عناصر المادة
ننتقل بعد ذلك إلى درس الفقه، وكنا قد وصلنا إلى الإحداد.
تتمة كتاب العدة
وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها
قال المؤلف رحمه الله:
ويجب الإحداد على المتوفَّى عنها زوجها بنكاح صحيح.
“الإحداد”، ما معنى الإحداد؟ الإحداد؛ معناه في اللغة: المنع. واصطلاحًا تعريفه: هو اجتناب ما يدعو إلى نكاح المرأة ويُرغِّب في النظر إليها، فهو مصدر أَحَدَّ يُحِدُّ، أما مصدر حدَّ يُحِدُّ؛ ولذلك يقال: امرأة مُحِدّّة، وامرأة حادَّة. فالإحداد مصدر أحَدَّت المرأة على زوجها.
يقال: الحادَّة؛ يقال: المحِدَّة، ويقال: الحادَّة، والبخاري في “صحيحه” قال: “باب: الكحل للحادَّة”، وعلَّق الحافظ ابن حجر على هذا قال: “وقع من الثلاثي، ولو كان من الرباعي لقال: المُحدَّة”.
وبعضهم يقول: إن الصواب: الحاد، أنه أفصح، وبعضهم قال: إن المُحِدَّ أفصح. وابن حجر يقول: إن الحاد جائز وليس بخطأ، لكن المحدة أولى. فإذا عبَّرتَ بالمرأة الحادَّة، أو المرأة المُحِدَّة، كلاهما جائز وسائغ، لكن المُحِدَّة أولى في التعبير وأفصح.
قال: “يجب الإحداد على المتوفى عنها زوجها بنكاح صحيح” وهذا محلُّ إجماع؛ لقول الله : وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234]، فهذا محل اتفاق بين أهل العلم.
هل الإحداد وعدة الوفاة حقٌّ للمرأة أو حق عليها؟ نقول: إنها حق على المرأة، كما أن -أيضًا- عدة المطلقة حق على المرأة وليست حقًّا لها، هي حق عليها.
ما هي الحكمة من الإحداد أو عدة الوفاة؟ قيل: إن الحكمة هي براءة الرحم، وأُورِد على ذلك أن المتوفى عنها زوجها قبل الدخول والخلوة تجب عليها العِدة أو لا تجب؟ توفى عنها زوجها قبل الدخول والخلوة، إنسان عقد على امرأة ثم مات، تجب عليها عدة الإحداد بالاتفاق.
لو كانت الحكمة هي براءة الرحم لَمَا وجبت عليها؛ لأن هذه نعلم قطعًا أنه لم يطأها، لم يدخل بها، ولم يَخْلُ بها، فلو كانت الحكمة هي براءة الرحم لَمَا وجبت عليها العدة كالمطلقة التي طلَّقها زوجها ولم يخلُ بها ولم يدخل بها.
ثم إن براءة الرحم يكفي فيها حيضة واحدة؛ ولهذا قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: “الصواب أن يقال: إن عدة الوفاة حَرَمٌ لانقضاء النكاح، ورعاية لحق الزوج، فجُعِلت العدة حريمًا لحق هذا العقد الذي له خطرٌ وشأن، فيحصل بهذا الفصلُ بين نكاح الأول ونكاح الثاني، ولا يتصل الناكحان؛ ولهذا فإن النبي عَظُم حقُّه وحرم نساؤه من بعده”.
فيقول: “إنه حَرَمٌ لعقد النكاح”، لكن ألا يَرِد على هذا أيضًا إشكال؟ ما هو؟
مداخلة: …..
الشيخ: نعم، إذا تُوفي عنها زوجها وهي حامل ثم وضعت، حتى لو وضعت وهو على مُغتسَلِه، يُغسَّل؛ تَخرج مِن العدة أو لا؟ تخرج من العدة، قد يكون الفارق دقيقة واحدة، ومع ذلك تخرج من العدة، فكيف يقال: إن الحكمة هي أنه حَرَمٌ؟ كيف يكون حَرَمًا ربما دقائق فقط؟ فهذا حقيقة مما يُشكل على هذا الكلام.
لكن ربما نقول: إن هذه المسألة مستثناة، ربما نقول: إنها مستثناة، والله تعالى أعلم وأحكم.
مداخلة: …..
الشيخ: نعم، لكن محتمل هذا، هذا محتمل.
أما الإحداد على غير الزوج فإنه يجوز في حدود ثلاثة أيام فقط؛ لقول النبي : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحِدَّ على ميتٍ فوق ثلاث، إلا على زوجٍ أربعةَ أشهر وعشرًا. متفق عليه[1].
فعلى غير الزوج، لو أنَّ -مثلًا- امرأة توفي أخوها، مات أخوها أو أبوها، فتركت الزينة مثلًا ولبست اللباس غير الزينة، فعلت كما تفعل المرأة المُحِدَّة تمامًا، نقول: إن هذا يجوز في حدود ثلاثة أيام فقط، أما ما زاد على الثلاثة فلا يجوز.
وهذا من حكمة الشريعة، من باب مراعاة أحوال النفوس؛ لأنه لو قيل: إنه لا يجوز مطلقًا؛ ربما يصعب هذا على بعض النفوس، فالشريعة تراعي هذه الأحوال.
ونظير ذلك من بعض الوجوه: قول النبي عليه الصلاة والسلام: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث[2]، ثلاثة أيام جُعلت لِحَظِّ النَّفْس، يجوز أن يهجر أخاه ثلاثة أيام، لكن فوق ثلاثة أيام لا يجوز.
فهذا من باب مراعاة أحوال النفوس؛ لأنهم يقولون: ثلاثة أيام هي المدة الزمنية التي يتأثَّر فيها الإنسان، بعد ثلاثة أيام يبرد الإنسان، تتغير مشاعره في الغالب، فجُعل للإنسان هذه المساحة في حدود ثلاثة أيام.
حكم الإحداد على البائن من حي والرجعية
قال:
ما معنى هذا الكلام؟ يعني: يُباح الإحداد للمطلقة طلاقًا بائنًا، يُباح لها أن تُحِدَّ. وهذا حُكي الإجماع عليه، لكنه لا يُسن لها، وإنما يُباح لها. وحكى الموفق ابن قدامة في “المغني” الإجماع على ذلك؛ على الجواز.
وأما بالنسبة للمرأة الرجعية، فإن المرأة الرجعية في حكم الزوجة، بل قال العلماء: إنه يُستحب لها أن تتزين وتستشرف لزوجها لعله أن يُراجعها.
ما يجب على المحدة اجتنابه من الزينة والطيب
قال:
يعني أيَّ شيء يكون الإحداد؟ قال:
نريد أن نضبط الأمور التي تُمنع منها المرأة المُحِدَّة.
نبدأ أولًا بالطِّيب، فالطِّيب تجتنبه المرأة المُحِدَّة.
أولًا: الدليل لهذا قولُ النبي : ولا تمسُّ طِيبًا[3]، وفي لفظ ولا تتطيَّب؛ يعني: المُحِدَّة، كما في حديث أم سلمة رضي الله عنها.
والطِّيب يُحرك الشهوة ويدعو إلى المباشرة؛ ولهذا لا يجوز للمرأة أن تتطيَّب ثم تخرج أمام الرجال الأجانب، قال عليه الصلاة والسلام: أيما امرأة أصابت بَخُورًا، فلا تشهد معنا صلاةَ العشاء الآخِرَة. رواه مسلم[4].
فالطِّيب إذن يدعو إلى النكاح؛ ولهذا فإن المرأة المُحِدَّة ممنوعة منه بجميع أنواعه، سواء كان الطِّيب عن طريق مثلًا اللمس، أو عن طريق ما يُسمى بـ”البخاخ” بجميع أنواع الطيب، جميع أنواع العطر والطِّيب تتجنبه المُحِدَّة، أو حتى كان في الشامبو، بعض أنواع الشامبو تكون مُعطَّرة، حتى إن الإنسان إذا استخدمها في الاغتسال: مَن يشمه بعد الغسل يشم رائحته وربما يظن أنه متعطِّر، هذا أيضًا تجتنبه المرأة المُحِدَّة، فتجتنب جميع أنواع الطِّيب.
