logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(82) باب عشرة النساء- من قوله: “يلزم كلا من الزوجين معاشرة..”

(82) باب عشرة النساء- من قوله: “يلزم كلا من الزوجين معاشرة..”

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.

كنا قد وصلنا إلى (باب عشرة النساء)، ويعقد الفقهاء هذا الباب للكلام عن حقوق الزوجين، وما يتعلق بذلك من مسائل.

وموضوع حقوق الزوجين قد عظَّمت من شأنه الشريعة الإسلامية، حتى إن النبي قد ذكره في أعظم مجمع في عهده عليه الصلاة والسلام، وهو في يوم عرفة، فذكر حقوق الزوجين، وأمر بالعِشرة بالمعروف، وقال: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228].

باب عِشرة النساء

قال المؤلف رحمه الله:

باب: عِشرة النساء.

“عِشرة” بكسر العين معناها: الاجتماع؛ ولهذا يُقال للجماعة: عِشرة، ومَعْشر.

والمقصود بـ”عِشرة النساء”: هي ما يكون بين الزوجين مِن الأُلفة والمَودَّة ونحو ذلك.

وذلك أن الحياة الزوجية هي كالشركة بين رجل وامرأة، فالمرأة تُعتبر شريكةً لحياة الرجل، والرجل شريك لحياة المرأة؛ وذلك لأنها في الغالب هي أقربُ إنسانٍ يُلاصقه، تجتمع معه في الطعام والشراب وفي النوم وفي أمورٍ كثيرة؛ ولهذا جعل النبيُّ المرأة الصالحة خير متاع الدنيا، قال: الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة[1].

فالمرأة الصالحة قد تكون سببًا لسعادة الرجل، وقد تكون المرأة غير الصالحة سببًا لصَدِّه عن الخير وعن الطاعة ونحو ذلك؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: إن كان الشُّؤم في شيءٍ، ففي ثلاث: المرأة والدار والدابة. وهذا الحديث متفق على صحته[2].

لكنَّ أهل العلم اختلفوا فيه اختلافًا كثيرًا، والأقرب أنه على ظاهره كما قرَّر ذلك شيخنا عبدالعزيز ابن باز، والشيخ محمد ابن عثيمين، رحمهما الله تعالى، أنَّ الله تعالى قد يخلق أعيانًا مباركة بحكمته جلَّ وعلا، وقد يخلق أعيانًا مشؤومة.

المعاشرة بالمعروف بين الزوجين

قال المؤلف رحمه الله:

يلزم كُلًّا من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف.

وهذا قد أمر الله تعالى به في قوله: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، هذه من الألفاظ الجامعة؛ فإن المعاشرة بالمعروف تختلف باختلاف الأزمان، واختلاف الأحوال، واختلاف الأمكنة؛ لأنه ربما يُعَدُّ هذا عشرة بالمعروف عند قوم، ولا يُعَدُّ عشرة بالمعروف عند آخرين، قد يكون هذا من العشرة بالمعروف في زمان، ولا يكون من العشرة بالمعروف في زمان آخر.

ولهذا مثلًا مسألة الخدمة في البيت: هل تدخل في باب المعاشرة بالمعروف؟ ستأتينا هذه المسألة من كلام المؤلف، وسنذكر أن القول الراجح أن ذلك مَرْجعه للعُرْف، فإذا كانت عند الناس أنها من العشرة بالمعروف؛ فهي تلزم، وإلا فلا.

فهذه إذن مما تختلف باختلاف الأحوال والأزمان والأمكنة.

المؤلف ذكر أمثلة للعشرة بالمعروف، قال:

من الصُّحبة الجميلة، وكَفِّ الأذى، وألا يَمْطُلَه بِحَقِّه.

(من الصحبة الجميلة) يعني: حسن الخلق وحسن التعامل؛ ولهذا، بعض المفسرين فسَّر قول الله تعالى: وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ [النساء:36] بأنه الزوجة، وقال بعضهم: إن المقصود بالصاحب بالجنب: الرفيق في السفر، والصحيح أنه يشمل هذا وهذا.

(وكف الأذى) كذلك أيضًا كفُّ الأذى، القولي والفعلي، سواء من الزوجة لزوجها، أو من الزوج لزوجته.

(وألا يَمْطُلَه بِحَقِّه) أي: لا يُماطل كُلٌّ منهم الآخر بالحقوق التي عليه؛ فمثلًا: حقُّ النفقة، لا يجوز للزوج أن يُماطل مع قدرته عليه، أن يُماطل في إعطاءِ المرأةِ حقَّها من النفقة.

وكذلك أيضًا الحقوق الواجبة على المرأة، يجب عليها أن تُؤدِّيها، ولا يجوز لها المماطلة، بل لا يجوز كذلك المِنَّة بالحق، فإن المِنَّة محرمة، وكثرتها من كبائر الذنوب، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ثلاثةٌ لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يُزكِّيهم ولهم عذابٌ أليم ذكر منهم المنان[3].

الحقوق المتبادلة بين الزوجين

قال:

وحقُّ الزوج عليها أعظمُ من حقِّها عليه.

إذا نظرنا للأدلة الواردة في حقوق الزوجين، نجد هذه النتيجة التي قررها المؤلف: وهي أن حقَّ الزوج آكَدُ من حقِّ الزوجة، الزوجة لها حقٌّ على الزوج، والزوج له حقٌّ على الزوجة، لكنْ حقُّ الزوجة آكَدُ، بل إن الله جعل الزوج سيدًا للمرأة: وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا يعني: زوجها لَدَى الْبَابِ [يوسف:25].

وقد ورد في ذلك قولُ النبي : لو كنتُ آمِرًا أحدًا أن يسجد لأحدٍ لَأَمرتُ المرأةَ أن تسجد لزوجها؛ لعظيم حقِّه عليها. أخرجه الترمذي وقال: “حديث حسن”[4].

ولهذا؛ فإن حقَّ الزوج عظيمٌ جدًّا، حتى إنه -كما سيأتينا- لا يجوز للمرأة أن تصوم صومَ نافلةٍ إلا بإذن الزوج، وليس لها أن تُصلِّي صلاةَ تطوع إلا بإذن الزوج؛ وذلك لعظيم حقِّه عليها، وسيأتينا من كلام المؤلف أن حقَّ الزوج على زوجته أعظم من حقِّ والديها عليها.

أرأيتم حقَّ الوالدين وعظيم شأنه وما ورد فيه؟! وردت فيه نصوص كثيرة، حقُّ الزوج على زوجته أعظم من حقِّ والديها عليها. ستأتي هذه المسألة من كلام المؤلف، وسنذكر الدليل لذلك.

غيرة الزوج على زوجته

قال:

وليكن غَيُورًا من غيرِ إفراطٍ.

الغيرة محمودة مِن الرجل على زوجته وعلى محارمه، والذي يفتقد الغيرة يُسمَّى “ديُّوثًا”؛ ولهذا قيل: مِن الحِكَم في تحريم أكل لحم الخنزير؛ أن الخنزير ليس عنده غيرة على أُنْثاه، فيُخشى أن الإنسان يتأثَّر بطبعه. قيل: إن هذه من الحِكَم.

وقد رُوي في ذلك حديثٌ عن النبي : إن من الغيرة ما يُحبه الله وما يُبغضه الله، فأما ما يُحبه الله فالغيرة في الرِّيبة، وأما الغيرة التي يُبغضها الله تعالى فالغيرة في غير الرِّيبة. هذا حديث في “سنن أبي داود”، وكذلك النسائي وأحمد، وله طرق، وهو حسن بمجموع طرقه[5].

قوله: الغيرة في الريبة يعني: إذا ارتاب الرجل من امرأته شيئًا ينبغي أن يَغار وألا يكون ديُّوثًا، بل يغار غيرة من غير مبالغة؛ لأن الغفلة أيضًا تُؤدِّي إلى أن تقع أمور لا تُحمد عقباها.

إذا رأى مثلًا امرأته تُكلِّم رجلًا أجنبيًّا، وارتاب من هذه المكالمة، لا بد أن يكون عنده غيرة، ويعرف مَن هو هذا الرجل، وما سبب مكالمته، ونحو ذلك، أما أن نقول له: اترك هذه الأمور كلها، فهذا قد يُؤدِّي إلى أمور لا تُحمد عقباها!

لكن هذا -كما قال المؤلف- من غير إفراط، من غير أن يصل إلى حَدِّ الوسوسة؛ لأن بعض الناس تنقلب الغيرة عنده إلى وسواس، فيُسِيء الظن بزوجته وهي بريئة وهي عفيفة، هذا أيضًا لا يجوز.

والمطلوب في الأمور كلها الاعتدال من غير إفراط ولا تفريط.

شروط وجوب تسليم المرأة نفسها لزوجها

قال:

وإذا تم العقد، وجب على المرأة أنْ تُسلِّم نفسها لبيت زوجها.

بعدما يتم عقد النكاح، الذي تكلمنا في الدروس السابقة عن صفته وعن شروطه وأركانه وما يتعلق بذلك من المسائل، يقول المؤلف: إنه يجب على المرأة أن تُسلِّم نفسها لبيت زوجها.

وهذه المسألة يذكرها الفقهاء، وهي في الحقيقة ترجع للعُرْف والعادة الجارية، فإذا كانت عادة الناس أن المرأة تُسلِّم نفسها لبيت زوجها فَعَلَتْ، وإذا كانت عادة المرأة أن الرجل يذهب لبيت أهلها ويتسلَّمها من بيت أهلها فلا بأس بذلك. وهذا هو الذي عليه العُرْف مثلًا عندنا هنا في المملكة، وفي كثير من المجتمعات الإسلامية هو هذا: أن الرجل يذهب لبيت الزوجة ويتسلَّمها من أهلها.

وإذا كان هناك عادة أيضًا بأن يتسلَّمها مثلًا من قصر الأفراح فلا بأس، بحسب ما يُتفق عليه، وبحسب ما تجري العادة والعُرْف بذلك، فلا نُوجب أن يكون ذلك؛ أن تُسلِّم نفسها لبيت زوجها، بل بحسب العُرْف والعادة الجارية في ذلك البلد.

