عناصر المادة
كتاب العدة
كنا قد وصلنا إلى كتاب “العدة”، وهذا الكتاب كتابٌ مهم، ونجد أن الله ذكر أحكامه على وجه التفصيل في كتابه الكريم؛ لأهميتها.
والعدة في اللغة: مأخوذة من العَدد؛ وذلك لأن أزمنة العِدَّة محصورة ومقدَّرة.
تعريف العدة
وتعريفها شرعًا؛ عرَّفها المؤلف قال:
هذا هو تعريفها كما ذكر المؤلف رحمه الله.
والمعتدات سِتٌّ، ذكر المؤلف خمسًا منهنَّ، وسنُضيف سادسة.
الأولى: هي الحامل، وعدَّتها تكون بوضع الحمل.
عدة المتوفى عنها زوجها
يقول المؤلف رحمه الله:
وقوله: “كلَّ الحمل” إشارة إلى أنه لو كان الحمل أكثر من واحد، فإن العدة لا تنقضي حتى تضع جميع المواليد؛ فمثلًا حملَت باثنين لا بُدَّ حتى تضع الثاني، ثلاثة حتى تضع الثالث، هذه الفائدة من قوله: “كلَّ الحمل”؛ والدليل لهذا قول الله : وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق: 4].
فمتى وَضَعَت الحامل انقضت عدَّتها، سواء كانت عدة وفاة أو طلاق؛ ولهذا فإن المتوفَّى عنها زوجها إذا كانت حاملًا قد تنقضي عدَّتها وهو على مُغتسَله -يعني: يُغسَّل-، تنقضي عدَّتها وهو يُغسَّل، لو مات ثم وَضَعَت تنقضي عدَّتها مباشرةً، حتى ولو قبل أن يُغسَّل ويُكفَّن ويُصلَّى عليه.
هل تحل للأزواج؟ نعم، تحل للأزواج لكن لا يطؤها حتى ينقطع الدم، فربما أن العدة تكون دقائق، ربما تكون دقيقة واحدة -لو مات ثم وَضَعَت مباشرةً-. فإذَن؛ عدة الحامل تكون بوضع الحمل.
لا بُدَّ أيضًا نضبط هذا الحمل؛ يعني مثلًا: لو أن الحمل كان عمره شهرًا أو شهرين أو ثلاثة؛ هل أيُّ حملٍ تنقضي به العدة؟
نقول: لا، ذكر العلماء أن الحمل الذي تنقضي به العدة هو ما يتبيَّن فيه خلق إنسان. وأيضًا يرتبط بهذه المسألة -حتى نبحث المسألتين جميعًا- أن هذا الدم الذي يخرج من المرأة دمُ نفاس، إذا تبيَّن أيضًا فيه خلق إنسان، أما إذا لم يتبيَّن فيه خلق إنسان فلا تنقضي العدة بوضع الحمل، ولا يكون الدمُ دمَ نفاس؛ وإنما يكون دم ماذا؟ دم فساد، تُصلِّي معه وتصوم.
انتبه؛ متى يتبيَّن خلق الإنسان؟
يقول الله : فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ [الحج: 5]؛ فبيَّن الله أن التخليق يكون في أيِّ طَوْرٍ؟ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ في طَوْر المُضغة، فالنبي عليه الصلاة والسلام بيَّن متى تكون المُضغة؛ فقال في حديث ابن مسعود : إن أحدكم يُجمَع خلقُه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم عَلَقة مثل ذلك كم أصبحت؟ ثمانين، ثم مُضغة مثل ذلك أصبحت مئة وعشرين؛ فمعنى ذلك أن طور المُضغة متى يكون؟
لحظة، انتبهوا؛ إن أحدكم يُجمع خلقُه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة كم هذه؟ أربعون يومًا، ثم عَلَقة مثل ذلك، أربعون وأربعون: ثمانون، ثم مُضغة، فالمُضغة بعد الثمانين؛ يعني: من واحد وثمانين يومًا، فطَوْر المُضغة إذَن يبتدئ من بعد ثمانين يومًا، من بعد ثمانين يومًا إلى مئة وعشرين، هذه مُضغة[1].
المُضغة: الله تعالى ذكر أنها مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ؛ قد تكون مُخلَّقة، وقد تكون غير مُخلَّقة؛ بعد تسعين يومًا مُخلَّقة، بعد تسعين يومًا جرت العادة بأنها تكون مُخلَّقة، ما بين الثمانين والتسعين يحتمل أن تكون مُخلَّقة، ويحتمل أن تكون غير مُخلَّقة؛ ولهذا تُسأل القابلة مثلًا -التي تُوَلِّد المرأة-: هل هذه التي سقطت مُخلَّقة؟
ما معنى مُخلَّقة؟
يعني: بانَ فيها خلقُ آدمي، بانَ فيها عينٌ، أُذُنٌ، أنفٌ، وجهٌ، أيُّ عضو من أعضاء الإنسان؛ فإذا قيل: أنه بانَ فيها التخليقُ، فنقول: إذَن انقضت العدة، وهذا الدمُ دمُ نفاس، إذا قالوا: أنه ما تبيَّن فيها خلقُ إنسان، نقول: إذَن لم تنقضِ العدة، وهذا الدمُ دمُ فساد، إذا قالوا: ما ندري؛ فالأصل عدم التخليق.
انتبه لهذه المسألة؛ فإذَن نقول: المدة التي يكون فيها التخليق هي ما بعد ثمانين يومًا -يعني: في طَوْر المُضغة-. انتبه؛ لا تخلِط بين هذه المسألة ومسألة “متى يكون نفخ الروح؟”، نفخ الروح بعد مئة وعشرين يومًا، هذه مسألة أخرى، لكن مسألة التخليق بعد ثمانين يومًا، لكن بعد التسعين يكون فيه تخليق، ما بين الثمانين والتسعين يُنظر إلى مسألة التخليق. إذَن؛ الحامل عدتها بوضع الحمل إذا تبيَّن فيه خلقُ إنسان.
قبل أن ننتقل للثانية من المُعتَدَّات؛ سبق أن نبَّهنا في دروس سابقة إلى أنه ينبغي العناية بالطريقة الشرعية لمعرفة مدة الحمل؛ لأن الآن بعض الأطباء يحسب الحمل من أول يوم من آخر حيضة، هذه حسبة غير شرعية، غير صحيحة من الناحية الشرعية؛ كيف يُحسب الحمل؟
يُحسب من الْتقاء ماء الرجل ببويضة المرأة، يُعبَّر عنه في بعض الأحاديث بـ”ماء المرأة”، فهذا الالتقاء الذي يكون وقت الوطء هو بداية الحمل، هذه لا يمكن معرفتها عن طريق حساب أول يوم من آخر دورة. لكن قال لي بعض المختصين -وأظن قال لي أحد الأخوة هنا أيضًا في هذا الدرس-: إنه يمكن هذا عن طريق الأشعة فوق الصوتية، يمكن معرفة عمر الجنين بالأشعة فوق الصوتية، لكن أيضًا على وجه التقريب، ليس على وجه الدقة؛ ولذلك بعض النساء عندما تقول: عمر الحمل كذا؛ فلا بُدَّ من التأكد بدقة كم عمره بالطريقة الشرعية الصحيحة.
الثانية من المُعتَدَّات؛ قال:
يعني: المتوفَّى عنها زوجها بلا حمل.
