logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(87) فصل في طلاق الزمن- من قوله: “إذا قال: أنت طالق أمس..”

(87) فصل في طلاق الزمن- من قوله: “إذا قال: أنت طالق أمس..”

مشاهدة من الموقع

كنا قد وصلنا إلى قوله: (فصل في طلاق الزَّمَن).

تكلمنا عن أبرز مسائل الطلاق في دروس سابقة، وبقيت معنا مسائل، وهذه المسائل أكثرها نادر الوقوع، لكن يذكرها الفقهاء، يذكرون هذه المسائل حتى يعرف الطالب حكمها إذا وقعت.

ولهذا؛ نجد أن بعض المسائل التي كان الفقهاء يفترضونها وقعت في هذا الزمن.

وعندنا في قسم الفقه في كلية الشريعة، المسائل الافتراضية التي افترضها الفقهاء السابقون ووقعت في هذا الزمن؛ أنها سلسلة من الرسائل العلمية، وأنا أشرف على بعض هذه الرسائل.

فكان فقهاؤنا يفترضون بعض المسائل ثم تقع في أزمنة لاحقة.

وأيضًا من فوائد افتراض المسائل: تمرين أذهان الطلاب، تمرين الذهن وتحصيل المَلَكة؛ لأنَّ الطالب إذا تبحَّر في هذه المسائل وتصورها وفهمها، فإنه يتمرن ذهنه، وتتكون عنده المَلَكة.

ولهذا؛ لما قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: إن الشافعي لما ذكر اجتماع صلاة الكسوف وصلاة العيد، قال: لعله أراد بذلك تمرين أذهان الطلاب، وإلا فالشافعي يعرف أنه لا يمكن أن تجتمع صلاة العيد وصلاة الكسوف، لا يمكن أن تجتمع، لماذا؟

مداخلة: …..

الشيخ: نعم؛ لأنه إذا كان هناك كسوف لا يمكن أن يُرى الهلال، لا يُرى الهلال إلا بعد الكسوف، فقال: لعل الشافعي إنما أراد تمرين أذهان الطلاب بهذا.

لكن إذا كسفت الشمس، معنى ذلك: أنه ما يُرى الهلال، ما يُرى الهلال إلا بعد الكسوف، وقال: إن هذا محل إجماع.

يقول شيخ الإسلام: إن هذا محل اتفاق بين أهل العلم العارفين بهذا، بل غلَّط من قال بذلك، قال: مَن قال بالاجتماع لصلاة الكسوف والعيد فقد قَفَا ما ليس له به عِلم.

فهذه مسائل تُذكَر مِن باب تمرين أذهان الطلاب.

هنا، ذَكَر المُؤلِّف جملة من المسائل، بعضها نادر الوقوع، وبعضها ليس نادرًا، قليل الوقوع، وبعضها أيضًا كثير الوقوع كما سيأتي.

تقييد الطلاق بالزمن

قال:

فصل
في طلاق الزَّمَن.

يعني: الطلاق في الماضي، والمستقبل، والحال أيضًا.

فقوله: (الزَّمَن)، (أل) هنا المراد بها الاستغراق، (أل) هنا للاستغراق.

إذا قال: “أنتِ طالق أمسِ”، أو: “قبل أن أتزوَّجَكِ”، ونوى وقوعه إذن؛ وقع، وإلا فلا.

(إذا قال: أنت طالق أمس)، أو في الشهر الماضي، أو العام الماضي، أو من خمس سنين، (أو قبل أن أتزوجك، ونوى وقوعه) في الحال، يعني: نوى وقوع الطلاق في الحال.

يقول المؤلف: (وقع)؛ لإقراره على نفسه بما هو أغلظ؛ لأنه لو لم يَقُل ذلك ونوى وقوعه في الحال؛ وقع، لو قال: “أنت طالق” وقع، فإذا قال: “طالق أمس” ونوى الطلاق في الحال وقع.

وإن لم ينوِ وقوعه في الحال فلا، يعني: فلا يقع الطلاق، إن لم ينوِ وقوعه في الحال فلا يقع؛ لأنه أضافه إلى زمنٍ يستحيل وقوعه فيه؛ لأن الطلاق رفعٌ للاستباحة، ولا يمكن رفعها في الماضي. هكذا علل الفقهاء.

فإذن نقول: إذا أضاف الطلاق للماضي، فإن نوى وقوعه في الحال وقع، وإن لم ينوِ وقوعه في الحال لم يقع. هذا مراد المؤلف رحمه الله.

قال:

وأنتِ طالق اليوم إذا جاء غدٌ، فلَغْوٌ.

إذا قال: (أنتِ طالق اليوم إذا جاء غدٌ)، يقولون: إن هذا لا يقع، الطلاق لغو، لا يقع الطلاق في اليوم، ولا في غد، لماذا؟

يقولون: لعدم تحقق شرطه؛ إذ لا يجيء الغد إلا بعد ذهاب اليوم الذي هو محل الطلاق، فهو قال: أنت طالق اليوم إذا جاء غَدٌ، كيف يأتي غَدٌ واليوم لم يذهب؟ فهذا كلام لغو، هذا كلام غير معقول، فهو لغو، ولا يقع الطلاق.

قال:

وأنتِ طالق غدًا، أو يوم كذا.

انتقل المؤلف للكلام عن إضافة الطلاق للمستقبل، إذا أضاف الطلاق للمستقبل وعلَّقه على مستقبل؛ فيقع الطلاق في المستقبل.

هذا رجل أراد أن يُطلِّق امرأته وهي حائض، فقال: إذا طهرتِ فأنتِ طالق؛ يصح الطلاق، يصح: “متى طَهُرْتِ فأنت طالق”. أو علَّقه بزمن، كما قال المؤلف: (أنت طالق غدًا، أو يوم كذا)، يعرف أنه يوم كذا سوف تطهر مثلًا؛ فيقع الطلاق.

متى يقع؟ قال:

وقع بأولِهما.

يعني بأوَّل غَدٍ، وبأول يوم كذا. وما هو أول اليوم؟ الفجر، أول اليوم هو الفجر، اليوم المقصود به النهار: سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا [الحاقة:7]. اليوم إذا أُطلق فالمقصود به النهار، النهار شرعًا يبدأ بأيِّ شيء؟ بالفجر.

ولذلك مثلًا؛ مَن قرأ سورة (الكهف) يوم الجمعة، متى يبدأ وقت قراءة سورة (الكهف) يوم الجمعة؟ الفجر، بطلوع الفجر يوم الجمعة.

فإذن؛ اليوم يبدأ بالفجر، فيتعلق الحكم هنا بأول اليوم؛ يعني: بالفجر، فإذا قال: أنت طالق غدًا؛ فتطلق مِن فجر يومِ غَدٍ، أو يوم كذا، تطلق من فجر يوم كذا.

ولا يُقبَل حكمًا إن قال: أردتُ آخِرَهما.

(لا يُقبَل حُكْمًا) يُفهم من كلام المؤلف أنه ديانةً يُقبل، لكنه حكمًا أمام القاضي ما يُقبل، إن قال: أردت آخر اليوم، أو آخر غد، آخر يوم كذا، أو آخر غَدٍ؛ لأن هذا خلاف الظاهر، واللفظ لا يحتمله.

لكنه ديانة فيما بينه وبين الله يُقبل.

قال:

وأنتِ طالِقٌ في غَدٍ.

لاحِظِ العبارة اختلفت هنا، العبارة السابقة: أنت طالق غدًا، أما هنا: أنت طالق في غَدٍ.

أو في رجب.

هنا أتى بـ(في) التي تُفيد الظرفية، قال:

يقع بأولهما.

هنا كذلك أيضًا، لكن:

فإن قال: أردت آخرهما؛ قُبِل حكمًا.

لاحظ هنا: في المسألة السابقة نقول: لا يُقبل حكمًا، وهنا نقول: يُقبل حكمًا.

فما الفرق بين العبارتين؟! الفرق ظاهر؛ العبارة السابقة لم يجعلها للظرفية، قال: أنتِ طالق غدًا، أو يوم كذا. أما هنا فجعلها للظرفية، فهي لا تُخالف ظاهِرَ لفظِه، آخر هذه الأوقات كأولها، إذا قال: في غَدٍ: يحتمل أنه أراد أول غَدٍ، يحتمل أنه أراد وسط غَدٍ، يحتمل أنه أراد آخر غَدٍ. كلُّ هذا محتمل، فهي لا تُخالف ظاهر لفظه، فيُقبل ديانة وحكمًا.