إلا في حالة واحدة مستثناة يجوز للمرأة المُحِدَّة فيها استعمال الطِّيب، فما هي هذه الحالة؟
مداخلة: …..
الشيخ: نعم، أحسنت.
عند الطُّهر من الحيض يجوز، وورد في ذلك حديثٌ عن النبي : وهو حديث أم عطية رضي الله عنها، قال: لا تُحِدُّ امرأةٌ على ميت فوق ثلاث… إلى قوله : ولا تمس طِيبًا، حديث أم عطية رضي الله عنها: ولا تمس طِيبًا إلا إذا طهرت نُبْذَة من قُسْطٍ، أو أظْفارٍ[5].
ما هو القُسط؟
القُسْط يقال له: الكُست، نوع من البَخُور، لا زال يُسمى بهذا الاسم عند العطارين. وفيه أيضًا القُسْط البحري، وورد فيه: أن فيه شِفَاءً من سبعة أدوية في “صحيح البخاري”[6]، يقال له: القسط والكست، ورد أن فيه شفاء. هذا القسط، والأظفار أيضًا نوعٌ آخر من البَخُور.
والمعنى: أنه يجوز لها أن تتبخَّر عند الانتهاء من الحيض، ولا يُشترط أن يكون من قُسْط أو أظْفار، من أيِّ نوع من أنواع البَخُور؛ لأجل قطع الرائحة، فإذا طهرت من الحيض يجوز لها أن تتبخر بالبَخُور؛ لأجل قطع رائحة الحيض.
وإنما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام القُسط والأظفار؛ لأنهما الموجودان في زمنه عليه الصلاة والسلام، فكأن المعنى: لا يجوز للمرأة المُحِدَّة أن تتطيَّب إلا بعد الطُّهر من الحيض، يجوز لها أن تتبخر لقطع رائحة الحيض الكريهة.
إذن؛ هذا هو الأمر الأول. وأيضًا قال المؤلف:
الزعفران: هو من أنواع الطِّيب؛ ولذلك يُمنع منه المُحرِم، وتُمنع منه المرأة المُحِدَّة.
فمثلًا: إذا كان الزعفران في القهوة أو في الشاي فتُمنع منه المرأة المُحِدَّة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام اعتبره طِيبًا؛ فتمتنع منه المرأة المُحِدَّة.
والمسألة محل خلاف بين أهل العلم، والمذهب عند الحنابلة: هو أن الزعفران من الطِّيب، سواء للمحرِم أو للمُحِدَّة، وهذا هو الأقرب؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ولا يلبس شيئًا من الثياب مسَّه زعفران ولا وَرْسٌ[7]. فالنبي عليه الصلاة والسلام اعتبره من الطِّيب.
فهذا هو القول الأقرب، وهو اختيار شيخنا عبدالعزيز ابن باز، والشيخ محمد ابن عثيمين رحمهما الله تعالى: أن المُحرِم والمُحِدَّة ممنوعان من الزعفران.
مداخلة: …..
الشيخ: الكلام في هذا الآن، الآن الزعفران يُستعمل الآن في وقتنا الحاضر في غير الطِّيب، الآن أنواع كثيرة من الطِّيب، لكن الزعفران يستخدم في القهوة والشاي، ممنوع منه المُحرِم، وممنوع منه أيضًا المرأة المُحِدَّة؛ لأنه طِيب.
والطِّيب لا يُشترط أن يكون ملبوسًا أو ملموسًا؛ الطِّيب يمكن أن يكون مأكولًا أو مشروبًا، ليس بالضرورة أن يكون ملموسًا، فهو من أنواع الطِّيب على القول الراجح. وهذا هو الذي -كما ذكرت- يُفتي به مشايخنا: شيخنا عبدالعزيز ابن باز، والشيخ محمد ابن عثيمين؛ وذلك للنص، يعني: لولا النص لربما يقال مثل هذا، لكن ما دام أن المسألة ورد فيها نصٌّ فلا قول لأحدٍ مع قول النبي .
طالب العلم ينبغي دائمًا أن يكون مُعظِّمًا للنصوص، فالنبي عليه الصلاة والسلام اعتبَرَه طِيبًا، ما دام أنه طِيب فنقول: هو سواء كان ملموسًا أو كان مشروبًا؛ لأنه إذا كان مشروبًا يصدُق عليه أنه طِيب، ما الذي يُخرجه عن كونه طيبًا، هو طِيب لكنه مشروب.
مداخلة: …..
الشيخ: الأمر واسع في هذا.
قال:
هذا الأمر الثاني، الأمر الثاني مما تُمنَع منه المرأة المُحِدَّة: لُبْس الحُلِيِّ بجميع أنواعه، فلا يجوز للمرأة أن تلبس الحُلِيَّ؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ولا الحُلِيَّ، كما في حديث أم سلمة رضي الله عنها عند أبي داود قال: ولا الحُلِيّ[8]، سواء كان خاتمًا أو كان أساور، جميع أنواع الحلي تجتنبه المرأة المُحِدَّة، لو كان عليها حُلِيٌّ هل يلزمها أن تنزعه؟ نعم، يلزمها نزعه.
لو كان عليها سِنٌّ مِن ذهب، يعني: كانت ركَّبت سِنًّا مِن ذهب، هل يلزمها خلعه؟
مداخلة: …..
الشيخ: في وقتنا الحاضر أصبح هناك بدائل عن سِنِّ الذهب من المرمر ومن غيره.
فالذي يظهر أنه إذا لم يكن عليها ضرر؛ تخلعه، أما إذا كان عليها ضرر فلا يلزمها، إذا كان عليها ضرر فلا يلزمها، أما إذا لم يكن عليها ضرر فلا شك أنَّ لمعانه نوعٌ من الزينة؛ ولذلك -كما ذكرت- بعض النساء تعمد إلى تركيب سِنِّ الذهب قصدًا للزينة؛ لأن البدائل موجودة في الوقت الحاضر ومتاحة.
الساعة، هل يلزمها أن تَخلع الساعة أو لا يلزمها؟
مداخلة: …..
الشيخ: نعم، أحسنت.
نقول: هذا فيه تفصيل؛ إن كانت هذه الساعة تُلبس للزينة فيلزمها خلعها، وإن كانت لأجل معرفة الوقت فلا يلزمها. وهذا، ما الذي يضبطه؟ العرف.
يعني غالب النساء يلبسن الساعات لأجل الزِّينة، الغالب على النساء الزينة، والغالب على الرجال معرفة الوقت، هذا هو الغالب.
فإذا كانت المرأة لبست الساعة لأجل الزينة؛ فيلزمها أن تخلعها، أما إذا كانت لأجل معرفة الوقت فلا يلزمها ذلك.
هذا الأمر الثاني: الحُلِيُّ. والمؤلف قال:
يعني: جميع أنواع الحُلِيِّ.
الثالث قال:
يعني: الزينة في اللباس، الأمر الثالث مما تجتنبه المرأة المُحِدَّة: الزينة في اللباس، المؤلف قال:
والتحديد بهذه الألوان ليس بجيد، وإنما نُحيل ذلك إلى العرف، ما كان في عرف الناس زينةً من اللباس فتجتنبه المرأة المُحِدَّة.
وما ذكره المؤلف من الأحمر والأصفر، هذا في عرف الناس أنه من لباس الزينة، يعني: الألوان الفاقعة هذه من لباس الزينة، الأحمر والأصفر.
