logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(90) كتاب اللعان- من قوله: “إذا رمى الرجل زوجته بالزنا فعليه..”

(90) كتاب اللعان- من قوله: “إذا رمى الرجل زوجته بالزنا فعليه..”

مشاهدة من الموقع

كتاب اللعان

طيب، ننتقل بعد ذلك إلى كتاب اللِّعان:

قال المؤلف رحمه الله:

كتاب اللعان

تعريف اللعان ومشروعيته

“اللعان”: مشتقٌّ من اللعن؛ لأن كل واحدٍ من الزوجين يلعن نفسه في الخامسة، وإن كان الذي يلعن نفسه الزوج، لكن من باب التغليب قلنا هذا.

واللعان يكون عندما يُبتلى الزوج بقذف امرأته بالزنا ويُطلب منه البينة، فقد لا يتأتى أن يأتي بأربعة شهودٍ، ومعلومٌ أن الزوج في الغالب لا يقذف زوجته إلا إذا كان صادقًا؛ لأنه أول المتضررين من هذا القذف، فيُغلَّب جانبه ويُكتفى بأن يَشهد أربع شهاداتٍ بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، فهذه الشهادات الأربع هي عوضٌ عن الشهود، وهذا من باب مراعاة حال الزوج.

وتعريفه اصطلاحًا: شهاداتٌ مؤكداتٌ بأيمانٍ من الجانبين مقرونةٌ بلعنٍ وغضبٍ.

وأما سبب اللعان: فهو أن يقذف الرجل زوجته بالزنا، هذا هو سببه، فلا يخلو إما أن يأتي بالبينة، أو تُقِر هي بالزنا، أو يلاعِن، وهذا معنى كلام المؤلف: “إذا رمى الرجل زوجته بالزنا؛ فعليه حد القذف أو التعزيرُ”؛ حد القذف إذا كانت زوجته محصنةً، أو التعزيرُ إذا كانت غير محصنةٍ، إلا أن يُقيم البينة، وهي أربعة شهودٍ، أو يلاعِن.

وأما حكم اللعان: فإنه يجوز إذا رأى الزوج أماراتٍ تدل على فجور زوجته، لكن اللعان يصبح واجبًا في حالةٍ واحدةٍ، وهي ماذا؟ اللعان قلنا: إذا وجد أماراتٍ؛ يجوز له أن يلاعن، ولا يجب، لكنه يصبح واجبًا في حالةٍ واحدةٍ وهي إذا حملت من الزنا، إذا حملت زوجته من الزنا؛ يجب عليه أن يلاعن، لماذا؟ لأنه لو لم يلاعن؛ لنُسب الولد له، إذا تأكد من أن الزوجة حملت من الزاني؛ يجب عليه وجوبًا أن يلاعن، فإنه إذا لم يلاعن سينسب الولد له؛ الولد للفراش، وليس هناك وسيلةٌ أخرى لنفي الولد غير اللعان، فيقال له: إما أن تلاعن وإما الولد ينسب لك، ويمكن أن يستعان في الوقت الحاضر بالبصمة الوراثية، أو ما يسمى بــ”الحمض النووي”، يمكن أن يستفاد منها في الوقت الحاضر، فإذا مثلًا رأى أن زوجته قد حصل منها الفجور وحملت؛ يمكن أن يحلل هذا الحمل عن طريق الحمض النووي أو البصمة، فإن كان الولد ولده؛ فيجوز أن يترك اللعان، وإن كان الولد ليس منه؛ فيجب عليه أن يلاعِن، يجب وجوبًا، وهذا من الابتلاء للإنسان، أنه قد يبتلى بمثل هذه الأمور.

ومن أعظم أسباب حصول الابتلاء بهذا الأمر:

أولًا: التساهل في مراقبة الأهل والزوجة، فبعض الناس تجد عنده تساهلًا كبيرًا في هذا، تجده مشغولًا عن أهله، ولا يدري أين تذهب ولا أين..، وبعض الناس على العكس عنده وسوسةٌ، وسوء ظنٍّ، وكلا الأمرين مذمومٌ، المطلوب هو الاعتدال.

ومن الأسباب أيضًا: السخرية والاستهزاء؛ فإن بعض الناس قد يبتلى بسبب استهزائه بالآخرين، بل حتى كما سيأتينا في قصة عويمرٍ أن رجلًا أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله، أرأيت إن وجد أحدنا مع امرأته رجلًا أيقتله فتقتلونه؟ فقال: إن هذا الذي تسأل عنه قد ابتليتُ به [1].

قال الحافظ ابن حجرٍ: ومن فوائد هذه القصة: أن البلاء موكلٌ بالمنطق، يعني ما من داعٍ لتسأل هذا السؤال، خاصةً أنه سأل أمام الناس، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: إن هذا الذي تسأل عنه ابتليت به.

فلذلك مِثل هذه الأسئلة لا يطرحها الإنسان، ولا يتكلم بكلامٍ غير مناسبٍ ويسأل أسئلةً غير مناسبةٍ، وربما يمثِّلها على نفسه، فقد يبتلى بهذا؛ ولهذا كان يقول: “إنما ابتليتُ بهذا؛ لقولي!”، يعني: كأنه أخذه نوعٌ أيضًا من النخوة والعجب، قال: إنما ابتليت بهذا؛ لقولي.

والأصل في اللعان: هي آيات النور التي نزلت في قول الله : وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ .. إلى آخر الآيات [النور:6-9].

وأيضًا من السنة: وقع في عهد النبي اللعان مرتين:

المرة الأولى: في قصة هلال بن أمية لمَّا قذف امرأته بِشَرِيك بن سحماء، فأتى النبيَّ وأخبره، قذف امرأته بالزنا، فقال له النبي : البينةَ أو حدٌّ في ظهرك -ما المقصود بالحد هنا؟ حد القذف- قال: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا رجلًا على امرأته؛ ينطلق يلتمس البينة؟! فجعل النبي يقول: البينةَ أو حدٌّ في ظهرك -لم تنزل بعدُ آيات اللعان- فقال: يا رسول الله، إني والله لصادقٌ، وليُنزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، فنزلت آيات اللعان، فقال النبي : أبشر! فإن الله قد جعل لك فرجًا ومخرجًا، فأمر بأن يؤتى بامرأته، فأتي بها، فقال عليه الصلاة والسلام قبل هذا: إن الله يعلم أن أحدكما كاذبٌ؛ فهل من تائبٍ؟، ثم قام ولاعن هلالٌ على الصفة المذكورة في سورة النور، ثم لاعنت امرأته، فلما كانت في الخامسة؛ أوقفوها وقالوا: إنها موجبةٌ، قال ابن عباسٍ: فتلكَّأت ونكصت -يعني كادت أن ترجع- ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم! فلاعنت، فقال عليه الصلاة والسلام: أبصروها، فإن جاءت به -يعني بالولد- أكحل العينين -يعني: يعلو عينيه شيءٌ مثل الكحل، يعني: سواد العينين، المقصود به: من غير اكتحالٍ- سابغ الأليتين -يعني عظيم العجز- خَدَلَّج الساقين -يعني مملوء الساقين، لاحِظوا، الوصف دقيقٌ من النبي عليه الصلاة والسلام- فهو لشَرِيكٍ، فجاءت به على الوصف المذكور، على هذا الوصف، فقال عليه الصلاة والسلام: لولا الأيمان؛ لكان لي ولها شأنٌ، فأصبح ينسب هذا الولد إلى أمه، فكان أول لعانٍ في الإسلام [2]، هذه قصة هلال بن أمية، هلال بن أمية أحد الثلاثة الذين خُلِّفوا، وأحد الصحابة الذين شهدوا بدرًا ، ابتلي بهذا.

القصة الثانية: قصة عويمرٍ العَجْلاني ، وهي أيضًا في “الصحيحين”، فإن عويمرًا أتى النبي وسط الناس وقال: يا رسول الله، أرأيت رجلًا وجد مع امرأته رجلًا، أيقتله فتقتلونه، أم كيف يفعل؟ قال عليه الصلاة والسلام: قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك قرآنًا، فاذهب فأت بها -اختلف العلماء: هل قصة هلالٍ هي الأولى، أو قصة عويمرٍ هي الأولى؟ الأقرب: أن قصة هلالٍ هي الأولى- قال سهل بن سعدٍ: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله ، فلما فرغا قال عويمرٌ: كَذَبْتُ عليها إن أمسكتها، فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره النبي بذلك، قال ابن شهابٍ: فكانت سنةَ المتلاعنين، وكانت حاملًا، وكان ابنها يُدعى لأمه [3]، وجاء في روايةٍ عند البخاري: أن عويمرًا أمر عاصم بن عديٍّ -وقيل: إنه كان هو أبو زوجته- أن يسأل النبي قبل أن يقع، فقال عاصمٌ: “ما ابتليت بهذا إلا لقولي” [4]، وذكرت لكم أن الحافظ ابن حجرٍ قال: يُستنبط من هذا: أن البلاء موكلٌ بالمنطق.

فهاتان قصتان وقعتا في عهد النبي .

صفة اللعان

نعود لعبارة المؤلف، قال:

وصفة اللعان: أن يقول الزوج أربع مراتٍ: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا.

يكرر هذا أربع مراتٍ.

قال:

ويشير إليها، ثم يزيد في الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين.

يعني: كما وردت في القرآن.

ثم تقول الزوجة أربعًا: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، ثم تزيد الخامسة: أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.

هذه هي صفة اللعان كما وردت في سورة النور.

ما يسن عند الملاعنة

قال:

وسُن.

ذكر المؤلف ما يسن عند الملاعنة:

تلاعنهما قيامًا.

لقوله عليه الصلاة والسلام لهلال بن أمية : قم فاشهد أربع شهاداتٍ [5]، ولأنه أبلغ في الردع، فما يكونان جالسين، يكونان قائمين، هذا أول المسنون.