إذن، إذا قال: أنتِ طالق في غَدٍ، أو في رجب، أو في وقت كذا؛ فيقع في أول ذلك الوقت، لكن إن ادَّعى أنه أراد آخره فإنه يُقبل منه ديانة وحكمًا.

قال:

وأنتِ طالق كلَّ يومٍ؛ فواحدة. 

يعني: يقع الطلاق طلقة واحدة في الحال.

وأنتِ طالق في كلِّ يوم، فتَطلُق في كلِّ يوم واحدة.

(في كلِّ يوم واحدة) المؤلف فرَّق بين العبارتين، لاحِظ، انتبِه للعبارتين؛ العبارة الأولى: “أنت طالق كل يوم” هنا طلقة واحدة، “أنت طالق في كل يوم” فهنا تطلُق ثلاثًا؛ لأنه في كل يوم واحدة.

العبارة الأولى: “أنت طالق كل يوم” معنى ذلك: أنت اليوم طالق، وأنت كذلك غدًا طالق، وأنت بعد غَدٍ طالق، فهي على الطلقة الأولى، فلا يقع إلا طلقة واحدة، إلا إذا نواه ثلاثًا.

أما إذا قال: “أنت طالق في كل يوم” فمعنى ذلك: أنها تطلق في اليوم الأول الطلقة الأولى، وفي اليوم الثاني الطلقة الثانية، وفي اليوم الثالث الطلقة الثالثة. فيقع ثلاثًا، هذا إذا كانت مدخولًا بها. أما إذا كانت غير مدخولٍ بها، فإنها تَبِين بالطلقة الأولى، لا تطلُق إلا طلقة واحدة، كما بيَّنّا ذلك في دروس سابقة.

قال:

وأنتِ طالق إذا مضى شهر؛ فبمُضِيِّ ثلاثين يومًا.

(إذا مضى شهر) فمعنى ذلك: أنه يقصد ثلاثين يومًا، فإذا مضى ثلاثون يومًا طلُقت.

وإذا مضى الشهر، فبمُضِيِّهِ. 

إذا قال: أنت طالق بمُضِيِّ شهر ذي القعدة؛ فمعنى ذلك: أنه إذا انتهى شهر ذي القعدة تَطْلُق بانسلاخه، حتى لو كان في اليوم الثامن والعشرين من الشهر، تَطْلُق بعد يومين.

فإذن؛ يفرِّقون بين أن يقول: “أنت طالق إذا مضى شهر”، لا بد من أن يمضي ثلاثون يومًا. و”أنت طالق إذا مضى الشهر”، فيكون بانسلاخ ذلك الشهر.

وكذلك: إذا مضت سنَةٌ، أو السَّنةُ.

فإذا قال: “إذا مضت سنة”؛ فمعنى ذلك: أنها تطلُق بعد مُضيِّ كم شهرًا؟ اثني عشر شهرًا.

أما إذا قال: “إذا مضت السنة”، يعني: بمجرد انسلاخ السَّنة، فلو طلَّقها في -مثلًا- منتصف شهر ذي الحجة، فتَطلُق بمُضيِّ كم؟ نصف شهر، بمُضِيِّ نصف شهر.

فيُفرِّقون إذن بين العبارات، هذا عندما لا توجد نية ولا قرينة، أما إذا وُجد نية أو قرينة على إرادته، فتُحمل على نيَّته أو قرينته، لكن إذا لم توجد نية ولا قرينة، فنأتي لهذه التقعيدات التي ذكرها الفقهاء.

فقوله: “إذا مضت سَنةٌ”، يُفرِّقون بينه وبين “إذا مضت السنة”، “إذا مضت سنة” يعني: اثنا عشر شهرًا؛ “إذا مضت السنة” يعني: إذا انسلخت تلك السنة.

 تعليق الطلاق

ثم قال المؤلف رحمه الله:

باب: تعليق الطلاق.

يعني: بالشروط بـ”إن” أو أيِّ أداة من أدوات الشروط، أو “إذا”، أو أيِّ أداة من أدوات الشروط.  

تعليق الطلاق على وجود مستحيل أو عدمه وكذلك غير المستحيل

قال:

إذَا علَّق الطلاقَ على وُجُودِ فِعْلٍ مُسْتحيلٍ.

فإنه لا يقع الطلاق.

ومثَّل المؤلف لهذا بمثال: كإنْ صَعِدْتِ السَّماءَ فأنتِ طالِقٌ؛ لم تَطْلُقْ.

قال:

إن صعدت السماء فأنتِ طالق.

إنسان يقول: “إن صعدت السماء فأنتِ طالق”، لكن هذا في زمن المؤلف، في وقتنا الحاضر وُجدت الطائرات، فيحتمل أن يكون مقصوده: إذا ركبتِ الطائرة، إذا كان هذا مقصوده فإنها تَطلُق.

فهذه من المسائل الافتراضية التي افترضها، ووقعت في وقتنا الحاضر، إذا كان يقصد: إذا صعدت السماء؛ يعني: طِرْتِ في الهواء، فهذا وقع في وقتنا الحاضر في ركوب الطائرة.

لكن نحن نقول بفعلٍ مستحيل، إذا علَّق الطلاق بفعل مستحيل، فإنه لا يقع الطلاق.

مداخلة: ……

الشيخ: لا، هم يُمثِّلون: إذا قَلَبْتِ الحجر ذهبًا، يقولون: هذا مستحيل، وهذا لا يزال مستحيلًا حتى في وقتنا الحاضر؛ فلا يقع الطلاق.

وإن علَّقه على عدم وجوده.

يعني: على أمرٍ غير مستحيل، علَّقه على عدم فِعل مستحيل.

مثَّل المؤلف، قال:

كإن لم تصعدي فأنت طالق؛ فإنها تطلُق في الحال.

لأنه علَّقه على عدم فِعلِ المستحيل، وعدمه ثابت، عدم المستحيل ثابت، فعلَّقه على أمر ثابت معلوم، فتطلُق.

وإن علَّقه على غيرِ المستحيل.

انتقل المؤلف بعد ذلك إلى التعليق بغير المستحيل.

لم تطلُق إلا بالإياس مما علَّق عليه الطلاق.

إن علَّقه على غير مستحيلٍ، يُمثِّلون لذلك، يقول: إن لم أشتر مِن زيدٍ عبدَه فأنتِ طالق، فيقولون: هذا علَّقه على غير مستحيل، لكن لا تطلق إلا باليأس مما علَّق عليه الطلاق، وهو موت عبده زيد هذا أو عِتقه، فهنا يحصل اليأس مما علَّق عليه الطلاق. فهي لا تطلُق إلا باليأس مما علَّق عليه الطلاق.

وهنا قيد المؤلف هذا، قال:

ما لم يكن هناك نِيَّة أو قرينة تدلُّ على الفور، أو يُقيِّد بزمن، فيعمل بذلك.

يعني: الأصل أنه يعمل بالنِّية أو القرينة أو العُرْف، فإذا خلا مِن هذا كله، فنرجع لهذه التقعيدات التي ذكروها.

حكم تقدم الشرط أو تأخره وقطع التعليق بكلام أو سكوت

قال:

فصل
ويصح التعليق مع تقدُّم الشرط وتأخُّره.

يعني: لا يضر تقدُّم الشرط أو تأخُّره.

مثَّل المؤلف لهذا:

كإن قُمتِ فأنتِ طالق، أو أنتِ طالق إن قمتِ.

فلا يقع الطلاق قبل وجود الشرط.

قال:

ويُشترط لصحة التعليق: أن ينويه قبل فراغ التلفُّظ بالطلاق، وأن يكون متصلًا لفظًا أو حكمًا.

مَرَّ معنا مسائل شبيهة بهذه المسائل، مَرَّ معنا نظير لهذه المسائل في الدرس الماضي، ما هي؟

مداخلة: ……

الشيخ: نعم، الاستثناء في الطلاق، أحسنت.

الاستثناء في الطلاق، ذكرنا خلاف العلماء في المسألة، وذكرنا أن المذهب عند الحنابلة: أنهم يشترطون الاتصال، اتصال المستثنى بالمستثنى منه، ويشترطون أيضًا النية أن ينوي الاستثناء، وذكرنا أن القول الراجح: عدم اشتراط هذين الشرطين، وأنه يجوز عدم اتصال المستثنى بالمستثنى منه ما لم يطُل الفصل عُرْفًا.

