logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(80) كتاب الصداق- من قوله: “وإن اختلفا في قدر الصداق أو جنسه..”

(80) كتاب الصداق- من قوله: “وإن اختلفا في قدر الصداق أو جنسه..”

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، إلى يوم الدين.

أما بعد:

تتمة كتاب الصداق

فكنا قد وصلنا في (كتاب الصَّداق) إلى اختلاف الزوجين في قَدْر الصَّداق.

أحكام اختلاف الزوجين في الصداق

قال المصنف رحمه الله تعالى:

فصل
وإذا اختلفا في قَدْر الصَّداق أو جِنْسِه.

هنا عقد المؤلف رحمه الله هذا الفصل؛ لِيُبيِّن فيه أحكام اختلاف الزوجين في الصَّداق، ونجد أن الفقهاء اعتنوا بهذه المسائل؛ لأن الصَّداق من الأمور المالية، ومعلوم أن الأمور المالية كثيرًا ما يقع النِّزاع فيها، خاصة عندما يكون هناك طلاق ونحو ذلك، فتكثر النِّزاعات في الأمور المالية؛ لهذا نجد أن الفقهاء عُنوا بضبط وتحرير هذه المسائل.

قال: (وإذا اختلفا) يعني: الزوجان (في قَدْر الصداق، أو جنسه).

أو ما يستقرُّ به؛ فقول الزوج أو وارثه.

إذا اختلفا في قَدْر الصداق، فالزوج يقول: إنَّ قَدْر الصَّداق مثلًا أربعون ألفًا، والزوجة تقول: قَدْر الصَّدَاق خمسون ألفًا. (أو جنسه)، نفترض أن الزوج يقول: إن جنس الصَّداق فضة. والمرأة تقول: بل هو ذهب.

(أو ما يستقرُّ به) إن ادَّعت بأنه قد وطئها مثلًا، وأنكر ذلك، قال: (فقول الزوج). فالأصل أنَّ القول قول صاحب البيِّنة، إن كان ثَمَّ بيِّنة فالأصل قول صاحب البيِّنة. فإن لم يكن بيِّنة فالقول قول الزوج؛ وذلك لأن الأصل براءة ذمته من القَدْر المُختلف فيه، فعلى من ادَّعاه البيِّنة، ومن أنكره فعليه اليمين.

فمثلًا: عندما يختلفان في قدْر الصداق: الزوجة تقول: خمسون، والزوج يقول: أربعون، هما قد اتفقا على الأربعين، العشرة آلاف هذه التي هي الفَرْق تدَّعيها المرأة، فتُطالَب بالبيِّنة، وإلا فالقولُ قولُ الزوج؛ لأن الأصل براءة ذمته مِن القَدْر الزائد.

ولكن هنا قلنا: إذا وجد بيِّنة فالقولُ قولُ صاحب البيِّنة، ففي مسألة “ما يستقر به المهر”، معلوم أنه مما يستقرُّ به المهر: الوطء، فيمكن أن يكون من البيِّنةِ تقريرٌ طبي مثلًا، بأن تنظر طبيبة فأكثر لهذه المرأة، وفي الطب الحديث يستطيعون معرفة هل وُطِئت أم لا؟

أما إذا كانت بكْرًا فالأمر ظاهر، وإذا كانت ثَيِّبا أيضًا فبالإمكان معرفة ذلك، إذا كان الوقت لم يَطُل فهذا يدخل في البيِّنة. لكن لو افترضنا أنه لم توجد بيِّنة؛ فالقول قول الزوج.

ومسائل الاختلاف بين الزوجين نستطيع أن نضع فيها ضابطًا، فنقول: إن مسائل الاختلاف بين الزوجين، بل في جميع الاختلافات من البيع والشراء والإجارة ونحو ذلك، إن كان هناك بيِّنة فالقولُ قولُ صاحب البيِّنة، وإن لم يكن هناك بيِّنة فيُقدَّم قولُ مَن الأصل معه، إلا أن يكون هناك ظاهِرٌ يَغلِب على هذا الأصل، فيُغلَّب الظاهر.

ودليل هذا الضابطِ قولُ النبي : البيِّنة على المُدَّعي، واليمين على مَن أنكر[1]، فالذي أنكر معه الأصل وهو براءة ذمته.

ثم مَن قلنا: القولُ قوله؛ لا بد من اليمين: البيِّنة على المدِّعي، واليمين على من أنكر، فنقول لصاحب الأصل الذي القولُ قوله: لا بد من يمينه.

وعلى ذلك نُطبِّق هذه المسألة عندما يختلفان في قَدْر الصَّداق أو جِنْسه أو ما يستقرُّ به، فإن كان هناك بيِّنة فالقولُ قولُ صاحب البيِّنة، إن لم يكن هناك بيِّنة فالقولُ قولُ مَن الأصل معه، والأصل مع الزوج في هذه المسألة؛ لأن الأصلَ براءة ذِمَّته مِن القَدْر الزَّائد، والمرأة تدَّعي ذلك، فهي مُطالَبة بالبيِّنة، وإلا فالقول قوله بيمينه.

قال:

وفي القبض، أو تسمية المهر: فقولها، أو وارثها.

طبعًا، الوارث يقوم مقام الزوج في المسألة الأولى، ويقوم مقام الزوجة في المسألة الثانية.

قال:  (وفي القبض)، فإن اختلفا في القبض، فقالت الزوجة: أنا لم أقبض المهر، وقال الزوج: بل قَبَضْتِه.

(أو تسميه المهر)؛ بأن قال الزوج: لم أُسمِّه. وقالت المرأة: بل سمَّيْتَ مهر المِثْل. فالقولُ قولها؛ وذلك لأن الأصل معها، فإن الأصل عدم القبض، والظاهر تسمية المهر، فكان القولُ قولها.

قال:

وإن تزوجها بعقدين.

هذه من المسائل القليلة أو نادرة الوقوع، (وإن تزوجها بعقدين).

على صَدَاقين، سِرًّا وعلانية؛ أُخِذ بالزائد.

وذلك لأنه إن كان السر أكثر فقد وجب بالعقد ولم يُسقطه العلانية، وإن كان العلانية أكثر فقد بذل لها الزائد فلِزمه، كما لو زاد في صَداقها بعد تمام العقد، فإنه يجوز بنصِّ الآية؛ كما في قول الله : فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ [النساء:24]. فإذن؛ يُؤخذ بالزائد هنا.

ثم انتقل المؤلف للكلام عن “هدية الزوج”، وهذه من المسائل المهمة، وأكثر ما يقع فيه الخلاف في هذه المسائل.

هدية الزوج، هل تُحسب من المهر أو لا تُحسب؟ هل يردها أو لا يردها؟

هدية الزوج هل تُحسب من المهر؟

قال:

وهدية الزوج ليست من المهر.

هذا أصلٌ في هذه المسألة، هدية الزوج ليست من المهر، فكيف نُفرِّق بين هدية الزوج والمهر؟

المرجع في ذلك للعُرف، في عُرْف الناس أن المهر هو الذي يسجَّل في العقد، وأن الذي لا يُسجل يُعتبر هدية. فإذن؛ الأصل أن هدية الزوج ليست من المهر.

فما قبل العقد.

يعني: فما أهداه الزوج للمرأة قبل العقد.

إن وعدوه.

أي: بأن يُزوِّجوه.

 ولم يَفُوا.

بأن زوَّجوا غيره.

رَجَعَ بها.

أي: رجع بالهدية قبل العقد.

معنى عبارة المؤلف: ما أهداه للمرأة قبل العقد بناءً على وَعْدهم -وَعْد المرأة وأهلها- له بأن يُزوِّجوه، لكنهم لم يفوا بهذا الوعد، بل زوَّجوها غيره، فإنه يرجع عليهم بالهدية، يقول: “أعطوني الهدية”؛ وذلك لدلالة الحال على أنه إنما وَهَب بشرطِ بقاء العقد، فإذا زال مَلَك الرجوع؛ فكأنها هدية مشروطة.

تُرد الهدية إذا رد المهر

وتُرَدُّ الهدية في كلِّ فُرْقةٍ اختيارية مُسقِطةٍ للمهر.