ثانيًا:
بحضرة جماعةٍ، وألا ينقصوا عن أربعةٍ.

وذلك لحضور عددٍ من الصحابة للملاعنة، سواءٌ في قصة هلالٍ، أو في قصة عويمرٍ، حضر ابن عباسٍ وابن عمر وسهل بن سعدٍ .

وثالثًا:

أن يأمر الحاكم من يضع يده على فم الزوج والزوجة عند الخامسة.

يعني وَعْظَهما، خاصةً عند الخامسة، ويقول مثلما قال الصحابة: إنها موجبةٌ، عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، ونحو ذلك.

الرجل يضع رجلٌ من الحاضرين يده على فمه، والمرأة يؤتى بامرأةٍ تضع يدها على فمها، وتوعظ قبل الخامسة بمثل هذه الألفاظ أو غيرها، يقال: إنها موجبةٌ، عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، ونحو ذلك، كما أمر النبي بأن يفعل ذلك مع المتلاعنين، جاء في سنن أبي داود والنسائي عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن النبي أمر المتلاعنين أن يتلاعنا، وأن يضع يده عند الخامسة ويقول: إنها موجبة [6].

قال:

ويقول: اتق الله! فإنها الموجبة، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة.

هذه هي السنن، أو ما يسن عند الملاعنة.

أضاف بعض العلماء: أن يكون اللعان بمكانٍ وزمانٍ معظَمَين، نص على هذا البَهُوتي وغيره من فقهاء الحنابلة: أن يكون اللعان بمكانٍ وزمانٍ معظمين، فالمكان يقولون: كالمسجد، والزمان؛ كبعد العصر من يوم الجمعة، ولكن هذا لا دليل عليه.

المذهب عند الحنابلة: أنه يستحب تغليظ اللعان بمكانٍ وزمانٍ معظمين، ووجه ذلك: أن النبي لاعن بين المتلاعنين -سواءٌ في قصة هلالٍ، أو في قصة عويمرٍ- في المسجد، وكان ذلك بعد العصر عند منبر النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن الصحيح: أنه لا يستحب التغليظ في اللعان، لا بمكانٍ ولا زمانٍ -كما هو مذهب الحنفية وهو روايةٌ عند أحمد- لأن الله أطلق ذلك ولم يقيده لا بزمانٍ ولا بمكانٍ، وإنما قال عليه الصلاة والسلام: انطلق فائت بامرأتك [7]، وقد اختار هذا القول الموفق بن قدامة، وقال: إن هذا القول هو الصحيح، يعني: أنه لا يستحب تغليظ اللعان بزمانٍ ولا مكانٍ، اختار هذا القول الموفق بن قدامة في “المغني” وقال الموفق: إن هذا القول هو الصحيح، ولو استُحِب؛ لفعله النبي ، ولو فعله؛ لنُقل ولم يَسُغ تركه ولا إهماله.

وأما كون النبي لاعن في المسجد وعند المنبر، فكيف نجيب عن هذا؟

مداخلة: …..

الشيخ: ملاعنة النبي  في المسجد، نعم، حصل اتفاقًا هذا، فإن هذا حصل اتفاقًا؛ لأن النبي كان مجلسه في المسجد، كان أين يقضي النبي عليه الصلاة والسلام؟ في المسجد، هل كان عنده محكمةٌ- مبنى محكمةٍ- عند النبي عليه الصلاة والسلام، يخرج ويقضي بين الناس فيها؟ كان كل شيءٍ في المسجد، المسجد فيه القضاء بين الناس، والمسجد فيه التوجيه والإرشاد، والمسجد فيه الفتيا، والمسجد حتى فيه قيادة الجيوش، كل شيءٍ كان ينطلق من المسجد؛ ولهذا ما احوجنا أن نعيد رسالة المسجد، فكان المسجد هو منطلَق كل شيءٍ في صدر الإسلام، ما كان هناك محكمةٌ، فنقول: إن هذا حصل اتفاقًا؛ لأن مجلس النبي هو مسجده.

وأما كونه عند المنبر: فلأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجلس للصحابة عند المنبر، فهذا وقع اتفاقًا؛ فلا يدل على استحباب تغليظ اللعان بمكانٍ ولا زمانٍ معظَّمَين.

شروط اللعان

ثم انتقل المؤلف بعد ذلك للكلام عن شروط اللعان، قال:

شروط اللعان ثلاثةٌ:
الأول: كونه بين زوجين مكلفين.

لا بد أن يكون بين زوجين، وهذا متفقٌ عليه بين أهل العلم، وأن يكونا مكلفين، لو كان أحدهما غير مكلفٍ؛ لم يصح اللعان.

والثاني: أن يتقدمه قذفها بالزنا.

فلا بد أن يقذف الزوج امراته بالزنا، يعني سبق قذفها بالزنا، فإن أراد أن يلاعن لأجل نفي الولد فقط من غير قذفها بالزنا، هذه محل خلافٍ سنأتي لها بعد قليلٍ.

الشرط الثالث: أن تُكَذِّبه ويستمر تكذيبها إلى انقضاء اللعان.

فإنها إن لم تكذبه؛ فإنه لا يصح اللعان، يعني إن أقرت بالزنا؛ فيقام عليها حد الزنا، وهو الرجم، فلا بد من أن تكذبه ويستمر تكذيبها إلى انقضاء اللعان.

وهناك شرطٌ مختلفٌ فيه لم يذكره المؤلف: وهو أن يكون بحكم حاكمٍ، أن يكون اللعان بحكم حاكمٍ، وهذا الشرط لا بد منه؛ وذلك لأنها يمينٌ في دعوى، فاعتبر فيها أمر الحاكم كسائر الدعاوى، ولأن اللعان وقع في عهد النبي ، عند النبي بوصفه هو الحاكم والقاضي، فلا بد أن يكون بحكم حاكمٍ، وإلا لم يصح، فيضاف إذنْ هذا الشرط الرابع: وهو أن يكون بحضرة حاكمٍ أو نائبه؛ فتكون الشروط إذنْ بهذا أربعةً، وإن شئت جعلتها خمسةً، إن جعلت الشرط الأول، يعني: أن يكون بين زوجين الشرط الأول، مكلفين، الشرط الثاني؛ تكون خمسةً، يعني بعض العلماء يُفصِّل، يجعل الشرط الأول شرطين، ولا مشاحة في الاصطلاح، سواءٌ اعتبرتها أربعةً أو خمسةً.

فإذنْ نعيد الشروط مرةً أخرى:

  • الشرط الأول: أن يكون بين زوجين.
  • الثاني: أن يكون بين مكلفين، أو أن يكون الزوجان مكلفين.
  • الثالث: سَبْقُ قذفها بالزنا.
  • الرابع: أن تكذبه ويستمر تكذيبها إلى انقضاء اللعان.
  • الخامس: أن يكون بحضرة حاكمٍ أو نائبه.

من يَعُدُّها لنا مرةً أخرى، الشروط؟

مداخلة: ….

الشيخ: أن يكون بين زوجين.

الثاني: أن يكون الزوجان مكلفين.

الثالث: سبق قذفها بالزنا.

الرابع: أن يستمر تكذيبها إلى انقضاء اللعان.

الخامس: في حضرة حاكمٍ أو نائبه.

الأحكام التي تثبت باللعان

قال:

ويثبت بتمام تلاعنهما أربعة أحكامٍ:

يعني الآثار المترتبة على اللعان بعد تمامه:

سقوط الحد أو التعزير

الأمر الأول: سقوط الحد أو التعزير.

يعني سقوط الحد عن الزوج، والمقصود بالحد هنا حد ماذا؟ حد القذف، فيقال له إما أن تلاعن وإما أن تأتي ببينةٍ، وهي أربعة شهودٍ، وإما حدٌّ في ظهرك، وهو ثمانون جلدةً، فإذا لاعن؛ سقط عنه الحد، وقوله: “أو التعزير”، يعني إذا كانت غير محصنةٍ، الحد إذا كانت محصنةً، المقصود بالإحصان هنا: العفة، إذا كانت محصنةً، “أو التعزير” إذا كانت غير محصنةٍ، وأيضًا يراد بالإحصان: الحرية أيضًا هنا.

الفرقة ولو بلا فعل الحاكم

الثاني: الفُرقة، ولو بلا فعل الحاكم.

يفرق بينهما، يترتب على ذلك ثبوت الفرقة بين الزوجين بتمام اللعان.

التحريم المؤبد

الثالث: التحريم المؤبد.

يعني أن هذه الفُرقة فرقةٌ مؤبدةٌ أبد الدهر، يعني لا يجتمعان إلى يوم القيامة، حتى لو نكحت زوجًا غيره وطلقها فلا ترجع له، ويدل لهذا قول النبي : ذاكم التفريق بين كل متلاعنين [8]، وعند أبي داود: ثم لا يجتمعان أبدًا [9]، وقال ابن مسعودٍ: مضت السنة بذلك، وهذا هو قول أكثر أهل العلم: الفُرقة الأبدية.

والحكمة في ذلك والله أعلم: هو أن الأمور إذا وصلت إلى هذه المرحلة؛ فلا يمكن أن تلتئم مرةً أخرى، إذا وصلت إلى الملاعنة أمام الناس؛ انتهى، إذا وصلت لهذه المرحلة؛ لا يمكن أن تعود المياه إلى مجاريها كما يقال، الطلاق يمكن إذا طلقها ثلاث تطليقات أن تنكح زوجًا غيره ثم تعود، يتزوجها الذي طلقها، ربما الطلاق قد يكون بسبب سوء خلق، قد يكون بسبب كذا، لكن اللعان هذا بسبب أمورٍ أخلاقيةٍ، وهذا الجرح لا يمكن أن يلتئم، إذا وصلت الأمور إلى هذه المرحلة؛ فالحكمة تقتضي التفريق المؤبد بينهما فلا يجتمعان أبدًا.

