التعزير لا يُزاد فيه أصلًا على عشر جلدات، فضلًا عن القتل، ومنهم الحنابلة، الجمهور ومنهم الحنابلة يرون أن -أصلًا- التعزير ما يُزاد على عشرة أسواط؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: لا يُجلد فوق عشرة أسواط، إلا في حَدٍّ من حدود الله تعالى[18].

والقول الثاني، وهو الذي -الآن- أصبح عليه العمل: قول الإمام ابن تيمية: أن التعزير ليس له حَدٌّ، وأنه قد يصل إلى القتل، هذا هو الذي عليه العمل.

فإذا كانت الجريمة بشعة مثلًا، وترتَّب عليها مفاسد كبيرة، ورأى القاضي أن يُقتل تعزيرًا، فهذا مما يسوغ فيه الاجتهاد.

السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ. هذا السائل يقول: هل لأولياء الدم في قتل العمد خيار رابع: وهو الصلح على أكثر من الدِّيَة؟

الشيخ: نعم، لهم الصلح على أكثر من الدِّيَة، وهو الحقيقة لا يُعتبر خيارًا رابعًا، هو داخل في مسألة الدِّيَة؛ لأن المقصود العفو إلى مال؛ إما بالدِّيَة، أو بالصلح. فهو داخل في خيار الدِّيَة.

سيأتينا إن شاء الله في الدرس القادم: أن الصلح جائز وإن كان هناك مبالغة في المطالبة بأموال كبيرة، لكن حلُّها ليس لها حلٌّ من الناحية الشرعية؛ لأن هؤلاء يقولون: إما أن تُعطونا هذا المبلغ، وإما أن نطلب القصاص.

وإن كان صدر هناك توجيه بألا تزيد على خمسمائة ألف، لكن هذا على سبيل الإرشاد، ولا يمكن الإلزام، لا يمكن إلزام الناس بهذا، يقول: إما أن أطالِب بالقصاص، وإما أن تُعطوني كذا مليونًا. فنقول: التبعة أصلًا على القاتل، لماذا يُقدِم على القتل أصلًا؟

فما دام أنه قد قَتل فيتحمَّل، فقول بعض الناس: إنه لا بد من تحديد أعلى مبلغ للصلح، هذا غير وارد من الناحية الشرعية، بل يُترك الناس. وأيضًا يكون هذا فيه ردعٌ للناس عن الجرأة على القتل إذا علم الناس بأن هؤلاء سيطلبون ملايين، يكون هذا أكبر رادع أيضًا، حتى لا يتجرأ الناس على القتل، ما دام أنه قد قتل فيتحمل.

لكن على سبيل الإرشاد يُوجَّه الناس ألا يُبالغوا في المطالبة بمبالغ طائلة؛ لذلك صدر توجيه بألا تزيد على خمسمائة ألف، لكن على سبيل الإرشاد، وليس على سبيل الإلزام.

السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ، هذا السائل يقول: علَّلتم حفظكم الله بإسقاط القصاص عن الصغير بأنه لا يقصد الفعل، ألا نقول بأن السكران من باب أولى لا يقصد الفعل؟

الشيخ: لكن الفرق بينهما: أن السكران عاصٍ بسكره، وقد اختار السكر، وهو يعلم بأنه سيذهب عقله، فيُقتل به. أما الصغير فإنسان لم يبلغ، لم يكتمل عقله ونموه بعدُ، فعمده يُعتبر خطأً ولا قصد له؛ ولذلك تسقط عنه الواجبات الشرعية، ومرفوع عنه القلم، فبينهما فرقٌ كبير.

ثم أيضًا لو قلنا: إن القصاص يسقط عن السكران؛ لاتُّخِذ ذريعةً لإسقاط القصاص، كل إنسان أراد أن يقتل آخرَ يسكر، والذي تجرَّأ على القتل سيتجرَّأ على السكر، يسكر ثم يقتل هذا الشخص، وبالتالي لا يُقاد به. يترتب على ذلك من الفساد ما الله به عليم.

مداخلة: …..

الشيخ: إي نعم، لو أمره شخص بأن يقتل، يكون الآمر هو الذي يُقتص منه.

مداخلة: …..

الشيخ: الدِّيَة على الآمر، وكذلك على الصبي، بينهما بحسب نسبة التسبُّب، الدِّيَة تتوزَّع بين القاتلين.

السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ. هذا سائل يقول: ما ضابط القصد الجنائي؟ وما الفرق بينه وبين نية القتل؟

الشيخ: ضابط القصد يُعرف بالقرائن، إنسان مثلًا معه سلاح ناري، أطلق سلاحًا ناريًّا، هذا يُعتبر قصدًا جنائيًّا، ضرب آخر، يعني: يوجد شيء من العمدية، فإن اقترن بها العدوان -ويُعرف ذلك بالآلة التي تقتل غالبًا- يُعتبر عمدًا. وإن كان مجرد قصد جنائي ولم يقترن بعدوان -ويعرف ذلك من خلال الآلة التي لا تقتل غالبًا- يُعتبر شبه عمد. فكل هذه تُعرف بالقرائن.

مداخلة: …..

الشيخ: لو أراد قتل إنسان فقتل غيره، هل يُعتبر هذا من قَبِيل العمد أم لا؟

الله أعلم تحتاج المسألة مزيد تأمل.

السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ. هذا سائل يقول: إذا أخطأ الطبيب فقتل المريض خطأً، ثم تبين أن شهادة الطبيب مزورة، فهل يُقتل؟

الشيخ: لا يُقتل الطبيب عمومًا في جميع الصور ما لم يثبت منه العمد والعدوان، أما إذا كان مجتهدًا في أداء عمله، حتى وإن كانت شهادته فيها تزوير، أهم شيء أن يكون حاذقًا ومجتهدًا، وحصل منه خطأ يكون قد تسبب في القتل، فيُعتبر من قَبِيل الخطأ، ولو أردنا في أصعب الحالات: نعتبره شبه عمد، أما أن يُعتبر عمدًا فهذا غير وارد.

السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ. هذا سائل يقول: ذكرتم أن قاطع الإشارة يدخل في قتل شبه العمد، مع أنه لم يوجد قصدٌ جنائي؟

الشيخ: قطع الإشارة مظنَّة الحوادث ومظنَّة إزهاق الأرواح، وقطع الإشارة يتسبَّب غالبًا في القتل، فأيهما أولى؟ إنسان ضرب آخر بحصاة فقتله؟ أو ضربه بقلم فقتله واعتبرناه شبه عمد؟ أو هذا الشخص الذي يقطع الإشارة الحمراء؟

لا شك أن قواعد وأصول الشريعة تقتضي أن الذي يقطع الإشارة الحمراء أولى بأن يُوصف بأنه شبه عمد.

وأما مسألة أن القصد غير موجود، موجودٌ القصد؛ كونه قطع الإشارة هنا قد قصد، كما لو ضربه بما لا يقتل غالبًا، نحن لم نعتبره عمدًا، الاعتراض يكون لو اعتبرناه عمدًا، لا نعتبره عمدًا؛ لأنه لم يوجد عدوان، لكن اعتبرناه شبه عمد؛ لأنه وُجد هنا قصدٌ جنائي.

قطعُ الإشارة يُعتبر قصدًا جنائيًّا؛ لأنه يُفضي للحوادث؛ لأنه عندما يأتي الإنسان ويمر بسيارته والإشارة خضراء، ربما لا ينتبه لهذا القاطع فيتسبب  ذلك في حوادث قاتلة ومميتة، فلا شك أنه لا يمكن أن تَرِد الشريعة بأن هذا الذي يضرب آخر بقلم يُعتبر شبه عمد، وأن هذا الذي يقطع الإشارة ما يُعتبر شبه عمد، هذا يخالف الأصول والقواعد الشرعية.

فالأقرب: أنا نعتبر قطع الإشارة من قبيل شبه العمد.

لكن، “التفحيط”، “التفحيط” حصل فيه خلاف كثير في السنوات الأخيرة، هناك من كان “يُفحِّط” بسيارته، وقتل، صدم أناسًا وقتل، فحكمت المحكمة بقتله قصاصًا، واعتَرَضَتْ على ذلك “التمييزُ”، قالوا: إنه لم يتمحض القصد الجنائي. فحصل خلاف بين القضاة أنفسهم: هل يُعتبر هذا من قبيل العمد، أو يُعتبر من قبيل شبه العمد؟ 

مداخلة: …..

الشيخ: هذا هو مأخذ القضاة الذين حكموا بهذا، لكن اعتَرَضَتْ عليهم قضاة التمييز.

يظهر لي والله أعلم: أن الأقرب أنه لا يُقتل عمدًا، وإنما يضمن، هو كقاطع الإشارة، وكالمُسرع بالسيارة وما خطر بباله أصلًا القتل، ولا طرأ بباله القتل، لكن تسبَّب في هذا القتلِ. نعتبره شبه عمد.

