logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(84) كتاب الطلاق- من قوله: “يباح لسوء عشرة الزوجة..”

(84) كتاب الطلاق- من قوله: “يباح لسوء عشرة الزوجة..”

مشاهدة من الموقع

كتاب الطلاق

قال رحمه الله:

كتاب الطلاق.

الطلاق معناه في اللغة: الحل والقيد. واصطلاحًا: حَلُّ قيد النكاح أو بعضه.

حكم الطلاق

وحكمه: تدور عليه الأحكام الخمسة: فقد يكون مباحًا، وقد يكون مسنونًا، وقد يكون مكروهًا، وقد يكون محرمًا، وقد يكون واجبًا.

وذكر هذه الأحكام الخمسة المؤلف رحمه الله، قال:

يُباح لسوء عشرة الزوجة.

إذا كانت المرأة سيئة العشرة، فيباح للزوج أن يُطلقها وأن يستبدلها بأخرى: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا [النساء:20]، فإن سوء العشرة يُنكد، سوء خلق المرأة يُنكد الحياة الزوجية.

والخُلُق منحة من الله ​​​​​​​، حسن الخلق منحة من الله يمنحها بعض الناس، بعض الناس يُولد وهو حَسَن الخُلُق حليم كريم، وبعض الناس قد يُولد وهو سيئ الأخلاق، لكن يروِّض نفسه على حسن الأخلاق.

لكن، مِن الناس مَن يكون سوء الخُلُق ملازمًا له من رجل أو امرأة، هذا لا شك أنه يُنكد الحياة الزوجية ويُكدِّرها، ويمنع من استقرارها، ففي هذه الحال لا بأس بأن يُطلق الرجل هذه المرأة.

وأحيانًا قد يكون هناك عدم انسجام بين الرجل والمرأة، وربما أنه لو طلقها وتزوجت هي بزوج آخر، وهو تزوج بامرأة أخرى؛ حصل الانسجام لكُلٍّ من الطرفين، كما قال سبحانه: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ [النساء:130].

قال:

ويُسَنُّ إذا تركت الصلاة ونحوها.

يعني: إذا تركت واجبًا من الواجبات الشرعية فيُسَنُّ طلاقها.

وهذا محل نظر؛ ولذلك ذهب بعض أهل العلم إلى أنها إذا تركت واجبًا وأصرَّت على تركه ولم تستجب لنصح الزوج؛ فيجب عليه أن يُطلقها. وهذا هو القول الراجح.

فإذا تركت الصلاة ونصحها الزوج، ولكنها ترفض أن تُصلِّي وتأبى قبول النصيحة؛ فيجب عليه أن يُطلقها في هذه الحال. هذا هو القول الراجح.

قال:

ويُكره من غير حاجة.

يُكره الطلاق من غير حاجة؛ وذلك لأن فيه إزالة لعقد النكاح المشتمل على مصالح كثيرة؛ ويستدل بعضهم بحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: أبغض الحلال إلى الله الطلاق[1]. ولكن هذا الحديث ضعيف من جهة الإسناد، وهو مرسل عن مُحارِب بن دِثَار، ولا يصح عن النبي ، بل قال بعض أهل العلم: إن في مَتْنه نَكارةً، كيف يكون حلالًا ومُبغَّضًا إلى الله؟! فهو إذن منكرٌ سندًا ومتنًا؛ فلذلك لا يجوز الجزم بنسبته للنبي .

لكن، يُستدل للكراهة بما ذكرنا؛ لأن فيه إزالة للنكاح المشتمل على مصالح كثيرة.

قال:

ويَحرُم في الحيض ونحوه.

لأن النبي لما طلق ابن عمرُ رضي الله عنهما زوجتَه، غَضِب عليه الصلاة والسلام، وأرشد ابن عمر رضي الله عنهما لما ينبغي أن يفعله في هذه الحال، فغَضَبُه عليه الصلاة والسلام يدل على تحريم الطلاق حال الحيض. وهذا محل إجماع أنه يحرم. وسنُبيِّن بعد قليل هل يقع أو لا يقع؟

وقوله (ونحوه) يعني: ونحو الطلاق في الحيض، وهو الطلاق في طُهْر قد جامعها فيه؛ ذلك كذلك محرم.

وأما الطلاق في النفاس فمحل خلاف بين أهل العلم؛ منهم من قال -أيضًا-: إنه يحرم الطلاق في النفاس. والقول الثاني: إنه لا يحرم. وهذا هو القول الراجح: إنه لا يحرم الطلاق في النفاس؛ لأنه ليس هناك دليل ظاهر يدل على تحريم الطلاق حال النفاس.

فإذن؛ يحرم الطلاق في الحيض وفي طُهْر قد جامعها فيه.

ويجب على المُولي بعد التربُّص.

يعني هذه الحالة التي يجب فيها الطلاق، المولي. “المولي” يعني من الإيلاء؛ كما قال : لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:226].

معنى الإيلاء؟

أن يحلف الرجل على أن يترك وطء امرأته أكثر من أربعة أشهر. هذا معناه الإيلاء.

فإذا حلف الرجل على ذلك فيُؤمر بأن يطأ، فإن أبى أُجبِر على الطلاق، فيكون الطلاق في حقِّه واجبًا، هذا معنى قول المؤلف: (يجب على المولي بعد التربُّص)؛ يعني: بعد تربُّص أربعة أشهر، وهذا بنص الآية: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [البقرة:226]، فيكون الطلاق في حقِّه واجبًا. فإن أبى أن يُطلق، أمره القاضي أن يُطلق بعد أربعة أشهر، لكنه رفض وقال: أبدًا لن أُطلق. ما الحل؟ القاضي يفسخ -الحاكم يعني: القاضي- العقد.

إذن؛ في هذه الحالة يكون الطلاق واجبًا.

قال:

وقيل: وعلى مَن يعلم بفجور زوجته.

يعني: هذه تُضاف لحالة الوجوب، يعني: يجب عليه أن يطلق امرأته إذا علم بأنها تفجر، أي: تزني. وهذا هو القول الصحيح.

والمؤلف أتى به بصيغة (وقيل)؛ لأنه أراد أن يُشير لهذا القول، وهذا القول ليس منصوصًا عليه في المذهب، فأتى بهذه العبارة.

فإذن؛ الرجل إذا علم بأن امرأته تزني؛ لا يجوز له أن يُبقيها عنده إن لم تَتُب إلى الله . لكن، لو أصرَّت على الزنا فلا يجوز أن يُبقيها عنده؛ كما قال سبحانه: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور:26]، وقال: وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ [النور:3].