الأخضر، هل هو من لباس الزينة؟ يختلف بحسب اللباس، قد يكون لباس زينة وقد لا يكون. لكن، ما هو شائع عند بعض العامة من أن المرأة المُحِدَّة تلبس الأسود: هذا لا أصل له، يعني: لا يلزمها أن تلبس الأسود، تلبس أيَّ لباس شاءت، وأيَّ لون شاءت، لكن مع اجتناب الزينة، والضابط في ذلك هو العرف، المرجع في ذلك هو العرف.
النقاب، هل يلزمها أن تترك لُبْسَ النقاب؟ هل نقول: المرأة المُحِدَّة تترك لبس النقاب؟ لا، ما يلزمها، النقاب ليس له علاقة بالزينة. النقاب، تريد مثلًا أن تنتقب لكي ترى الطريق، إذن لا يلزمها ترك لبس النقاب.
إذن؛ هذا الأمر الرابع. قال:
يعني: الزينة في البدن، الأمر الرابع: الزينة في البدن.
والمؤلف ذكر أنواعًا من الزينة الموجودة في زمنه، ونحن نذكر أنواعًا من الزينة الموجودة في وقتنا الحاضر.
مَن يُمثِّل لنا أنواعًا من الزينة في البدن في الوقت الحاضر؟
مداخلة: …..
الشيخ: نعم، مثل المكياج. أحسنت.
المكياج بجميع أنواعه، هذا من الزينة في البدن، فتجتنبه المرأة المُحِدَّة بجميع أنواعه.
وأيضًا العدسات، نعم العدسات الملونة مثلًا، هذه لا شك يلبسنها النساء لأجل الزينة.
الوصل أصلًا مُحرَّم على المُحِدَّة وعلى غير المحِدَّة.
نعم، الحناء أيضًا من قديمٍ، وفي الوقت الحاضر أيضًا تجتنبه المرأة المُحِدَّة.
وكذلك طلاء الأظافر وما يُحمِّر الشفاه.
هذه كلها تجتنبها المرأة المُحِدَّة، تجتنب جميع أنواع الزينة في البدن.
المؤلف قال: “الحناء”، الحناء هذا محلُّ اتفاقٍ، لا يجوز للمرأة أن تتزيَّن بالحناء؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ولا تختضب[9]، وفي السنن: ولا تمتشطي بالطِّيب ولا بالحناء فإنه خضاب[10].
وأما الإسفيداج، فهو شيءٌ يُدهن به الوجه يُحسِّن الوجه، معروف قديمًا، وهذه من أنواع الزينة الموجودة في زمن المؤلف، ويكفي أن نقول: الزينة في البدن مطلقًا. ونُرجعها إلى العرف.
والادِّهان بالمُطيَّب يدخل في هذا أيضًا، يدخل في الطِّيب، ويدخل في الزينة في البدن.
وتحمير الوجه وحفُّه، هذه كلها تدخل في مسألة الزينة في البدن.
قال:
لها أن تلبس الأبيض ولو حريرًا، يعني مراد المؤلف: ولو كان حسنًا، وهنا قال: (ولو حريرًا)، وبعض الفقهاء الحنابلة يقول: “ولو كإِبْرِيسَم” وهو نوع من الحرير.
فيقولون: الأبيض لها أن تلبسه حتى وإن كان مُعَدًّا للزينة. يستثنون الأبيض، يقولون: كما أن المرأة إذا كانت حسنة الخِلْقة لا يلزمها أن تُغيِّر لونها وتُشوِّه نفسها. وهذا المذهب عند الحنابلة.
والقول الصحيح: إن الأبيض إذا كان من لباس الزينة فيحرم على المُحِدَّة لبسه. القول الراجح: أنه إذا كان من الزينة فإنه يحرم لُبْسُه، أما إذا لم يكن من الزينة فلا بأس بلبسه.
وقياس هذا على المرأة إذا كانت حَسَنة الخِلْقة قياسٌ مع الفارق، ونقول: الأبيض هو كغيره من اللباس، فما الذي يخص الأبيض بحكم معين؟! الأبيض كغيره من اللباس، فإذا كان من لباس الزينة فالمُحِدَّة ممنوعة منه، وإذا كان ليس من لباس الزينة فيجوز لها لبسه. فلا وجه إذن لاختصاص الأبيض بحكم معين.
حكم مُكْث المُحدَّة في المنزل الذي مات فيه زوجها
قال:
هذا الأمر كم؟ الخامس: البقاء في المنزل.
هنا، ذكرنا: الطِّيب، والحُلِيَّ، والزينة في الثياب، والزينة في البدن، وكذلك أيضًا “البقاء في المنزل”.
إذن؛ الطِّيب، والحُلِيُّ، والزينة في الثياب، والزينة في البدن، والبقاء في المنزل.
وأيضًا، بعض العلماء يُضيف الكحل، والكحل قد نُدخله في الزينة في البدن وقد يُفرَد، فإن أفردته تُصبح الممنوعات في حق المُحِدَّة ستة، وإن أدخلته في الزينة في البدن يدخل، لكن بعض العلماء يُفرده، ولا مشاحة في الاصطلاح، فإذا أفردناه تُصبح خمسة.
نَعُدُّها مرة أخرى: الطِّيب، والحُلِيُّ، والزينة في اللباس، والزينة في البدن، والكحل، والخروج من المنزل لغير حاجة.
نضبطها يا إخوة، هذه تُحفَظ حفظًا؛ لأنها مهمة جدًّا، تقول: هذه التي تُمنع منها المرأة المُحِدَّة، وما عداها يجوز.
نعدها مرة أخرى، من يعدها لنا مرة أخرى: الأمور الستة؟ نعتبر الكحل؛ نفرده لأهميته.
ما هي الأمور التي تمنع منها المرأة المُحِدَّة؟
- أولًا: الطِّيب بجميع أنواعه.
- ثانيًا: الزينة في اللباس.
- الزينة في البدن.
- الخروج من المنزل.
لو أخذتها بالترتيب ما نسيت شيئًا. - الحُلِيُّ والكحل.
باقٍ معنا: الخروج من المنزل، الخروج من المنزل فيه شيء من التفصيل؛ قال:
ورد في ذلك حديث أبي سعيد ، حديث زينب بنت كعب بن عُجْرة عن الفُرَيْعة بنت مالك أخت أبي سعيد، يعني ورد في ذلك حديث الفريعة بنت مالك أخت أبي سعيد الخُدْري، هي الفريعة بنت مالك الخدري رضي الله عنها، أي: أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، جاءت إلى رسول الله تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خُدرة، فإن زوجها خرج في طلب أَعْبُدٍ له أَبِقُوا حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه، فسألت رسول الله أن ترجع إلى أهلها، قالت: فإن زوجي لم يتركني في مسكنٍ يملكه ولا نفقة؟ فقال لها رسول الله : نعم. فخرجت، قالت: حتى إذا كنتُ في الحجرة أو في المسجد، دعاني أو أمر بي فدُعيت له، قال: كيف قُلْتِ؟. فرددت عليه القصة، فقال: امكُثي في بيتكِ حتى يبلغ الكتاب أجَلَه، وهذا محل الشاهد: امكثي في بيتكِ حتى يبلغ الكتاب أَجَلَه. وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، وقال الترمذي عنه: “إنه حديث حسن صحيح”[11].
وفيه زينب بنت كعب بن عُجْرة، قيل: إنها مجهولة، وابن القيم رحمه الله في “زاد المعاد” انتصر للقول بصحة الحديث، ونقل عن ابن عبدالبر قال: “هذا حديث مشهور معروف عند علماء الحجاز والعراق”.
وتعَّقب ابنُ القيم ابنَ حزم، ابن حزم ضعَّف هذا الحديث، وقال: “إن زينب هذه مجهولة”، فقال ابن القيم: “إن ما قاله أبو محمد غير صحيح، وإن الحديث حديث صحيح أدخله مالك في الموطأ، واحتجَّ به، وبنى عليه مذهبه، وإن زينب بنت كعب من التابعيات ومن الثقات، امرأة تابعية تحت صحابي، روى عنها الثقات واحتج الأئمة بحديثها وصححوه”.