وذلك لقول الله : وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة: 234]، وهذه الآية نسَخَتْ آيةً أخرى في عدة المتوفَّى عنها زوجها؛ مَن يذكر لنا الآية المنسوخة؟
مداخلة: …
الشيخ: نعم، وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ [البقرة: 240]؛ فكانت عدة المتوفَّى عنها زوجها سنةً كاملة، ثم نُسخ ذلك، فأصبحت أربعة أشهر وعَشرًا.
وسبق أن تكلمنا عن كيفية حساب أربعة أشهر وعَشر؛ هل هي بالعدد أو بالأشهر الهلالية؟ ذكرنا الخلاف في هذا، ورجحنا قول الإمام ابن تيمية رحمه الله؛ وأنها تكون بالأشهر الهلالية إذا كان هناك عناية برؤية الأهِلَّة. فإذَن؛ العدة بالإجماع هي: أربعة أشهر وعشرة أيام؛ وهذا بنصِّ الآية الكريمة.
قال:
“نِصْفُها” يعني: نصف أربعة أشهر وعَشر؛ فكم نصف أربعة أشهر وعَشر؟ شهران وخمسة أيام.
عدة المُفارَقة التي تحيض
قال:
“إلا إن خَلَا بها”؛ سبق أن تكلمنا عن هذه المسألة، وذكرنا: هل الخلوة تأخذ حُكم الوطء في العدة، وفي -كذلك- استقرار المهر؟ ذكرنا هذا في درس سابق، وذكرنا خلاف العلماء بالتفصيل في المسألة، ورجحنا القول بأن الخلوة لا تأخذ حُكم الوطء، وأن أثر زُرَارة بن أوفى: أن هذا قضاء الخلفاء الراشدين[2] لا يصح من جهة الإسناد بل ضعيف؛ فقلنا: إن الحُكم إنما هو متعلق بالوطء فقط، والخلوة لا تأخذ حُكم الوطء.
قال:
وعند الفقهاء أن الذي يَطَأُ مِثْلُه هو ابن عَشر سنين، والتي يوطَأ مِثْلُها بنت تسع سنين.
قال:
يعني: المطلقة إذا كانت حاملًا تكون بوضع الحمل، وقلنا إن الحمل هو آكَدُ العِدَد، ولذلك تُسمَّى الحامل “أمّ المُعتَدَّات”، هي آكَدُ العِدَد؛ فعدة الحامل إذَن بوضع الحمل، سواء كان متوفَّى عنها زوجها أو كانت مطلقة.
الثالثة من المُعتَدَّات: هي الحائل ذات الأقراء.
إذَن قلنا:
الأولى: الحامل المُتوفَّى عنها زوجها.
والثانية: المُتوفَّى عنها زوجها بلا حمل.
والثالثة: الحائل ذات الأقراء.
وهذه عبَّر عنها المؤلف بقوله:
يعني: حائلًا -بالهمز-.
“ذات الأقراء” يعني: ذات الحِيَض، إن كانت تحيض فعدَّتها ثلاث حِيَض؛ لقول الله : وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة: 228]؛ يعني: ثلاث حِيَض، على خلافٍ بين العلماء في المراد بـ”القُرْء”؛ هل المقصود به الطهر، أو المقصود به الحيض؟
وإن كان في اللغة العربية يُطلَق القُرْءُ على الطهر وعلى الحيض، فهو من الأضداد، لكن دلَّت السُّنة على أن المقصود بالقُرْء هنا: الحيض؛ وهو قول النبي : دَعِي الصلاة أيام أقرائِكِ[3] يعني: أيام حيضتكِ؛ فإذا كانت ممَّن تحيض فعدَّتها ثلاث حِيَض.
أما إذا كانت أَمَة فعدَّتها حيضتان؛ الأصل: أنها حيضة ونصف، لكن الحيضة لا تتبعَّض، فتكون حيضتين، وهذا هو المأثور عن الصحابة ؛ رُوي عن عمر وابن عمر وعلي .
طيب، المُفارَقَة بخُلْع أو فَسْخ؛ أيضًا عند الحنابلة حُكمها حُكم المطلقة ذات الأقراء، يقولون: لا فرق بين أن تكون مطلقة أو مختلعة أو مفسوخة، تعتد بثلاثة قروء، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو قول الجمهور.
والقول الثاني في المسألة أن المُفارَقة بخُلْع أو فَسْخ عدَّتها حيضة واحدة، وهذا هو اختيار الإمام ابن تيمية وابن القيم وجَمْع من المحققين من أهل العلم، وهو القول الراجح؛ وذلك لأن النبي أمَرَ امرأة ثابت بن قيس رضي الله عنها أن تعتد بحيضة واحدة لمَّا خالَعَت زوجَها ثابت بن قيس ، في القصة المشهورة التي مرت معنا؛ قالت: يا رسول الله، لا أعيب عليه في خُلُقٍ ولا دينٍ، لكني أكره الكفر في الإسلام، فقال : اِقْبَل الحديقة، وطلِّقْها تطليقة، ثم أمرَها أن تعتد بحيضة واحدة. وهذا الحديث من جهة الإسناد صحيح، رواه أهل السنن[4].
وحديث الرُّبَيِّع رضي الله عنها: أنه أمرَها أن تتربَّص حيضة واحدة وتلحق بأهلها، وهو نَصٌّ صريح في المسألة[5]. وأيضًا جاء عند أبي داود من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أمرَها أن تعتَدَّ بحيضة[6].
فإذَن؛ الصحيح أن المُفارَقة بخُلْع تعتد بحيضة، وكذلك المفسوخة تعتد بحيضة واحدة.
عدة المُفارَقة التي لا تحيض
قال:
هذه الرابعة من المعتدَّات: هي مَن فارَقَها زوجُها حيًّا، ولم تَحِض لصِغَرٍ أو إياسٍ؛ فيقول المؤلف:
إذَن؛ الصغيرة والآيسة عدتها ثلاثة أشهر، لقول الله : وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق: 4]؛ يعني: كذلك، هذا بنصِّ الآية وبالإجماع.
ولكن قول المؤلف: “أو كانت آيسة: وهي مَن بلغت خمسين سنة” هذا هو المذهب عند الحنابلة؛ أن سِنَّ اليأس هو بلوغ خمسين سنة، وسبق أن قلنا إن هذا القول قولٌ مرجوح، الصواب أنه لا حَدَّ لسِنِّ الإياس ولا لسِنِّ الحيض، وأن هذا مما تختلف فيه النساء اختلافًا كبيرًا، بعض النساء تيأس وعمرها أربعون سنة، وبعضهنَّ خمس وأربعون، وبعضهنَّ خمسون، وبعضهنَّ فوق الخمسين، تختلف على حسب طبيعة المرأة وبُنْيتها وحالتها وبيئتها، تختلف اختلافًا كبيرًا.
فالصحيح إذَن أن سِنَّ الإياس ليس خمسين سنة، وأنه لا حَدَّ لسِنِّ الحيض ولا لسِنِّ الإياس، لكن المؤلف جرى على ما هو الصحيح من مذهب الحنابلة في هذه المسألة.
وهنا الصغيرة والآيسة عدتها ثلاثة أشهر.
