عناصر المادة
طيب ننتقل بعد ذلك إلى درس الفقه، وكنا قد وصلنا إلى (باب: الرَّجعة).
باب الرجعة
قال المؤلف رحمه الله:
وهي: إعادة زوجته المطلقة إلى ما كانت عليه بغير عقد.
تعريف الرجعة
عرف المؤلف رحمه الله الرجعة بهذا التعريف: “إعادة زوجته المطلقة”، ويُقيِّد بعض العلماء التعريف بقولهم: “المطلقة غير البائن إلى ما كانت عليه بغير عقد”. فتقييدها بغير البائن أجود.
ومعنى ذلك: أن الرَّجعة إنما تكون للزوجة غير البائن.
وسبق أن تكلمنا في دروس سابقة وذكرنا أن البينونة تنقسم إلى قسمين، فمن يذكِّرنا بهما؟
مداخلة: …..
الشيخ: نعم، بينونة كبرى، وبينونة صغرى.
فالبينونة الكبرى ما هي؟ أن يُطلق زوجته ثلاثًا.
والبينونة الصغرى لها عدة صور: إما أن يُطلقها تطليقة واحدة، أو تطليقتين، وتنقضي عدتها.
من البينونة الصغرى أيضًا: الخلع، إذا خالعت زوجها، الفسخ كذلك، هذه تدخل في البينونة الصغرى، كذلك طلاق من لم يدخل بها في البينونة الصغرى.
اللِّعان هو أشد ما يكون من البينونة الكبرى، من البينونة الكبرى التي لا تحل له حتى وإن نكحت زوجًا غيره. وسيأتينا إن شاء الله، سنشرحه، فاللعان يقتضي الفرقة الأبدية إلى الممات.
مداخلة: …..
الشيخ: تدخل في الكبرى، هي أشد من الطلاق الثلاث، تدخل في الكبرى، لكن لا تحل له حتى وإن نكحت زوجًا غيره.
قال ابن المنذر رحمه الله: “أجمع أهل العلم على أن الحُرَّ إذا طلق دون الثلاث، والعبد دون اثنتين، أن لهما الرَّجعة في العدة”. وهو محل إجماع كما ذكر ذلك الوزير ابن هبيرة، وكذلك ابن المنذر، وغيرهم.
ومما يدل لهذا قول الله : وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا [البقرة:228]، وقوله سبحانه: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]، وقوله : فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [الطلاق:2].
وأيضًا من السنة عدة أحاديث، منها: قوله عليه الصلاة والسلام في قصة طلاق ابن عمر رضي الله عنهما لامرأته: مُرْهُ فليراجعها[1].
وجاء عند أبي داود والنسائي وابن ماجه: أن النبي طلق حفصة رضي الله عنها ثم راجعها[2]. الحديث في سنده ضعف، لكن له طرق متعددة يقويِّ بعضها بعضًا.
شروط الرجعة
قال:
قبل هذا قوله “بغير عقد”، “إعادة زوجته المطلقة -قلنا- غير البائن إلى ما كانت عليه بغير عقد”؛ هذا يدل على أن المطلقة ما دامت في العدة فإن له أن يُراجعها بغير عقد وبغير رضاها أيضًا، فلا يُشترط رضاها، فيُراجعها بغير عقد وبغير رضاها.
وما دامت في العدة هي في حكم الزوجة، ويترتب على ذلك ما يترتب على عقد الزوجية من أحكامٍ في جميع الأحكام، ومِن هذا: أنه يحصل توارث بينهما، لو مات أحدهما في العدة يحصل التوارث بينهما، يعني: تأخذ حكم الزوجة في جميع الأحكام ما عدا الوطء.
الوطء سيأتي الكلام عنه: هل يحل له أن يطأها وهي في العدة؟ أو أن ذلك يُشترط له نية الرَّجعة؟ سيأتي بحث هذا بعد قليل.
قال: (ومن شرطها) يعني: ومن شرط الرَّجعة (أن يكون الطلاق غير بائن)؛ أن يكون الطلاق غير بائن هذا هو الشرط الأول، وبعضهم يُعبِّر: أن يكون الطلاق بلا عوض.
فإن كان الطلاق بائنًا فلا رجعة، سواء أكان بائنًا بينونة كبرى أو بينونة صغرى؛ لأنه إنما جُعل العِوض في الطلاق البائن؛ لتفتدي به المرأة من الزوج، ولا يحصل ذلك مع ثبوت الرَّجعة. هذا في البينونة الصغرى طبعًا، البينونة الصغرى التي تكون بعوض. إذن بشرط أن يكون الطلاق غير بائن.
فإن كان الطلاق بائنًا: أما البينونة الكبرى هذه واضحٌ أنه لا رَجعة فيها، أو بينونة صغرى فكذلك أيضًا.
ومن ذلك: إذا كان الطلاق بعوض فإنه لا رجعة في ذلك؛ لأنه جُعل لأجل أن تفتدي المرأة بهذا العوض من الزوج، ولا يحصل ذلك مع ثبوت الرَّجعة. هذا هو الشرط الأول.
والشرط الثاني:
فإن خرجت من العدة لم يملك الرَّجعة، وهذا أيضًا متفق عليه، هذا الشرط متفق عليه، أن تكون الرَّجعة في العدة.
وهناك شروط أخرى لم يذكرها المؤلف، أضافها بعض الفقهاء، منها: أن تكون المرأة مدخولًا بها، فإن كانت غير مدخول بها فإنه لا عدة عليها أصلًا، فلا تمكن مراجعتها؛ لقول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49]، فلا بد إذن أن تكون مدخولًا بها. وهذا هو الشرط الثالث.
والشرط الرابع: كون الطلاق دون ما يملك من العدد: وهو ثلاث تطليقات للحُرِّ، وتطليقتان للعبد. كون الطلاق دون ما يملك من العدد يعني: أقل من ثلاثٍ بالنسبة للحُرِّ، كون الطلاق أقل من ثلاث بالنسبة للحُرِّ، وأقل من ثنتين بالنسبة للعبد.
والشرط الخامس: أن يكون ذلك في نكاح صحيح؛ احترازًا من النكاح الفاسد.
والشرط السادس -أضافه بعض أهل العلم-: وهو أن يُريدا إصلاحًا، بأن يغلب على ظنِّهما أن يُقيما حدود الله، أن يغلب على ظنِّهما أن يقوم كلُّ واحدٍ منهما بمعاشرة الآخر بما يجب عليه.
هذا الشرط ذكره أبو العباس ابن تيمية رحمه الله؛ واستدل له بقول الله : فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ [البقرة:230]، فقال: إن لم يغلب على ظنِّهما إقامة حدود الله فلا تحل الرَّجعة. وأيضًا قول الله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا [البقرة:228].