انتفاء الولد

الرابع: انتفاء الولد، ويعتبر لنفيه ذكره صريحًا؛ كــ”أشهد بالله لقد زَنَت وما هذا ولدي”.

انتفاء الولد هذا متفقٌ عليه، وهذا هو الثمرة من اللعان، والفائدة من اللعان.

إذا نُفي الولد؛ لمن يُنسب الولد؟ لأمه، ينسب الولد لأمه، يقال: فلان ابن فلانة، ونجد في التاريخ أسماءً لأناسٍ نُسبوا لأمهاتهم، تجد حتى في أسماء بعض الصحابة، من يَذكر لنا من نُسب لأمه؟

مداخلة: ….

الشيخ: ابن أم مكتومٍ، طيب أيضًا؟

الحنفية، طيب.

عبد الله بن سلولٍ.

أيضًا هناك كثيرٌ، نعم.

مداخلة:

الشيخ: ابن سلولٍ، المهم سلولٌ اسم امرأةٍ، فنجد أن هناك من ينسب لأمه، لا مانع من أن ينسب لأمه.

وقوله: “ويعتبر لنفيه ذكره صريحًا؛ كــ: أشهد بالله لقد زنت هذه وما هذا ولدي”، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، أنه لا بد من أن يذكر نفي الولد في الملاعنة، فعلى ذلك عندما يلاعن يقول: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، وأن يقول: وأن هذا الولد ليس ولدي، أو كما قال المؤلف: وما هذا ولدي، هذا هو المذهب عند الحنابلة واستدلوا بقول النبي : الولد للفراش [10]، وقالوا: وهذا الولد قد وُلد على فراشه ولا ينتفي إلا بنفيه صريحًا؛ لأن غاية ما في اللعان أنه ينفي الحد عنه، ويثبت زنا هذه المرأة، لكن لا يوجب نفي الولد إلا بنفيه صريحًا، وتنفي المرأة الزنا عنها بالأيمان أيضًا.

والقول الثاني في المسألة: أنه لا يشترط لنفي الولد ذكره في اللعان، بل ينتفي بمجرد اللعان وإن لم يصرح بنفيه، وهذا هو القول الراجح: أنه لا يشترط لنفي الولد ذكره في اللعان، وهذا قد اختاره أبو بكر بن عبدالعزيز من أصحاب الإمام أحمد، وهو روايةٌ، وقال به أيضًا بعض المالكية، وقال ابن القيم في “زاد المعاد”: وهذا القول هو أصح الأقوال، وعليه تدل السنة الثابتة عن النبي .

واستدل أصحاب هذا القول بقصة عويمرٍ وقصة هلالٍ رضي الله عنهما، ولم يُذكر فيها نفي الولد، وجاء في قصة عويمرٍ: “ففرق رسول الله بينهما وقضى ألا يُدعى ولدها لأبٍ” [11]، رواه أبو داود، فيكون إذنْ انتفاء الولد تبعًا للِّعان، كما أن حد القذف يسقط بمجرد اللعان؛ وعلى هذا: فلا حاجة إلى أن ينص وأن يقول: إن هذا الولد ليس ولدي، يكفي أن يقول: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، يكفي ذلك، ولا يحتاج إلى أن يقول على القول الراجح: إن هذا الولد ليس ولدي.

على أن بعض أهل العلم أيضًا يقول: إنه ما يحتاج إلى أن يقول: فيما رميتها به من الزنا، أشهد بالله إني لمن الصادقين، لكن هنا يحتاط، والأحسن أن ينص على ذلك؛ لأن هذا المقام مقامٌ عظيمٌ يترتب عليه أمورٌ كبيرةٌ.

هل يصح اللعان لنفي الولد فقط مع عدم قذف المرأة بالزنا؟

بقي المسألة التي أشرت إليها قبل قليلٍ ووعدنا أن نتكلم عنها، وهي من المسائل المهمة جدًّا، وهي مسألة: هل يصح أن يلاعن الرجل؛ لأجل نفي الولد مع عدم قذف امرأته بالزنا أو لا يصح؟ يعني هذا رجلٌ مثلًا اغتُصبت امراته وحملت من الزنا وادعت الإكراه، هذا الرجل أراد أن ينفي الولد عنه، لا ينسب له الولد، قلنا: ما لك خيارٌ إلا أن تُلاعِن، فقال: أنا أريد أن ألاعن؛ لأجل نفي الولد، لكن لا أريد أن أقذفها بالزنا، فهل له ذلك، أو نُجبره على أن يقذفها بالزنا ونقول: إن اللعان لا يصح إلا بشرط قذفها بالزنا؟

انتبه لهذه المسألة، هذه من المسائل الدقيقة، وأنا أذكر أن مسألةً أشكلت على أحد القضاة، واتصل بي، وذكرت له كلام أهل العلم في هذه المسألة ففرح بها، وكانت مخرجًا له في قضيته تلك.

أقول: اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

  • القول الأول: ليس له أن يلاعن حتى يقذفها بالزنا، وإذا أراد نفي الولد؛ لا بد أن يقذفها بالزنا أولًا ثم يلاعن، وهذا هو المذهب عند الحنابلة.
    وعللوا لذلك؛ قالوا: لأن اللعان إنما ورد به الشرع بعد القذف؛ كما في قول الله : وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ.. الآيات [النور:6]، فقال: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ، فلا بد من أن يسبق اللعان قذف زوجته بالزنا، قالوا: ولأن اللعان إنما ينتفي به الولد بعد تمامه منهما، واللعان لا يتحقق من المرأة في هذه المسألة إذا لم يقذفها بالزنا. هذا هو المذهب عند الحنابلة.
  • والقول الثاني في المسألة: له أن يلاعن لأجل نفي الولد مع عدم قذفها بالزنا، وهذا القول هو روايةٌ عند الحنابلة، نص عليها المرداوي في “الإنصاف” قال -وعنه يعني أنقل لكم عبارة المَرْداوي- قال: “وعنه: إن كان ثَمَّ ولدٌ؛ لاعن لنفيه، وإلا فلا، فينتفي بلعان الرجل وحده، وعليه أكثر الأصحاب”، يعني: بناءً على هذا القول: يكون اللعان من طرفٍ واحدٍ، المرأة لا تُلاعِن، لماذا؟ لأنه ما قذفها بالزنا أصلًا، يعني هذه صفةٌ غريبةٌ، يكون اللعان من طرفٍ واحدٍ فقط، من جهة الرجل كما نص على هذا المرداوي، قال: فينتفي بلعان الرجل وحده، وقد اختار هذا القول الإمام ابن تيمية وابن القيم، ومن المعاصرين الشيخ محمد ابن عثيمين، رحمة الله تعالى على الجميع.

مداخلة: ….

الشيخ: إي نعم، ووجه هذا القول: أن هذا الرجل محتاجٌ لنفي الولد، وإلحاق الولد به -وهو ليس منه- يترتب عليه أحكامٌ كثيرةٌ؛ من النسب، والتوارث، وغير ذلك، فلا يُلزَم بإلحاقه به وهو متيقن أنه ليس ولده، ولا يُلزَم أيضًا بقول الزور وقذف زوجته بالزنا؛ لأجل نفي الولد، وهذا القول هو القول الراجح والله أعلم: أنه يجوز اللعان في هذه الحال من طرفٍ واحدٍ؛ وبناءً على هذا: يُكتفى بلعان الرجل وحده، فيقول الرجل: أشهد بالله إن هذا الولد ليس مني، أربع مراتٍ، ويُعرِض عن ذكر زنا امرأته، ويقول الخامسة: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وأما المرأة فإنها لا تُلاعِن؛ لأنه لم يقذفها بالزنا.

فإذا قال الزوج ذلك؛ فإن الولد لا ينسب إليه، فإنه ينتفي ولا ينسب إليه الولد، وهذا -كما ذكرت- مخرجٌ قد يؤخذ به في بعض المضايق وبعض المسائل؛ فبعض الناس قد يريد نفي الولد فقط، ولا يريد قذف امرأته بالزنا، وأحيانًا ربما أن المرأة تعترف بالزنا، لكن تدعي الإكراه، والزوج يريد نفي الولد، ولا يريد قذفها بالزنا؛ لأنها أصلًا معترفةٌ بالزنا، فهنا يُلاعِن على نفي الولد فقط، فانتبه لهذه المسألة، من المسائل الدقيقة، والتي لا توجد في كثيرٍ من كتب الفقه، فانتبه لهذه المسألة، من المسائل التي قد تفيد في بعض المضايق ويُحتاج إليها.

وعلى هذا: فيأتي بهذه الصفة الخاصة، فتكون هذه حالةً خاصةً، يريد الرجل معها نفي الولد ولا يريد قذف امرأته بالزنا.

مداخلة: …..

الشيخ: إذا لاعن بهذه الطريقة، هل نوجب عليه..، يعني: هل يترتب على ذلك المفارقة الأبدية، أو نقول إن هذا لعانٌ على صفةٍ خاصةٍ لا يوجب الفرقة الأبدية؟

الله أعلم، هذه مسألةٌ تحتاج مزيد تأملٍ، لم أجد من نص عليها من أهل العلم، تحتاج إلى مزيد تأملٍ ومراجعةٍ، لكن هذه المسألة نصوا عليها، لكن هل يقتضي هذا الفرقة الأبدية؟ هذا هو ظاهر كلام أهل العلم، لكن يحتاج أيضًا إلى مزيد تأملٍ.

مداخلة: …..