قال:
لأنها إذا كانت ممَّن تحيض؛ فعدتها ثلاث حِيَض إذا كانت حُرَّة، وإذا كانت أَمَة كم حيضة؟ حيضتان.
وإذا كانت ممَّن لا تحيض؛ فإذا كانت حُرَّة: ثلاثة أشهر، وإذا كانت أَمَة: شهران؛ وهذا هو المذهب عند الحنابلة.
والقول الثاني في المسألة: أن عدةَ الأَمَة إذا كانت ممَّن لا تحيض شهرٌ ونصف، وهذا مرويٌّ عن علي ، وهو قول المالكية والحنفية؛ قالوا: لأن عدة الأَمَة نصف عدة الحُرَّة، وعدة الحُرَّة ثلاثة أشهر، والأشهر بالإمكان أن تتبعَّض، وإنما لم نقل: عدتُها إذا كانت تحيض حيضةٌ ونصف؛ لأن الحيضة لا تتبعَّض، أما في العَدَد تتبعَّض، فتكون عدتها شهرًا ونصف، فهذا هو القول الراجح في المسألة.
فتكون إذَن عدة الأَمَة التي لا تحيض لصِغَرٍ أو إياسٍ: شهرًا ونصف، أما إذا كانت ممَّن تحيض فعدتها: حيضتان.
ولماذا فرَّقنا بين المسألتين؟ لأن الحيضة لا تتبعَّض، بينما العَدَد يمكن تبعيضه.
الصحيح هو القول الثاني: أن عدتها شهر ونصف إذا كانت ممَّن لا تحيض لصِغَرٍ أو إياسٍ.
عدة المرأة التي ارتفع حيضها قبل الإياس ولم تعلم ما رفعه
الخامسة من المعتدَّات؛ أشار إليها المؤلف بقوله:
الخامسة إذَن من المعتدَّات: مَن ارتفع حيضها -قبل أن تبلغ سِنَّ الإياس- ولم تدرِ سبب رفعه؛ يعني: امرأة مثلًا عمرها ثلاثون سنة، انقطع عنها الحيض، ثم طُلقت؛ كيف تكون عدتها؟ إن قلتَ: ثلاث حِيَض؛ هي لا تحيض، كيف تكون عدتها؟
قال المؤلف:
عدة الآيسة كم؟ ثلاثة أشهر؛ ثلاثة زائد تسعة: سنة؛ يعني: تعتَدُّ سنة.
إذَن؛ مَن ارتفع حيضها ولم تدرِ سبب رفعه فعدتها سنة كاملة -تسعة أشهر للحمل، وثلاثة أشهر عدة الآيسة-، و”هذا قضى به عمر ؛ قال الشافعي: هذا قضاء عمر بين المهاجرين والأنصار، لا يُنكره منهم مُنكِر علمناه”[7].
وهذا مثال لما ذكرتُه في درس الأصول: قول الصحابي إذا اشتهر يكون حجة؛ مثاله هذه المسألة، فعمر قضى في التي ارتفع حيضها ولم تدرِ ما سبب رفعه، قضى بين الصحابة قضاءً اشتهر بأنه سنة كاملة، ولم يُنقل عن أحد من الصحابة أنه خالف في المسألة؛ فيكون قول عمر هنا حجة.
فإذَن؛ تكون عدتها سنة كاملة إذا ارتفع حيضها -قبل أن تبلغ سِنَّ الإياس- ولم تدرِ ما سبب رفعه.
عدة المرأة التي ارتفع حيضها قبل الإياس وهي تعلم ما رفعه
إن علمَت سبب رفعه؛ قال:
إذا علمَت أنه مرض؛ ذهبَت عند الأطباء فقالوا أن سبب رفعه مرضُ كذا، ذكروا مرضًا من الأمراض؛ فيقول المؤلف أنها تتربَّص. تتربَّص إلى متى؟ حتى يعود الحيض.
طيب، إذا ما عاد الحيض؟ قال: تتربَّص إلى أن تصبح آيسة، كم سِن اليأس عندهم؟ خمسون سنة؛ معنى ذلك أنها لو طُلقت وعمرها عشرون سنة، فإنها تنتظر كم؟ ثلاثين سنة، لا تتزوج، لا تُنكح، تكون معتدَّة طيلة ثلاثين سنة؛ هذا مما يُبيِّن لنا ضعف هذا القول، هذا القول لا يتفق مع الأصول والقواعد الشرعية، بل قول في غاية الضعف.
والصواب في هذه المسألة أنها تعتد سنة كاملة، الصواب أنها كالتي ارتفع حيضها ولم تعلم ما رفعه؛ وهذا هو اختيار ابن تيمية رحمه الله، وصوَّبه في الإنصاف، ورواية عن الإمام أحمد.
الصواب إذَن أنها كالتي ارتفع حيضها ولم تعلم ما رفعه -أن عدَّتها سنة كاملة لقضاء عمر -. أما قول المؤلف فقولٌ بعيد، بل في غاية الضعف؛ لِمَا فيه من الضرر العظيم بهذه المرأة.
مداخلة: …
الشيخ: سنة كاملة.
مداخلة: …
الشيخ: إذا علمَت أنه سيعود، تنتظر إذا كانت المدة قصيرة، تنتظر شهرين، ثلاثة، عشرة، تنتظر، لكن الكلام في أنها علمَت ولم تهتدِ للعلاج، علمَت أنه مرض مثلًا، ولم تهتدِ للعلاج؛ فهنا تنتظر سنة كالتي لم تعلم.
طيب، هذه الخمس من المعتدَّات ذكرناها الآن؛ نُعيدها مرة أخرى:
- الأولى: الحامل؛ سواء تُوفِّي عنها زوجها أو أنها طُلقت؛ يعني: المُفارَقة، الحامل بوفاة أو طلاق.
- الثانية: المتوفَّى عنها زوجها بلا حمل.
- الثالثة: الحائل ذات الأقراء.
- الرابعة: الصغيرة أو الآيسة.
- الخامسة: مَن ارتفع حيضها ولم تعلم ما سبب رفعه، وألحقنا بها أيضًا مَن علمَت سبب رفعه.
عدة امرأة المفقود
السادسة لم يذكرها المؤلف، نحتاج أن نضيفها، ذكرها في “الزاد”: وهي امرأة المفقود.
وامرأة المفقود اختلف العلماء في المدة التي تتربص فيها. المفقود يعني: الإنسان الذي فُقد، لا يدري عنه أهله، بحثوا عنه؛ هذا الرجل متزوج، له زوجة، هذه الزوجة الآن عندها مشكلة؛ ماذا تفعل؟ لا بُدَّ من حَلِّ مشكلتها، فالعلماء بحثوا هذه المسألة؛ عدة امرأة المفقود اختلف فيها العلماء:
المذهب عند الحنابلة أنها تتربَّص أربع سنين من فَقْدِه إن كان الغالب عليه الهلاك، وتسعين سنة منذ وُلد إن كان الغالب عليه السلامة؛ هذا هو المذهب عند الحنابلة، وهذا القول قولٌ ضعيف، يكفي في ضعفه القولُ بأنها تتربَّص تسعين سنة، لو أنه فُقِد وعمرها عشرون سنة والغالب عليه السلامة، تنتظر سبعين سنة، عمرها كله تنتظر هذا الرجل، وهذا قولٌ ضعيف لا تأتي الشريعة بمثل هذا. لاحِظ؛ الأقوال التي فيها ضرر عظيم لا يمكن أن تأتي الشريعة بمثل هذا، الشريعة تأتي برفع الضرر ورفع الظلم عن الناس، فهذا القول قولٌ ضعيف.