هذا قولٌ قويٌّ جدًّا، فلا بد من إرادة الإصلاح، ويغلب على الظن إقامة حدود الله. أما إذا لم يُرِيدا الإصلاح، ولم يغلب على الظن إقامة حدود الله؛ فلا تحل الرَّجعة في هذه الحال؛ لظاهر الآية الكريمة. فهذه هي شروط الرَّجعة.
حكم الرجعة بعد انقطاع الحيضة الثالثة قبل الاغتسال
قال:
العدة بالنسبة للحائض كم حيضة؟ ثلاث حِيَض، ثلاثة قروء.
إذا انقطع الدم من الحيضة الثالثة ولم تغتسل -يعني: في هذه المدة- هل تصح الرجعة؟
يقول المؤلف: نعم تصح، تصح لو أنها أَخَّرت الاغتسال، واتصلت بزوجها وسألته الرَّجعة فراجعها، فتصح.
هذه المسألة محل خلاف بين الفقهاء، فمِنهم مَن قال: إنها تصح، وهو القول الذي مشى عليه المؤلف رحمه الله. ومنهم مَن قال: إنه لا تصح الرَّجعة في هذه الحال؛ لأنها خرجت من العدة.
أما أصحاب القول الأول الذين قالوا: إنه تصح الرَّجعة بعد انقطاع الدم وقبل الاغتسال؛ فاستدلوا بالآثار الكثيرة عن الصحابة في هذه المسألة، قال ابن القيم رحمه الله في “زاد المعاد”: إن هذا القول؛ يعني: إنه تصح الرجعة بعد انقطاع الدم وقبل الاغتسال، إن هذا القول هو المشهور عن أكابر الصحابة ، وقد رُوي عن أبي بكر وعثمان وأبي موسى وعُبادة وأبي الدرداء ومعاذ وابن عباس ، وذكر أنه رُوي عن ثلاثة عشر من أصحاب النبي .
قال الموفق ابن قدامة في “المغني”: ولم يُعرف لهم مخالف في عصرهم؛ فكان إجماعًا.
ولا شك أن نَقْل هذا القول عن هذا العدد الكثير من الصحابة يُعطيه قوة، وإذا كان قول صحابي واحد اختلف العلماء هل هو حجة أو ليس بحجة إذا لم يُخالفه صحابي آخر، فكيف بقول ثلاثة عشر صحابيًّا ولم يُعرف عن غيرهم خلاف؟! فهذا القول في غاية القوة.
فالصواب إذن هو القول الذي مشى عليه المؤلف رحمه الله تعالى؛ وذلك لأنه هو المأثور عن الصحابة .
وإن كان القياس يقتضي أنه لا تصح الرَّجعة بعد انقطاع الدم؛ لانقضاء العدة، لكن ما دام أن الصحابة فهموا هذا الفهم، فلا شك أنهم ربما فهموه من النبي عليه الصلاة والسلام.
وقول الصحابي إذا اشتُهر يكون حجة، وهنا لا شك أنه مشتهرٌ إذا كان رُوي عن ثلاثة عشر صحابيًّا، هذا يدل على اشتهار هذا القول عند الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
فإذن الصواب هو ما قرره المؤلف مِن أنه تصح الرَّجعة بعد انقطاع دم الحيضة الثالثة، حيث لم تغتسل، وحينئذٍ نقول لهذه المرأة: قبل أن تغتسل بإمكانها أن تؤخِّر الغسل، وتحاول مع زوجها أن يُراجعها، فيكون هناك مجال للمراجعة في هذه الحال.
مداخلة: …..
الشيخ: ضابط تأخير الغسل ما لم تَخْشَ فوات وقت الصلاة.
يعني مثلًا: بالنسبة لصلاة الفجر، ما لم تَخْشَ فواتَ وقت صلاة الفجر بطلوع الشمس. صلاة العشاء، ما لم تخشَ طلوع الفجر. صلاة العشاء، القول الصحيح: إن وقتها يمتد إلى طلوع الفجر، وهو الوقت الضروري.
فما لم تخشَ فواتَ وقت الصلاة فيمكن أن تُؤخِّر الاغتسال إلى آخر الوقت الذي يمكنها فيه الاغتسال وأداء الصلاة، إذا كانت ترجو مثلًا أن يُراجعها زوجها.
حكم الرجعة قبل وضع ولدٍ متأخرٍ
قال:
وهذا إذا كانت حاملًا بأكثر من واحد، فوضعت الأول وأرجعها زوجها بعد وضع الأول وقبل وضع الثاني؛ فيصح؛ وذلك لبقاء العدة؛ لأن العدة لا تنتهي إلا بوضع الأخير من الأولاد.
ألفاظ الرجعة
قال:
يعني: ألفاظ الرَّجعة.
هذه الألفاظ التي ذكرها المؤلف بعضها ورد في القرآن، فمثلًا: “راجعتها” ورد في قول النبي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: مُرْه فليُراجعها[3].
ومنه مشتقاتها: رجعتها وارتجعتها، أمسكتها ورد في قول الله : فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [الطلاق:2]، وكذا رددتها: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ [البقرة:228].
قال:
يعني: كل لفظ دل على الرَّجعة فإنها تحصل به، فلا يختص ذلك بألفاظ معينة، وإنما كل لفظ يدل على أنه أراد المراجعة تحصل به المراجعة.
الإشهاد على الرجعة
وهل يُشترط الإشهاد على الرَّجعة؟
نقول: يُستحب ذلك، يُستحب الإشهاد على الرَّجعة، وليس شرطًا فيها. وهذا هو قول الجمهور، وهو مذهب المالكية والحنفية؛ وذلك لأنه ليس هناك دليل يدل على شرط الإشهاد.
وقد جاء في حديث عِمْران بن حُصَين رضي الله عنهما: أن عمران قال لمَن طلَّق -موقوفٌ على عِمْران- ثم راجَع ولم يُشهِد: طلَّقْتَ لغير السنة، وراجعت لغير السنة، أشهِد على طلاقها ورَجعتها، ولا تَعُد. رواه أبو داود وابن ماجه بسند صحيح[4].
ويدل لسنية الإشهاد قول الله : فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2]، فقوله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ، هل الأمر بالإشهاد هنا الإشهاد على الإمساك، أو على المفارقة، أو عليهما جميعًا؟
عليهما جميعًا، تأمل الآية: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2]، فقوله: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ يشمل الإشهاد على الفراق والإشهاد على الرَّجعة. ومعلوم أنه لا يجب الإشهاد على الفراق -يعني: على الطلاق- بالإجماع، مع أنه أقرب المذكورين في الآية، فلا يجب الإشهاد على الرَّجعة من باب أولى.