لكنها لو زنت ثم تابت وأعلنت التوبة فهل يجوز له أن يُبقيها، أو يجب عليه أن يُطلق؟

مداخلة: …..

الشيخ: نعم، لا يجب إذا تابت وأعلنت التوبة، لا يجب عليه أن يُطلِّقها. لكن، هل الأولى أن يُبقيها أو يُطلقها على سبيل الأولوية؟

هنا ينظر للمصالح والمفاسد، إذا كانت المصلحة تقتضي أن يُطلقها، ليس له منها أولاد، ورأى أن المصلحة في فراقها، وأن يتزوج بغيرها؛ كان هذا هو الأولى. لو كان له منها أولاد، ورأى المصلحة في إبقائه فله أن يبقيها، لكن لا بد من أن تتوب، أما بقاؤها بدون توبة فلا يجوز؛ ولذلك لو أعلنت التوبة ظاهرًا ثم بعد ذلك رجعت مرة أخرى، وجدها تزني مرة أخرى، فهنا يجب عليه أن يُطلقها ولا يجوز له أن يُبقيها، وإلا كان ديُّوثًا.

حكم إبقاء الزوجة إذا حملت من الزنا

لكن، إذا حملت من الزنا، فهل يجوز له أن يُبقيها أو لا؟ إذا حملت من الزنا يجب عليه أن يُلاعن؛ لأنه لو لم يُلاعن لَنُسِب الولد له، ليس هناك طريقٌ لنفي الولد إلا اللعان، فإذا حملت من الزنا يجب عليه أن يُلاعن. والملاعنة تقتضي الفُرقة الأبدية بين الزوجين.

هناك مسألة أيضًا: إذا كان لا يدري، هي زنت لكنه لا يدري، ثم حملت، فلا يدري هل حملت مِن وطئه أو من الزاني؟

هذه مسألة شائكة، هذا رجل زنت امرأته، ثم بعد مدة حملت، فلا يدري هل الحمل منه أو من الزاني، فما الحكم؟ هو يجوز له أن يلاعن، لكن هل يجب؟ الذي يظهر -والله أعلم- في مثل هذا الحال أنه يُستعان بالبصمة الوراثية التي هي الحمض النووي، فإذا رأى أن الولد منه فيجوز له أن يُبقيها إذا تابت، أما إذا رأى أن الولد ليس منه فيجب عليه أن يُلاعن.

هذا أقرب ما يُقال في هذه المسألة؛ لأن التحليل بالحمض النووي أو البصمة الوراثية شبه قطعي، بل كثير من المختصين يقول: إنه قطعي، وإن نسبة الخطأ فيه من طريقة العمل وليس من الحمض نفسه. فهنا ممكن أن يُستعان بالحمض النووي أو البصمة الوراثية؛ لتحديد إذا كان الحمل منه أو ليس منه.

حكم طلاق المرأة المتساهلة في الخلوة بالرجال

إذا كانت المرأة متساهلة مع الرجال لكنها لا تزني، وجدها مثلًا في خلوة، فهل يجب عليه أن يُطلق أو لا يجب؟ في خلوة مع رجل أجنبي مثلًا؟ نقول هنا: لا يجب عليه أن يُطلق، لكن يجوز له أن يُطلق، لكن -أيضًا- يجب أن تُعلن توبتها، ولا يُبقيها معه وهو يرى منها أنها تميل إلى الفجور.

وقد جاء في “سنن أبي داود”: أن رجلًا أتى النبي فقال: يا رسول الله، إن امرأتي لا ترُدُّ يَدَ لامسٍ. فقال له النبي : طلِّقها. قال: إني أحبها. قال: أمسكها[2]. هذا الحديث مِن العلماء مَن حسَّنه، ومنهم مَن صححه كالألباني، ومنهم مَن ضعفه كالإمام أحمد، الإمام أحمد ضعف هذا الحديث، فالأقرب أنه ضعيف.

لكن، على تقدير صحته تكلَّم عنه العلماء؛ تكلم عنه الحافظ ابن حجر وأبو العباس ابن تيمية، قالوا: على تقدير صحة الحديث، فإن هذه المرأة لم تكن تزني، وإلا لو كانت تزني لَمَا قال: أمسِكها، لكنها كانت متساهلة مع الرجال الأجانب، فإن بعض النساء عندها -كما يقال- توسُّع، ولو مثلًا رجل أجنبي وضع يده على يدها لم تمانع، لكنه لو أرادها للزنا لا تقبل. هذا موجود في النساء.

فمثل هذه يقولون: على تقدير صحة الحديث رخَّص له النبي عليه الصلاة والسلام أن يُطلقها ما دام أن هذا العيب موجود فيها، لكن لما ذكر الرجلُ مانعًا أقوى؛ وهو أنه يُحبها ومتعلِّق بها، قال : أمسكها؛ لأنه لا يجب عليه أن يُطلقها في هذه الحال.

لكن، بكُلِّ حالٍ، لا يجوز للرجل أن يُقِرَّها على المنكر، يجب عليه أن يُنكر عليها ذلك المنكر، وتتوب إلى الله تعالى من هذا الأمر، ولو كان مجرد تساهل مع الرجال الأجانب؛ لأن ذلك التساهل قد يُؤدِّي إلى وقوع في الزنا.

مداخلة: …..

الشيخ: إذا لم تتب، وكانت تذهب مع الرجال الأجانب، وغلب على ظنِّه أنها تذهب مع الرجال الأجانب وتخلو بهم، فلا شك أن إبقاءه لها مع عدم توبتها دِيَاثة، لا يجوز له ذلك.

الكلام إذا تابت وأعلنت توبتها، أما كونه يُقِرَّها على الخبث وعلى الفجور وهو يعلم ذلك وأنها مستمرة عليه، هذا لا يجوز هذا، لا يجوز، وإلا فالله تعالى يقول: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ [النور:26]، يُصبح خبيثًا مثلها والعياذ بالله!

لكن، كلامنا إذا تابت، أما إذا لم تتب فقولًا واحدًا لو أصرت، قالت: لا، أنا أريد أن أستمر على هذا، وما لَكَ دَخْلٌ، أو نحو ذلك؛ فهنا يجب عليه أن يُفارقها.

مداخلة: …..

الشيخ: هذا إذا غلب على ظنِّه أنها تقع في حرام، لكن مجرد أنها تعمل في مكان مختلط قد لا تقع في الحرام، قد لا تقع، مثلًا بعض النساء تدفعها الحاجة للعمل في ذلك المكان، لكنها محتشمة عفيفة، هذه لا يتعلَّق بها هذا الحكم.

مداخلة: …..

