logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(93) كتاب الرضاع- من قوله: “يكره استرضاع الفاجرة والكافرة..”

(93) كتاب الرضاع- من قوله: “يكره استرضاع الفاجرة والكافرة..”

مشاهدة من الموقع

ننتقل بعد ذلك إلى درس الفقه، وكنا قد وصلنا إلى: (كتاب الرضاع).

كتاب الرضاع

قال المؤلف رحمه الله:

كتاب الرضاع

تعريف الرضاع

الرضاع معناه لغة: مصُّ اللبن من الثدي.

واصطلاحًا: “مصُّ مَن دون الحولين اللَّبَنَ مِن آدمية أو شربه”، وبعضهم يُقيِّد اللبن بقيد، يقول: ثاب عن حمل.

“ثاب عن حملٍ” هذا مسألة خلافية؛ الأحسن أن نطلق، نقول: “مصُّ مَن دون الحولين لبن آدمية أو شربه”.

والرضاع أشهر من أن يُعرَّف.

فالقاعدة في الرضاع: “يحرم من الرضاع ما يحرم من النَّسَب”؛ لقول النبي كما في حديث عائشة رضي الله عنها: يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة متفق عليه[1]. وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما -أيضًا- في الصحيحين: يحرم من الرضاع ما يحرم من النَّسَب[2].

والله يقول: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ [النساء:23]، فهي أيضًا تدل على أن الرضاع مؤثِّر في التحريم.

من يكره استرضاعها

نعود لعبارة المؤلف؛ قال:

يُكره استرضاع الفاجرة.

الفاجرة، إذا قيل “الفاجرة” أو “الفاجر”، فالفاجر هو الفاسق، “الفاجرة” معناها الفاسقة. والفاسق: هو من ارتكب كبيرة. والكبيرة: هي كُلُّ ما كان فيه حَدٌّ في الدنيا أو وعيد في الآخرة؛ من لعنة، أو غضب، أو نار، أو سخط، أو نَفْيِ إيمان. هذا معنى الفجور أو الفسق.

قال:

يكره استرضاع الفاجرة، والكافرة، وسيئة الخلق، والجذماء، والبرصاء.

وعللوا لذلك قالوا: لأن الرضاع له تأثير في الطباع، فالفاجرة وكذلك الكافرة، قد يكون لها تأثير، الفاجرة أو الكافرة ترتكب أمورًا محرمة، وسلوكيات خاطئة، فقد يكون لها تأثير على هذا الرضيع، وكذلك أيضًا سيئة الخلق والجذماء.

سيئة الخلق، جاء عند أبي داود في “المراسيل” والبيهقي: أن النبي نهى أن تُسترضع الحمقاء[3]، ولكن هذا الحديث ضعيف لا يصح عن النبي .

لكن عللوا لذلك -أيضًا- قالوا: إن الرضاع له تأثير في الطباع، فاسترضاع الحمقاء ربما يؤثر على هذا الطفل الرضيع، فيكون أحمق.

واسترضاع -أيضًا- سيئة الخلق قد يؤثر على هذا الرضيع فيكون سيئ الخلق، وكذلك أيضًا الجذماء -يعني: من بها جُذام- والبرصاء يقولون: ربما يؤثر هذا على الرضيع.

الحقيقة، أن هذه المسائل كلها كما ترون ليس عليها دليل ظاهر، والكراهة حكم شرعي يحتاج إلى دليل، ولا دليل يدل على هذا.

ولهذا؛ فالأقرب والله أعلم أنه لا يُكره، والقول بأن الرضاع له تأثير في الطباع، وأن من استرضع حمقاء خرج الولد أحمق لم يثبت هذا، هذا لم يثبت، وإنما هو من كلام بعض الناس، ولم يثبت ذلك، وتقرير حكم شرعي يحتاج إلى دليل، ولا دليل يدل على أن هذه الأمور تؤثر في طباع الإنسان، اللهم إلا أن يثبت ذلك، فقد يقال الأَوْلى: الأولى ألا يفعل هذا.

لكن المعروف أنه لم يثبت هذا، وأن الرضاع مجرد رضاع يرتضعه الطفل، حليب هذه المرأة لا علاقة له بمسألة أنه يكون سيئ الخُلُق أو يكون أحمق، هذه إنما تكون من أمه، يأخذ الطباع من أمه من النَّسَب.

ربما أن الأب إذا تزوج بامرأة حمقاء يخرج ابنها أحمق، يخرج ولده أحمق، ربما إذا تزوج بامرأة سيئة الخُلُق أيضًا تؤثر على ابنها، يأخذ الطباع من أمه من النَّسَب. ربما أن الأب إذا تزوج بامرأة حمقاء يخرج ابنها أحمق، وهذا أمر مُشاهَد وواقع.

فتجد بعض الناس يكون سريع الغضب، ويكون والده سريع الغضب، فتكون المسألة فيها وراثة، أو يكون الأب أحمق، ويكون الابن أحمق.

فهذه معروفة وواقعة بالنسبة للنَّسَب، أما بالنسبة للرضاع فلم يثبت هذا.

ولهذا؛ فالكراهة حكم شرعي يحتاج إلى دليل، ولا دليل يدل على ذلك. فالأقرب أن هذه الأمور كلها مباحة وجائزة.

مداخلة: …..

الشيخ: ما ثبت في هذا شيء، هذه المسائل -يا إخوان- عند التحقيق ما يثبت منها شيء.

التحريم بلبن المرضع غير المتزوجة

قال:

وإذا أرضعت المرأة طفلًا بلبنِ حملٍ لاحقٍ بالواطئ؛ صار ذلك الطفل ولدهما.

(إذا أرضعت المرأة طفلًا بلبن حمل) هل يُشترط للبن المحرِّم أن يكون هذا اللبن ثاب عن حمل أو لا يُشترط؟

يعني: لو أن امرأة مثلًا غير متزوجة، لكن صَدْرها خرج منه لبن وأرضعت طفلًا، أو مثلًا امرأة كبيرة في السن ثاب ثديها عن لبنٍ مِن غير حملٍ، أو حتى امرأة ليست كبيرة ولا صغيرة، لكنها ثاب ثديها عن لبنٍ، لكن ليس عن حمل، فهل هذا اللبن؟

أنا أذكر أن أحد الإخوة قال: إن جدَّتَه أخذت حفيدها وعطفت عليه، فثاب صدرها عن لبن فأرضعته. يعني هذا أمر واقع، خاصة مع العطف والحنان ونحو ذلك، ربما أن بعض النساء تَنزل قطراتٌ من اللبن من ثديها، هذا اللبن الذي تُرضعه هذا الطفل، هل يكون مُحرِّمًا أو لا يكون؟ هذه المسألة اختلف فيها الفقهاء على قولين:

  • القول الأول، هو القول الذي مشى عليه المؤلف: وهو أنه يُشترط للبن المحرِّم أن يكون ثاب عن حمل؛ وبناء عليه: إذا ثاب اللبن عن غير حمل فلا ينشر الحرمة. هذا هو المذهب عند الحنابلة.
    ووجهة هذا القول، قالوا: إن اللبن إذا ثاب عن غير حمل فهو ليس بلبن حقيقة، وإنما هو رطوبة متولِّدة؛ لأن اللبن هو ما أنشز العظم وأنبت اللحم، وهذا ليس كذلك. قالوا أيضًا: ثم إن اللبن الذي ثاب عن غير حملٍ نادرٌ، والنادر لا حكم له.
  • القول الثاني في المسألة: إنه لا يُشترط في اللبن المحرِّم أن يكون ثاب عن حمل. وهذا هو قول الجمهور ومذهب الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة قال عنها الموفق ابن قدامة: “إنها أظهر الروايتين”. لاحِظ هنا: ابن قدامة له نظر غير نظر المتأخرين، مثلًا صاحب “الإنصاف” قال: “إن الصحيح من المذهب هو القول الأول”، وهو الذي مشى عليه هنا المؤلف.

ابن قدامة قال: لا، إن أظهر الروايتين هي القول الثاني.

وجهة هذا القول -قول الجمهور- استدلوا بعموم الآية بعموم قول الله : وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ[النساء:23]. وهذه يصدق عليها أنها أم لهذا الرضيع؛ أرضعته. ولم تُقيِّد الآية هذا الرضاع بأن يكون ثاب عن حمل؛ ولأن ألبان النساء خُلقت لغذاء الأطفال، وهو وإن كان نادرًا إلا أن جنسه معتاد.

طيب، أيُّ القولين أرجح؟ نعم، الأقرب هو قول الجمهور، لا شك أن الأقرب والله أعلم هو قول الجمهور، ليس هناك ما يُخرِج هذا اللبن عن عموم النصوص، فهو لبن، يُسمى “لبنًا”، ويُغذَّى به الطفل.

والقول بأنه رطوبة هذا غير صحيح، ليس هذا رطوبة، هذا لبن ليس رطوبة ما دام أنه يُسمَّى “لبنًا” وتحصل به تغذيةٌ للطفل، فما الذي يُخرجه من عموم الأدلة؟

القول الراجح إذن: أنه لا يُشترط في اللبن المحرِّم أن يكون ثاب عن حمل.

يكون إذن الصحيح في هذه المسألة هو خلاف ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله، فإن المؤلف اشترط أن يكون لبنَ حملٍ، قال: (إذا أرضعت المرأة طفلًا بلبن حمل)، قال: (لاحق بالواطئ) يعني: نَسَبه، لاحِقٌ بالواطئ نَسَبُه.

مَن يثبت له النسب في الرضاع

صار ذلك الطفل ولدهما.

وهذا ظاهر، يعني يُصبح الطفل ولدًا للمرضعة وولدًا لصاحب اللبن، فيكون أباه من الرضاع.

قال:

وأولاده وإن سفلوا -أولادَ ولدِهما- وأولاد كلٍّ منهما من الآخر أو غيره؛ إخوته وأخواته، وقِسْ على ذلك.

أولاده من الرضاع يكونون أولادًا له من الرضاع، يعني: أولاد هذا الرضيع يكون هذا ولدًا له، يعني: ابن ابنه من الرضاع يعتبر، هذا معنى قوله: (وأولاده وإن سفلوا): ابن ابنه، وابن ابن ابنه من الرضاع، كل هؤلاء أولاد لهم، يعتبر هذا أباهم من الرضاع، وجدهم من الرضاع، وأبا جدهم من الرضاع، وهذه أمهم من الرضاع، وجدتهم من الرضاع، وهذا ابن ابنها من الرضاع.

فأولاده وإن سفلوا، وأولاد ولدهما كذلك، (أولاد ولدهما) أيضًا، (وأولاد كل منهما)؛ يعني: من المرضعة ومن الواطئ أيضًا، يعني: صاحب اللبن (من الآخر أو غيره)، يعني: سواء كان هذا هو الواطئ أو تزوجت المرضعة بغيره فصار لها منه أولاد، أو تزوج الواطئ بغيرها وصار له منها أولاد، فالذكور إخوته، وأخواته، وقِسْ على ذلك.

يعني: نستطيع أن نُلخِّص هذا الكلام كله بأن نقول: إن القاعدة في هذا هو قول النبي : يحرم من الرضاع ما يحرم من النَّسَب[4].

لكن الحكم متعلق بالمرتضع نفسه، والذي ينشر الحرمة هو ما كان متعلِّقًا بالبنوة فقط، يعني: بأبناء هذا المرتضع، يعني: بأولاده من بنين وبنات.