لكن تسليم المرأة نفسها، سواءٌ تُسلِّم نفسها لبيت زوجها، أو يتسلَّمها الزوج من بيت أهلها، أو من قصر الأفراح، أو غير ذلك؛ إنما تجب بشروطٍ، وهذه الشروط ذكرها المؤلف رحمه الله.

الشرط الأول، قال:

إذا طلبها.

أن يكون ذلك بطلب منه، فإذا لم يطلبها لم يجب.

الشرط الثاني:

وهي حُرَّةٌ.

أن تكون حُرَّة.

وأما الأَمَة فلها أحكام أخرى، الأَمَة تكون مشغولة بخدمة سيدها، ولها أحكام أخرى.

الشرط الثالث:

 يمكن الاستمتاع بها، كبنت تسعٍ.

فإذا كانت صغيرة لا يمكن الاستمتاع بها؛ لم يجب تسليمها للزوج. والتي يمكن الاستمتاع بها، يقول الفقهاء: إنها غالبًا بنت تسع، غالبًا بنت تسع سنين.

ومعنى (بنت تسع) سبق أن وضَّحنا المقصود بمثل هذه المصطلحات، يعني: أتمَّت التسع ودخلت في العاشرة، هذه في الغالب يمكن الاستمتاع بها. لكن، قد تكون هزيلة مثلًا، ضعيفة البِنية ولا يمكن الاستمتاع بها في هذه السن؛ فهنا يُنتظر. لكن -يعني- غالب النساء  يمكن الاستمتاع بهن في هذه السِّن.

الشرط الرابع، قال:

إن لم تشترط دارها.

فإن اشترطت دارها عُمل بالشرط، ولم يلزم تسليمها لزوجها.

فإذا تحقَّقت هذه الشروط الأربعة وجب أن تُسلَّم هذه المرأة لزوجها، سواءٌ سلَّمت نفسها له ببيت زوجها، أو أنه استلمها من أهلها، أو مِن -مثلًا- قصر أفراح، أو غير ذلك.

الأعذار التي لا يجب معها تسليم المرأة نفسها لزوجها

ولا يجب عليها التسليم إن طلبها وهي مُحرِمة، أو مريضة، أو صغيرة، أو حائض.

يعني: في هذه الأحوال لا يجب عليها أن تُسلِّم نفسها؛ وذلك لأن هذه الأعذار تمنع من الاستمتاع بها، ويُرجى زوالها. وهذا بخلاف ما لو استلمها وهي خالية من هذه الأعذار ثم طرأت عليها؛ لأن هذا لا يمنع.

يعني: لو استلمها مثلًا وهي صحيحة ثم مرضت؛ لا يمنع ذلك من استمرارها في بيت زوجها. كلامنا عن تسليمها ابتداءً له، إذا كانت مريضة لم يجب تسليمها، إذا كانت مثلًا صغيرة دون تسع سنين لم يجب، وإذا كانت حائضًا مثلًا لم يجب.

قال:

ولو قال: لا أطأ.

 حتى ولو قال: أريد أن أتسلَّمها ولن أطأها؛ لا يجب ذلك، إن حصل تراضٍ فلا بأس، لكنه لا يجب.

ثم انتقل المؤلف رحمه الله بعد ذلك للكلام عن أحكام الاستمتاع بالزوجة.

أحكام الاستمتاع بالزوجة

قال:

فصل
وللزوج أن يستمتع بزوجته كُلَّ وقتٍ على أيِّ صفة كانت، ما لم يضرها أو يشغلها عن الفرائض.

ضوابط الاستمتاع بالزوجة

وهذا يصلح أن يكون ضابطًا في هذه المسألة، الأصل: أن الزوج له أن يستمتع بزوجته في كل وقت، وعلى أيِّ صفة، بشرط ألا يضرها، أو يشغلها عن الفرائض.

وأيضًا يُشترط -كما سيأتي من كلام المؤلف- ألا يكون الاستمتاع بها في الدُّبر، ولا يطأها وهي حائض؛ والدليل لهذا قول الله : نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223].

فقوله: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ يعني: للزوج أن يستمتع بها على أيِّ صفةٍ أراد، ما عدا الوطء في الدبر، وكذلك الوطء وهي حائض، وأيضًا ما لم يضرها أو يشغلها عن فريضة.

وقد رُوي في ذلك بعض الأحاديث عن النبي ، ومنها حديث طَلْق بن عليٍّ: أن النبي قال: إذا دعا الرجل زوجته لحاجته، فَلْتأتِه وإن كانت على التَّنُّور. رواه الترمذي وقال: “حديث حسن”[6]، وكذلك رواه النَّسائيُّ وابن حِبَّان[7].

وأيضًا، الحديث المروي في الصحيحين: أن النبي قال: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، لعنتها الملائكة حتى تُصبح[8]. هذا يقتضي أن معصيتها للزوج في هذا الأمر من كبائر الذنوب.

وأيضًا ورد حديث: إذا دعا الرجلُ امرأتَه فَلْتُجِبْ وإن كانتْ على ظهرِ قَتَبٍ. أخرجه الطبراني[9]، وقال المنذري: إن إسناده جيد.

فهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدلُّ على وجوب إجابة المرأة طلب زوجها الاستمتاع بها، وأنه لا يجوز لها أن تمتنع إلا لعذر.

حكم التطوع بحضور الزوج

قال:

ولا يجوز لها أن تتطوع بصلاةٍ أو صومٍ وهو حاضرٌ إلا بإذنه.

وذلك لحديث أبي هريرة : أن النبيَّ قال: لا يحِلُّ للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه. متفق عليه[10].

و”شاهد” يعني: حاضر؛ فلا يجوز للمرأة أن تصوم صوم التطوع وزوجها حاضر إلا بإذنه. وهذا يدل على عظيم حق الزوج.

ما هي الحكمة أن المرأة لا يجوز أن تصوم وزوجها حاضر إلا بإذنه؟ يعني: إذا أرادت مثلًا أن تصوم الأيام البيض، أو الاثنين والخميس، أو نحو ذلك، لا يجوز إلا بإذن الزوج، ما هي الحكمة؟

مداخلة: …..

الشيخ: إي نعم، أن ذلك يمنعه من كمال الاستمتاع بها، وربما أيضًا يتحرَّج أن يُفطِّرها، مع أنه يجوز له ذلك، لكن ربما يتحرَّج فيكون في ذلك نوعُ تقصيرٍ في حقِّ الزوج.

ولهذا؛ يجب عليها إذا أرادت أن تصوم أن تستأذن زوجها في صيام التطوع، وكذلك أيضًا في صلاة التطوع.

الاستمناء بيد الزوجة

قال:

وله.

أي: للزوج.

الاسْتِمنَاءُ بيدها.

 لأن هذا داخل في الاستمتاع بها.

فمثلًا؛ لو كانت هذه المرأة حائضًا، وأراد أن يستمتع بها، فله أن يستمني بيدها، هذا عند عامة أهل العلم.

والسفر بلا إذنها.

يعني: للزوج أن يُسافر بلا إذن الزوجة؛ لأنه لا ولاية للمرأة على الرجل، وهذا بخلاف المرأة، ليس لها أن تُسافر إلا بإذن الزوج، أما الزوج حتى لو اعترضت المرأة ورفضت، فليس لها ذلك، فله أن يُسافر بغير إذنها.

حكم وطء المرأة في الدبر

قال:

ويحرم وطؤها في الدبر.

لمَّا بيَّن المؤلف أن الأصل هو جواز الاستمتاع؛ ذكر الأمور التي لا يجوز الاستمتاع للزوج بالمرأة، فذَكَر. نحن ذكرنا أولًا أنه لا يضرها، ثانيًا: ألا يشغلها عن الفرائض.

ثالثًا: ألا يطأها في الدُّبُر، يحرُم وطؤها في الدبر؛ وقد ورد في ذلك حديث أبي هريرة [11]، وحديث أن النبي قال: إن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أعجازهن. رواه ابن ماجه والنسائي بسند جيد[12].

وورد أيضًا حديث أبي هريرة : لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دُبُرها. وإن كان في سنده مقال[13].

وأيضًا: من أتى امرأة في دُبُرها، فقد كفر بما أُنزل على محمد. من أهل العلم من حسنه، وبعضهم ضعفه[14].

قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: “وطءُ المرأة في الدُّبر حرام بالكتاب والسنة، وهو قول جماهير السلف والخلف، بل هو اللُّوطية الصغرى”[15].

ومَن فعل ذلك- يعني: عُلِمَ منه هذا- عُزِّر إن عَلِم تحريمه.

ورُوي في ذلك أيضًا حديث: مَلْعونٌ مَن أتى امرأةً في دُبُرها[16].

هذه الأحاديث وإن كان أكثرها في سنده مقال، إلا أنها بمجموعها نستفيد منها هذا الحكم، وهو تحريم وطء المرأة في الدبر، وكما ذكر ابن تيمية رحمه الله: أن هذا قول جماهير السلف والخلف. ولا يجوز للمرأة أن تُطاوع زوجها إذا طلب منها ذلك.

يحرم الوطء في الحيض والنفاس

ونحو الحيض.

يعني: يحرم عليه أن يطأها في الحيض، وكذلك نحوه كالنفاس، وهذا بالإجماع؛ لقول الله : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222]، فيحرم عليه أن يطأها حال الحيض. وهذه المسألة محل إجماع.

لكن له أن يستمتع منها بما دون الفرج؛ فقد كان النبي إذا حاضت عائشة رضي الله عنها يأمرها أن تأتزر فيباشرها وهي حائض[17].

له أن يستمتع بها، لكن الممنوع هو الوطء في الحيض.

ودين الإسلام في هذا وسطٌ بين اليهودية المتشددة والنصرانية المتساهلة؛ فإن اليهود إذا حاضت المرأة عزلوها، لم يُؤاكلوها ولم يُشاربوها وكأنها نجسة. والنصارى عندهم لا مانع من وطء المرأة وهي حائض.

الإسلام وسط، فلا نقول: إنه يجوز وطؤها، بل يحرم وطؤها، لكن لا يمنع ذلك من مؤاكلتها وأن يكون معها في الطعام والشراب، بل حتى يجوز لزوجها أن يُباشرها، لكن الممنوع فقط هو الوطء في الحيض.