فإذن؛ الصحيح أن هذا الحديث ثابت، وهو حجة في هذه المسألة. إذن؛ يجب على المرأة أن تبقى في بيت الزوج.
وسبق أن قلنا: إنَّ عِدَّة المرأة أنها حقٌّ عليها، فملازمتها للمنزل حقٌّ عليها، فإذا تركه لها الورثة ولم يكن عليها ضرر أو كان مسكنٌ لها؛ لزمها أن تمكث فيه طيلة العدة، ولا يجوز لها أن تخرج منه إلا لحاجة.
بعض أهل العلم قالوا: إنه لا حاجة أصلًا لهذا الأمر السادس؛ لأن المرأة في الأصل يجب عليها أن تَقَرَّ في البيت، ولا يجوز لها أن تخرج من البيت إلا لحاجة، حتى وإن كانت غير مُحِدَّة أصلًا؛ لقول الله : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33].
“قال الزركشي رحمه الله: اشترط كثيرٌ من الأصحاب لخروجِها الحاجةَ”، قال: “وأحمد وجماعة لم يشترطوا ذلك، فلا حاجة في التحقيق إلى اشتراطه”، استمِع كلام الفقهاء: “فلا حاجة في التحقيق إلى اشتراطه؛ لأن المرأة وإن لم تكن متوفى عنها تُمنع من خروجها من بيتها لغير حاجة مطلقًا”. فالله المستعان.
انظر إلى حال نساء المسلمين الآن، أصبح الآن الأصل في المرأة في الوقت الحاضر هو الخروج من المنزل، ليس هو القرار في البيت، الأصل في المرأة أنها تقَرُّ في بيتها: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33].
ولهذا؛ لاحِظ كلام الزركشي ونقله عن الإمام أحمد، وغيره من قدماء الأصحاب أصلًا لم يذكروا هذا الأمر؛ لأن المُحِدَّة كغيرها، أصلًا ما تخرج من البيت إلا لحاجة، لكن نحن نقول: إن هذا يتأكَّد، وإن كان هذا مطلوبًا من المرأة أصلًا، إلا أنه يتأكَّد في حق المرأة المُحِدَّة؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: امكثي في بيتكِ حتى يبلغ الكتاب أجَلَه[12].
قال: (ما لم يتعذر) إذا تعذَّر ذلك، كأن -مثلًا- تخشى المرأة على نفسها، مثلًا: تكون امرأة شابة، وليس عندها أولاد، وتخشى أن يُعتدى عليها، إذا كانت -مثلًا- امرأة شابة ووحيدة في البيت يُطمع فيها، فيجوز لها أن تنتقل عنه، أو أن البيت مثلًا كان مستأجرًا، ولم تجد الأُجرة التي تدفعها للمالك، أو نحو ذلك من الأسباب، فيجوز لها ألا تبقى في بيت زوجها، يجوز لها أن تخرج من البيت للحاجة، إذا وجدت حاجة جاز لها أن تخرج.
هل الخروج للوظيفة يُعتبر من قبيل الحاجة؟ مثلًا امرأة مُعلِّمة تُوُفي عنها زوجها وهي معلمة، هل يجوز لها أن تذهب لوظيفتها فنقول: هذا من الخروج لحاجة، أو لا يجوز؟
مداخلة: …..
الشيخ: نعم، يعتبر من قبيل الحاجة، يجوز، يجوز مطلقًا، الفقهاء لا يُشدِّدون، أدنى حاجة يجوز لها الخروج، بل حتى لو كانت طالبةً أيضًا يجوز لها الخروج للدراسة، لو -أيضًا- حتى لمستشفى يجوز لها أن تخرج، المحكمة يجوز لها أن تخرج، بل حتى ذكروا أنه يجوز لها أن تخرج للسوق لقضاء حاجتها إذا كان لا أحد يأتي لها بحوائجها؛ امرأة محتاجة لبعض الحوائج ولم تجد من يأتي لها بحاجتها؛ يجوز أن تذهب للسوق لقضاء حوائجها. لكن ذلك مقيد بالحاجة فقط.
إذن؛ ما الذي تُمنع منه؟ تُمنع من الخروج لغير حاجة، لو أرادت مثلًا أن تخرج للنزهة تُمنع منها، أرادت أن تخرج لحضور مناسبة -مثلًا- زواج تُمنع من ذلك، فيعتبر هذا من الخروج لغير حاجة. هذا أفتى به الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله، وذكر أن خروج المُحِدَّة لدراستها أو لوظيفتها أو للسوق للحاجة أو للعلاج أو للمحكمة؛ كُلُّ هذه تعتبر من قبيل الحاجة، فيجوز للمُحِدَّة أن تخرج لها.
مداخلة: …..
الشيخ: هذا فيه تفصيل، موت أبيها فيه تفصيل، إذا كان الأمر يتطلب خروجها لا بأس، وإلا فالأصل أن تبقى.
عدة المتوفى عنها زوجها إذا لم تعلم بوفاته
قال:
يعني: العدة تنقضي بمضي الزمان، والمكان ليس شرطًا للاعتداد، يعني مثلًا لو لم يبلغها الخبر إلا بعد خمسة أشهر، بعد خمسة أشهر بلغها أن زوجها توفي، فهل عليها عدة؟ وهل عليها إحداد؟
ليس عليها شيء، خلاص، فالعدة إذن تنقضي بمضي الزمان، وليس علمها بوفاة زوجها شرطًا في العدة، فلو لم تعلم إلا بعد انقضاء العدة تكون سقطت وليس عليها شيء، لا يلزمها أن تعتد ولا يلزمها أيضًا أن تُحِدَّ عليه، تكون خرجت من العدة.
هذه أبرز المسائل المتعلقة بالإحداد.
هل بقي هناك مسائل لم نذكرها؟
مداخلة: …..
الشيخ: نعم، بعض العلماء يقولون: إن خروجها يكون نهارًا، لا تخرج ليلًا؛ لأن الليل هو وقت المبيت. فهذا لا دليل عليه، لكن من جهة المعنى أنها إذا أرادت أن تخرج فخروجها نهارًا أخف من خروجها ليلًا، هذا لمَّا كان الناس في الزمن السابق ينامون بعد العشاء مباشرة، الآن أصبح الليل كالنهار، اللهم إلا مَثَلًا في آخر الليل، هذا صحيح، يعني: مِن بعد مثلًا الساعة الثانية عشرة هذا صحيح، حتى الآن عند الناس وقت للنوم، أما ما عدا ذلك فالذي يظهر أن أول الليل في وقتنا الحاضر هو كالنهار.
مداخلة: …..
الشيخ: أصلًا لا نقول: هل يجب؟ هل يجوز؟ نقول: يجوز، هو أصلًا ليس واجبًا، وإنما جائز، فلها أن تترك هذه الأمور الستة أو بعضها، أو لها ألا تُحِدَّ عليه، لكن نقول: إذا أَحَدَّت عليه فيجوز، سواء بهذه الأمور الستة أو ببعضها أو تركت الإحداد أصلًا.
مداخلة: …..
الشيخ: لا، هذا غير مشروع، الإحداد للرجل غير مشروع، هذا خاص بالمرأة، لكن لو ترك من غير تعبد، من غير قصد، من قبيل الانشغال؛ لا حرج، أما أن يقصد ذلك فهذا غير مشروع.
مداخلة: …..
الشيخ: لا، العقد غير صحيح، لا يجوز، هذا العقد عقد باطل، لكن هل يجوز خطبتها في أثناء العدة؟ هذا ذكره الله في قوله: وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ [البقرة:235]، يجوز التعريض ولا يجوز التصريح.
باب: استبراء الإماء
ثم قال المؤلف، عندنا (باب: استبراء الإماء) الكلام فيه ليس طويلًا.
قال:
الاستبراء هنا خصَّه المؤلف رحمه الله بالإماء، وبعض أهل العلم يقول: إنه ليس خاصًّا بالإماء، بل يكون لغير الإماء.