أما أقارب هذا المرتضع فليس لهذا الرضاع أثر عليهم، فمثلًا: هذا المرتضع، أبوه هل له علاقة بالمرضعة؟ ليس له علاقة، أخوه ليس له علاقة، أخواته ليس لهم علاقة.

فالحكم خاصٌّ إذن بالمرتضع، المرتضع هو الذي يؤثر هذا اللبن عليه وعلى أيضًا أولاده. هذا هو المقصود، وكذلك أيضًا على أبيه وأمه كما ذكرنا، هذا معنى قول المؤلف: (وأولاده وإن سفلوا، وأولاد كل منهما).

فالقاعدة إذن في هذا: أنه يحرُم من الرضاع ما يحرُم من النَّسب، وأن التأثير على المرتضع نفسه دون قرابته.

ما يترتب على الرضاع المحرم

قال:

وتحريم الرضاع.

يعني: في أمور، يعني: ما الذي يكون له أثر من هذا الرضاع؟ ما تأثير الرضاع في أيِّ شيء؟ ما هي الأحكام المتعلقة بالرضاع؟ أو ما هي الأحكام المترتبة على الرضاع؟ ما الذي يترتب على الرضاع من أحكام؟

يترتب على الرضاع أربعة أحكام:

الحكم الأول؛ قال:

وتحريم الرضاع في النكاح.

فيحرم عليه أن يتزوج بأمه من الرضاع، وأخته من الرضاع، وبنت أخيه من الرضاع.

فإذن؛ الأول تحريم النكاح، هذا الأثر الأول المترتب على الرضاع.

الأثر الثاني، قال:

وثبوت المحرَمِيَّة؛ كالنَّسَب.

أيضًا الرضاع يُؤثِّر في المحرمية، فأمه من الرضاع هو مَحرَم لها. أخته من الرضاع مَحرَم لها، عمته من الرضاع هو مَحرَم لها، وهكذا.

الحكم الثالث لم يذكره المؤلف، نضيفه:

الحكم الثالث من الأمور المترتبة على الرضاع: إباحة النظر، فمَن تحرم عليه من الرضاع يجوز أن ينظر إليها، أخته من الرضاع ينظر إليها، عمته، خالته من الرضاع، أمه من الرضاع، كل هؤلاء لا يحتجبن عنه، وينظر إليهن.

الحكم الرابع: الخلوة، يجوز أن يخلو بكل واحدة منهن، يخلو بأخته من الرضاع، بعمته، بخالته.

فإذن؛ يترتب على الرضاع المحرِّم هذه الأحكام الأربعة:

  • الأول: تحريم النكاح.
  • الثاني: ثبوت المحرمية؛ كالنَّسَب. يعني: يُصبح مَحرَمًا لهن، يعني مثلًا: عمته من الرضاع هو مَحرَم لها، يسافر بها، وتحج معه.
  • الثالث: إباحة النظر.
  • الرابع: الخلوة.

هذه الأمور الأربعة فقط هي المترتبة على الرضاع، الأمور الأربعة فقط، نعدها مرة أخرى: تحريم النكاح، ثبوت المحرمية، إباحة النظر، الخلوة.

طيب، ما عداها من الأحكام لا تترتب على الرضاع، ومن ذلك: الإرث.

وأيضًا، مَن يذكر لنا الصِّلة؟ هل تجب صِلة مَن تحرُم عليه من الرضاع؟

لا تَجب، يعني: أمه من الرضاع، إنسان أرضعته امرأة، ولم يزرها، ولم يصلها، هل يأثم؟ لا، لا يأثم، لكن المروءة تقتضي هذا.

أخته من الرضاع، إنسان له أخت من الرضاع، ومع ذلك لم يصلها يومًا من الأيام، كأنه لا يعرفها ولا تعرفه، نقول: لا يأثم، لا تجب صِلة من تحرم عليه من الرضاع.

النفقة؛ هل يجب عليه أن يُنفق على من تحرم عليه من الرضاع؟ ما يجب.

إذن؛ الذي يترتب هو هذه الأحكام الأربعة فقط، وأما ما عداها فهي غير مترتبة على الرضاع.

انتبهوا لهذه المسألة، هذه مسألة مهمة. نعدُّ هذه الأمور الأربعة مرة أخرى، من يعدُّها لنا؟ الأمور الأربعة المترتبة على الرضاع المحرِّم:

  • ثبوت المَحْرَميَّة.
  • الخلوة.
  • والنظر.
  • وتحريم النكاح.

هذه الأمور الأربعة فقط، ما عداها لا يترتب على الرضاع المحرِّم.

مداخلة: …..

الشيخ: ممكن تدخل، لكن إبرازها أوضح.

شروط الرضاع المحرم

قال:

بشرط أن يرتضع.

انتقل المؤلف بعد ذلك للكلام عن شروط الرضاع المحرم.

الشرط الأول قال:

أن يرتضع خمس رضعات.

هذا هو الشرط الأول: أن تكون الرضعات خمسًا فأكثر؛ وذلك لقول عائشة رضي الله عنها: أُنزل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرِّمن، فنُسخ إلى خمس رضعات معلومات يحرِّمن، وتُوفي رسول الله والأمر على ذلك. رواه مسلم[5].

وخالف في ذلك بعض الصحابة ، ولعلهم لم يبلغهم النسخ.

والقول الصحيح إذن هو القول الذي قرره المؤلف؛ أنه يُشترط أن تكون الرضعات خمس رضعات.

الشرط الثاني، قال:

في العامين.

يعني: في الحولين؛ لقول الله : وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233]؛ ولقول النبي : لا يُحرِّم الرضاع إلا ما فتَقَ الأمعاء، وكان قبل الفطام. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح[6].

قال:

فلو ارتضع بقية الخمس بعد العامين بلحظة؛ لم تثبت الحرمة.

هذا تفريع على هذا الشرط؛ إذن لا بد أن تكون خمس رضعات وفي الحولين.

حكم رضاع الكبير

ماذا عن رضاع الكبير؟ رضاع الكبير هذه مسألة مهمة، وقد أُثيرت في الوقت الحاضر، وحصل فيها كلام، وكُتب عنها في الصحف، فهل رضاع الكبير يُحرِّم أم لا؟

نحن اشترطنا أن يكون في الحولين؛ بناءً على كلام المؤلف رضاع الكبير لا يُحرِّم، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء على ثلاثة أقوال:

  • القول الأول، وهو قول الجمهور: إن رضاع الكبير لا يُحرِّم مطلقًا، وإنه يُشترط للرضاع أن يكون في الحولين.
    واستدلوا بالأدلة السابقة، ومنها حديث: لا يُحرِّم الرضاع إلا ما فتَقَ الأمعاء، وكان قبل الفطام[7]، وحديث أيضًا: لا يُحرِّم إلا ما أنشز العظم، وأنبت اللحم[8]، ونحو ذلك.
  • والقول الثاني في المسألة: إن الرضاع لا يُشترط له أن يكون في الحولين، وقالوا: رضاع الكبير ينشر الحرمة؛ واستدلوا بما جاء في “صحيح مسلم”: أن امرأة أبي حذيفة أتت للنبي -سهلة بنت حثمة- فقالت: يا رسول الله، إن سالمًا مولى أبي حذيفة في بيتنا، وقد بلغ مبلغ الرجال، يعني ويشق علينا الاحتجاب عنه؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أرضعيه تحرمي عليه. هذا الحديث رواه مسلم[9].

وهذا القول: إن الرضاع لا يُشترط له أن يكون في الحولين؛ ذهبت إليه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وكانت تأمر أختها وبنات أخيها أن يُرضعن مَن أحببن أن يدخل عليهن من الرجال.

  • والقول الثالث في المسألة: إن رضاع الكبير ينشر الحرمة إذا احتيج إليه، وأما إذا لم يُحتج إليه فلا ينشر الحرمة، ينشر الحرمة إذا احتيج إليه كأن يكون قد تربَّى في البيت، وكان في الاحتجاب عنه مشقة. وقد اختار هذا القول الإمام ابن تيمية رحمه الله، وعَزَاه لطائفة من السلف والخلف.

واستدل أصحاب هذا القول بقصة سالم مولى أبي حذيفة، وقالوا: إن قصة سالم تُحمل على الكبير الذي احتِيج إليه حاجة خاصة، ليس أيضًا حاجة عامة، حاجة خاصة، وهذه الحاجة الخاصة كأن يكون مثلًا قد تربى مع أهل البيت، ويشقُّ الاحتجاب عنه. وأما إذا لم يُحتج إليه حاجة خاصة، فإن رضاعه لا يُحرِّم لعموم الأدلة التي ذكرها الجمهور.

ولهذا؛ قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: حديث سالم أخذت به عائشة رضي الله عنها مع أنها روت عن النبي أنه قال: إنما الرضاعة من المجاعة[10]، لكنها رأت الفرق بين أن يُقصد به إرضاعه، أو يقصد به التغذية، فمتى كان المقصود الثاني -يعني: التغذية- لم يُحرِّم إلا ما كان قبل الفطام، وهذا إرضاع عامة الناس، وأما الأول وهو أن يكون المقصود منه الرضاع -مجرد الرضاع- وليس التغذية، فيجوز إذا احتيج إلى جعله ذا مَحرَم، وقد يجوز للحاجة ما لا يجوز لغيرها.

أيُّ الأقوال الثلاثة أقرب؟

الجمهور يقولون: إن قصة سالم مولى أبي حذيفة منسوخة؛ لأن سالمًا كان قد تبناه أبو حذيفة، ونُسخ التبنِّي، ولم يمكن أن يعود، فلا يمكن أن تكون حال إنسان مثل حال سالم مولى أبي حذيفة.

وأما القول الثاني فقول ضعيف، أنه لا يُشترط الحولان، هذا قول ضعيف، وإن كانت قد أخذت به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، لكنه اجتهاد منها رضي الله عنها.

على -أيضًا- أن هناك من العلماء من يقول: إن هذا ليس رأي عائشة رضي الله عنها، وإنما رأي عائشة رضي الله عنها القول الثالث.

القول الثالث قول قوي، والإمام ابن تيمية رحمه الله يقول: إنه ليس هناك في الشريعة أحكام خاصة بأشخاص، وإنما خاصة بأوصاف، فمن كانت حاله مثل حال سالم فلا فرق في دين الله بين سالم مولى أبي حذيفة وبين غيره من البشر.

مداخلة: …..

الشيخ: كذلك، حتى قصة ابن نِيَار، نعم حتى لو كانت حاله مثل حال أبي بُردة؛ له أن يُضحِّي. فهذه قاعدة مطَّردة عند ابن تيمية رحمة الله عليه.

وهذا القول -كما ترون- قول قوي، ويمكن أن يُفتى به خاصة عند الحاجة، لكن ينبغي أن تكون الفُتيا به خاصة لا عامة؛ لأن الفُتيا العامة تجعل العامة تُسيء في التطبيق، لا يُطبِّقون على الحالة في الحاجة الخاصة.

ولذلك؛ سمعتم أن بعض أهل العلم لمَّا أفتى به في وسيلة إعلامية فُتيا عامة أثار ضجة، فمثل هذا الأمر يُفتى به فتوى خاصة.

كان الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله يُفتي به، لكن فتوى خاصة، فتوى خاصة؛ مثل إنسان -مثلًا- يتيم تربَّى مع أسرة، فلما كبر شقَّ على النساء الاحتجاب عنه، يعني: اعتبروه واحدًا من البيت فشقَّ عليهم أن يحتجبوا عنه، ممكن أن تُرضعه إحدى نساء البيت مثلًا، فيكون مَحْرَمًا في هذه الحال، فيُفتى به فتوى خاصة.