حكم العزل بغير إذن الزوجة

قال:

وعزْلُه عنها بلا إذنها.

يعني: يحرم أن يَعْزِلَ الرجل عن امرأته بلا إذنها. وقد اتفق على ذلك المذاهب الأربعة، كما حكى الوزير الإجماع على هذا، يعني: إجماع المذاهب الأربعة.

والعزل قد وردت فيه بعض الأحاديث التي فيها النهي، والأحاديث التي فيها الجواز، واختلفت الأحاديث في ذلك.

أولًا: العزل معناه أن يطأ وقَبِيل الإنزال ينزع ويُنزل خارج الفرج، يعني: يجامع امرأته وعندما يُريد الإنزال ينزع ويُنزل خارج الفرج لكيلا تحمل. هذا معنى العزل.

ورد في ذلك أن النبي سُئل عن العزل، فقال: ذاك الوَأْدُ الخَفِيُّ. وهذا الحديث رواه مسلم[18]. وسمَّاه النبي عليه الصلاة والسلام بـ”الوَأْدِ”؛ لأنه يُشبه الوَأْدَ في تفويت الحياة: وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ [التكوير:8]، الْمَوْءُودَةُ يعني: التي تُدفَن وهي حيَّةٌ.

وهذا الحديث لو لم يّرِد إلا هو لكان ظاهره المنع، لكن وردت أحاديث تدل على الجواز، ومنها ما جاء في “صحيح مسلم” عن جابر رضي الله عنهما قال: كنا نعزِلُ على عهد رسول الله ، فبلغ ذلك رسول الله فلم ينهنا[19]. وفي الصحيحين عنه قال: كنا نعزل والقرآن ينزل[20].

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أحاديث أخرى تدل على الجواز، وفصَّل في هذه المسألة في كتابه “زاد المعاد” ثم قال: “فهذه الأحاديث صريحة في جواز العَزْل، ورُويت الرخصة فيه عن عشرةٍ من الصحابة “.

فالقول الصحيح: أنه يجوز العَزْل، وأنه لا بأس به، وإن كان الأولى تركه؛ لأنه عليه الصلاة والسلام سمَّاه بـ”الوأد الخفي”.

لكن، نقول الأولى، وقد رخَّص فيه النبي عليه الصلاة والسلام، وكان الصحابة يفعلونه، وأقرَّهم عليه الصلاة والسلام على هذا، وكما ذكر ابن القيم: رُوي عن عشرة من الصحابة .

فالصواب أنه لا بأس به، لكن ليس له أن يعزل عن الحُرَّة إلا بإذنها؛ وذلك لأن لها حقًّا في الولد، فلا يجوز له في هذه الحال أن يمنعها من هذا الحق.

ويُفهم من هذا أنها لو لم تكن حُرَّة لجاز ذلك، لكن إذا كانت هذه الأَمَة لها سيد فالمرجع في ذلك إلى إذْنِ السيد لا إلى إذْنِ الأَمَة. لكن لو كانت سُرِّيَّتَه، عنده سُرِّيَّة -أَمَة- يملكها، هو سيدها، فيقول: له أن يَعْزِل عنها بغير إذنها، فإن الإذن خاصٌّ بالحُرَّة.

ويُستنبط من كلام الفقهاء في هذه المسألة جواز تنظيم النسل؛ لأن العَزْل نوع من تنظيم النسل -الحقيقة-، فاستخدام مثلًا الأساليب التي تُنَظِّم الحمل لا بأس بها، سواء كانت عقاقير أو غيرها من الوسائل، استخدام الوسائل التي تُنظِّم الحمل لا بأس بها.

وهنا نقول “تنظيم” وليس “منع”، منع النسل لا يجوز، وأما تنظيمه لا بأس؛ كأن يشُقَّ مثلًا على المرأة أن تلد كل سنة وتُربِّي أطفالها، فتتفق هي مع زوجها على تنظيم الحمل، يكون كل سنتين مثلًا أو نحو ذلك، هذا لا بأس به، وكان الصحابة يفعلونه بالوسيلة الموجودة عندهم؛، يعني بالعزل.

العزل هو من وسائل تنظيم الحمل، لكن منع الحمل هذا لا يجوز، ففرقٌ بين مسألة المنع ومسألة التنظيم.

حكم التقبيل والمباشرة أمام الناس

قال:

ويُكرَه أن يُقبِّلها أو يُباشرها عند الناس.

الحقيقة أن اقتصار المؤلف على الكراهة -هو مذكور في كثير من كتب الحنابلة- محل نظر ظاهر، فالصواب أن ذلك محرم، ليس فقط مكروهًا؛ ويدل لهذا ما جاء في “صحيح مسلم” عن أبي سعيد أن النبي قال: إن من أشَرِّ الناس منزلةً عند الله يوم القيامة الرجلَ يُفضي إلى امرأته وتُفضي إليه، ثم ينشر سِرَّها[21].

إن من أشَرِّ لاحِظ أن الحديث ورد بالهمزة، فيه ردٌّ على بعض النحويين، بعض أهل اللغة الذين قالوا: إن “شر” و”خير” لا تأتي مهموزةً، في هذا الحديث وردت مهموزة، وهو في “صحيح مسلم”.

ولذلك؛ الصواب أنهما لغتان، وأنه يصح هذا وهذا، يصح أن تقول: “شر” و”أشر”، في هذا الحديث، قال: أشر: إن مِن أشَرِّ الناس منزلةً عند الله يوم القيامة الرجلَ يُفضي إلى امرأته وتُفضي إليه، ثم ينشر سِرَّها.

وجه الدلالة من هذا الحديث: أن هذا الحديث يقتضي الوعيد الشديد على نشر أسرار الاستمتاع، فالتقبيل والمباشرة أمام الناس من بابٍ أولى، إذا كان مجرد الحديث مُحرَّمًا، بل ورد فيه الوعيد الشديد، فكيف بالفعل أمام الناس؟! إذا كان الحديث بهذه الأمور أمام الناس محرَّمًا، فالفِعل من باب أولى.

فقول المؤلف هنا ضعيف جدًّا، والصواب أنه يحرم ذلك.

قال:

أو يُكثِرَ الكلام حال الجماع، أو يُحدِّثَا بما جرى بينهما.

أي: إنه يُكره؛ واستدلوا بما يُروى أن النبي قال: «لا تكثروا الكلام عند مجامعة النساء، فإنه يكون منه الخرس والفأفأة»[22]. لكن هذا الحديث حديث ضعيف لا يصح عن النبي .

ولذلك؛ فالأصل أن هذا باقٍ على الإباحة، ولا يُعطي حكمًا شرعيًّا؛ لأن الحكم الشرعي يحتاج إلى دليل، وليس هناك دليل في هذه المسألة إلا هذا الحديث، وهو كما سمعتم حديث شديد الضعف.

(أو يُحدِّثا بما جرى بينهما) وهذا قلنا: الصواب أنه يحرم على الزوجين أن يتحدثا بأمور الوطء والجماع والاستمتاع ونحو ذلك، بل ظاهر الدليل أن هذا من كبائر الذنوب؛ لحديث أبي سعيد السابق: إن من أشَرِّ الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يُفضي إلى امرأته وتُفضي إليه، ثم ينشر سِرَّها[23]. هذه أمور خاصة، لا يجوز لكلٍّ من الزوجين التحدُّث بها أمام الآخرين.

فالصواب أن هذا ليس مكروهًا، وإنما هو محرم بل من كبائر الذنوب.

مداخلة: …..

الشيخ: على كل حال، هذا الحديث في الصحيح، وهناك أحاديث ضعيفة مروية في هذه المسائل، لكنها لا تقوم بها حجة، لكن هذا كما ذكرت في “صحيح مسلم”.

آداب الجماع

قال:

ويُسَنُّ أن يُلاعبها قبل الجماع.

وعلَّلوا ذلك قالوا: لتنهض شهوتها، لكن القول بالسُّنية يحتاج إلى دليل ظاهر، لو قيل الأولى؛ لكان هذا أقرب.

قال:

وأن يُغطِّي رأسه.

(وأن يُغطِّي رأسه) وهذا ليس عليه دليل ظاهر، تغطية الرأس عند الجماع ليس عليها دليل ظاهر. لهذا؛ فالصواب أن هذا من الأمور المباحة.

وألا يستقبل القبلة.

وكذلك أيضًا هذا ليس عليه دليل ظاهر، وإنما هو استحسان من بعض الفقهاء. والصواب أن هذه الأمور كلها من الأمور المباحة.

وهنا يذكر بعض الفقهاء -وهذا لم يذكره المؤلف- أنه يُكرَه الوطء -يعني: الجماع- مُتجرِّدَيْن؛ ويستدلون لهذا بحديث: إذا أتى أحدُكم أهله فَلْيَستتِرْ، ولا يَتجرَّدَا تَجرُّدَ العَيْرَيْن. ولكن هذا الحديث ضعيف من جهة الإسناد، رواه ابن ماجه، وهو ضعيف[24].

والأقرب والله أعلم أن ذلك مباح من غير كراهة، الأقرب أنه مباح من غير كراهة؛ ويدل لهذا ما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد، أختلف أنا وهو فيه، فيُبادرني حتى إني لَأقول: دَعْ لي، دَعْ لي[25].

وظاهر هذا الحديث هو التجرُّد عند الاغتسال، فإذا جاز التجرُّد عند الاغتسال جاز عند الجماع من باب أولى، فالأقرب -والله أعلم- أن هذا أيضًا مباح وليس مكروهًا.

قال:

وأن يقول.

يعني: ويستحب أن يقول.

عند الوَطْءِ: بسم الله، اللهم جَنِّبنا الشيطان، وجَنِّب الشيطان ما رزقتنا.

وهذا قد ورد فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي قال: لو أن أحدكم حين يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جَنِّبنا الشيطان، وجنِّب الشيطان ما رزقتنا. فوُلد بينهما ولد، لم يضره الشيطان أبدًا. متفق عليه[26]. ومعنى لم يضره: لم يتمكن من إضراره في دينه أو بدنه.