الشيخ: إذا تأكد أن الولد ليس ولده؛ يجب عليه، لا يجوز لإنسانٍ وهو متيقنٌ أن هذا الولد ليس منه أن يرضى بنسبته إليه، هذا يعتبر خيانةً عظيمةً وجريمةً، كيف ينسب الولد له وليس منه، وهو متأكدٌ 100% أن هذا الولد ليس منه؟! فلا يجوز هذا؛ لأن هذا الولد سيكون ابنًا له، ويكون محرمًا لبناته ولأقاربه، ويدخل معه في النسب، وفي الإرث، وأمورٍ كثيرةٍ.

ما يلحق من النسب

ثم قال المؤلف رحمه الله:

فصلٌ فيما يلحق من النسب.

هذا الباب أو الفصل عقده المؤلف رحمه الله لبيان ما يلحق من النسب وما لا يلحق من النسب في المسائل التي نص عليها.

قال:

إذا أتت زوجة الرجل بولدٍ بعد نصف سنةٍ منذ أمكن اجتماعه بها، ولو مع غيبةٍ فوق أربع سنين، حتى ولو كان ابن عشرٍ؛ لحقه نسبه.

ويشير المؤلف بهذا إلى أقل مدة الحمل وأكثر مدة الحمل.

فأقل مدة الحمل: هي ستة أشهرٍ؛ لقول الله : وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [البقرة:233]، مع قوله سبحانه: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف:15]، والفصال: هو الرضاع، فمعنى ذلك: الرضاع إذا كان حولين كاملين، حولين كاملين: يعني أربعةً وعشرين شهرًا، فتكون مدة الحمل كم؟ ستة أشهرٍ، فإذنْ الاستدلال مركَّبٌ من الاستدلال بالآيتين جميعًا.

فإن قال قائلٌ: في وقتنا الحاضر نجد حملًا يعيش وهو أقل من ستة أشهر، الآن وُجد خمسة أشهرٍ، وجد من يعيش وعمره واحدٌ وعشرون أسبوعًا، هذا موجودٌ الآن في المستشفيات، خمسة أشهرٍ، خمسة أشهرٍ ونصفٌ، كيف نجيب عن هذا الإشكال؟ والمسألة أيضًا محل اتفاقٍ بين أهل العلم: أن أقل مدة الحمل ستة أشهرٍ.

مداخلة: …..

الشيخ: نعم، يقال: النادر لا حكم له، هذه أحوالٌ نادرةٌ، والنادر لا حكم له؛ ولذلك لم توجد هذه إلا في الوقت الحاضر مع وجود الحاضنات ووجود الرعاية الطبية المتقدمة، في الزمن السابق ما وجد مثل هذا: أن حملًا يعيش وعمره خمسة أشهرٍ أو خمسة أشهرٍ ونصفٌ، ما وجد، ما وجد هذا إلا في الوقت الحاضر، مع وجود الحاضنات التي توفر له المناخ المناسب له، الشبيه بمناخ رحم الأم.

فهذا نقول: إنهم أحوالٌ نادرةٌ، إذا قارنتها بما مضى أيضًا على مدار أربعة عشر قرنًا، وأيضًا حتى في الوقت الحاضر، هي أيضًا في وقتنا الحاضر هي قليلة أيضًا، فنعتبر أن هذا نادرٌ، ونقول: النادر لا حكم له.

فإذنْ إذا أتت زوجة الرجل بولدٍ بعد نصف سنةٍ؛ فمفهوم ذلك: أنه إذا كان قبل نصف سنةٍ سيبيِّن المؤلف أنه قبل نصف سنةٍ لا يُنسب له، لكن إذا أتت به بعد نصف سنةٍ وهي فراشٌ له؛ فإن الولد ينسب له.

قال: “منذ أمكن اجتماعه بها، ولو مع غيبةٍ”، حتى لو افترضنا أنه تزوج بها وسافر، دخل بها وسافر، مع غيبته فوق أربع سنين ينسب الولد له، “حتى ولو كان ابن عشرٍ”، فينسب الولد له؛ لأن من كان ابن عشرٍ يقولون عنده قدرةٌ على الوطء، فالذكر يكون قادرًا على الوطء إذا كان عمره عشر سنين، والمرأة تتحمل الوطء إذا كان عمرها تسع سنين، هذا في الغالب؛ ولهذا قال: “لحقه نسبه”.

ومع هذا لا يُحكم ببلوغه.

يعني إذا كان عمره عشر سنين لا يحكم ببلوغه؛ لأن الأصل عدمه، وإنما ألحق به الولد احتياطًا للنسب.

وعندنا قاعدةٌ عظيمةٌ أشرنا لها: وهي أن الشريعة تتشوف لحفظ النسب.

قال:

ولا يلزمه كل المهر.

إن لم يثبت الدخول والخلوة؛ فلا يلزمه جميع المهر.

ولا تثبت به عدةٌ ولا رجعةٌ.

يعني لا يكون فيه عدةٌ ولا رجعةٌ ولا يثبت به كل المهر، وإنما ألحق به النسب احتياطًا.

وإن أتت به لدون نصف سنةٍ.

لأقل من نصف سنةٍ، يستثنى من ذلك الأحوال التي أشرنا إليها في وقتنا الحاضر، يعني خمسة أشهرٍ أو خمسة أشهرٍ ونصف، في الأحوال التي توجد ويحكم الأطباء بأنها ممكنةٌ.

منذ تزوجها.

أكثر مدة الحمل

أو أكثر من أربع سنين منذ أبانها، أربع سنين؛ باعتبار أن أكثر الحمل عند الحنابلة أربع سنين، هذه المسألة أيضًا مختلفٌ فيها بين أهل العلم:

  • فمنهم من قال أكثر الحمل: ستة أشهرٍ.
  • ومنهم من قال سنةٌ.
  • ومنهم من قال: سنتان.
  • ومنهم من قال: أربع سنين.
  • ومنهم من قال: لا حد لأكثره.

والجمهور على أنها أربع سنين، ويستدلون على ذلك بالواقع، يقولون: وُجد من حَمَلَته أمه أربع سنين، كما قال الإمام أحمد لما قيل له، قال: هذه جارتنا أتت بمحمد بن عجلان، حملت به أمه أربع سنين، وقال الإمام أحمد: نساء بني عجلان يلدن لأربع سنين، فقالوا: إن أربع سنين هذا موجودٌ، وذكر ابن القيم أنه قد وجد خمس سنين، في “تحفة المودود” ذكر أنه قد وجد خمس سنين، وقال والله أعلم بصحة القصة: إن طفلًا حملت به أمه خمس سنين، فلما ولدته؛ إذا له شعرٌ طويلٌ، فمرَّ به طائرٌ فقال بيده هش، الله أعلم بصحة هذه القصة.

وأنا أذكر قبل سنواتٍ كنت في دورةٍ في “جامع شيخ الإسلام ابن تيمية”، وعرضنا لهذه المسألة في الفرائض، فكان أحد الحاضرين أتى من خارج المملكة، وقال: إنه كان لنا جارٌ حملت امرأته، وكانت مدة الحمل أكثر من سنةٍ نسيتُ كم كانت سنتين أو ثلاثًا أو أربعًا، لكن حملت به أمه لمدةٍ طويلةٍ، يقول: فلما وضعته أمه؛ إذا بأسنانه كلها قد نبتت مكتملة، الأسنان، يقول: هذا جارنا، فهذا في الحقيقة يُشكِل على ما ذكره الأطباء من أن مدة الحمل لا يمكن أن تزيد على سنةٍ على أكثر تقدير، والدكتور محمد علي البار في كتابه “خلق الإنسان بين الطب والقرآن”، قال: إنه لا يمكن أن تزيد على سنةٍ، وأن ما قد ذكره الفقهاء مما زاد على سنةٍ هذا حملٌ كاذبٌ، حملٌ كاذبٌ يعني: ينقطع الحيض عن المرأة، وينتفخ بطنها إذا كانت تتشوف للحمل، يقول: إن هذا حملٌ كاذبٌ، من يُثبت أصلًا أن هذه المرأة حاملٌ أربع سنين؟! مجرد أنه انقطع عنها الدم أربع سنين ثم حملت، هذا كلام الدكتور محمد علي البار، لكن لازالت المسألة الحقيقةَ تحتاج إلى مزيد تحريرٍ، يعني ما ذكره الأطباء ليس مقنعًا، هناك وقائع نقلها الثقات، يعني أحد المشايخ ذكر لي أن أمه حملت به سنتين، ويقول إن أمه أولادها كثيرٌ، ليست متشوفة أصلًا للحمل؛ حتى يكون الحمل كاذبًا، فتحتاج هذه المسألة حقيقةً إلى مزيد تحريرٍ؛ ولذلك أنا أتوقف في مسألة أكثر مدة الحمل.

ذكر أيضًا الدكتور محمد علي البار: أنه عرضت هذه المسألة في “المجمع الفقهي”، وأن الشيخ عبدالعزيز بن بازٍ ألحق ولدًا بامرأةٍ طلقها زوجها وقد توفي عنها بعد سبع سنين، وأن أختها أيضًا أتت بعد خمس سنين وألحق بها الولد، ذكر في هذا وقائع؛ لأنهم كانوا يأخذون بأنه لا حد لأكثر مدة الحمل، وعرض أيضًا هذا الموضوع على “المجمع الفقهي” -كما حدثني بعض الأطباء- وكان رئيس المجمع الشيخ عبدالعزيز بن بازٍ، واتفق عشرةٌ من الأطباء على أنه لا يمكن أن تزيد مدة الحمل على سنةٍ، والشيخ كان عنده شيءٌ من التردد، فقال دعوني أستخير الله، فاستخار الله تعالى ثم سحب الموضوع ولم يُعرَض، وأقول: لعله قد وفق؛ لأن الأطباء بعضهم..، أنا وجدت أن بعضهم يقلد بعضًا في مثل هذه المسائل، فما يكفي حقيقةً طبيبٌ واحدٌ، يكون معه مجموعة أطباءٍ يقلد بعضهم بعضًا، يكون أقواهم نفوذًا وشخصيةً يُقلَّد.