وذكرنا الدليل لهذا، فمن يذكِّرنا بالدليل؟

مداخلة: ……

الشيخ: نعم، خطبة النبي عليه الصلاة والسلام لمَّا قال: إنَّ الله حرم مكة، لا يُنفَّر صيدها، ولا يُختلى خلاها، ثم بعدما انتهى، قال له العباس : إلا الإذخر. فقال : إلا الإذخر[1].

ذكرنا أيضًا دليلًا آخر: قصة سليمان لمَّا قال: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، تلد كلُّ امرأة غلامًا يُقاتل في سبيل الله. قال له المَلَك: قل: إن شاء الله. فلم يقل: إن شاء الله، قال النبي عليه الصلاة والسلام: لو قال: إن شاء الله؛ لكان دَرَكًا لحاجته ولم يحنث. مع وجود الفاصل: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة..[2].

يعني: لاحِظ! يوجد فاصل، ومع ذلك لو قال: “إن شاء الله” بعد هذا الفاصل؛ لكان دَرَكًا لحاجته ولم يحنث.

فذكرنا أنه لا يُشترط ذلك، ولا يُشترط أيضًا وجود النية؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم ينوِ أصلًا استثناء الإذخر، وسليمان لم ينوِ أيضًا أن يقول: إن شاء الله.

فكذلك أيضًا نقول هنا: الصواب عدم اشتراط ما ذكره المؤلف، قوله: (يُشترط لصحة التعليق: أن ينويه قبل فراغ التلفُّظ بالطلاق، وأن يكون متصلًا لفظًا أو حُكْمًا) نقول: الصواب عدم اشتراط ذلك، كما سبق ذلك مفصَّلًا في مسائل الاستثناء في الطلاق.

قال:

فلا يضرُّ لو عطس ونحوه، أو قَطَعه بكلام منتظم كـ”أنت طالق يا زانية إن قُمتِ”، ويضرُّ إن قطعه بسكوت أو كلام غير منتظم كقوله “سبحان الله”؛ وتطلُق في الحال.

فنُحيل بَحْثَ هذه المسألة على بحث مسائل الاستثناء في الطلاق، وقد فَصَّلنا الكلام فيها، مما لا حاجة إلى إعادته الآن.

ثم قال المؤلف رحمه الله، آخر فصل معنا في (باب الطلاق).

تعليق الطلاق بالإذن بالخروج

فصلٌ في مسائل متفرقة.

ذَكَر المؤلف عدة مسائل، يعني: هو الفصل الأخير أو قبل الأخير، الأخير هو (الشك في الطلاق)، الفصل قبل الأخير قال: (في مسائل متفرقة).

إذا قال: إن خرجتِ بغير إذني فأنتِ طالق.

تعليق الطلاق بالإذن بالخروج.

أولًا: تعليق الطلاق، الطلاق المعلَّق سبق أن ذكرنا حكمه بالتفصيل، ذكرنا حكم الطلاق المعلَّق قبل درسين. فما هو حكم الطلاق المعلَّق؟

إن نوى الطلاق فيقع. وإن لم ينوِ الطلاق؟

مداخلة: …..

الشيخ: أحسنت. نعم.

الطلاق المعلَّق -يا إخوان- هو أكثر الطلاق الذي يقع عند الناس، أكثر ما يقع، وأكثر ما تحصل عنه الأسئلة ويكثر فيه الاستفتاءات، هو الطلاق المعلَّق.

الطلاق المعلَّق: يُعلِّق الطلاق على شيء؛ إن ذهبتِ للسوق فأنتِ طالق، إن فعلتِ كذا فأنتِ طالق، إن لم تفعلي كذا فأنتِ طالق، إن لم تأكل ذبيحتي فزوجتي طالق، إن لم يكن هذا الخبر صحيحًا فزوجتي طالق. وهكذا، فهذا الطلاق المعلَّق.

إن قصد الطلاق وقع بالإجماع.

يعني مثلًا: قال لزوجته: لا تخرجي للسوق، إن خرجتِ فأنتِ طالق. وهو يُريد أنها إن خرجت وعَصَته فقد طابت نفسه منها، يُريد فعلًا أن يُطلِّقها، لا يُريد التهديد فقط، يُريد فعلًا أن يطلِّقها؛ فهنا يقع الطلاق بالإجماع.

أما إذا كان لا يُريد الطلاق وهذا هو الغالب، لا يُريد الطلاق وإنما يُريد الحثَّ أو المنع أو التصديق أو التكذيب، فجمهور العلماء والذي عليه المذاهب الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على أنه يقع، وهذا القول الذي مشى عليه المؤلف.

والقول الثاني، وهو رواية عن الإمام أحمد، واختارها أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، وأصبحت الفتيا عليها في العالم الإسلامي الآن: أنه إذا لم يُرِد الطلاق فإنه لا يقع، ويكون حكمه حكم اليمين، فيُؤمر بكفارة يمين، يُكفِّر كفارة يمين، ولا يقع الطلاق.

وقلنا: إن هذا القول هو الراجح؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: إنما الأعمال بالنيات[3]، وهذا لم ينوِ الطلاق.

والعبرة بما في الضمير، واللفظ إنما جُعل للتعبير عما في الضمير، فهذا لم ينوِ الطلاق، كيف نقول: إن امرأته طلُقت وهو لم ينوِ الطلاق؟!

فهذا حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة.

المؤلف فرَّع تفريعات بناءً على قول الجمهور: إنه يقع الطلاق، لكن بناءً على القول الذي رجحناه فلا نحتاج لهذه المسألة، ونقول: فيها كفارة يمين إذا لم ينوِ الطلاق.

فنشرح إذن كلام المؤلف بناءً على قول الجمهور، قال:

إذا قال: إن خرجت بغير إذني فأنت طالق، فأَذِن لها ولم تعلم.

يعني: بالإذن؛ فيقع الطلاق، أذن لها ولم تعلم بالإذن، فخرجت فيقع الطلاق، يقولون: لأن الإذن هو الإعلام، ولم يُعلِمها بذلك فيقع الطلاق.

أو علمت وخرجت.

علمت وخرجت؛ فإنها لا تطلُق، لكن:

ثم خرجت ثانيًا بلا إذنه، طَلُقت.

لوجود الصفة التي علَّق عليها الطلاق، وهي خروجها بغير إذنه.

قال:

ما لم يأذَن لها في الخروج كلَّما شاءت.

لأنه إذا أذِنَ لها في الخروج كلما شاءت، فقد أذِنَ لها بالخروج، فلا يقع ما علَّق عليه الطلاق، وبالتالي لا يقع الطلاق.

وهذا القول الراجح، لا نحتاج لهذا كله، لكن نحن فقط نشرح عبارة المؤلف بناءً على قول الجمهور.

وإن خرجتِ بغير إذْنِ فلان فأنت طالق، فمات فلان وخرجت؛ لم تطلُق.

لأنه لما مات بطل إذْنُه، لما مات فلان بطل إذْنُه، فبالتالي لا يقع الطلاق.

وإن خرجتِ إلى غير الحمَّام.

ما المقصود بالحمَّام في كلام الفقهاء؟ إذا قالوا “الحمام” هل يقصدون به دورة المياه؟ المُغتَسل، المغتَسل يوجد في البلاد الباردة؛ كبلاد الشام ونحوها، البلاد الحارة لا يوجد فيها، لكن يوجد في الشام ونحوها.

الحمامات؛ المقصود بها المغتَسل، وما ورد من نهي السلف عنها لأجل الاختلاط، لأجل ما يكون فيها من اختلاط الرجال بالنساء، وكشف العورات، ونحو ذلك.

قال:

وإن خرجتِ إلى غير الحمَّام، فأنتِ طالق.

يعني: خرجت إلى غير الحمام بغير إذنه، كإن خرجت إلى -مثلًا- المسجد، أو إلى السوق، ونحو ذلك، فأنتِ طالق.

فخرجت له.

يعني: الحمام.

ثم بدا لها غيره، طلُقت.

لأنها خرجت إلى غير الحمام؛ فيقع الطلاق.

تعليق الطلاق بالمشيئة

قال:

وزوجتي طالق أو عبدي حرٌّ إن شاء الله.

انتقل المؤلف للكلام عن مسألة تعليق الطلاق بالمشيئة.

وزوجتي طالق أو عبدي حرٌّ إن شاء الله، أو إلا أن يشاء الله؛ لم تنفعه المشيئة شيئًا ووقع.