والصواب في المسألة هو أن المرجع إلى اجتهاد القاضي، وأن القاضي هو الذي يُقرِّر المدة التي تتربَّص فيها امرأة المفقود، وهذا يختلف باختلاف الناس، يختلف باختلاف الزمان والمكان، وأيضًا ملابسات فَقْده، وحالة المفقود؛ حالته العقلية، وحالته النفسية، هذه كلها يدرسها القاضي، ويضرب مدة.
وقد وقع في عهد عمر بسندٍ صحيح، أخرجه البيهقي في “السنن الكبرى” بسندٍ صحيح، في قصة رجل فُقِد في عهد عمر ، الأثر ذكره الشيخُ الألباني أيضًا في “إرواء الغليل”: أن رجلًا خرج ليُصلِّي العشاء فَفُقِد، بحثوا عنه، بحثوا عنه لم يجدوه، فذهبت امرأته إلى عمر بن الخطاب ؛ فقال لها: تربَّصي أربع سنين، فإذا انتهت أربع سنين فَأْتي إليَّ، فتربَّصت أربع سنين، فأتت عمر ، فأمرَها أن تعتد بعد أربع سنين؛ يعني: حَكَم بوفاته، فاعتدَّت أربعة أشهر وعشرًا، ثم أذِن لها بأن تتزوج إذا شاءت، فتزوجت. لمَّا تزوجت أتى الرجلُ، فلما أتى الرجلُ جعل يُخاصمها كيف تتزوج؟
فقالت: إن عمر هو الذي أمرَني، فذهب إلى عمر يشتكي امرأته، فجعل عمر يلومه؛ قال: يغيب أحدكم المدة الطويلة لا يُخبر أهله! قال: مهلًا يا أمير المؤمنين، فإن لي شأنًا؛ قال: ما شأنك؟
قال: إني ذهبتُ لصلاة العشاء، فاختطفتني الجنُّ، وكان الجن هؤلاء من الكفار؛ يعني: من الجن غير المسلمين، وبقيتُ عندهم ما شاء الله، حتى غزاهم جِنٌّ مسلمون، فخيَّروني بين أن أبقى عندهم مُعزَّزًا مُكرَّمًا، أو أرجع إلى أهلي؛ تظن ماذا سيختار؟
نعم، اختار طبعًا الرجوع إلى أهله، قصة عجيبة! وسأله عمر : ما طعامك فيهم؟
قال: الفول، وما لم يُخمَّر من الشراب؛ يعني: ما لم يُغطَّ، وسأله عدة أسئلة في هذا، فخيَّره عمر بعد ذلك بين أن ترجع إليه امرأته بعدما تعتد، أو أن يُعطى مهره من بيت المال؛ ما ظنُّكم؟ ماذا سيختار؟
اختار المهر، طابت نفسه من امرأته، لمَّا رأى أنها قد تزوجت بغيره طابت نفسه منها، فاختار المهر، لكن المهر دفعه عمر من بيت المال؛ لأن هذه المرأة قد تزوجت بأمرِ عمر ، ليس لها ذنب، وهذا هو الواجب -أن يُعطى المهر من بيت المال-، وبقيَت مع زوجها الثاني[8].
فاستدلوا بهذا على أن المفقود يبقى أربع سنين منذ فُقد، لكن الاستدلال بهذه القصة غير صحيح؛ لأن هذا الذي خرج لصلاة العشاء، الغالب على حاله السلامة أو الهلاك؟ السلامة، هم يستدلون يقولون: أربع سنين منذ فُقد إن كان الغالب عليه الهلاك، وتسعون سنة منذ وُلد إن كان الغالب عليه السلامة؛ فالاستدلال بالقصة أصلًا غير صحيح.
ولهذا؛ فالصواب أن المرجع في ذلك اجتهادُ القاضي، وهذا هو الذي عليه العمل في المحاكم الآن.
عمر ضرب أربع سنين، في وقتنا الحاضر -مع تيسُّر وسائل المواصلات والاتصالات- هل المفترض تكون المدة التي يضربها القاضي أقصر أم أطول؟ أقصر، ينبغي أن يراعي القاضي هذا، يُلاحَظ الآن بعض القضاة يضربون مُدَدًا طويلة تنتظر لها سنين، سبع سنين، هذا غير صحيح، يُفترَض تكون المدة قصيرة. هذا الرجل الآن الغالب عليه السلامة وليس الهلاك، ومع ذلك في عهد عمر ضُرب له أربع سنين، فكيف بوقتنا الحاضر مع تيسُّر وسائل الاتصالات والمواصلات؟! يُفترَض أن تكون المدة قصيرة، لا تكون طويلة؛ يعني مدة يغلب على الظن ألا يوجد هذا الرجل مثله.
وإذا أتى هذا الرجل فيُعالَج وضعه، يعني له أحكام أيضًا ذكرها العلماء، إذا أتى هذا الرجل -مثلما أتى الرجل في قصة عمر- يُعالَج وضعه، لكن لا تُضرَب مدة طويلة تتضرر فيها هذه المرأة.
فإذَن؛ السادسة من المعتدَّات: امرأة المفقود، تعتد بعد أن تتربَّص. والتربُّص قلنا: هذه المدة يجتهد فيها القاضي، فإذا اجتهد فيها القاضي فإنها بعد ذلك تعتد.
مداخلة: …
الشيخ: إي نعم، تعتد بعدة وفاة. ولعل هذا هو السبب الذي جعل المؤلف لم يذكرها؛ لأنه يقول إنها عدة وفاة، فعدة الوفاة تدخل في العدة السابقة، فهذا ربما هو السبب الذي جعل المؤلف لم يذكرها.
لكن في “الزاد” ذكرها، ولا مشاحة في الاصطلاح، سواء اعتبرنا المعتدَّات خمسًا أو اعتبرناها ستًّا؛ مَن اعتبرها خمسًا أدخَلَ عدة امرأة المفقود في عدة المتوفَّى عنها زوجها، ومَن اعتبرها ستًّا فمِن باب العناية بها.
عدة غير النكاح الصحيح
ثم قال المؤلف رحمه الله:
حُكم مَن وُطِئَت بشبهة أو نكاح فاسد وهي في العدة
إذا وَطِئ الأجنبيُّ؛ وَطِئ بشبهة أو نكاح فاسد أو بِزِنًا، فإنها تُتِمُّ عدة الأول وتعتدُّ للثاني. هي أصلًا في عدة، هي أصلًا معتدة ووُطِئت؛ إما بِزِنًا، أو وُطِئت وطءَ شبهة، أو وُطِئت في نكاح فاسد؛ فهنا تُتِمُّ عدة الأول، ثم تعتدُّ للثاني. ولكن هذا مشروط بما إذا لم تحمل من الثاني، أما إذا حملت من الثاني فإنها تقضي عدتها منه بوضع الحمل، ثم تُتِمُّ عدة الأول.