إذا كانت الفرقة مسقطة للمهر؛ يعني: لا تستحق المرأة معها المهر، وإنما يُعاد المهر كاملًا للزوج، وهذه اختيارية؛ كالفسخ بعيب ونحوه. وسبق أن بيَّنا هذه المسألة -في درس سابق– بالتفصيل، فإنه تُرَدُّ الهدية معه، إذا رُدَّ المهر تُرَدُّ معه الهدية.

وتثبت كلُّها مع مقرِّر له أو لنصفه.

إذا استقر المهر، والمهر كما قلنا يستقر بأيِّ شيء؟ يستقر بالدخول، ويستقر كذلك بأمر آخر وهو الخلوة، رجَّحنا أنه لا يستقر بها، لكن يوجد أمر آخر غير الدخول والخلوة؟

نعم، بالموت، فالموت هو من أعظم ما يكون من الفُرْقة.

(تثبت كلها مع مقرر له أو لنصفه)؛ يعني: أنه مع استقرار المهر تثبت الهدية للزوجة، وكذلك مع -أيضًا- تنصيف المهر تكون الهدية للزوجة، إنما تُرَدُّ الهدية إذا رُدَّ كامل المهر، أما إذا استقر المهر إما بالدخول وإما بالموت؛ فتكون الهدية للمرأة، وهكذا أيضًا إذا تنصَّف المهر.

أنواع التفويض في النكاح

ثم قال المؤلف رحمه الله:

فصل.

انتقل المؤلف للكلام عن التفويض، هذا الفصل يُسمِّيه العلماء بـ”المُفوِّضة”، وهذا المصطلح يقولون: التفويض على ضربين: تفويض البُضْع؛ أي: الفرج، وتفويض المهر. يقسمون التفويض إلى قسمين: تفويض البُضْع، وتفويض المهر.

النوع الأول: تفويض البضع

أما تفويض البُضْع فمعناه: أن يُزوِّج الرجل ابنته البكر، أو تأذن المرأة لوليِّها بأن يُزوِّجها بلا مهر؛ يعني: تزويج المرأة بلا مهر بإذنها.

وعلى المذهب أو على قول الجمهور: المرأة البِكْر، لوليِّها أن يُجبرها على هذا.

إذن؛ هو أن يُزوِّج الرجل ابنته البكر، أو تأذن المرأة لوليِّها بأن يُزوِّجها بلا مهر؛ أي: بدون تسمية مهر؛ فكأن الولي فوَّض إلى هذا الزوج بُضْع هذه المرأة دون أن يذكر عِوَضه.

فما حكم هذا؟ حُكمه، نقول: العقد صحيح، ويجب به مهر المِثْل، هذا بالإجماع؛ لقول الله : لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة:236]. فلا يجب تسمية المهر في العقد.

هذا إذن تفويض البُضْع، إذن العقد صحيح، ويجب لها مهر المثل معه.

النوع الثاني: تفويض المهر

النوع الثاني: تفويض المهر، وهو أن يُزوِّجها على ما يشاء أحدهما أو أجنبي.

كيف ما يشاء أحدهما؟ يعني مثلًا الزوج، عندما يقول له الولي: “كم تُمْهِر الزوجة”، يقول: “ما شاءت، ما تُريد، أُعطيها من المهر ما تُريد”، أو العكس؛ عندما يُقال للولي أو للمرأة: “كم المهر؟”، يقول: “على ما يُعطينا الزوج، ما يُريد الزوج”. فإذن؛ هنا فوَّض المهر إلى أحد الزوجين.

أو إلى أجنبيٍّ؛ كمِثل جدِّ المرأة، فيقال: المهر على ما يشاؤه فلان، الذي هو جدُّ المرأة مثلًا.

هذا يُسمى تفويض المهر، والعقد معه صحيح، ويجب به مهر المثل أيضًا، الحكم نفسه.

الفرق بين تفويض البُضع وتفويض المهر

أن تفويض البُضْع لا يُذكر فيه المهر أصلًا، بينما تفويض المهر يُذكر فيه لكن من غير تعيين. هذا هو الفرق بينهما.

فإذن؛ عندنا نوعان من التفويض:

  • تفويض البُضْع، ما يُذكر فيه المهر أصلًا.
  • وتفويض المهر، يُذكر فيه، لكن من غير تعيين.

وكِلا النوعين العقدُ معه صحيح، ويجب معه مهر المِثل.

حكم من تزوجت بلا مهر أو بمهر فاسد

قال المؤلف رحمه الله:

ولمن زُوِّجت بلا مهر.

قوله (ولمن زُوِّجت بلا مهر) يشمل النوعين جميعًا: تفويض البضع، وتفويض المهر.

أو بمهر فاسد.

كخمر أو خنزير مثلًا.

فُرِض مَهْرُ مِثْلِها عند الحاكم.

يُفرَض لها مهرُ المِثل عند الحاكم، ومهرُ المثل المرجعُ فيه للعُرْف. والقاعدة أنه: إذا بطل المُسمَّى فلها مهر المِثْل. هذه قاعدة تكررت معنا في الدروس السابقة: إذا بطل المُسمَّى فلها مهر المِثْل.

إذا بطل المُسمَّى مثلًا؛ لكونه مهرًا فاسدًا، أو مثلًا لجهالته كما في تفويض المهر؛ فهنا نرجع لمهر المِثْل.

وهنا قال المؤلف: الذي يفرض ذلك هو الحاكم، وسواءٌ قبل الدخول أو بعده؛ وذلك لأن الزيادة على مهر المِثْل فيها إضرار بالزوج، والنقص عن مهر المثل فيه إضرار بالمرأة؛ فالمرجع في ذلك إلى الحاكم، يعني: تقديره يرجع إلى الحاكم، إلا إن تراضيا.

لهذا قال المؤلف:

فإن تراضيا فيما بينهما ولو على قليلٍ؛ صحَّ ولزم.

إذا تراضيا على الحقِّ بينهما، ولا يحتاجان إلى أن يَذْهبا للحاكم؛ فيصح ويلزم. أما إذا حصل النزاع فلا بد من الذهاب للحاكم، والمقصود به القاضي؛ وذلك لتقدير مهر المِثْل.

حكم الصداق إن حصلت فرقة قبل الدخول

فإن حصلت لها فُرْقة  مُنَصِّفَةٌ للصَّداق قبل فرضه.

يعني: قبل فرض الصَّداق؛ بأن طُلِّقت مُفوِّضَةٌ قبل الدخول مثلًا، ونحو ذلك، مما يتنصَّف به الصَّداق، وقد تقدم وتبيَّن لنا الأحوال التي يتنصَّف فيها الصَّداق. (إن حصلت فُرْقة  مُنَصِّفَةٌ للصَّداق قبل فرضه) يعني: قبل فرض الصَّداق.

أو تَراضِيهما.

أي: حصلت الفرقة المنصِّفة للمهر قبل تراضيهما على فرض المهر.

وجبت لها المُتْعة.

(وجبت لها المتعة)؛ وذلك لقول الله : وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ [البقرة:236]، فيجب لها المتعة عند حصول الفرقة المنصِّفة قبل فرضه وتسميته.

قال:

على المُوسِرِ قَدَرُه، وعلى المُقْتِرِ قَدَرُه.

المُوسِرِ: هو الغني، والمُقْتِرِ: هو المعسر أو الفقير.

مقدار المتعة للمطلقة

فأعلاها خادِم، وأدناها كسوة تُجزئها في صلاتها، إذا كان معسرًا.

وهذا قد رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: أعلى المتعة خادم، ثم دون ذلك النفقة، ثم دون ذلك الكسوة. أخرجه ابن أبي شيبة بسندٍ صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما.

ولكن هذا التقدير بالخادم والكسوة موافقٌ لما هو في زمنهم، والآية عامة في كلِّ زمان ومكان: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ [البقرة:236]؛ فلا تتقيَّد بذلك، بل نقول: الموسر يُعطيها ما تَجُود به نفسه، وكذلك المعسر يُعطيها ما تجود به نفسه، كلٌّ على حسب حالته المادية.

إذن؛ إذا لم يُسَمَّ المهر وطُلِّقت المرأة، فيكون لها المتعة: لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:236].

إذا سُمِّي لها المهر يكون لها النصف: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237]. هذا كله قبل الدخول، بعد الدخول يستقر المهر، لها المهر كاملًا.