فهمتم وجه الدلالة من الآية: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2]؟ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ المقصود به: الطلاق، لا يجب الإشهاد على الطلاق بالإجماع، فكذلك لا يجب الإشهاد على الإمساك من باب أولى.
فإذن؛ الإشهاد على الطلاق، والإشهاد على الرَّجعة، نقول: إنه مستحب وغير واجب، فلو أنه قال لزوجته: “راجعتك”، إما بحضرتها، أو في غَيْبتها، أو “راجعتُ زوجتي فلانة”؛ حصلت الرَّجعة، ولكن يُستحب أن يُشهد شاهدين.
الرجعة بالوطء
قال:
(بل تحصل رَجْعَتُها بوطئها) هذه مسألة مهمة.
الرَّجعة بالقول هذه أمرها واضح، قلنا: بأيِّ لفظٍ من ألفاظ الرَّجعة يحصل به الرجعة، لكن الرجعة بالفعل، يعني: بالوطء، هل تحصل الرَّجعة بالوطء أو لا تحصل؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
- القول الأول، وهو القول الذي مشى عليه المؤلف: أن الرَّجعة تحصل بمجرد الوطء؛ أي: سواء نوى الرَّجعة، أو لم يَنْوِ الرجعة، متى ما وطئ حصلت الرَّجعة. وهذا القول هو المذهب عند الحنابلة.
- القول الثاني: لا تحصل الرَّجعة بالوطء ولو نوى الرَّجعة، وإنما لا بد في الرَّجعة أن تكون بالقول. وهذا هو مذهب الشافعية.
- القول الثالث، هو قول وسط بين القولين: إن الرَّجعة تحصل بالوطء مع نية المراجعة، ولا تحصل بالوطء بغير نية الرَّجعة.
القول الثالث: إن الرجعة تحصل بالوطء، إذا كان ذلك الوطء بنية الرَّجعة، أما إذا كان بغير نية الرَّجعة فلا تحصل الرَّجعة. وهذا القول هو مذهب الحنفية والمالكية، وهو اختيار أبي العباس ابن تيمية، وكذلك الشيخ محمد ابن عثيمين، والشيخ عبدالرحمن ابن سعدي، والشيخ محمد ابن عثيمين، رحمهم الله تعالى جميعًا.
قال أبو العباس ابن تيمية: هذا القول هو أعدل الأقوال.
والشيخ عبدالرحمن السعدي رجَّح أيضًا هذا القول، قال -أنا أنقل عبارته-: الصحيح أن الرَّجعة لا تحصل بمجرد الوطء حتى ينويه رَجعة؛ لأن الرَّجعة حقيقتها ترجيع زوجته المطلقة إلى ما كانت عليه قبل ذلك، وهذا لا يحصل بمجرد الوطء.
وأيضًا يدل لهذا قول النبي : إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى[5]، فهذا إذا لم ينوِ الرَّجعة بالوطء، فكيف تحصل الرجعة بمجرد الوطء؟ فلا بد من أن ينوي الرَّجعة بالوطء.
فهذا القول الأخير هو القول الراجح: وهو أنه إذا نوى بالوطء الرَّجعة تحصل الرَّجعة، أما إذا لم ينوِ بها الرَّجعة فلا تحصل.
طيب، يَرِد على هذا تساؤل: إذا أراد أن يطأ وهو لا ينوي الرَّجعة، فهل يحل له ذلك؟ بناءً على القول الراجح: لا يحل له، نقول: يحرم عليك؛ إما أن تُريد بهذا الوطءِ الرَّجعةَ، وإلا لا تطأ، ما يجوز أن تطأ.
وأنا أذكر أن سائلًا أتى إليَّ في هذا المسجد، وسأل هذا السؤال، قال: إنه طلق زوجته طلاقًا رجعيًّا، ويُريد أن يطأها ولا يُريد مراجعتها، فقلت: لا يحل لك، فإما أن تطأها بنيَّة المراجعة، وإلا لا يحل لك الوطء في هذه الحالة. هذا هو القول الصحيح في هذه المسألة.
وانتبِهوا لهذه المسألة! هذه من المسائل المهمة.
والعلماء يقولون: إنه يستحب للمطلقة الرجعية أن تستشرف لزوجها وأن تتزين له؛ لعله أن يُراجعها، فهي لا تحتجب عنه، بل تستشرف له وتتزين له، لكن لا تحصل الرَّجعة إلا بالقول الصريح، أو بالوطء مع نية الرَّجعة.
أما القول أنها تحصل بمجرد الوطء من غير نية، هذا يَرِد عليه أن هذا فعلٌ بغير نية، النبي عليه الصلاة والسلام يقول: إنما الأعمال بالنيات[6]، وهذا لم ينوِ الرَّجعة، فكيف تحصل الرَّجعة؟
قول الشافعية يَرِد عليه: أن هذا إذا فَعَلَ فعلًا مع النية، فهو أشبه بالقول الصريح، ولا فرق بين القول الصريح وبين الفعل مع النية، وهذا ليس حتى في الرَّجعة، وهذا كذلك في -مثلًا- الوقف في البيع، في أمور كثيرة، فلا يُقصَر ذلك على مجرد القول، بل الفعل الدال على القول يقوم مقامه.
حكم الرجعة بلفظ النكاح والزواج
قال: (لا بنكحتُها أو تزوَّجتُها)؛ يعني: مراد المؤلف أن يقول: لو أنه راجعها بلفظ: “نكحتها”، أو: “تزوجتها”، فإن هذا لا تصح به الرَّجعة. وهذا هو المذهب عند الحنابلة.
والقول الثاني في المسألة: إنه تصح به الرَّجعة. وهذا قد أومأ إليه الإمام أحمد رحمه الله، وهو القول الراجح؛ وذلك لأن المرأة الأجنبية تُباح بهذا اللفظ، فالرَّجعية من باب أولى.
قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: فعلى هذا يحتاج إلى أن ينوي به الرَّجعة؛ لأن ما كان كناية تعتبر له النية؛ ككنايات الطلاق.
فإذن؛ حتى لو قال: “نكحتها” أو “تزوجتها”، الصحيح أن هذا تحصل به الرَّجعة، ما دام أنه قد أراد بذلك المراجعة.
الطلقات الباقية للزوج على مطلقته البائن
قال:
وهذا بالإجماع؛ لمفهوم قول الله : وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ [البقرة:228] يعني: في العدة؛ فدل ذلك على أن الرد والرَّجعة إنما تكون في العدة، فلا يكون بعد الخروج من العدة؛ لأن مفهوم الآية: أنها إذا فرغت من العدة، لم تُبَح إلا بعقد جديد.
قال:
وهذه مسألة مهمة (تعود على ما بقي من طلاقها) يعني: لو راجَعَها تعود على ما بقي من طلاقها.
