عناصر المادة
- كتاب الصَّدَاق
- تعريف الصداق
- أسماء الصَّدَاق
- الصداق حق واجب للمرأة
- تخفيف المهر وعدم المغالاة فيه
- حكم ذكر مقدار المهر في العقد
- يصح المهر بأقلِّ ما يُسمَّى مالًا
- حكم من لم يسم مهرًا أو سمى فاسدًا
- حكم صَدَاق المرأة بتعليمها القرآن
- الحكم إن أصدقها تعليم علم أو صنعة
- يُشترط لصحة تسمية الصَّداق العلم به
- لا يضر جهل يسير في صداق
- لا يصح أن يجعل المهر طلاق زوجته
- حكم من أصدقها مالًا مغصوبًا أو خنزيرًا ونحوه
- نكاح المرأة بأقل من مهر المثل
- إذا تزوج العبد بإذن سيده أو بدون إذنه
- الزوجة تَملِك بالعقد جميع المسمى
- من الذي بيده عقدة النكاح؟
- ما يُسقِط الصداق ويُنصِّفه ويُقرِّره
- الأحوال التي يَسقط فيها الصداق كله
- حالات استحقاق المرأة نصف المهر
- حالات استحقاق المرأة صداقها كله
- خلاف العلماء في استقرار المهر بالخلوة
- الأسئلة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم وبارَك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومَن اهتدى بهَدْيه إلى يوم الدِّين.
كتاب الصَّدَاق
كنا قد وصلنا في دليل الطالب إلى:
تعريف الصداق
(الصَّداق)، نبدأ أوَّلًا بتعريفه.
توسَّع الفقهاء في الكلام عن الصداق وتفريعاته والمسائل المتعلقة به؛ وذلك لأنه من الأمور المالية التي قد يحصل فيها النزاع بين الطرفين، خاصة عند الطلاق ونحوه، فإنه يحصل مُشاحَّة من الزوج ومن الزوجة؛ ولهذا عُنِيت الشريعة الإسلامية بهذا الحكم، وتكلَّم الفقهاء وفرَّعوا تفريعات كثيرة؛ وذلك لكثرة المسائل المتعلقة به.
“الصَّداق” هو: العوض الواجب بعقدِ نكاحٍ، وما أُلحِق به.
هذا هو تعريفه، هو العوض الواجب بعقد نكاح وما أُلِحق به. “العوض الواجب بعقد نكاح” يعني: بعقد النكاح المكتمل الأركان والشروط. “وما أُلحِق به” كالوطء بشُبهة؛ كأن يتزوج امرأة ويطأها، ثم يتبيَّن أنها أخته من الرضاع، فيكون لها الصَّداق بما استحل من فرجها. فهذا يُسمَّى “صَدَاقًا”.
وسُمِّي “صَدَاقًا”؛ لأنَّ بَذْله يدل على صِدق طلب الزوج لهذه المرأة، فهو مأخوذٌ إذن من الصِّدق، فهو إذن يدلُّ على صِدق طلب الزوج لهذه المرأة؛ إذ إنَّ الإنسانَ لا يمكن أن يبذل المحبوبَ إلا لما هو مثله أو أحب.
ولهذا؛ فبذلُ المال للفقير يُسمَّى “صدقة”؛ لأنه دليلٌ على صِدق إيمان صاحبه؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: والصدقة برهان[1]. يعني: برهانٌ على صِدق الإيمان.
أسماء الصَّدَاق
والصداق له أسماء عديدة، وما يكثر تداوله تكثر أسماؤه، وقد ذكر الموفق ابن قدامة رحمه الله تسعة أسماء، وهي:
- أولًا: الصَّداق.
- والمهر.
- والفريضة.
- والصَّدُقة: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ [النساء:4]، والصَّدُقة بفتح الصاد وضم الدال. هذه الآن أربعة.
- والنِّحْلة؛ خمسة.
- والأجر؛ ستة.
- والسابع: العلائق.
- والثامن: العَقْر.
- والتاسع: الحِبَاء. إذن؛ مرة أخرى: الحِبَاء بالحاء.
الصداق، والمهر، والفريضة، والصَّدُقة، والنِّحلة، والأجر، والعلائق، والعقر، والحباء.
الصداق حق واجب للمرأة
والصَّدَاق حقٌّ شرعيٌّ أوجبه الله تعالى للمرأة على زوجها؛ كما قال : وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4]، وقال: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً [النساء:24].
وأما ما يوجد في بعض دول العالم مِن أنَّ المرأة هي التي تبذل المهر، أو حتى أن المرأة يكون عليها جزء والزوج عليه جزء آخر، هذا مخالف للشرع ومخالف للفطرة السوية، وهذا مع الأسف موجود.
ولذلك؛ نجد أن بعض الآباء يَتعب في تزويج بناته؛ لأنه يبذل مهرًا، بدل أن تأخذ بناته المهر، يبذلُ مهرًا لهن، وهذا لا شك أنه انتكاسة في الفطرة ومخالفة للشريعة؛ الصَّدَاق إنما يجب على الزوج للمرأة، وليس العكس.
قبل -أيضًا- أن ندخل في عبارة المؤلف، هل الصداق عوض عن استمتاع الرجل بالزوجة، أو أنه مجرد هِبَة وهدية من الرجل للمرأة؟
نقول: الصحيح الأول، وهو أن الصداق عوض ومعاوضة؛ يعني: عوض عن استمتاع الرجل بالمرأة؛ لأن الله تعالى سمَّاه “أجرة”، قال: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً [النساء:24]، فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [النساء:24].
فدلَّ ذلك على أن الصَّداق مقابل الاستمتاع؛ ولقول النبي للمُلاعِن لما قال: يا رسول الله، مالي. فقال عليه الصلاة والسلام: لا مال لك، إن كُنْتَ صَدَقْتَ عليها فهو بما اسْتَحْلَلْتَ مِن فَرْجِها. متفق عليه[2]. فهو إذن عوضٌ عن الاستمتاع بالمرأة.
تخفيف المهر وعدم المغالاة فيه
ويُسَنُّ تخفيف الصَّداق وعدم المُغالاة فيه؛ ولهذا قال عمر ، خطب الناس وقال: ألَا لا تُغالوا في صَدَاق النساء؛ فإنها لو كانت مَكْرُمة في الدنيا، أو تقوى عند الله؛ لكان أولاكم بها رسول الله ، وما أصدق رسول الله أحدًا من نسائه، ولا أُصدِقت امرأةٌ مِن بناته أكثر مِن ثنتي عشرة أوقية.
ثم قال عمر : فلا أعرفن رجلًا زاد في صَدَاق امرأة على أربعمائة درهم -يعني: حدَّد المهر، حدَّد الحَدَّ الأعلى للمهر– ثم نزل مِن على المنبر فاعترضته امرأة، وقالت: أما سمعت ما أنزل الله في القرآن: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا [النساء:20]؟
ما معنى قِنْطارًا؟ القِنْطار: هو المال الكثير.
فقال: اللهم غَفْرًا، كلُّ الناس أفقه من عمر . وفي رواية قال: أصابت امرأة وأخطأ عمر. ثم رجع وصعد المنبر، وقال: ألا إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صَدُقاتهن على أربعمائة درهم، فمَن شاء منكم أن يُعطي مِن ماله ما أحب فليفعل.
وهذه القصة من جهة الإسناد: إسنادها صحيح؛ ولهذا ذكرها ابن كثير في “تفسيره” وقال: هذا إسناد جيد قوي. وذكره بإسناده عن أبي يَعْلى، وله بعض الطرق.