مداخلة: …..

الشيخ: مقدار التعليم قَدْرُه كم في عُرْف الناس؟ يُقدَّر ويُعطيها نصفَه عندما يكون مُسمًّى، وهو هنا مُُسمًّى.

وعرفنا المقصود بالتسمية، المقصود بالتسمية: أنه يُسمِّيه أثناء العقد، ليس في كتابة، يقول: “زوجتك ابنتي فلانة، على مهرٍ قَدْره كذا”، هذا معنى التسمية، فلا بد من التسمية؛ لينُصَّ عليه في الإيجاب القبول.

مداخلة: …..

الشيخ: إذا طُلِّقت قبل الدخول لا؛ ننظر: إن كان قد سُمِّي لها المهر فلها النصف، إن كان لم يُسَمَّ لها المهر فلها المتعة: وَمَتِّعُوهُنَّ.. لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ [البقرة:236].

لا مهر في النكاح الفاسد إلا بالخلوة أو الوطء

قال:

فصل
ولا مهر في النكاح الفاسد إلا بالخلوة أو الوَطْءِ.

(ولا مهر في النكاح الفاسد إلا بالخلوة أو الوطء) النكاح الفاسد عند الحنابلة هو غير المُجمع على فساده، كالنكاح بلا ولي.

وقال: (لا مهر) يعني: للمرأة في هذا النكاح (إلا بالخلوة أو الوطء)؛ وذلك إذا وطئها استقر لها المهر. والخلوة على الخلاف الذي أشرنا إليه في الدرس السابق، وذكرنا أن القول الراجح أن الخلوة لا تأخذ حكم الوطء.

فإن حصل أحدهما.

يعني: الخلوة أو الوطء.

استقرَّ المسمى إن كان، وإلا فمهر المِثْل.

إن حصل الخلوة أو الوطء فإنه يستقر للمرأة المهرُ المُسمَّى، وعلى القول الراجح: الذي يستقر لها بالوطء فقط، وإلا فإن لم يكن المهر قد سُمِّي فلها مهر المِثْل.

المهر في النكاح الباطل

وأما النكاح الباطل، قال:

ولا مهر في النكاح الباطل.

النكاح الباطل: هو النكاح المجمع على بطلانه؛ وذلك كمُعتَدَّة وخامسة وزوجة الغير، فهذا يعني: لو تزوج بزوجة الغير مثلًا، هذا لا مهر فيه.

 إلا بالوَطْءِ في القُبُل.

أما قبل الوطء فليس فيه مهر، لكن لو وطئها، قال: (إلا بالوَطْءِ في القُبُل).

مهر الموطوءة بشبهة

وكذا الموطوءة بشبهة.

فيجب لكلٍّ منهما مهر المِثْل بالوطء.

“الوطء بشبهة” يعني: يطؤها يظنها زوجته مثلًا، أو لم يتبيَّن أنها أخته من الرضاع، أو نحو ذلك، فيكون لها مهر المِثْل. أما قبل الدخول فلا شيء لها؛ لأنه نكاح باطل.

مهر المكرهة على الزنا

والمكرهة على الزنا، لا المُطاوِعة، ما لم تكن أَمَةً.

فأفادنا المؤلف بأن المكرهة على الزنا لها مهر المِثْل، وأما المطاوعة على الزنا فليس لها شيء. وهذه المسألة اختلف فيها العلماء:

القول الأول: هو التفريق بين المُكرَهة والمُطاوِعة، فيقول: المكرهة يجب لها مهر المِثْل بما استحَلَّ من فرجها، وأما المطاوعة فلا يجب لها شيء؛ لأنها مختارة.

وقال بعض العلماء: إنه لا مهر للمَزْنيِّ بها، سواءٌ أكانت مكرهة أو مطاوعة؛ لأن الله تعالى أوجب في الزنا حدًّا معلومًا، فلا تزيد على ما أوجبه الله، ولا يصح قياس الوطء المُحرَّم على الوطء الحلال.

لكن، إذا كانت بِكْرًا فيجب لها أَرْش البَكارة، وأَرْش البَكارة هو الفرق بين مهرها بكْرًا ومهرها ثيِّبًا، هذا هو أَرْش البكارة، الفرق بين مهرها بكْرًا ومهرها ثيِّبًا.

وهذا هو الأقرب والله أعلم؛ لأن إيجاب المهر للمَزْنيِّ بها يحتاج إلى دليل، ما هو الدليل على أن المَزْنيَّ بها يجب لها المهر؟

أما كونه قد وطئها؛ فنقول: إنَّ لها أرش البكارة مقابل هذا التعدِّي والإتلاف، أما أن نوجب عليه مهر المِثْل، فهذا يحتاج إلى دليل، والله أوجب في الزنا حدًّا معلومًا، والرجم إذا كان محصنًا، والجلد مع التغريب إذا كان غير مُحصَن، فلا نزيد في العقوبة على ما أوجبه الله . هذا هو القول الراجح والله أعلم.

وهنا قال المؤلف: (ما لم تكن أَمَة)، فإذا كانت أَمَة فيجب لسيِّدها مهر المِثْل؛ وذلك لأن الأَمَة لا تملك بُضعَها، فلا يسقط حقُّ سيدها بطواعيتها.

يتعدد المهر بتعدد الشبهة والإكراه

قال:

ويتعدَّد المهر بتعدُّد الشُّبهة والإكراه.

هذه أيضًا من المسائل النادرة، يعني يقولون: لو -مثلًا- وطئها ظانًّا أنها زوجته خديجة، ثم وطئها مرة ثانية ظانًّا أنها زوجته مريم، فيجب لها مهران، ثم لو وطئها ظانًّا أنها زوجته فلانة، يجب لها ثلاثة مهور، يعني: هذه من المسائل المفترضة.

لكن يقولون: “يتعدَّد المهر بتعدُّد الشُّبهة والإكراه”، نحن قلنا: إن المكرهة لا يجب لها مهر المِثْل، وإنما لها أرْشٌ فقط، لها أرْشُ البَكارة.

ما يلزم مَن أزال بكارة أجنبية بلا وطء؟

قال:

وعلى مَن أزال بَكارةَ أجنبيةٍ بلا وطءٍ، أرْشُ البَكارة.

مَن أزال أو تسبَّب في إزالة أرْشِ البَكارة بلا وطء بأيِّ سببٍ من الأسباب؛ يجب عليه أرْشُ البَكارة، وهو الفرق ما بين مهرها ثيِّبًا وبِكْرًا.

فإن كان الذي أزاله هو الزوج؟ قال:

وإن أزالها الزوج.

يعني: بلا وطء.

ثم طلَّق قبل الدخول، لم يكن عليه إلا نصفُ المُسمَّى.

لقول الله : وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237]، فالزوج إذا أزال البَكارة بلا وطءٍ وقبل الدخول فليس لها إلا نصف المهر إذا كان مُسمًّى، وإذا كان غير مسمى فليس لها إلا المتعة؛ لقول الله ​​​​​​​: لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ [البقرة:236]. فإذا لم يُسَمَّ المهر فلها المتعة.

لماذا فرَّقوا بين الزوج وغير الزوج -يعني- إذا زالت البكارة؟ الزوج -يقولون- ليس عليه شيء، وغير الزوج لا، عليه أرْش البكارة؟

أولًا: لأن الزوج هو مأذون له في هذا العمل، له أن يستمتع بالمرأة بما شاء، ما عدا أمرين: الوطء في الحيض، والوطء في الدُّبر. فهو في الأصل مأذون له؛ فلا يُقاس الزوج على غيره.

وأما ما تستحقه؛ تستحق هي نصف المهر إن كان مُسمًّى، والمتعة إذا كان غير مُسمًّى. لا شك أن الفرق بين الزوج وغير الزوج ظاهر.

طيب، هل زوال بكارة المرأة، هل هو بالضرورة يدل على زناها أو لا يدل؟

مداخلة: …..

الشيخ: لا يدل؛ لأنهم يقولون: البَكارة قد تزول بأسبابٍ غيرِ الوطء، فيقولون: قد تزول بالطَّمْرة، أو الرَّكضة الشديدة، السقوط من علوٍّ أحيانًا، فقد تزول بأمور غير الوطء.