هذا الأقرب والله أعلم؛ لأن -أيضًا- قتل النفس ليس بالأمر الهيِّن، نحن ما نحكم بالقتل قصاصًا إلا بأمر واضح كالشمس، الأصل عصمة النفوس، النفوس معصومة، إنسان مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ما نقتله إلا بشيء واضح تمامًا.

مداخلة: …..

الشيخ: لكن، لم يثبت هذا، هو قال: “إني أمزح” لمَّا قتله، وأتى عند القاضي قال: “إني أمزح”، القاضي ما قَبِل منه هذا، قال: أنت قتلته الآن بمسدس. وأولياء الدم ادَّعوا أنه متعمد، لم يُصدِّقوه في هذا؛ فحُكم عليه بالقصاص.

السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ. هذا سائل يسأل عن حكم تجاوز الإشارة وهي حمراء، وهل لها ضابط يحل تجاوزها؟

الشيخ: تجاوز الإشارة الأصل أنه محرم؛ لأنه يتسبَّب في إزهاق أنفسٍ معصومة، ويتسبَّب بالحوادث القاتلة، ويترتب عليه مفاسد كبيرة. هذا هو الأصل، اللهم إلا إذا قُطعت بيقين أنه لن يمرَّ أحدٌ، فربما يتغير الحكم في هذا ولا يُقال بالتحريم إذا قَطَعْتَ وجَزَمْتَ بهذا، أما إذا لم تجزم بهذا، وأنه يحتمل ولو بنسبة 1% أن يمر شخصٌ، فلا شك أن هذا محرم؛ لأنه يُفضي إلى الحوادث الكبيرة، وربما تكون حوادث قاتلة ومميتة.

مداخلة: …..

الشيخ: نعم؛ لذلك نحن قلنا: إنه يحرم، الأصل أنه يحرم.

السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ. هذا سائل يقول: إذا لم يُرَدَّ الصائل إلا بقتله، ثم قُتل قصاصًا، فهل هو مأجور أم مأزور؟

الشيخ: إذا صال إنسان على آخر، سئل النبي هذا السؤال، فقال له رجل: أرأيت يا رسول الله، إذا كان رجل يُريد أن يأخذ مالي -الحديث في “صحيح مسلم”[19]- قال النبي عليه الصلاة والسلام: فلا تُعطِه مالك. قال: فإن قاتلني؟ قال: قاتله. قال: فإن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: فإن قتلته؟ قال: هو في النار[20]. فأمره النبي عليه الصلاة والسلام بأن يُقاتله دفاعًا عن ماله، وهكذا أيضًا إن كان دفاعًا عن عِرْضه، دفاعًا عن نفسه، فمعنى ذلك: أن الصائل دمه هَدر.

لكن، الإشكال الكبير: هو أنه لا بد أن يُثبت القاتل بأن المقتول صال عليه، لا بد، إذا لم يُثبت يُقتص منه.

ولذلك؛ كم من إنسان قُتل قصاصًا وهو إنما دافع عن نفسه أو عن ماله أو عن عِرْضه، فالمقتول صال عليه، لكنه عجز عن أن يُثبت أن المقتول قد صال عليه.

أحد الناس يقول: إنه دافع عن عِرْضه، عن محارمه، شخصٌ أراد الاعتداء على بعض محارمه، فقتله، وكان يظن أن المحكمة ستُصدِّقه، لما قالوا: أنت قتلته؟ قال: “قتلته ونص”، فقال له القضاة: “النصف لك، يكفي هنا فقط”، قال: “أنا قتلته دفاعًا عن محارمي”، قالوا: “أثبت”، قام يحلف لهم أيمانًا مغلظة، قالوا له: “لو حلفت ألف يمين، أنت مدَّعٍ الآن، هل هناك شهود؟”. فحُكم عليه بالقصاص.

فالمسألة فيها إشكال كبير، وليس لها حل، لكن هناك قول متَّجه لأبي العباس ابن تيمية رحمه الله، يقول: “إذا قامت القرائن على أن القاتل إنما قتل دفاعًا عن نفسه، وأن المقتول قد صال عليه، فإنه لا يُقاد به”.

يعني مثلًا: هذا القاتل إنسان معروف من الصالحين، وتقيٌّ، وإنسان عابد وصالح، ومعروف بحسن السيرة، وهذا المقتول إنسان من أرباب المخدرات، ومن أرباب الفسق، وله سوابق مثلًا، فربما قول ابن تيمية رحمة الله عليه متَّجه.