وهذه المسألة لها عدة صور:
- الصورة الأولى: أن يُطلقها دون ثلاث، ثم تعود إليه برَجعة أو بنكاح جديد، فتعود إليه على ما بقي من طلاقها باتفاق العلماء، يعني: طلقها تطليقة واحدة ثم راجعها، أو حتى خرجت من العدة وعقد عليها من جديد، يبقى له كم؟ تطليقتان.
- الحالة الثانية: أن يطلقها ثلاثًا، ثم تنكح زوجًا غيره ثم يُطلقها، ثم يتزوجها زوجها الأول، فهنا تعود بطلاق ثلاث بالإجماع. يعني: له ثلاث تطليقات؛ كأنه تزوجها من جديد.
هاتان الصورتان متفق عليهما.
- الصورة الثالثة، وهي محل الخلاف: طلقها دون ثلاث، وانقضت عدتها، ثم نكحت زوجًا غيره ثم طلقها، ثم رجعت لزوجها الأول، فهمتم صورة المسألة؟ فهل تعود إليه على ما بقي من الثلاث، أو أنها ترجع إليه بثلاث؟ بطلاق ثلاث؟
أعيد مرة ثانية: الصورة الأخيرة هي محل الخلاف: هذا رجلٌ طلقها دون ثلاث، وانقضت عدتها، وتزوجت برجل آخر، وطلقها الزوج الآخر، ثم تزوجها زوجها الأول، لمَّا تزوجها زوجها الأول هل نحسب له ثلاث تطليقات، وإلا نحسب عليه طلقته الأولى؟
هذه محل خلاف بين الفقهاء، والمؤلف يقول: (وتعود على ما بقي من طلاقها). هذا هو المذهب: أنها تعود ونحسب عليه طلقته الأولى أو الثانية، فنحسب عليه ما مضى، فالمذهب عند الحنابلة: أنها تعود إليه على ما بقي من الثلاث.
والقول الثاني في المسألة: أنها ترجع إليه على طلاق ثلاث.
والقول الأول هو القول الراجح: أنها تعود على ما بقي من طلاقها؛ وذلك لأن هذا هو المنقول عن الأكابر من الصحابة ، ورُوي عن عمر وعليٍّ وأُبيٍّ ومعاذ وعمران وأبي هريرة وزيد وعبدالله بن عمر ، فرُوي عن عدد من الصحابة ؛ ولأن وطء الثاني لا يحتاج إليه في الإحلال للزوج الأول، فلا يُغيِّر حكم الطلاق.
فالصواب إذن: أنها تعود إليه على ما بقي من طلاقها.
وبناءً على ذلك؛ لو كان زوجها الأول طلَّقها تطليقتين، وانقضت عدتها، وتزوجت رجلًا آخر وطلقها، ثم عادت لزوجها الأول، كم بقي لها من طلقة؟ واحدة فقط، واحدة، ثم لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره. هذا هو القول الصحيح، وهو المأثور عن أكثر الصحابة .
وكما ذكرنا أيضًا: النظر يقتضيه؛ لأن نكاحها للثاني ليس له أثر في تحليلها للأول، فلم يكن له أثر فيما بقي من الطلاق.
مراجعة المرأة بعد البينونة الكبرى
ثم قال المؤلف رحمه الله:
وهذا بالإجماع؛ لقول الله : فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، إن طلقها الحُرُّ ثلاث تطليقات لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره.
وهنا قال: (نكاحًا صحيحًا) لا بد أن تنكح هذا الزوج نكاحًا صحيحًا، فلا يصح أن يكون النكاح فاسدًا، وهذا هو الشرط الأول.
- الشرط الأول: أن يكون النكاح صحيحًا.
- والشرط الثاني: أن يطأها في الفرج.
عبر عنه المؤلف بقوله:
فإذن؛ يُشترط هذان الشرطان:
- أن يكون النكاح صحيحًا.
- وأن يطأها في القُبُل.
قال:
وذلك لوجود حقيقة الوطء من الزوج.
وقد جاء في هذا قصة امرأة رِفَاعة القُرَظي، قد جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن رفاعة القرظي تزوج امرأة، ثم طلقها، فتزوجت بعبدالرحمن بن الزَّبير -هكذا ضَبْطُهُ، بعض الناس ينطقه “الزُّبير” وهذا خطأ- بعبدالرحمن بن الزَّبير، فأتت النبي فذكرت له أنه ليس معه إلا مثل هُدبة الثوب، وجعلت تُشير بثوبها، يعني: فيه إشارة إلى أنه غير قادر على الوطء، فقال النبي : لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عُسَيلته[7].
وهذا دليل على أن بعض النساء عندهن جرأة من قديم الزمان، يعني: ما يُرى من جرأة النساء في الوقت الحاضر هي موجودة من قديم، يعني كون هذه المرأة تأتي للنبي عليه الصلاة والسلام وعنده الصحابة، وتقول مثل هذا الكلام بصوت مسموع، هذه جرأة.
ولهذا؛ جاء في بعض الروايات: سمع خالد بن سعيد قولها وهو بالباب، فقال لأبي بكر : ألا تنهر هذه عما تجهر به عند رسول الله ؟! فتبسَّم عليه الصلاة والسلام[8]. يعني: هذا من حسن خُلُقه عليه الصلاة والسلام، وهو عليه الصلاة والسلام فَهِم مقصودها، تُريد أن ترجع لزوجها الأول.
وجاء في روايةٍ عند البخاري: أنه أُخبِر بذلك فأتى النبيَّ فقال: يا رسول الله، كذبَتْ، وإني لأنفضها نفض الأديم -هذا في رواية البخاري-، ولكنها ناشز تُريد رفاعة. فقال رسول الله : إن كان ذلك لم تَحِلِّي له حتى يذوق عُسَيلتك. وأتى عبدالرحمن معه بابنين يُشبهانه شبهًا كبيرًا، فقال عليه الصلاة والسلام: بَنوك هؤلاء؟. قال: نعم. قال : هذا الذي تزعمين ما تزعمين؟! فوالله لهما أشبه به من الغراب بالغراب[9]؛ يعني: معنى ذلك أنه قادر على الوطء، كيف أنها تزعم أنه غير قادر على الوطء؟! ولكنها تريد زوجها الأول، فافتعلت هذه القضية، تَحْسَب أنها حجة لها، وصارت حجة عليها.
ما دام ما معه إلا مثل هُدبة الثوب، معنى ذلك: أنه غير قادر على الوطء، فهي حجة عليك، ليس حجة لك.