لذلك؛ لا يُتعجَّل في الجزم بزنا المرأة إذا زالت بَكارتها، فإنها قد تزول بغير الوطء. لكن، الغالب أنها لا تزول إلا بالوطء، هذا هو الغالب، لكن مع ذلك قد تزول بغير الوطء، كما ذكرنا لو تعرضت لحادث، أو سقوط، أو نحو ذلك، فإنها قد تزول.

حكم تزويج مَن نكاحها فاسد قبل الفرقة

قال:

ولا يصح تزويج مَن نكاحها فاسد.

سبق أن ذكرنا الفرق بين النكاح الفاسد والنكاح الباطل عند الحنابلة، فالفاسد ضابطه ما هو؟ المختلف فيه، والباطل المجمع على تحريمه.

لا يصح تزويج مَن نكاحها فاسد قبل الفُرْقة.

يعني: لا بد في النكاح الفاسد؛ النكاح الفاسد مثَّلنا له بأيِّ شيء؟ نكاح بلا وليٍّ. ذكرنا فيما سبق الخلاف بين الحنفية والجمهور، كالنكاح بلا وليٍّ مثلًا، لا بد من الفُرْقة بطلاق أو فسخ؛ وذلك لأنه نكاحٌ يَسُوغ فيه الاجتهاد، فاحتاج إلى إيقاعِ فُرْقةٍ كالصحيح.

وهذا بخلاف الباطل، بخلاف -مثلًا- ما لو نكح مُعتدَّة، أو نكح خامسة، هذا لا يحتاج إلى فُرْقة، لا يحتاج إلى طلاق ولا إلى فسخ، أصلًا هو نكاح باطل.

فإن أباها الزوج.

يعني: أبى الفرقةَ الزوجُ.

فسَخَهُ الحاكم.

فإن رفض الزوج؛ مثلًا: هذا رجل تزوج امرأةً بلا وليٍّ، قال: “أنا على مذهب الحنفية”، ثم بعد ذلك رُفع أمره للقاضي، فقال له القاضي: “قول الحنفية في هذه المسألة قولٌ ضعيف، ولا يحل لك هذا الزواج”، فأمره بالطلاق وأبى، وأمره بالفسخ فأبى. ما هو الحل؟ يفسخ القاضي النكاح.

لهذا قال: (فإن أباها)؛ يعني: أبى الفرقةَ الزوجُ (فسَخَهُ الحاكم).

وأيضًا مما ذُكر في هذا من المسائل: أن للمرأة مَنْعَ نفسها حتى تقبض صَدَاقَها الحالَّ، فلها ألا تُمكِّن الزوجَ مِن نفسها حتى تقبض صَداقها.

فإذا كان الزوج لم يُسلِّم الصَّداقَ؛ فللمرأة أن تمتنع من الزوج؛ لأنها قد تُمكِّنه من نفسها فيطؤها ثم يُماطل فلا يُسلمها المهر. وهذا بخلاف ما إذا كان مُؤجَّلًا فليس لها ذلك، ليس لها أن تمتنع قبل حلول الأجل.

والمهر -كما ذكرنا- يصح أن يكون حالًّا ويصح أن يكون مُؤجَّلًا، ويصح النكاح من غير تسميةٍ له في قول عامة أهل العلم؛ لقول الله : لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة:236].

وجاء عن ابن مسعود : أنه سئل عن امرأة تزوَّجها رجلٌ ولم يفرض لها صَدَاقًا، ولم يدخل بها ثم مات، فقال ابن مسعود : لها صَدَاقُ نسائها -يعني: مهر المِثْل- لا وَكْسَ ولا شطط، وعليها العِدَّة، ولها الميراث. فقام مَعْقِل بن يَسَار  فقال: قضى رسول الله في بَرْوَعَ بنت وَاشِقٍ بمثل هذا -أو: بمِثْل ما قَضَيْتَ-. أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: “هذا حديث حسن صحيح”[2].

فهذا رجلٌ عقد على امرأة ثم مات، ما وطئها ولا خَلَا بها، ولا سمَّى لها مهرًا، فما الحكم؟ بمجرد هذا العقد لها الميراث، ولها مهر المِثْل، وعليها العدة، الإحداد.

لاحِظ: كسبتْ كلَّ هذه الأمور بسبب العقد. وهذا بخلاف الطلاق، فالطلاق ذكرنا له أحكامًا تختلف. لكن عند الوفاة يكون لها مهر المِثْل، ويكون أيضًا لها الميراث، وعليها العدَّة.

باب الوليمة وآداب الأكل

ثم قال المؤلف رحمه الله:

باب: الوليمة وآداب الأكل.

انتقل المؤلف للكلام عن الوليمة وآداب الأكل.

قوله (باب: الوليمة) يقصد بالوليمة: وليمة العرس؛ ولهذا قال:

حكم وليمة العرس

وليمة العرس سنة مؤكدة.

(وليمة العرس) هي طعام العرس؛ لاجتماع الرجل والمرأة.

السُّنة أن تُقام وليمة، يعني: بمثابة الاحتفال بهذا الزواج؛ لقول النبي لعبدالرحمن بن عوف  : أَوْلِم ولو بشاة. متفق عليه[3].

عبدالرحمن بن عوف  من أغنياء الصحابة ، وكان لما قَدِم مهاجرًا من مكة إلى المدينة ليس معه شيء، وآخَى النبيُّ بينه وبين سعد بن الربيع ، كما في “صحيح البخاري”، فأتى إليه سعد ، وقال: يا أخي، قد علمت الأنصار أني مِن أكثرها مالًا، وسأقسِم مالي بيني وبينك نصفين.

انظُرْ إلى الأخلاق العظيمة! رجل ما يعرفه مِن قبلُ، وليس بينه وبينه نَسَبٌ ولا معرفة سابقة، لكن لأنه أخوه في الله -الصحابة ، الدنيا في أيديهم وليست في قلوبهم يُريد أن يقسم نصف ثروته لأخيه؛ قال: وعندي زوجتان، فانظر إلى أيَّتِهما هَوِيتَ، أُطلِّقها فتعتَدُّ ثم تتزوج بها.

انظُرْ إلى هذا العَرْض، ثم انظر إلى إجابة عبدالرحمن ! ماذا قال عبدالرحمن؟ قال: بارك الله لك في مالك وأهلك، ولكن دلُّوني على السوق.

انظر عزة النفس! الصحابة عندهم عزة نفس ؛ لأنهم تربية النبي .

فذهب إلى السوق، وأصبح يبيع ويشتري فيه، وفتح الله عليه، فأصبح من أغنياء الصحابة ، ومعروفٌ موقفه في غزوة العُسرة.

فهو تزوج، وأتى النبي عليه الصلاة والسلام، وشمَّ النبي عليه الصلاة والسلام رائحة الطِّيب فيه، فقال : مَهْيَمْ. فذكر له، قال: إني تزوجت. فقال عليه الصلاة والسلام: أولِمْ ولو بشاة[4]. لأن عبدالرحمن كان غنيًّا.

فقوله: ولو بشاة فيه إشارة إلى أن الغنيَّ ينبغي أن تكون وليمته أكثر من شاة، لكن من غير أن يصل إلى حَدِّ الإسراف والتبذير.

فإذن؛ وليمة العرس سنة مؤكدة، وقد فعلها النبي مع أكثر نسائه، فكان عليه الصلاة والسلام يُولِم. ولكنها ليست واجبة؛ فإن النبي في زواجه ببعض أمهات المؤمنين لم يُولِمْ عليه الصلاة والسلام، وإنما وضع حَيْسًا ونحوَه؛ كما في زواجه بصفية[5].

فدلَّ ذلك على أن الوليمة ليست واجبة، وإنما سنة مؤكدة، ولكن ينبغي ألا تصل إلى حَدِّ الإسراف، يعني: الوليمة سُنة، لكن لا تصل إلى حَدِّ الإسراف والتبذير.

حكم إجابة وليمة العرس

قال:

والإجابة إليها في المرة الأولى واجبة.

انتقل المؤلف للكلام عن حكم إجابة وليمة العرس، وهذه من المسائل المهمة.