الشيخ: إذا لم تصل إلى درجة الفجور، فيجوز له أن يُبقيها مع الاستمرار في النصيحة، مع الاستمرار في مناصحتها.

مداخلة: أليست دياثة؟

الشيخ: لكن يستمر في مناصحتها، وهذا يختلف باختلاف الفعل الذي تفعله أيضًا.

مثلًا؛ الخلوة والمباشَرة غير -مثلًا- التساهل؛ كما ورد في هذا: لا ترُدُّ يَدَ لامس؛ يعني: أنها لا تنفر من الرجل الأجنبي لو تحرش بها؛ هذا المعنى.

طلاق الصبي

نعود لعبارة المؤلف رحمه الله، قال:

ويقع طلاق المميِّز.

الصبي المميِّز، اختلف الفقهاء: هل يقع طلاقه أو لا يقع؟ على قولين:

فمِن أهل العلم مَن قال: إنه لا يقع؛ لقول النبي : رُفع القلم عن ثلاثة[3].

والقول الثاني: إنه يقع؛ لأنه مميِّز يعقل معنى النكاح ويعقل معنى الطلاق. وهذا هو القول الراجح، وهو القول الذي مشى عليه المؤلف.

ولهذا؛ قيَّد المؤلف، قال:

إن عَقَل الطلاق.

طلاق السكران

وطلاق السكران بمائع.

ما معنى السكران بمائع؟ ماذا يُريد المؤلف بهذه العبارة (طلاق السكران بمائع)؟

“مائع” يعني: مشروب كالخمر والنبيذ ونحوه، ويُفهم منه أنه إذا كان السُّكر بغير مائع لا يقع الطلاق، كما لو كان بالحشيشة مثلًا، وفي وقتنا الحاضر بالمخدِّرات عمومًا. وهذا هو المذهب عند الحنابلة: أن طلاق السكران بمائع يقع.

والقول الثاني في المسألة: إنه لا فرق في الأحكام الشرعية بين السكران بمائع أو بغيره. وهذا هو القول الصحيح، لا فرق في الأحكام الشرعية بين السكران بمائع أو بغيره، وهذا هو القول الراجح.

فإذن؛ هذا التقييد الذي قيَّده المؤلف على القول الراجح أنه لا وجه له. طلاق السكران هل يقع أو لا يقع؟ المؤلف يقول: إنه يقع، وهذا هو قول الجمهور، أن طلاق السكران يقع.

وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، اختلفوا في تصرفات السكران عمومًا، يعني: نُعمِّم المسألة حتى تكون أكثر فائدة، تصرفات السكران هل يُؤاخذ بها أو لا يُؤاخذ بها ومن ذلك الطلاق؟

  • فالقول الأول قول الجمهور: إنه يؤاخذ بأقواله وأفعاله.
  • والقول الثاني: إنه يؤاخذ بأفعاله دون أقواله، وعلى القول الثاني فلا يقع طلاق السكران.

أما من قال: إنه يُؤاخذ بأقواله وأفعاله، فقالوا: لأنه مكلَّف؛ ولهذا يُؤاخذ بجناياته. ثم أيضًا إننا نُؤاخذه بأقواله وأفعاله عقوبة له. ثم إن الصحابة   أقاموا السكران مقام الصاحي، فقالوا: إذا شرب سكر، وإذا سكر هَذَى، وإذا هذى افترى، وحَدُّ المفتري ثمانون.

والقول الثاني في المسألة: إن السكران إنما يُؤاخذ بأفعاله دون أقواله، وهذا مَرْوي عن عددٍ من الصحابة ، بل قال ابن المنذر: إنه هو المعروف عن الصحابة ، لا يُعرف عنهم غيره.

وقد صحَّ عن عثمان ، ورُوي كذلك عن عطاء والقاسم بن محمد وعمر بن عبدالعزيز ويحيى بن سعيد، وعدد من التابعين، وهو رواية عن الإمام أحمد، وأحد قولي الشافعي في المسألة.

واستدلوا أولًا بقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء:43]، فجعل الله تعالى قول السكران غير مُعتبَر؛ لأنه لا يعلم ما يقول.

وأيضًا جاء في إحدى روايات قصة ماعز : أن النبي أمر بأن يُستَنْكَه؛ يعني: يُشَمُّ، هل هو سكران أم لا؛ ليعتبر قوله الذي أقرَّ به أو لا يعتبر[4].

وجاء في “صحيح البخاري” في قصة حمزة بن عبدالمطلب ، لمَّا أتى حمزة وهو سكران قبل أن يُحرَّم الخمر، وعَقَر بعيرين لعليٍّ، فجاء النبي فوقف عليه يَلُومه، فصعَّد النظر وصوَّبه وهو سكران، ثم قال -يعني: حمزة- للنبي : هل أنتم إلا عبيدٌ لأبي؟ فنكص النبي على عقبيه، ولم يُؤاخذه. هذا الحديث متفق عليه[5].

يقول ابن القيم تعليقًا على هذه القصة: “هذا القول لو قاله غير سكران لكان رِدَّة وكفرًا، لكن النبي لم يُؤاخذ حمزة؛ لأنه كان سكرانًا”؛ كيف يقول للنبي عليه الصلاة والسلام: هل أنتم إلا عبيد لأبي؟! هذا كلام عظيم، لكن النبي عليه الصلاة والسلام لم يُؤاخذه لأنه كان سكرانًا، كان هذا قبل تحريم الخمر.

فدل ذلك على أن قول السكران أنه غير معتبر، وهذا هو القول الراجح، وهو المأثور عن الصحابة ، وهذا هو القول الذي رجع إليه الإمام أحمد وصرح برجوعه، فقال الإمام أحمد: كنت أقول: إن طلاق السكران يقع، حتى تبيَّنت؛ فأقول: إنه لا يقع. قال هذا في رواية الميموني.

وقال الإمام أحمد أيضًا في رواية أبي طالب: “والذي لا يأمر بالطلاق -يعني: لا يُوقع طلاق السكران- إنما أتى بخصلة واحدة، والذي يأمر بالطلاق -يعني: يوقع الطلاق- أتى بخصلتين: حرمها عليه، وأحلها لغيره”.

فيكون إذن الصحيح عن الإمام أحمد: هو عدم وقوع طلاق السكران، وهو القول الذي رجع إليه. وهذا إذن القول الراجح: أن طلاق السكران لا يقع، وأن السكران لا يُؤاخذ بأقواله، وإنما يُؤاخذ بأفعاله فقط.

وأما قولهم: “إنه مُكلَّف” فهذا لا يُسلَّم؛ لأن من شروط التكليف العقل، وهذا لا يعقل.