وهذا يدل على فضل هذا الذِّكر، وأيضًا ظاهر الأدلة أن الإنسان إذا لم يُسَمِّ ولم يأتِ بهذا الذكر أن الشيطان قد يُشاركه في وَطْئِه أهلَه، وعلى ذلك فسَّر بعضُهم قولَ الله تعالى: وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ [الإسراء:64].

ولهذا؛ يتأكَّد هذا الذكرُ عند الوطء: بسم الله، اللهم جَنِّبنا الشيطان، وجنِّب الشيطان ما رزقتنا. لكن، هل هذا الذكر يُستحب للرجل خاصة، أو يشمل الرجل والمرأة؟ مَن يجيب عن هذا السؤال؟

مداخلة: …..

الشيخ: الأصل فيه العموم.

مداخلة: …..

الشيخ: الرجل فقط.

اختلف العلماء في هذه المسألة:

فمنهم من قال: إنه يشمل الرجل والمرأة؛ قال المَرْداوي في “الإنصاف”: “هو كالمصرَّح به في الصحيحين أن القائل هو الرجل، وهو ظاهر كلام الأصحاب، والذي يظهر أن المرأة تقوله كذلك”. هذا كلام المرداوي.

ولكن إذا نظرنا إلى ظاهر لفظ الحديث: لو أن أحدكم حين يأتي أهله قال، فالخطاب لمن؟ للرجل، الخطاب للرجل حين يأتي أهله.

فالأقرب والله أعلم أن هذا الذِّكر إنما يقوله الرجل فقط دون المرأة.

وقد رجَّح هذا القولَ الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله؛ وذلك لأنه -كما ذَكَر المَرْداوي- كالمصرَّح به: إذا أتى أحدكم أهله، الخطاب للرجل خاصة؛ ولأن الأصل أن الولد إنما يتخلَّق من ماء الرجل مع بويضة المرأة، لكنه في الأصل من ماء الرجل: مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى [النجم:46].

فالأقرب -والله أعلم- أنه خاصٌّ بالرجل؛ لظاهر الحديث.

مداخلة: …..

الشيخ: الولد يشمل الذكر والأنثى.

فإن قال قائل: إن بعض الناس قد يقول هذا الذِّكر دائمًا ويُرزق بولد، ويكون هذا الولد غير صالح، فكيف نوفِّق بين هذا وبين قوله: لم يضره الشيطان؟

هذا إشكال يطرحه بعض الناس، يقول: إنه مُحافِظٌ على الذِّكر دائمًا، لكن يُرزق بولد غير صالح؟!

مداخلة: …..

الشيخ: إي نعم، يعني: أمرٌ نِسْبِيٌّ.

مداخلة: …..

الشيخ: نعم، الأقرب -والله أعلم- أن يُقال في هذا: إنه سبب، قد يتخلف المُسبَّب، هو سبب من الأسباب.

أنت أحيانًا تدعو الله تعالى، وقد لا يتحقَّق الدعاء، هل كلُّ دعاء تدعو به يتحقَّق المطلوب؟! الدعاء سبب، وقد لا يتحقق المُسبَّب، قد لا يتحقق ما تُريده.

فأنت عندما تأتي بهذا، كما لو كنت تدعو، تدعو الله تعالى بالدعاء، تدعو الله بصلاح الولد مثلًا، قد لا يُصلح الولد، هذا الذكر غاية ما فيه أنه سبب، وقد يتحقق هذا الدعاء وقد لا يتحقق، قد يُستجاب هذا الدعاء وقد لا يُستجاب.

الله تعالى له الحكمة البالغة في هذا؛ لأن هذا دعاء، عندما تقول: “اللهم جَنِّبنا الشيطان” هذا دعاء، والدعاء قد يُستجاب وقد لا يُستجاب.

أنت لا تفرض على الله تعالى أنك إذا دعوت بهذا الدعاء لا بد أن يُستجاب؛ هذا راجِعٌ إلى مشيئة الله تعالى كما في سائر الأدعية، لماذا يُستنكر هذا الدعاء فقط؟ في سائر الأدعية قد تدعو الله تعالى بالدعاء ولا يستجاب.

فنقول: إن هذا الدعاء كسائر الأدعية، وإنه سببٌ قد يستجيب له اللهُ تعالى، وقد لا يستجيب لهذا الدعاء. هذا أقرب ما يُقال في الجواب عن هذا الإيراد الذي يُورده بعض الناس.

مداخلة: …..

الشيخ: قد يُقال: إنه أحيانًا يُكتَب صلاح هذا بسبب -مثلًا- الدعاء، أو بسبب كذا، الله تعالى يعلم بأن هذا سوف يحصل، ربما يُكتب أن هذا الولد يصلُح بسبب هذه الدعوة أو نحو ذلك، لكن كما قلنا: إن هذا كسائر الأدعية، قد تُستجاب وقد لا تُستجاب.

قال:

وأن تتخذ المرأةُ خِرْقةً.

يعني: يُستحب أن تتخذ المرأة خِرْقة.

تُناوِلها للزوج بعد فراغه من الجماع.

وذلك ليمسح بها. ويُقال: إنه مروي عن عائشة رضي الله عنها، ولكن هذا القول بالاستحباب يحتاج إلى دليل؛ المروي عن عائشة رضي الله عنها في سنده مقال.

والأقرب أن ذلك مباح؛ لأن القول بالسُّنية أو الكراهة أو نحو ذلك يحتاج إلى دليل ظاهر.

ثم انتقل المؤلف بعد ذلك للكلام عن بعض الأمور التي تكون بين الزوجين من الخدمة والخروج من المنزل ونحو ذلك.

حكم خدمة الزوج

قال:

فصل
وليس عليها خدمة زوجها في عَجْنٍ، وخبْزٍ، وطَبْخٍ، ونحوه، لكن الأولى فعْلُ ما جرت به العادة.

“خدمة الزوج” يعني: عندما يعقد الرجل على المرأة ويتسلَّمها: هل مِن مقتضيات هذا العقد أن تخدم في بيت زوجها فتقوم بالطبخ وبالكنس وبتنظيف المنزل ونحو ذلك، أو أنها مجرد زوجة والزوجُ يلزمه أن يأتي بخادمة تطبخ وتكنس وتُنظِّف ونحو ذلك؟

هذا محل خلاف بين الفقهاء، المؤلف يقول: إنه لا يجب عليها خدمة زوجها، لا تجب هذه الأمور كلها، لا العجن ولا الخبز ولا الطبخ ولا التنظيف ولا الكنس، وإنما يجب على الزوج أن يأتي لها بخادم، والأولى أن تفعل ما جرت به العادة.

والقول الثاني في المسألة: أنه إذا كان عادة أهل بلدها أن المرأة تفعل ذلك، فيجب عليها ذلك.

وهذا هو القول الراجح في المسألة، وقد اختاره أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، وكذلك الشيخ عبدالرحمن ابن سعدي في “المختارات الجلية”، وقال رحمه الله: الطبخ وخدمة الدار ونحو ذلك تجب على الزوجة مع جريان العادة بذلك؛ لأن هذا من المعاشرة المعروفة، التي كأنها مشروطة في العقد.

فإذا تزوج امرأةً، والعادة في البلد أن المرأة تَخدم في البيت؛ مِن طبخ وكنس وغسل ونحو ذلك، فكأن هذه العادة مشروطة في العقد، وعند الفقهاء قاعدة عظيمة وهي: أن المعروف عُرْفًا كالمشروط شرطًا؛ فنقول إذن: كأن هذه مشروطة في العقد بمقتضى العُرْف والعادة.

أما لو كان العُرْف والعادة أن المرأة لا تخدم، كما -مثلًا- قد يوجد في بعض بلاد أوروبا ونحوها، أن المرأة لا تخدم في بيت الزوج؛ فهنا نقول: لا يجب، ويلزمه أن يُحضِر خادمًا مثلًا أو من يقوم بهذه الأمور.

لكن، في معظم المجتمعات الإسلامية العُرْف والعادة أن المرأة تخدم في بيت زوجها، فيكون هذا العُرْف كالشرط، يكون هذا العُرْف كالشرط.

هذا هو أصح الأقوال في هذه المسألة، وهو الذي عليه الفتوى والعمل في معظم المجتمعات الإسلامية.

قال:

وله أن يُلزمها بغَسْلِ نجاسة عليها، وبالغسل من الحيض والنفاس والجنابة، وبأخذ ما يُعافُ من ظفر وشعر.

يعني: للزوج أن يُجبرها وأن يُلزمها على التنظُّف.

افترِض أن هذه المرأة لم تتنظَّف؛ فله أن يُجبرها على ذلك؛ وذلك لأن هذه الأمور تمنع من كمال الاستمتاع بها، إذا كان عليها مثلًا نجاسة، أو لم تغتسل من الحيض أو النفاس أو الجنابة، أو مثلًا طال شعر الإبط أو العانة أو نحو ذلك، فالزوج له أن يُجبرها على ذلك؛ وذلك لأن هذه الأمور تمنع من كمال الاستمتاع، بل قال الفقهاء: إن له أن يمنعها من أكل ما له رائحة كريهة؛ كالبصل والكُرَّاث ونحوهما؛ لأن أيضًا هذه تمنع من كمال الاستمتاع.

حكم خروج الزوجة بلا إذن الزوج

قال:

ويحرُم عليها الخروج بلا إذنه.

الأصل أن المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه، إلا للمسجد؛ لقول النبي : لا تمنعوا إمَاءَ الله مساجدَ الله، وبيوتهن خيرٌ لهن[27].

الأصل أن المرأة لا تخرج إلا بإذن الزوج، والأصل في المرأة هو القَرَار في البيت: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33]، ليس الأصل أنها تخرج من المنزل، الأصل أن تقَرَّ في البيت.

لكن، قال المؤلف:

ولو لموت أبيها.

يعني: لا تخرج من بيت زوجها بلا إذنه ولو لموت أبيها.

ولكن هذا محل نظر؛ إذ إنه لموت أبيها بقاؤها في بيت الزوج مع موت أبيها قد يكون ذلك من القطيعة والعقوق، أنها تبقى في بيت الزوج ولا تذهب مثلًا لوالدتها وأخواتها ونحو ذلك، فإذا أرادت أن تذهب فنقول: الصحيح أنه لا بأس بذلك ولو لم يأذن الزوج.