هذه القصة ضعيفة، لكن تنجبر بالطرق الأخرى، فرواية البيهقي من طريق مُجَالِد عن الشَّعْبي عن عمر ، وهذا السند ضعيف منقطع؛ وذلك مِن أجل مجالد بن سعيد ليس بالقوي، ومع انقطاعه فيتقوَّى بالأسانيد الأخرى التي عند أبي يعلى، فإن رواية أبي يعلى ليس فيها انقطاع، مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عمر .
فإذن؛ هو كما قال ابن كثير: إسناده جيد، إسناد هذه القصة جيد.
وهذه فيها دروس:
انظر أولًا: كيف أن عمر اجتهد، ثم الذي استدرك عليه امرأة من الناس وهو أمير المؤمنين؛ أمير الجزيرة والشام والعراق، ومع ذلك تأتيه امرأة وتُصوِّب كلامه الذي أعلنه على المنبر، فيرجع ويُصحِّح خطأه، أو ما يعتقد أنه قد أخطأ فيه، يرجع عن خطئه ويُعلن رجوعه عن ذلك.
وهذا هو الواجب على المسلم، أنه إذا تبيَّن له أن الصوابَ خلافُ رأيه أن يتراجع، وإذا كان قد أعلن رأيه فيُعلن تراجعه أيضًا، فانظر إلى هذه الأخلاق العظيمة، وانظر إلى التواضع والصِّدْق في طلب الحق؛ ولذلك كان صحابة رسول الله هم خير القرون وأفضل القرون.
فإذن؛ هذه القصة تدلُّ على أنه ينبغي تخفيف المهر؛ لأن عمر حثَّ عليه مِن غير تحديد؛ لأن النبيَّ كما قال عمر : ما أَصْدقَ نساءه، ولا أُصْدِقت واحدةٌ من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية.
لهذا؛ قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: السُّنة تخفيف الصداق، وألا يزيد على نساء النبي ، ويروى في ذلك حديث عائشة رضي الله عنها: أعظم النساء بركةً أيسرُهن مؤونة[3]. لكنه ضعيف من جهة الإسناد، أخرجه النسائي في “السنن الكبرى” والبيهقي[4]، لكنه ضعيف.
أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة، يُروى في ذلك، لكنه من جهة الإسناد لا يصح.
ويُكرَه للرجل أن يُصْدِقَ المرأةَ صداقًا يَضُر به إن نَقَدَه، أو يعجز عن وفائه إن كان دَينًا. “يُكره للرجل أن يُصْدِقَ المرأة صداقًا يضر به إن نَقَدَه”؛ يعني: إن دفعه نقدًا، “أو يعجز عنه إن كان دَينًا”.
ويدل لذلك حديث أبي هريرة قال: جاء رجلٌ للنبيِّ فقال: إني تزوجتُ امرأةً من الأنصار، إلى أن قال: على كم تزوَّجتَها؟. قال: على أربعِ أوَاقٍ. فقال النبي : على أربع أَواقٍ! كأنما تنحتون الفِضَّة مِن عُرْضِ هذا الجبل، ما عندنا ما نُعطيك، ولكن عسى أن نبعثك في بَعْثٍ تُصيب منه. قال: فبعثه إلى بني عَبْس، فيعني أصاب، فبَعث بعثًا إلى بني عبس فبعث ذلك الرجل فيهم. رواه مسلم بهذا اللفظ[5].
فهنا، النبي عليه الصلاة والسلام أنكر على هذا الرجل؛ لأنه رجلٌ فقير ما عنده شيء، ومع ذلك يتزوَّج بهذا المهر الكثير؛ لهذا قال: كأنما تنحتون الفضة مِن عُرْض هذا الجبل. فكان ينبغي ما دامت أنَّ أحوالَه ليست ميسورةً أن يُقلِّل في المهر، ولا يذهب ويُسمِّي مهرًا كثيرًا، ثم يذهب ويبحث عمن يُعينه ويُساعده.
ودلَّت قصة عمر أيضًا على أن السُّنة عدم تحديد المهر، السُّنة هي تخفيف المهر، لكن مِن غير تحديد، فليس لوليِّ الأمر أن يُحدِّد المهرَ ويُلزم الناس به.
لهذا؛ لمَّا أراد عمر أن يفعل ذلك اعترضته المرأة، ورجع عن رأيه هذا؛ ولأن اللهَ قال في الآية التي اعترضت بها المرأة: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا [النساء:20]، القنطار: هو المال الكثير.
وأذكر أن شيخنا عبدالله بن حسن بن قعود رحمه الله يقول: إنه كان في وقت الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، كان توجه الشيخ محمد إلى تحديد المهر، يقول: فكتبت له كتابًا بأن هذا لا يجوز، لا يجوز تحديد المهور، وأن السُّنة قد دلَّت على عدم التحديد، وأن يُترك الناس، لكن يُحَثُّ الناس على التخفيف. يقول: فرجع الشيخ محمد رحمه الله بعدما كان عزم على ذلك.
إذن؛ نقول: إن المهور لا تُحدَّد، لكن يُحَثُّ الناس في الخطب والمحاضرات وغيرها على تخفيف المهر، لكن من غير تحديد؛ ولأن ذلك يختلف باختلاف الناس، مهر الإنسان الغني ليس كمهر الفقير، فهذا يختلف باختلاف أحوال الناس.
ولهذا؛ قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: من كان له يَسَار ووجد مالًا، فأَحَبَّ أن يُعطي امرأته صداقًا كثيرًا؛ فلا بأس.
يعني: مَن كان غنيًّا، وأحب أن يُعطي صداقًا كثيرًا؛ لا بأس؛ لقول الله تعالى: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا. لكن، الإنسان الفقير لا يُعطي مهرًا كثيرًا.
حكم ذكر مقدار المهر في العقد
طيب، نعود بعد ذلك إلى عبارة المؤلف رحمه الله، قال:
(تُسَنُّ تَسْمِيتُه)؛ يعني: المهر (في العقد). تسمية المهر يعني: أن يُذكر مقدار المهر في العقد.
وإذا قلنا: “العقد” فليس المقصود به المكتوب، المقصود به الإيجاب والقبول، فمعنى ذلك أنه إذا قلنا: “تَسْمِيتُه” فيقول الوليُّ: “زوَّجتك بنتي فلانة على مهرٍ قَدْره كذا”، هذا معنى “تَسْمِيتُه”: “زوَّجتك بنتي فلانة على مهرٍ قَدْره مثلًا أربعون ألف ريال”، ويقول الزوج: قبلتُ. هذا معنى التسمية.
وإنما تُسَنُّ تَسْمِيتُه؛ لأنه هَدْي النبي ، فقد سَمَّى المهر لمَّا تزوَّج نساءه كلَّهن، وأيضًا سمَّى المهر لمَّا زوَّج غيرَه عليه الصلاة والسلام، وقال لذلك الرجل الذي طلب أن يُزوِّجه الواهبة نفسها: زوَّجْتُكَها بما معك من القرآن[6].
ولكن، تسمية المهر ليست شرطًا لصحة النكاح؛ لقول الله تعالى: لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة:236]، وهذا بالإجماع أن تسميةَ المهر ليست شرطًا للنِّكاح. وأيضًا لحديث عُقْبة بن عامر : أن النبيَّ زوَّج رجلًا امرأةً ولم يُسَمِّ مهرًا في قصة طويلة. أخرجها أبو داود بإسنادٍ صحيح[7].
وأيضًا من جهة النظر: تسمية المهر في العقد فيه قطعٌ للنزاع.
فإذن نقول: إنه تُسَنُّ تسمية المهر لهذه المعاني، ولكنها ليست شرطًا؛ للآية الكريمة.