وأما إلزامه بجناياته فنوافقهم على هذا، نقول: السكران إذا قتل فإنه يُقتل، فإنه يُؤاخذ بأفعاله دون أقواله؛ وذلك لأن إلغاء أقواله لا يتضمن مفسدة، بخلاف إلغاء أفعاله؛ لأن القول المجرد من غير العاقل لا مفسدة فيه، حتى لو قذف، حتى لو سبَّ.

السكرانُ، الناسُ لا تُؤاخذه بأقواله، ومن سُبَّ لا يلحقه السُّبَّة والتَّعْيير؛ لأن هذا سكران يَهْذِي بما لا يعرف. بخلاف أفعاله؛ فإنها ضرر محض وفساد؛ فيؤاخذ بها. فرقٌ إذن بين الأقوال وبين الأفعال.

وأما قول الجمهور: إن السَّكران يُوقَع طلاقه عقوبةً له، يقول ابن القيم جوابًا عن هذا: “هذا في غاية الضعف، فإن الحَدَّ يكفيه عقوبة، وقد حصل رضا الله سبحانه من هذه العقوبة بالحَدِّ، ولا عهد لنا في الشريعة بالعقوبة بالطلاق والتفريق بين الزوجين”.

فنُعاقبه إذن بأن نجلده ثمانين أو أربعين جَلْدةً على الخلاف، لكن لا نُعاقبه بإيقاع الطلاق عليه، القول بعقوبته بإيقاع الطلاق عليه يحتاج إلى دليل. ثم أيضًا الضرر يتعدَّى إلى غيره إذا عاقبناه بهذه العقوبة، فيتضرر بذلك أسرته وزوجته وأولاده وأطفاله.

وأما قولهم: إن الصحابة جعلوه كالصاحي، فقالوا: إذا شرب سكر، وإذا سكر هَذَى، وإذا هذى افترى. فهذا لا يصح، لا يصح عن صحابي واحد، هذا كلام مرسل لا يصح عن أحد من الصحابة .

قال ابن حزم -أبو محمد ابن حزم-: “هذا خبر مكذوب، قد نزَّه الله عليًّا وعبدالرحمن بن عوف منه، وفيه من المناقضة ما يدل على بطلانه، فإن فيه إيجابَ الحَدِّ على مَن هَذَى، والهاذي لا حَدَّ عليه”.

وتكلم عن هذه المسألة ابن القيم رحمه الله في “زاد المعاد” كلامًا طويلًا، خلص إلى أن طلاق السكران لا يقع. وهذا أيضًا اختيار ابن تيمية رحمه الله، واختيار شيخنا عبدالعزيز ابن باز، والشيخ محمد ابن عثيمين، رحمة الله تعالى على الجميع.

وهذا هو الذي عليه الفتوى، الذي عليه الفتوى عند العلماء، عند كبار العلماء في المملكة: هو عدم وقوع طلاق السكران.

إذن؛ الحاصل في تصرفات السكران أن القول الراجح: أنه يُؤاخذ بأفعاله دون أقواله، لو قَتل يُقتل، لكن لو أتلف يُغرَّم. لكن أقواله لا يُؤاخذ بها؛ إذا طلق لا يقع طلاقه، إذا قذف أحدًا لا يُؤاخذ بهذا القذف.

فإذن؛ القول الراجح الذي تدل له القواعد والأصول الشرعية، وهو الذي عليه الكثير من المحققين من أهل العلم: أن السكران يُؤاخذ بأفعاله دون أقواله.

طلاق الغضبان

هنا مسألة قريبة: وهي مسألة طلاق الغضبان، لم يذكرها المؤلف لكنها مسألة مهمة، ونحن من منهجنا في الشرح أن نستدرك المسائل التي لم يذكرها المؤلف وهي مسائل مهمة.

طلاق الغضبان، صنَّف فيه ابن القيم كتابًا، مَن يعرف اسم هذا الكتاب؟ “إغاثة اللهفان في طلاق الغضبان”، يُسمونه “إغاثة اللهفان الصغير”؛ لأن له كتابين: “إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان” كتاب كبير، و”إغاثة اللهفان في طلاق الغضبان” كتاب صغير.

وصنَّف هذا الكتاب لبحث هذه المسألة، خلاصة الكلام في طلاق الغضبان: أن الغضب ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

  • القسم الأول: الغضب الشديد الذي يفقد الإنسان معه عقله، فلا يدري هل هو في أرض أو في سماء، أو في برٍّ أو بحر؛ هذا لا يقع طلاقه بالإجماع.
    وهذا قد يحصل من بعض الناس، وإن كان قليلًا ليس كثيرًا. أنا أذكر: أتى إليَّ في هذا المسجد رجلٌ، وقال: إنه خاصمَتْه زوجته فغضب غضبًا شديدًا إلى درجة أنه أُغمي عليه، لا يدري ماذا كان يقول. يقول: وإنه لما عاد إليه عقله أخبرته زوجته أنه طلَّق، فهذا يحصل من بعض الناس وإن كان قليلًا.
  • القسم الثاني: الغضب اليسير. الغضب اليسير هذا يقع معه الطلاق بالإجماع، ومَن يطلق يعني لا يكون مبتسمًا، لا بد أن يصحب الطلاق غضب، غضب يسير، فمثل هذا معظمُ طلاقِ مَن يُطلِّق، يكون مع هذا الطلاق غضب يسير؛ هذا يقع معه الطلاق بالإجماع.
    إذن؛ هاتان الصورتان خارج محل النزاع.
  • الصورة الثالثة: وهي الأغلب والأكثر والتي فيها النزاع: الحالة الوسطى، يكون الغضب شديدًا، لكن لا يصل إلى درجة أن يفقد الإنسان عقله.

ضابط هذه الصورة: أن الإنسان، هذا المُطلِّق، لم يخطر قبل غضبه، لم يخطر الطلاق بباله أصلًا، ولم يُرِد أن يُطلِّق زوجته، لكنه وجد نفسه مدفوعًا بسبب الغضب إلى التلفُّظ بكلمة الطلاق، وهو يعلم ما يقول، ويدري ما يقول، لكن وجد نفسه مرغمًا على أن يتلفَّظ بكلمة الطلاق، بسبب شدة الغضب.