ومما يدل لهذا: أن المؤلف نفسه قال في آخر الفصل: (والزوج لا يملك منعها من كلام أبويها ولا من زيارتهما)، فإذا كان لا يملك منعها من زيارة أبويها فمِن بابٍ أولى أنه لا يملك منعها من الخروج لموت والدها.

فإذن؛ الصواب أن ذلك جائز عند موت أبيها.

لكن لها أن تخرج لقضاء حوائجها، حيث لم يقم بها.

إذا احتاجت مثلًا للطعامِ والزوجُ لم يأتِ، يعني: البيت ليس فيه شيء، ليس فيه مثلًا أرز، ليس فيه خبز، واحتاجت ولم يأتِ الزوج بحوائج المنزل، ونهاها عن الخروج من المنزل، فهل نقول: تبقى في البيت إلى أن تموت جوعًا؟! لا؛ نقول: يجوز لها أن تخرج وتأتي بحوائجها ولا بأس بذلك؛ وذلك للضرورة أو الحاجة المُلِحَّة.

منع الزوجة من زيارة أهلها

ولا يملك مَنْعها من كلام أبويها.

يعني: ليس للزوج أن يمنعها من كلام أبويها، فيجوز لها أن تتصل بوالديها.

وهل له أن يمنعها من زيارة أهلها؟ ظاهر كلام المؤلف أن له ذلك، وإنما الذي يُمنع في حقه أن يمنعها من كلام أبويها.

لكن القول الصحيح في المسألة: أنه ليس للزوج منعها من زيارة أبويها أو من عيادتهما؛ لأن منعها من ذلك هو نوعُ عقوقٍ وقطيعة رحم، وقد قال النبي : إنما الطَّاعة في المعروف[28].

وليس مِن المعروف أن يمنعها من زيارة والديها أو عيادتهما، فلو أنَّ الزوج قال: ما أُريدكِ أن تذهبي لأهلِكِ. فلا يملك ذلك؛ فيجوز لها أن تذهب لأهلها؛ لأنه يأمرها بقطيعة الرحم ويأمرها بالعقوق. هذا لا يجوز.

فالصواب إذن أنه لا يملك مَنْعها مِن ذلك، لكن يُستثنى من ذلك، قال:

ولا منعَهُما.

يعني: الوالدين.

من زيارتها، ما لم يخف منهما الضرر.

يُستثنى من ذلك إذا كان أهلُها يُفسدونها على زوجها، فإن له أن يمنعها إذا كانت مثلًا إذا ذهبت لوالدتها رجعت بالوجه غير الذي ذهبت به، تُفسدها على زوجها، أو أبوها يُفسدها على زوجها، أو أخواتها يُفْسِدْنها على زوجها، فله أن يمنعها في هذه الحالة.

أما إذا كانوا لا يُفسدونها على زوجها فإن مَنْعها -في الحقيقة- يُعتبر قطيعة رحم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: إنما الطاعة في المعروف.

ونأخذ من هذا قاعدةً، وهي: أن طاعة البشر للبشر مُقيَّدة بالمعروف، ما عدا طاعة النبي ؛ طاعة النبي مطلقة: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59]، سواء عرفت الحكمة أو لم تعرفها.

لكن طاعة البشر للبشر غير النبي عليه الصلاة والسلام، مُقيَّدة بأيِّ شيء؟ بالمعروف، ليست طاعة مطلقة عمياء، وإنما مقيدة بالمعروف، فمن ذلك طاعة المرأة لزوجها، إنما تكون بالمعروف. طاعة الولد لوالديه تكون بالمعروف. طاعة الرعية لولي الأمر تكون بالمعروف.

لهذا؛ جاء في الصحيحين: أن النبيَّ بعث سَرِيَّةً وأَمَّر عليهم رجلًا وأمَرهم أن يُطيعوه، ثم إنه في الطريق، هذا الرجل قال لهم: اجمَعوا حَطَبًا، ألستُ أميركم؟ أنا أميركم، اجمعوا حطبًا. فجمعوا هذا الحطب، قال: أضرِموا النار في هذا الحطب. فأضرَموا النار، قال: ادخُلُوا في النار. فبعضهم أراد أن يدخلها، قالوا: النبي عليه الصلاة والسلام أمرنا بطاعته. ثم تردَّدوا، فقال بعضهم لبعض: إنما اتَّبعنا النبي فرارًا من النار، كيف ندخل النار؟! فأبوا، فذُكِرَ ذلك للنبي فقال: لو دخلوها لَمَا خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف. متفق عليه[29].

فالطاعة تكون في المعروف، لا تكون طاعة مطلقة، إنما تكون في المعروف، يعني: لا بد أن يكون هناك مصلحة ظاهرة من هذا الأمر، أما مجرد أمر من غير معرفةِ وجه الحكمة منه فلا تلزم.

لو أنَّ الأب مثلًا قال لابنه: أريد منك أن تذهب وتأتي لي بحَصًى من الجبل؛ فما تلزم.

أو -مثلًا- الزوج لزوجته أَمَر أمرًا ليس فيه مصلحة، فهنا لا تجب الطاعة في هذه الحالة، لا بد أن تكون الطاعة في المعروف.

مثل هذا الرجل قال: ادخلوا هذه النار. طيب ما الفائدة من هذا؟ تأمرهم أن يجمعوا حطبًا ويُضرموها، ثم يدخلوا النار؟! ما الفائدة من هذا؟! هذا مجرد تعنُّت. ولهذا؛ النبي عليه الصلاة والسلام قال: لو دخلوها لما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف.

وهذا يُعطينا قاعدة عظيمة، وهي: أن طاعة البشر للبشر غير النبي ، إنما تكون في المعروف، فلا تكون طاعة مطلقة. الطاعة المطلقة إنما تكون لله ولرسوله فقط.

فإذن؛ نقول: إذا أمر الرجلُ امرأتَه بمعصيةٍ؛ لا تُطيعه في ذلك، ومِن ذلك أن يأمرها بعقوق والديها، أو بقطيعة الرحم.

طاعة الزوج أحق من طاعة الوالدين

قال:

ولا يَلزمها طاعة أبويها، بل طاعة زوجها أحق.

نحن أشرنا لهذه المسألة، وقلنا: إن حقَّ الزوج على زوجته آكَدُ من حقِّ والديها عليها؛ وذلك لأن النصوص الواردة في ذلك تُؤكِّد هذا وتدل على هذا، ومنها الحديث السابق: لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد، لَأَمَرْتُ المرأة أن تسجد لزوجها[30].

ولهذا؛ قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: “المرأة إذا تزوجت كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب”.

وسبحان الله! هذا مِن العجب! أن هذه المرأة يأتيها رجلٌ لم تعرفه مِن قبلُ، أجنبيٌّ عنها، ربما أنها لا تعرفه مِن قبل، ثم يكون هذا الرجل طاعته آكَدُ من طاعة والديها.

والسبب في هذا والله أعلم -أو الحكمة- أن حياتها مع زوجها هي شركةُ حياةٍ كما يُقال، فلا بد من الطاعة، لا تستقيم الحياة الزوجية إلا بالطاعة؛ لهذا شدَّد الإسلامُ في طاعة المرأة لزوجها؛ حتى تستقيم الحياة الزوجية، كطاعة وليِّ الأمر مثلًا.

لماذا شدَّد النبي عليه الصلاة والسلام في طاعة وليِّ الأمر وغلَّظ وأبدى وأعاد كما ذكر ذلك الشيخ محمد بن عبدالوهاب؟ لأنها من المسائل الحساسة التي قد يكون النفوس لها فيها هوًى؛ ولذلك شدَّد النبي عليه الصلاة والسلام فيها حتى تنقاد النفوس لذلك.

فنجد أن ما قد يكون للنفس فيه حظٌّ تُشدِّد فيه الشريعة؛ وذلك حتى تكون هذه المسألة محسومة، فهذه الحياة الزوجية لا بد لها من أمير وقائد، القائد والأمير هو الزوج وليست الزوجة: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34].

فيعني انقياد المرأة لهذه الأحكام الشرعية سببٌ لاستقرار الحياة الزوجية. ولهذا؛ الرجال في الغرب يُعانون من هذه القضية، المرأة تجعل نفسها مساوية للرجل ولا تُطيعه، لا تنقاد له ولا تُطيعه، وتجعل نفسها مثله؛ ولذلك يُعانون معاناة كبيرة.

لكن الإسلام نظَّم هذه العلاقة، وجعل لها قائدًا وأميرًا يُسمع وهو الزوج، لكن أيضًا السمع له إنما يكون بحدود: في المعروف، ليست طاعة مطلقة، وإنما تكون في المعروف.

أحكام القَسْم بين الزوجات

قال:

فصل
ويلزمه أن يبيت عند الحُرَّة.

انتقل المؤلف رحمه الله للكلام عن أحكام القَسْم بين الزوجات، قال: (ويلزمه أن يبيت عند الحرة). وتقدم قبلُ أن تكلَّم عن القَسْم بين الزوجات، وبيَّن ما الواجب على الرجل بالنسبة للبيتوتة والوطء تجاه زوجته.

المبيت عند الحرة ليلةً من أربعٍ

يلزمه أن يبيت عند الحرة بطلبها ليلة من أربع، والأَمَة ليلة من سبع.

(يلزمه أن يبيت ليلة من أربع) يعني: إنما قالوا بهذا التحديد؛ لأن أكثر ما يمكن أن يجمع معها ثلاثًا مثلها؛ لأن الرجل له أن يتزوج أربع نساء.

فإذن؛ يلزمه أن يبيتها ليلةً من أربع، إن كان عنده أربع نساء وهي واحدة منهم، فيلزمه أن يبيتها ليلة من أربع.