أو يكون -مثلًا- مثل ما يفعله بعض الناس الذين يأخذون من الدُّور الاجتماعية، يأخذون أطفالًا من دُور اجتماعية ويُربونهم، مثلًا امرأة أخذت طفلًا عمره ثلاث أو أربع سنوات، وأرادت أن تُرضعه مثلًا، فيمكن أن يُفتى في هذا فتوى خاصة.

فقول الإمام ابن تيمية رحمة الله عليه لا شك أنه قول قوي، لكن لا ينبغي أن يُفتى به فتوى عامة، وإنما تكون الفتيا به خاصة؛ ولذلك هو قولٌ لأئمة ولمحققين، لكن الإشكال الذي أُثير في هذا: هو أنه أُفتِيَ به فتوى عامة، فحصل هذا الاستنكار.

وسمعتم تندُّر بعض الناس بهذا، وقيل ما قيل، وكُتب عن هذا ما كُتب؛ لأن العامة لا يحتملون مثل هذه الأمور، وربما لا يفهمونها بضوابطها وبقيودها التي ذكرها أهل العلم.

وهناك بعض الأمور التي يُفتى بها فتوى خاصة، الأصل في هذا قول النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ : لا تخبرهم فيتكلوا، بعض الناس يتَّكِلُ، ولذلك لما معاذ سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن حق الله على العباد، وحق العباد على الله، فأراد أن يُبشِّر الناس، فقال: لا تبشرهم فيتكلوا[11].

يعني: بعض الأمور لا ينبغي أن تُنشر للعامة، وإنما عند الحاجة يُفتى فيها فُتيا خاصة.

وكذلك مثلًا النُّشرة، النشرة عند الضرورة هي مذهبٌ عند الحنابلة، لكن أيضًا لا يُفتى فيها فتيا عامة عند مَن يراها، عند من يرى هذا القول، أرى أنه لا يجوز أن يُفتى فيه فتيا عامة؛ لأن الفتيا العامة بها تفتح باب الشعوذة والدجل والسحر، أيُّ ساحر وأيُّ مشعوذ يقول: أنا أتعاطى النشرة لكن عند الضرورة.

مَن يرى هذا القول يُفتي به فتيا خاصة بعد تقدير حال الضرورة وهكذا. وهذه من ثمرة التأصيل والمنهجية في طلب العلم، فإن الذي عنده تأصيل مُؤصَّل، وعنده منهجية جيدة في الطلب؛ تجد أنه يُراعي مثل هذه المسائل، يُراعي مثل هذه الأمور.

فإذن؛ قول ابن تيمية رحمة الله عليه لا شك أنه الأقوى من حيث الدليل، لكن يُفتى به فُتيا خاصة، لا فُتيا عامة.

مداخلة: ….

الشيخ: هذه مسألة أخرى، لا نوَدُّ أن ندخل فيها، ابن تيمية رحمة الله عليه قال: المقصود: أحدًا بعد حالك. يقول: لأن القواعد الشرعية تقتضي أنه ليس هناك تخصيص بالشخص، وإنما التخصيص بالوصف.

ضابط الرضعة الكاملة

قال:

ومتى امتص الثدي، ثم قطعه ولو قهرًا ثم امتص ثانيًا؛ فرضعة ثانية.

انتقل المؤلف للكلام عن الضابط، ما هو الضابط في معرفة الرضعة؟ في معرفة قدر الرضعة؟ نحن قلنا: “خمس رضعات”، طيب ما هو الضابط؟

المؤلف يقول: إذا (امتص الثدي ثم قطعه) يُعتبر هذا رضعة (ولو قهرًا)؛ يعني: رغمًا عنه، (ثم امتص ثانيًا فرضعة ثانية). وهذا هو القول الأول في المسألة.

والقول الثاني: إن المرجع في ذلك إلى العرف؛ لأن الشرع ورد بهذا مطلقًا من غير تحديد، فالمرجع في ذلك للعرف.

والعرف: أن الطفل إذا مصَّ الثدي ثم قطعه باختياره فتحسب رضعة، أما إذا قطعه قهرًا لا تُحسب رضعة. هذا هو الذي استقر عليه عرف الناس.

فإذن؛ الأقرب هو أن المرجع في ذلك إلى العرف، والعرف في هذه المسألة يظهر أنه منضبط، فمتى ما الْتقم الصبيُّ الثدي من المرأة يُعتبر هذه رضعة إلى أن يترك الثدي باختياره، فإن امتصَّ مرة ثانية فرضعة ثانية، إلى أن يترك الثدي باختياره.

أما قول المؤلف: (قهرًا)؛ الصواب أنه لا يُعتبر رضعة ثانية، وإنما إذا كان قهرًا فالثانية مكملة للأولى.

حكم السعوط والوجور واللبن المخلوط بالماء

قال:

والسَّعُوط في الأنف، والوَجُور في الفم، وأكلُ ما جُبِّنَ، أو خُلِطَ بالماء وصفاتُه باقية، كالرضاع في الحرمة.

“السَّعُوط”، ما معنى السَّعُوط والوَجُور؟

السَّعُوط معناه: أن يُصبَّ اللبنُ في أنفه، أي: في أنف الطفل من إناء أو غيره، فيدخل إلى حلقه.

والوَجُور: أن يُقطَّر اللبن في فم الرضيع من غير الثدي، ومن ذلك ما يُسمى في الوقت الحاضر بـ”الرَّضاعة”، أو الزجاجة التي يكون فيها اللبن، هذه إذا وُضعت في فمه يُعتبر هذا وَجُورًا.

فلا يُشترط أن الطفل يلتقم الثدي، يمكن أن المرأة تحلب له في إناء ثم يُقطَّر في فمه، وهذا يُسمى “وَجورًا”، وحتى لو قُطِّر في أنفه يُسمى “سَعُوطًا”، فهذا يعتبر أيضًا من الرضاع المحرِّم.

وقوله: (وأكل ما جُبِّن، أو خُلط بالماء وصفاتُه باقية)؛ يعني: حتى لو أن هذا اللبن جُبِّن، يعني: صُنع منه جُبْنٌ، أو: خُلط بالماء لكن لا زال يُسمى لبنًا، فهو أيضًا ينشر الحرمة؛ لأن الطفل يستفيد منه في التغذية، وقد قال عليه الصلاة والسلام: إنما الرضاع ما أنشز العظم وأنبت اللحم[12]، وهذا يصدُق عليه أنه يُنشز العظم ويُنبت اللحم.

الشك في الرضاع

قال:

وإن شَكَّ في الرضاع أو عدد الرضعات؛ بنى على اليقين.

إذا شكَّ في الرضاع؛ يعني: هل حصل هذا الرضاع أو لم يحصل، أو في عدد الرضعات، هل هي خمس أو أقل من خمس؟ فيقول المؤلف: (بنى على اليقين)، بنى على اليقين وهو عدم الرضاع؛ يعني: لا تحريم، وهو عدم التحريم.

إذا قالت امرأة: أنا أشك: هل أرضعت هذا الطفل أم لا؟ نقول: الأصل أنها لم تُرضعه، وهذا هو اليقين. إذا قالت: أشك هل أرضعته أربعًا أو خمسًا، فاليقين ما هو؟ أربع، هذا عند عدم وجود البيِّنة، أما إذا وُجدت البيِّنة فيُعمل بها.

وإنما قال الفقهاء: إنه يُبنى على اليقين في هذا؛ لأن الأصل عدم الرضاع المحرِّم.

انتبِهوا لهذه المسألة، كثيرًا ما تَرِد: تأتي امرأة تقول: أنا والله نسيت، لكن أشك أني أرضعت فلانًا، أو أتذكر أني أرضعته، لكن ما أدري هل هي أربع؟ هل هي ثنتان؟ هل هي خمس؟ فنقول: إذا لم تتيقَّن أنها خمس فأكثر، فالأصل أن هذا الرضاع غير محرِّم؛ لأن هذا هو اليقين.

حكم من حرمت عليه بنتُ امرأة أو رجل

وإن شهدت به مَرْضِيَّةٌ؛ ثبت التحريم.

يعني (إن شهدت) بهذا الرضاع امرأةٌ (مرضية)، معنى “مرضية”: ثقة، (ثبت التحريم) به، يعني: ثبت حكم الرضاع.

ويدل لهذا ما جاء في الصحيحين عن عقبة بن الحارث، قال: تزوجتُ أمَّ يحيى بنت أبي إهاب، فجاءتْ أَمَةٌ سوداء فقالت: قد أرضعتُكما. فأتينا النبيَّ فذكرتُ ذلك له، فقال عليه الصلاة والسلام: خَلِّ سبيلها. قلت: يا رسول الله، إنها كاذبة. قال: كيف وقد زعمتْ ذلك؟. وفي لفظ: كيف وقد قيل؟[13]. يظهر أن هذه المرأة أنها امرأة ثقة، لولا أنها ثقة لَمَا اعتبر النبيُّ عليه الصلاة والسلام بقولها.

ولذلك؛ يكفي أن تخبر امرأةٌ مَرْضية -يعني: امرأة ثقة- بأنها قد أرضعت، إذا شهدت امرأة ثقة بأنها أرضعت خمس رضعات، فيثبت به حكم الرضاع.

قال:

ومَن حرمت عليه بنتُ امرأةٍ، كأُمِّه، وجدته، وأخته، إذا أرضعت طفلةً حرَّمَتْها عليه أبدًا.

هذا يصلح أن يكون ضابطًا: (من حرمت عليه بنت امرأة كأُمِّه).

بنت أمك ما علاقتها بك؟ أختك. (وجَدَّتِه)، بنتُ جدَّتِكَ: إما أمٌّ أو خالة. (وأختِه)، بنت أختك هي بنت الأخت، فأنت مَحْرَمٌ لها، إذا أرضعتْ طفلةً حرَّمَتْها عليه أبدًا؛ وذلك لأنها تكون ابنتَها من الرضاع، إذا أرضعتْ هي طفلةً تكون ابنتها من الرضاع.

فإذا كانت المرضعةُ هي أمه فالمرتضعة تكون أيَّ شيءٍ؟ أخته. وإذا كانت المرضعة جدته، تكون ابنتها المرتضعة: عمته، أو خالته؛ إما عمته، أو خالته. وإن كانت المرضعة أخته، فتكون المرتضعة ابنة أخته.

وأيضًا، يدخل في هذا؛ قال:

ومَن حرمت عليه بنت رجل، كأبيه، وجده، وأخيه، وابنه.

بنت أبيك ما علاقتها بك؟ أختك. بنت جدك؟ عمتك وخالتك. بنت أخيك، بنت ابنك.

قال:

إذا أرضعتْ زوجتُه.

يعني: زوجة الأب، أو زوجة الجد، أو زوجة الأخ، أو زوجة الابن.

 إذا أرضعتْ زوجتُه بلَبَنِه طفلةً؛ حرَّمتها عليه.

لأنه حينئذٍ يكون مُحرَّمًا عليها بالرضاع. هذا فقط ذكره المؤلف كضوابط لتقريب المسألة، لكنها ترجع إلى القاعدة العظيمة الواردة في قول النبي : يحرُم من الرضاع ما يحرم من النَّسَب[14].

هذه أبرز المسائل والأحكام المتعلقة بالرضاع.

نود أن نأخذ أيضًا جزءًا من النفقات حتى الدرس القادم، الجزء الثاني من النفقات، نفقات الأقارب والمماليك مع الحضانة؛ لأننا -إن شاء الله- نريد أن نُنهي “دليل الطالب” إن شاء الله تعالى، الفصل الثاني ننهي “دليل الطالب” كاملًا بإذن الله تعالى.