فهذه الصورة قد اختلف فيها الفقهاء: هل يقع طلاق الغضبان في الحالة الوسطى أو لا يقع؟ على قولين مشهورين:

  • المذهب عند الحنابلة: أنه يقع طلاق الغضبان، وقالوا: إن هذا إنسان يعلم ما يقول، فيقع طلاقه وتشمله عموم الأدلة.
  • والقول الثاني في المسألة: إن طلاقه لا يقع، وهذا هو القول الراجح: وهو اختيار أبي العباس ابن تيمية وابن القيم، ومشايخنا على هذا القول. وهو الذي عليه الفتوى، وهذا اختيار شيخنا عبدالعزيز ابن باز، والشيخ محمد ابن عثيمين، رحمة الله تعالى على الجميع: أنه لا يقع؛ لقول النبي : لا طلاق ولا عتاق في إغلاق وهو حديث حسن صحيح. لا طلاق ولا عَتَاقَ في إغلاق[6].

والإغلاق كما قال ابن تيمية رحمه الله: إن كُلَّ ما كان يُشوِّش الفكر ولا يتمحَّض معه قصد النية، ومن ذلك الغضب، فإنَّ الغضبان غضبًا شديدًا لا يتمحَّض قصده ونيَّته، ويكون مُشوَّش الفكر ومُغلَقًا عليه.

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه “إغاثة اللهفان في طلاق الغضبان”، ذكر أن الغضبَ قد يَقتُل، وقد يُمرِض الإنسان، وذكر قصةً وقعت، يقول: إنه ورد عن أحد العرب أنه سُبَّ، فأراد أن يَرُدَّ بكلمةٍ على مَن سَبَّه، فأتى أحدُ الحاضرين ووضع يده على فِيهِ، فأراد أن يتكلم ما استطاع، وضع يده على فِيهِ، فقال: قتلتني. ومات.

فقال: إن الغضب الشديد قد يقتل، وقد يُمرض الإنسان، الغضب الشديد يبقى أيامًا وهو مريض بسبب هذا الغضب.

وبكلِّ حال، حتى لو لم يقتل ولم يُمرِض، يُؤثِّر حتى على الإنسان، يعني: إذا الإنسان كان غضب غضبًا شديدًا في أول النهار، أو دخل في نقاش حادٍّ في أول النهار، نجد أن هذا يُؤثِّر على نشاطه بقية يومه، يكون متعبًا مرهقًا.

ولهذا؛ النبي لمَّا قال رجل: أوصني. قال: لا تغضب. قال: أوصني. قال: لا تغضب. فردَّد مرارًا، قال: لا تغضب[7].

فالقول الصحيح إذن: أن طلاق الغضبان غضبًا هو من الحالة الوسطى لا يقع، هذا هو القول الصحيح، وهو الذي عليه الفتوى.

طلاق النائم ومن زال عقله

نعود لعبارة المؤلف، قال:

ولا يقع مِمَّن نام أو زال عقله بجنونٍ أو إغماء.

لقول النبي : رُفِع القلم عن ثلاثة، وذكر منهم: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق[8].

والمغمى عليه يُقاس على النائم وعلى المجنون.

طلاق المكره

قال:

ولا ممن أكرهه قادرٌ ظلمًا؛ بعقوبةٍ أو تهديدٍ له أو لولده.

يعني: لا يقع الطلاق، طلاق المُكرَه لا يقع.

لكن، لا بد أن يكون المُكرِه قادرًا بأن يكون له سلطان أو نحو ذلك: إما بعقوبة؛ بأن يُعاقبه بالسجن أو بالضرب لو لم يُطلق. أو بتهديدٍ ويغلب على الظن أنه سينفِّذ ما هدَّد به. أو حتى بتهديد ولده، فإذا غلب على ظنِّه وقوع الضرر أو حصول التهديد، فإن هذا الطلاق لا يقع.

بل حتى قال ابن تيمية رحمه الله: حتى لو لم يغلب على ظنِّه، لو استوى الطرفان، لكن الأقرب: هو أنه لا بد أن يغلب على ظنِّه وقوع الضرر أو حصول التهديد.

أَذْكُر مرةً اتَّصَل بي رجل، قال: إنه حصل بينه وبين زوجته مخاصمة شديدة، وإن زوجته أتت بالسكين، وقالت: إنها سوف تنتحر وتذبح نفسها إن لم يُطلِّق. فطلَّق، هل نقول: إن هذا مُكرَه؟ نعم، الأقرب أنه مكره؛ لأنه قال: أنا أصلًا ما خطر ببالي الطلاق، أنا أريد أن أنقذها، الآن هي الآن تريد أن تذبح نفسها.

فيُعتبر هذا مُكرَهًا. يعني: لا تنحصر الصور في الصور التي ذكرها الفقهاء، كلما كان الزوج يحس أنه مُكرَه في هذا الطلاق، فتندرج تحت مسألة الإكراه.

مداخلة: …..

الشيخ: لا بد من غلبة الظن، لا بد منها، لو كان إنسانٌ يُهدِّد لكن ما عنده سلطان ولا عنده قدرة، ولا يستطيع أن يُنفِّذ ما هدَّد به، لا يقال: إن هذا مُكرِه، فلا بد أن يغلب على ظنِّه أنه سيُنفِّذ ما هدَّد به.

طلاق المريض مرضًا نفسيًّا

مداخلة: …..

الشيخ: أحسنت. المريض النفسي -الحقيقة- فيه إشكالات كثيرة، المريض النفسي هل يقع طلاقه أم لا؟

هذا يظهر أنه يختلف باختلاف حالة المريض النفسي، هناك بحوث كُتبت في أحكام طلاق المريض النفسي، فيظهر أنه لا نستطيع أن نُعطي حكمًا عامًّا للمريض النفسي، المريض النفسي له صور: بعضها قد يكون كالمجنون، وبعضها قد يكون مرضًا نفسيًّا يسيرًا، وبعضها قد يكون أشبه بالوسواس.

طلاق الموسوس

لكن بالمناسبة أيضًا، طلاق الموسوس لا يقع، طلاق الموسوس لا يقع، وما أكثر أن يكون الوسواس في الطلاق.

وأنا أذكر أنني اتصل بي عدد كثير ممن عندهم وسواس في الطلاق، لدرجة أن أحدهم يقول: إني من شدة الوسواس -قال- أردت أن أُريح نفسي. فطلَّق حتى يُريح نفسه من هذا المرض، فلما تزوج الثانية عاد له الوسواس مرة أخرى، فكان يُريد أيضًا أن يُطلِّقها، فقلت: إذن لن تستقر معك امرأة ما دمت بهذا الوسواس.

فالموسوس طلاقه لا يقع، لا يقع طلاق الموسوس؛ لأنه أيضًا يعيش في إغلاق، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: لا طلاق ولا عتاق في إغلاق[9].

طيب، نود أن نقف على سنة الطلاق وبدعته، الفصل الثاني الكلام فيه يسير.