يعني: يقع الطلاق، والعتاق كذلك أيضًا؛ ولهذا قال قتادة: “قد شاء الله الطلاق حين أذِن فيه”. ورُوي هذا أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه إذا قال لزوجته: أنتِ طالق إن شاء الله، فإنه يقع الطلاق. هذا مرويٌّ عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقالوا: لأنه عَلَّق الطلاق على ما لا سبيل إلى علمه؛ فيقع الطلاق.

يُذكر في هذا: أن هارون الرشيد قال لزوجته زُبيدة: إن لم أكن من أهل الجنة فأنتِ طالق. الله يعلم بصحة القصة، لكنها موجودة في بعض الكتب: إن لم أكن من أهل الجنة فأنتِ طالق.

فاستفتى الفقهاء في زمنه، فقالوا: إن زوجتك تطلُق أخذًا بهذه القاعدة، يقولون: لأنكَ علَّقت الطلاق على ما لا سبيل إلى علمه. فاستفتى مَن استفتى مِن أهل العلم، حتى أتى أحد الفقهاء وحلَّفه أيمانًا مغلَّظة أنه يخاف مقام ربه، فحلف بأنه يخاف مقام الله ، فقال: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46]، وأفتاه بعدم وقوع الطلاق.

هذا بناءً على قول الجمهور؛ لأن قول الجمهور هو الذي يُفتى به في أكثر أنحاء العالم الإسلامي في قرون طويلة، يُفتون بوقوع الطلاق.

لكن على القول الراجح الذي يُفتى به الآن لا يُحتاج لهذا، وإنما يُكفِّر كفارة يمين إذا قصد الحَثَّ أو المنع أو التصديق أو التكذيب.

قال:

وإن قال: إن شاء فلان، فتعليقٌ؛ لم يقع إلا أن يشاء.

 فلان، فإن مات فلان لم تطلُق؛ لأن شرط الطلاق لم يوجد.  

وإن قال: إلا أن يشاء.

إلا أن يشاء فلان، لاحِظ دقة الفقهاء! يُفرِّقون بين “إن شاء فلان” يقولون: تعليقٌ لا يقع إلا أن يشاء، وإن قال: “إلا أن يشاء فلان” فإنه موقوف على مشيئته.

فإن أبَى المشيئة.

رفض؛ وقع الطلاق. أو جُنَّ أو مات؛ فيقع الطلاق إذن؛ لأنه هو أوقع الطلاق، قال: “أنتِ طالق إلا أن يشاء فلان”، فإذا فلان أبى أن يشاء عدم وقوع الطلاق؛ فيقع.

أو جُنَّ، أو مات.

فيقع الطلاق.

وأنتِ طالِقٌ إنْ رأَيْتِ الهلالَ عِيَانًا، فرَأَتْه في أوَّلِ أو ثانِي أو ثالثِ ليلةٍ؛ وقَعَ، وبعدها لم يَقَعْ.
أنتِ طالق إن رأيتِ الهلال عِيانًا، فرأته في أول أو ثاني أو ثالث ليلة) فيقع؛ لأنه يصدُق على الهلال أنه هلالٌ في الليلة الأولى والثانية والثالثة، وما بعد ذلك لا يُسمَّى هلالًا، وإنما يُسمى قمرًا.

قال: (وقع، وبعدها لم يقع) لأنه بعد الثالثة يُسمَّى قمرًا ولا يُسمَّى هلالًا.

من علق الطلاق على شيء ففعله ناسيًا أو مكرهًا

قال:

وأنتِ طالق إن فعلتِ كذا، أو فعلتُ أنا كذا، ففعلَتْه أو فَعَلَه مُكرَهًا.

يعني: لم يقع الطلاق.

أو مجنونًا، أو مُغمًى عليه، أو نائمًا؛ لم يقع.

في هذه الحالات كلها.

وإن فعَلَتْه أو فعَلَه ناسيًا أو جاهلًا؛ وقع.

إذن؛ المؤلف فرَّق بين مسألتين:

بين ما إذا وقع ذلك على سبيل الإكراه أو الجنون أو الإغماء أو النسيان والجهل، فيقول المؤلف: إن ذلك إذا وقع على سبيل الإكراه أو الجنون أو الإغماء؛ فإنه لا يقع.

أما إذا وقع ذلك على سبيل النسيان أو الجهل؛ فإنه يقع.

أما إذا فعل ذلك مُكرَهًا، فيقولون: لقول النبي عليه الصلاة والسلام: إن الله عفا لأمتي الخطأ، والنسيان، وما استُكرهوا عليه[4].

والحقيقة أنه لا فرق بين النسيان وبين الإكراه، الحديث يدل على العفو عن هذا وهذا؛ ولذلك فإن القول الصحيح في هذه المسألة: أنه لا يقع الطلاق إن فعَلَتْ أو فَعَل الشيء ناسيًا أو جاهلًا. وهذا القول روايةٌ عن الإمام أحمد، وهو اختيار أبي العباس ابن تيمية رحمه الله.

المذهب عند الحنابلة: هو التفريق بين اليمين بالله وبين الطلاق والعتق، في النسيان، فيقولون: إذا حلف على ألا يفعل شيئًا ففعله ناسيًا؛ ليس عليه شيء، إلا أن يكون طلاقًا أو عتقًا؛ فيقع الطلاق والعتق.

ولهذا؛ عبارة “الزاد”: وناسيًا أو جاهلًا حدث في طلاق وعتاق فقط.

وعللوا ذلك قالوا: لأنهما حقُّ آدميٍّ فاستوى فيه العمد والنسيان؛ كالإتلاف، بخلاف اليمين بالله .

ولكن القول الصحيح: أنه لا فرق بين اليمين بالله وبين الطلاق والعتق، فإذا فعل ذلك ناسيًا أو جاهلًا أو مكرَهًا أو نائمًا أو مُغمًى عليه أو نحو ذلك؛ كلُّ ذلك لا يقع به طلاق ولا عتاق ولا حنث.

هذا هو القول الصحيح؛ عدم التفريق بين هذه المسائل، هذا التفريق الذي ذكره المؤلف ليس عليه دليل.

قال:

عكسُه مِثْلُه، كإِن لم تفعلي كذا، أو إن لم أفعل كذا، فلم تفْعَله، أو لم يفْعَله هو.

(عكسُه مِثْلُه) يعني: في وقوع الطلاق وعدم وقوعه فيما سبق من المسائل.

ومثَّل المؤلف بالمراد بقوله: (عكسُه مِثْلُه) يعني: إن لم تفعلي كذا، أو إن لم أفعل كذا، ناسيًا أو جاهلًا أو مكرَهًا، أو على التفصيل السابق. إلا أنهم يقولون: إنه في هذه الحالة يكون على التراخي؛ لأنَّ “إن” حرف يقتضي التراخي، فإذا لم ينوِ وقتًا بعينه فلا يقع الطلاق إلا في آخر الوقت.

آخِرُ فصلٍ معنا في الطلاق هو (الشك في الطلاق)، وهذا من المباحث -الحقيقة- المهمة التي يكثر السؤال عنها، وتجد بعضَ الناس لأن عندهم وسوسة في الطلاق، فنُريد أولًا أن نُؤصِّل لهذا الباب.

الأصل صحة النكاح، والأصل استمرار النكاح، هذا أمر متيَقَّن. وقوع الطلاق أمر طارئ على هذا الأصل، فلا يرتفع النكاح ولا يزول النكاح إلا بأمر مُتيَقَّن؛ إلا بأن يتيَقَّن الطلاق. وعلى ذلك القاعدة المشهورة: “اليقين لا يزول بالشك”، فالنكاح أمر مُتيَقَّن، لا يزول إلا بيقين مثله، هذا إذن هو الأصل.

الأصل إذن استمرار النكاح، والأصل بقاء النكاح، فلا يزول بمجرد الشك.

أحكام الشك في الطلاق

ولا يقع الطلاق بالشك فيه.

نُريد أن نُعرِّف الشك، إذا قالوا: “الشك” هو: “تردٌّد بين أمرين، لا مُرجِّح لأحدهما على الآخر”. هذا هو المقصود بالشك.

فيقول المؤلف:

لا يقع الطلاق بالشك فيه أو فيما عُلِّق عليه.

يعني: مجرد الشك لا يقع فيه الطلاق، لا تطلق زوجته؛ لأن النكاح يقين، فلا يزول بمجرد الشك.