عدة المرأة إذا وَطِئها مَن أبانها في العدة
قال:
يعني: هذا الإنسان طلق امرأته ثلاثًا، التطليقة الثالثة، حَرُمت عليه، لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، ثم أتى إليها في العدة ووَطِئها؛ فيقول المؤلف أن الوطء هذا يُعتبر كالزنا، ولذلك قال: “فكالأجنبي”. وعليه؛ تُتِمُّ العدة الأولى، ثم تبتدئ العدة الثانية، وهي عدة يعتبرونها عدة زنا، وعدة الزنا على الخلاف بين العلماء كما سبق؛ ثلاث حِيَض وهو المذهب، أو حيضة واحدة كما هو القول الراجح.
قال:
يعني: إذا وُطِئت عمدًا ممَّن أبانها بشبهة؛ فتستأنف العدة من أولها.
تتعدد العدة بتعدُّد الواطئ بشبهة لا بالزنا
إذا وُطِئت بشبهة من أكثر من شخص، فتتعدَّد العدة؛ لأنهما حقَّان لآدميَّيْنِ، فلم يتداخلا كالدَّيْنَيْنِ.
فالزنا تعتد؛ يعني لو زَنَا بها أكثرُ من شخص -نسأل الله العافية- فتعتدُّ من آخر وطءٍ؛ لأن القصدَ من عدة المَزْني بها العلمُ ببراءة الرحم، وهذا يتحقَّق بأن تعتدَّ من آخر وطءٍ بالزنا.
حُكم وطء الزوج زوجتَه المعتدة عن وطء شبهة ونحوه
قال:
“المَوطُوءة بشبهة” يعني: إنسان مثلًا اغتُصبت امرأته ووُطِئت، لا يحل لزوجها أن يطأها حتى تعتَدَّ. أو مثلًا وُطِئت بشبهة؛ يعني لأيِّ سبب، فلا يحل أيضًا لزوجها أن يطأها حتى تعتَدَّ.
قال: “أن يطأها في الفرج ما دامت في العدة”؛ لأنها عدةٌ قُدِّمت على حقِّ الزوج، فمُنع من الوطء قبل انقضائها.
وقول المؤلف: “أن يطأها في الفرج” يُفهَم منه أن له أن يستمتع بها بما دون الفرج؛ فنقول: أنت الآن ممنوع من وطئها ما دامت في العدة حتى تنقضي عدتها، ما دامت أنها قد زُنِي بها مثلًا، أو وُطِئت بشبهة؛ انتظِر، لا تطأها حتى تنقضي عدتها، لكن لك أن تستمتع بها بغير الوطء.
ثم تكلم المؤلف عن مسائل الإحداد، لعلنا نُرجئ الكلام عنها للدرس القادم، نكتفي بهذا القدر، وفيما يأتي نُجيب عما تيسر من الأسئلة.
الأسئلة
س: أحسن الله إليكم وبارك فيكم. هذا السائل يقول: إذا صلى مسافرٌ العشاءَ خلف مقيم يُصلِّي المغرب، فهل يقصر الصلاة؟ وما الحُكم إن لم يعلم هل الإمام مقيم أم مسافر؟
الشيخ: نعم، يقصر الصلاة في هذه الحال؛ لأن الإمام لم يُصلِّها أربعًا، وإنما صلاها ثلاثًا؛ لأنها غير مقصورة أصلًا، فإذا صلى هذا المسافر الذي يريد أن يصلي العشاء خلف إمام يصلي المغرب؛ فالمسألة خلافية، لكن الأظهر -والله أعلم- أنه يُصلِّي ركعتين؛ لأن هذا الإمام لم يُصلِّ أربعًا حتى نقول أنه يجب عليه أن يتابعه فيها، وإنما سوف يُصلِّي الإمام ثلاثًا. ما دام أنه لن يُصلِّي أربعًا فتكون هذه الصلاة أصلًا لا تدخلها مسألة القصر والإتمام؛ لأنها ثلاثية. فبناءً على ذلك: المسافر يُصلِّي ركعتين، بل…
مداخلة: …
الشيخ: نعم، يُسلِّم، إذا صلى ركعتين يُسلِّم.
وسبق أن ذكرنا أن مُفارَقة الإمام والانفتال عنه تجوز لأيِّ عذر، حتى لأدنى عذر ولو تطويل الإمام للقراءة؛ فمثلًا لو أن إنسانًا مريضًا أو مُتعبًا، والإمام شرع في القراءة وأطال الصلاة، له أن يُكمِل لنفسه وينصرف. أو رأى أن الإمام مثلًا يأتي ببعض الأمور غير المشروعة في الصلاة؛ مثلًا بعض الناس يرى أن الإمام يأتي في دعاء القنوت بأمور غير مشروعة، أو مثلًا سوف يختم، يأتي بدعاء ختم القرآن، وهو يرى أنه غير مشروع؛ يُكمِل لنفسه ويُسلِّم.
والأصل في هذا قصةُ معاذ لمَّا كان يُصلِّي مع النبي عليه الصلاة والسلام، ثم صلَّى بقومه، فأحد الأنصار كان فَلَّاحًا، كان يعمل في مزرعته من الصباح، أتى معاذٌ ، ولما صلى بهم قرأ الفاتحة، ثم قرأ سورة البقرة، وسورة البقرة طويلة، فهذا الصحابي أكمَلَ لنفسه وانصرف، فلما سلَّم تحدث الناس، فقال معاذ : إنه منافق هذا الذي فعل هذا، بلغ هذا الرجلَ، هذا الرجلُ ليس منافقًا، هو رجلٌ من أفاضل الصحابة ، فذهب واشتكى معاذًا للنبي عليه الصلاة والسلام، فدعا النبيُّ عليه الصلاة والسلام معاذًا، وغضب، قال : أَفَتَّانٌ أنت يا معاذ؟![9].
الشاهد من القصة أن النبي عليه الصلاة والسلام أقرَّ هذا الصحابيَّ على فعله -وهو أنه أكمَلَ لنفسه-؛ مع أن السبب هو فقط تطويل القراءة، ما بالك بغيره من الأسباب؟ فإذا وُجد أيُّ سبب يقتضي أن المأموم ينفتل، فينفتل وينصرف، ويُكمِل لنفسه.
مداخلة: …
الشيخ: إذا كان مسبوقًا، والإمام يُصلِّي المغرب ثلاثًا، وأدرك الثانية أو الثالثة؛ فيُسلِّم مع الإمام.
مداخلة: …
الشيخ: يجوز أن ينتظر، لكن إذا أردنا أن نقارن في الأفضلية؛ كونه ينفتل هذه لها أصل في السنة، كونه ينتظر ما نجد لها أصلًا، فيظهر أن الانفتال أفضل، على الأقل له أصل.
مداخلة: …
الشيخ: لا، إذا كانت المغرب، سواء يعلم أو لا يعلم يقصر المغرب على أيِّ حال.
مداخلة: …
الشيخ: هنا يستدل بالقرائن، إذا كان الإمام مقيمًا لا بُدَّ أن يُتِمَّ إذا كانت رباعية.
س: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ. هذا السائل يقول: امرأة لا تحيض إلا بأكل منظِّم للحيض؛ هل تعتدُّ ثلاث حِيَض، أم تعتدُّ سنة كاملة؟ وهل تحمل مَن لم يأتها الحيض قطُّ؟
الشيخ: نعم، ما دام أن هذه المرأة يأتيها الحيض بمنظِّم فتعتدُّ بثلاث حِيَض. ومَن لم يأتها الحيض قطُّ هذه حُكمها حُكم الآيسة والصغيرة، عدتهنَّ ثلاثة أشهر، أما كونها تحمل؛ فالأطباء يقولون إنها لا تحمل، لا تحمل المرأة إلا إذا أتاها الحيض، أما مَن لا تحيض فمن حكمة الله أنها لا يمكن أن تحمل.