لكن، الذي عليه العمل أنه يُقتل به، وهو قول الجمهور، حتى في مثل هذه الصورة، الذي عليه عمل المحاكم قول الجمهور.

لكن قول ابن تيمية لا شك أنه قول قوي ومتَّجه، وهو الذي يتفق مع الأصول والقواعد الشرعية.

مداخلة: …..

الشيخ: حتى لو أتاه ليلًا، يقولون: ربما أنه خدعه وأتى به ليلًا، أدخله إلى بيته كي يقتله، كل شيء وارد.

مداخلة: …..

الشيخ: حتى لو كان هناك شبهة، ما دام أنه قتله يُقتل به؛ ولذلك نقول: الصائل لا تقتله، ادفعه بغير القتل، كما يقال: صوِّبه مثلًا في رجليه، لا تقتله، إذا قتلته فأنت مطالب بالإثبات.

مداخلة: …..

الشيخ: هذا من البلوى، هذا ابتلاء، قد يُبتلى بعض الناس بمثل هذا.

السؤال الأخير: أحسن الله إليكم. يقول: ذكرتم أنكم أفتيتم شخصًا بإعطاء زوجته إبرة في الحج لتتمكن من طواف الإفاضة، فهل هذا يعني: أن العلة في المنع هي الدم؟

الشيخ: نعم، لا شك، العلة هي الدم، إذا كان الدم غير موجود فهي ليست حائضًا، إذا انقطع الدم فهي ليست حائضًا. فالعلة هي الدم، لكن ما هو المأخذ؟ هل هو لأجل أنها غير طاهرة، أنها محدثة غير طاهرة، أو المأخذ هو خشية تلويث المسجد؟

هذا محل خلاف بين العلماء، بعض العلماء يقول: لأجل خشية تلويث المسجد فقط، وبعضهم قال: لا؛ لأنها محدثة حدثًا أكبر.

لكن، بكل حال، إذا انقطع الدم فأصبحت الآن غير حائض، هي الآن مطالبة بالصلاة والصيام، ومطالبة بالواجبات الشرعية، فإذا ارتفع الدم تُصبح بهذا طاهرة.

وهذا الحَل الذي ذكرته من الحلول التي ربما يَذْهل عنها بعض طلاب العلم، وهو يُزيل الإشكال؛ لأن الخلاف في المسألة خلاف كبير، كما تعلمون.

الأصل أن الحائض تَحْبِس مَحْرَمها: أحابستنا هي؟[21]وابن تيمية لمَّا أفتى؛ أفتى للضرورة فقط.

فمِثل هذه المسائل لو أُرشد مَن حاضت امرأته بهذا التوجيه، قيل له مثلًا: إنها تذهب وتأخذ إبرة ترفع الحيض، وتُصبح بذلك طاهرًا، وتتمكن من الطواف. هذا مما يزول به الحرج الكبير، ويُحقِّق المقصد الشرعي، ومن جهة الضررِ فالأطباء يقولون: إن أُخذت هذه الإبرة مرة واحدة لا تضر، إنما تضر إذا أُخذت بصفة مستمرة.

مداخلة: …..

الشيخ: نعم، الأصل أنه لا بد من التكافؤ، لا بد من المكافأة بين القاتل والمقتول، فإذا لم يكن بينهما تكافؤ من جهة الحرية فلا قصاص.

مداخلة: …..

الشيخ: شوفوا يا إخوان، الحيض والنفاس -خاصة في وقتنا الحاضر- أصبح يضطرب عند النساء كثيرًا، ليس كالسابق، في السابق ما كان يوجد عقاقير، ما كان يوجد إبر، ما كان يوجد هذه الهرمونات. الآن، أصبحت تضطرب الدورات عند النساء كثيرًا، والحيض قد يجتمع، وقد يتقطع عند بعض النساء، والنفاس كذلك.

فالأصل أن المرأة إذا رأت الدم فهو دم حيض، إذا رأت الجفاف فهو طهر، لكن بشرط أن يكون الجفاف يومًا وليلة فأكثر؛ لأن الجفاف أحيانًا -كما قال ابن قدامة- لا أثر له، لأن هذا معتاد عند النساء، لكن إذا رأته يومًا وليلة، أنا كنت سابقًا أقول برأي الإمام ابن تيمية: أنه لا حَدَّ لأكثر الحيض، حتى وردت لي أسئلة فيها إشكالات.