واستدلوا لذلك بقصة قضاء كعب بن سوار عند عمر بن الخطاب ، وذلك في امرأةٍ أتت عمر ومدحت زوجها، قالت: ما رأيت مثل زوجي قط، والله إنه ليبيت ليلَه قائمًا، ويظل نهارَه صائمًا. فاستغفَر لها وأثنى عليه، فقال كعب بن سوار: إنها جاءت تشكوه، قال: كيف؟ فبيَّن له ذلك، قال: فاحكم فيها. قال: أرى أنها امرأة عليها ثلاث نسوة، وهي رابعتهن، فاحكم له بثلاثة أيام ولياليهن يتعبَّد فيهن، ولها يوم وليلة. فقال: نِعْمَ القاضي أنت. ونصَّبه قاضيًا. وقالوا: إن هذا اشتهر بين الصحابة ولا منكر؛ فكان كالإجماع.

والقول الثاني في المسألة: إنه لا يلزم هذا التقدير، وإنما يكون ذلك بحسب الحاجة، يبيت عندها بحسب الحاجة، وما جرى به العُرْف، من غير تحديد بهذا التقدير الذي ذكره المؤلف. وهذا هو اختيار أبي العباس ابن تيمية رحمه الله، وهو الراجح.

وقياس حال الانفراد على حال الاجتماع قياسٌ مع الفارق؛ أولًا: هذه قصة في سندها مقال. ثانيًا: لو صحت، فإن قياس حال الانفراد على حال الاجتماع قياسٌ مع الفارق، فالرجل الذي ليس له إلا امرأة واحدة يختلف عن الرجل الذي عنده أربع نساء.

ثم أيضًا هذه واقعةُ عينٍ، يُحتمل عنه تقدير شخصي لهذا الرجل ولهذه الواقعة.

فالصواب أن المرجع في ذلك إلى الحاجة والعُرْف؛ إذا قال الناس: إن هذا الرجل -يعني: في العُرْف- يبيت عند امرأته أحيانًا وليس بهاجر للفراش فلا حرج، وأما إذا قالوا: إنه هاجر للفراش ومُسِيءٌ للعِشرة بهذا الانقطاع، فنقول: يجب عليه أن يبيت عندها.

قال:

وأن يطأها.

طيب، قوله: (والأَمَة ليلة من سبع)؛ قالوا: لأن أكثر ما يمكن أن يجمع معها ثلاث حرائر، وهي على النصف. وهذا هو المذهب.

والموفق ابن قدامة رحمه الله في “المغني” قال: “إن المختار أن يبيت عند الأَمَة ليلة من ثمانٍ، وليس من سبع”. ونص عليه في “المقنع”، وعلَّل ذلك قال: “لتكون على النصف من الحُرَّة؛ فإن حقَّ الحُرَّة من كلِّ ثمانٍ ليلتان، فلو كان للأَمَة ليلةٌ من سبعٍ؛ لزاد على النصف”. إذا كان حقُّ الحُرَّة ليلتين من ثمانٍ فينبغي أن يكون للأَمَة ليلة من ثمانٍ، لكن نحن رجَّحنا فيما سبق أن الصواب عدم التقدير، وأن ذلك مُقيَّد بالحاجة.

قال:

وأن يطأها في كلِّ ثُلُث سنة مرةً إن قَدَر، فإن أبى فرَّق الحاكم بينهما إن طلبت.

تقدير مدة الوطء

يجب عليه أن يطأها، يقول: (في كل ثلث سنة)، ثلث سنة كم شهرًا؟ أربعة أشهر، يقول: (مرة)؛ وذلك لقول الله : لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:226]. فالله تعالى أوجب على المُولِي أن يطأ في الأربعة الأشهر، فإن لم يطأ أجبره الحاكم على ذلك، وإلا أجبره على الطلاق، إما أن يطأ وإما أن يُطلق.

والقول الثاني في المسألة: إنه يجب الوطء بقَدْر كفايتها وحاجتها، ما لم يضره أو يشغله من غير تقدير مدة، وأن ذلك لا يتقدَّر بأربعة أشهر.

ولكن عند الترجيح، الله تعالى يقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، إذا رددنا هذه المسألة للأدلة؛ نجد أن التقدير موجود أو غير موجود؟ موجود: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [البقرة:226]، الله تعالى قدَّرها بأربعة أشهر، فكيف نَحِيدُ عن هذا التقدير المذكور في القرآن ونُقيِّد ذلك بالحاجة؟

المسألة الأولى، نعم، وافقنا ابن تيمية رحمه الله على التقدير بالحاجة؛ لأنه ليس هناك دليل ظاهر على التحديد الذي ذكره المؤلف. لكن، هذه المسألة ورد التقدير فيها في القرآن في حقِّ المُولِي، وهذه المسألة شبيهة بها لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ.

ما معنى يُؤْلُونَ؟ ما معنى الإيلاء؟ الإيلاء معناه: الحَلِف على تَرْك وطء الزوجة، فالله تعالى قدَّر أربعة أشهر: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ۝ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:226-227]. فمعنى ذلك أن التقدير موجود في القرآن، وهو بأربعة أشهر.

ولهذا؛ فالصواب هو ما ذكره المؤلف: أنه يجب عليه أن يطأ في كلِّ أربعة أشهر مرة.

متى يلزم المسافر الرجوع إلى زوجته؟

قال:

وإن سافر فوق نصف سنة في غير أمر واجب، أو طلبِ رِزْقٍ احتاج إليه، وطلبت قُدُومَه؛ لزمه.

مداخلة: …..

الشيخ: (فإن أبى فرَّق الحاكم بينهما إن طلبت) نحن قلنا: إن رفض أن يطأ فكما ذكر الله تعالى يكون حكمه كحكم المُولي: يُجبِره الحاكم إما على الوطء، وإما على الفراق.

(وإن سافر فوق نصف سنة)؛ يعني: فوق ستة أشهر (في غير أمر واجب، أو طلب رزق احتاج إليه، وطلبت قُدُومَه؛ لزمه)؛ إن سافر يلزمه أن يَرْجع في كلِّ ستةِ أشهر مرةً؛ لأجل أن يطأ، إذا طلبت المرأة ذلك، إلا إذا خرج لأمرٍ واجب كالحج والعمرة.
في الزمن السابق كان أحيانًا الحج والعمرة يأخذان أكثر من نصف سنة، أحيانًا يأخذ سنة كاملة، “صِدِّيق حسن خان” له كتاب في هذا، في رحلة في الحج والعمرة، وذكر أنها استغرقت قُرابة السنة من الهند إلى مكة، فكان في الزمن السابق أحيانًا الرحلة للحج تأخذ سنة. لهذا؛ الفقهاء يُمثِّلون لهذا، يقولون: في غير أمر واجب؛ كالحج.

(أو طلب رزق احتاج إليه) إذا كان هذا الرزق يحتاج إليه، يعني مثلًا: ما وجد في بلده مصدرًا للرزق؛ فسافر لطلب الرزق، هنا لا يتحدد بستة أشهر.

أما في غير هذين الأمرين فيتحدد بستة أشهر، يلزمه أن يرجع إليها إلا إن رضيت.

والتحديد بستة أشهر لقضاء عمر  في القصة المشهورة: كان عمر يتفقَّد رعيته، ومرَّ ليلةً بامرأة ووجدها تنشد أبياتًا:

تطاوَل هذا الليلُ واسوَدَّ جانبه وطال عليَّ أنْ لا خليل أُلاعِبه
فوالله لولا الله وحده لَحُرِّك من هذا السرير جوانبه

فسأل عنها، فقيل: هذه امرأةٌ خرج زوجها للجهاد في سبيل الله، فتألَّم عمر من هذا الموقف، وذهب لابنته حفصة رضي الله عنها، وسألها سؤالًا: كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: سبحان الله! أَمِثْلُكَ يَسأل مثلي عن هذا؟! فقال: لولا أني أريد النظر للمسلمين لَمَا سألتُكِ. فقالت: خمسة أشهر أو ستة، فوقَّت عمر ذلك للناس في مغازيهم ألا يزيدوا في الانقطاع عن زوجاتهم أكثر من ستة أشهر.

فأخذ بهذا فقهاء الحنابلة، وقالوا: إنه ليس له أن ينقطع عن زوجته أكثر من ستة أشهر إلا بإذنها، ما عدا الأمرين اللذين ذكرهما المؤلف: وهما إذا خرج لأمر واجب، أو طلب رزق يحتاجه.

بعد ذلك تكلَّم المؤلف عن (أحكام التسوية بين الزوجات)، ثم تكلم عن (الخلع).

الأسبوع القادم -إن شاء الله- سيكون هو آخر درس؛ حتى نضبط الموقف نُرجئ الكلام عن (أحكام التسوية بين الزوجات) مع (أحكام الخلع) للدرس القادم؛ وحتى نضبط الموقف فنقف عند (كتاب الطلاق). (كتاب الطلاق) نستأنف به إن شاء الله تعالى -يعني- الدرس من العام القادم.

فإذن؛ الأسبوع القادم هو آخر درس معنا، لعلنا نكتفي بهذا القدر الآن في هذا، ونقف عند قول المؤلف:

العدل في المبيت بين الزوجات

ويجب عليه التسوية بين زوجاته في المبيت.

نُجيب عما تيسر من الأسئلة، نبدأ أولًا بالأسئلة المكتوبة كالمعتاد.

الأسئلة

السؤال: أحسن الله إليكم وبارك فيكم فضيلة الشيخ. هذا يسأل عن حكم الاستمناء باليد؟

الشيخ: مرَّ معنا أن الرجل يجوز له أن يستمني بيد زوجته، وقلنا: هذا في قول عامة أهل العلم، أما الاستمناء بيده فإذا كان ذلك لضرورة، يعني: كأن يخشى الفتنة على دينه بأن يقع في الزنا مثلًا، فإنه يجوز له ذلك، نص على ذلك الفقهاء، وذكر ذلك الموفق في “المغني”، وقال: لأنه إذا خشي الضرر على بدنه جاز ذلك بالإجماع، فإذا خشي الضرر على دينه فكذلك.

بل إن المَرْداوي في “الإنصاف” قال: لو قيل بوجوبه لكان له وجه في هذا الحال. وقال: كنت أظن أنه لم يسبق تقرير هذا، فوجدت أن ابن نصر الله سبقني إلى تقرير هذا الحكم. يعني: أنه إذا كان يخشى على نفسه.