يصح المهر بأقلِّ ما يُسمَّى مالًا
قال:
أي: يصح المهر بأقلِّ ما يُسمَّى مالًا، وعند الفقهاء قاعدة، وهي: كلُّ ما صح أن يكون ثمنًا أو أجرة؛ صح أن يكون مهرًا. وهذه عبارة “زاد المستقنع”، وهي قاعدة في هذا الباب. ومعنى ذلك: أن كلَّ ما لم يصح أن يكون ثمنًا أو أجرة؛ لا يصح أن يكون مهرًا.
ويدل لهذا قول النبي للرجل الذي طلب أن يُزوِّجه الواهبة نفسها: الْتَمِس ولو خاتمًا من حديد متفق عليه[8].
حكم من لم يسم مهرًا أو سمى فاسدًا
قال:
يعني: فإن لم يُسَمِّ الزوج المهر في العقد. وهذا ما يُسمِّيه الفقهاء بـ”تفويض البُضْع”.
يعني: سمَّى مهرًا فاسدًا.
إذن؛ إذا لم يُسَمَّ المهر في العقد، أو أنه سُمِّي لكن المهر كان فاسدًا: كان خمرًا، أو خنزيرًا، أو نحو ذلك؛ فالعقد صحيح، لكن يكون للمرأة مهر المثل.
ومعنى ذلك: أننا نرجع للعُرْف، فكم مهرُ مِثْلِها إذا كانت بكْرًا تعيش في هذا البلد؟ فإذا قالوا مثلًا: مَهْرُ مِثْلِها أربعون ألفًا؛ إذن يثبت لها أربعون ألفًا، وهكذا.
طيب، إن طلَّقها قبل الدخول وهو لم يُسَمِّ لها مهرًا؟
هذا رجل عقد على امرأة، لم يأتِ ذِكرٌ للمهر في العقد، ثم طلَّقها قبل الدخول، معلومٌ أن الزوج إذا طلَّق امرأته قبل الدخول فكم يكون لها من المهر؟ النصف.
هذه امرأة لم يُسَمِّ لها المهر، فكم يكون لها؟ نعم، يكون نصف مهر المِثْل. أحسنت، نصف مهر المثل.
إذن نقول: إذا طلَّقها قبل الدخول ولم يُسَمِّ لها مهرًا، فلها نصف مهر المِثْل.
حكم صَدَاق المرأة بتعليمها القرآن
قال:
(إن أصْدَقَها تعليم شيء من القرآن) يقول المؤلف: إنه لا يصح؛ وذلك لما رُوي أن النبي زوَّج امرأةً على سُورةٍ من القرآن، ثم قال: إنها لا تكون لأحد بعدك[9]. ولأن الفروج لا تُستباح إلا بالأموال؛ لقول الله تعالى: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ [النساء:24].
وذهب بعض العلماء إلى أنه يصح أن يكون المهر تعليمها القرآن، أو تعليمها شيئًا من القرآن؛ وذلك لما جاء في الصحيحين عن سهل بن سعد في قصة الواهِبة نفسها: أن النبي قال للرجل الذي قال: زَوِّجْنيها يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة. قال: الْتَمِس ولو خاتمًا من حديد. فلما لم يجد، قال: هل تحفظ شيئًا من القرآن؟. قال: نعم سورة كذا وكذا. قال: زوَّجْتُكَها بما معك من القرآن.[10].
وهذا نصٌّ صريح في المسألة، وهو في الصحيحين: زوَّجْتُكَها بما معك من القرآن.
وهذا هو القول الراجح والله أعلم، أنه يجوز أن يكون المهر تعليم قرآن؛ وذلك لهذا الحديث الصحيح الصريح.
وأما ما استدل به أصحاب القول الأول من حديث: «لا تكون لأحد بعدك» فهو ضعيف من جهة الإسناد بل منكر، قد رواه سعيد بن منصور، وهو مرسل، وفي إسناده مجاهيل، فهو لا يصح.
والتعليل الذي ذُكِرَ أن الفروج لا تُستباح إلا بالأموال، هذا تعليلٌ مصادم للنص، ولا قياس مع النص.
ثُمَّ إن الصَّدَاق ليس هو القرآن، وإنما الصَّدَاق هو التعليم، والتعليم عمل، وقد يكون هذا العمل شاقًّا وفيه تفرُّغ من المعلم، وفيه معاناة وتلقين وبذلُ وقتٍ وجهدٍ.
فليس إذن ليس الصَّدَاق هو القرآن، إنما الصَّدَاق هو التعليم الذي فيه بَذْلُ جهدٍ ووقتٍ. ولهذا نقول: إنه يصح أن يكون المهر تعليمها القرآن.
وأذكر أن رجلًا خطب لابنته رجلًا رآه صالحًا، وجعل المهر تعليمها القرآن، وكان مِن حفظة كتاب الله . لكن هل الأولى أن يفعل ذلك، أو الأولى أن يجعل المهر مالًا؟
نرجع للقصة -قصة الواهبة نفسها النبي – هل زوَّجه بتعليم القرآن مباشرة، أو تدرَّج معه؟ تدرج معه، طلب منه أن يُمْهِرُها شيئًا: الْتَمِس ولو خاتَمًا مِن حديد.
هذا دليلٌ على أن الأفضل والأولى أن يُعطيها مالًا، فإن لم يجد فلا بأس أن يكون المهر تعليمها القرآن، لكن أن يجعل المهر تعليمها القرآن وهو قادر على أن يُعطيها مالًا! وإن كان هذا على القول الراجح يصحُّ، إلا أنه خلاف الأولى؛ لأن الأصل: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ [النساء:24]، هذا هو الأصل، وإذا كان يُريد أن يُكرم هذا الإنسان يأخذ منه مهرًا قليلًا.
لكن، أن تبقى بدون مهر، ويجعل المهر هو تعليمها القرآن! هذا نقول: خلاف الأَوْلى؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام تدرَّج مع هذا الرجل، لم يسأله: هل معك شيء من القرآن إلا بعدما لم يجد شيئًا.
الحكم إن أصدقها تعليم علم أو صنعة
قال:
يعني: وإن أصْدَقَها تعليمَ معَيَّنٍ.
وذلك لأن هذا التعليم منفعة مباحة يجوز المعاوضة عليها في الإجارة؛ فصحت صَدَاقًا؛ ولهذا ذكر الله تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام أنه لما ذهب إلى مَدْين ولقي ذلك الرجل الصالح، الذي قيل: إن اسمه شُعَيب، لكن ليس هو شعيب النبي، قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ [القصص:27] يعني: ثماني سنين، فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ [القصص:27]. فكان مهر موسى لبنت هذا الرجل: هو أن يقوم برَعْي الغنم لمدة ثماني أو عشر سنين، وهذه منفعة مباحة.
فدلَّ ذلك على أنه يصح أن يكون المهر منفعة مباحة؛ فإذن لو جَعَل المهر تعليمَ مُعيَّنٍ من فقهٍ أو حديثٍ أو نحو أو غير ذلك؛ لا بأس.
(أو شِعْرٍ مُبَاحٍ)؛ لأن الشعر منه ما هو مباح ومنه ما هو محرم، فإذا كان تعليمها لشعر مباح أو أدب؛ فلا بأس بذلك.
مداخلة: …..
الشيخ: أثناء أداء المنفعة، يعني: يُسمِّي المهر، وكما ذكرنا أنه حتى لو لم يُسَمَّ المهر، لو كان المهر بعضه مؤجَّلًا وبعضه مُعجَّلًا، أو كلُّه مُؤجَّلًا؛ ما يضر، الأمر واسع في هذا، لا يُشترط تعجيل المهر، فلو أجَّل المنفعة ما يضر.