اختلف العلماء في حكم إجابة وليمة العرس:

فذهب جمهور أهل العلم إلى أنها واجبة بالشروط التي ذكرها المؤلف؛ واستدلوا بحديث أبي هريرة أن النبي قال: مَن لم يُجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله[6]. وهذا صريح في وجوب إجابة الدعوة؛ لأن عصيان الله ورسوله لا يكون إلا على ترك واجب.

والقول الثاني في المسألة: أن إجابة دعوة العُرْس مستحبة وليست واجبة؛ وذلك لأن إجابة الدعوة من الحقوق المندوب إليها، كما في حديث البَرَاء قال: أَمَرَنا رسول الله بسبعٍ ونهانا عن سبع. وذكر مما أَمَر به: إجابة الداعي. متفق عليه[7].

وأيضًا لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: إذا دعا أحدكم أخاه فليُجب، عُرْسًا كان أو نحوه. وهذا رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظ مسلم[8]، وجاء في رواية أخرى: أجيبوا الدَّعوة إذا دُعيتم لها[9].

وأجابوا عن حديث أبي هريرة : “مَن لم يُجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله”؛ قالوا: إن هذا الحديث لا يصح مرفوعًا إلى النبي ، وإنما هو موقوف على أبي هريرة ، وكل الروايات التي في “موطأ مالك” و”مسند أحمد” و”صحيح البخاري” و”صحيح مسلم”، و”سنن أبي داود”، و”سنن ابن ماجه”؛ كلها موقوفة على أبي هريرة ، سوى روايةٍ عند مسلم، ذَكَرها متابعةً بعد ذِكْرِه لعدة روايات مرفوعة.

ومعلوم أن الإمام مسلمًا رحمه الله مِن منهجه أنه يذكر رواية صحيحة ثم يُعْقبها برواية ضعيفة، وقد أشار إلى هذا في المقدمة، وهذا غالبًا وليس دائمًا، غالبًا ما يذكر رواية صحيحة ثم يُعْقبها برواية ضعيفة؛ للتنبيه على ضعفها.

مثل حديث: غيِّروا شعر هذا، ثم رواه برواية: غيروا شعر هذا وجنِّبوه السَّواد[10]؛ للتنبيه على ضَعْفها.

ومثل: لا تُخمِّروا رأسه، رواه بعدة روايات: لا تخمروا رأسه، ثم ذكر رواية: لا تخمروا رأسه ولا وجهه[11]؛ للتنبيه على ضَعْفها. فهذه ذَكَرها؛ قالوا: إنه إنما ذكرها مسلمٌ للتنبيه عليها.

وقد أطال الحافظ الدارقطني في “العلل” في ذِكر رواية الحديث، ثم قال: الصحيح موقوف، والحُفَّاظ يُرجِّحون الرواية الموقوفة.

وعلى هذا؛ فليس هناك شيءٌ مرفوع يدل على الوجوب.

وبعض أهل العلم يقول: حتى لو قلنا: إنه موقوف على أبي هريرة ، فلها حكم الرفع.

ولكن هذا محل نظر؛ إذ إن هذا فهمٌ فَهِمَه الصحابيُّ ، فهو كقول عَمَّار : مَن صام اليوم الذي يُشَكُّ فيه، فقد عصى أبا القاسم [12].

ففَهِم أبو هريرة من قول النبي عليه الصلاة والسلام: إذا دعا أحدكم أخاه فَلْيُجِبْه: أنَّ تَرْك الإجابة معصية، ولا يُقوِّل النبيَّ ما لم يَقُلْهُ، فهذا فهمٌ من صحابي، وقولُ الصحابي لا يكون حجة إذا خالفه صحابة آخرون.

وبناءً على ذلك؛ فليس هناك ما يدل على وجوب إجابة وليمة العرس.

فإن قال قائل: حديثُ: أمَرَنا رسولُ الله بسبعٍ، وذكر منها: إجابة الداعي. أليس الأمر يقتضي الوجوب؟ حديث البراء[13].

نقول: الأمر هنا للاستحباب وليس للوجوب، بدليل أنه ذكر أمورًا مُجْمعًا على استحبابها وليست واجبة، فقال: أمرنا بسبع: أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار المُقْسِمِ، ونَصْرِ المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام[14].

فإفشاء السلام مثلًا مجمعٌ على أنه ليس بواجب؛ إنما هو مستحب، بل إن هذا يصلح أن يكون دليلًا للقول الثاني؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قَرَنَ إجابةَ الداعي بأمور مستحبة.

وبناءً على هذا؛ فالقول الراجح والله أعلم: أن إجابة وليمة العرس مستحبة استحبابًا مؤكَّدًا، لكنها ليست واجبة.

ولأن القول بالوجوب يحتاج إلى دليل؛ ولأن القول بالوجوب يقتضي تأثيم مَن لم يُجِب الدعوة، وهذا أمر يحتاج إلى دليل واضح وظاهر، وليس هناك دليل، وإنما الأمر بإجابة دعوة العرس كالأمر بإجابة غيره، الذي ورد في الأحاديث المرفوعة: أنه لا فرق بين وليمة العرس وغيره.

لكن في حديث أبي هريرة هنا قلنا: إنه موقوف على أبي هريرة ، وهذا فهمٌ فهمه أبو هريرة .

ثم أيضًا: أن قوله: من لم يُجِبِ الدَّعوة؛ لم يُخصِّصها بوليمة العرس، فهي تحتمل أن يقصد بها وليمة العرس ويقصد بها غيرها، وأن أبا هريرة -كما ذكرنا- فَهِمَ مِن قول النبي عليه الصلاة والسلام: إذا دعاك فأَجِبْهُ[15] وجوب الدعوة مطلقًا، ومعلوم أن إجابة غير وليمة العرس ليست واجبة.

وبناءً على هذا؛ فالقول الراجح والله أعلم: أن وليمة العرس كغيرها، يُستحب إجابة الدعوة. أما القول بتخصيصها بالوجوب فيحتاج إلى دليل، وليس هناك دليل ظاهر يدل على الوجوب.

مداخلة: …..

الشيخ: نعم، هو ذُكِرَ أن هناك مَن خالف أبا هريرة في هذا، لكن تحتاج إلى تتبُّع الروايات في ذلك، لكن ذُكِرَ أن هذا قولٌ انفرد به أبو هريرة بفهمٍ فَهِمَه، فهو كقول عمَّار : مَن صام اليوم الذي يُشَكُّ فيه فقد عصى أبا القاسم [16].

الصحابيُّ إذا فَهِمَ فهمًا فيُناقش فهمه، فهمه صحيح أم لا؟ هذا فهمٌ من أبي هريرة ، لعله فَهِمه من الأحاديث الواردة في الأمر بإجابة الدَّاعي.

فبعض الصَّحابة يكون لهم اجتهاداتٌ في مِثل هذا، تعرفون أبا ذَرٍّ كان يرى تحريم الادِّخار؛ لفهم بعض النصوص، يقول: ما يجوز الادِّخار أكثر من ثلاثة أيام. ويُنكر على الناس، ويُغلِّظ في الإنكار، وحاول الصحابة أن يُقنعوه فما استطاعوا، فكتب معاوية  إلى عثمان ، فعثمان طلب منه أن يكُفَّ ولا يُفتي بهذا الرأي، فامتنع، فنفاه عثمان إلى الرَّبَذَة ومات بها .

فأحيانًا، بعض الصحابة قد يَفْهَم فَهْمًا، فهنا، هذا الفَهْم نُناقشه، إذا كان هذا الفهم صحيحًا، وإلا فلا نقبله؛ لأن العِبرة بالدَّليل من الكتاب والسنة.

فظاهِرُ الأدلة تدل على أنه لا فرق بين وليمة العرس وغيرها، وأن تخصيصَ وليمة العرس إنما استند على هذا، بناءً على أن الحديثَ مرفوعٌ، وقلنا: إنه لا يصحُّ مرفوعًا. وقول بعض أهل العلم: إنه يأخذ حكم الرَّفْع. هذا غير صحيح، لا يأخذ حكم الرَّفع، وإنما هو فَهْمٌ فَهِمَه أبو هريرة .