وفي الوقت الحاضر؛ كثير من المسائل التي يذكرها الفقهاء ممكن أن يُستفاد من وسائل التقنية في التعامل معها؛ فمثلًا: مسألة التي ارتفع حيضها ولم تدرِ ما سبب رفعه، هذا قديمًا، أما في الوقت الحاضر فممكن معرفة سبب رفعه بسهولة، فيمكن الاستفادة من الأطباء في هذا.
أنا أذكر في الحج هذا العام؛ أتى إليَّ رجلٌ، وقال إن امرأته حاضت ولم تطُف طواف الإفاضة، فذكرتُ له كلام العلماء أنه مُخيَّر بين أمرين؛ إما أن يبقى حتى تطهر، أو يذهب لبلده فإذا طهرت رجع وأتت بطواف الإفاضة، لكنني أرشدتُّه إلى خيار آخر، قال: كِلا الخيارين صعب بالنسبة لي. ولا يأتي هنا رأي ابن تيمية، هذه مسألة ضيقة، لكن هذا داخل المملكة، لا يأتي رأي ابن تيمية فيمن تتحفَّظ وتطوف.
فقال: كِلا الخيارين صعب، كوني أنتظر صعب، وكوني أرجع صعب أيضًا، وحتى إذا قلنا أنه يرجع فإنه سيمتنع عن زوجته طِيلة هذه المدة، فذكرتُ له خيارًا؛ وهو أن يذهب إلى أحد المستشفيات، ويطلب منهم إبرة لرفع الحيض، موجودة في المستشفيات، وهذه الإبرة ترفع الحيض يومًا وليلةً -على الأقل-، وهي إذا أُخذت بصفة عارضة لا تضر، فذهب هذا الرجل ولم يجد، يقول إنه لم يجدها في المستشفيات الحكومية، ووجدها في بعض المستوصفات الأهلية، وأتى إليَّ في اليوم الثاني شاكرًا؛ قال إنه بالفعل ارتفع الحيض، وطهرت المرأة، وأمكنها أن تأتي بطواف الإفاضة، فهذه من الحلول في الوقت الحاضر.
فأنا أعجب من الإخوة الذين يُفتون بأن المرأة الحائض تتحفَّظ وتطوف!
مداخلة: …
الشيخ: الأصل أن المرأة تحبس محرمها؛ أحابستنا هي؟[10] هذا الأصل، ما نحيد عن هذا الأصل، لكن ابن تيمية رحمة الله عليه تحرَّج لمَّا أراد أن يُفتي في المسألة، في وقتنا الحاضر لا يُفتى حتى بفتوى ابن تيمية، يمكن أن يقال: هذه المرأة تذهب إلى أحد المستشفيات تأخذ هذه الإبرة، تطهُر، إذا طهرت الحمد لله تطوف وهي على طُهْر، وهذا لا يضر المرأة، ما دام فُعِل بصفة عارضة لا يضر المرأة، إنما الذي يضرها الذي يُفعل دائمًا -كما ذكر ذلك الأطباء-؛ فهذا أحد الحلول التي يمكن أن تُستفاد من تقدُّم الطب في الوقت الحاضر.
مداخلة: …
الشيخ: كلام الأطباء أنها تبقى على الأقل يومًا وليلةً، فما دام أن هذا أمر معروف ومعتاد، مجرد أنها ترى الجفاف والطهر تطوف.
مداخلة: …
الشيخ: نعم، ورجحنا لكوننا لا نعلم، فتنتظر يومًا وليلةً. ولذلك قال العلماء إن المرأة إذا كانت تعلم من عادتها الانتظام في الجفاف، فمن حين أن تجف، ولا تنتظر يومًا وليلةً؛ يعني: امرأة مثلًا تعلم بأنها تبقى سبعة أيام، ومنتظمة دورتها، بعد سبعة أيام مباشرةً -حتى لو لم تَرَ القَصَّة البيضاء- تعتبر نفسها طاهرة؛ لأننا استطعنا أن نعلم بيقين، الكلام في يوم وليلة لمَن لا تعلم، فمثل هذه الإبرة نعلم بأنها تجف معها المرأة ما لا يقلّ عن يوم وليلة، فمن حين الجفاف تبدأ تغتسل وتطوف؛ فهذا أحد المخارج الشرعية التي يمكن أن يقال بها في هذا الزمان.
فأنا أرى حرَجًا من بعض طلاب العلم في الفتوى في هذه المسألة، ومع أن هذا مخرج سهل، وربما يغيب عن ذهن بعض الإخوة، فإذا أفتينا به خرجنا من الخلاف كلِّه برُمَّته، وأوجدنا مخرجًا سهلًا، ولم تقع هذه المرأة ولا وليُّها في حرج.
مداخلة: …
س: يسأل يقول: هل هناك حكمة في كون المرأة تحادُّ على زوجها أربعة أشهر وعشرًا؟
الشيخ: هذه على كلِّ حالٍ سنتكلم عنها في الدرس القادم عندما نتكلم عن مسائل الإحداد، وأيضًا تأمَّلوا فيها، تأمَّلوا في الحكمة، الكلام في الحكمة أيضًا مُشكِل؛ إذا قلنا مثلًا: مراعاة حقِّ الزوج، طيب إذا وضعَت بعد وفاة الزوج مباشرةً؟ إذا قلنا: استبراء الرحم؛ استبراء الرحم يكفي فيه حيضة واحدة.
فالمسألة فيها إشكال؛ ولذلك أودُّ أن تتأمَّلوا في إجابة هذا السؤال إلى الدرس القادم -إن شاء الله-، والدرس القادم سنبدأ بـ”باب الإحداد”، ونتكلَّم عن هذه المسألة -إن شاء الله-.
س: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ، هذا السائل يقول: ما حُكم تحية المسجد؟ وما حُكم أدائها في أوقات النهي؟
الشيخ: تحية المسجد سنة مؤكدة جدًّا، قريبة من الوجوب، لكنها ليست واجبة، والدليل لسُنِّيتها أحاديث كثيرة؛ منها قول النبي عليه الصلاة والسلام لسُلَيْك الغَطَفاني: قم، فصلِّ ركعتين، أمرَه بهذا أمام الناس، وقطَعَ الخطبة وهو على المنبر[11]. لكنها لا تجب؛ لأننا نعلم أن من هدي النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا أتى يوم الجمعة لمسجده كان يجلس على المنبر، ما كان عليه الصلاة والسلام يأتي بتحية المسجد، وكان يفعل هذا على الدوام، فلو كانت تحية المسجد واجبة لأتى النبيُّ بها، فكان يأتي ويجلس على المنبر، فيُؤذِّن المؤذِّن، ثم يأتي بالخطبة؛ فهذه قرينةٌ ظاهرةٌ جدًّا في أن الأمر ليس للوجوب، وإنما هو للاستحباب، ولم يقل أحد إنه للوجوب إلا الظاهرية فقط، والصواب هو قول الجمهور.