يُشترط لصحة تسمية الصَّداق العلم به
قال:
يعني: أن يكون الصَّدَاق معلومًا، والشرط هنا ليس لصحة النكاح، وإنما الشرط هنا لصحة التسمية.
فمعنى كلام المؤلف: أنه يُشترط لصحة تسمية الصَّداق العلمُ به، هذا معنى العبارة، يُشترط لصحة تسمية الصَّداق العلم به.
وإلا، فنحن ذكرنا قاعدة، وهي: أنه حتى لو تزوَّجها بدون مهر؛ صح، فما بالك إذا كان المهر فاسدًا أو كان مثلًا غير معلوم أو نحو ذلك؟! يصح من باب أولى.
فإذن؛ المقصود: هو أنه يُشترط لصحة التسمية -تسمية المهر- العلم بالصَّداق.
وفرَّع المؤلف على هذه المسألة، قال:
يعني: مُطْلَقة.
أي: مطلَقة.
أي: أَصْدَقها رَدَّ عبدها أين كان، ولا يُدرى في أيِّ جهة.
يُصبح هو الخادم لها مدة غير محددة.
وما ما يُثمِر شجرُه مجهول، لا ندري هل يُثمر أو لا يُثمِر؟ وإذا أثمر كم مقدار الثمر؟
الحمل في البطن أيضًا مجهول.
كذلك.
أي: لم تصح التسمية، لم تصح تسمية المهر؛ وذلك لجهالة هذه الأشياء، فيُؤدِّي ذلك إلى النزاع.
طيب، إذا لم تصح التسمية، وقلنا: إن العقد صحيح، فكيف يكون المهر؟ نعم، لها مهر المِثْل.
إذن؛ نقول: لا تصح التسمية، وحينئذ يكون لها مهر المِثْل.
لا يضر جهل يسير في صداق
قال:
يعني في المهر لا يضرُّ جهل يسير.
لأن هذه الجهالة يسيرة، ويمكن التعيين فيها بالقرعة.
قال:
يعني: مِن ذكر أو أنثى.
صح ذلك؛ لأنه يصح الاعتياض عنه.
لا يصح أن يجعل المهر طلاق زوجته
أي: لا يصح أن يجعل المهر طلاق زوجته؛ فلو أن رجلًا أراد أن يتزوج امرأة أخرى، فقالت: أنا أقبل لكن بشرط أن تجعل مهري طلاق زوجتك؛ فهذا لا يصح، لا يصح مثل هذا، لا يصح أن يجعل المهر طلاق زوجته؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي قال: لا يحِلُّ للرجل أن ينكح امرأة بطلاق أخرى[11]، وهذا الحديث رواه أحمد، وهو ضعيف.
لكن الحديث المَرْوي في الصحيحين: لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في صحفتها[12]. هذا فيه دلالة على أنه لا يجوز أن تسأل المرأة طلاق ضَرَّتها بأية صورة من الصور.
ولأن خروج البُضع من الزوج ليس بمُتموِّل، ليس مالًا، وحينئذٍ لو أنها اشترطت هذا الشرط فنقول: هذا الشرط غير صحيح، لكن العقد صحيح، وحينئذ يكون لها مهر المِثْل.
حكم من أصدقها مالًا مغصوبًا أو خنزيرًا ونحوه
العلم هنا بالمال المغصوب.
يعني: لم يصح المسمى، وصح النكاح. وهذا هو قول عامة الفقهاء؛ لأن فساد العِوَض لا يُؤدِّي إلى فساد النكاح، ولو عُدم أصلًا العوض فالنكاح صحيح، فكذا إذا وُجِد العوض وقد فسد فالنكاح صحيح ويكون لها مهر المثل.
يعني: وإن لم يعلما المال المغصوب، وليس الضمير يرجع إلى الخمر أو الخنزير؛ إذ إنه لا قيمة لهما، وإنما الضمير هنا يرجع إلى المال المغصوب، إن لم يعلما بأنه مغصوب.
يعني: صح التسمية.
لها قيمة المال المغصوب يوم العقد؛ وذلك لرضاها به، وتسليمه ممتنع لكونه مغصوبًا، فوجب الانتقال لقيمته يوم العقد.
طيب، إن قالت: أنا أريد مهر المِثْل، فنقول: لا يخلو إما أن تعلم أو لا تعلم، قال المؤلف: (إن لم يعلماه صح ولها قيمته يوم العقد). هذا، إن لم تعلم بأنه مغصوب، فيكون لها قيمة هذا المغصوب يوم العقد.
إن قالت: “أنا أريد مهر المِثْل” هل يجاب طلبها؟ نقول: لا؛ لأنها رضيت به، رضيت بهذا المال ولم تعلم بأنه مغصوب، فلها قيمته وقت العقد.
إن علمت بأنه مغصوب، فماذا يكون؟ إذا فسد المهر نرجع لأي شيء؟ نقول: لها مهر المِثْل، إن علمت فلها مهر المِثْل.
قال:
لو كان المهر عصيرًا، ثم تبيَّن أن العصير خمر؛ فيصح، تصح التسمية ويكون لها مثل ذلك العصير، ولا نقول: لها مهر المثل؛ وذلك لأنه مِثْلِي، والمِثْلِيُّ يُضمن في الإتلاف؛ ولهذا فيكون لها مِثله، المِثْلُ أقرب إليه من القيمة.
فإذن نقول: إذا فسد المهر نرجع لمهر المثل، لكن إذا لم يفسد أو أمكن الرجوع إلى قيمته؟ إذا أمكن الرجوع إلى قيمته؛ فالواجب الرجوع إلى قيمته، كما في المال المغصوب نرجع إلى قيمته يوم العقد، مثل -مثلًا- لو كان خمرًا، لو كانت قَبِلته عصيرًا فبان خمرًا، فنقول: لها مثل ذلك العصير.
يعني هذه مسائل نادرة أو مفترضة، لكن هي ترجع للقاعدة التي ذكرناها. ما هي القاعدة؟ “متى بطل المُسمَّى؛ وجب مهر المِثْل”، هذه قاعدةٌ أو ضابط في هذا الباب، وهذه أيضًا عبارة “زاد المستقنع”: “متى بطل المُسمَّى؛ وجب مهر المِثْل”.
نكاح المرأة بأقل من مهر المثل
ثم قال المؤلف رحمه الله:
وللأب تزويج ابنته مطلقًا بدون صَدَاق مثلها.
وهذا للأب خاصة.
وسبق أن قلنا: إن العلاقة بين الأب وأبنائه وبناته علاقة خاصة، ليست كسائر الأقارب، فالأب له خصائص بالنسبة لعلاقته بأبنائه وبناته. ومِن هذه الخصائص، مَن يُذكِّرنا بما قلناه؟ الخصائص التي تربط علاقة الأب بأبنائه وبناته، من جهة المال طبعًا؟
مداخلة: …..
الشيخ: نعم، له أن يرجع في الهِبَة، الرجوع في الهِبَة مُحرَّم بعد القبض، إلا الأب فيجوز له أن يرجع في هِبَته لولده.
وأيضًا لا يُطالِب أباه بالدَّين، لا يطالبه به، لكنَّ حقَّه باقٍ، هو يكون حقُّه في التركة لو مات الأب. لكن، الكلام في المطالبة فقط، إلا أن يكون دَين نفقة فله المطالبة به. وأيضًا للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء بشرط ألا يضره، وألا يأخذه ويُعطيه ولدًا آخر.