ونُقل عن ابن عبدالبر أيضًا أنه قال: لا خلاف في وجوب إجابة دعوة العُرْس. لكن أيضًا هذا النقل محلُّ نظرٍ؛ لأن ابن عبدالبر في “التمهيد” ذَكَر أن.. ما يُرجِّح أنه سُنة مؤكدة وليست واجبة، إجابة الدعوة سنة مؤكدة وليست واجبة.

إذن؛ خلاصة الكلام: أن القول الراجح أنها مُستحبَّة وليست واجبة.

شروط إجابة دعوة وليمة العرس

فرَّع المؤلِّفُ على القول بالوجوب، قال:

والإجابة إليها في المرة الأولى واجبة.

بشروطٍ، ذَكَر خمسةَ شروطٍ، ونُضيف سادسًا.

الشَّرط الأَوَّل:

إن كان لا عذر.

يعني: لا عذر للمدعو، إن كان المدعو له عذر كأن يكون مريضًا ونحوه؛ فلا يجب عليه إجابة الدعوة، بناءً طبعًا على قول المؤلف.

قال:

ولا مُنْكَر.

وهذا هو الشرط الثاني: ألا يكون هناك مُنْكَر، فإن كان هناك مُنْكَر؛ مثلًا: يكون هناك معازف، وآلات موسيقية، ونحو ذلك؛ فلا يجب إجابة الدعوة.

قال:

وفي الثانية.

يعني: الدعوة في المرة الثانية.

سُنة، وفي الثالثة: مكروهة.

واستدلوا للكراهة بحديث: الوليمةُ أولَ يومٍ حقٌّ، والثاني معروف، والثالث رياء وسُمعة[17]. وهذا الحديث رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، لكنه حديث ضعيف.

ولهذا؛ فالقول بالكراهة يحتاج إلى دليل صحيح، فالصواب: أنه لا يُكره، بل القول بالاستحباب ليس بعيدًا؛ لأن من عادة بعض الناس أن الوليمة تمتد لثلاثة أيام، في بعض البلدان وليمة العرس ما تكون في يوم واحد، تكون في ثلاثة أيام، بعضهم قد تصل لأكثر من ثلاثة أيام، وحينئذ فإجابة الدعوة لأجل ذلك لا بأس بها، ولا يُقال بالكراهة، القول بالكراهة بَنَوه على هذا الحديث، وقلنا: إنه حديث ضعيف.

قال:

وإنما تجب إذا كان الدَّاعي مسلمًا.

هذا هو الشرط الثالث، قلنا: الشرط الأول: ألا يكون هناك عذر للمدعو. الثاني: ألا يوجد في الدعوة مُنْكَر. الثالث: أن يكون الداعي مسلمًا، فإن كان الداعي كافرًا لم تجب إجابة الدعوة.

قال:

يحرُم هَجْرُه.

وهذا هو الشرط الرابع: يحرم هجره. وفي قول المؤلف: (يحرُم هَجْرُه) إشارة إلى أن مِن المسلمين مَن لا يحرم هجره، بل مَن يجب هجره.

والذي يجب هجره هو المبتدع الدَّاعي لبدعته؛ يجب هجره لأن في عدم هجره تغريرًا بالمسلمين، المبتدع الدَّاعي لبدعته يجب هجره، وكذلك من يرتكب معاصي، في هجره مصلحة، يُستحب هجره. وما عداهما؛ الأصل أن المسلم لا يحِلُّ أن يهجر أخاه فوق ثلاث. هذا إذًا هو الشرط الرابع: أن يكون ممن يحرم هجره.

الشرط الخامس:

وكسبُه طيب. 

إن كان كسبه حرامًا؛ لم تجب إجابةُ الدعوة.

ثم فصَّل المؤلف في الكسب، قال:

فإن كان في ماله حرام كُرِه إجابتُه ومعاملتُه وقبولُ هديته، وتَقْوَى الكراهةُ وتضعُفُ بحسب كثرة الحرام وقِلَّته.

وهذه المسألة -مسألة مَن مالُه حرام- إن كان ماله مُتمحِّضًا في الحرمة، فصحيح أنه تُكرَه إجابة دعوته، بل ربما تحرم؛ كأن يكون ليس له كسب إلا هذا المال الحرام.

أما إذا كان ماله مختلطًا، فيرى المؤلف أيضًا أنه تُكرَه إجابته، وتقوى الكراهة وتضعف بحسب كثرة الحرام وقلته.

وذهب بعضُ أهل العلم إلى أنه لا تُكره إجابته؛ وذلك لأن النبي قَبِل دعوة اليهود، مع أن الله  وصفهم بأنهم أَكَّالون للسُّحت.

وهذا هو القول الراجح: أنه لا تُكره إجابته، وإنما الذي تُكره أو تحرُم: مَن تمحَّض ماله حرامًا. وأكثر الناس الذين يتعاملون بالحرام أموالهم مختلطة، يعني يندُر أن تجد إنسانًا مالُه حرامٌ 100%، هذا نادر، فأكثر من يتعامل بالحرام يكون ماله مختلطًا، وحينئذٍ نقول: لا تُكره إجابته.

مداخلة: …..

الشيخلا، لا بد أن يكون 100%، متمحِّضًا، يعني خالصًا في الحرمة.

قال:

وإن دعاه اثنان فأكثر.

طيب، هناك أيضًا شرط سادس وهو عند الحنابلة لإجابة الدعوة: أن يُعيِّن المدعو، فإن لم يُعيِّنه لم تجب إجابة الدعوة، وإذا لم يُعيِّنه تُسمى هذه الدعوة بأي شيء عند العرب؟ بـ”الجَفَلى”، وهي مما تفتخر به العرب كما قال شاعرهم:

نحن في المَشْتَاةِ ندعو الجَفَلَى لا ترى الآدِبَ فينا يَنْتَقِرْ

“لا ترى الآدِب” يعني: صاحب المأدبة، “ينتقر” يعني: يُعيِّن.

فالجَفَلَى كانت مما يفتخر به العرب، فإذا كانت الدعوة جَفَلَى، قال: أنتم الجميعُ مَدْعُوُّون -ما دعاك باسمك- أنتم مَدْعُوُّون لحضور الزواج. فهنا يقولون: لا تَجِب، فلا بد أن يُعيِّن المدعو.

فإذن؛ أصبحت الشروط عندهم ستة:

  • الأول: لا يكون هناك عذر للمدعو.
  • الثاني: ألا يكون هناك مُنْكَر.
  • الثالث: أن يكون الداعي مسلمًا.
  • الرابع: أن يكون ممن يحرُم هَجْرُه.
  • الخامس: أن يكون كسْبُه طيِّبًا.
  • السادس: أن يُعيِّن المدعو، فلا تكون الدعوة جَفَلَى.

وبناءً على القول الذي رجحناه: أنها لا تجب أصلًا، وإنما تستحب.

كيفية الإجابة إذا دعاه اثنان فأكثر

قال:

وإن دعاه اثنان فأكثر، وجب عليه إجابة الكُلِّ.

هذا أيضًا تفريعٌ على القول بالوجوب.

وإن دعاه اثنان فأكثر وجب عليه إجابة الكُلِّ إن أمكنه الجمع.

يعني: يذهب لهذا مثلًا ربع ساعة ولهذا ربع ساعة، فيُجيب الجميع إن أمكنه ذلك.

وإلا أجاب الأسبق قولًا.

يعني: إن لم يُمكنه فيُجيب الأسبق؛ لأن الأسبق هو الأحق، فإن لم يكن هناك أسبق ودَعَيَاه في نفس الوقت.

فالأَدْيَنَ.

لأنه أكرمُ عند الله؛ يعني: الأكثر تَقْوًى وصلاحًا في ظاهر الأمر.

فالأقربَ رَحِمًا.

فلا شك أن ذا الرحم حقه آكَدُ.

فَجِوَارًا.

وبعد ذلك: الأقرب جِوَارًا؛ لحديث: إذا اجتمع الدَّاعيان فأَجِبْ أقربَهما بابًا؛ فإن أقربهما بابًا أقربهما جِوارًا، فإن سبق أحدُهما فأجب الذي سبق[18]. هذا الحديث في “سنن أبي داود”، لكنه ضعيف، وأيضًا لاحِظ تركيبَه، ليس عليه نور النبوة، فهو حديث ضعيف.

قال:

ثم يُقرع.