وسبق أن مَرَّ معنا أن الموطوءة بشُبهة، والمَزْنيَّ بها، والمَوْطوءة بعقدٍ فاسد؛ تُستبرأ.
ولهذا؛ فالصواب أن الاستبراء ليس خاصًّا بمِلك اليمين، بل يمكن أن يكون الاستبراء لغير المملوكة؛ كالموطوءة بشُبهة، والمزني بها، والموطوءة بعقد فاسد، فإن هذه تُستبرأ بحيضة.
ولهذا؛ بناءً على هذا الترجيح يمكن أن نُعرِّف الاستبراء بأنه: “تربُّصٌ يُقصد به العلم ببراءة الرحم”.
مواضع وجوب استبراء الإماء
قال:
(وهو) يعني: استبراء الإماء، المؤلف يتكلم عن استبراء الإماء، يعني: يجب استبراء الإماء.
إذا انتقل المِلك
فمَن مَلك أَمَة يُوطأ مثلها يجب عليه أن يستبرئها، وليس له أن يطأها حتى يستبرئها.
واستبراء الإماء يكون بحيضة، يستبرئها بحيضة؛ قال:
يعني: حتى لو كان المالك لهذه الأَمَة لمَّا اشتراها، كان المالك لها طفلًا، والطفل لا يطأ، عمره أربع سنين أو خمس سنين، أو امرأة، فيقول: يجب الاستبراء. وهذا هو المذهب عند الحنابلة.
والقول الثاني في المسألة: إنه لا يلزم الاستبراء إذا ملكها من طفل أو امرأة. وهذا هو القول الراجح: أنه إذا ملكها من طفل أو امرأة أو أنثى، فلا يجب الاستبراء؛ وذلك لعدم الحاجة إليه.
قال:
يعني: حتى لو كان هو الذي باعها ثم عادت إليه مرة أخرى، فلا بد أن يستبرئها؛ لأن الغرض من الاستبراء هو التأكُّد من براءة الرحم.
قال:
وهذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، هل يجوز له أن يستمتع منها بغير الوطء؟ فالمذهب عند الحنابلة: لا يجوز ذلك.
والقول الثاني: إنه ممنوع فقط من الوطء، وأن الاستمتاع بها في غير الوطء، يعني: اشترى أَمَةً، نقول: لا يجوز لك أن تطأها حتى تستبرئها بحيضة، قال: أريد أن أستمتع بها بغير الوطء؛ فالمذهب أنه لا يجوز كما قال المؤلف (ولو بالقبلة حتى يستبرئها).
والقول الثاني: إنه يجوز، يجوز الاستمتاع بالأَمَة بغير الوطء قبل الاستبراء، وهذا القول رجَّحه واختاره ابن القيم رحمه الله، وقال: “إن النهي إنما ورد عن الوطء”.
ورُوي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يفعله، رُوي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يفعل ذلك، يعني: يستمتع بالأَمَة بغير الوطء قبل الاستبراء.
ولعل هذا هو القول الراجح: أنه يجوز الاستمتاع بها بغير الوطء؛ لأن الغرض -كما ذكرنا- من الاستبراء هو التأكُّد من براءة الرحم، ولا يُؤثِّر على ذلك مسألة الاستمتاع بها بغير الوطء، اللهم إلا إذا كان لا يملك نفسه، ويخشى أنه لو استمتع بها بغير الوطء سوف يطؤها، فيُمنع من ذلك كالصائم، الصائم هل يجوز له المباشرة وهو صائم؟
النبي -كما تقول عائشة رضي الله عنها- كان يُقبِّل وهو صائم، ويُباشر وهو صائم -الحديث في الصحيحين- لكنْ كان أمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ[13].
وإذا كان الإنسان يملك إرْبَه ويضمن عدم الوطء أو عدم الإنزال بالنسبة للصيام فيجوز، أما إذا كان لا يملك ولا يضمن ذلك فلا يجوز.
وهكذا أيضًا نقول بالنسبة للاستمتاع بالأَمَة قبل الاستبراء.
إذا ملك أمة ووطئها ثم أراد بيعها أو تزويجها
قال:
إذا كانت هذه الأَمَة يطؤها بمِلك اليمين ثم أراد أن يُزوِّجها؛ فلا بد من الاستبراء.
فلا بد من أن يستبرئها قبلُ؛ وذلك لأن بيعها أو تزويجها قبل استبرائها يُفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب.
لو خالف، قال:
يصح البيع، لكن النكاح لا يصح، أما البيع فيصح ويطلب من المشتري أن يستبرئها.
قال:
يعني: جاز البيع والنكاح، يعني: لو كانت الأَمَة عنده، لم يطأها أصلًا؛ فيجوز في هذه الحال لو باعها أو زوَّجها من غير استبراء، جاز ذلك للقطع ببراءة الرحم؛ لأن الغرض من الاستبراء هو براءة الرحم، وهنا براءة الرحم مقطوع بها.
إذا أعتقت الأمة قبل أن تستبرأ
قال:
وذلك لأنها فراش سيدها، وقد فارقها بالعتق أو الموت، فلم يجُز أن تنتقل إلى فراش غيره بالاستبراء.
فإذا أعتق أَمَته فلا بد أن تُستبرأ، أو مات عنها فلا بد أن تُستبرأ، لا تنتقل إلى فراش غيره إلا بالاستبراء.
ما يحصل به استبراء الإماء
قال:
واستبراء الحامل: بوضع الحمل.
استبراء الحامل بوضع الحمل، وهذا بالإجماع؛ لقول الله : وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4].
من تحيض بحيضة واحدة تُستبرأ بحيضة؛ لقول النبي في سَبْي أَوْطَاس: لا تُوطأ حامل حتى تضع، ولا غير حامل حتى تحيض. رواه أبو داود وغيره، وهو حديث صحيح: لا تُوطأ حامل حتى تضع، ولا غير حامل حتى تحيض[14].
فقوله : ولا غير حامل حتى تحيض ظاهر الدلالة في أنَّ مَن تحيض تُستبرأ بحيضة.
قال:
استبراء الأَمَة الآيسة والصغيرة وكذلك التي لم ترَ الحيض يكون ذلك بشهر؛ لأن الشهر يقوم مقام الحيضة، نحن قلنا: إذا كانت تحيض بحيضة واحدة، والشهر يقوم مقام الحيضة.
قال:
مَن ارتفع حيضها ولم تعلم ما رفعه: بعشرة أشهر، لماذا عشرة أشهر؟ تسعة أشهر للحمل، وشهر للاستبراء كما سبق معنا في الدرس السابق.
قال:
وسبق أن قلنا في الدرس السابق: إنه لا فرق بين العالمة وغير العالمة، ورجحنا هذا القول؛ وعلى ذلك لا فرق بينها أيضًا في هذه المسألة، وأن الاستبراء يكون بعشرة أشهر.
قال:
لأن الملك ينتقل بمجرد البيع وقد وُجد، فلا يكون إذن الاستبراء إلا بعد تمام الملك، ولا يُشترط له القبض.
قال:
الحيضة التي يملكها فيها لا تُعتبر ولا تُحسب، كما لو طلق زوجته وهي حائض، هل تُعد تلك الحيضة؟ لا تُعد، لا تُعد تلك الحيضة، كذلك أيضًا هنا.
قال:
يعني: اكتفي بتلك العدة لحصول العلم بالبراءة.
مثل أبيه مثلًا أو ابنه.
لأن هذه الأمور إنما تُعرف من جهتها ما لم يقم دليل على عدم صدقها، فالأصل هو تصديقها في ذلك.
هذا حاصل كلام أهل العلم في هذا الباب.
ما أدري (كتاب الرضاع) ترون نأخذه الآن أو نُرجئه للدرس القادم؟
لعلنا إذن نُرجئه للدرس القادم، كانت النية أننا نأخذه في هذا الدرس، لكن ربما أننا أطلنا فنُرجئه إذن للدرس القادم.