فإذن؛ العلاقة بين الأب وبين أولاده علاقة خاصة.
وأيضًا من هذه الأحكام أن للأبِ تزويج ابنته مطلقًا بدون صَدَاق مثلها، فيجوز للأب خاصة.
قال:
حتى وإن كرهت البنت ولم تقبل، فهذا يجوز للأب.
يعني: لا يلزم الزوجَ أو الأب أن يُتمَّ ذلك المهر؛ لصحة التسمية.
ويدل لهذا أيضًا قول عمر : ألَا لا تُغالوا في صَدَاق النساء[13]. فقد وجه الخطاب للأولياء، وكان ذلك بمحضر من الصحابة، فكان كالاتفاق بينهم على ذلك.
وزوَّج سعيدُ بن المسيب ابنته بدرهمين.
ثم إن الظاهر من الأب مع شفقته أنه لا ينقص من صَدَاق ابنته إلا لتحصيل المعاني المقصودة بالنكاح، يعني: لا يفعل ذلك إلا لمصلحة راجحة من كفاءة -مثلًا- الزوج، وأنه لا يُريد أن يُحرجه أو يشق عليه، ونحو ذلك.
قال:
إن فعل ذلك غير الأب؛ فننظر: إن كان ذلك بإذنها ورضاها وكانت رشيدة فيصح؛ لأن الحق لها وقد أسقطته.
إذا كان ذلك بدون إذن الزوجة الرشيدة يلزم الزوج تَتِمَّتُه إلى ماذا؟ إلى مهر المِثْل، وذلك لفساد التسمية؛ لأنها غيرُ مأذونٍ فيها، فوجب على الزوج مهر المِثْل.
أي: ضمن النقص، ولو كان أكثر من مهر المثل.
فلو أنها قدَّرت لوليِّها الذي هو غير الأب، قالت: ما أقبل الزواج إلا بستِّين ألفًا، ثم إنه قَبِل أن يكون المهر أربعين ألفًا، فيضمن العشرين.
قال:
أي: لزمه المهر عنه؛ وذلك لأن قوله “عندي” هذه من ألفاظ الضمان، فيصير بذلك ضامنًا عنه.
قال:
ولا لغير الأب مِن بابٍ أَوْلى.
ابنته البالغة الرشيدة، ليس له -للأب- أن يقبض صَدَاقها إلا بإذنها؛ وذلك لأنها المتصرِّفة في مالها، فاعتُبر إذنها في قبضه كثمن المبيع.
يعني: أحيانًا يكون الأب إنسانًا مُقَتِّرًا مثلًا، أو يأخذ المهر ولا يُعطيه البنت، نفترض أن الزوج أتى وأعطى المهر للوليِّ، فالوليُّ ما سلَّمه للمرأة، فرفعت شكاية، فيُضمَّن الزوج؛ لأنه يُفترض ألا يُسلِّم الوليَّ المهر إلا بإذن المرأة الرشيدة؛ ولهذا قال:
يعني: رجعت على الزوج. الزوج كيف يُطالَب بالمهر مرتين؟ نقول: يدفع للزوجة، وهو؟ قال:
نقول للزوج: ادفع المهر لها، وارجع أنت على أبيها، طالِبْه بما دفعتَ، هذا هو الحكم.
لكن، إن دلَّ العُرْف على إذنها، يعني في كثير من المجتمعات الإسلامية أن المرأة تأذن له، ويأخذه الأب، ويُسلِّمه لها، فهنا يكفي دلالة العُرْف في هذا.
أما إذا كان مثلًا هناك نزاع، والأسرة متفكِّكة، ونحو ذلك، فليس للزوج أن يُعطي المهر الأب ولا غير الأب من الأولياء، إنما يستأذن من المرأة.
في وقتنا الحاضر، مع وجود وسائل الاتصالات، بإمكانه أن يتصل بها ويسألها: هل أُعطي المهر والدك؟ هل أعطيه وليَّكِ؟ مثلًا أخاك؟ هذا إنما يحتاج إليه عندما يكون هناك نزاعات، نزاع مثلًا بين البنت وأبيها، أو أخيها، أو نحو ذلك.
أما مع عدم وجود النزاع، والأمور مستقرة، فالغالب أن دلالة العُرْف تقضي بأن الزوجة تأذن في أن يُقبِضَ الزوجُ المهرَ لأبيها أو وليِّها عمومًا.
هذا إذا كانت رشيدة، فلا بد من إذنها، أما إذا كانت غير رشيدة؟ قال:
كأن تكون صغيرة، أو تكون مجنونة مثلًا.
سلَّم هذا المهر إلى وليِّها، ووليُّها يحفظه لها؛ وذلك لأنه مالٌ لها، فأشبه ثمن مبيعها.
إذا تزوج العبد بإذن سيده أو بدون إذنه
قال:
باتفاق العلماء.
يعني: يلزم سيده.
كلُّ هذه تجب على السيد؛ لأن ذلك تعلَّق بعقدٍ بإذن سيِّده، فتعلَّق بذِمَّة السيد، كثمنِ ما اشتراه بإذنه، لو أن هذا السيد قال: اذهب واشترِ هذه البضاعة، فالثمن على السيد، هكذا أيضًا إذا تزوَّج العبد بإذن سيده فقد تعلَّق المهر والنفقة والكسوة والمسكن بذمَّة السيد.
قال:
إن تزوج العبد بلا إذن السيد لم يصح النكاح باتفاق العلماء؛ لحديث جابر أن النبي قال: أيما عبد تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر. وهذا الحديث رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد[14]، وقال الترمذي: إنه حديث حسن.
قال:
يعني: العبد.
وذلك لأنه قيمة البُضع الذي أُتلف بغير حقٍّ، أَشْبَهَ أرْشَ الجناية.
الزوجة تَملِك بالعقد جميع المسمى
ثم قال المؤلف رحمه الله:
وتملك الزوجةُ بالعقد جميع المُسمَّى.
يعني: جميع المُسمَّى مِن المهر تملكه المرأة بمجرد العقد، فإذا قال مثلًا: “زوَّجتُكَ ابنتي على مهرٍ قدْره خمسين ألف ريال”، فقال: “قبلتُ”، فالزوجة تملك هذا المُسمَّى.
يعني: مقصود المؤلف بـ”المعيَّن” يعني: المتميِّز، إن كان متميِّزًا فلها نماؤه من حين العقد؛ لقول النبي الخَراج بالضمان[15].
يعني: من بيعٍ ونحوه.
ولكن، يجري فيه الخلاف بين العلماء في حكم بيع الشيء قبل قبضه؟ وهل هو خاصٌّ بالطعام كما هو المذهب عند الحنابلة، وكما هو قول الجمهور، أو أنه يشمل الطعام وغيره؟
وهذا القول الراجح: أنه يشمل الطعامَ وغيرَه: مَن ابتاع طعامًا فلا يَبِعْه حتى يستوفيه[16]، وفي روايةٍ لأحمد: مَن ابتاع شيئًا فلا يَبِعْه حتى يقبضه[17]، حتى يستوفيه[18]. القول الراجح: أن القبض يجب في الطعام وغيره، وأن الإنسان إذا اشترى شيئًا فلا يجوز له أن يبيعه حتى يقبضه.
وبناءً على ذلك؛ فليس للمرأة أن تبيع مهرها المُسمَّى إذا كان مما يُباع، كأن يكون مثلًا حيوانًا أو نحوه، ليس لها أن تبيعه حتى تقبضه.
وذلك لتمام مِلْكها عليه.
فإن منعها فيكون الضمان عليه؛ لأنه كالغاصب حينئذٍ.