فالنبي عليه الصلاة والسلام أبطل قولها، قال: حتى يذوق عُسَيْلتك، وتذوقي عسيلته إذا كان ما تذكرينه صحيحًا أنه غير قادر على الوطء، فهذا حجة عليك، فلا تَحِلِّي لزوجك الأول حتى يطأكِ هذا الزوج. فهذه القصة أصلٌ أيضًا في هذا الباب.
قال:
يقولون: إن هذا يحصل به أيضًا تحليله لزوجها الأول.
ما دام أنه حصل الوطء فتحل لزوجها الأول؛ لعموم الآية.
هذا هو الضابط، الحشفة: هي رأس الذَّكَر.
وهذا الضابط يمرُّ في مسائل كثيرة، في أبواب كثيرة، يعني مثلًا في كفارة الجماع في نهار رمضان، متى تجب؟ بتغييب الحشفة. في حد الزنا، متى يجب حد الزنا؟ بتغييب الحشفة. هنا أيضًا متى تحل لزوجها الأول؟ إذا وطئها زوجها الثاني وحصل تغييب الحشفة.
فتغييب الحشفة: هو الضابط عند الفقهاء.
قال:
المجبوب: هو مقطوع الذَّكَر؛ لأنهم يقولون: إن المجبوب يستطيع الوطء، الذي لا يستطيع الوطء هو الممسوح، مقطوع الخصيتين، مقطوع الخصيتين ما يستطيع أن يطأ، أما مقطوع الذَّكَر فيقول: قد يُمكنه ذلك.
يعني: بمجرد تغييب الحشفة.
يعني: فلا تحل له؛ لأنه وطء حُرِّم لحق الله تعالى فلا يُحِلُّها. وهذا هو المذهب عند الحنابلة، يقولون: إن الوطء إذا كان محرَّمًا لِحَق الله فلا يُحلها لزوجها الأول.
والقول الثاني في المسألة: إنه يُحِلُّها لزوجها الأول، وإن كان محرَّمًا.
قال الحافظ ابن رجب: “لا عبرة بحل الوطء ولا عدمه، فلو وطئها في الحيض، أو غيره كانت رَجعة”، وهذا قول أكثر أهل العلم، وهو مذهب الحنفية والمالكية، واختاره الموفق ابن قدامة رحمه الله في “المغني”، وقال: “إنه هو ظاهر قول الله : حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، وهذه نكحت زوجًا غيره، وظاهر قول النبي : حتى تذوقي عُسَيْلَته وقد وُجد؛ ولأن هذا وطء في نكاح صحيح”.
وكونه حرامًا لا يمنع مِن أن يكون سببًا لتحليلها لزوجها إذا وطئها في الحيض، أو وطئها مثلًا في النفاس، أو وطئها في الإحرام، أو وطئها في صوم الفرض، فنقول: هو آثم، لكن هذا الوطء يحصل به التحليل لزوجها الأول.
فإذن؛ القول الراجح هو قول الجمهور، وهو القول الثاني، وهو أن الوطء في هذه الحالات يُبيحها لزوجها الأول.
قال:
يعني: اختلفا، ادَّعت أنه وَطِئَ، وهو قال: أبدًا ما وَطِئْتُ.
هذه أمورٌ خاصة ما تُعلم إلا عن طريق الزوجين، فمُن نُصدِّق؟ الزوج أم الزوجة؟ المؤلف فصَّل، قال:
أما أنَّ القول قوله في تنصيف المهر؛ فلأن الحق له في نصف المهر، فكان القول قوله في ادِّعاء الإصابة.
وأما أن القول قولها في إباحتها للأول؛ لأنها لا تدَّعي عليه حقًّا، وهي مؤتمَنة، الأصل أنها مؤتمنة على نفسها وما تُخبر به عن نفسها، ولا سبيل إلى معرفة ذلك حقيقة إلا من جهتها، كما لو أخبرت بانقضاء عدتها، والله يقول: وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ [البقرة:228]، فلولا أن قولها مقبول لم تُحرَج بكتمانه.
إذا اختلف الزوجان؛ هي ادَّعت الوطء، وهو كذَّبها، زوجها الأول هل له أن ينكحها؟ يعني: زوجها الثاني الآن طلقها، وهي ادَّعت أنه وطئها، وزوجها الثاني قال: أبدًا، ما وطئتها. فنقول: إن غلب على ظنِّه صدقها حلَّت له، وإلا فلا، إن غلب على ظنه أنها صادقة حلَّت له، وإلا فلا.
هذه أبرز الأحكام المتعلقة بالرَّجعة. بقي معنا الإيلاء، والكلام فيه ليس طويلًا.
كتاب الإيلاء
قال المؤلف رحمه الله:
تعريف الإيلاء وحكمه
الإيلاء معناه: الحَلِف، معناه في اللغة: الحلف، ويقال: آلى، يُولي؛ يعني: حلف.
ومعناه شرعًا: “هو حَلِفُ زوجٍ بالله تعالى، أو صفتِه، على تَرْك وطء زوجته، أكثرَ من أربعة أشهر”.
وحكمه، قال المؤلف:
حكمه: أنه محرم؛ لقول الله عز وجل: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [البقرة:226]، ولأنه يمين على ترك واجب؛ لأن الوطء واجب عليه، فإذا حلف على ترك واجب فإنه يأثم بهذا، فهو محرَّم.
الظِّهار محرم، من يذكر لنا الدليل على تحريم الظهار؟ قول الله تعالى: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا [المجادلة:2].
وسيأتينا إن شاء الله في الدرس القادم الكلام عن أحكام الظهار.
فإذن؛ الإيلاء مُحرَّم، والظهار محرم، لكن الظهار أشد تحريمًا من الإيلاء، الظهار: ظاهره أنه من كبائر الذنوب، بخلاف الإيلاء.
قال قتادة: “كان الإيلاء طلاقًا لأهل الجاهلية” يعتبرونه عندهم طلاقًا.
من يصح إيلاؤه ومن لا يصح إيلاؤه
قال:
لقول الله : لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ [البقرة:226]، فمن صح طلاقه صح الإيلاء منه.
فإذا كان عاجزًا عن الوطء فهذا لا يصح الإيلاء منه؛ لأن الإيلاء مرتبط ومتعلِّق بالوطء، فهو لا يُطلب منه الوطء، يعني: لو أردنا أن نُجبره الآن على الوطء لا يمكن هذا؛ لأنه عاجز عن الوطء، فلا يصح الإيلاء منه أصلًا.
صفة الحلف في الإيلاء
قال:
إذا حلف على أنه يترك وطء زوجته مطلقًا، يعني: أبدًا، أو مدةً أكثر من أربعة أشهر، سنة مثلًا، خمسة أشهر، ستة أشهر؛ يكون بهذا مُؤلِيًا.