س: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ. هذا سائل يسأل عن توقيت الفجر، هل تم تعديله؟ وكم الفارق في فصل الشتاء؟
الشيخ: نعم، هذا من الأسئلة المتكررة اللازمة؛ على كلِّ حال تكلَّمنا مرارًا عن هذه المسألة، والتعديل تم في حدود ثلاث دقائق فقط، من (1430) ثم توقف الأمر، وسبق أن قلنا: المسلمُ يحتاط حتى تُعالَج الإشكالية؛ بالنسبة للصيام يُمسِك مع الأذان، وبالنسبة للصلاة لا يُصلِّي إلا بعد ربع أو ثلث ساعة؛ لأن هذا يختلف باختلاف فصول السنة، في الصيف تكون المدة أطول، وفي الربيع والخريف تكون أقصر، وفي الشتاء بين وبين؛ فإذا جعلها ثلث ساعة يكون قد أدى الصلاة في وقتها بيقين.
مداخلة: …
الشيخ: لا، مع تعديل التقويم ما تزيد على ثلث، مع تعديل التقويم عدّ ثلاث دقائق.
مداخلة: …
الشيخ: دعي الصلاة أيام أقرائِكِ[12].
مداخلة: …
الشيخ: العبرة بالدم؛ ولذلك ذكر العلماء مَن تحيض وتكون حيضتها مُلَفَّقة -مُلَفَّقة يعني: طُهْر وحيض وطُهْر-، فإذا رأت الدم تكون حائضًا، وإذا رأت الطهر تكون طاهرة. فبعض النساء يتقطع عندها الحيض؛ يأتيها يومًا، ثم ينقطع يومين، ثم يأتيها يومًا؛ فنقول: إذا رأت الدم تكون حائضًا، وإذا رأت الطهر تكون طاهرة، لكن لا تستعجل في الطهر؛ فالطهر إما أن تَعْلَمه -كأن يكون من عادتها-، أو تكون بالقَصَّة البيضاء، أو تكون بيوم وليلة؛ هذا هو الطهر.
مداخلة: …
الشيخ: لا، الإبرة هذه ترفع يومًا أو يومًا ونصف فقط، ثم ترجع لها الحيضة.
مداخلة: …
الشيخ: كذلك يقاس عليه.
مداخلة: …
الشيخ: أنا أظن مسألة الرمي قبل الزوال ستكون مثل مسألة الرمي في الليل. الرمي في الليل؛ أول مَن أفتى بها الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله، وأنكر عليه العلماء في زمنه إنكارًا شديدًا، حتى أنه أُخذ عليه التعهُّد بألَّا يُفتي بهذه الفتوى، ثم رجع الآن عامة العلماء إلى فُتياه، كذلك الرمي قبل الزوال. المسائل خلافية الحقيقة، وينبغي أن يتسع فيها صدر طالب العلم للخلاف. فمن العلماء مَن قال إنه لا يجوز الرمي قبل الزوال، وهذا قول الجمهور؛ قالوا: لأن النبي إنما رمى بعد الزوال، وقال : خذوا عني مناسككم[13]، ولقول الصحابة أيضًا: كنا نتحيَّن الزوال[14].
والقول الثاني في المسألة أنه يجوز الرمي قبل الزوال؛ قالوا: لأن أيام التشريق كلها أيام ذبح ورمي، والأحكام فيها واحدة لا تختلف، كما أن الذبح يكون في أيِّ وقت من أيام التشريق، كذلك الرمي أيضًا، وكذلك التكبير؛ يعني: أحكامها واحدة. قالوا: لأنه لو كان الرمي قبل الزوال لا يجوز ولا يُجزئ لَبَيَّن ذلك النبيُّ عليه الصلاة والسلام للأُمَّة، فقد بيَّن في الحج أمورًا؛ فقال مثلًا: ارتفِعوا عن بطن عُرَنة[15]، وقال : الحج عرفة[16]، وبيَّن أيضًا مسائل الطواف؛ يعني بيَّن المسائل المهمة في الحج؛ قالوا: لو كان الرمي قبل الزوال لا يُجزئ لَبَيَّن ذلك النبيُّ عليه الصلاة والسلام.
أما فِعله عليه الصلاة والسلام فغاية ما يدل عليه الاستحباب؛ فنجد مثلًا النبي عليه الصلاة والسلام أنه طاف طواف الإفاضة وضحَّى يوم النحر؛ هل نقول إن هذا واجب؟ ما قال بهذا أحد؛ فغاية فِعله عليه الصلاة والسلام يدل على الاستحباب. وأما تحيُّن الصحابة فلأنهم يُريدون فِعل النبي عليه الصلاة والسلام.
لكن قد يقول قائل: لماذا اختار النبي عليه الصلاة والسلام هذا الوقت مع أنه وقت حَرٍّ للشمس، وكان عليه الصلاة والسلام ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا؟
هذا أجاب عنه بعض أهل العلم؛ قالوا: إن الناس مع النبي عليه الصلاة والسلام كانوا متفرقين في الخيام، لا يجمعهم معه إلا الصلاة، فلا يمكن أن يجتمع الناس قبل الزوال، أما بعد الفجر فليس مناسبًا، كان عليه الصلاة والسلام يُصلِّي بغَلَسٍ، كانت عادته يبقى في مصلَّاه، فكان الأنسب في أول اجتماعٍ لهم أن يكون مع الزوال؛ فاختار هذا الوقت لأنه وقتُ اجتماعِ الصحابة ، وليس لأنه بداية وقت الرمي، هذا -كما تَرَوْن- قولٌ قويٌّ جدًّا.
ولهذا؛ فالذي يظهر: أن مَن كان معذورًا على وجه الخصوص؛ فيُجزئ الرمي قبل الزوال. أما مَن كان ليس بمعذور؛ فنُرشده بأن يرمي بعد الزوال، لكن أيضًا لو رمى قبل الزوال فلا نستطيع أن نجزم بأنه يلزمه دم، القول بأنه يلزمه دم يحتاج إلى دليل، الأصل في دماء المسلمين وأموالهم العصمة؛ فما هو الدليل على أنه يلزمه دم على هذا؟! والأصل في الدماء أثرُ ابن عباس رضي الله عنهما: “مَن نَسِيَ نُسُكًا أو تركه؛ فعليه دم”[17]، لاحِظ هذا اللفظ “مَن نَسِيَ نُسُكًا أو تركه؛ فعليه دم”؛ فالتوسع في إيجاب الدماء يخالف القواعد الشرعية، الأصل عصمة أموال المسلمين؛ فلا يُتَوَسَّع في هذا إلا بدليلٍ واضحٍ ظاهرٍ.
ثم أيضًا إذا كانت المسألة اجتهادية، وأخذَ أحدُ الناس برأي عالم من العلماء؛ فهو قد أُفتي، ومَن أُفتي فإنما إثمه على مَن أفتاه -بَرِئت ذِمَّة المستفتي-؛ فنقول إن الأخ الذي تُشير إليه ربما أنه من باب الاحتياط وإرشاد الناس إلى السُّنة، وينبغي حملُ الناس على السُّنة؛ لذلك أنا إذا أتى إليَّ أحدٌ أقول: لا ترمِ إلا بعد الزوال، لكن إذا رمى قبل الزوال فمن الصعب أن نُوجب عليه دمًا؛ فالقول بجواز الرمي قبل الزوال هو قولٌ قويٌّ جدًّا عندي، ويتأكَّد هذا في حقِّ مَن له عذر.