بالأمس، أحد الناس وهو مجهول بالنسبة لي لا أعرفه، لكن أرسل لي سؤالًا، يقول: إنه شاب، وإن في منزلهم خادمة جميلة، وإنه يخشى من أن يزني بها، ولا يستطيع الزواج، ولا الصيام، ما هو الحل في مثل هذا؟ وأن نفسه تُحدِّثه الوقوع بها، فهنا لو قيل بكسر شهوته، يكسر شهوته بالاستمناء، لا شك أنه أولى من الوقوع في الزنا، الزنا من كبائر الذنوب.

مداخلة: …..

الشيخ: طبعًا، هذا خطأ، لكن هو يقول: لا أستطيع، يقول: إنه شاب، وأهله هم المتحكمون في البيت، لكن هو يقول: لا أستطيع، شاب غير متزوج وأعزب، ماذا يعمل؟ هل نقول: اخرُج من المنزل؟ والده رفض التجاوب معه، رفض أن يُزوِّجه، جميع الحلول بالنسبة له غير ممكنة، ليس عنده حلٌّ آخر.

السؤال: أحسن الله إليكم وبارك فيكم. هذا يقول: امرأة غضبت من زوجها، وذهبت إلى بيت أبيها، فهل يجب على الزوج أن يُنفق عليها وهي في بيت أبيها؟

الشيخ: امرأةٌ ماذا؟

مداخلة: امرأة غضبت من زوجها.

الشيخ: إي نعم، كونها تذهب لبيت أهلها بغير إذنه هذا نشوز. وسيأتينا -إن شاء الله- في الدرس القادم أحكام النشوز، وأن المرأة إذا نشزت سقط حقها في النفقة.

فخروج المرأة من بيت زوجها بغير إذنه لغير أمرٍ معتبر شرعًا -كما مثَّلنا- يُعتبر نشوزًا، فكونها مجرد أنها تغضب من زوجها تذهب إلى بيت أهلها؛ هذا نشوز، وهذا يُسقط حقَّها في النفقة، وهي تأثم بهذا، ولا يجوز لها مثل هذا العمل.

وهذا -مع الأسف- بدأ الآن ينتشر، مثل هذا الأمر مع هذا الانفتاح الذي نعيشه، وتَرِد عليَّ أسئلة: أن زوجات أو نساء، ما إن تَحصُل مخاصمة بينها وبين زوجها، إلا تذهب لبيت أهلها مباشرة بغير إذن الزوج. لا يجوز مثل هذا العمل مطلقًا، وتُعتبر بهذا ناشزًا، ويسقط حقُّها من النفقة.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: ما حكم الاستمتاع بالمرأة فيما دون الفرج؟ وهل يقول الدعاء الذي عند إتيان الرجل أهله لو كان استمتاعًا بما دون الفرج؟

الشيخ: لعل الأخ السائل يقصد إذا كانت حائضًا، فهذا يجوز، كان يفعله النبي عليه الصلاة والسلام، كما تذكر ذلك عائشة رضي الله عنها: كان يُباشرها وهي حائض[31].

والذِّكْرُ إنما يُؤتى عند الوطء فقط، وليس عند الاستمتاع.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: يقول بعض أهل التربية: ينبغي للأب أن يُقبِّل زوجته ويضمها أمام أبنائه حتى تكون هناك أُلفة ومحبة. فما تعليقكم على ذلك؟

الشيخ: هذا غير صحيح، مثل هذا الكلام ينبغي أن يُعلِّم ويُنَشِّئ أولاده من بنين وبنات على المروءة وعلى الحشمة وعلى الحياء، ومثل هذه الأمور لا شك أنها تُنافي المروءة وتُنافي الحياء.

ولا شك أن هذه أَخَذَها بعضُ الناس وتلقَّفوها عن الغربيين، ليس كلُّ ما يأتينا يا إخوان من الغرب يكون صحيحًا. مع الأسف، أن بعض الناس يتلقَّون ما يأتيهم من الغرب، يأخذونه بِعُجَرِه وبُجَرِه، وهذا ليس بصحيح. الغرب -مثلًا- عندهم أن الضرب جريمة، الضرب -أيًّا كان- عندهم أنه جريمة.

وأنا ذهبت لدورة شرعية في أحد البلاد هناك في الغرب، وجدت أن الجالية المسلمة تُواجه مشكلة كبيرة هناك، يقول: ما نستطيع أن نتحكم في أولادنا، الفتاة إذا بلغت مثلًا الثامنة عشرة، عندهم أنه أقل من الثامنة عشرة تُعتبر قاصرة، إذا بلغت هذه السِّن لا يملك والدها أن يتحكَّم فيها، تتبرَّج، تذهب مع صديق، ما يستطيع والدها أن يمنعها من شيء، وإذا منعها تتصل بالشرطة ويأخذونها من أبيها. بل حتى الأطفال وهم صغار يُلقِّنونهم في المدارس، يقولون: إذا ضربك أبوك اتصل بهذا الرقم. رقم مبسَّط من ثلاثة أرقام، فيُؤخذ الولد من والديه، فهذه أكبر مشكلة تواجه المسلمين هناك.

فهذا نعلم قطعًا أنه خطأ؛ لأن الله قال في شأن المرأة الناشز: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]، فلولا أن الضرب غير المبرِّح وسيلة تربوية ما ذكره الله في القرآن، الله تعالى خالقُ البشر، وهو أعلم ما تصلُح به أحوال البشر، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر[32].

فإذن؛ الضرب غير المُبرِّح قد يكون وسيلة تربوية، وهو عند الغرب جريمة، هذا يُبيِّن لنا خطأ هذه النظرة الغربية، ليس كلُّ ما يأتينا من الغرب يكون صحيحًا.

فالذي ذكره الأخ في السؤال لا شك أنه أتانا من الغرب، وهو غير صحيح، ويُنافي المروءة، بل حتى من الناحية التربوية هو غير صحيح؛ لأنه يُجرِّئ البنين والبنات على مثل هذه الأمور. والذي ينبغي: أن يكون البنون والبنات غافِلِين عن هذه الأمور بعيدين عنها.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: هل يجوز مخالفة الأنظمة الخالية من الفائدة؛ كقطع الإشارة مثلًا إذا لم يكن عندها أحد؟

الشيخ: هو الأصل في الأنظمة أنها تكون للمصلحة، هذا الأصل، يُفترض أنه لا يُوضع نظام إلا فيه مصلحة، لكن لو لم تُعرف هذه المصلحة أو هذه الحكمة، فهنا ما يجب طاعة هذا النظام؛ لأن طاعته في هذه الحالة تُعطيه قدسية، تجعله كأنه وَحْيٌ مُنزَّل، وهذا لا يجوز.

هذه مسألة مهمة، مِن أحسن مَن تكلم عنها أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، ولما ذكر كلام الفقهاء: “نصُّ الواقف كنص الشارع” قال: نصُّ الواقف كنصِّ الشارع يعني: في الدلالة وفي الفهم وليس في الوجوب، بل إن قول مساواة نصوص البشر بكلام الله وكلام رسوله قد تكون كفرًا، كيف تُساوي؟! تجعل لكلام البشر قدسية ككلام الله وكلام رسوله ؟!

ومِن العجب أن بعض الناس يُقدِّس الأنظمة أكثر من تقديس النصوص الشرعية، يعني: النصوص الشرعية على الأقل يدخلها تقييد المطلق وتخصيص العام، لكن تجد بعض الناس يُقدِّس الأنظمة تقديسًا يجعلها فوق نصوص الشرع، وهذا قد يكون فيه خلل من جهة المعتقد.

فنقول: الصحيح، الأصل أن هذه الأنظمة وُضعت لمصلحة، إذا كانت المصلحة فيها ظاهرة يلزم اتباعها، إذا لم توجد فيها مصلحة فالأصل أنه لا يجب، إذا انتفت الحكمة أو المصلحة منها، فالأصل أنه لا يجب.

أذكرُ على سبيل المثال مثالًا لذلك: أذكرُ صندوق التنمية العقاري لمَّا كان يشترط لمن يُقدِّم: أن يكون عنده أرض، هذا كان وقت إقرار هذا النظام، كان فيه مصلحةٌ حتى يستفيد من القرض مَن عنده أرض. ثم مع كثرة المتقدمين للصندوق أصبح لا يأتيهم الدور إلا بعد أكثر من عشر سنوات، فأصبح هذا الشرط ليس له فائدة.

فأنا كنت أقول لمن يذهب للمكتب العقاري ويُريد التخلُّص من هذا الشرط: لا بأس بهذا؛ لأن هذا الشرط أصبح ليس له فائدة.

وسبحان الله! قبل شهرين أو ثلاثة أشهر، صدر قرارٌ من مجلس الوزراء بإلغاء هذا الشرط؛ لأنه ليس له فائدة، لكنه بقي باعتبار أنه أُقِرَّ، ولم يوجد مَن يُحرِّك نَسْخَه أو إزالته، إلا بعد مُضِيِّ هذه المدة الطويلة.

فإذن؛ لا بد أن يكون التنظيم واضحًا المصلحة فيه، فإذا وُجد فيه مصلحة ظاهرة لَزِم اتباعه، وإذا لم تكن فيه مصلحة فالأصل أنه لا يجب، وغالب الأنظمة أنها لا تُوضع إلا لمصلحة المجتمع.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: عقود الشركات هل هي عقود لازمة أو جائزة؟

الشيخ: عقود الشركات عامة؟ ماذا يقصد الأخ السائل؟ هل هو مثلًا عقد البيع فهو لازم، عقد إجارة لازم، عقد مثلًا وكالة جائزة. فهذا السؤال مُجمَل بحسب طبيعة العقد.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: هل الأَوْلى لطالب العلم المبادرة إلى الزواج أم تأخيره للتفرُّغ للطلب؟

الشيخ: هذا يختلف باختلاف الأحوال واختلاف الأشخاص، واختلاف أيضًا مدى الحاجة للزواج، فالأصل هو قول النبي عليه الصلاة والسلام: يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج[33].