التوكيل في الطلاق

قال:

فصل
ومن صحَّ طلاقه؛ صح أن يُوكِّل غيره فيه.

(ومن صح طلاقه) هو العاقل المختار ولو مميِّزًا (صح أن يوكل غيره فيه).

وهذا قد تقدم معنا في (باب الوكالة)، وأن الطلاق من الأمور التي تقبل الوكالة، فكذلك النكاح.

وأن يتوكَّل عن غيره.

لأن الطلاق إزالة ملك، فصح التوكُّل والتوكيل فيه، كالعتق. فالطلاق إذن يصح التوكُّل والتوكيل فيه.

وللوكيل أن يُطلِّق متى شاء.

لأن الأمر المُطْلَق يتناول أقلَّ ما يقع عليه الاسم، هذه من القواعد الأصولية: أن الأمر المُطْلَق يتناول أقلَّ ما يقع عليه الاسم، وما زاد فمشكوك فيه، والأصل عدم الإذن فيه، فلا يقع أكثر من واحدة.

يعني: يُطلق طلقة واحدة متى ما شاء.

ما لم يحُدَّ له حدًّا.

أن يُعيِّن له وقتًا للطلاق فلا يتعدَّاه، فإذا لم يحُدَّ له حدًّا، فيُطلِّق متى ما شاء، ويُطلِّق تطليقة واحدة، ما لم يجعل له أكثر من ذلك.

إذن؛ الوكيل نقول: هو على وكالته؛ إذا حدَّد له وقتًا يلتزم به، حدَّد له عددًا يلتزم به، إذا لم يُحدِّد له وقتًا يُطلِّق متى ما شاء، إذا لم يُحدِّد له عددًا فيُطلِّق طلقة واحدة ولا يزيد.

توكيل الزوجة في طلاق نفسها

قال:

وإن قال لها.

يعني: زوجته.

طلِّقِي نفسكِ؛ كان لها ذلك متى شاءت.

لأنها هي كالوكيل في هذا.

وتملك الثلاثَ إن قال: طلاقُك أو أَمْرُكِ بِيَدِكِ، أو وكَّلتُكِ في طلاقكِ.

وذلك لأن قوله: “أمرك بيدك” مُفرَدٌ مضافٌ، فيعُمُّ جميعَ أمرِها، ويتناول الثلاث تطليقات.

وهكذا لو قال: “طلاقُكِ”، يشمل التطليقات الثلاث؛ لأنها مفردٌ مضاف.

وكذلك لو قال: “وكَّلتكِ في طلاقكِ”، يشمل التطليقات الثلاث.

وقد أفتى به الإمامُ أحمد مرارًا، ولكن هذا مُقيَّد بما إذا لم يكن هناك قرينة تدل على القصر على تطليقة واحدة أو اثنتين، فإذا لم يكن هناك قرينة تدل على هذا أو نية، فنقول: إنها تملك ثلاث تطليقات.

قال:

ويبطل التوكيل بالرجوع.

يعني: برجوع الزوج عنه؛ وذلك لأن الوكالة عقد جائز وليست عقدًا لازمًا، هي عقد جائز، والعقد الجائزُ لكُلٍّ من الطرفين فَسْخُه متى ما شاء، فإذا أبطل الزوج التوكيل بطلت الوكالة.

قال:

وبالوطء.

كذلك لو وكَّل المرأة في تطليق نفسها ثم وطئها، فوطؤه لها يدل على رجوعه عن هذه الوكالة. وحينئذٍ نقول: إنه يبطل التوكيل في هذه الحال.

بقي الكلام عن سنة الطلاق وبدعته، ومسائل مهمة: طلاق الحائض، وطلاق الثلاث بكلمة واحدة، وطلاق الثلاث بعدة كلمات.

هذه مسائل مهمة جدًّا، وكان وُدُّنا أن نأخذ هذا الدرس، لكن الوقت ضاق معنا، فلعلنا إن شاء الله نفتتح بها درسنا القادم.

ونكتفي بهذا القدر، ونجيب عما تيسر من الأسئلة.

الأسئلة

السؤال: …..

الشيخ: لا تقع، إذا رجع الزوج عن الوكالة فإن طلاق الوكيل لا يُعتبر، سواء رجوعه قولًا، أو رجوعه بالوطء.

السؤال: …..

الشيخ: الموسوس لا يقع له طلاق؛ لأنه مغلقٌ عليه: لا طلاق ولا عتاق في إغلاق[10].

السؤال: أحسن الله إليكم وبارك فيكم. هذا الأخ يسأل عما نُسب إليكم فضيلة الشيخ من جواز الاحتفال بعيد الميلاد؟

الشيخ: نعم، هذا قول غير صحيح، أنا ذكرت الفتوى في موقعي: أنه لا يجوز الاحتفال بعيد الميلاد، لكن بعض الناس سبحان الله! يتتبَّع المتشابه.

كان هناك سؤال في قناة دليل… القول في المسألة، قلت: إن هذا تعظيمٌ لزمنٍ، ولا يجوز.

لكنَّ المُقدِّمَ قال: لو كان هناك احتفالٌ في غير هذا اليوم؟ فقلتُ: إذا وضع الإنسانُ وليمةً في أيِّ وقتٍ لم يتقيَّد بهذا اليوم، وليمة في مُحرَّم، في صفر، في أيِّ وقتٍ غير هذا اليوم، الأصل في هذا الجواز.

فأحدُ الناس أتى وأخذ هذه الكلمة، وقال: إن فلانًا يُجيز الاحتفال بعيد الميلاد. ونشرها.

لا يجوز مثل هذا الكلام، ولا نُبيحه على مثل هذا، يأتي إنسان ويترك هذا الكلام الصريح الواضح، ثم يأتي بجزئية في سياق حوار أيضًا، ويقول: إن فلانًا يُجيز! هذا من الافتراء ومن التعدِّي، ولا يجوز مثل هذا العمل.

فعلى كلِّ حالٍ، عندي فتوى صريحة في الموقع، وحتى ذكرت في الفتوى أنني ممن يُشدِّد في هذه المسألة؛ لأن الاحتفال بعيد الميلاد هو تعظيم لزمن، لا يجوز تعظيم الزمن إلا ما ورد به الدليل من الكتاب والسنة، وليس لنا إلا عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع الذي هو يوم الجمعة.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: ما هو الرد الصحيح على الفلكيين الذين يقولون: إن حساباتهم مبنية على حسابات قطعية وليست ظنية؟ والدليل على ذلك حساباتهم دقيقة في الكسوف والخسوف من ناحيةِ دخوله وخروجه بالثواني، فلماذا تُرَدُّ حساباتهم في رؤية الهلال؟

الشيخ: أولًا: من الناحية الشرعية يا إخوان، يعني: الهلال من الاستهلال، إذا أُعلن كان هلالًا شرعًا، بغضِّ النظر هل الرؤية صحيحة أو غير صحيحة.