كتاب النفقات

قال المؤلف رحمه الله:

كتاب النفقات.

تعريف النفقات وحكمها

النفقات: جمع نفقة، وهي: “كفايةُ مَن يَمُونه ما يحتاج إليه”، وبعضهم يقول: “كفاية مَن يَمُونه بالمعروف”. وهذا مما يختلف باختلاف الأحوال.

ما حكم هذه النفقة؟ قال:

يجب على الزوج.

هي واجبة على الزوج، أفادنا المؤلف بأن النفقة واجبة على الزوج؛ لقول الله : لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ [الطلاق:7]؛ ولقوله: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]. ولقول النبي : ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف[15]، فإذن؛ النفقة واجبة على الزوج بالإجماع.

مر معنا ما هو المأخذ الفقهي في وجوب النفقة؟ ما هو السبب في وجوب نفقة الزوجة على الزوج؟ ما هو؟

مداخلة: …..

الشيخ: طيب، لو كانت مثلًا عند أهلها ولم تُسلَّم له؟

مداخلة: …..

الشيخ: أحسنتَ. إمكان الاستمتاع بها، ما دام أنه يمكنه الاستمتاع بها فيجب عليه أن يُنفق عليها.

ولهذا؛ إذا كانت ناشزًا يسقط حقُّها في النفقة، أو لم تُسلَّم له -مرت معنا هذه المسألة- إذا كانت عند أهلها ولم تُسلَّم له؛ لم تجب عليه النفقة. مثلًا؛ إنسان عَقَد على امرأة لكن ما دخل بها؛ فلا تجب عليه نفقتها.

إذن؛ يجب على الزوج النفقة، وهذا قلنا: بالإجماع.

ما يجب على الزوج من النفقة

ما لا غِنًى لزوجته عنه.

ثم فسَّره المؤلف بقوله:

مِن مأكلٍ ومشرب وملبس ومسكن.

هذه الأمور هي التي تحتاج لها الزوجة: المأكل، والمشرب يعني: الطعام، والملبس يعني: الكسوة، والمسكن.

وقال:

بالمعروف.

يعني: يُعتبر فيه أو يُراعى فيه حال الزوج والزوجة.

قال:

ويَعتبر الحاكم ذلك إن تنازعا بحالهما.

(بحالهما) يعني: من جهة اليسار أو الإعسار، فإن كان الزوج والزوجة كلاهما موسرًا، فتكون النفقة نفقة موسر، وإن كان الزوج والزوجة معسرين، فينفق عليها نفقة معسر، إن كانا متوسطين فنفقة متوسط.

لكن إذا كان الزوج معسرًا والزوجة موسرة أو العكس الزوجة موسرة والزوج معسر، فهل العبرة بحال الزوج أو بحال الزوجة؟ هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

القول الأول: إنه عند اختلاف حال الزوجين في اليسار والعسر، فيجب على الزوج أن يُنفق نفقة متوسط، ما بين الغنى والفقر؛ لقول النبي لامرأة أبي سفيان رضي الله عنهما: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف[16].

ووجه الدلالة: أن إيجاب نفقة موسر على معسر أو نفقة معسر على موسر ليس من المعروف، فيقولون: إذن يُنفق نفقة متوسط. وهذا هو المذهب عند الحنابلة.

القول الثاني: إن المعتبر حال الزوجة، إن كانت الزوجة موسرة فتكون نفقة موسر، معسرة نفقة معسر، بغض النظر عن حال الزوج. وهذا هو مذهب الحنفية.

القول الأول، قلنا: إنه مذهب الحنابلة، وهو أيضًا مذهب المالكية.

والقول الثاني: إن المعتبر حال الزوجة، وهو مذهب الحنفية؛ واستدلوا بالحديث نفسه أيضًا؛ حديث امرأة أبي سفيان رضي الله عنهما: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف[17]، فقالوا: قوله: خذي ما يكيفك دلَّ هذا على أن المعتبر حال الزوجة.

القول الثالث: إن المعتبر هو حال الزوج، وهذا هو مذهب الشافعية ورواية عند الحنابلة؛ لقول الله تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق:7]، فقالوا: إنَّ ظاهر الآية الكريمة أن المعتبر هو حال الزوج؛ لأنَّ الله قال: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ يعني: إذا كان غنيًّا فينفق نفقة غني، وإذا كان فقيرًا: وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق:7]، فبحسب حاله، ثم أكد ذلك جل وعلا بقوله: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا.

فأيُّ الأقوال الثلاثة أقرب؟

إذن؛ نعيد الأقوال مرة أخرى:

  • القول الأول، قول الحنابلة والمالكية: إن المعتبر نفقة متوسط.
  • القول الثاني، مذهب الحنفية: إن المعتبر هو حال الزوجة.
  • القول الثالث مذهب الشافعية: إن المعتبر هو حال الزوج.

وسمعتم أدلة كل قول؛ القول الأول والثاني يستدلون بقصة امرأة أبي سفيان، أما القول الثالث فيستدلون بظاهر الآية، فأيُّ الأقوال الثلاثة أقرب؟

مداخلة: …..

الشيخ: لماذا؟

مداخلة: …..

الشيخ: هذا هو الأقرب، القول الراجح والله أعلم: هو القول الثالث، ودلالة الآية ظاهرة في الحقيقة، الآية كالنص في المسألة، فالقول الصحيح هو القول الثالث، فإن الآية الكريمة قد دلَّت على ذلك، يعني: هي كالصريح في هذا: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ [الطلاق:7]، يعني: إذا كان موسرًا يُنفق نفقة موسر، وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق:7] يعني: نفقة معسر، لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7].

فالقول الثالث هو القول الصحيح في هذه المسألة؛ لظاهر دلالة الآية الكريمة.

وأما ما استدل أصحاب القول الثاني من حديث امرأة أبي سفيان، فيجاب عنه؛ يقال: إن الأمر بالأخذ فيه ليس مطلقًا، إنما مقيد بالمعروف: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف[18]، ومن المعروف: مراعاة حال الزوج مِن يُسره أو عُسره، فليس من المعروف أن الزوج إذا كان فقيرًا والزوجة موسرة أن نُطالب الزوج بنفقة موسر، وهكذا العكس: إذا كانت المرأة فقيرة والزوج مِن أثرى الأثرياء لا نطالبه إلا بنفقة معسر، ليس هذا من المعروف. فنقول: إن الحديث على العين والرأس، لكن الحديث مقيد وليس مطلقًا، هو مقيد بالمعروف: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف.

فإذن؛ الصواب في هذه المسألة: هو القول الثالث، وهو مذهب الشافعية، وهو أيضًا القول الذي رجحه الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله، وهو ظاهر الدلالة في هذه المسألة.

مداخلة: …..

الشيخ: هم قالوا: “العِبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب” يعني: يُجيبون عن هذا، وهذا واردٌ، لكن هم يُجيبون بعموم اللفظ، العبرة بعموم اللفظ.

مداخلة: …..

الشيخ: مات وهو الزوج.

مداخلة: …..

الشيخ: إذن؛ هذا مردُّه لقول الشافعية؛ لأنهم يقولون: ننظر حال الزوج: إذا كان موسرًا تجب عليه نفقة موسر، وإذا كان معسرًا تجب عليه نفقة المعسر. فينظرون لحال الزوج، وهذا هو ظاهر الآية الكريمة.

ثم قال المؤلف رحمه الله:

وعليه.

يعني: على الزوج.

مؤنة نظافتها؛ مِن دُهن وسِدر، وثَمَنِ ماء الشُّرب، والطهارة من الحدث والخبث، وغَسْلِ الثياب.

يعني: ما تحتاج إليه أيضًا، قالوا: إن عليه الطعام والشراب والكسوة والمسكن، وعليه أيضًا مع ذلك مؤونة النظافة، مثل -في وقتنا الحاضر- الشامبو والصابون ونحو ذلك. المؤلِّفُ مثَّل بالدُّهن والسِّدر. هذا مثال لِمَا هو موجودٌ في زمنه، لكن في وقتنا الحاضر المنظفات الحديثة الشامبو والصابون وتوابع ذلك من المنظفات، يجب على الزوج أن يُوفِّرها للزوجة.

(وثمن ماء الشرب) هذا داخلٌ أيضًا في هذا، يعني: داخل أصلًا فيما سبق من مأكل ومشرب.

وأيضًا الطهارة من الحدث والخبث، أي: يُوفِّر لها الماء الذي تتوضأ به، وتغتسل به، وما تغسل به ثيابها؛ لأن هذا كله داخل في حوائجها المعتادة، وهذا ظاهر.

قال:

وعليه لها خادم إن كانت ممن يُخدَم مثلها.

يعني: يجب على الزوج أن يُوفِّر خادمًا لزوجته، وهذا بشرط أن تكون زوجته ممن يُخدَم مثلها، يعني: أن تكون مثلًا من أسرة يُخدَم مثلها فيها وعندهم خدم؛ وذلك لأن هذا داخل في المعروف، والله تعالى يقول: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، فإذا كانت يُخدَم مثلها، يكون إحضار الخادم لها من المعاشرة بالمعروف.

في وقتنا الحاضر هنا، المجتمع في المملكة، الغالب هل المرأة يُخدَم مثلها أو لا يُخدَم مثلها؟ يُخدَم مثلها، قبل ثلاثين عامًا كانت المرأة لا يُخدَم مثلها، يعني: ما أتانا الخدم إلا قبل عشرين عامًا، قبل عشرين عامًا أو أقل أتوا، لكن كان الناس في السابق، قبل ثلاثين عامًا، ما كان عندهم الخدم الموجودون الآن، في السابق لا يلزمه إحضار خادم؛ لأنها لا يُخدم مثلها، لكن في الوقت الحاضر أصبح معظم الناس يكون عندهم خدم، فإذا كانت المرأة يُخدَم مثلها، يجب على الزوج أن يُحضِر لها خادمًا؛ لأن هذا داخل في المعاشرة بالمعروف.

قال:

وتلزمه مُؤنِسةٌ لحاجة.

يعني: إذا -مثلًا- كان أسكن هذه الزوجة في مكانٍ مُوحِشٍ، وهو يغيب عنها بالساعات الطوال، عنده عمل مثلًا، والمكان هذا تخشى المرأة على نفسها، فيلزمه أن يُحضر مَن يُؤنسها إذا كانت تخشى على نفسها، أو تخشى مثلًا من الاعتداء ونحو ذلك، قالوا: لأنه ليس من المعاشرة بالمعروف إقامتها في مكان لا تأمن فيه على نفسها، فيلزمه أن يُحضر لها من يُؤنسها، وإذا أحضر لها خادمًا يكفي؛ لأنها ستأنس بهذه الخادم، ويكفي هذا. لكن، لو افترضنا أنه لا يُخدَم مثلها، وكانت في مكان موحش، فيلزمه أن يُحضر من يُؤنسها.

حكم علاج الزوجة

بقي عندنا مسألة مهمة: وهي نفقة العلاج: هل يجب على الزوج نفقة علاج زوجته، أو لا يجب؟ انتبهوا لهذه المسألة يا إخوان.

أولًا: العلاج هل هو واجب؟ هل يجب على الإنسان أن يتداوى؟

مداخلة: …..

الشيخ: لا يجب، وحُكِي الإجماع على أنه لا يجب التداوي، التداوي جائز وليس واجبًا.