إن كان مستطيعًا فالأصل أنه يُبادر، هذا هو الأصل، لكن بعض الناس ربما يكون ليس عنده تلك الرغبة المُلِحَّة، ويرى أن اشتغاله بالعلم مُقدَّم، ويُريد تأخير الزواج قليلًا، نقول: لا بأس، لكن إذا كان حال الغالب من الناس، نقول: الأولى هو التبكير بالزواج والتعجيل به؛ لأن ذلك يُحقِّق مصلحة شرعية، وهي الإعفاف وغضُّ البصر للرجل وللمرأة.

هناك دعوات الآن بتأخير الزواج، خاصة للمرأة، هذا غير صحيح، ينبغي أن نحُثَّ المجتمع على التبكير بالزواج، سواء للرجال أو للنساء؛ لأن ذلك يُحقِّق مصالح شرعية كثيرة؛ من الإعفاف، ومن غضِّ البصر، ومن -أيضًا- كثرة النَّسل المطلوب في هذه الأُمَّة، ونحو ذلك من المصالح الشرعية المعتبرة.

لكن ربما هذا مع القدرة، نقول: الأولى التبكير. لكن، مع عدم القدرة: هل الأولى أن الإنسان ينتظر حتى يتيسر له المهر؟ أو يستلف ويقترض؟ نقول الله : وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33]، فالأولى هو الاستعفاف حتى يُغنيهم الله تعالى من فضله، وإن اقترض فلا حرج، لكن الأفضل هو هذا.

السؤال الأخير: أحسن الله إليكم. يقول: كيف الجمع بين حديث: إن مِن أشَرِّ الناس…، والحديث عن النبي أنه كان يُقبِّل وهو صائم؟

الشيخ: يُقبِّل؟

مداخلة: يُقبِّل زوجته وهو صائم.

الشيخ: نعم، يُقبِّل زوجته، لكن ليس عند الناس، إنما في مكان خاص، على أن هذا نقلَتْه بعض نسائه، وهذه مِن الحكمة مِن تزوُّج النبي عليه الصلاة والسلام بعددٍ من النساء؛ حتى يَنْقُلْنَ هذه الأمور الخاصة، فهو عليه الصلاة والسلام كما تحكي عائشة رضي الله عنها: كان يُباشر وهو صائم، ويُقبِّل وهو صائم. والحديث في الصحيحين[34].

لكن هذا فيما بينه وبين زوجته، وليس أمام الناس، كلامنا أن ذلك يفعله أمام الناس: إما حديثًا، وإما فعلًا؛ لأن هذا مُحرَّم، بل ظاهر الأدلة أنه من كبائر الذنوب، وهذا قد يفعله بعض الناس، تجد أنه يتحدث أمام أصحابه وأصدقائه ببعض الأمور الخاصة بينه وبين زوجته، وأنه يجب أن يُنكر مثل هذا العمل، وأن هذا من كبائر الذنوب.

السؤال: …..

الشيخ: يسأل يقول: حكم طاعة المرأة لزوجها قبل أن يتسلَّمها، يعني: فترة العقد؟

الأصل أن الزوجة يجب عليها أن تُطيع زوجها بعد العقد عليها، لكن وضعنا ضابطًا: وهو أن تكون الطاعة في المعروف، ومعلوم في عُرْف الناس أن طاعة المرأة للزوج قبل أن يتسلَّمها ليست كطاعتها له بعد أن يتسلَّمها، طاعتها له قبل أن يتسلَّمها أخَفُّ. أخَفُّ يعني مثلًا: ذهبت مع أهلها لزيارة أو للسوق أو نحو ذلك فلا بأس بهذا، بخلاف ما إذا تسلَّمها فيكون ذلك أشد.

فالضابط في هذا هو العُرْف.

مداخلة: …..

الشيخ: لو دخلوا فيها يكونون قد عَصَوْا؛ لأنهم أطاعوا هذا الرجل في غير المعروف، النبي عليه الصلاة والسلام قيَّد الطاعة بالمعروف. لكن، مسألة التخليد؛ عند أهل السنة والجماعة أن مرتكب الكبيرة لا يُخلَّد في النار، وإنما هو مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته في الدنيا، وفي الآخرة تحت المشيئة، إذا دخل النار قد يُخلَّد فيها الخلود المؤقت، لكن الخلود المؤبد لا يكون هذا للمسلم، إنما يكون هذا للكافر، فيجمع بين النصوص.

مداخلة: …..

الشيخ: يجمع مِثْلَ قول الله : وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا [النساء:93]، هذا من الخلود عند العرب: إما خلود مؤقت، أو خلود مؤبد. الخلود المؤبد هذا لا يكون إلا للكفار، أما الخلود المؤقت فقد يكون لبعض المسلمين.

مداخلة: …..

الشيخ: طاعة الولد لوالديه لها ضابط يا إخوان، الضابط الشرعي أن تكون بالمعروف. وقد ضبطها بعض أهل العلم كابن تيمية رحمه الله، قال: أن يكون أمره له فيما لهما فيه مصلحة، وليس على الولد ضرر.

لاحِظ هذين القيدين: فيما لهما فيه منفعة ومصلحة، وليس على الولد ضرر. فإن كان على الولد ضرر لم تلزم الطاعة.

يعني مثلًا: لو كان هذا الولد ما له إلا هذه السيارة ويذهب عليها لعمله، قال أبوه: أنا أريد هذه السيارة. هنا عليه ضرر، إذا لم يذهب بها تعطَّل عن دراسته أو عن وظيفته أو نحو ذلك؛ هنا لا تجب.

وكذلك أيضًا لا بد أن يكون أمرُهما له فيه مصلحة، بعض الآباء والأمهات يتعنَّت، يقول مثلًا لولده: لا تذهب إلى حلقة تحفيظ القرآن، لا تذهب لها. طيب، السبب؟ فقط تعنُّت. لا تَصُم -مثلًا- أيامَ البِيض، لا تُصلِّ صلاة التراويح؛ هنا لا تلزم الطاعة، ما هي مصلحة الأب من هذا؟

إذا كان ليس له مصلحة لا تلزم طاعته، أما لو كان له مصلحة، قال مثلًا: أنا أحتاجك، لا تُصلِّ صلاة الترويح لأنني أحتاجك في كذا؛ هنا نقول: تلزم الطاعة، لكن إذا كان مجرد تعنُّت.

بعض الآباء أو الأمهات يكره المتدينين مثلًا، يكره أهل الصلاح، فيأمر ابنه أنه ما يذهب معهم؛ فنقول: لا تلزم الطاعة إلا إذا كان هناك مَلْحَظٌ، إذا كان عندهم خَلَلٌ مثلًا في منهجهم أو نحو ذلك؛ هنا نقول: تلزم الطاعة، لكن إذا كانوا أناسًا صالحين، ومنهجًا صحيحًا، ونحو هذا، فإنما هذا الأب بطبيعته يكره المتدينين مثلًا، فهنا لا تلزم طاعته في هذا.

فالضابط إذن أن يكون للوالدين مصلحة، وليس على الولد ضرر.

السؤال: …..

الشيخ: إذا كان ذلك لا يُنافي المروءة فلا بأس، أما إذا كان فيه منافاة للمروءة فالأصل أنه ما يُفعل أمام الآخرين، حتى وإن كان أمام الأولاد.

طيب، يكون آخر سؤال.

السؤال: …..

الشيخ: أولًا: الحديث كما ذكرت في إسناده مقال، فهو رُوي واشتُهر هذا، لكنْ مِن أهل العلم مَن ضعفه. ثانيًا: هي واقعة عين.

ثالثًا: مثل هذا القياس -كما ذكرنا- قياسٌ مع الفارق، وليست هذه سُنة سنَّها عمر لجميع الناس، إنما قضى في هذه الواقعة فقط، في واقعة معينة.

فرقٌ بين أن يسُنَّ ذلك لجميع الناس، حتى نقول: إنه من سُنة الخلفاء الراشدين، أو أن تكون واقعة معينة، مثلما قضى عمر بانتظار امرأة المفقود أربع سنين، هذه واقعة عين.

لكن، مثل الذي سَنَّه سُنَّةً عامة للناس، مثل: زيادة عثمان للأذان الأول، هذه سُنَّة عامة للناس، فنقول: هذه من سُنن الخلفاء الراشدين.

طيب، نكتفي بهذا القدر.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 1467.
^2 رواه البخاري: 5094، ومسلم: 2225.
^3 رواه مسلم: 106.
^4 رواه أحمد: 12614، والترمذي: 1159، وابن ماجه: 1853.
^5 رواه أحمد: 23747، وأبو داود: 2659، والنسائي: 2558.
^6 رواه أحمد: 16288، والترمذي: 1160.
^7 رواه النسائي في “الكبرى”: 8922، وابن حبان في “صحيحه”: 1474.
^8 رواه البخاري: 3237، ومسلم: 1436.
^9 رواه أحمد: 19403، وابن ماجه: 1853.
^10 رواه البخاري: 5195، ومسلم: 1026.
^11 رواه أحمد: 7684، وابن ماجه: 1923، والدارمي: 1180.
^12 رواه أحمد: 21854، والترمذي: 1164، وابن ماجه: 1924.
^13 رواه أحمد: 8532، وابن ماجه: 1923، والدارمي: 1180.
^14 رواه أحمد: 10167، وأبو داود: 3904، والترمذي: 135، وابن ماجه: 639.
^15 مجموع الفتاوى، لابن تيمية: 32/ 267.
^16 رواه أحمد: 9733، وأبو داود: 2162.
^17 رواه البخاري: 299، ومسلم: 293.
^18 رواه مسلم: 1442.
^19 رواه البخاري: 5207، ومسلم: 1440.
^20 رواه البخاري: 5208، ومسلم: 1440.
^21 رواه مسلم: 1437.
^22 رواه ابن حجر في “زهر الفردوس”: 3045.
^23, ^30, ^31 سبق تخريجه.
^24 رواه ابن ماجه: 1921.
^25 رواه البخاري: 263، ومسلم: 321.
^26 رواه البخاري: 6388، ومسلم: 1434.
^27 رواه البخاري: 900، ومسلم: 442.
^28, ^29 رواه البخاري: 7145، ومسلم: 1840.
^32 رواه أحمد: 6756، وأبو داود: 495.
^33 رواه البخاري: 1905، ومسلم: 1400.
^34 رواه البخاري: 1927، ومسلم: 1106.
zh