والمنهج الأصح: هو أن تستكتب مراكز بحثية من عدة دولٍ؛ بحيث لا يعلم بعضهم عن بعضٍ، فيمكن أن تحرر هذه المسألة، أما بالطريقة هذه: تجمع مجموعة أطباء، فهنا يقلد بعضهم بعضًا، وربما يكون عندهم أيضًا نوعٌ من الإرهاب الفكري، يعني يخشى أحدهم إذا خالف أن يُنكَر عليه، هذا موجودٌ ليس فقط عند الأطباء، حتى عند غير الأطباء.

فإذنْ مسألة أكثر مدة الحمل الحقيقةَ تحتاج إلى تحريرٍ، أما أقل مدة الحمل: الأمر فيها واضحٌ، لكن المؤلف مشى على أن أكثر مدة الحمل: هي أربع سنين؛ ولهذا قال: “وإن أتت به لدون نصف سنةٍ منذ تزوجها أو لأكثر من أربع سنين”، بناءً على أن أكثر مدة الحمل: أربع سنين منذ أبانها.

أو علم أنه لم يجتمع بها؛ كما لو تزوجها بحضرة جماعةٍ ثم أبانها في المجلس أو مات؛ لم يلحقه.

يعني الولد؛ وذلك للقطع بأنه ليس منه؛ لعدم إمكانه، لكن بشرط أن يثبت ذلك، يثبت ذلك للقاضي ولا يلحق به هذا الولد إذا تحقق بشكلٍ قاطعٍ أنه لم يطأها؛ فحينئذٍ لا يلحق الولد به كما في هذه الأمثلة التي ذكرها المؤلف، وإلا فالأصل أن الولد للفراش، ولا يضر الشبه هنا، يعني حتى لو قال: هذا الولد لا يشبهني، أو لونه ليس لوني، كل هذا غير معوَّلٍ عليه، لأن الولد قد ينزعه عرقٌ من أحد أجداده الأباعد.

حكم استلحاق ولد الزنا

بقي هنا مسألةٌ مهمةٌ لم يذكرها المؤلف، ويحتاج إلى أن نشير إليها، وهي إذا استلحق الزاني ولده من الزنا؛ فهل يلحق به أو لا يلحق به؟ إذا استلحق الزاني ولده من الزنا، أظنها مرت معنا هذه المسألة في موضعٍ.

ما دام أنها مرت؛ نختصر الكلام فيها فنقول: إذا كانت المزني بها فراشًا؛ فإن الولد لا يلحق بالزاني بالإجماع؛ لقول النبي : الولد للفراش وللعاهر الحجر [12]، متفقٌ عليه، أما إذا كان المزني بها ليست فراشًا؛ فهذه اختلف فيها العلماء على قولين:

  • القول الأول، وهو قول الجمهور: وهو أن ولد الزنا لا يلحق بالزاني إذا استلحقه، وإنما ينسب لأمه، هذا الذي عليه المذاهب الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
    واستدلوا بقول النبي : الولد للفراش وللعاهر الحجر.
  • والقول الثاني: أن ولد الزنا يلحق بالزاني إذا استلحقه ولم تكن أمه فراشًا، هذا رُوي عن عددٍ من التابعين، روي عن عروة بن الزبير وسليمان بن يسار والحسن البصري وابن سيرين والنخعي وإسحاق، وهو قولٌ لأبي حنيفة، وهو اختيار أبي العباس ابن تيمية وابن القيم، وكذلك أيضًا الشيخ محمد بن عثيمين، رحمة الله تعالى على الجميع.

أنا سأحيلكم على بحثٍ في هذا، لكن أسرد لكم الأدلة باختصارٍ:

من الأدلة التي استدل بها أصحاب هذا القول: قصة جُريجٍ، وفيها: أنه لما طعن في بطن الغلام قال: يا غلام، من أبوك؟ قال: فلان الراعي، تعرفون قصة جريجٍ، رجلٌ عابدٌ من بني إسرائيل، انقطع للعبادة، وتحدث الناس بعبادته وانقطاعه وتبتله، وكان هناك امرأةٌ بغيٌّ من بني إسرائيل يُتمثل بحسنها، يعني جميلةٌ، من أجمل النساء، وهي أيضًا بغيٌّ، فقالت: والله لأفتننَّه، قالوا: لا تستطيعين، فأصبحت المسألة تحديًا بينها وبينهم، ذهبت إليه، تعرضت له، حاولت أن تفتنه، ما استطاعت، رجلٌ عابدٌ، فذهبت إلى راعٍ فأمكنته من نفسها، الراعي وقع بها، أتت وتعرضت له، امرأةٌ جميلةٌ أيضًا، فوقع بها هذا الراعي، حملت منه، وهي تريد هذا، فلما حملت منه ووضعت؛ قالت: هو مِن جريجٍ، فأتوا إليه وسبُّوه، وقالوا: تتظاهر بالدِّين وأنت خبيثٌ، وهدموا صومعته، وجعلوا يضربونه، فقال: دعوني أصلي ركعتين، أتوضأ وأصلي ركعتين؛ يدل على أن الوضوء والصلاة كانت موجودةً أيضًا في شرع من قبلنا، فتوضأ ثم صلى ركعتين، ثم أتى الغلام وطعنه في بطنه وقال: يا غلام، من أبوك؟ بحضرة الناس، أنطقه الله تعالى في المهد، قال: فلانٌ الراعي، فجعلوا يُقبِّلون جريجًا ويتمسحون به ويقولون: نعيد صومعتك ذهبًا، فقال: لا، أعيدوها كما كانت [13].

وجه الدلالة من هذه القصة: أنه قال: فلانٌ الراعي، قال ابن القيم إن هذا إنطاقٌ من الله، وإنطاق الله لا يجوز فيه الكذب، فقال: إن أباه الراعي، وهو الزاني، فجعل أباه هو الزاني؛ فدل ذلك على أنه يصح أن يُنسب ولد الزنا لأبيه من الزنا؛ لأن هذا إنطاقٌ من الله، وإنطاق الله لا يجوز فيه الكذب، لا يمكن أن يكون هذا خبرًا كاذبًا، فهذا..، يعني انظر إلى دقة الاستدلال ولطافته! هذا ذكره ابن القيم رحمه الله في “زاد المعاد”.

وأيضًا استدلوا بأن عمر كان يُلِيط -يعني يلحق- أولاد الجاهلية بآبائهم من الزنا، كما رواه مالكٌ في “الموطأ” [14]، وأيضًا ابن القيم قال: كما أن الولد ينسب لأمه وهي زانيةٌ؛ فلماذا لا ينسب لأبيه وهو قد خُلق من مائهما جميعاً؟! فإن قلتم كيف ينسب لأبيه وهو زانٍ؟! فنقول: كيف ينسب أيضًا لأمه وهي زانيةٌ؟! فما دام يُنسب لأمه؛ فلماذا لا ينسب لأبيه؟!

وهذا القول هو القول الراجح والله أعلم، وفيه مصالح عظيمةٌ؛ لأن ولد الزنا إذا لم ينسب لأبيه؛ فإن ذلك في الحقيقة يؤثر عليه تأثيرًا عظيمًا يؤدي إلى تحطيم شخصيته، ويؤدي إلى أن هذا الولد يصبح منزويًا منعزلًا عن المجتمع، بل ناقمًا، بخلاف ما إذا استلحقه أبوه من الزنا، خاصةً الغالب في مثل هذه الأحوال: أن الزاني يتزوج بالزانية بعد توبتهما، ويريدان أن يستلحقا هذا الولد، فربما لا يعلم هذا الولد بما حصل من أبويه؛ ففيه مصلحةٌ عظيمةٌ، وهذه المسألة -يا إخوان- عرضت على “المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي” في الدورة الأخيرة -الدورة العشرين- التي عقدت هذا العام في شهر محرمٍ، وقد كتبت فيها بحثًا نُشر في “مجلة البحوث الفقهية المعاصرة” وحُكِّم مرتين: حُكِّم في المجلة، وحُكِّم أيضًا في الترقية، وهو أحد بحوث الترقية وإن شاء الله تعالى لعلنا ننزله على الموقع، البحث، وأيضًا نطبعه -إن شاء الله- منشورًا، وفيه أدلةٌ كثيرةٌ، هذا فقط مختصرٌ، الذي ذكرت لكم مختصرٌ، هناك أدلةٍ كثيرةٍ، لكن في النهاية خَرَجت بترجيح هذا القول، عُرض هذا على “المجمع الفقهي” واختلفوا؛ فبعضهم قال إن ترجيح القول الثاني قد يكون فيه تشجيعٌ على الزنا، وهذا غير صحيحٍ، ليس فيه تشجيعٌ على الزنا، هذا الآن حلَّ مشكلةً قائمةً الآن، ثم الزنا له عقوبةٌ حددها الشارع، لماذا نزيد عليها؟ ثم أيضًا عندما لا نُلحق هذا الولد بأبيه؛ في الحقيقة نعاقب هذا الولد ولا نعاقب أبويه، فليس هذا بصحيحٍ: أن فيه تشجيعًا، ثم كما قال ابن القيم: الجمهور ليس معهم أكثر من حديث: الولد للفراش [15]، ونحن أول قائلٍ به، لكن المسألة هنا ما فيها فراشٌ الآن، المزني بها الآن ليست فراشًا، فهل هناك دليلٌ يمنع من إلحاق ولد الزنا بأبيه إذا استلحقه ولم تكن أمه فراشًا؟ ما من دليلٍ، من عنده دليلٌ يأتي به، ليس هناك دليلٌ يمنع، وفيه مصالح عظيمةٌ؛ ولهذا فالصواب: أنه يلحق به، هذا هو الأظهر والأقرب والله أعلم، وفيه مصالح عظيمةٌ جدًّا لهذا الولد، بل انتشالٌ له في الحقيقة.