نكتفي بهذا القدر، ونُجيب عما تيسر من الأسئلة.
الأسئلة
السؤال: …..
الشيخ: ثلاثة قروء ليس لأجل براءة الرحم فقط، يعني لحِكَمٍ أخرى مرَّت معنا، لِحَقِّ الله ، وحق الزوج، وحق الناكح الثاني، وحق الناكح الأول، عدة حقوق اجتمعت فيها، فليست فقط الحكمة من العِدة العلم ببراءة الرحم، فيها عدة أمور.
السؤال: أحسن الله إليكم وبارك فيكم. هذا السائل يقول: فضيلة الشيخ، ألا نقول بالتفريق بين الإحرام والإحداد في شرب الزعفران؛ لاختلاف علة المنع، فعِلَّة المنع في الإحرام: لمنع الترفُّه والتنعُّم، أما في الإحداد فعِلَّة المنع لأنه من دواعي النكاح وتحرك الشهوة، وهذا منتفٍ في شرب الزعفران؟
الشيخ: مسألة أن الحِكمة هي الترفُّه، هذا استنباط من بعض العلماء، ليست أولًا هي العِلَّة، القول بأن العِلَّة في النهي عن استعمال المُحرِم للطِّيب هي الترفُّه غير صحيح، فقد يكون هناك حِكم أخرى، وهذا استنباط من بعض أهل العلم.
يعني قيل: إن هذه هي الحكمة. وقيل: إن الله قال: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196]، فقالوا: إن العلة بالنسبة لحلق الشعر هو ما يحصل به إزالة الأذى، وليس مجرد الترفُّه، يعني: هل المحرِم ممنوع من الترفُّه؟
لو أراد المحرم أن يترفَّه بأيِّ نوع من أنواع الترفُّه، كما ترون في بعض حملات الحج التي فيها رفاهية، فيها رفاهية شديدة، هل المحرم ممنوع من الترفُّه؟ ليس ممنوعًا من الترفُّه.
مداخلة: …..
الشيخ: هذا الأولى، الأولى أن يكون هذا خُلُقًا، منهج المسلم أن يبتعد عن الترفُّه؛ لأنه لم يُذكر في القرآن إلا على سبيل الذم.
لكن لو أراد المحرم أن يترفَّه، اختار مثلًا حملة من الحملات التي فيها شيء من الرفاهية، لا نقول: إن هذا حرام عليه، أو يُؤثِّر على صحة حجِّه، فمسألة أنَّ المُحرِم ممنوعٌ من الترفُّه، هذا لا يُسلَّم.
ولذلك؛ ننطلق من النص، النبي عليه الصلاة والسلام منع المُحرِمَ من الطِّيب، ومنع المرأة المحِدَّة من الطِّيب، ما هو الطِّيب؟ هل نحصر الطِّيب في الملموس؟ أو نُعمِّم فنقول: الطِّيب سواء كان ملموسًا أو ملبوسًا أو مشروبًا؟
هذا هو الأظهر، الأظهر هو العموم، فقد يكون هناك حِكَم أخرى لم نقف عليها، والله أعلم، فكون -مثلًا- المحِدَّة ممنوعة من الطِّيب لكونه يحرك الشهوة، قد يكون هناك حكم أخرى غير هذه.
وأيضًا المُحرِم -كما ذكرنا- الأصل ألا نقول: إنه ممنوع من التَّرَفه، لكن مُنِعَ من أمور معينة.
بعض العلماء استنبط الحِكَم، قال: لعلها هي الترفُّه، فلا نبني عليها حكمًا في هذا.
نعم، لو كانت العلة منصوصًا عليها فصحيح، أما ما دامت مجرد استنباطات من بعض العلماء كما ذكرنا، مسألة الترفُّه يرِدُ عليها: أن المحرم ليس ممنوعًا أصلًا من الترفُّه.
السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ. هذا السائل يقول: ذكرتم أن المرجع في حكم الساعة للمُحِدَّة هو العرف، إن كان للزينة أو لا، لماذا لا نقول: إن المرجع هو العرف في السِّنِّ من الذَّهَب أيضًا؟
الشيخ: يعني مقصود السائل أن نقول: إن السِّنَّ إذا كان المقصود منه الزينة، أو ليس المقصود منه الزينة. إذا كان العرف ينضبط فقولٌ مُتَّجِه، إذا كان ينضبط. لكن، هل ينضبط مثل هذا؟
أحيانًا العرف ما ينضبط، أحيانًا تختلف أعراف الناس ولا تنضبط المسألة.
يعني في وقتنا الحاضر؛ لُبْسُ أو تلبيس السِّن من الذهب ليس الآن بالضرورة، ولا حتى حاجة، الآن يوجد بدائل أفضل منه، وأرخص منه، أليس كذلك؟ وجود البدائل الآن أفضل وأرخص.
فكُلُّ امرأةٍ تقصد تركيبَ سِنٍّ من ذهب، فمعنى ذلك: أن الزينة مقصودة، لو كان في الزمن السابق قبل أن توجد هذه البدائل؛ ممكن، ممكن قديمًا كانت الحاجة قائمة لتركيب سِنٍّ من ذهب.
أما في الوقت الحاضر، أصبحت الحاجة ليست قائمة، البدائل أرخص، خاصة مع ارتفاع سعر الذهب الآن، يعني: تركيب السِّنِّ من الذهب مُكلِّف، فلا تَعْمَدُ المرأة إلى هذا إلا إذا قصدت الزينة به، هذا الذي يظهر. والله أعلم.
ولذلك؛ لا نربط هذا بالعرف، نقول: إذا كانت قصدت الزينة -ويُقصد منه الزينة أصلًا- يجب أن تنزعه، إلا إذا كان عليها ويَلْحقها ضرر فلا تنزعه، لا يلزمها ذلك.
السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ. هذا السائل يقول: ما حكم الشرع فيما يُفعل عند وفاة رؤساء الدول من تنكيسٍ للأعلام والإحداد لجميع الرجال والنساء؟
الشيخ: أولًا صيغة السؤال: “ما حكم الشرع؟” هذه محل نظر؛ لأنك إذا قلت: “حكم الشرع” المجيب عن السؤال قد يُوفَّق لحكم الشرع وقد يُخطئ.
ولهذا؛ النبي في حديث بُريدة قال: إذا حاصرتَ حصنًا فطلبوا أن تنزل على حكم الله ورسوله فلا تُجبهم، فإنك لا تدري أتُصيب حكم الله ورسوله أم لا، ولكن أنزلهم على حكمك[15].
هذه من الأمور المهمة، لا يقال: إن هذا حكم الإسلام، أو حكم الشرع، وإنما يُقيَّد، ولو قيل مثلًا: “حكم الشرع في نظركم” هذا تقييد لا بأس به، أو ما الراجح؟ أو ما الأقرب؟ أو ما الأظهر؟ أو نحو ذلك.
بالنسبة لتنكيس الأعلام: هذا من البِدَع، ولا يجوز مثل هذا العمل، تنكيس الأعلام والإحداد الموجود الذي تفعله بعض الدول عند وفاة الميت؛ هذا من البدع المُحدَثة.
وقد نبَّه على هذا العلماءُ قديمًا وحديثًا، ومِن أكثر مَن نبَّه على هذا سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله، وله في هذا كتابات كثيرة.
فهذه من البدع المُحدَثة، سواء تنكيس الأعلام أو تعطيل الأعمال أيضًا؛ كونه يكون هناك إجازة عند الوفاة، هذه كلها من البدع المحدَثة.
السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ. هذا السائل يقول: هل يدخل في الزينة إزالة الشعر من اليدين والرجلين واستخدام الكريمات والدهانات المنعِّمة للبشرة؟
الشيخ: إزالة الشعر من اليدين والرجلين، هل نعتبر هذا يدخل في باب الزينة في البدن؟
الذي يظهر أنه لا يدخل، لا يدخل هذا؛ لأن هذه من الأمور المباحة أصلًا، فالشعور ثلاثة:
- شعور أوجب الشرع إعفاءها، وهو شعر اللحية.