قال:

فمَن حلف لا يأكل تمرة.

قبل أن ننتقل لقول المؤلف (مَن حَلَف) هنا أُشير لكلام الموفق ابن قدامة في “المغني”، يقول الموفق رحمه الله: “والورع التزام الطلاق”؛ لحديث: دَعْ ما يَرِيبُكَ إلى ما لا يريبك[5]. يقول: الورع أن يُوقع الطلاق، إذا شَكَّ في وقوع الطلاق فالورع التزام الطلاق؛ لحديث: مَن اتقى الشبهات، فقد استَبْرَأَ لدينه وعِرْضِه[6].

ولكن كلام الموافق ابن قدامة هنا محل نظر؛ ولهذا تعقبه ابن القيم، وقال: “الأولى استبقاء النكاح، بل يُكره أو يحرم إيقاعه لأجل الشك؛ فإن الطلاق بغيض للرحمن، حبيب للشيطان، والنكاح ودوامه آكَد من ابتدائه”.

فتعقَّب العلماءُ الموفق ابن قدامة في مقولته هذه: “أن الورع التزام الطلاق”، فليس بصوابٍ أن الورع التزام الطلاق؛ لأننا إذا قلنا: إن الورع التزام الطلاق؛ فمعنى ذلك أننا نُبيحها لغيره، والأصل في الأبضاع التحريم. بل نقول: إن الورع هو عدم التزام الطلاق؛ لأن هذا هو اليقين، هذا هو الأصل المُتيَقَّن، ووقوع الطلاق أمر مشكوك فيه، واليقين لا يزول بالشك.

قال: (فمن حلف: لا يأكل تمرة)؛ يعني: حلف بالطلاق لا يأكل تمرة مثلًا.

فاشتَبهت بغيرها، وأكل الجميع إلا واحدة، لم يَحْنَث.

لماذا؟ لاحتمال أن تكون هذه التمرة المتبقية هي المحلوف عليها، فإذا حلف بالطلاق: لا يأكل تمرة، وكان عنده مجموعة من التمر في طبق، وما بقي إلا تمرة واحدة، يقول: لا يقع الطلاق؛ لأنه يحتمل أن هذه التمرة المتبقية هي التي حلف عليها، يعني: يكون وقوع الطلاق مشكوكًا فيه هنا، والنكاح مُتيَقَّنٌ، واليقين لا يزول بالشك.

مثَّل بهذا الفقهاء لأجل أن تتضح الصورة.

قال:

ومَن شَكَّ في عددِ ما طلَّق، بنى على اليقين، وهو الأقل.

إذا شَكَّ في عدد ما طلَّق، هل طلَّق ثنتين أو ثلاثًا، فاليقين أنه طلَّق ثنتين، فنعتبره طلَّق ثنتين؛ لأن الثنتين أمرٌ مُتيَقَّن، وما زاد عليهما أمرٌ مشكوك فيه، واليقين لا يزول بالشك، فنحكم بأن الطلاق ثنتان؛ عملًا باليقين واطراحًا للشك.

ومَن أوقع بزوجته كلمةً، وشَكَّ: هل هي طلاقٌ أو ظهار؛ لم يلزمه شيء.

لأن الأصلَ عدم ذلك، والأصل هو بقاء النكاح، والأصل هو استمرار النكاح، فإذا شَكَّ هل هو طلاق أو هو ظهار؟ يعني: ما يدري، فنقول: الأصل هو استمرار النكاح.

والحقيقة أن هذا التقعيد الذي يذكره الفقهاء هنا يقطع الوساوس على الإنسان؛ لأن بعض الناس عندهم وسواس عظيم في الطلاق.

ومَرَّ بي عدد من الحالات الذين عندهم وساوس كبيرة في هذا الباب. وأنا أذكر أن رجلًا أتى إليَّ في هذا المسجد، قطع مسافة تزيد على خمسمائة كيلو؛ لأجل أن عنده مشكلة في الطلاق، وسواسًا في الطلاق.

فهذه المسائل تقع كثيرًا.

ورجل أيضًا اتصل بي، طلَّق امرأته الأولى بسبب الوسواس في الطلاق، ليس بينه وبينها مشكلات، مجرد وسواس، وتزوج امرأة ثانية، وهو على وشك أن يُطلِّقها أيضًا؛ لأنه يغلب عليه الوسواس، ثم يقول: دعني أستريح، أُطلِّق صراحة، فيُطلِّق، لدرجة أنه يقول: إذا سمع آيات الطلاق، يقلب الشريط، وإذا أراد أن يقرأ القرآن، آيات الطلاق ما يقرؤها، بلغ به الوسواس لهذه الدرجة.

وبعض الناس أيضًا إذا أتى مثل هذه الأبواب لا يقرأ أبواب الطلاق؛ لأجل الوسواس.

فنقول: طالب العلم عندما يرى كلام العلماء: أن الأصل هو بقاء النكاح، والأصل هو استمرار النكاح، وأن الطلاق لا يقع بمجرد الشك.

وانظروا إلى المثال الذي مَثَّلوا به: لو حلف ألا يأكل تمرة، وأُتي بطبق وبقي تمرة واحدة، يقولون: لا يقع الطلاق؛ لأنه يحتمل أن التمرة التي حلف عليها أن تكون هذه هي التمرة. هذا يُريح الإنسان، فلا يقع الطلاق إلا بأمر واضح.

وبعض العامة تجد أنه يلتبس عليه الأمر، يقول: حصل بينه وبين زوجته خصومة، ولا يدري: هل طلق أو لم يطلق؟ يقول: أتى بألفاظ ولا يدري، ما اتضح له الأمر، ولا يتذكر شيئًا، فماذا نقول له؟
نقول: الأصل عدم وقوع الطلاق، والأصل هو استمرار النكاح، فنقول: لا تطلق زوجتك إلا إذا تيقنت فعلًا، تيقَّنت أنك أوقعت الطلاق، أما مجرد شَكٍّ ووساوس، فنقول: إن الطلاق لا يقع.

وهذا من رحمة الله تعالى بعباده؛ ولذلك فإن قاعدة “اليقين لا يزول بالشك” من القواعد العظيمة التي تُزيل الوساوس عن الإنسان، سواء في الطهارة، سواء في الصلاة، سواء في الطلاق.

في أيِّ باب من الأبواب نقول: إن اليقين لا يزول بالشك، فعندنا الآن اليقين هو بقاء النكاح واستمرار النكاح، والطلاق أمرٌ مشكوك فيه؛ فلا يقع الطلاق بمجرد الشك، بل لا بد من أمر مُتيَقَّن.

بهذا نكون قد انتهينا من مسائل وأحكام الطلاق. هل بقي هناك مسائل لم نذكرها في الطلاق؟ أنا أظنُّ أننا استوعبنا جميع مسائل الطلاق.

مداخلة: …..

الشيخ: صحيح، يذكر الفقهاء هذه الأمثلة، لكن انظر كلامهم -يا شيخ- في الطلاق، عقدوا فصلًا كاملًا وبَيَّنوا فيه أنه لا يقع بمجرد الشك، وذكروا حتى أمثلة: (مَن حلف لا يأكل تمرة).

فأيضًا لا بد أن ننظر في كلام الفقهاء، نجمع بعضه مع بعض. صحيح أن هذه الأمثلة والتشقيقات قد تُورث لدى بعض الناس شيئًا من الشكوك.

لكن أيضًا انظر كلامهم في باب (الشك في الطلاق)، فأصل الموضوع، قالوا: إن الأصل هو اليقين أو استمرار النكاح، وأنه لا يزول هذا إلا بأمر واضحٍ جليٍّ متيَقَّن.

مداخلة: …..

الشيخ: قبل الأسئلة، هل هناك مسائل في الطلاق لم نذكرها؟ هل أحد منكم يذكر مسألة لم نذكرها؟ أنا أظنُّ إن شاء الله أننا استوعبنا جميع مسائل الطلاق.

ولهذا؛ مَن أخذ هذا الشرحَ وضبطه واستوعبه جيدًا، أيُّ مسألة من مسائل الطلاق، يستطيع أن يعرف حكمها؛ لأن عندنا أصولًا، عندنا مثلًا الطلاق المعلَّق ما حكمه؟ عندنا مثلًا الطلاق في حال الحيض، الطلاق في كذا. فممكن أن تُرجِع أيَّ مسألة في مسائل الطلاق لهذه الأصول.

نجيب عما تيسر من الأسئلة، سؤال الأخ، ثم نبدأ بالأسئلة المكتوبة.