على كل حالٍ: أنا أحيلكم على البحث الذي أشرت إليه بعنوان: “استلحاق ولد الزنا”، لعله أيضًا نعطيه الإخوان ينشرونه على الموقع إن شاء الله تعالى.

مداخلة: …..

الشيخ: لا، أُجِّلَت، حصل خلافٌ كبيرٌ، مع أن الباحثين كلهم متفقون على ترجيح هذا القول، وأنا واحدٌ منهم، ولكن اعتَرض بعض فقهاء المجمع؛ للاعتبارات التي ذكرت، فلما سماحة المفتي -وهو رئيس المجمع- رأيا الاختلاف؛ قالا: لعله يؤجل للدورة القادمة إن شاء الله.

مداخلة: …..

الشيخ: صحيح، هناك أكثر من بحثٍ، هناك عدة بحوثٍ، هناك بحث الشيخ عبدالعزيز الفوزان، وهناك بحثٌ آخر لأحد القضاة، هناك عدة بحوثٍ في المسألة، الحقيقة المسألة مطروقةٌ من الفقهاء السابقين، الباحثون لم يأتوا بجديدٍ، لكن الحاجة لها الآن قائمةٌ، خاصةً في أوروبا، في أوروبا أحيانًا يكون هناك مثلًا شابٌّ وشابةٌ بينهما علاقةٌ محرمةٌ، وتعرفون عندهم في الغرب أحيانًا ينجبان أولادًا ثم يتزوجان بعد إنجاب الأولاد، فربما أنهما أنجبا أولادًا ثم أسلما، بعد الإسلام يريدان استلحاق هؤلاء الأولاد، فكتبوا للمجمع الفقهي: هل يجوز استلحاقهم أو لا يجوز؟ هذا هو منشأ بحث هذه المسألة.

فهذه المسألة يَحتاج لها المسلمون كثيرًا في تلك البلدان، وأيضًا -نسأل الله العافية- مع انتشار أيضًا كثرة الزنا، وهذا أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام أنه من أشراط الساعة [16]، أصبح -مع الأسف!- مقننًا في بعض الدول، فيكثر مثل هؤلاء اللُّقَطاء، يكثرون.

أنا ذهبت لإحدى الدول، وكنت في دورةٍ شرعيةٍ، فلما ذهبنا لجولةٍ في داخل المدينة؛ الْتفَّ بنا أطفالٌ كثيرون جدًّا -وقال الأخ الذي معي: إنهم حوالي عشرين ألفًا- ذكورٌ وإناثٌ، وقال: هؤلاء ليس لهم بيوتٌ ولا أهلٌ، يبيتون في العراء، قلت: كيف يأكلون ويشربون؟ قال: من القمائم ومما يلقيه الناس إليهم، يبيتون في الشوارع، فإذا كبر الولد؛ إن كان ذكرًا؛ التحق بعصابات السرقة، وإن كانت أنثى؛ التحقت ببيوت الدعارة، والدولة فقيرةٌ ليس عندها مأوًى لهؤلاء أو دورٌ اجتماعيةٌ، طبعًا الدولة غير مسلمةٍ، فقلت: لو كان هؤلاء عند المسلمين؛ لوجب رعايتهم، انظر كيف أن الإسلام يكرم أتباعه، يكرم أهله، يكرم الإنسان! لدرجة أن هؤلاء يفتعلون جرائم؛ لأجل أن يسجنوا؛ لأنه إذا سُجِن؛ وَجد له مأوًى، وَجد له طعامًا وشرابًا، فأصبحوا يفتعلون جرائم؛ لأجل أن يسجنوا، فتنبَّهَتْ -يقول- الشرطة لهؤلاء، فأصبحت لا تسجنهم، أي واحدٍ يرتكب أدنى جريمةٍ يُقتل، وذاك اليوم الذي كنا فيه قُتل مجموعةٌ منهم، ويُرمَون في الزبالة، لا يغسَّلون ولا يكفنون ولا..، يعني انظر كيف يُمتهن الإنسان لهذه الدرجة! ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ [التين:5]، إذا تخلى الإنسان عن الإسلام؛ يصل لهذه المرحلة، وربما أقل منها.

بقي فصلٌ فقط نكمله، والكلام فيه ليس طويلًا.

ما يلحق به نسب ولد الأمة

قال:

فصلٌ
ومن ثبت أو أقر أنه وطئ أمته في الفرج أو دونه، ثم ولدت لنصف سنةٍ؛ لحقه.

وهذا محل اتفاقٍ؛ وذلك لأنها صارت فراشًا له بوطئه، كما في قصة وليدة زَمعة، فإن عبد بن زمعة لما تنازع مع سعد بن أبي وقاصٍ فقال سعدٌ: أخي عهد به إليَّ، وقال عبد بن زمعة: هذه وليدة أبي، فالنبي قال: الولد للفراش، وقضى به لعبد بن زمعة، واحتجبي عنه يا سودة [17].

قال:

ومن أعتق أو باع من أقر بوطئها فولدت لدون نصف سنةٍ؛ لحقه.

وذلك للقطع بأنها كانت حاملًا منه قبل العتق وقبل البيع.

قال:

والبيع باطلٌ.

باعتبار أنها أصبحت أم ولدٍ.

ولنصف سنةٍ فأكثر؛ لحق المشتري.

لأنها أصبحت أمةً له، وأصبح بالإمكان أن تحمل خلال هذه المدة، وهي نصف سنةٍ فأكثر، والأصل أن الولد للفراش، فإذا ولدت بعد نصف سنةٍ فأكثر؛ فإن الولد يلحق بالمشتري.

وقال:

يتبع الولد أباه في النسب.

إجماعًا، ويوم القيامة يُدعى الناس بأي شيءٍ؟ بآبائهم، أما ما رُوي أنهم يدعون بأمهاتهم فغير صحيحٍ، الحديث المروي في ذلك ضعيفٌ لا يصح [18]، الناس يُدعون لآبائهم، النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ينصب لكل غادرٍ لواءٌ يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان بن فلانٍ [19]، ولا يأتي بأمه: ابن أم فلانٍ، إنما: فلان بن فلانٍ، فالناس يُدعون لآبائهم يوم القيامة.

فالنسب إذنْ الولد يَتبع أباه في النسب إجماعًا.

وأُمَّه في الحرية.

فولد الحرة حرٌّ، وولد الأمة عبدٌ.

وكذا في الرق أيضًا.
قال:
إلا مع شرطٍ.

إلا إن تزوج أمةً واشترط أن أولاده أحرارٌ، فإنهما يكونون أحرارًا؛ لقول النبي : المسلمون على شروطهم [20].

أو غرورٍ.

يعني: غُرَّ، كان يظنها حرةً فتبين أنها أمةٌ، فإن أولاده لا يكونون أرقاء؛ وإنما يكونون أحرارًا.

ويتبع في الدِّين خيرَهما.

فولد المسلم من كتابيةٍ مسلمٌ؛ لأن الإسلام خير الأديان.

وولد الكتابي من مجوسيةٍ، ماذا يكون؟ كتابيًّا؛ لأن أهل الكتاب أفضل من المجوس، وإن كانت كلها أديانًا باطلةً بعد بعثة النبي .

قال:

وفي النجاسة وتحريم النكاح والذكاة والأكل أخبثَهما.

يعني هذا استطرادٌ من المؤلف، يقول: إنه في هذه الأمور يكون الغالب للأخبث؛ فمثلًا: البغل يتولد من حمارٍ وفرسٍ، فالفرس أو الخيل مباحٌ أكله، والحمار الأهلي محرمٌ أكله، فيغلب جانب التحريم والجانب الأخبث، فيقال: إن البغل يحرم أكله، وهكذا أيضًا فيما ذكره من النجاسة، وكذلك تحريم النكاح والذكاة، فيغلَّب جانب الأخبث في مثل هذه المسائل.

نكتفي بهذا القدر، ونقف عند كتاب العِدد، وإن شاء الله تعالى -كما ذكرنا- يتوقف الدرس مدة أسبوعين، ونستأنف -إن شاء الله- في الثامن عشر من شهر ذي الحجة.

نجيب عما تيسر من الأسئلة، لعلنا نبدأ بالأسئلة المكتوبة أولًا:

الأسئلة

السؤال: أحسن الله إليكم وبارك فيكم، هذا السائل يقول: ماذا تفعل المرأة لو رأت زوجها يزني بامرأةٍ وليس عندها شهودٌ، أفيدونا وجزاكم الله خيرًا؟

الجواب: هذا سؤالٌ مهمٌّ ويَرِد من بعض النساء، يعني الرجل إذا رأى امرأته تزني، أو وُجدت قرائن؛ عرفنا ما هو الحل، الملاعنة، لكن إذا كان العكس؛ فنقول في مثل هذه الحال: أولا يجب عليها أن تنكر هذا المنكر، يجب عليها أن تنكر عليه هذا المنكر، فإن تاب وأعلن توبةً؛ فلها أن تبقى معه، فحال المرأة مع زوجها كحال المسلم مع الرجل الأجنبي الذي رآه يزني، فإن الواجب أن ينكر عليه هذا المنكر، وأن يستر عليه في البداية، لكن إن استمر على هذا المنكر؛ فهنا لا تجوز للمرأة أن تبقى معه؛ لأن الله يقول: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور:26]، لا يجوز أن تبقى المرأة الطيبة العفيفة مع رجلٍ خبيثٍ مُصِرٍّ على الإتيان بهذا الأمر، فيكون بناءً على هذا التفصيل، لكن تتدرج معه في الإنكار.