ما يحكم به على المولي
يعني: يُمهله الحاكم أربعة أشهر؛ للآية الكريمة: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [البقرة:226]، فالله تعالى حدَّد المدة بأربعة أشهر. أربعة أشهر من ماذا؟ من حين اليمين.
بعد مُضيِّ أربعة أشهر يقول له القاضي: إما أن تطأ وتُكفِّر كفارة يمين؛ لقول النبي : مَن حلف على يمين، فرأى غيرها خيرًا منها، فليأتِ الذي هو خير، وليُكفِّر عن يمينه. متفق عليه[10].
وإما أن يُطلِّق؛ لعموم الآية: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:226-227].
فإن امتنع من ذلك، رفض، قال: لا أريد لا أطلِّق، ولا أطأ. فهنا يتدخل الحاكم -وإذا قال الفقهاء: “الحاكم” فهذا المصطلح يقصدون به القاضي- يتدخل القاضي ويُطلِّق عليه؛ وذلك لقيامه مقام الممتنع، فيُطلِّق عليه الحاكم.
لكن، الحاكم هل يُطلق عليه واحدة أو ثلاثًا؟ المذهب عند الحنابلة: أنه يُطلق عليه واحدة أو ثلاثًا؛ ولهذا قال في “الزاد”: “طلق حاكم عليه واحدة، أو ثلاثًا، أو فسخ”.
والقول الثاني في المسألة: إن الحاكم ليس له أن يُطلق إلا واحدة. وهذا هو قول الشافعية، وهو القول الراجح؛ لأنه لا يُشرع أصلًا الزيادة على تطليقة واحدة من الزوج نفسه، فمن الحاكم من باب أولى.
فالصواب أن الحاكم يُطلِّق عليه تطليقة واحدة، أو أنه يفسخ، إذا رأى الحاكم أنه يفسخ النكاح فسخ، وإذا رأى أن يُطلق عنه طلق، فيفعل الحاكم ما يرى أنه الأصلح.
وفي هذا مراعاة لحقِّ هذه المرأة، وهذا الدين دين عظيم، راعى حقوق الناس، هذه المرأة الضعيفة المسكينة، لماذا يُعلِّقها زوجها بهذه الطريقة؟ يتركها معلَّقة ولا يطأ، ويحلف على تَرْك وطئها، وهو حقٌّ من حقوقها، فلا نُمكِّنه من ذلك، وإنما يُجبر إما على الوطء، وإما على الطلاق: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229].
ونحن نجد في المجتمعات الإسلامية ظلمًا كبير لبعض النساء، بعض النساء تبقى معلَّقة لا هي بالمطلقة ولا هي بالزوجة.
وهنا يتأكد على أقاربها أن يتدخلوا؛ لأن -أحيانًا- المرأة لا تجد من يرفع أمرها للحاكم، وتعرفون أمور الترافع الآن والتقاضي أصبحت صعبة، وربما لا تجد حتى من يُوصلها إلى المحكمة، وإن وجدت ستجد العقبات والعراقيل.
ومن هنا فينبغي للرشيد مِن أهلها أن يُساعدها في ذلك، وأن يُعينها على هذا. أما أن يترك هذا الزوج الظالم لهذه المرأة الضعيفة المسكينة، فإن هذا لا يحل ولا يجوز، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، دعوة المظلوم قد تكون سببًا لزوال دول، ليس فقط لعقوبة شخص معين، فلا شك أن ترك المرأة بهذه الصورة وهي أنها معلقة، أن هذا من أعظم ما يكون من الظلم.
فنجد أن هذه الشريعة شملت كل شيء، كل ما يحتاج إليه الناس رتَّبته ونظَّمته، وهذا لا يوجد له نظير في سائر الأديان.
الآن، في أبواب الفقه، كل شيء يحتاج له الناس تكلم عنه العلماء، وذكروا أحكامه، هذه المسألة الدقيقة عقد الفقهاء لها بابًا مستقلًّا (الإيلاء). لاحِظ حتى قضاء الحاجة له باب، باب آداب قضاء الحاجة، السواك، باب السواك وأحكامه وآدابه، هذه الشريعة شملت كل شيء، وهذا لا يوجد له نظير في أيِّ دين من الأديان.
نقف عند (كتاب الظهار).
نكتفي بهذا القدر، ونُجيب عما تيسر الآن من الأسئلة.
الأسئلة
السؤال: أحسن الله إليكم وبارك فيكم. هذا السائل يقول: كيف نجمع بأن الشيء لا يصح… ابن عبدالمطلب أن النبي أخرج الزكاة، وحديث العباس بن عبدالمطلب أنه أخرج زكاة ماله قبل الحول لعامين قادمين؟
الشيخ: نعم، هنا إخراجها بعد الحول بعد وجود السَّبَب وهو النِّصاب، فلو أنه أخرج الزكاة قبل اكتمال النصاب فهنا لا يصح، لكن بعد بلوغِ الزكاةِ النِّصابَ وقبل تمام الحول لا بأس به، بل هذا من باب تعجيل الزكاة، فتمام الحول ليس هو السبب، السبب هو بلوغ النصاب؛ ولهذا لا بد من التفرقة بين السبب وبين الشرط.
السؤال: أحسن الله إليكم. إذا طلق الرجل زوجته طلقة واحدة وانتهت العدة، ثم أراد أن يُراجعها، فما الحكم؟
الشيخ: إذا طلق الرجل زوجته طلقة واحدة وانتهت عدتها؛ فقد بانت منه بينونة صغرى، فإذا أراد أن يُراجعها هنا ليس له الرَّجعة، انتهت الرَّجعة، وإنما يعقد عليها عقدًا جديدًا، بعقد جديد، ومهر جديد، ورضاها، وولي؛ يعني: كأنه يتزوجها من جديد، لكن تُحسب عليها الطلقة السابقة.
السؤال: هذا السائل يقول: ألا نُعمل قاعدة “تغليب جانب الحظر” إذا شك الزوج الأول في قول مطلقته إن زوجها الثاني لم يطأها؟
الشيخ: إذا شك في قول زوجته إن زوجها الثاني لم يطأ، فهنا نعم، نُغلِّب جانب الحظر؛ لأن عندنا أيضًا قاعدة وهي: “أن الأصل في الأبضاع التحريم”، والزوج يعرف زوجته، إذا عرف أنها امرأة كذابة مثلًا، وأن زوجها الثاني رجل صادق وصالح، وادَّعى أنه لم يطأها، وهي تدَّعي الوطء، وغلب على ظنِّه صدق زوجها الثاني؛ لم تحل له.
مداخلة: …..
الشيخ: إي نعم، بنصِّ الآية، أقول بنص الآية، يعني: لو حلف على ترك الوطء مثلًا ثلاثة أشهر، هنا: لا يتدخل القاضي، هذه مدة تُعتبر محتملة بالنسبة للزوجة، والله حدَّد المدة بأربعة أشهر، وهذا التحديد توقيفي، فنقف مع الآية.