هذه مسألة ينبغي أن تُبيَّن للناس، وأن تُبرَز للعامة، وبذلك يزول الحرج، ولا داعي للقلق والتوتر وتضخيم المسألة.

إذا أُعلن الهلال كان هلالًا شرعًا، وإن كان خطأً في نفس الأمر بالإجماع، وإذا لم يُعلَن لم يكن هلالًا شرعًا وإن كان قد استهلَّ في حقيقة الأمر، حتى قال ابن تيمية رحمه الله: “إن العلماء أجمعوا على أن الناس لو وقفوا بعرفة خطأً أجزأهم ذلك”.

وبذلك، المسألة -لله الحمد- في ديننا مبنية على اليسر والسهولة، ليس على الحرج وعلى المشقة.

لكن، مع هذا، حصل بعض الخلط والكلام غير المناسب في هذه المسألة، ومن الناحية الشرعية الأمر فيها واضح تمامًا.

لكن من الناحية الفلكية ينبغي للإنسان ألا يُنازع أهل التخصص في تخصصهم إلا وعنده علم؛ لأن بعض الناس يأتي ويُنازعهم في تخصصهم بغير علم، عن جهل. وهذا خطأ، والله تعالى يقول: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36].

وأما بالنسبة للحسابات؛ حسابات الشروق وغروب الشمس هذه قطعية، أنا عندي أنها قطعية، وليست ظنية، والله تعالى يقول: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ [الرحمن:5]، لكن الشارع لم يُنِط الأمر بالحساب، وإنما أناطه بالرؤية، قال : صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته[11].

ولذلك مثلًا لو قال الفلكيون: إنه سوف يُرى الهلال بعد غروب الشمس هذا اليوم، لكن أتى السحاب فلم يَرَ الناسُ الهلال، فإنهم يُكملون العدة ثلاثين، ولا يعملون بالحساب، فالحساب لا نقول فيه خطأٌ، هو ليس فيه خطأ، لكن الشارع أناط الحكم بالرؤية، وليس بالحساب.

لكن، يبقى الحساب الفلكي مُعِينًا لضبط الرؤية؛ لأننا أيضًا في زمنٍ رَقَّت فيه الدِّيانة لدى كثير من الناس، فأصبح يتسارع بالشهادةِ الناسُ؛ قد يكون ذلك لأسباب، قد يكون للتوهُّم، قد يكون كذبًا، قد يكون مرضًا نفسيًّا أحيانًا عند بعض الناس، قد يكون لأسباب.

ولذلك؛ لا بد من ضبط الشهادة؛ لأنه يترتب عليها أمور.

وأما حديث الأعرابي: أنه أتى النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: إني رأيت الهلال. قال: يا بلال، قُمْ فأذِّن في الناس[12]. فهذا حديث ضعيف، لا يصح من جهة الإسناد، فلا يحتج به.

وأما قول ابن عمر رضي الله عنهما: تراءى الناس الهلال فرأيتُه. فنقول: ابن عمر رضي الله عنهما معروف بالضبط والإتقان والورع، فمثل ابن عمر رضي الله عنهما، أو حتى ربع ابن عمر يُكتفى به في مثل هذا.

أما هذا الزمن، رقَّت فيه الدِّيانة -كما ذكرت-، فكيف نترك الأمر عندما يأتينا إنسان لا نتحقَّق من شهادته؟ لا بد من التحقُّق، ولا بد من الضبط؛ لأن هذا يترتب عليه أمور.

في السابق، لمَّا كان يُؤخذ أحيانًا بشهادة أيِّ شاهدٍ يأتي، مجرد أن يأتي فلان وفلان يُعدِّلونه؛ يؤخذ بشهادتهم، كنا أحيانًا نبقى ليلتين لا نرى الهلال، يعني: غدًا ما نراه، وبعد غدٍ ما نراه، هذا يُقطَع معه بعدم صحة تلك الرؤية، ما يمكن هذا أصلًا.

ولذلك؛ كان أحيانًا الفَرْق بين الدول الإسلامية في السابق يصل إلى ثلاثة أيام، ناس يصومون السبت، وناس يصومون الاثنين، بل في بعض السنوات وصل إلى أربعة أيام، وهذا بسبب عدم الضبط للرؤية.

فما دام أن هذا الأمر موجود ولله الحمد ومتيسِّر، وهو مسألة الحساب، فيمكن أن يُستعان بها لضبط الرؤية.

وفي كثير من الأحيان، عندما يُتحقَّق من الشاهد، وأنا وجدت هذا بنفسي، نجد أن الشاهد مُتوهِّم، قد رأيت هذا بنفسي، أن بعض الشهود ممن كانت تُقبل شهادتهم، عندما سألته وحاورته، تبيَّن أنه متوهِّم في الشهادة في ذلك العام، وكان قد أُخذ بشهادته، كان قبل غروب الشمس بنصف ساعة، كان ذلك في الحج وليس في رمضان، فسألت عن الشاهد، فأعطاني أحد الإخوة رقمه، فاتصلت به فإذا به مُتوهِّم وليس حتى متأكِّدًا.

فالوهم يَرِد على شهادة الشهود؛ ولهذا فمثل هذه الأمور -يعني: الحسابات- يُستعان بها في ضبط الرؤية.

وأما من جهة ما يُقال لعامة الناس، يُقال لهم: صومكم صحيح، ليس فيه أدنى شك، وفطركم صحيح، ليس فيه أدنى شك، من الناحية الشرعية ينبغي طمأنة الناس على هذا.

لكن من جهة ضبط الرؤية؛ لا شك أنه يُستعان بما مَنَّ الله تعالى أيضًا به على الناس من الوسائل الحديثة، مثل: التلسكوب، التلسكوب إذا وضعتَ فيه مثلًا القمر، إذا وضعت فيه مثلًا كلمة (The Moon)، هو نفسه يتجه للقمر مباشرة، ثم يُتابع القمر إلى أن يغرب.

يعني هناك تقنية مستواها عالٍ جدًّا، فما لاحظته في الفترة الماضية من الاحتقان ومن تضخيم المسألة، يعني: حصل فيه أخطاء من بعض الناس، فأدَّت إلى مثل هذا.