- وشعور سكت الشارع عنها.
- وشعور استحب الشارع أخذها؛ كشعر العانة والإبط، هذه تستحب.
وشعور سكت عنها الشارع؛ كشعر الساق -مثلًا- واليدين، هذه تبقى على الأصل وهو الإباحة.
فيظهر أنه لا تختلف المحِدَّة عن غيرها، لا بأس أن تأخذ المحِدَّة من شعرها، وأن ذلك لا حرج فيه.
السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ. هذا سائل يسأل عن حكم الحيلة في استرداد الحق الضائع؟
الشيخ: الحق الضائع! يعني لا أدري ما مقصود الأخ، ربما قَصْده: الحق الذي لا يستطيع الوصول إليه إلا بالحيلة؟ حقٌّ له لا يستطيع أن يصل إليه إلا بالحيلة؟
أما الضائع! هو ضائع، لو وجده هو له، لكن ربما هذا مقصود الأخ: إذا كان لك حقٌّ عند إنسان لا تستطيع أن تصل إليه إلا بالحيلة، هذه ترجع إلى مسألة الظَّفَر التي ذكرها العلماء.
والصحيح أن الحق إذا كان ظاهرًا فلا بأس به، فلو كان مثلًا لك دَين، تطلب إنسانًا دَينًا، وهذا الدَّين مُثبَت، تطلب إنسانًا دَينًا فطلبت منه هذا الدَّين يُسدده لك، فرفض أو ماطل، تطلبه عشرة آلاف ريال وماطل، “يا فلان، أعطني حقي” وكل يوم يُماطل. ووجدت مثلًا هاتف الجوال له، فأخذته، وقلت: آخُذُه، أريد أن أبيعه وأستوفي حقي. هذا يدخل في مسألة الظَّفَر، ما لم يتضرر.
يعني مثلًا: تُعيد له الشريحة، لكن تأخذ الجهاز مثلًا، أو دخلت مثلًا محلًّا له، بقالة مثلًا، واشتريت منه بأَجَلٍ، ثم بعد ذلك لم تُسدِّد وتقول: أُسقِط هذا الدَّين من الدين الذي في ذمتك.
هذه كلها جائزة، لا بأس بهذه الحيل؛ لأنك إنما تُريد أن تصل إلى حقك، أو إلى أَخْذ بعض حقك، والنبي عليه الصلاة والسلام قال لامرأة أبي سفيان: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف[16]؛ لأن لها حقًّا في النفقة، فأبو سفيان لما منعها من حقها، فالنبي رخَّص لها في أن تأخذ حقها بغير علمه، لكن بالمعروف.
مداخلة: …..
الشيخ: الخيانة، الحديث ضعيف، لكن على تقدير ثبوته، المقصود بالخيانة: إذا خانك لا تَخُنه، لكن إذا أردت أن تَصِلَ إلى حقك فلا يعتبر هذا خيانة، أنت تريد أن تأخذ حقك الآن.
السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ. هذا السائل يقول: ذكرتم أنه يجوز قطع صلاة النافلة، فهل عليه أن يُسلِّم قبل قطع الصلاة؟
الشيخ: إذا قلنا: يقطعها، لا تحتاج إلى سلام؛ مثلًا: لو أُقيمت الصلاة، وقطعتَ النافلة، ما تحتاج أن تُسلِّم، السلام يكون بعد الفراغ من الصلاة.
الآن، تجد بعض العامة إذا أُقيمت الصلاة يُسلِّم عن يمينه وعن يساره، هذا غير صحيح، إذا أُقيمت الصلاة، تقطع الصلاة من غير تسليم، التسليم إنما يكون في آخر الصلاة.
السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ. هذا السائل يقول: ما حكم مس المصحف لمن عليه حدث أصغر؟ وهل الحديث الوارد في النهي صحيح؟
الشيخ: الحديث الوارد: هو حديث عمرو بن حزم، كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبي عليه الصلاة والسلام لأهل اليمن: وأن لا يمس القرآن إلا طاهر[17]، وهذا الحديث هو من جهة الإسناد ضعيف، لكن تلقَّته الأُمَّة بالقبول، وعملوا به، هذا للشهرة وتَلَقِّي الأُمَّة له بالقبول؛ يحكم بصحة السند لأجل هذا.
يعني: بعض الأحاديث يُحكم لها لأجل شهرتها وتَلَقِّي الأمة لها بالقبول؛ ولذلك فالعلماء أخذوا بما فيه من الأحكام؛ من الدِّيَات، من المقادير، عمل به العلماء.
وبناءً على ذلك يكون هذا الحديث حجة في هذا، وعلى هذا فلا يجوز للمُحدِث حدثًا أصغر أن يمس المصحف. وهذا هو الذي عليه المذاهب الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وخالف في ذلك الظاهرية، وقالوا: إنه يجوز.
لكن الصواب هو قول الجمهور، الصواب في هذا هو قول الجمهور؛ لهذا الحديث، بل قال ابن تيمية رحمة الله عليه: إن قول الله : لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79] وإن كان المقصود به الملائكة، لكن في هذا إشارة كأنه لكم أنتم أيها المخاطبون بهذا القرآن، إذا كان لا يمسه من الملائكة إلا المطهرون، فينبغي لكم أنتم أيضًا ألا تمسوه إلا وأنتم متطهرون. فهو استدلال بطريق الإشارة، ذكر هذا المعنى اللطيف ابن تيمية رحمه الله.
لكن ما المقصود بالمصحف؟ يعني لو أردت الآن أن تأخذ المصحف هذا بغلافه وأنت على غير طهارة، نفترض، هل يجوز؟ يجوز؛ لأنك لم تمس المصحف. المصحف: هو الورق المكتوب فيه، المصحف هذا الورق، هذا هو المصحف.
لكن، لو كنت على غير طهارة، وأخذته بالغلاف فيجوز، نص الفقهاء على هذا، على أنه يجوز أخذ المصحف بغلافه أو بكيس أو نحو ذلك.
فإذن؛ الممنوع هو فقط مسُّ الورق؛ ولهذا هذه الأغلفة للمصاحف فيها توسعة للناس، لو أردت أن تأخذ المصحف وتُعطيه آخر بالغلاف لا حرج، الممنوع أن تمس ورق المصحف.
ثم حتى -أيضًا- الأمر واسع في هذا، لو أردت أن تقرأ وأنت على غير طهارة وتثاقلت، كأن يكون -مثلًا- الجو باردًا؛ يمكن أن تقرأ القرآن ولا تمس المصحف، تمسه من وراء حائل، تأخذ مثلًا الشماغ أو الغترة والثوب وتفتح به الصفحة، فالأمر فيه سعة.
مداخلة: …..
الشيخ: هو الذي يظهر أنه يجوز، أن الحكم خاص بالمكتوب، هو الذي له الحرمة، وهو الذي يقال عنه: إنه مصحف، أما الحواشي هذه فما تأخذ حكم المصحف.
السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ. السؤال الأخير يقول: إذا وصل خبر وفاة الزوج إلى المرأة ولم يُعلم موعد وفاته بالضبط، فمتى تبدأ عدتها؟
الشيخ: تبدأ العدة من حين الوفاة، إذا لم تعلم المرأة بهذا فتتحرى وتحتاط إذا كان عندها قرائن، وإذا لم يكن عندها أيُّ قرينة فتعمل باليقين، واليقين ما هو؟ أن تعتد أربعة أشهر وعشرًا، اليقين أنها تعتد أربعة أشهر وعشرًا، وهذا لا إشكال فيه.
الإشكال في امرأةِ المفقود، امرأة المفقود القول الصحيح -كما مر معنا- أنها تبدأ عدتها من حين حُكْم القاضي، إذا حكم القاضي بالوفاة ونطق بالوفاة فتبدأ عدتها.