السؤال: أحسن الله إليكم. هذا السائل يقول: ما حكم قول الإنسان: إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن، وأشار بإصبعيه؟
الشيخ: الإشارة وردت عن النبي عليه الصلاة والسلام في قول الله لما قرأ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:58]، وأشار عليه الصلاة والسلام إلى سمعه وبصره، لكن، هو كان بين الصحابة ويعرفون. أما إذا كان بين العامة ويخشى أن يترتب على ذلك مفاسد، وهو أنهم يعتقدون مشابهة الله تعالى للمخلوق، فينبغي ترك هذا. أما إذا كان بين طلاب علم مثلًا وهذه المفاسد غير واردة فلا بأس؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام فعل هذا.
السؤال: هذا السائل يسأل عن صحة حديث الذهاب للمسجد: اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي لساني نورًا إلى آخر الحديث[11]؟
الشيخ: الحديث صحيح، وهو في “صحيح مسلم”، لكن هو الإشكال في وقته، متى يعني: هل هو في الذهاب للمسجد؟ أو في السجود؟ فالأقرب أنه في السجود، وليس في الذهاب للمسجد.
السؤال: أحسن الله إليكم. هذا السؤال يقول: بعض الإخوة يشاهد القنوات الإخبارية، وهي تحتوي على الموسيقى، وصور النساء، ويُعللون بالفرق بين السماع والاستماع، فهل من تفصيل في هذه المسألة؟
الشيخ: عمومًا ما كان مشتملًا على أمر مباح وغير مباح، فإذا كان الإنسان يتحكم في الأمر المحرم فلا يُشاهده ولا يستمع إليه جاز ذلك. ومن ذلك مثلًا الإذاعة، مثلًا لو فتح المذياع، فإذا كان مثلًا يُريد أن يستمع الأخبار في الإذاعة، فإذا أتت موسيقى أغلق الصوت مثلًا، فإذا أتت الأخبار فتح الصوت، فهذا لا بأس به لكن إذا كان يستطيع التحكم في ذلك، وإذا كان لا يستطيع التحكم؛ فلا يجوز هذا.
والقاعدة في مثل هذه الأجهزة: “أن ما غلب شرُّه على خيره، لا يجوز إدخاله في المنزل إطلاقًا“ القنوات التي مثلًا غالبها يُعرض فيها مناظر محرمة، هذه لا يجوز إدخالها في البيت. أما إذا كان منفعتها غالبة على ضررها، فالأصل أنه يجوز، لكن كما ذكرنا مع تلافي الشيء المحرم، السماع المحرم، أو الشيء المشاهَد المحرم.
السؤال: أحسن الله إليكم. هذا السائل يقول: هل يجوز للقادر الذهابُ مع حملاتٍ تبيت في مِنًى، أن يذهب مع حملات تبيت في مزدلفة؛ لأجل غلاء الأسعار؟ وهل يلزم للحُجَّاج ممن يبيتون في مزدلفة أن يبحثوا عن مكان في منى؟
الشيخ: لا حرج على الإنسان لو كان قادرًا أن يختار حملة وهو يعلم أنهم يبيتون في مزدلفة؛ وذلك لأن منى أصلًا ممتلئة قطعًا، فهو أشبه بما لو أتى للمسجد وجلس في آخر المسجد، هو يعلم بأن المسجد سيمتلئ، يعني: كبَّر مثلًا في آخر المسجد، وهو يعلم أن المسجد سيمتلئ قبل أن يركع الإمام، فكذلك أيضًا لو ذهب لمزدلفة واختار هذه الحملة، لا بأس؛ لأنه يعلم بأن منى ستمتلئ، فحينئذ اختياره لهذا لا بأس به.
ثم أيضًا أول مزدلفة أصبح حكمه حكم منى؛ لأن الخيام متصلة، فحكمه حكم منى، وعند العلماء قاعدة وهي: “إذا ضاق الأمر اتسع”، فلا يحرج الناس في هذا.
ولا يلزم أيضًا مَن كانت خيمته في مزدلفة أن يأتي إلى منى؛ لأنه أخذ حكم منى في هذا؛ ولأن الإلزام فيه حرج كبير، ثم إذا أتى منى أين يبيت؟ هل يبيت في الشوارع؟ الشوارع ليست محلًّا للبيتوتة، فلا حرج عليه أن يبيت في أول مزدلفة، أو حتى في أول العزيزية مثلًا، يعني: في أقرب مكان إلى منى.
مداخلة: …..
الشيخ: لا، في هذا قصة، في قصة امرأة رفاعة، أولًا: هي ادَّعت بدعوى هي عليها، أنها قالت: ليس معه إلا مثل هُدبة الثوب. معنى ذلك: أنه لم يطأها، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: لا، حتى تذوقي عُسَيْلته، ويذوق عُسَيْلتك، ثم بعد ذلك تبيَّن كذبها بما أتى به عبدالرحمن، لمَّا أتى بابنيه عرف النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان قادرًا على الوطء، فاستدل النبي عليه الصلاة والسلام بالقرائن على أنها كاذبة[12].
مداخلة: …..
الشيخ: نعم، لكن هي أنكرت الوطء تظنُّه حجة لها، فهو حجة عليها، أنها قالت: ليس معه إلا مثل هُدبة الثوب، يعني: أنه غير قادر على الوطء، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: هذه حجة عليكِ. وعبدالرحمن أثبته، فلو طلقها عبدالرحمن حلَّت لزوجها الأول.
السؤال: أحسن الله إليكم. هذا السائل يقول: كنا في طريق السفر، وصلَّينا مع جماعة يُسدِلون أيديهم، ولا يقولون: آمين، وفي نهاية الصلاة سلَّم تسليمة. فهل تصح صلاتنا معهم؟
الشيخ: مثل هؤلاء الطوائف الأحسن ألا تصلوا معهم، قد يكون عندهم انحرافات عقدية كبيرة، فمثل هؤلاء لا يُصلَّى معهم، لكن لو صلَّى معهم الإنسان وأخذ بالظاهر فصلاته صحيحة إن شاء الله.
لكن هؤلاء يرمزون لبعض العقائد المنحرفة، منهم من الإباضية، أو بعض العقائد، ويعني: ما دام الإمام ليس راتبًا فالأولى ألا يُصلَّى معه؛ لأنهم عندهم إشكالات كبيرة، ليست هذه، يُنكرون رؤية الله في الجنة، ويُكفِّرون مرتكب الكبيرة، وعندهم إشكالات عقدية كبيرة في هذا.
مداخلة: …..