وانتبِهوا لهذه المسألة؛ فلها أثرٌ في الحكم، التداوي جائز وليس واجبًا، والنبي عليه الصلاة والسلام لما كان في مرض موته لم يتداوَ، واجتهد بعض أهل البيت وأرادوا أن يُعطوا النبي دواءً، لكنه عليه الصلاة والسلام رفض، أشار إليهم أنْ لا. فقالوا: كراهيةُ المريض للدواء. فأجبروا النبيَّ عليه الصلاة والسلام ووضعوا فيه اللَّدُودَ[19]، يعني: في فمه، يعني: أعطوه الدواء رغمًا عنه من باب الاجتهاد؛ لأنهم قالوا: ربما أنه ما يُريد الدواءَ كراهية المريض للدواء.

فكان عليه الصلاة والسلام يُصيبه غشيةٌ مِن شدة المرض والحُمَّى، فلما أفاق أمر بأن يُقتَصَّ من جميع أهل البيت إلا العباس ، فإنه لم يحضر، القصة في “صحيح البخاري”[20]؛ لأنه أراد عليه الصلاة والسلام بهذا أن يُقدم لهم درسًا تربويًّا، هو قال: لا أريد الدواء، لا أريد. لماذا يغصبونه على الدواء؟ فاقتص منهم جميعًا، ووَضَع اللَّدُودَ فيهم من باب القصاص.

فهذا يدل على أنه لا يُجبر الإنسان على الدواء، لكن يُقنَع، أما الجبر فإنه لا يُجبر.

أنا أذكر أن رجلًا يقول: إن أحد الناس احتبس البول عنده، واحتاج إلى قسطرة، وهو رافض أن يذهب إلى المستشفى، فقلت: حاوِلوا أن تُقنعوه، بالإقناع؛ لأنه لا يجب عليه التداوي، ما دام أنه عاقل، إنسان عاقلٌ حُرٌّ رشيد، يعني: عقله معه، كامِلُ قواه العقلية معه، فهو حُرٌّ، اللهم إلا -مثلًا- إن كان عقله ليس معه، فيمكن أن يُجتهد في علاجه بما يُرى فيه المصلحة.

أنا قدَّمت بهذه المقدمة؛ لأنَّ لها أثرًا في بحث المسألة.

أقول: اختلف العلماء في إلزام الزوج بعلاج الزوجة على ثلاثة أقوال:

  • القول الأول: إنه لا يجب على الزوج نفقة علاج زوجته، وهذا هو قول الجمهور، وعليه المذاهب الأربعة كلها، هو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، يقولون: لا يجب على الزوج نفقة علاج زوجته.
    وقالوا: ذلك لأن الله تعالى إنما ألزم بالنفقة المستمرة، كما في قوله سبحانه: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ [الطلاق:7]، ونفقة العلاج من الأمور العارضة.
  • والقول الثاني: إن نفقة علاج الزوجة تجب مطلقًا، وهذا قال به بعض فقهاء المالكية، وقال به كثير من المعاصرين، كثير من المعاصرين في صفِّ المرأة، فقالوا بهذا القول. بينما السابقون قالوا بعدم الوجوب، أكثرهم قال بعدم الوجوب.
    واستدلوا بقول الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [الطلاق:7]، قالوا: وليس من المعروف أن يرى الزوج زوجته تتألم من شدة المرض، ولا يقوم بدفع نفقة علاجها.
  • القول الثالث: هذا القول رأيت أنه ذكره الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله، وهو قول بالتفصيل: وهو تجب نفقة علاج الزوجة، إلا إذا كان لها كلفة كبيرة فلا تجب، قالوا: لأنه إذا لم يكن له كلفة فهو يدخل في باب المعاشرة بالمعروف، فيُلزَم به، أما إذا كان له كلفة كبيرة فلا يُلزَم به.

يعني مثلًا: لو احتاجت إلى زراعة كبد مكلفة، تحتاج مثلًا ربما خمسمائة ألف أو مليونًا مثلًا، هل نقول: يجب على الزوج هذا؟! احتاجت زراعة كُلْيَة مثلًا؟!

حتى لو كان ميسورًا، إذا كان لها كلفة كبيرة؛ فهل يجب؟ أصحاب هذا القول يقولون: لا يجب إذا كان لها كلفة، لكن لو مثلًا احتاجت إلى “بنادول”، هي تتألم أمامه، واحتاجت إلى حبوب الـ”بنادول” مثلًا، احتاجت لعلاجٍ ثمنه زهيد، خمسة ريالات، عشرة ريالات، فلا شك ليس من المعاشرة بالمعروف أنه يقول: أنا ما يجب عليَّ، اطلبي من أهلك أن يشتروا لك العلاج. هذه وجهة أصحاب هذا القول.

طبعًا المسألة -كما ترون- ليس فيها نصٌّ صريح، كلها استدلال بعمومات وتعليلات. فأيُّ الأقوال الثلاثة أقرب؟

مداخلة: …..

الشيخ: القول الثاني مثلًا، معنى ذلك: لو احتاجت لعلاج له كلفة كبيرة يجب، إذا قلنا: يجب؛ يأثم إذا لم يقم بهذا.

مداخلة: …..

الشيخ: لا يجب، لا شك، الاستحباب ليس فيه إشكال، عند الجميع أنه يُستحب، كلامنا هل يجب؟ هل يأثم؟ لو رَفَعت امرأة للقاضي مثلًا، فلا تَقِسْ على حالات الناس اليوم، حالاتُ الناسِ اليومَ كثيرُ ميسورةٍ، لكن في الزمن السابق كان هناك فقر، لو رفعت المرأة أمرها للقاضي هل يُلزِم القاضي الزوجَ بنفقة العلاج؟

أحيانًا أيضًا يكون -يا إخوان- المرض مستمرًّا، المرأة تحتاج إلى أدوية السكر مثلًا، مرض نفسي مثلًا، وهذه تحتاج لها كلفة، فيقول: أنا ليس عندي استعدادٌ كلَّ شهر أن أقتطع من راتبي ربع الراتب لأجل نفقة علاج الزوجة مثلًا، فأيُّ الأقوال الثلاثة أقرب للأصول والقواعد الشرعية؟

مداخلة: …..

الشيخ: القول الأول.

مداخلة: …..

الشيخ: القول الأول لا شك أنه قولٌ قويٌّ، والخلاف في هذه المسألة قوي، لكن يظهر والله أعلم أن القول الثالث أقرب، وكما ذكرنا: ليس من المعروف أن الإنسان يُعاشر امرأة ويرى امرأته تتألَّم أمامه وهو قادرٌ على أن يدفع نفقة العلاج، ويقول: ما أدفع، هذا ليس من المعروف.

لكن، إذا كانت أيضًا نفقة العلاج تُجحف بماله، فالقول بأنه يأثم إذا لم يُنفق ويجب عليه فأيضًا هذا يحتاج إلى دليل، ربما يقال: النفقة على أهلها في هذه الحال، نفقة علاجها على أهلها، إذا كانت النفقة كبيرة وتُجحف بماله، كونه يتبرَّع هذا ليس محل البحث، هذا مستحب وهو مأجور، كلامنا أن نُلزمه شرعًا ونُؤثِّمه إذا لم يفعل ذلك.

فالذي يظهر والله أعلم: أن القول الثالث أقرب، نقول: الأصل أنه تجب، إلا إذا كان له كلفة كبيرة فلا تجب، هذا الأقرب للأصول والقواعد الشرعية.

والخلاف أيضًا في هذه المسألة خلافٌ قويٌّ، الأقوال الثلاثة كلها لها قوة، ولها وجهة قوية.

مداخلة: …..

الشيخ: أنا رأيت الشيخ ابن عثيمين هو الذي قال به، لكن لم أرَ له سابقًا، لكن نعرف نهج الشيخ أنه لا يقول بقولٍ إلا إذا سُبِق إليه.

مداخلة: …..

الشيخ: يقول: نفقة الولادة هل تدخل في هذا أو لا تدخل؟

مداخلة: …..

الشيخ: أصلًا هل الولادة تحتاج إلى علاج؟ كان النساء قديمًا إلى وقتٍ ليس ببعيدٍ يَلِدْنَ في البيوت، ما يذهبن إلى المستشفيات، ما أتى الذهاب إلى المستشفيات إلا حديثًا، فكان النساء إلى وقتٍ ليس ببعيد أصلًا ما تحتاج، لكن الآن مع تغيُّر الأوضاع هذا يحتاج إلى نظر جديد، الآن مع وجود المستشفيات، وربما تحتاج إلى عملية قيصرية، وهل نقول: إن الزوجَ مُجبَر؟ فهذه المسألة تحتاج مزيد تأمل ونظر، هي تعتبر من النوازل حقيقة، تحتاج إلى مزيد تأمل ونظر، نتأمل فيها إن شاء الله تعالى أكثر وننظر هل تدخل في هذا أو لا تدخل؟

مداخلة: …..

الشيخ: قد يقال بهذا، قد يقال: إذا تيسر مثلًا مستشفى حكومي فلا يلزم، وإذا لم يتيسر فيلزمه، على كلِّ حالٍ المسألة تحتاج إلى مزيد تأمل، أتأمل فيها أكثر، وأتكلم عنها -إن شاء الله- في درس قادم.

وقت دفع نفقة الزوجة وكسوتها

قال:

فصل
والواجب عليه دفع الطعام في أول كل يوم.

انتقل المؤلف بعد ذلك للكلام عن تفاصيل دفع النفقة، يقول: “إنه يجب على الزوج دفع الطعام”، هذا أكثر ما يُحتاج إليه في نفقةِ -مثلًا- المطلقة الرَّجعية، أو المطلقة البائن إذا كانت حاملًا، أما إذا كانت في البيت فلا يحصل غالبًا النزاع في هذا.

لكن، هنا قواعد في دفع النفقة، أو ضوابط في دفع النفقة، يقول: (والواجب عليه دفع الطعام في أول كل يوم)، ما هو أول اليوم؟ هو شرعًا: طلوع الفجر. لكن، مقصود الفقهاء هنا طلوع الشمس، مقصودهم بهذا طلوع الشمس.

فيقول: إنه يجب أن يأتي بالنفقة كلها؛ يعني: الإفطار والغداء والعشاء مع طلوع الشمس. وهذا القول محل نظر، الصواب: أن المرجع في ذلك إلى العرف؛ لقول الله : رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233]، المرجع في ذلك للعرف، يعني: هذا التحديد ليس عليه دليل.

قال:

ويجوز دفعُ عِوَضِه إن تراضيا.

(يجوز دفع عوضه) ما هو عوض الطعام؟ نعم، الدراهم، يعني: الأصل هو دفع الطعام، لكن التراضي على دفع القيمة يجوز ذلك.

وابن القيم رحمه الله يقول: “إن فرض الدراهم لا أصل له، لا في الكتاب، ولا في السنة”. ولذلك؛ فلا تُفرض دراهم، وإنما يُفرض طعام.

والذي يظهر أيضًا: أن المرجع في ذلك إلى العرف. يعني: في وقتنا الحاضر، الناس يُفضِّلون دفع الطعام أو دفع الدراهم؟ دفع الدراهم لا شك، اللهم إلا أن تكون امرأة مثلًا لا تجد من يشتري لها، تكون المحلات بعيدة عنها، فهنا نرجع للأصل، الأصل هو دفع الطعام.

قال:

ولا يملك الحاكم أن يفرض عوض القوت دراهم إلا بتراضيهما.