قال:
إذا أقْبَضَها الصَّداق، ثم طلَّق قبل الدخول؛ فإنه يكون له نصف المهر، وهذا بالإجماع؛ للآية الكريمة في قول الله : وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237]، قال: إن كان باقيًا فيرجع على المرأة بالنصف.
كحَمْل ونحوه.
لأنه نماء ملكها.
والحنابلة في جميع أبواب الفقه يُفرِّقون بين الزيادة المتصلة والمنفصلة، والصحيح أنه لا فرق بينهما، وحينئذٍ يكون لها الزيادة المتصلة والمنفصلة؛ لأنه نماء ملكها.
لأنَّ الأصل أنه يرجع بنصف المهر، لكن إن كان المهر قد تلف، وكان هذا المهر مِثْلِيًّا، فيرجع بنصف المِثْل. وإن كان ليس مِثْلِيًّا وإنما متقوَّمًا فيرجع بنصف قيمته. هذا عند التلف.
من الذي بيده عقدة النكاح؟
قال:
أراد المُؤلِّف أن يُبيِّن هذه المسألة ليُفرِّع عليها.
قال: (والذي بيده عقدة النكاح)؛ يعني: في الآية الكريمة، وهي قول الله : وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة:237]، فالذي بيده عقدة النكاح اختلف العلماء فيه: هل هو الزوج أو الولي؟
قولان مشهوران؛ فمِن أهل العلم مَن قال: إن الذي بيده عقدة النكاح المقصود به الولي؛ وذلك لأنه هو الذي يعقد النكاح لموليته، فهو الذي بيده عقدة النكاح. وهذا هو مذهب المالكية، واختاره أبو العباس ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى.
وذهب أكثر أهل العلم إلى أن الذي بيده عقدة النكاح: هو الزوج، وهذا مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة، وهذا هو الذي قرَّره المؤلف هنا، وهو الصحيح؛ وذلك لأمور:
- أولًا: أن هذا قد رُوي مرفوعًا إلى النبي ، كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه: أن النبي قال: وليُّ العقد الزوج. وهذا الحديث رواه الدارقطني، لكنه ضعيفٌ من جهة الإسناد[19].
- ثانيًا: أنه قد صحَّ عن عليٍّ بسندٍ صحيحٍ[20] –كما عند ابن أبي شيبة[21]– أن الذي بيده عقدة النكاح: هو الزوج.
- وأيضًا لأن الزوج هو الذي إن شاء أبقى المرأة، وإن شاء أحلَّها بالطلاق، فهو الذي بيده عقدة النكاح.
- وأيضًا لأن الوليَّ ليس له العفو عن صَدَاق موليته إلا بإذنها.
- وأيضًا لأنه إذا قيل: الزوج هو الذي بيده عقدة النكاح؛ صار العفو من الجانبين: إما من الزوجة، أو من الزوج: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ [البقرة:237]، فكأن معنى الآية إلا أن تعفو الزوجة أو الزوج.
أما إذا قلنا: إن الذي بيده عقدة النكاح هو الولي؛ فصار العفو من جانبٍ واحد، فكأن المعنى: إلا أن تعفو الزوجة أو وليُّها، ولا شك أن كون دلالة الآية على العفو من الجانبين أولى.
- وأيضًا؛ لأن الله تعالى قال في هذه الآية: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ أكمِل تَعْفُوا، ولم يقُل: “وأن يعفوا”، وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى. فالخطاب للأزواج؛ لأنه في أول الآية قال: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ يعني: أنتم أيها الأزواج، وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ فالخطاب للأزواج، وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ يعني: أنتم أيها الأزواج لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ يعني: الزوجات أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا يعني: أنتم أيها الأزواج أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237].
ولو كان الولي هو الذي بيده عقدة النكاح لقال: “وأن يعفوا”، ولم يقُل: وَأَنْ تَعْفُوا. هذا هو الأقرب، ورجَّحه الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله.
فإذن؛ نقول: الصحيح في هذه المسألة أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج، وليس الولي.
قال:
يعني: طلَّق الزوجُ قبل الدخول.
مقصود المؤلف يعني: مِن نصف المهر، وليس المقصود من كامل المهر، من نصف المهر.
يعني: حرٌّ مُكلَّف رشيد.
(بَرِئ منه صاحبه) فإذا عَفَا الزوجُ برئت الزوجة، وإذا عَفَت الزوجة بَرِئ الزوج.
يعني: لما كانت الأمور جيدة، قامت المرأة ووَهَبت صَدَاقها للزوج، لكن حصل الخلاف بعد ذلك.
قبل الدخول، طلَّقها قبل الدخول، وكانت قد وَهَبَت المهر له.
هنا يرجع عليها، يقول: “أعطني بدل النصف” ولو كانت قد وَهَبَتْه.
يعني: ما يُسقط المهر؛ كرِدَّتها، أو فسخها لِعَيِبه.
ولا نقول: إنها وَهَبَتْه الصَّداق فلا يرجع بشيء، بل الرجوع حكمُه باقٍ؛ وذلك لأنه كما يقول الأصوليون: الجهة مُنفكَّة، فكونها وَهَبَتْه هذه مسألة مستقلة، وكونه قد حصل ما يُنصِّفه أو ما يُسقطه هذه مسألة أخرى، فليس بينهما ارتباط، فالجهة -كما يقول الأصوليون- منفكَّة.
ثم قال المؤلف رحمه الله، لعلنا أن نأخذ هذا الفصل ونكتفي به.
مداخلة: …..
الشيخ: هي وَهَبَته، قالت: المهر هذا لك، وهَبَتْه هِبَة، ثم حصل ما يُنَصِّفه قبل الدخول، طلَّقها قبل الدخول، فقال: “أعطني نصف المهر”، ولو كانت وَهَبته، أو حصل ما يُسقطه كمثل رِدَّتها أو نحو ذلك، فله المهر كاملًا. فكونها وَهَبَته ما يجعلنا نقول: ليس له شيء، لا، حكم التَّنْصِيف باقٍ.
ما يُسقِط الصداق ويُنصِّفه ويُقرِّره
قال:
يسقط كلُّه قبل الدخول -حتى المُتعة- بفُرْقة اللِّعان.
يعني: القاعدة في هذا الباب: أن الفُرقة إذا كانت من قِبَل المرأة، فإنه يسقط كلُّه، أما إذا كانت من قِبَل الرجل فنصفه، يتَنَصَّف. هذه القاعدة، وعلى ذلك تكون هذه التفريعات.
فبدأ المؤلف بما يُسقِط الصَّداق كلَّه.
الأحوال التي يَسقط فيها الصداق كله
يعني: لا يجب لها متعة حتى.
إذا حصل اللِّعان بينهما، يعني: الآن لا زال في البداية، وما دخل بها، ومع ذلك حصل اللِّعان؛ وذلك لأن الفسخ مِن قِبَله؛ لأنه إنما يكون إذا أتمَّ لِعانها.
فإذن؛ يسقط كله قبل الدخول بفُرْقة اللِّعان، وحينئذٍ إذا حصل اللِّعان تُؤمر المرأة بأن تَرُدَّ المهر كاملًا على الزوج، طبعًا هذا إذا كان كلُّه قبل الدخول.
(وبفسخه لعَيْبِها) يعني: وجدها الرجلُ رَتْقَاء مثلًا، أو وجد فيها عيبًا من عيوب النكاح وفسخ العقد، فيسقط كلُّه، ويلزمها أن ترُدَّ المهر عليه كاملًا.