الأسئلة

السؤال: …..

الشيخ: يقول: لماذا إذا قال: أنتِ طالق إذا مضى شهر، لماذا حُمل الشهر على ثلاثين يومًا، ولم يُحمل على تسعة وعشرين؟

هذا سؤال جيد، هذه المسألة محل خلاف عند الفقهاء، إذا قال: “أنتِ طالق إذا مضى شهر”، فهل نقول: لا بد أن يمضي ثلاثون يومًا، أو نعتبر ذلك بالشهر الهلالي؟ فإذا كان الشهر تسعة وعشرين فيكفي تسعة وعشرون، وإذا كان ثلاثين فيكون ثلاثين؟

المذهب عند الحنابلة:  لا بد من ثلاثين. وهذا هو القول الذي مشى عليه المؤلف.

وهناك قول آخر رجحه ابن تيمية رحمه الله: وهو أن العبرة بالشهر الهلالي إذا كان يعمل بالأهِلَّة، مثلًا عندنا هنا في المملكة لا يُعمل بالنظر في الأهِلَّة إلا من شهر شعبان إلى شهر محرم، لكن من محرم إلى شعبان بالحساب وليس بالأهِلَّة.

فإذا كان يعمل الحساب يُكمل ثلاثين، لكن إذا كان يعمل بالأهِلَّة قال: إذا مضى شهر، أو إذا مضى هذا الشهر؛ فهنا يعمل بالهلال.

لكن، هنا في هذه المسألة بخصوصها، قال: “إذا مضى شهر”، هل الشهر تسعة وعشرون يومًا، أو الشهر ثلاثون يومًا؟ وهل الاحتياط أن نجعل الشهر تسعة وعشرين يومًا، أو الاحتياط أن نجعل الشهر ثلاثين يومًا؟

هذه أيضًا مسألة أخرى، فالمُتيَقَّن هو أن الشهر تسعة وعشرون يومًا، وكونه ثلاثين يومًا أمرٌ مشكوك فيه، فيُحتمل أن نقول: إنه إذا مضى تسعة وعشرون يومًا فإنها تطلُق؛ ولهذا فالنبي حلف لا يدخل على نسائه شهرًا، ودخل بعد مُضِيِّ تسعة وعشرين يومًا، فقالت له عائشة رضي الله عنها: بقي يوم، والله إني لأعدُّهن عدًّا. قال: إن الشهر تسعة وعشرون يومًا[7].

ويُحتمل أن نقول: إن الشهر ثلاثون؛ لأن وقوع الطلاق هنا أمرٌ مشكوك فيه، والأصل هو استمرار النكاح، فيتنازع هذا الحكمَ هذان الاحتمالان.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: رجل يُريد أن يُصلِّي، ولم يجد إلا ثوبًا نَجِسًا، فأيُّ المصلحتين يُقدَّم: إزالة النجاسة أم ستر العورة؟

الشيخ: إذا كان يُريد أن يُصلِّي، ولم يجد إلا ثوبًا نجسًا، فهنا لا شك أن ستر العورة آكَدُ من إزالة النجاسة، ستر العورة آكَدُ من إزالة النجاسة؛ لأن في ستر العورة قَدْرًا زائدًا على إزالة النجاسة؛ لأن الإنسان مأمور بستر العورة، سواء كان في الصلاة، أو في غير الصلاة.

بينما إزالة النجاسة إنما يكون ذلك في الصلاة فقط، فهي من حيث الآكديَّة آكَدُ، حينئذ يُقدَّم ستر العورة على إزالة النجاسة.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: سمعت حديثكم عن الشركات المساهمة، وسؤالي: هل (SABIC) من الشركات المحرمة؟ وبماذا تنصحونني أحسن الله إليكم؟ وهل لي أن أنتظر حتى نهاية السنة وأجني الأرباح ثم أتخلص منها؟

الشيخ: نعم، هي من الشركات المختلطة، نسبة الربا فيها تصل 30%، يعني: نسبة كبيرة، نسبة الربا فيها بالملايين، مع الأسف هذا هو واقع حال كثيرٍ من الشركات حتى الآن، أكثر الشركات تتعامل بالربا إقراضًا واقتراضًا.

وإن كان ولله الحمد وُجِد الآن عدد من الشركات التي لا تتعامل بالربا، على الأقل خلت قوائمها المالية من التعاملات الربوية، لكن لا زالت الشركات الكبرى كشركة (SABIC) تتعامل بالقروض الربوية، ولا زالت أيضًا تُنصِّف عقودها. على أنه إذا حصل خلاف فإن التحاكم إلى القانون الإنجليزي، وليس إلى المحاكم الشرعية.

هذه مخالفات كبيرة على هذه الشركات، لكن ولله الحمد الإصلاح في هذا المجال قائم.

والآن بدأ عدد من الشركات -تصل الآن قرابة خمسين شركة- لا تتعامل بالربا، بل إن الشركات الآن التي تطرح الاكتتاب أصبحوا يعرفون أنها إذا وجد فيها قروض ربوية فسيُفتي المشايخ بعدم جواز الاكتتاب فيها، وبالتالي لا يُقبل الناس على الاكتتاب؛ فأصبحوا يُلاحظون عدم وجود القروض الربوية.

ولذلك؛ في السنوات الأخيرة، لاحِظ الشركات التي طرحت الاكتتاب، تكون خالية من القروض الربوية.

فالإصلاح في هذا ولله الحمد موجود وقائم، لكن كان قبل سنوات، قبل أكثر من عشرين عامًا، لا تكاد توجد شركة واحدة لا تتعامل بالربا. أما الآن ولله الحمد يوجد عدد كثير من الشركات، لكن لا زالت الشركات الكبرى تتعامل بالربا، بل موغلة في هذا، شركة (SABIC) تصل إلى 30% القروض الربوية فيها.

ولكن نقول: هناك جهود لبعض المشايخ وطلاب العلم للإصلاح في هذا الباب، وهي ولله الحمد جهود قد أثمرت، وتحسَّنت أوضاع كثير من الشركات.

السؤال: قال الناظم رحمه الله في شرح “المنظومة”: فلو باع الإنسان الذي تلزمه الجمعة بيعًا بعد نداء الجمعة الثاني، وقع البيع فاسدًا. السؤال: هل يجوز البيع لمن لا تلزمه الجمعة مثل الأطفال أو النساء؟ وهل يجوز ذلك للمشتري أيضًا؟

الشيخ: نعم، بالنسبة لمن لا تلزمه الجمعة يجوز، الخطاب موجَّه لمن تلزمه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9]، فهذا الخطاب موجَّه لمن تلزمه الجمعة. مَن لا تلزمه الجمعة لا يشمله هذا الخطاب.

السؤال: أحسن الله إليكم، نقول: المعروف أن الأصل في الأشياء الحل، ما لم يوجد دليل لتحريم هذا الشيء، فكيف نجمع هذا مع القاعدة في قول النبي : من تشبَّه بقوم فهو منهم[8]، فهل معنى هذا: إذا أتى الكفار بشيء هو في الأصل حِلٌّ لنا فنحن لا نفعله وجوبًا لعدم التشبه؟

الشيخ: ليس كُلُّ ما فعله الكفار إذا فعلناه نكون قد تشبَّهنا بهم.

لا بد أن نعرف ما هو ضابط التشبُّه المحرم بالكفار: ضابطه هو أن نفعل شيئًا هو من خصائصهم. أما إذا لم يكن من خصائصهم وإنما هو مشترك بين المسلمين والكفار، ليس تشبُّها، يعني مثلًا: ركوب السيارة، وركوب الطائرة، والأكل بالملعقة، هل هذا من خصائص الكفار؟ لا. لبس البنطال هل هو من خصائص كفار؟ لا، يلبسه المسلمون والكفار.

لكن مثلًا: وضع الصليب، هذا من خصائص النصارى. لباس اليهود الذي يلبسونه فوق رؤوسهم، هذا الذي على شكل طاقية صغيرة، ما أدري ماذا يُسمَّونه “طيلسان” هذا من خصائصهم.

فإذن؛ لا بد أن يكون هذا الشيء من خصائصهم حتى يكون تشبُّهًا. أما إذا لم يكن من خصائصهم فلا يُعَدُّ هذا تشبُّهًا.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: فضيلة الشيخ، كيف نجمع بين فائدة افتراض المسائل، وبين تحذير السلف من كثرة المسائل والرأي؟

الشيخ: نجمع بينهما بأن يركِّز طالب العلم على المسائل الواقعة، ويتصوَّر المسائل المفترضة، من غير أن تأخذ منه وقتًا، فالمسائل الواقعة يركِّز عليها، يُحرِّرها، يُطيل فيها بحثًا واجتهادًا، ومعرفة لكلام أهل العلم والأدلة.