يعني: نحن أيضًا نؤصِّل المسألة، الأصل: دَفْع الطعام، فالحاكم أيضًا لا يدفع القيمة إلا بالتراضي، لكن لو قالت هذه المرأة: أنا والله ليس عندي مَن يشتري لي طعامًا. فنقول: إذن؛ الزوج يجب عليه أن يشتري لها الطعام.

قال:

وفَرْضُه ليس بلازمٍ.

يعني: لأنه فرضٌ عن غير واجب، فالأصل هو الطعام، وأما الدراهم فلا تكون إلا بتراضيهما، ولا يجب على الحاكم أن يفرض الدراهم، هذا بناءً على تقرير المؤلف.

والقول الصحيح: أن المرجع في هذا كله إلى العرف.

أما الكسوة، قال المؤلف:

ويجب لها الكسوة في أول كل عام.

أيضًا الكسوة، يعني: ما تحتاج إليه من الملابس، يقولون: يجب لها في أول العام، يعني: أول السنة، أول السنة يجب أن يُعطيها ما تحتاج إليه من الكسوة عن الشتاء والصيف والربيع والخريف، يجمع الكسوة كلها في أول السنة.

والصحيح كما قلنا قبل قليل في الطعام: أن المرجع في ذلك إلى العرف، الصواب: أن المرجع في ذلك إلى العرف، وأنه لا تُحَدُّ بهذا التحديد الذي قرَّره المؤلف.

قال:

وتَمْلكها.

يعني: النفقة والكسوة.

بالقبض.

إذا قبضَتْها ملَكَتها، ويترتب على ذلك:

فلا بدل لما سُرق أو بَلِيَ.

لأنها قبضت حقها منه، فلم يلزمه غيره.

وإن انقضى العام والكسوة باقية فعليه كسوةٌ للعام الجديد.

إذا انقضى العام والكسوة باقية، فيقولون: عليه كسوةٌ للعام الجديد. ولا يقولون “عندكم كسوة” ويقولون: اعتبارًا بمُضيِّ الزمن دون حقيقة الحاجة. وهذا هو القول الذي قرره المؤلف.

والصواب في هذه المسألة: أن الكسوة تجب بقدر الحاجة، هذه التحديدات ليس عليها دليل، فالمرجع في ذلك للعرف والحاجة.

قال:

وإن مات أو ماتت قبل انقضائه.

يعني: انقضاء العام.

رجع عليها بقسطِ ما بقي.

أعطاها كسوةَ عام، ثم بعد شهرٍ ماتت، أو مات هو، فيقول: يرجع الزوج بما بقي، أو ورثتُه يَرجعون على الزوجة بما بقي، والذي تبيَّن عدمُ استحقاقه.

والصواب: أن الزوج لا يرجع في ذلك؛ لأنه يقع ما استحق دفعه، فليس له الرجوع في هذه الحال.

الصواب إذن: أنه ليس له الرجوع في هذه الحال؛ لأن هذا شيء مستحقٌّ عليه، وقد دفعه، وقبضته الزوجة، فليس له الرجوع فيه. وهذا قولٌ عند الحنابلة أيضًا قدَّمه الموفق وغيره.

قال:

وإن أكلت معه عادة، أو كساها بلا إذن، سقطت.

عملًا بالعرف، يعني: إذا كانت معه في البيت، وتأكل معه، أو كساها حتى ولو بلا إذنها، لا يُشترط في هذا الإذنُ، يكفي ذلك.

وكما ذكرنا: المرجع في هذا كله للعرف، ولا حاجة لهذه التقييدات، ولا لهذه التحديدات: ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف[21]؛ المرجع في ذلك إلى العرف.

ما يسقط نفقة الزوجة وما لا يسقطه

قال:

فصل
والرَّجعية مطلقًا.

قوله: (مطلقًا) يعني: حاملًا كانت أو غير حامل.

والبائن.

يعني: المطلقة طلاقًا بائنًا.

والناشز…

ما معنى الناشز؟ هي التي خرجت عن طاعة الزوج، تخرج مثلًا من البيت بغير إذنه ولا تُطيعه؛ هذه تُسمى “ناشزًا”، لكن بشرط أن تكون حاملًا.

والمتوفى عنها زوجها حاملًا.

كلُّ هؤلاء النسوة يجب لهن النفقة:

  • أما الرجعية فإنها زوجة، وحكمها حكم الزوجة، فتجب نفقتها حاملًا كانت أو غير حامل، الرَّجعية تجب مطلقًا حاملًا كانت أو غير حامل.
  • وأما البائن فلا تجب نفقتها إلا إذا كانت حاملًا.
  • وأما الناشز فإن كانت غير حامل فلا تجب نفقتها، وإن كانت حاملًا فتجب لأجل الحمل.
  • وأما المتوفَّى عنها زوجها، لا تجب النفقة على الزوج في هذه الحال، إذا تُوفِّي عنها زوجها، فالزوج قد تُوفِّي، الزوج في هذه الحال قد تُوفِّي، فليس لها نفقة ولا سُكنى، حتى وإن كانت حاملًا.

انتبِه لهذه المسألة! المتوفى عنها زوجها ليس لها نفقة ولا سُكنى حتى وإن كانت حاملًا؛ لماذا؟ لأن المال انتقل لمَن بالموت؟ للورثة، المال انتقل للورثة، ولا سبب لوجوب النفقة على الورثة في هذه الحال.

لكن، إن كانت حاملًا فنفقة الحمل تكون مِن حصة التركة، من نصيبه، من نصيب الحمل، فإن لم يكن هناك تركة: فعلى من تجب نفقة الحمل؟ على وارثه: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233]. انتبِهوا لهذه المسألة.

إذن؛ المتوفَّى عنها زوجُها، الحامل. طبعًا المتوفَّى عنها زوجها لا نفقة لها إذا لم تكن حاملًا، هذا لا إشكال فيه، لا نفقة لها ولا سُكنى. لكن، إذا كانت حاملًا أيضًا لا نفقة لها ولا سُكنى، فعلى من تكون نفقة الحمل؟ تكون على حصته من التركة إن كان، فإن لم يكن هناك تركة فتجب على وارثه.

طيب، إذا كانت هنا غير حامل؟ قال:

ولا شيء لغير الحامل منهن…

يعني (لا شيء لغير الحامل) إذا كانت بائنًا، (ولا شيء لغير الحامل) إذا كانت ناشزًا، (ولا شيء لغير الحامل) إذا كانت مُتوفًّى عنها زوجها. (لا شيء) يعني: لا نفقة ولا سُكنى.

أنا أذكر قبل أشهر أتاني في هذا المسجد رجلٌ يقول: إن رجلًا تُوفِّي وله زوجتان، وفي اليوم الذي تُوفِّي فيه طلب أولاده من الزوجة الثانية أن تُخْلي المسكن، كانت في سكن، طلبوا أن تُخلي المسكن، قالوا: لا حق لك في السكن. فهل معهم حق في هذا؟

نعم، معهم حق، فهو يسأل، قلت: نعم لهم الحق في هذا، لكن طبعًا المروءة تقتضي على الأقل أن ينتظروا، يعني: مات في نفس اليوم، لكن يبدو أن بينهم نزاعًا، وبينهم خلافات، وبينهم كذا، ففي اليوم الذي مات فيه طلبوا منها مغادرة المنزل، فنقول: لهم الحق في هذا؛ لأنه لا نفقة لها ولا سُكنى، حتى وإن كانت حاملًا لا نفقة لها ولا سُكنى، ونفقة الحمل على التفصيل الذي ذكرناه. انتبِه لهذه المسألة.

إذن؛ مَن التي تجب لها النفقة حاملًا كانت أو غير حامل مِن هؤلاء النسوة؟ هي الرَّجعية؛ لأن الرجعية في حكم الزوجة.

أما هؤلاء فعلى هذا التفصيل.

قال:

ولو ادَّعى نشوزها.

مَن الذي يدَّعي نشوزها؟ مَن هو؟ الزوج، يعني: ادَّعى الزوج أن هذه المرأة ناشز، قلنا: يا فلان أنفِق على زوجتك. قال: إنها ناشز.

مداخلة: ….

الشيخ: نعم، أحسنت.

حكم نفقة الزوجة إذا سافرت لحاجتها أو لنزهة أو زيارة

قال:

ولا شيء لغير الحامل منهن، ولا لمن سافرت لحاجتها، أو لنزهة، أو زيارة، ولو بإذن الزوج.

إذا سافرت لحاجتها، أو نزهة، أو زيارة بغير إذنه، تكون ماذا؟ ناشزًا، وبالتالي ليس لها نفقة، وهذا ظاهر.

لكن، الإشكال إذا سافرت لحاجتها، أو لنزهة، أو زيارة، بإذن الزوج، فالمؤلف أيضًا يرى أنه ليس لها نفقة، وقد أتى بـ”لو” إشارةً للخلاف.

المسألة فيها خلاف، فالقول الذي قرَّره المؤلف إنها ليس لها نفقة. والصحيح في هذه المسألة: أنها إذا خرجت بإذنه -ولو لحاجتها- فلا تسقط نفقتها، هذا هو القول الصحيح.

الصحيح: أن حقها في النفقة باقٍ؛ لأنها إنما خرجت وسافرت بإذنه، فهي ليست ناشزًا، وهي زوجة، فتدخل في عموم الأدلة الدالة على وجوب النفقة على الزوج.

حكم اختلاف الزوجين في أخذ النفقة والنشوز

قال:

ولو ادَّعى نشوزها.

يعني مثلًا: كما قلنا قبل قليل، قلنا: يا فلان، لماذا لا تُنفق على زوجتك؟ قال: والله هي ناشز.

أو أنها أخذت نفقتها.

قال: أنا أعطيتها.

وأنكرت.

قالت: أبدًا، أنا لست ناشزًا، أو قالت: لم يُعطني شيئًا. إن كان هناك بيِّنة، فالقول قول صاحب البيِّنة، لكن الإشكال إذا لم يكن هناك بيِّنة، فالمؤلف يقول:

فقولها بيمينها.

يعني: يُقدَّم قول الزوجة في عدم النشوز وفي عدم النفقة؛ قالوا: لأن الأصل عدم ذلك.

والقول الثاني في المسألة: إن القول لمن يشهد له العرف بهذا، فننظر للقرائن.

مثلًا؛ إذا كانت هذه المرأة قرابتها وأهلها وجيرانها يعرفون بأنها امرأة ناشز، متمردة على زوجها، تخرج بغير إذنه، واستطاع الزوج أن يأتي بإثباتات على هذا أو قرائن، لو وُجدت بيِّنة فلا إشكال، لا تدخل معنا، الكلام لو ما يوجد بيِّنة، لكن قرائن تدل على هذا، فيكون القول قول الزوج.

أما لو كانت -مثلًا- هذه المرأة امرأة صالحة مستقيمة، وهذا الزوج يظهر عليه آثار -مثلًا- البخل والشح، فهنا القرائن تدل على صدقها، فالقول الصحيح إذن: أن القول قول من يشهد له العرف. وهذا اختيار الإمام ابن تيمية وابن القيم، وهنا يُعمل بالقرائن في هذا، وابن القيم قال: إن هذا هو القول الذين ندين الله تعالى به، اعتمادًا على الأمارات الظاهرة في هذا.

حكم إعسار الزوج بالنفقة أو غيابه دون ترك النفقة

قال:

ومتى أعسر بنفقة المعسر، أو كسوته، أو مسكنه، أو صار لا يجد النفقة إلا يومًا دون يوم.