اتصلت بعض النساء تقول: إن دم الحيض يظل معها عشرين يومًا، فعشرون يومًا مشكلةٌ الحقيقة، عشرون يومًا، هل نقول: إنها كل هذه المدة حائض؟ لا تصوم ولا تُصلِّي؟ لا تُصلِّي ثلثي عمرها؟ ما يطؤها زوجها أيضًا ثلثي الشهر؟ ما يطؤها زوجها وما يقربها؟

فعند التطبيق تتبيَّن إشكالات في هذا القول.

ولهذا؛ رجعت عن هذا القول إلى قول الحنابلة بأن أكثر الحيض خمسة عشر يومًا.

لماذا؟ لأن في الغالب أن الحيض إذا زاد على خمسة عشر يومًا ليس دمَ حيضٍ، وإنما هو دم فساد، وينشأ  هذا عن مرض، وينشأ هذا عن إشكالات لدى المرأة؛ ولأن خمسة عشر يومًا هي منتصف الشهر، فيبعُد جدًّا أن تزيد مدة الحيض المعتادة عن هذا القدر؛ لأن بعض النساء يطول معها الدم، يستمر لعشرين يومًا، وخمسة وعشرين يومًا، والقول باعتبارها حائضًا فيه إشكال.

مداخلة: …..

الشيخ: لأننا لا نجزم بأنه قد قتله، لكن إذا اعترف مثلًا أنه وصفه بوصف ثم مات، أما كونه عمدًا فلا يكون عمدًا؛ لأننا لا نقطع بأنه قتله بهذا، قد يكون مات قدَرًا؛ لأنه ليس عندنا شيء مادي محسوس.

لكن ربما سؤالك: لماذا اعتبرناه خطأً ولم نعتبره شِبْهَ عمدٍ؟ هذا سؤال جيد، القول باعتباره شبه عمد أيضًا متَّجه، القول باعتباره شبه عمد ليس ببعيد؛ لأنه قد يقال: إنه وُجِد منه القصد؛ بكونه عانه، وتعمَّد أن يعينه، لكن لم نتحقَّق من أن هذه الآلة قتلت، فنعتبره شبه عمد، لا شك أن هذا قول متَّجه، وليس ببعيد.

مداخلة: …..

الشيخ: نعم؛ لأنه في باب الطلاق مجرد كلام تكلَّم به، أما في باب القتل فِعلٌ صدر منه، والآثار المروية عن الصحابة تدل على أنهم يُفرِّقون بين أقوال السكران وأفعاله، فأقوال السكران لا اعتبار لها، سواء في الطلاق أو في القذف حتى أو في أيِّ شيء، كلامه لغو، أما أفعاله فيُؤاخذ بها، سواء في القتل أو في الإتلافات أو في غيرها.

فظاهر منقول الآثار عن الصحابة هو التفريق بين أقوال السكران وأفعاله، وهذه قررها الإمام ابن تيمية وابن القيم وجمع من المحققين من أهل العلم: أن السكران يُؤاخذ بأفعاله ولا يُؤاخذ بأقواله، وأن هذا هو ظاهر المنقول عن الصحابة .

نكتفي بهذا القدر.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 5758، ومسلم: 1681.
^2 رواه أحمد: 6533، وأبو داود: 4588، والنسائي: 4791، وابن ماجه: 2627.
^3, ^4, ^16 سبق تخريجه.
^5 رواه البخاري: 6533، ومسلم: 1678.
^6 رواه عبدالرزاق في “المصنف”: 18460، والدارقطني في “السنن”: 3394، والبيهقي في “الكبرى”: 15977.
^7 رواه مالك: 13.
^8 رواه ابن أبي شيبة في “المصنف”: 29510، والبيهقي في “الكبرى”: 16070.
^9 رواه عبدالرزاق في “المصنف”: 18082.
^10 رواه أحمد: 940، وأبو داود: 4398، والترمذي: 1423.
^11, ^17 رواه البخاري: 6903.
^12 رواه البخاري: 3166.
^13 رواه عبدالرزاق في “المصنف”: 27477، والدارقطني في “السنن”: 3252، والبيهقي في “الكبرى”: 15946.
^14 رواه البخاري: 5295، ومسلم: 1672.
^15 رواه أحمد: 346، والترمذي: 1401، وابن ماجه: 2661.
^18 رواه البخاري: 6848، ومسلم: 1708.
^19, ^20 رواه مسلم: 140.
^21 رواه البخاري: 4401، ومسلم: 1211.
zh