الشيخ: لا، هو لا يقصد المالكية ما دام أنه سلَّم تسليمة واحدة، المالكية ما يفعلون هذا.
مداخلة: …..
الشيخ: لا، الذي يظهر أنه يقصد الإباضية في السؤال.
مداخلة: …..
الشيخ: والله، الأحسن ما يُصلي خلفهم، الأولى.
السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: ما الحكم إذا دخل الإنسان قبل الأذان وجلس، فهل هذا يدخل في النهي الذي في الحديث: إذا دخل أحدكم، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين[13]؟
الشيخ: تحية المسجد هي سنة مؤكدة تأكيدًا كبيرًا، يعني: تأكيدًا يقرب من الوجوب، لكنها ليست واجبة؛ والدليل لهذا: أن النبي كان يخطب مرة على المنبر، فدخل سُلَيْك الغَطَفانيُّ وجلس، فقطع النبي خطبته، وقال: أصليت ركعتين؟. قال: لا. قال: قم فصلِّ ركعتين[14].
هذا أمر، والأصل في الأمر أنه يقتضي الوجوب، وأيضًا قطعُ الخطبة لا يكون إلا لأمر واجب، وأيضًا الإنكار العلني، هذه الطريقة، لكن هناك صارف يصرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب، من يذكر لنا هذا الصارف؟
مداخلة: …..
الشيخ: أحسنت. الخطيب، النبي عليه الصلاة والسلام كان يخطب كل جمعة، فيدخل ويجلس، والخطيب الآن عندما يأتي للمسجد الجامع يأتي ويجلس، ما يُصلِّي ركعتين، فهذا قرينة على أن الأمر هنا ليس للوجوب وإنما هو للاستحباب، ولم يقل بالوجوب إلا الظاهرية فقط، لكنها مستحبة استحبابًا مؤكدًا قريبًا من الوجوب، فلو أتى وجلس فهو لم يرتكب أمرًا محرمًا، لكن يُرشَد إلى أنه يأتي بتحية المسجد، كما أرشد النبي سُلَيْكًا الغَطَفانيَّ إلى ذلك.
مداخلة: …..
الشيخ: نعم، إذا أراد الزوج بالمراجعةِ الإصلاحَ فتصح الرَّجعة، لكن لو أراد بذلك الإضرار، يراجعها لكي يضرَّ بها؛ فلا تصح، يعني: لا سلطان له عليها، وأما الآية فالمقصود بها: إذا انقضت العدة أن يتراجعا: أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ [البقرة:230]، هذا بعد انقضاء العدة، ثم عقد عليها عقدًا جديدًا، هنا لا بد أن يُريدا أيضًا الإصلاح. وأما إذا كان في داخل العدة فهنا الرَّجعة بيد الزوج، وأيضًا لا بد أن يُريد الإصلاح، لا يُريد بذلك الإضرار.
مداخلة: …..
الشيخ: بالزوج إذا كان في العدة، وبهما جميعًا في غير العدة.
مداخلة: …..
الشيخ: إي نعم، أحسنت.
إذا طلق الرجل زوجته فيجب وجوبًا أن تبقى في بيت زوجها، لا تَخرج ولا تُخرج؛ لقول الله : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ [الطلاق:1]. هذا أمرٌ للأزواج: وَلَا يَخْرُجْنَ أمرٌ للزوجات: إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ في هذه الحالة فقط وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا [الطلاق:1].
فلا يجوز لها أن تَخرج ولا أن تُخرج، تبقى في بيت زوجها ما دامت في العدة، وهذا لا يُطبِّقه كثيرٌ من الناس، والله شدَّد في هذه الآية؛ ولذلك تُلاحظون هذه السورة سورة (الطلاق) على قِصَرها تكرَّر فيها الأمر بالتقوى عدة مرات؛ لأن المُطلِّق بحاجة لأن يُوصَى بتقوى الله، المطلِّق يأخذه الغضب، ويكون ناقمًا على زوجته، والمرأة كذلك، فهو بحاجة لمن يُوصيه بتقوى الله. لاحِظ “تقوى الله” تكرر في سورة الطلاق يمكن خمس مرات؛ لأنه بحاجة إلى هذا.
فإذن؛ نقول للزوج: لا يَحِلُّ له أن يُخرِجها، أحيانًا المرأة من نفسها -وهو غالب- هي التي تخرج إلى بيت أهلها، نقول: إنها تأثم؛ لأن الله قال: وَلَا يَخْرُجْنَ، هذا إذا كانت مُطلَّقة طلاقًا رجعيًّا، لكن لو كانت مطلقة طلاقا بائنًا فهل لها نفقة أو سُكنى؟
هذا محل خلاف، عمر كان يرى أن لها النفقة والسُّكنى، وأُخبر بقول فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أن النبي قال: لا نفقة لك ولا سُكنى[15]، قال: لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري حفظت أم نسيت.
لكن هذا اجتهاد منه ، والصواب أنه لا نفقة لها ولا سُكنى إذا كانت مطلقة طلاقًا بائنًا، يعني: لا تبقى في بيت الزوج؛ لأنها بانت منه، ولا نفقة لها ولا سُكنى إلا أن تكون حاملًا، لأجل الحمل فقط.
طيب، لعله يكون السؤال الأخير.
السؤال: …..
الشيخ: إذا طلقها ثلاث مرات ونكحت زوجًا غيره، وطلقها ثم رجعت لمطلقها الأول، له ثلاث تطليقات، هذا بالإجماع، الإشكال إذا ما طلقها ثلاث تطليقات، تطليقة واحدة، أو ثنتين، ثم نكحت زوجًا غيره، ثم رجعت لزوجها الأول، فهل تُحسب عليه تطليقتين أو لا؟ نقول: الصحيح أنها تحسب؛ لأن هذا هو المأثور عن الصحابة .
نكتفي بهذا القدر.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الحاشية السفلية
^1 | رواه البخاري: 5252، ومسلم: 1471. |
---|---|
^2 | رواه أحمد: 15924، وأبو داود: 2283، والنسائي: 3560، وابن ماجه: 2016. |
^3, ^6, ^12 | سبق تخريجه. |
^4 | رواه أبو داود: 2186، وابن ماجه: 2025. |
^5 | رواه البخاري: 1، ومسلم: 1907. |
^7 | رواه البخاري: 5260، ومسلم: 1433. |
^8 | رواه البخاري: 6084. |
^9 | رواه البخاري: 5825. |
^10 | رواه البخاري: 6621، ومسلم: 1650. |
^11 | رواه البخاري: 6316، ومسلم: 763. |
^13 | رواه البخاري: 1163، ومسلم: 714. |
^14 | رواه البخاري: 930، ومسلم: 875. |
^15 | رواه مسلم: 1480. |