مداخلة: …
الشيخ: هذا قال به بعض العلماء؛ واستدلوا بأن الله تعالى قال: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة: 203]، وهذا إنما كان في اليوم الثاني عشر، واليوم يُطلَق على ما بعد الفجر، لكن الذي يظهر أنه لا فرق، إذا قلتَ بجواز الرمي قبل الزوال في اليوم الثاني عشر؛ فيلزم منها أيضًا اليوم الحادي عشر.
مداخلة: …
الشيخ: يعني قصدك الرمي؟
مداخلة: …
الشيخ: أثر ابن عباس رضي الله عنهما، نعم.
مداخلة: …
الشيخ: لا، ليس المأخَذ أنه لم يتركه؛ المأخَذ أنه لم يَرِد ما يدل على تحديد وقت الرمي، هذا هو المأخَذ.
مداخلة: …
الشيخ: ما يوجد أصلًا دليل يدل على وجوب الدم في حَقِّ مَن ترك واجبًا إلا هذا، فهو على قولِ مَن اعتبره واجبًا أنه يجب أن يكون الرمي بعد الزوال؛ نقول: أصلًا ليس هذا واجبًا، أصحاب القول الثاني يقولون: هذا أصلًا -الذي هو أن يكون الرمي بعد الزوال- ليس واجبًا، الرمي يكون بعد طلوع الفجر.
والمسألة فيها هذا الخلاف -كما تَرَوْن-، والقول بجواز الرمي قبل الزوال هو قولٌ قويٌّ عندي.
مداخلة: …
الشيخ: صلاة العيد بالنسبة للحاج؛ إذا كان يُريد أن يُقيم صلاة العيد فهذا غير مشروع بل هذا بدعة، أما إذا كان سيُصلِّي مع مقيم، كأن يكون مثلًا ذهب للحرم للطواف وصلى مع الناس في مسجد الحرم صلاة العيد، فهذا لا بأس به؛ فالعيد مثل الجمعة للمسافر، لا يُشرع له أن يُقيم العيد ولا أن يُقيم الجمعة.
أنا عجبتُ من بعض الإخوة ذكَرَ لي قصة؛ يقول أن بعض الإخوة الأفاضل من طلبة العلم أتوا في الطائرة، وأدركهم العيد وهم في الطائرة، وهم مسافرون، فأقام بهم صلاة العيد وخطب بهم في الطائرة نفسها! قلتُ: هذا العمل بدعة، هذا العمل غير مشروع، شروطُ إقامة صلاة العيد والجمعة الاستيطانُ؛ يُقيم بهم صلاة العيد في الطائرة؟!
مداخلة: …
الشيخ: أحيانًا موعد الطائرة لا يكون باختيار الإنسان، يكون مثلًا الساعة الرابعة أو الخامسة، فلا يستطيع أن يرمي بعد الزوال، فهنا يرمي قبل الزوال، عندي أنه أحسن من التوكيل، القول بالرمي قبل الزوال قولٌ قويٌّ، ظاهر الآية الكريمة: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة: 203]؛ فكونه يرمي قبل الزوال عندي أنه أحسن من أن يُوكِّل.
وهنا مسألة كَثُر السؤال عنها، حتى اليوم أتاني عدة أسئلة في أناس، هذه السَّنة حصل زحام شديد في طواف الوداع، هناك أناس لم يستطيعوا أن يطوفوا طواف الوداع، وكثير منهم أخَّروا طواف الإفاضة مع الوداع؛ فنقول: الواجب على هؤلاء:
أولًا: إذا كان الشخص غير معذور؛ يجب على ترك طواف الوداع دم -على قول الجمهور-.
ثانيًا: لا يقرب زوجته؛ لأنه لم يتحلَّل التحلُّلَ الكامل، حتى يرجع ويأتي بطواف الإفاضة، والسعي بعده إذا كان لم يَسْعَ.
لكن هل لو أراد الآن أن يذهب يأتي بعمرة؟ نقول: لا بأس، العلماء ذكروا أنه بعد التحلُّل الأول لا بأس أن يأتي الإنسان بعمرة، فإذا أراد أن يأتي بعمرة يذهب للميقات ويُحرم بعمرة، وإما أن يأتي بالطواف والإفاضة والسعي، ثم يأتي بعد ذلك بعمرة، أو حتى يقدِّم العمرة، الأمر في هذا واسع. أما مَن ترك طواف الوداع لعذر؛ كرجل ذكر لي أنه أُغمِي عليه، ولم يُفِق إلا بعد أن ذُهِبَ به إلى خارج مكة؛ فالذي يظهر أن عليه فقط أن يأتي بطواف الإفاضة والسعي، وأنه ليس عليه دم عن ترك طواف الوداع؛ لأنه معذور في هذا، وإذا كانت المرأة الحائض والنُّفَساء ليس عليهما طواف الوداع -لكونهما معذورتَيْن- فهذا أَوْلى بالعذر. ثم أيضًا -كما ذكرتُ- لا نتوسع في إيجاب الدماء على المسلمين؛ لأن الأصل في أموال المسلمين العصمة.
مداخلة: …
الشيخ: مرَّت معنا هذه المسألة، مسألة المدة؛ يعني: متى يغيب الزوج عن زوجته؟ والمدة المحدَّدة في هذا ذكرنا المذهب عند الحنابلة أنها ستة أشهر، وأن عمر استشار ابنته حفصة رضي الله عنها في هذا، وحُدِّدت بستة أشهر، في حدود هذه المدة، والله تعالى ذكر أن مدة الإيلاء كم؟ أربعة أشهر، ففي حدود هذه المدة، ما بين أربعة أشهر إلى ستة أشهر إذا لم تأذَن له امرأته، أما إذا أذِنت له فلا حرج؛ إذا كان يذهب لطلب الرزق وأذِنت له امرأته بهذا فلا حرج، أما إذا لم تأذَن له فيُخيِّرها بين أن تبقى معه على عصمته أو أن يُفارقها.
نكتفي بهذا القدر -والله أعلم-، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الحاشية السفلية
^1 | انظر: صحيح البخاري: 3208، ومسلم: 2643. |
---|---|
^2 | رواه البيهقي في “السنن الكبرى”: 14484، وعبدالرزاق في “المصنف”: 10875. |
^3, ^12 | رواه ابن ماجه: 624، وأحمد: 25681. |
^4 | انظر: صحيح البخاري: 5273. |
^5 | رواه النسائي: 3497. |
^6 | رواه أبو داود: 2229، والترمذي: 1185. |
^7 | انظر: المغني لابن قدامة: 11/ 214. |
^8 | انظر: السنن الكبرى للبيهقي: 15662، وإرواء الغليل للألباني: 1708. |
^9 | انظر: صحيح البخاري: 705، ومسلم: 465. |
^10 | رواه البخاري: 1772، ومسلم: 1211. |
^11 | انظر: صحيح البخاري: 930، ومسلم: 875. |
^13 | رواه مسلم: 1297. |
^14 | رواه البخاري: 1746 بنحوه. |
^15 | رواه أحمد: 16751، والبزار: 3444، وابن حبان: 3854. |
^16 | رواه الترمذي: 2975، والنسائي: 3044، وابن ماجه: 3015. |
^17 | انظر: موطأ مالك: 240. |