مداخلة: ….

الشيخ: لا ليس هناك حدٌّ، هو قد لا يتبين له إلا بعد خمس سنواتٍ، لو تبين له أن هذا الولد ليس ولده، مثلًا يعني: حصل تحليلٌ ببصمةٍ وراثيةٍ مصادفةً لأي سببٍ، ثم تبين أن هذا الولد ليس ولده، تفاجأ فأراد أن يلاعن بعد خمس سنواتٍ أو بعد عشر سنواتٍ، لا مانع.

ويا إخوان، التحليل بالبصمة الوراثية أو الحمض النووي، فيه خطورةٌ، لا يُفتح هذا الباب للناس؛ ولذلك صدر قرارٌ من مجلس الوزراء بأنه لا يكون إلا بحكمٍ قضائيٍّّ؛ لأن هذا يفتح باب شرٍّ عظيمٍ على المسلمين، بعض الناس عندهم وسواسٌ، فيبدأ يحلل أولاده، ثم يقع في مشاكل، لا يفتح باب شرٍّ على نفسه، ولا يفتح باب شرٍّ على المسلمين أيضًا في هذا.

السؤال: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ، هذا سائلٌ يقول: ما الحكمة في التفريق بين الرجل في اللعان؛ بأن جعل الخامسة: أن عليه لعنة الله، والمرأة في الخامسة: أن عليها غضب الله؟

الجواب: أيهما أشد، اللعنة أم الغضب؟ الغضب أشد؛ لأن المرأة..، هذا في الصدق، هو في الغالب في جانب الرجل أو المرأة؟ الغالب الصدق في الرجل؛ لأن الرجل هو أول المتضررين أصلًا، الرجل هو أول المتضررين، هو الآن سيتضرر وأسرته وأولاده، والفضيحة أمام الناس، يعني هو أول المتضررين، فلولا أنه صادقٌ؛ ما أقدم على هذا، لكن يعني هذا في الغالب، وبعض الناس قد تكون عنده وسوسةٌ؛ ولذلك ينبغي أن تراعى هذه المسائل، القاضي ينبغي أن يتنبه لهذا، إذا كان مريضًا نفسيًّا، أو عنده وسوسةٌ؛ لا يستعجل في الملاعنة، وإنما يحال مثلًا للطبيب النفسي، إذا قرر الطبيب النفسي أنه مريضٌ نفسيًّا؛ لا يُقَرَّ على الملاعنة، المريض النفسي عنده توهماتٌ، يعتقد أنها زنت وهي لم تزن أصلًا، وهكذا أيضًا من عنده وسواس أيضًا، لكن إذا كان الإنسان سويًّا؛ في الغالب أن الصدق في جانب الرجل؛ ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام قال في قصة هلالٍ: أبصروها، فإن جاء الولد كذا وكذا؛ فهو لشريكٍ [21]، فجاءت به على الوصف المذكور.

مداخلة: ….

الشيخ: نعم نعم، لا أحد يحول بين أحدٍ والتوبة، قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].

مداخلة: ….

الشيخ: الموسوس لا يؤاخذ لا بكلماته التي تشير إليها، ولا حتى بطلاقه، هو لايؤاخذ؛ لأنه مغلوبٌ على أمره، مغلقٌ عليه، فهو مغلوبٌ على أمره.

السؤال: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، هذا سائلٌ يطلب بيان حكم صلاة الغائب بالتفصيل؟

الجواب: صلاة الغائب اختلف فيها العلماء:

فمنهم من قال: إنها تشرع على كل ميتٍ من المسلمين، وهذا قولٌ ضعيفٌ، وهو أضعف الأقوال.

ومنهم من قال: إنها تشرع، أن تكون على من مات من المسلمين ولم يصلِّ عليه أحدٌ، وهذا هو اختيار أبي العباس ابن تيمية وابن القيم، رحمهما الله تعالى.

وأما القول بأنها تشرع على من كان له خدمةٌ للإسلام والمسلمين؛ للعالِم الصالح، أو الأمير الصالح، فهذا وجدته للمعاصرين، لكن لم أجد من قال به من المتقدمين، اللهم إلا رواية في “الإنصاف”، قال: تشرع على كل رجلٍ صالحٍ، لكن لم يَرِد هذا التفصيل، لم أقف على هذا التفصيل لأحد من المتقدمين، إذا كان أحدٌ منكم وقف على هذا الرأي؛ يأتي به.

مداخلة: ….

الشيخ: هذا رأي الشيخ ابن بازٍ رحمه الله، ولم يسبق إليه أحدٌ، أنا أذكر أني درَّست طلاب “كلية الشريعة”، وطلبت منهم أن يبحثوا، يقولون: ما وجدنا، وأيضًا أطرحها لكم، هل قال أحدٌ من المتقدمين بهذا القول بهذا التفصيل؟ أنا لم أقف على من قال بهذا، هو اشتَهَر به الشيخ ابن بازٍ رحمة الله عليه، وتعرفون الشيخ إمامٌ، فعندما يقول قولًا يَشتهر هذا القول.

والقول الراجح والله أعلم: أنها تشرع على من مات ببلدٍ لم يصلِّ عليه فيه أحدٌ، لماذا؟ لأن النبي إنما صلى على رجلٍ واحدٍ من أمته، وهو النجاشي [22]، ولم يصل على غيره، والنجاشي كان أسلم وكتم إسلامه ومات، فالنبي عليه الصلاة والسلام صلى عليه صلاة الغائب؛ لأجل إسقاط الفرض عنه؛ لأن الصلاة على الميت من فروض الكفاية، هو أسلم ، فصلى عليه النبي عليه الصلاة والسلام لهذا؛ ولهذا لم يصل على غيره من الصحابة، الخلفاء الراشدون لما ماتوا لم ينقل عن الصحابة في البلدان الأخرى أنهم صلوا على الخلفاء الراشدين.

ومع ذلك أقول: لو اختار إمام المسلمين أحدَ هذه الأقوال؛ فتخرَّج على مسألة: حكم الحاكم يرفع الخلاف، فينبغي أن يعمل بهذا القول، لكن يرد إشكالٌ آخر: وهو أن صلاة الغائب لا تشرع داخل البلد، تشرع لمن كان خارج البلد، فمثلًا حسب ما سمعت: أن هناك توجيهًا بالصلاة على الأمير سلطان، نسأل الله تعالى له المغفرة والرحمة، هذا نقول لمن كان خارج الرياض يشرع لهم أن يصلوا عليه؛ لأن الإمام اختار هذه الأقوال، وحكم الحاكم يرفع الخلاف، تخرَّج على هذه المسألة، لكن من كان داخل الرياض لا تصبح الصلاة عليه صلاةً على الغائب، وإنما صلاةٌ على الحاضر.

ولذلك فالمشروع لمن أراد أن يصلي عليه: يذهب ويصلي عليه في “جامع الإمام تركي بن عبدالله”، فإن لم يتيسر؛ يصلي على قبره، فإن لم يتيسر؛ فيكتفي بالدعاء له، أما أن تصلى صلاة الغائب وهو في نفس البلد، هذا غير مشروعٍ، الأصل في العبادات التوقيف؛ ولذلك يفترض أن “وزارة الشئون الإسلامية” تتنبه لهذا، وتجعل التعميم لغير أئمة المساجد في الرياض، فلعلنا نُوصِل هذه الرسالة، نوصلها إلى الإخوة في “وزارة الشئون الإسلامية”، ألا يحرجوا الأئمة بهذا، يعني في الرياض والإمام إذا أتى مثل هذا يدعو للأمير، الأمير سلطان رحمه الله له جهودٌ كبيرةٌ، خاصةً في مجال مساعدة المحتاجين والفقراء والمساكين، له تميزٌ في هذا، وينفق نفقاتٍ عظيمةً، وبذلٌ كبيرٌ، نسأل الله له المغفرة والرحمة، لكن الكلام فقط هل يُكتفى بالدعاء له، أو يصلى عليه صلاة الغائب داخل البلد؟ داخل البلد نقول: ما تصلح الصلاة على الغائب، هو ليس غائبًا، هو حاضرٌ الآن في البلد، والغائب الكلام فيمن كان خارج البلد؛ فلذلك نقول: من كان خارج الرياض؛ لا إشكال في أنهم يصلون عليه صلاة الغائب، ما دام أن إمام المسلمين اختار هذا القول بناءً على فتاوى العلماء، بناءً على فتوى الشيخ عبدالعزيز بن بازٍ، لكن من كان داخل البلد نقول: إنه يشرع الصلاة عليه في المسجد إن تيسر، أو على قبره، إن لم يتيسر هذا ولا ذاك؛ فيكتفى بالدعاء له، هذا الذي يظهر في هذه المسألة.

مداخلة: ….

الشيخ: ما أظنه يفتي بهذا، الفقهاء نصوا على هذا: أنه لا يشرع، ولا أظن أن عالمًا يفتي بهذا، هو الآن ليس غائبًا، الصلاة على غائبٍ، ما معنى “غائب”؟ غائبٌ عن البلد، يصبح الآن حاضرًا ليس غائبًا، فما أصبحت الآن الصلاة على غائبٍ.

مداخلة: ….

السؤال: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، هذا سائلٌ يقول: هل يجوز للحاج أن يبيت في مكة إذا لم يجد مكانا في منًى؟

الجواب: إذا لم يجد مكانًا في منًى فإنه يبحث عن أقرب مكانٍ إلى منًى، وهناك أماكن من جهة مزدلفة متيسرٌ الحصول عليها، أو حتى من جهة العزيزية، أما أنه يترك هذا الواجب ويبقى في شقةٍ مثلًا في العزيزية؛ فيكون قد ترك واجبًا من واجبات الحج، وهذا لا تبرأ به الذمة، وإن كان قد قال به بعض أهل العلم، ولأن الغرض من البيتوتة بمنًى هو اجتماع الحجيج في مكانٍ واحدٍ، فهذا يتحقق إذا بات في أقرب مكانٍ إلى منًى، وكما ذكرت هو من جهة مزدلفة متيسرٌ الآن، متيسرٌ أنه يبيت في أقرب مكانٍ إلى منًى من جهة مزدلفة، وحينئذٍ نقول: إنه ليس له أن يبقى في شقةٍ في العزيزية أو في غيرها، وإنما يبيت في أقرب مكانٍ إلى منًى.