أما مَن عداها فمِن حين العلم بالوفاة.
السؤال: …..
الشيخ: مزيل الرائحة للمُحِدَّة والمحرِم أيضًا، مزيل الرائحة هل فيه طِيب؟
الذي يظهر أنه أنواع، أنه يختلف بحسب أنواعه، فبعضها مُطيَّب معطَّر، وبعضها غير معطَّر، فإذا كان معطَّرًا فلا يجوز لا للمُحِدَّة ولا للمحرِم، وإذا كان غير معطَّر فلا بأس.
فيظهر أنه عدة أنواع، وليس نوعًا واحدًا.
مداخلة: …..
الشيخ: إي نعم، هذا سؤال كثيرًا ما يُطرح: خروج المحِدَّة للصلاة على زوجها، هل يعتبر هذا من قبيل الحاجة أو لا؟ أو نقول: لا يجوز لها؟
مداخلة: …..
الشيخ: إذا كان بالإمكان أن تُصلِّي عليه في البيت فهذا طيب، لكن لو كان ذُهب به من المستشفى إلى مغسلة الأموات ثم للمسجد، مع أنَّ -يا إخوان- الصلاة على الأموات في المسجد محل خلاف بين العلماء، بعض العلماء يمنع من ذلك.
والصحيح: أنه يجوز؛ لصلاة النبي عليه الصلاة والسلام على سُهيل بن بيضاء[18].
السنة في هذا، والتي تركها الناس، لكن على الأقل لا بد أن تُبيَّن على الأقل ولو بالقول، حتى تُبيَّن السنة في هذا.
السنة في هذا: أن الميت إذا مات يُذهب به إلى المقبرة مباشرة، ويُصلى عليه عند المقبرة؛ كان النبي عليه الصلاة والسلام عنده مصلى جنائز[19]، ويُدفَن.
أما ربط الناس الآن بصلاة الظهر والعصر؛ هذا غير صحيح. نعم، لو كان قريبًا من وقت صلاة الظهر والعصر فلا بأس، لكن أن تُحبس الجنازة إلى وقت صلاة الظهر أو العصر هذا مخالف للسنة، كون الناس اعتادوا على هذا، هذا ليس بدليل، ونَقْل الناس عن عوائدهم من أصعب ما يكون.
قد يقول بعض الناس: إن الناس لا يجتمعون إلا في الصلاة، هذا غير صحيح، لو عُوِّد الناس على هذا وقيل: إن فلانًا وفلانًا توفوا وسيُصلَّى عليهم في مصلَّى الجنازة عند المقبرة، أو سيُصلَّى عليهم في المقبرة نفسها، فالناس سيتعودون على هذا.
أمَّا أن تُحبس الجنازة إلى وقت الظهر، أحيانًا يموت في اليوم ولا يُصلَّى عليه إلا غدًا بعد العصر، هذا خلاف السنة.
وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام أمر مَن يحمل الجنازة بالإسراع وهم حاملو الجنازة، قال: إن تكُ صالحة فخيرٌ تُقدمونها إليه، وإن تكُ ما سوى ذلك فشرٌّ تضعونه عن رقابكم[20].
ما بالك بحبس الجنازة هذه المدة؟! هذه من الأمور المخالفة للسنة التي ينبغي إنكارها.
وبيان السنة في هذا على الأقل بالقول؛ حتى نَسْلم من التَّبِعة.
وأنا رأيت في بعض دول الخليج لا زال الأمر عندهم على السنة، إذا مات الميت يُغسِّلونه ويُكفِّنونه ويُصلُّون عليه، ويُعلنون للناس أنه سيُصلَّى عليه في الساعة الفلانية، ويُدفن. ولا يرتبطون بصلاة الظهر والعصر.
بقيت مسألتنا هذه: هل ذهاب المرأة للصلاة على زوجها أو على قريبها يُعتبر من الحاجة؟
على قريبها الأمر واسع؛ لأن الإحداد ليس واجبًا، وإنما جائز في حدود ثلاثة أيام، لكن الإشكال على الزوج، باعتبار أن الإحداد واجب.
إذا كنا قد أجزنا لها الخروج للسوق، واعتبرنا هذا من قبيل الحاجة، فالذي يظهر أن هذا أولى بأن يُرخَّص لها فيه، على أن -أصلًا- المسألة “مسألة بقاء المرأة في بيتها” كما ذكرنا ليس فيها إلا حديث فُريعة على اختلافٍ في صحته[21].
وأيضًا بعض أهل العلم يقول: إن الواجب هو المبيت، المبيت أصلًا في البيت، أن تبيت بالليل في بيت زوجها، هذا هو المقصود: امكثي في بيتكِ حتى يبلغ الكتاب أجله[22]، ما قال لها: لا تخرجي.
يعني المكث المقصود به في الأساس هو البيتوتة، فلا يُشدَّد في هذه المسألة كثيرًا؛ ولذلك أجزنا لها الخروج لأدنى حاجة، حتى قلنا: حتى للسوق، إذا احتاجت للذهاب للسوق لقضاء حوائجها.
فيظهر أنها لو ذهبت وصلَّت عليه أن هذا لا بأس به، وذهبت لعمل صالح، وهي لم تذهب لنزهة أو تفسح. فالذي يظهر أن هذا لا بأس به إن شاء الله.
مداخلة: …..
الشيخ: إي نعم، يظهر أنه -كما ذكرت- لو كانت المسألة ورد فيها نصٌّ أنها لا تخرج؛ لربما نقول بهذا: لا تخرج أصلًا حتى للصلاة على زوجها.
لكن الذي ورد: هو أن تبقى، تمكث في بيت الزوج، المقصود بذلك: البيتوتة في بيت الزوج، والإقامة الغالبة، ليس المقصود مجرد المنع.
يا إخوان، فهمُ مقصود الشارع مهم جدًّا في بحث المسألة، فهمُ المقصود، وفهمُ الدليل الوارد في ذلك، من الأمور المهمة جدًّا عند بحث المسألة.
مداخلة: …..
الشيخ: المرأة ليس لها أن تذهب للمقبرة، إذا كان في المقبرة فلا، هي ممنوعة من -أصلًا- من تشييع الجنازة، وممنوعة من اتباع الجنازة، لكن إذا كان مثل ما عليه الوضع الآن عندنا هنا في المملكة في المساجد، وهناك مصلًّى للنساء، وتريد أن تُصلِّي معهم، الذي يظهر أن هذا لا بأس به إن شاء الله.
نكتفي بهذا القدر.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الحاشية السفلية
^1 | رواه البخاري: 1280، ومسلم: 1486. |
---|---|
^2 | رواه البخاري: 6076، ومسلم: 2558. |
^3 | رواه البخاري: 5341، ومسلم: 938. |
^4 | رواه مسلم: 444. |
^5 | رواه البخاري: 5342، ومسلم: 938. |
^6 | رواه البخاري: 5718. |
^7 | رواه البخاري: 1838، ومسلم: 1177. |
^8 | رواه أحمد: 26581، وأبو داود: 2304. |
^9 | رواه أحمد: 26581، وأبو داود: 2304، والنسائي: 3535. |
^10 | رواه أبو داود: 2305، والنسائي: 3537. |
^11 | رواه مالك: 87، وأحمد: 27363، أبو داود: 2300، والترمذي: 1204، والنسائي: 3530، وابن ماجه: 2031. |
^12, ^21, ^22 | سبق تخريجه. |
^13 | رواه البخاري: 1927، ومسلم: 1106. |
^14 | رواه أحمد: 11228، وأبو داود: 2157. |
^15 | رواه مسلم: 1731. |
^16 | رواه البخاري: 7180، ومسلم: 1714. |
^17 | رواه مالك: 1، والدارمي: 2312. |
^18 | رواه مسلم: 973. |
^19 | رواه البخاري: 1328، ومسلم: 951. |
^20 | رواه البخاري: 1315، ومسلم: 944. |