يعني: إذا كانت الفُرْقةُ من قِبَلها عمومًا، هي التي كانت الفُرْقةُ بسببها.
وجدت فيه عَيْبًا وطلبت الفُرْقة هي، فهنا يسقط المهر كله قبل الدخول.
يعني: مع اختلاف الدين، إذا أسلمت تحت كافر، أو ارتَدَّت تحت مسلم؛ فيسقط المهر كله قبل الدخول.
كما لو أرضعت زوجته الصغرى؛ لأنه ينفسخ به نكاحها، لأنه لا يجوز له الجمع بين الأختين، فكانت الفُرْقة من قِبَلها، وإذا كانت الفُرْقة من قِبَلها، فإنه يسقط المهر كلُّه.
أما إذا كانت الفُرْقة من قِبَل الزوج، فالأصل هو التَّنصِيف؛ ولهذا قال المؤلف:
هذه القاعدة، القاعدة يا إخوة في هذا الباب، اضبط القاعدة وتنضبط معك التفريعات: إذا كانت الفُرْقة من قِبَل الزوجة فيُرَدُّ المهر كاملًا على الزوج، وإذا كانت الفُرْقة من قِبَل الزوج فله نصف المهر. هذه هي القاعدة.
مداخلة: …..
الشيخ: نعم، الكلام قبل الدخول، أما بعد الدخول فسبق أن بَيَّنَّا هذا أنه يستقر المهر.
حالات استحقاق المرأة نصف المهر
(ويتنصَّف بالفُرْقَة مِن قِبَل الزَّوج)؛ لقول الله تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237].
ومَثَّل المؤلف للفُرْقَة التي من قِبَل الزوج، قال:
هذه كلها أمثلة للفُرْقة التي من قِبَل الزوج.
كما إذا اشتراها الزوج من مالِكِ رقبتِها قبل الدخول، فإذا مَلَكها قبل الدخول أو مَلَكَتْه قبل الدخول؛ فحينئذ يَتَنَصَّف.
يعني: ويَتَنَصَّف أيضًا بالفرقة من:
فقوله: (أو) يعني معطوف على قوله: (ويتنَصَّف بالفُرْقة)؛ أي: ويَتَنَصَّف بالفُرْقة من قِبَل الزوج ويَتَنَصَّف بالفُرْقة من قِبَل أجنبي.
ومثَّلوا لذلك قالوا: كما لو أرضعت أختُه زوجتَه الصغرى رضاعًا مُحرِّمًا.
طيب، إذا أرضعت أختُه زوجتَه الصغرى، ماذا يكون بالنسبة لها؟ أخو زوجته.. ماذا يكون؟ أرضعت أختُه زوجتَه؛ يصبح خالها، فينفسخ النكاح، فيتَنَصَّف، هنا يَتَنَصَّف بالفُرْقَة من قِبَل أجنبي.
حالات استحقاق المرأة صداقها كله
يعني: يستقر المهر.
انتقل المؤلف بعد ذلك لبيان ما الذي يستقر به المهر.
فلو عقد رجلٌ على امرأةٍ ثم مات الزوج؛ فإنه يستقر لها المهر كاملًا، ولا نقول: لها نصف المهر؛ لها المهر كاملًا.
لو ماتت الزوجة، لها المهر أم لا؟ كذلك، لها المهر، ويكون للورثة. فإذن؛ يستقر بموت أحدهما.
إذا وطئها استقر المهر>
وسبق أن ذكرنا في (عيوب النكاح): حتى لو وجد فيها عَيْبًا من عيوب النكاح يستقر المهر، ويرجع بالمهر على مَن غرَّه، لكن المهر يستقر.
المهر إذن يستقر بالوطء، ويستقر كذلك بالموت.
قال:
يستقر باللمس.
كذلك يستقر بهذا المهر.
لماذا قال المؤلف: (ولو بحضرة الناس)؟ لِيُبَيِّن عدم اشتراط الخلوة، وهذا طبعًا غير مقبول، لكن هذه مسألة مفترضة، وإلا فغير مقبول أن يفعل ذلك، يُقبِّل زوجته أمام الناس.
وذلك لأنه يجب عليها عِدَّة الوفاة، ومعاملةً له بنقيض قصده فيستقر المهر كاملًا إذا طلَّقها في مرضٍ ترث فيه.
خلاف العلماء في استقرار المهر بالخلوة
المسألة الأخيرة، هذه الحقيقة نود أن نقف معها وقفة طويلة؛ لأنها مسألة مهمة.
هل يستقر المهر بالخلوة؟ أما بالدخول -يعني: بالوطء- فيستقر بالاتفاق، وبالموت يستقر، وبما ذكر المؤلف يستقر. لكن، هل يستقر المهر بالخلوة؟ بالتقييدات التي ذكرها المؤلف عن مُميِّز وعن بالغ؟ مِن بابٍ أولى إن كان يطأ مثله، والذي يطأ مثله عند الفقهاء: ابن عشر سنين، ويُوطأ مثلها: وهي بنت تسع سنين.
فهل الخلوة بها تأخذ حكم الدخول في استقرار المهر؟ وكذلك أيضًا في العِدَّة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49]؟
رجل طلق امرأة، ولم يدخل بها، ولم يخلُ بها، هل عليها عِدَّة؟ الجواب: ليس عليها عِدَّة بالإجماع، بنص الآية.
رجل طلق امرأة وقد دخل بها، هل عليها عِدَّة؟ عليها عِدَّة بالاتفاق. هذا تحرير محل الخلاف في المسألة.
رجل خلا بامرأة ولم يطأها، ثم طلقها، هل عليها عِدَّة؟ وهل يستقر لها المهر؟ هذا محل الخلاف بين العلماء:
فالمؤلف يرى: أن المهر يستقر، يعني: الخلوة تأخذ حكم الدخول، وكذلك أيضًا في مسألة العِدَّة في (باب العِدَد) قالوا: عليها العِدَّة، تعتَدُّ -مثلًا- إن كانت ممن يحيض كم؟ ثلاث حِيَض.
فإذن؛ نود أن نُفصِّل خلاف العلماء في هذه المسألة، نقول:
إذا خلا الرجل بامرأته من غير أن يَمَسَّها ثم طلقها، فهل يستقر المهر بهذه الخلوة؟ وهل يجب عليها العِدَّة؟ أو بعبارة أخرى: هل تأخذ الخلوة حكم الدخول أو لا؟ اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين مشهورين:
- القول الأول، وهو القول الذي قرَّره المؤلف رحمه الله، وهو قول الجمهور: وجوب العِدَّة على المرأة، واستقرار المهر لها، إذا خلا بها زوجها ولم يمسَّها. قالوا: وقد رُوي هذا القول عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وزيد بن ثابت ، وهو مذهب الحنفية والحنابلة، وقولُ الشافعي في القديم.
- والقول الثاني: إن الخلوة لا تأخذ حكم الدخول. وبناءً على ذلك: لا تجب العِدَّة عليها إذا خلا بها ولم يمسَّها، ولا يستقر بتلك الخلوةِ المهرُ. يعني باختصار أن الخلوة لا تأخذ حكم الدخول.
وقد رُوي عن ابن مسعود وابن عباس، وهو قول الشافعي في الجديد، وهو مذهب المالكية إلا أنهم يرون أن للخلوة تأثيرًا يَقْوَى به قولُ مَن يدَّعي الإصابة منهما، يعني: المالكية لهم تقييد يسير.
طيب، أدلة القول الأول: استدلوا بإجماع الصحابة ، قالوا: فقد رُوي عن زُرَارة بن أبي أوفى أنه قال: قضى الخلفاء الراشدون أنَّ مَن أغلق بابًا، أو أرخى حجابًا؛ فقد وجب المهر، ووجبت العدة. ولكن هذا الأثر ضعيف، من جهة الإسناد لا يصح، وقد رواه الدارقطني لكنه ضعيف.