مداخلة: ….

الشيخ: حتى العوائل، لا بد أن يكون في أقرب مكانٍ متصلٍ بالحجاج في منًى.

السؤال: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، هذا سائلٌ يقول: ما حكم من حج وعليه دينٌ مع ذكر الخلاف في المسألة والراجح؟

الجواب: المدين لا يخلو إما أن يكون الدين مؤجلًا أو حالًّا، فإن كان مؤجلًا وكان له مصدر دخلٍ ثابتٍ؛ فلا بأس أن يحج وعليه دينٌ مؤجلٌ؛ لأن الدين لم يَحِلَّ، وهو يرجو سداد هذا الدين المؤجل في المستقبل.

أما إذا كان الدين حالًّا؛ فالواجب هو أن يبادر لسداد الدين، وألا يحج حتى يسدد دينه، إلا أن يأذن له الدائن؛ وذلك لأن المال الموجود عنده -الفاضل عن حوائجه الأساسية وحوائج من تلزمه نفقته- هو مستحَقٌّ أصلًا للدائن، فكيف يحج بمالٍ مستحقٍّ لغيره؟

ولهذا نقول: يجب عليه أن يبادر بسداد الدين، وليس له أن يحج في هذه الحال، إلا أن يأذن له الدائن، واستثنى بعض العلماء مسألةً: وهي ما إذا كان الحج لا يؤثر على الدين باعتبار أن الدين كبيرٌ، إنسانٌ مثلًا مطلوبٌ بملايين، ولو لم يحج؛ مجرد أنه يوفر له خمسة آلافٍ، لا تؤثر كثيرًا في سداد الدين، فهذا قالوا: إنه يحج في هذه الحال، هذا قولٌ أيضًا وجيهٌ.

أما إذا كان الدين مؤثرًا، إذا كان الدين ليس كبيرًا، لو لم يحج؛ لربما وفر هذا المبلغ في سداد جزءٍ من الدين أو في سداد الدين؛ فليس له أن يحج في هذه الحال، وإنما يقدم سداد الدين، أو يأذن له الدائن؛ وذلك لأن ما زاد على حوائجه الأساسية هو مستحَقٌّ أصلًا للدائن، يفترض أنه ليس له، هو للدائن أصلًا؛ ولذلك تجد أنه لو أن إنسانًا حل عليه الدين، ووجد أن المدين وضع وليمةً كبيرةً؛ تجد أن الدائن يجد في نفسه، يقول: يفترض أنه يسدد لي الدين، كيف يضع هذه الوليمة الكبيرة وعليه دينٌ؟! أو ذهب للتفسح، تجد أن الدائن أيضًا يجد في نفسه، يعني فلانٌ يذهب ويتفسح وأنا أطلبه دينًا ولم يسدد لي ديني.

كذلك أيضًا نقول بالنسبة للحج، الحج إنما أوجبه الله تعالى على المستطيع، فهذا الذي عليه دينٌ نقول: هو غير مستطيعٍ؛ لأنه واجبٌ عليه أن يسدد الدين الذي عليه، ويبادر بسداد الدين الذي عليه والله تعالى إنما أوجب الحج على المستطيع، اللهم إلا إذا أسقط الدائن حقه وأذن له في ذلك فلا بأس، لكن مع ذلك لو حج ولم يستأذن الدائن؛ فحجه صحيحٌ، لكنه يأثم بهذا، حجه صحيحٌ؛ لأنه حجٌّ مكتمل الأركان والشروط والواجبات، وحجه صحيحٌ.

السؤال: السؤال الأخير: أحسن الله إليكم، هذا السائل يقول: ما معنى ما ذكرتم: المرأة غير المحصنة إذا كانت متزوجةً؟

الجواب: يعني إذا كانت المرأة غير عفيفةٍ، تعرفون الإحصان قد يطلق على الحرية، وقد يطلق على العفة، وقد يطلق..، إذا كانت هذه المرأة معروفةً عند الناس أنها غير عفيفةٍ، قبض عليها مثلًا من مركز الهيئة مرارًا، فهي غير عفيفةٍ، فهنا لا يُحَد من قذفها، وإنما يعزر، بشرط ثبوت ذلك، يعني تدور حولها التهمة، فهي غير عفيفةٍ، أو سبق مثلًا وأقيم عليها حدٌّ، ولم تظهر منها بوادر توبةٍ، أو نحو ذلك، فهذا هو المقصود، فمن قذف محصنًا -يعني: عفيفًا- فإنه يحد، ومن قذف غير محصنٍ -يعني غير عفيفٍ- فإنه يعزر، هذا هو الذي نص عليه أهل العلم؛ ولذلك يقول الله : وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ [النور:4]، إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ [النور:23]، لاحِظ، نص على وصف الإحصان، المقصود بالإحصان هنا، المقصود به: العفة، الإحصان قد يراد به العفة، وقد يراد به الحرية، وقد يراد به الزواج أيضًا، من تزوج، أو متزوجات، فمثلًا: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24]، المقصود به: المتزوجات، إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ، المقصود: العفيفات، فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [النساء:25]، المقصود: الحرائر، فهو بحسب السياق، يُحدَّد المعنى بحسب السياق.

نكتفي بهذا القدر، طيب، هناك أسئلة؟

مداخلة: ….

الشيخ: لكن لم يصرح بالقذف، هو يقول أنا ما أقذفها بالزنا لكن أريد نفي الولد، فليست المسألة تحصيل حاصلٍ، لا يترتب عليه نفي الولد، والمرأة نفسها لا تلاعن، ولا يقام عليها الحد، فقط هو أراد أن يستفيد فائدةً واحدةً، وهي نفي الولد.

مداخلة: ….

الشيخ: أثبت أنه للزاني؛ إذنْ يجب عليه أن يلاعن في هذه الحال.

مداخلة: ….

الشيخ: لا، ما يستلحق، ما قال به أحدٌ من أهل العلم.

يعني هذه صورة المسألة: تيقن هذا الرجل أن هذا الولد ليس ولده، والمرأة فراشٌ له، ثم بعد ذلك طلقها، يقول: إن الرجل إذا زنت امرأته؛ سقطت من عينه فطلقها؛ لأنه لا يمكن أن إنسانًا يُبقي امرأته وهي وصلت لهذه المرحلة، فمثلًا يعني هل للزاني أن يستلحق هذا الولد؟ ما دامت فراشًا؛ فليس له أن يستلحقه بالإجماع، وإنما الخلاف القوي أيضًا، والذي عليه الأكثر: أنه لا يستلحق إذا لم تكن فراشًا، إذا كان الجمهور والمذاهب الأربعة أنه لا يستلحق إذا لم تكن فراشًا؛ فما بالك بهذه المسألة؟! هذه المسألة الأولى، إذا كانت فراشًا؛ بالإجماع أنه لا يَستلحق الزاني الولدَ.

السؤال: من حج بدلًا، وعجز عن الرمي، يجوز أن يوكل؟

الجواب: إي نعم، من عجز عن الرمي؛ يجوز له أن يوكل.

مداخلة: ولو كان بدلًا؟

الشيخ: ولو كان بدلًا نعم، ما دام أنه عاجزٌ؛ فيجوز أن يُوكِّل.

مداخلة: ….

الشيخ: المبيت إذا عجز عنه؛ يسقط عنه، إذا عجز؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام رخص للسقاة والرعاة [23]، فمن كان عاجزًا لمرضٍ من باب أولى.

مداخلة: ….

الشيخ: إذا نكلت المرأة؛ يقام عليها الحد، النكول..، يقوى بالنكول في هذه الحال، هذه الفائدة من الملاعنة؛ ولذلك لما امرأة هلالٍ قالوا: إنها موجبةٌ، عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، يقصدون حد الزاني في الدنيا، فهنا إذا تلكأ، إذا رفضت المرأة أن تلاعن؛ فيقام عليها حد الزنا، وهو الرجم، تُرجم.

نكتفي بهذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 1493.
^2 رواه البخاري: 4747.
^3 رواه البخاري: 5308، ومسلم: 1492.
^4 رواه البخاري: 5310.
^5 رواه أبو داود: 2256، والنسائي: 3469، دون الأمر بالقيام.
^6 رواه أبو داود: 2255، والنسائي: 3472.
^7, ^12, ^15, ^17, ^21 سبق تخريجه.
^8 رواه مسلم: 1492.
^9 رواه أبو داود: 2250.
^10 رواه البخاري: 2053، ومسلم: 1457.
^11 رواه أبو داود: 2256، وأحمد: 2131.
^13 رواه مسلم: 2550.
^14 رواه مالك في الموطأ: 22.
^16 رواه البخاري: 5231، ومسلم: 2671.
^18 رواه الطبراني: 7979، وابن عساكر في تاريخ دمشق: 24/ 73.
^19 رواه البخاري: 6177، ومسلم: 1735.
^20 رواه أبو داود: 3594، والدارقطني: 2890، والحاكم: 2337، بلفظ: على شروطهم، وذكره البخاري تعليقا: 3/ 92، بلفظ: عند شروطهم.
^22 رواه البخاري: 1245، ومسلم: 951.
^23 رواه أبو داود: 1975، والترمذي: 955، والنسائي: 3069، وابن ماجه: 3037، وقال الترمذي: حسن صحيح.
zh