هذه مسألةٌ تكاد تكون مُفترَضة، يعني: لو تساووا في هذه الأمور كلها، يُجري بينهم القرعة، والذي تأتيه القرعة هو الذي يُجيب دعوتَه. هذه مسألة مفترضة.

قال:

ولا يَقصِد بالإجابة نفسَ الأكل، بل ينوي الاقتداء بالسُّنة، وإكرام أخيه المؤمن.

وذلك حتى يُؤجر وحتى يُثاب؛ يعني: لا يقصد أن يذهب لأجل الأكل، ولأجل أن يُشبِع بطنه، بل ينوي بذلك تحصيل السُّنة والأجر والثواب وإكرام أخيه المؤمن.

قال:

ولئلَّا يُظَنَّ به التكبُّر.

لأن المُتكبِّرين هم الذين لا يُجيبون الدَّعوة، فإذا لم يُجِب الدعوة قد يُظَنُّ به التكبُّر.

حكم الأكل من الوليمة

ويُستحب أَكْلُه ولو صائمًا.

يُستحب أن يأكل مِن طعام الوليمة حتى ولو كان صائمًا، مراد المؤلف بالصيام هنا صيام التطوع؛ أي: صائمًا صيامَ تطوُّعٍ.

لا صومًا واجبًا.

فلا يأكل إذا كان الصوم واجبًا. ما حكم قطع الصوم الواجب؟ حكم قطع الصوم الواجب مُحرَّم، لا يجوز قطع الصوم الواجب.

فلو -مثلًا- كان الإنسان يقضي يومًا من رمضان، فلا يجوز أن يقطع هذا، إذا شرع الإنسان في صومٍ واجبٍ وجبَ عليه إتمامه ويحرُم قطعه، لكن إذا كان صومه تطوعًا فالمتطوع أمير نفسه؛ إن شاء أتمَّ صومه وإن شاء أفطر.

قال:

وينوي بأكله وشُرْبه.

طيب، ورد في هذا حديثُ أبي هريرة أن النبي قال: إذا دُعي أحدكم فَلْيُجِب، فإن كان صائمًا فَلْيَدْعُ، وإن كان مفطرًا فَلْيَطْعَمْ. وهذا الحديث رواه مسلم[19].

إذا دُعي أحدكم، فإن كان صائمًا فلْيَدْعُ؛ يعني: يدعو لهم، يدعو للدَّاعي، ولا يُفطر إلا إذا كان صيام تطوع ورأى المصلحة في ذلك: وإن كان مفطرًا فلْيَطْعَم.

قال:

وينوي بأكله وشربه التَّقَوِّي على الطاعة.

حتى ينقلب إلى عبادة، فإن المباحات يستطيع المسلم بالنية أن يقلبها إلى عبادات، فإذا نوى بالأكل والشرب التقوِّي على الطاعة، وهكذا النوم مثلًا؛ فإنه يُؤجر على ذلك ويُثاب.

ثم بعد ذلك انتقل المؤلف رحمه الله للكلام عن (آداب الأكل والشرب)، في بقية هذا الفصل والفصل الذي يليه، كلها في آداب الأكل والشرب، هذا ما تميَّز به (دليل الطالب)، جمع المؤلف لنا (آداب الأكل والشرب) كلها في هذا.

لذلك؛ لعلنا نُرجئ الكلام عنها، إن شاء الله في مبتدأ الدرس القادم نتكلم عن (آداب الأكل والشرب)، وأيضًا عن (عِشْرة النساء). نُرجئ الكلام عن هذا إلى الدرس القادم، فنقف عند قوله: “ويحرم الأكل بلا إذن صريح”، هذا بداية الكلام عن آداب الأكل والشرب.

نحن فيما سبق أَعْلنَّا أن هناك جائزة لمن يكتب “دليل الطالب”، تقدم أحد الإخوة وهو الأخ محمد بن مرشد بن مريفق التميمي، كتب لنا جزاه الله خيرًا فقه المعاملات، ولعله موجود معنا الآن.

نعم، الأخ محمد جزاه الله خيرًا، ولعله يُنسِّق مع الأخ فهد إن شاء الله تعالى بشأن الجائزة، قلنا: إن الجائزة هي الاشتراك المجاني في جوال فوائد لمدة سنة.

وكذلك أيضًا بقية “دليل الطالب”؛ يعني: نودُّ مَن أمكن أن يكتبه أيضًا ويأخذ ذلك من الأشرطة، موجودة، فإن شاء الله تعالى ننوي مستقبلًا طباعة هذا الدرس في كتاب، و(الطهارة) الآن تقريبًا شبه جاهز، وإن شاء الله تعالى ما بعده، لكن مَن أمكن أن يُساعدنا في هذا ويُفرِّغ لنا الدرس، فنكون له من الشاكرين.

 نجيب عما تيسر من الأسئلة، نبدأ أولًا بالأسئلة المكتوبة.

الأسئلة

السؤال: أحسن الله إليكم وبارك فيكم. هذا يقول: إذا كان للسلف قولان في مسألة، فلا يجوز إحداث قول ثالث إلا بمقدار ما يجمع بين القولين. ما صحة هذا القول؟

الشيخهذا صحيح؛ ولذلك يقول الإمام أحمد: “إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام”، إذا تكلَّم السَّلَف عن مسألةٍ فإنه لا يجوز إحداث قول ثالث إلا على سبيل التلفيق بين القولين. هذا، الصحيح أنه لا بأس به إذا كان تلفيقًا بين القولين، لا بأس.

أما إحداث قول ثالث فلا يجوز. لماذا؟ لأن الأُمَّة معصومة عن خفاء الحق، لا تجتمع الأُمَّة على ضلالة، فإذا لم يوجد إلا قولان في المسألة، فمعنى ذلك: أن القول الثالث كأنه خَفِيَ، إذا قلت: إن هذا هو القول الصحيح أو قول راجح، كأنه خفي على الأُمَّة. وهذا خلاف الإجماع.

ولهذا؛ عندما نتكلم عن مسألةٍ تكلم عنها السلف السابقون، لا بد من التأكُّد من وجود قول سابق. هذا -الحقيقة- مرتبط بمسألة المنهجية لدى طالب العلم، تجد بعض الناس يُحدِث قولًا ولا يُبالي بأقوال المتقدمين. هذا غير صحيح.

إذا كانت المسألة نازلة، نعم، لا بأس إذا كانت نازلة ولم توجد عند السابقين، هنا يجتهد فيها. لكن، إذا كانت المسألة موجودة عند المتقدمين، فليس للإنسان أن يُحدِث قولًا جديدًا، أن يأتي بقول جديد لم يُسبَق إليه؛ لأنه -كما ذكرنا- يترتب على ذلك القول بأن الحقَّ خَفِي على الأُمَّة في ذلك العصر. وهذا خلاف الإجماع.

لهذا؛ يحترم طالب العلم أقوال السابقين، خاصة ما حُكي فيه الإجماع، فلا يَشِذُّ برأيه ويأتي برأي جديد.

مِن ذلك مثلًا مسألة “زكاة عروض التجارة”، قيل: إنه لا يُعرف أن أحدًا من السابقين قال بعدم الوجوب، وإن أول من قال بذلك هو داود، يُعتبر هنا الخلاف خلاف الإجماع الذي حصل، هذا على سبيل المثال.

ومسائل كثيرة من هذا القبيل.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: الإجماع بعد الخلاف في مسألة، هل يَرْفع الخلاف وتُصبح المسألة مُجمَعًا عليها؟ ويَضْرِب مثلًا على هذا “نكاح المتعة”؟

الشيخ: نعم، الإجماع بعد الخلاف يرفع الخلاف في المسألة، ومِن ذلك مثلًا الإجماع على القول بالعَوْل، كما قال ابن قدامة أنه انعقد الإجماع بعد ابن عباس رضي الله عنهما، ولا نعلم أحدًا قائلًا بقول ابن عباس رضي الله عنهما بعده، فارتفع الخلاف.