أما المسائل نادرة الوقوع يكفي أن يتصوَّرها فقط، تُلاحظون هذا في الشرح، هذا هو المنهج الذي نسير عليه في الشرح، تُلاحظون مسائل الطلاق في الحيض، والطلاق في الثلاث، فصَّلنا فيها، وأخذت منَّا وقتًا كثيرًا؛ لأن هذه مسائل واقعة، لكن مثل هذه المسائل المفترضة،لم نُفصِّل فيها كثيرًا، فيمكن لطالب العلم أن يجمع بينها؛ بأن لا يركِّز على المسائل المفترضة، وإنما يكفي أن يتصور كلام الفقهاء فيها.

وأما المسائل الواقعة فيركِّز عليها ويجتهد فيها، ويُفصِّل الكلام فيها، وبذلك يحصل الجمع بين الأمرين؛ لأن بعض الناس يعكس المسألة، تجد أنه في المسائل المفترضة يُمضِي فيها وقتًا وجهدًا، وتأخذ جُلَّ وقته، والمسائل الواقعة يمُرُّ عليها مرور الكرام، هذا خطأ في المنهج، هذا خلل في المنهج، تجد بعض الناس يجتهد في السؤال عن مسائل دقيقة في الرِّق، لكن عندما تسأله عن مسألة متعلِّقة بالصلاة أو بالزكاة، ما يعرف، فهذا خلل في المنهجية، فأقول: المنهج الصحيح أن المسائل الواقعة نركِّز عليها، المسائل المفترضة لا نركِّز عليها، وإنما نتصور كلام الفقهاء فيها فقط.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: إذا شك الزوج؟

الشيخ: هذا سبق أن تكلَّمنا عنه، يا إخوان المسائل التي شرحناها لا نريد أن نُعيد شرحها مرة أخرى، من فاته شيء فليرجع للشرح، والشرح موجود مسجل، يُفترض أنه ينزل على الموقع بانتظام، وإن شاء الله تعالى سيُفرَّغ، بإذن الله ، الآن نحن نشتغل على (كتاب الطهارة)، ونرجو إن شاء الله أن يشمل الكتاب كُلَّه.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: إذا حلف الرجل على أن لا يفعل شيئًا معينًا، ثم فعله، واستمر على ذلك، هل تكفيه كفارة واحدة؟ أم يجب عليه عدد من الكفارات؟

الشيخ: إذا حلف أنه لا يفعل هذا الشيء، ثم فعل، هل كُلَّما فعله يجب عليه كفارة؟

ظاهر كلام أهل العلم أنه كُلَّما فعل عليه كفارة، إذا قال: “كُلَّما”، كلما ذهبت إلى المكان الفلاني، يعني: أتى بعبارة “كُلَّما”، والله لا أذهب إلى المكان الفلاني مطلقًا، فذهب إليه، هنا عليه كفارة واحدة، لكن لو أتى بعبارة تقتضي التكرار، وهذا أكثر ما يُمثِّلون به في الطلاق، كُلَّما ذهبتِ إلى السوق فأنتِ طالق، يعني: ما هو المخرج؟

كلام الفقهاء ظاهره أنه كُلَّما ذهبت إلى السوق فهي تطلُق. طيب هل هناك مخرج؟ نعم، على القول الذي رجحنا:إنه إذا قصد به الحثَّ أو المنع أو التصديق أو التكذيب يكون فيه كفارة يمين.

لكن على قول الجمهور ما هو المخرج؟ هنا ليس لها حل، كلما ذهبت إلى السوق تطلُق، ليس عندهم حلٌّ لها، على قول الجمهور ليس هناك حَلٌّ.

مداخلة: …..

الشيخ: هو ما استثنى هذا الإنسان، قال: كُلَّما ذهبتِ للسوق فأنت طالق، ما هو المخرج؟ ما يوجد مخرج.

مداخلة: …..

الشيخ: هذا إذا قالها.

السؤال: أحسن الله إليكم. هذا السائل يقول: صلَّيت بالخُفَّين، وقد انتهت المدة، فعملت بقاعدة: “ما كان من باب ترك المأمور، لا يُعذر بالشك” وأنا شككت في مدة الخُفَّين فما العمل؟

الشيخ: عملت بأي شيء؟

مداخلة: فعملت بالقاعدة: “ما كان من باب ترك المأمور، لا يُعذر بالشك”. سؤال آخر متعلِّق، ويقول: وإن شككت في مدة الخُفَّين فما العمل؟

الشيخ: هنا ما دام أنه قد انتهت المدة، أو شكَّ في انتهائها، فلا يصح وضوئه؛ لأن تحديد النبي عليه الصلاة والسلام: للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بليالهن، معنى ذلك: أنه لا أثر للمسح على الخفين بعد مُضِيِّ هذه المدة، فيبطل وضوئه وتبطل صلاته.

وأما بالنسبة للشك هل انتهت المدة أم لا، فتجري على قاعدة أهل العلم في الشك: “اليقين لا يزول بالشك”، إذا كان مجرد شَكٍّ طارئ فقط؛ لا يُلتفت لهذا الشك، خاصة إذا كان كثير الشكوك.

أما إذا حصل عنده غلبة ظَنٍّ بأن الوقت قد انتهى؛ فهنا يُعيد الوضوء والصلاة.

السؤال: يقول: أنا أتغيَّب عن العمل أحيانًا، وأستلم الراتب كاملًا، ثم إني أستثمر هذا الراتب، السؤال: كيف أتخلَّص من هذا المال؟ هل بقدْر ما أخذت من الراتب وأعتبره دينًا؟ أو ينبغي… وهل بقْدر ما أخذت من الراتب أدفعه صدقة؟

الشيخ: الموظف إما يكون أجيرًا خاصًّا، أو يكون أجيرًا مشترَكًا.

أما الأجير الخاص: “ما قُدِّر نفعه بالزمن” وهذا حال غالب الموظفين.

الأجير المشترك: “ما قُدِّر نفعه بالعمل”: فالذي يُقدَّر نفعه بالعمل لا يُطلب منه دوام، هذا يمكن أكثر ما ينطبق على أساتذة الجامعات، مطالب أنت بمحاضرات، تُلقي هذه المحاضرات وتخرج، غير مقدَّر نفعك، يعني: أنك تداوم بوقت معين، إنما بمحاضرات، فهذا متى ما أنجز العمل، لم يتقيَّد بوقت معين.

من قُدِّر نفعه بالزمن، في دائرة حكومية يعمل، مطالب من سبعة ونصف إلى ثنتين ونصف؛ لا بد من الالتزام بالدوام، إذا لم يلتزم بالدوام، فإذا أراد أن يتورَّع يُعيد، إما أن يُعوِّض بساعات أخرى يعملها خارج الدوام مثلًا، أو أنه يُعيد مقابل الوقت الذي لم يعمل فيه، يُعيده إلى حساب إبراء الذِّمة، هذا هو الورع والاحتياط في هذا.

السؤال: وإن كان ما يوجد عمل؟

الشيخ: إذا كان ليس هناك عمل، هذه مسألة مهمة، الكلام طبعًا إذا كان هناك عمل، لكن إذا كان ليس هناك عمل، فإن كان يُحتمل وجود عمل ولو بنسبة 1% فإنه يبقى، ليس له الخروج، أما إذا تيقَّن أنه ليس في عمل، فهل نقول: إنه يبقى ولو لم يوجد عمل، باعتبار أنه أجير خاص؟ أو نقول: إن بقاءه هنا عبث، فيذهب ويستفيد من وقته؟

قولان للعلماء المعاصرين، فبعض أهل العلم يقول: إنه يبقى، وكان شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله يقول: يبقى، قالوا: ليس عنده عمل، قال: يُسبِّح ويُهلِّل.

وبعض العلماء يقولون: إن بقاءه هنا عبث، والشريعة لا تَرِد بمثل هذا أن الإنسان يقول: تبقى بدون عمل، ولكنه يكون تحت الطلب، متى ما طُلِب يأتي.