فما الحكم في هذه الحال؟ (أعسر بنفقة المعسر)؛ يعني: هو يُنفق نفقةَ معسرٍ، لكنه أعسر. (أو كسوته) أعسر بالكسوة، أو المسكن.

أو صار لا يجد النفقة إلا يومًا دون يوم، أو غاب الموسر، وتعذَّرت عليها النفقة بالاستدانة وغيرها.

فما الحكم؟ قال:

فلها الفسخ فورًا ومتراخيًا.

تملك في هذه الحال المطالبة بالفسخ، متى ما تعذَّرت النفقة للإعسار أو للسفر.

مثلًا؛ سافر الزوج ولم يتيسر لها أن تستدين عليه، فلها أن تُطالب بالفسخ؛ ويدل لهذا ما جاء في “صحيح البخاري” عن أبي هريرة أن النبي قال: اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، تقول المرأة -هذا في “صحيح البخاري”- إما أن تُطعمني وإما أن تُطلقني[22].

أُعيده مرة أخرى: حديث أبي هريرة  أن النبي قال: اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، تقول المرأة: إما أن تُطعمني، وإما أن تُطلقني. قالوا: يا أبا هريرة، سمعت هذا من رسول الله ؟ يعني: الشق الأخير، قال: لا، هذا من كيس أبي هريرة[23].

لكن، يكون هذا قول صحابي، وقول الصحابي على الخلاف الذي ذكرناه، لكن يُستأنس به، لا شك أنه يُستأنس به، ويدل على أن هذا أنه قولٌ معروف عند الصحابة : وهو أن الرجل إذا أعسر بالنفقة فلها أن تُطالب بالفسخ في هذه الحال.

ومِن أهل العلم مَن قال: إن المرأة لا تُطالِب بالفسخ إذا أعسر الرجل. وهذا رجحه الشيخ ابن سعدي وجماعة من أهل العلم.

والصواب: هو ما عليه الجمهور؛ أنه إذا أعسر بالنفقة فلها الحق في المطالبة بالفسخ، وهكذا إذا سافر ولم يترك لها نفقة، وتعذَّر عليها أن تستدين عليه، فلها أن تُطالب بالفسخ. لكن، قال:

ولا يصح بلا حاكم.

يعني: لا بد من حكم حاكم، يعني: قاضٍ؛ وذلك لأن هذا الفسخَ فسخٌ مُختلَفٌ فيه، فلم يَجُز بغير الحاكم، أشبه الفسخ لأجل العُنَّة ونحوها.

قال:

فيفسَخُ بطلبها، أو تفسخ بأمره.

يعني: إما بطلب من الزوجة، أو بأمر من الحاكم.

حكم أخذ النفقة من مال الزوج إذا امتنع عنها

قال:

وإن امتنع الموسر من النفقة أو الكسوة، وقدرَتْ على ماله؛ فلها الأخذ منه بلا إذنه، بقدر كفايتها وكفاية ولدها الصغير.

وهذه المسألة قد أفتى فيها النبي ، فقد جاء في الصحيحين: أن هند امرأة أبي سفيان رضي الله عنهما أتت النبي فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يُعطيني ما يكفيني وولدي، قال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف[24]. فهذه فتوى من النبي ، فلها أن تأخذ ما يكفيها من النفقة ومن الكسوة بغير إذنه.

لكن، بالمعروف، ومعنى “بالمعروف” فسَّرها المؤلف: بقدر كفايتها ولا تزيد؛ يعني: تأخذ الحوائج الأساسية، ما يكفيها هي وما يكفي ولدها.

وهذه المسألة سبق أن تكلمنا عنها، “مسألة الظفر“: إذا كان لك حق على إنسان، واستطعت أن تظفر منه بشيء؛ فلك أن تأخذ منه.

إنسان مثلًا تطلبه عشرة آلاف ريال، وتقول: يا فلان، أعطني. ويُماطل بك، ووجدت شيئًا من ماله؛ يجوز أن تأخذه، وجدت شيئًا من ماله؛ مثلًا: وجدت محفظته أمامك: هل يجوز أن تفتحها وتأخذ الدراهم التي فيها؟ تقول: أتقاضى بعض الدين الذي لي؟ نعم، يجوز هذا.

لكن، بشرط أن يكون السبب ظاهرًا، يعني: لا يُتهم الإنسان بالسرقة، يكون عنده إثبات -مثلًا- أنه يطلبه هذا الدين؛ حتى لا يُتهم بالسرقة؛ لأنه لو اتُّهم بالسرقة وعجز عن الإثبات ربما تُقطَع يده، تُعتبر هذه سرقة.

فإذا كان السبب ظاهرًا ومُثبَتًا فله الأخذ؛ لأنه -في الحقيقة- إنما أخذ بعض حقه، أو أخذ حقه. فهنا النبي عليه الصلاة والسلام قال لامرأة أبي سفيان رضي الله عنهما: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف[25]؛ لأن النفقة واجبة على الزوج، فإذا لم يعطها الزوجة جاز لها أن تأخذ ولو بغير علمه ولو بغير إذنه.

وهذا -يعني هذا الحديث- أصلٌ في مسألة الظفر، لكن تقييد المؤلف بالولد الصغير هذا محل نظر؛ الصحيح أنه يستوي في ذلك: مَن تلزمه نفقته سواءٌ كان صغيرًا أو كبيرًا.

نكتفي بهذا القدر، ونقف عند باب (نفقة الأقارب والمماليك).

الأسئلة

نبدأ، نجيب عن الأسئلة، لعلنا نبدأ أولًا بالأسئلة المكتوبة، ثم نُتيح فرصة للأسئلة الشفهية.

السؤال: أحسن الله إليكم وبارك فيكم فضيلة الشيخ. تعددت الأسئلة حول حكم إرضاع الكبير، وإرضاع السائق، وإرضاع الخادمة، فنرجو التفصيل في هذه المسألة؟

الشيخ: هذه -من الحقيقة- مما تنَدَّر به بعض الناس، إرضاع السائق وإرضاع الخادم، هذه كلها غير واردة أصلًا، كل هذه الأمور غير واردة؛ لأنه على قول ابن تيمية رحمة الله عليه أن هذا في حال الحاجة، وأيضًا ليست حاجة عامة، حاجة خاصة.

كإنسان تربَّى مع أسرة، اعتبروه واحدًا منهم، واحتاج نساء البيت لإرضاعه حتى لا يحتجبن عنه. فقط في هذه الحالة.

فإذن؛ لا نتوسع في هذه المسألة؛ ولذلك الفتوى فيها تكون خاصة ولا تكون عامة.

فمِثل هذه المسألة التي تُذكر، لا شك أنه لا يقول بها أحدٌ من أهل العلم، المسائل التي ذكرها بعض العامة من إرضاع السائق هذا لا يقول به أصلًا أحدٌ، وإنما هي التي قالوا بها في حالة خاصة فقط.

السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ. هذا السائل يقول: ما الضابط في السَّعُوط: هل هو خمس قطرات أم ماذا؟

الشيخ: طيب، قبل هذا أُنبِّه على  عاشوراء، بالنسبة لعاشوراء يُوافق يوم الثلاثاء بعد القادم، لم يثبت دخول شهر ذي الحجة ليلة السبت، فبناءً على هذا يكون يوم السبت هو المكمل للثلاثين من ذي الحجة، ويكون غُرَّة محرم هو يوم الأحد.

وعلى هذا؛ يكون يوم عاشوراء الثلاثاء، يعني بعد تقويم أم القرى بيوم. قلنا هذا لأنه لم يصدر إعلان، وقد أخبرني أحد أعضاء المحكمة العليا بهذا، وأرسلنا رسالة بجوال “فوائد”، فينبغي التنبيه على هذا؛ لأن بعض الناس قد يصوم التاسع والعاشر حسب تقويم أم القرى فلا يُصيب عاشوراء، يصوم كأنه قد صام ثمانية وتسعة، بناءً على الرؤية يكون قد صام الثامن والتاسع وما صام عاشوراء، فينبغي تنبيه الناس على هذا.

تُعيد السؤال مرة أخرى.

السؤال: أحسن الله إليكم. السائل يقول: ما الضابط في السَّعُوط: هل هو خمس قطرات أم ماذا؟

الشيخ: الضابط في ذلك أيضًا: العرف، يعني: إذا حددنا بحَدٍّ معين نحتاج إلى دليل، فالضابط في ذلك العرف، يعني: إذا كانت خمس رضعات في عرف الناس بهذا السعوط أو بهذا الوجور، فينشر هذا الرضاعُ الحرمة.

السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ. هذا سائل يقول: لو أرضعتِ امرأةٌ طفلًا رضعتين، ثم طلَّقها زوجها، ثم تزوَّجت رجلًا آخر، وأرضعت نفس الطفل ثلاث رضعات، فمَن يكون أبوه من الرضاع؟

الشيخ: نعم، هذا السؤال جيد، ننظر هذا اللبن، هل هو من الزوج الأول أو من الزوج الثاني؟

إن كان من الزوج الأول، يعني مثلًا: لمَّا أنجبت هذا الطفل طلَّقها مباشرة، وتزوجت زوجًا آخر، لم تحمَل من الزوج الآخر بعدُ، نعرف أن اللبن من الزوج الأول، فيكون اللبن للأول.

أما لو انقطع اللبن، ثم تزوجها الثاني فحملت منه، فنعرف أن اللبن هنا من الزوج الثاني، وليس من الزوج الأول. وعلى ذلك يكون بناء الأحكام الشرعية في هذا.

مداخلة: …..

الشيخ: نعم، تُجمع.

مداخلة: …..

الشيخ: لا، هو في حق الأب على التفصيل الذي ذكرناه؛ يعني -مثلًا- في الحالة الأولى تُجمع، يكون أباه من الرضاع، في الحالة الثانية ما يكون أباه من الرضاع.

مداخلة: …..

الشيخ: تكون الأم فقط من الرضاع دون الأب.

السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ. هذا السائل يقول: إذا شُكَّ في الرضاع، هل يمنع من الزواج من بنات المرضعة من باب الاحتياط؟

الشيخ: ذكرنا هذه المسألة، وقلنا: إذا شُكَّ فالقاعدة ما هي؟ يبني على اليقين، والأصل: أنه عدم الرضاع، ولا يُمنع إلا إذا كانت القرائن قوية، إذا كانت القرائن قوية.

النبي عليه الصلاة والسلام قال: كيف وقد قيل؟[26]؛ فإذا كانت القرائن قوية مثلًا، فالأولى ترك ذلك احتياطًا، أما إذا كانت القرائن ضعيفة، ليس هناك أدلة، مجرد إنسان مثلًا مصاب بالوسوسة، عنده وسواس وقال: يمكن أن يكون رضاعًا، يمكن كذا؛ هذه ما يُلتفت لها.

السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ. هذا سائل يقول: إن كان لعلاج الزوجة كلفة، فهل يجب العلاج على أهل الزوجة؟

الشيخ: نعم، إذا كان العلاج له كلفة، فحينئذ يجب على أهل الزوجة، على أبيها مثلًا وإخوتها، فيجب عليهم إذا استطاعوا، أما إذا لم يستطيعوا لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا  [الطلاق:7].

كم مِن أناس احتاجوا إلى العلاج، ولا يجدون كلفة العلاج، وكما ذكرنا: التداوي ليس واجبًا، التداوي ليس واجبًا، فإذا تيسرت كلفة العلاج وجب على أهلها، إذا لم يتيسر فـلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا.

السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ. هذا سائل يقول: ما هو حكم مَن دخل بزوجته بعد عقد النكاح، ولكن دون إذن أهلها، علمًا بأن العرف هو الانتظار ما يقارب الشهر أو أكثر لإقامة حفلات العرس؟

الشيخ: لا بأس بذلك، هي مِن حين العقد زوجتُه شرعًا، فلو وطئها لم يكن عليه حرج، ولكن ينبغي ألا يفعل ذلك الزوجُ على سبيل الأولوية احتياطًا؛ لأنه لا يدري الإنسان ما يعرض له: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا [لقمان:34].

نفترض مثلًا: أنه وطئها وحملت، ثم تُوفِّي مثلًا وحصل خلاف، تحصل مشكلات كبيرة.

ولهذا؛ فالمسؤولية في الدرجة الأولى على أهل الزوجة، يُفترض ألا يُمكِّنوا الزوج من الخلوة بها حتى يُعلَن النكاح ويُشهَر ويدخل بها، لكن من حيث الحكم الشرعي هو جائز، هي زوجته.

لكن، خشيةً لما قد يترتب على ذلك من المشكلات، فالأولى ألا يُمكَّن منها إلا بعد إعلان النكاح وإشهاره، على سبيل الأولوية، خشية لحصول نزاع أو خلاف، أو حتى وفاة.

السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ. هذا السائل يقول: مَن كان لديه مالُ وقفٍ لوالدته وأدخله في مساهمةٍ ظنًّا منه أنه سيربح، فذهب المال وخسر، فماذا يلزمه؟

الشيخ: هذا السؤال مجمل، لا ندري أولًا: هذا الوقف في أيِّ شيء، هل هو مثلًا في عقار، في أيِّ شيء هذا الوقف؟ ثانيًا: لا ندري عن طبيعة التصرف، هل حصل منه تعدٍّ أو تفريط، أو لم يحصل؟

فيعني هذا السؤال يحتاج إلى مزيد تفصيل.

إن كان مثلًا أعطته والدته هذا المال ليشتري به عقارًا، لكنه ذهب ووضعه في أسهم؛ فيضمن، وهكذا. حتى لو قالت: أنا أريد أن أجعل هذه الأسهم وقفًا؛ يجوز وقف الأسهم. لو قالت: أريد أن أجعلها وقفًا. ولم يحصل منه تعدٍّ ولا تفريط؛ فلا يضمن، إذا حصل منه تعدٍّ أو تفريط ضمن.

فهو بحسب طبيعة تعامله، وبحسب أيضًا طبيعة الوقف نفسه.

السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ. هذا سائل يقول: قال البعض بأن نفقة الزوج تكون مقابل خدمة زوجته، فهل هذا صحيح؟ وأما الاستمتاع فاستمتاعها مثله؛ واستدلوا بقصة خدمة فاطمة لعليٍّ وخدمة أسماء للزبير رضي الله عنهم، واختار ذلك الألباني رحمه الله.

الشيخ: هذا القول محل نظر، وأصلًا خدمة المرأة لزوجها مُختلَف فيها، وكثير من الفقهاء يقول: لا يجب على المرأة أن تخدم زوجها؛ ولذلك قالوا: إن كان يُخدَم مثلها وجب أن يُحضِر خادمًا.

فلا يجب عليها خدمة أصلًا، فكيف يقال: إنها مقابل خدمته؟! ولو كانت مقابل خدمته لَمَا قلنا: إنه يجب عليه أن يُحضِر خادمًا.

ولا أظن أن أحدًا من السلف قال بهذا القول، هذا القول قول مخالف للأصول والقواعد الشرعية.

فالصواب إذن: أنها مقابل الاستمتاع.

السؤال: السؤال الأخير أحسن الله إليكم. يقول: كيف نجمع بين من قال: ليس لأحد أن يُوجب حقًّا على الله، وبين حديث: ثلاثةٌ حقٌّ على الله عونهم[27]، وحديث: حقُّ العباد على الله[28]؟

الشيخ: الله تعالى ليس عليه حق واجب، لكن الله هو الذي قد يوجب الحق على نفسه، لكن لا يُوجب العباد الحق عليه، ما للعباد عليه حق واجب، فهو قد يُوجب الحق على نفسه، لكن لا أحد يُوجب على الله شيئًا.

ولهذا؛ في قول الله : وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ [هود:108]، أجمع أهل العلم على أن أهل الجنة مخلدون فيها أبد الآباد، ما معنى هذا الاستثناء؟

أرجح الأقوال في هذا: أن هذا الاستثناء لبيان أن هذا الخلود لا يجب على الله أصلًا، وإنما هو بمشيئته جل وعلا، لكن تفضُّلًا منه سبحانه هو جعل هذا الخلود أبد الآباد، فهو يُوجب على نفسه ويُحرِّم على نفسه: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرَّمًا[29].

لكن، لا أحد يملك أن يُوجب على الله شيئًا أو أن يُحرِّم على الله شيئًا، جل وعلا.

السؤال: يقول: مَن قتل الصائل، هل يجوز له أن يُنكر؟

الشيخ: هو فيما بينه وبين الله ذمته بريئة، لكن هل نقول: إن له أن يُنكر في هذه الحال باعتبار أن ذمته بريئة فيما بينه وبين الله ؟ يظهر أن هذا فيه تفصيل:

  • إن كان لا يترتب على ذلك ظلمُ آخَرِين؛ لأنه ربما إذا أنكر ظَلَم غيرَه، إذا كان لا يترتب على ذلك ظلم آخرين فيظهر أن هذا لا بأس به؛ لأنه في الحقيقة ليس آثمًا، وهذا دَمُه هَدَرٌ، هو قتل شخصًا مأذونًا له شرعًا في قتله، لكنه عجز عن البيِّنة.
  • أما إن كان سيترتب عليه ظلمُ الآخرين؛ فلا.

أذكر أن رجلًا اتصل بي من السجن هو وأخوه، وقال أخوه: عجزنا أن نُقنعه، ورفض أن يخرج من السجن، يقول: إنه قبل خمسة عشر عامًا قتل رجلًا بساطور، ويقول: فوجئ بعد خمس سنوات برجلين قد قُتلا قصاصًا في هذا الرجل. يقول: أنا قتلته أصلًا. فقال: حتى لا يقتل أيضًا. فأراد أن يُسلِّم نفسه، قال: أنا تسببت الآن في إزهاق ثلاثة أنفس. فسلَّم نفسه للشرطة، فيقول: حوَّلوه للطبيب النفسي، قال: الرجل سليم، ليس عنده مشكلة.

اتصل بي الشخص نفسه بالهاتف ومعه أخوه، فقلت له:  لمَّا ضربته بالساطور هل أنت متأكد أنه مات؟ قال: إنه يغلب على ظني أنه مات؛ لأني ضربته ضربة قوية. فقلت: ربما إنه لم يمت، ربما أنه عولج وشُفي.

فما دام هذا الاحتمال قائمًا، وخاصة عندنا هنا في المملكة يُحتاط للدماء احتياطًا عظيمًا، يعني: لا يُقتص من أحد حتى يحكم فيها ثلاثة عشر قاضيًا، ثلاثة من مجلس القضاء، وخمسة في التمييز أو الاستئناف الآن، وخمسة في المجلس الأعلى للقضاء.

وفي الوقت الحاضر، المحكمة العليا لا بد أن تمر على ثلاثة عشر قاضيًا، ويبعُد أن يجتمع هؤلاء كلهم على خطأ.

فقلت له: الآن، بقاؤك ليس له فائدة؛ لأنهم رفضوا، حتى الشرطة يقولون: اخرج. وهو رفض أن يخرج. فقلت له: لو ذهبت الآن وخرجت، وتصدقت عن هذا، ودعوت له، فيكون هذا أفضل من بقائك الآن؛ لأن بقاءك الآن لن يحل المشكلة، وأنت الآن غير متيقن أنك قتلته، وكما ذكرت: أمور الدماء عندنا هنا في المملكة يُحتاط لها احتياطًا عظيمًا، فربما يكون هذا لم يمت، هذا الشخص الذي ضربتَه.

مداخلة: …..

الشيخ: يعني هذا بناءً على: هل غَلَب على ظنِّه أنه مات، أو لم يغلب على ظنِّه؟ هل فعلًا قتله أو لم يقتله؟

مداخلة: …..

الشيخ: هو الأصل براءة الذمة لا شك، الأصل هو براءة الذمة في هذا.

السؤال: …..

الشيخ: إي نعم، يعني: هو موسر.

مداخلة: …..

الشيخ: نحن رجحنا: أن العبرة بحال الزوج؛ إذا كان موسرًا يٌنفق عليهما جميعًا نفقةَ موسر، إذا كان معسرًا يُنفق عليهما جميعًا نفقة معسر.

مداخلة: …..

الشيخ: لا، نفقة الزوجة؛ كل واحدة بحسب ما تحتاج، يعني: الزوجة التي عندها أولاد ليست مثل الزوجة التي ليس عندها أولاد، وأيضًا حتى نفقة الموظفة، الذي يظهر أنها لا تكون مثل نفقة غير الموظفة؛ نفقة الموظفة لأن الموظفة جزء من وقتها ليس عند الزوج، هي تكون في عملها، فيظهر أنها تجب لها النفقة، لكنها تكون أقل من نفقة غير الموظفة.

السؤال: …..

الشيخ: إذا ثبت أنه فعلًا وحم، فيظهر أن هذه حالة مرضية، فلا يُعتبر نشوزًا إذا ثبت فعلًا أنه وحم، وقال أهل الخبرة: إن هذا توحم من المرأة، فلا يُعتبر نشوزًا؛ لأن هذا بغير اختيارها؛ ولأنه نوع من المرض، التوحم هو نوع من المرض النفسي يعتري بعض النساء الحوامل، فيظهر أنه لا يُسقط حقها من النفقة.

مداخلة: …..

الشيخ: يحتمل هذا وهذا، تارة يريد هذا وتارة يريد هذا، والذي يحكم في هذا هو السياق.

مداخلة: …..

الشيخ: يترتب عليه ماذا؟ ماذا تريد يعني؟

مداخلة: …..

الشيخ: إلزام الزوجة بأي شيء؟

مداخلة: …..

الشيخ: بالمعالجة، تقصد بالمعالجة؟ أصلًا علاج الإنسان ليس واجبًا، فإذا قلنا: ليس واجبًا ما نستطيع أن نُوجب عليه، اللهم إلا إذا كانت الكلفة يسيرة ليست كبيرة.

نكتفي بهذا القدر.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 5239، ومسلم 1444.
^2 رواه البخاري: 2645، ومسلم: 1445.
^3 رواه أبو داود في “المراسيل”: 207، والبيهقي في “الكبرى”: 15682.
^4, ^7, ^12, ^14, ^17, ^18, ^21, ^23, ^24, ^25, ^26 سبق تخريجه.
^5 رواه مسلم: 1452.
^6 رواه الترمذي: 1152، وابن ماجه: 1946.
^8 رواه أحمد: 4114، وأبو داود: 2059.
^9 رواه مسلم: 1453.
^10 رواه البخاري: 2647، ومسلم: 1455.
^11 رواه البخاري: 2856، ومسلم: 32.
^13 رواه البخاري: 2640.
^15 رواه مسلم: 1218.
^16 رواه البخاري: 2211، ومسلم: 1714.
^19, ^20 راه البخاري: 4458، ومسلم: 2213.
^22 رواه البخاري: 5355.
^27 رواه الترمذي: 1655، والنسائي: 3120، وابن ماجه: 2518، وأحمد: 7410.
^28 رواه البخاري: 5967، ومسلم: 30.
^29 رواه مسلم: 2577.
zh