ونحن الآن أيضًا في عصر الإعلام، الإعلام أحيانًا هو الذي يُضخِّم بعض الأشياء اليسيرة، يُضخِّمها ويُعطيها أكبر من حجمها.

مداخلة: …..

الشيخ: لا، هو التشكيك في صوم الناس وفطرهم هذا خطأ، لا شك أن هذا المنهج غلط، لا يُقال سواء من الشرعيين أو من الفلكين أو من غيرهم، من الناحية الشرعية لا إشكال في فطر الناس ولا في صومهم مطلقًا.

لكن، تبقى النواحي العلمية بين أصحاب التخصص، مثلًا: هذا أمره متاح لأجل ضبط الرؤية.

أما مسألة التشكيك فهذا منهج غير سديد.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: ما ضابط الغضب في الطلاق؟

الشيخ: ضابط الغضب في الطلاق في الحالة الوسطى -كما ذكرنا- أولًا: ألا يكون قد خطر بباله أنه سيُطلِّق قبل الغضب.

ثانيًا: أنه يجد نفسه مدفوعًا لهذا الطلاق، مدفوعًا دفعًا كأنه مُرغَم على أن يتلفَّظ بهذه الكلمة، وعقله معه، لم يَغِبْ عقله عنه. هذا هو الضابط لهذه الحالة، فيكون مغلقًا عليه.

السؤال: …..

الشيخ: هذه تكلمنا عنها في صفة الصلاة: “اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد”.

وذكرنا فيها أقوال العلماء، ومِن أبرزها: التوسل لله ، كما أنك صليت على إبراهيم  يا ربنا، فنتوسل إليك بأن تُصلِّي على عبدك ورسولك محمد .

السؤال الأخير: أحسن الله إليكم. يقول: هل الأفضل لطالب العلم أن يحفظ القرآن الكريم، أو يأخذ من باقي العلوم الشرعية؟ أو الجمع بينهم؟

الشيخ: الأفضل هو الجمع بينهم، وأصل العلوم هو القرآن، يعني: لا يليق بطالب علم أن يأتي ويحفظ المتون وهو لم يحفظ القرآن، يبدأ أولًا بحفظ القرآن، والأحسن أن يجمع؛ لأن العمر قصير أيضًا، إذا أراد أن يُخصص وقتًا لحفظ القرآن، ثم يبدأ لاحقًا بحفظ المتون، العمر قصير، والوقت يذهب، فالأحسن أنه يُرتِّب وقته ويجمع بينهم.

لكن يا إخوان، مَن أراد أن يحفظ القرآن لا يحفظ على نفسه، القرآن يُؤخذ بالتَّلقِّي، لا بد أن يحفظ من إنسان مُتقنٍ، ولله الحمد حلقات تحفيظ القرآن الكريم توجد في كل مسجد، فيُرتِّب لنفسه وقتًا للحفظ، ووقتًا للمراجعة.

وكذلك أيضًا بالنسبة لحفظ المتون وطلب العلم، طلب العلم ذَكَر الشاطبي رحمه الله في “الموافقات” أن لطلب العلم طريقين:

  • الطريقة الأولى: أخذُهُ عن أهله. يعني: حضور مثل الدروس مثلًا، قال: هذه أفضل الطريقين. وهذا المأثور عن كثير من السلف؛ لأن من يُلقي الدرس يُعطيك خلاصة ما عنده، خلاصة بحثه وخلاصة دراسته، وخلاصة قراءته، فيختصر لك الكثير من الوقت.
  • والطريقة الثانية: الاجتهاد الشخصي بالقراءة والاطلاع والبحث.

والواقع أنه لا بد من الطريقين جميعًا، يعني: حضور الدروس وأخذ العلم عن أهله، وكذلك أيضًا يكون للإنسان اطلاعٌ وقراءة وجِدٌّ واجتهاد.

والمهم أيها الإخوة هو أن يسعى طالب العلم إلى تحصيل المَلَكة، تحصيل المَلَكة هذا أهم شيء، الحفظ وحده لا يكفي.

ولذلك؛ المثال الذي أُكرِّره؛ أقول: لو قيل لك: إن فلانًا من الناس يحفظ ألف كتاب في الطب، لكنه ليس بطبيب، واحتجت للعلاج، هل تذهب تُعالَج عنده؟ ما تثق فيه، ما تذهب تُعالَج عنده؛ لأنه ليس بطبيب.

طيب، لو قيل لك: إن فلانًا من الناس ما يحفظ ولا كتاب في الطب، لكنه طبيب، هل تذهب تُعالَج عنده؟ تذهب تعالج عنده؛ لماذا؟! ما الفرق بين الأمرين؟ الثاني عنده مَلَكة في الطب، الأول ليس عنده مَلَكة.

هكذا أيضًا في علوم الشريعة، المَلَكة مهمة جدًّا؛ ولذلك بعض القساوسة والمستشرقين يحفظون القرآن، يحفظون القرآن لأجل التشكيك فيه، ولأجل الطعن، لكن حفظهم لا ينفعهم.

فلا بد إذن من أن يَتْبع الحفظَ أيضًا حرصٌ على اكتساب وتحصيل المَلَكة، وأكثر ما ينفع في تحصيل الملكة -يا إخواني- تحرير المسائل الخلافية، الفقه هو معرفة الخلاف.

تجد بعض الطلبة يقول: أنا أريد القول الراجح، ما أريد الخلاف. هذا غير صحيح، هذا لا يُصبح طالب علم؛ الفقهُ معرفةُ الخلاف، تحرير المسائل الخلافية؛ هذا هو الذي يُعطي المَلَكة، وهو الذي يُكوِّن المَلَكة لدى طالب العلم؛ عندما يأتي للأقوال ويُناقشها ويعرف أدلة كل قول، ثم يُكوِّن له قولًا راجحًا، أو على الأقل يضبط أقوال المحققين من أهل العلم في المسائل الخلافية، هذا مع مرور الوقت يُكوِّن لديه الملَكة.

نكتفي بهذا القدر.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أبو داود: 2178، وابن ماجه: 2018.
^2 رواه أبو داود: 2049، والنسائي: 3464.
^3, ^8 رواه أحمد: 25114، وأبو داود: 4398، والترمذي: 1423، والنسائي: 3432، وابن ماجه: 2041.
^4 رواه مسلم: 1695.
^5 رواه البخاري: 3091، ومسلم: 1979.
^6 رواه أحمد: 26360، وأبو داود: 2193، وابن ماجه: 2046.
^7 رواه البخاري: 6116.
^9, ^10 سبق تخريجه.
^11 رواه البخاري: 1909، ومسلم: 1080.
^12 رواه أبو داود: 2340، والترمذي: 691.
zh