لا شك أن الورع أنه يبقى، لكن أيضًا لا نستطيع أن نُؤثِّمه إذا ذهب وليس عنده عمل، ومتيقِّنٌ أنه ليس عنده عمل، الجزم بتأثيمه صعب هنا.

مداخلة: …..

الشيخ: مكافأة هذه، رزق من بيت المال، ليست مرتبطة أصلًا بالدراسة، ما يَرِد عليها هذه المسائل كلها أصلًا، حتى لو لم يحضر ولا يوم؛ لأنها مجرد تشجيع للطلاب على الالتحاق بالدراسة الجامعية من جهة، هذا كان في بداية إقرارها، أما الآن فلم تعُد تشجيعًا، أصبحت إعانة اجتماعية للطلاب فقط، فمثل هذه إعانة لا ترتبط بحضور الطالب، ولذلك في نظامها ليس لها أيُّ ارتباط بحضور الطالب، وليس الطالب الذي يتغيَّب أو يُحرم حتى يحرم من المكافأة، هناك طلاب يُحرمون مثلًا من دخول الاختبار، ولا يحرم الطالب من المكافأة، فليس بينها وبين الحضور أيُّ ارتباط.

ومثل ذلك أيضًا: إمامة المسجد، والأذان في المسجد أيضًا، ما يأخذه الإمام والمؤذن ليس أجرة، وإنما رزق من بيت المال، هذا الرزق تشجيع له على ارتباطه بالمسجد؛ لأن بيت المال، مَن يملك بيت المال أولًا؟

يملكه المسلمون كلهم، ووليُّ الأمر مستأمَن عليه فقط، يصرفه فيما هو أصلح للمسلمين، ومصالح المسلمين كثيرة، من مصالح المسلمين أن يصرف للإمام والمؤذن، حتى ينتظم أمر المسجد، فهو يصرف له تشجيعًا له على ارتباطه بالمسجد، ولذلك أيضًا لا يرتبط بالحضور، تجد بعض الناس مثلًا إذا كان إمامًا أو مؤذِّنًا، ترك مثلًا وقتًا أو وقتين، يذهب ويتصدق، لا ما يلزمه ذلك.

لكن أيضًا ليس له أن يخِلَّ بعمل الإمامة أو الأذان، فإذا كان حضوره أكثر من غيابه، فلا حرج عليه، ولا يلزمه، أن يتصدق؛ لأنه ليس أصلًا موظفًا، ليس أجيرًا خاصًّا، أما إذا كان غيابه أكثر من حضوره نقول: لا يحل لك أن تبقى؛ لأنك بهذا غير منتظم في المسجد، وغير منضبط، وتستلم مكافأة، والمكافأة إنما تكون لمن ارتبط وانتظم في هذا المسجد.

مداخلة: …..

الشيخ: حتى التوكيل، إذا كان حضوره أكثر من غيابه، لا بأس أن يُوكِّل في الغياب، أما إذا كان غيابه أكثر من حضوره ويُوكِّل ليس له ذلك.

مداخلة: …..

الشيخ: على كل حال هذا رزق، يجوز بالإجماع من غير خلاف، وليس الورع أيضًا تركه لأنه رزق من بيت المال، الذي فيه الخلاف هو الأجرة، أخذ الأجرة وليس الرزق.

مداخلة: …..

الشيخ: بصفة دائمة أو عارضة؟

عارضة، لا حرج إذا كان يُوكِّل غيره، ويُعطيه مثلًا أجرة لا بأس، يُعطيه مثلًا مقابلًا، لا بأس بشرط أن يكون حضور هذا الإمام أكثر من غيابه.

أما إذا كان غيابه هو الأكثر، هذا لا يكون إمامًا ولا مؤذنًا إذا كان غيابه أكثر من حضوره.

مداخلة: …..

الشيخ: الوكيل كذلك، يُعطى أجرة للتشجيع على الارتباط فقط.

مداخلة: …..

الشيخ: هذه المسألة من المسائل الشائكة، الموافقة على عقد ومن ضمن بنوده: التحاكم إلى محاكم أجنبية، هذه بُحِثت في مجمع الفقه الإسلامي في الدورة الأخيرة، ورأوا أنه لا يجوز إلا عند الضرورة، عند الضرورة أو الحاجة الملحَّة، يكون مثلًا هناك مصلحة كبيرة للمسلمين في التعاقد مع هذه الشركة، ومن ضمن بنودها: التحاكم إلى محاكمة أجنبية، على أيضًا ألا يُقَرَّ فيها أمر محرم كالفوائد الربوية.

الآن -يا إخوان- معظم الشركات عندنا، معظم الشركات الكبرى تنصُّ في عقودها على أنه عند حصول اختلاف، فالمرجع هو القضاء الإنجليزي، يقولون: القضاء الإنجليزي هو أفضل قضاء في العالم، مع أنه يُفترض القضاء الإسلامي هو أفضل قضاء في العالم، لكن شُوِّه، القضاء الإسلامي شُوِّه، وإلا لو كان القضاء في الوقت الحاضر مثل القضاء في عصر صدر الإسلام لكان متميزًا جدًّا.

القضاء في عصر صدر الإسلام قضاء مزدهر متميز، وفي جلسة واحدة، جميع القضايا في جلسة واحدة، حتى الحدود، حتى القصاص، حتى القبض على المجرم والحكم عليه والتنفيذ في ساعة واحدة، القضاء مزدهر، لكن دخلت بعض الأمور فشُوِّه القضاء الإسلامي، وإلا القضاء الإسلامي هو الحقيقة، هو الذي يفترض أن يكون هو القضاء الأمثل في العالم، فأصبحت الآن الشركات تتجه للقضاء الإنجليزي، فهذا عند عدم وجود الحاجة لا يجوز، لكن إن وجدت حاجة ملحَّة فأجاز المجمع، وأجاز كثير من العلماء أنه لا بأس بذلك، بشرط ألا يقع ذلك إلى التحاكم في محظور، أن لا يُنصَّ فيه على مثلًا فائدة ربوية، لكن إذا كانت أمور إجرائية فقط، فلا حرج في ذلك إن شاء الله عند وجود الحاجة، حتى لا تتعطل أيضًا مصالح المسلمين.

يدل لهذا أيضًا الطلاب المبتعثين مثلًا هنا، أو الجالية المسلمة هناك مضطرة للتحاكم إلى المحاكم الموجودة هناك، لو طالبٌ مبتَعَثٌ حصل بينه وبين شخص خصومة، أو حادث مروري، سيُضطر للتحاكم إلى محاكم أجنبية، فتَرِد هذه الإشكالية، والمسلمون هناك كثر أيضًا بالملايين، فنقول: يجوز للضرورة لكن يُفترض وجود محاكم إسلامية، يُفترض أن التحاكم يكون إلى المحاكم الإسلامية التي تُطبِّق شرع الله .

مداخلة: …..

الشيخ: مسائل الطلاق يظهر لي أننا استوعبناها كلها، لذلك سألتكم هل هناك مسألة؟ ما أظن هناك مسألة تركناها ولله الحمد.

“دليل الطالب” ميزته أنه مستوعب، ولذلك الذي يمُرُّ على المتن الفقهي بهذه الطريقة يستفيد فائدة عظيمة، لكن بشرط أنه يُراجع، حياة العلم المذاكرة.

المذاكرة؛ إما أن يرجع لما كتب، أو يرجع للتسجيل، ربما يكون أيضًا هذا في الوقت الحاضر أكثر فائدة، يسمع مثلًا الدرس مرة ثانية، وثالثة، ورابعة، فيستقر في ذهنه، فيستفيد فائدة عظيمة، كما ذكرت لكم الدرس كله موجود على الموقع، والإخوة أيضًا يُوزِّعون أقراصًا، ما أدري وصلتم إلى أين؟ الثالث نعم…. وصلوا الى البيوع، الإخوة في التسجيل، فيمكن من فاته شيءٌ أو من يُريد الاستذكار يرجع إلى هذه الدروس.

نسأل الله للجميع التوفيق. ونكتفي بهذا القدر.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 1833، ومسلم: 1353.
^2 رواه البخاري: 2819، ومسلم: 1654.
^3 رواه البخاري: 1، ومسلم: 1907.
^4 رواه ابن ماجه: 2045.
^5 رواه أحمد: 1723، والترمذي: 2518، والنسائي: 5711.
^6 رواه البخاري: 52، ومسلم: 1599.
^7 رواه البخاري: 1910، ومسلم: 1085.
^8 رواه أحمد: 5114، وأبو داود: 4031.
zh