وكذلك نكاح المتعة أيضًا الذي مثَّل به الأخ السائل، انعقد الإجماع على تحريمه؛ وذلك للمعنى الذي أشرتُ إليه: أنه إذا انعقد الإجماع فيترتب على إحداث قول آخر بعد ذلك العصر؛ خفاء الحق على الأُمَّة، وهذا لا يجوز، لا يجوز أن يُقال: إن الحق خفي على الأُمَّة في ذلك العصر.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: كيف نحسب مقدار مهر زوجات النبي ؟ وهي خمسمائة درهم بالريالات المعاصرة؟

الشيخ: نعم، هذه لها طريقة ولها حِسْبة، الآن لا تحضرني هذه الطريقة، لكن لعلها إن شاء الله تعالى فيما بعدُ تُحسَب، هي محسوبة بالأوقية، وتُحَوَّل إلى الجرامات، ثم سعر الفضة من الجرام. والآن سعر الفضة اختلف كثيرًا، تضاعف سعره ثلاث مرات الآن.

لكن، نصاب الزكاة الذي كنا نُقدِّره فيما سبق بخمسمائة ريال، يمكن الآن تضاعف ثلاث مرات أو أربع مرات حتى، فهي تحتاج إلى حساب عدة معادلات، حتى نعرف المقدار بالريالات.

لكن يكفينا المعنى، المعنى أنه لم يُغالِ فيها عليه الصلاة والسلام.

السؤال: أحسن الله إليكم. ما حكم مَن يذهب إلى وليمة العرس مِن غير دعوة؟

الشيخ: مَن يذهب مِن غير دعوة تُسمِّيه العرب بالطُّفيلي، الطفيلي هو مَن يذهب من غير دعوة. وهذا فيه تفصيل:

إذا كان ذهاب الإنسان إلى وليمة العرس من غير دعوة يُؤذي صاحب الوليمة، فهذا أقل أحواله الكراهة، أقل أحواله أن هذا مكروه، الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا [الأحزاب:53].

فقوله: إِذَا دُعِيتُمْ؛ يعني: على أنه إذا لم تُدْعَوْا فلا تدخلوا. فالإنسان إذا لم يُدْعَ فإنه لا يذهب، إلا إذا علم بأن صاحب الدعوة يُسَرُّ إذا علم؛ لقوة العلاقة بينهما، ويتيقَّن بأنه إذا رآه صاحب الدعوة سوف يُسَرُّ بذلك، فهنا نقول: لا بأس، بل ربما نقول: يُستحب.

أما إذا كان غير متأكد مِن أنه سوف يُسَرُّ بهذا، بل ربما يتأذَّى في نفسه، فهنا نقول: أقل أحوال هذا الكراهة.

والمسلم ينبغي أن يبني معاني العزة في نفسه، كان النبي عليه الصلاة والسلام يُربِّي أصحابه على هذا، وبايع نفرٌ من أصحاب النبي  على ألا يسألوا الناس شيئًا، حتى إن كان سوط أحدهم لَيَسْقُط فينزل ويأخذه ولا يطلب من أحد أن يُعطيه إياه.

وهكذا أيضًا الإنسان لا يذهب إلى دعوة، لا يذهب إلى وليمة لم يُدْعَ إليها، إلا إذا تيقَّن بأن صاحب الوليمة سوف يُسَرُّ بذلك.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: ذُكر أن عمر بن الخطاب كان يُجهِّز جيشه في الصلاة، وأن ذلك من تداخل العبادات، فهل للإنسان أن يُفكِّر في الصلاة بأعمال صالحة يُريد فعلها؟

الشيخ: أولًا هذه تحتاج لتأكد من جهة الإسناد.

مداخلة: …..

الشيخ: البخاري، نعم؟

مداخلة: …..

الشيخ: معلَّقا بصيغة الجزم، أو.. يحتاج إلى تأكد.

مداخلة: …..

الشيخ: نعم، المقصود على تقدير ثبوته، نقول: أحيانًا إذا فكَّر الإنسان في شيء، قد يغلبه التفكير في ذلك الموضوع رغمًا عنه؛ لأن الإنسان لا يتأتَّى له الخشوع في كلِّ صلاةٍ يُصلِّيها.

ففي بعض الأوقات يكون مهتمًّا بأمرٍ فيغلب عليه ذلك في صلاته، وإلا فالأصل أن المسلم في الصلاة يُقبل على ربه ، ويخشع فيها، ويحرص على حضور القلب. فلعلَّها تُحمل على ذلك.

السؤال الأخير: أحسن الله إليكم. يقول: ذَكَر المؤلف أن الزوج إذا أزال البَكَارة قبل الدخول لم يكن عليه إلا نصف المُسمَّى، السؤال: هل مِن الممكن إزالة البَكَارة قبل الدخول؟

الشيخ: نعم، الكلام في غير الزوج، أما الزوج فقلنا: ليس عليه شيء، الكلام في غير الزوج، هذا ممكن.

ممكنٌ طبيبةٌ مثلًا تُعالِج امرأةً فتسبَّبت في إزالة بَكَارتها، يعني: هذا متصوَّر؛ فحينئذٍ يكون لها أرْشُ البَكَارة في هذه الحال.

قد يكون أيضًا اعتداءٌ؛ مثلًا رجلٌ اعتدى على امرأة، أو مثلًا امرأة اعتدَتْ على امرأة وتسبَّبت في زوال بَكَارتها، فيكون لها الأرْش في مثل هذه الأحوال.

مداخلة: …..

الشيخ: يُعرف بالأصل، حسب الواقع نفسه، عندنا أصول؛ مثلًا الأصل براءة الذِّمَّة، هذا أصل، فعندما يَدَّعِي أحدهما قَدْرًا زائدًا والآخر أقل منه، فالأصل براءة ذِمَّة المُدَّعى عليه.

مثلًا، عندما يختلفان في أجَلٍ أو شرط، فالأصل عدم وجود الأجل والشرط. فهذا يُعرف من كلام أهل العلم، ذكروا أصولًا في بعض المسائل، ويُبنى عليها ويُقاس عليها أصول أخرى.

مداخلة: …..

الشيخ: المتعة فيها خلاف بين أهل العلم، لكن أكثر أهل العلم على أن المتعة إنما تكون في حقِّ مَن طُلِّقت قبل الدخول ولم يُسمَّ لها المهر؛ لأن الله قال: لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ [البقرة:236].

ذهب بعض أهل العلم -وهو اختيار أبي العباس ابن تيمية رحمه الله- إلى أن المتعة تجب لكلِّ مُطلَّقة، ولكن هذا محل نظر؛ لأن ظاهر الآية أنها لمن طُلِّقت قبل الدخول.

مداخلة: …..

الشيخ: نعم، هو استدل بهذا، لكن هل -أيضًا- أحدٌ من المتقدمين قال بهذا القول؟ هذا يرجع للمسألة التي ذكرناها؛ لأن أكثر أهل العلم على الاستحباب.

مداخلة: …..

الشيخ: نكاح الشِّغار نكاح باطل، ليس من النكاح الفاسد، نكاح باطل، إلا إذا كان قد سُمِّي المهر، فهذا مختلف فيه. أما إذا لم يُسَمَّ المهر فهو باطل.

مداخلة: …..

الشيخ: نعم، يكون لها مهر المِثْل، قاعدة أنه: “إذا بطل المُسمَّى فلها مهر المِثْل” هذا هو الأصل، “لها مهر المثل” هو الأصل، فإذا كان المهر فاسدًا فلها نصف المهر.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه الدارقطني: 3191، والبيهقي في “الصغير”: 3386.
^2 رواه أحمد: 18464، وأبو داود: 2116، والترمذي: 1145، والنسائي: 3355، وابن ماجه: 1891.
^3 رواه البخاري: 6082، ومسلم: 1437.
^4, ^13, ^16 سبق تخريجه.
^5 رواه البخاري: 2235، ومسلم: 1365.
^6 رواه البخاري: 5177، ومسلم: 1432.
^7, ^14 رواه البخاري: 5635، ومسلم: 2066.
^8, ^9 رواه البخاري: 5179، ومسلم: 1429.
^10 رواه مسلم: 2102.
^11 رواه مسلم: 1206.
^12 رواه أبو داود: 2334، والترمذي: 686.
^15 رواه البخاري: 1240، ومسلم: 2162.
^17 رواه أحمد: 20325، وأبو داود: 3745، وابن ماجه: 1915.
^18 رواه أحمد: 23466، وأبو داود: 3576.
^19 رواه مسلم: 1431.
zh