وعلَّلوا فقالوا: لأنه عقدٌ على المنافع؛ لأن النكاح عقد على المنافع، فالتمكين فيه يجري مجرى الاستيفاء في الأحكام المتعلِّقة به كعقد الإجارة.
إذن؛ هذه هي أدلتهم من جهة الأثر، ومن جهة النظر أنه عقد على المنافع فالتمكين فيه يجري مجرى الاستيفاء.
أصحاب القول الثاني الذين قالوا: إن الخلوة لا تأخذ حكم الدخول، استدلوا بظاهر الآية الكريمة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49]، قالوا: والمراد بالمسيس: الوطء كما قاله ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما؛ ولهذا قال ابن عبدالبر: لا تعرف العرب أن الخلوة دون وطء تُسمَّى مسيسًا.
ورُوي هذا أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأنه قال في الرجل يتزوج المرأة فيخلو بها ولا يمسُّها ثم يطلقها، قال: ليس لها إلا نصف الصداق؛ لأن الله قال: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [البقرة:237]. وقد أخرجه الشافعي في “الأم” والبيهقي، وهو صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ ولهذا قال شُريح القاضي: لم أسمع أن الله تعالى ذكر في كتابه بابًا ولا سترًا، إذا زعم أنه لم يمسَّها فلها نصف الصَّدَاق.
وأيُّ القولين أرجح؟ الله تعالى يقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، إذا رددنا هذه المسألة للأدلة، أيُّ القولين أقرب للآية الكريمة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [الأحزاب:49]؟
القول الثاني أقرب، القول الراجح والله أعلم هو القول الثاني، وهو أن الخلوة لا تأخذ حكم الدخول؛ لأنه لا دليل يدل على أن الخلوة تأخذ حكم الدخول، الله تعالى ذكر المسيس كما قال ابن عبدالبر: إن العرب لا تعرف أن الخلوة دون وطء تُسمَّى مسيسًا. الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49]، والمسيس في لغة العرب المقصود به الوطء، فما الدليل على أن الخلوة تأخذ حكم المسيس وتدخل في مسمى المسيس؟
ما يوجد دليل، أصحاب القول الأول اعتمدوا على أثر زرارة بن أبي أوفى، أن هذا هو رأي خلفاء الراشدين، لكن هذا لا يصح، الأثر ضعيف، ضعيف ولا يصح.
وأما قولهم: إنه عقدٌ على المنافع، فالتمكين جرى مجرى الاستيفاء. فنقول: لا قياس مع النص.
وأما قولهم: إنه إجماع الصحابة . فلا يٌسلَّم، القول الثاني قولُ ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما، وقول الصحابي لا يكون حجة إذا خالفه قولُ صحابي آخر.
ومما يُؤيِّد هذا أن أصحاب القول الأول يقولون: لو قَبَّلها أو لمَسَها ولو بشهوةٍ بلا خلوة، ثم طلقها، فلا عِدَّة عليها، فإذن ألا يكون عليها عدة إذا خلا بها من غير مسيسٍ، من باب أولى.
يعني قيل لأصحاب هذا القول: لو كان بدون خلوة؛ قبَّلها أو لمسها بدون خلوة أمام الناس، يقولون: لا عِدَّة عليها.
طيب، إذا كان بخلوة، قالوا: لا، عليها عِدَّة، هذا مما يُضعف هذا القول الحقيقة؛ لأنه إذا كان هذا أمام الناس ففي الخلوة من باب أولى، لئلا يكون عليها عِدَّة إذا خلا بها من غير مسيسٍ، من باب أولى.
فالقول الراجح إذن: أن الخلوة لا تأخذ حكم الدخول، وأن هذه الأحكام متعلِّقة بالوطء نفسه وليس بالخلوة. هذا هو القول الراجح والله أعلم في هذه المسألة.
ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الأسئلة
نُجيب عما تيسر من الأسئلة، لعلنا نبدأ بالأسئلة المكتوبة أولًا.
السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: ما الضابط في العيوب الخفِيَّة في المرأة؛ كسرعة الغضب والحسد، أو أنها كثيرة المشكلات عند والديها؟ هل يُخبِر بهذه العيوب، ولو أُخبِر كلُّ خاطبٍ فهل هو ظلمٌ لها؟
الشيخ: سبق أن تكلمنا عن هذه المسألة في الدرس السابق، وقلنا: إن مثل هذه العيوب الخُلُقية أنها لا تُعتبر عيوبًا مُوجِبة للفسخ، إنما العيوب الموجبة للفسخ العيوب الخَلْقية، أو مثلًا الأمراض النفسية ونحوها.
أما العيوب الخُلُقية؛ كأن تكون سيئة الخلق، أو مثلما ذكر سريعة الغضب، أو نحو ذلك؛ فهذه لا توجب الفسخ في قول عامة أهل العلم.
وكان عليه أن يسأل ويختار قبل أن يتزوج بها، ما دام أنه قد ابتُلي بها فليصبر، لكن هذه لا تقتضي الفسخ.
السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: إذا كان المهر مُؤجَّلًا، هل تُزكِّيه المرأة في كلِّ حوْلٍ، ويكون حكمه حكم زكاة الدَّين؟
الشيخ: هذا سؤال جيد، إذا كان المهر مؤجَّلًا، فمعنى ذلك: أن المهر دين في ذِمَّة الزوج لهذه المرأة، والقول الصحيح في الدَّين: إنه إذا كان على مَلِيءٍ باذِلٍ فتجب زكاته، فإذا كانت هذه المرأة متى ما طلبت من الزوج أن يُعطيها المهر أعطاها إياه مباشرة، يعني: كأن المال عندها، كأن المهر عندها؛ فيجب عليها أن تُزكِّيه.
أما إذا كانت تعرف مِن زوجها أنها لو طلبت منه هذا المهر أنه سيُماطل أو أنه معسر؛ فلا تجب فيه الزكاة؛ لأن القول الصحيح في زكاة الدَّين: إنه إذا كان على مَلِيءٍ باذِلٍ وجبت فيه الزكاة، وإذا كان على معسر أو مماطل فلا زكاة فيه.
مداخلة: …..
الشيخ: حتى الديون المؤجَّلة، حتى لو لم يَحُلَّ الأجل، القول الصحيح: الديون المؤجلة تجب فيها الزكاة، ولو قلنا بعدم وجوب الزكاة لأسقطنا الزكاة في ملايين وربما بلايين ديون الشركات.
ولهذا؛ فالقول الصحيح: إنه تجب الزكاة في الديون المؤجلة، لكن بالنسبة للأرباح، أرباح السنة الحالية فقط، هذا أحسن ما قيل في مسألة الديون المؤجلة.
حقيقة، زكاة الديون المؤجلة من المسائل الشائكة، وأنا كنت قديمًا أُرجِّح أنه لا زكاة فيها تبعًا لرأي أكثر الفقهاء، ولكن لما تبيَّن لوازم هذا القول، وهي لوازم خطيرة وكبيرة؛ إذ إنه يترتب على القول بعدم وجوب الزكاة إسقاط الزكاة في بلايين، وليس ملايين، بلايين الريالات، وهذا لا شك أن فيه خطورة كبيرة.
ثم أيضًا أصبح الآن مَن يستدين ليس لحاجة، الشركات الآن تستدين لغير حاجة؛ لأجل استثمار، اختلف الوضع عما كان عليه في السابق اختلافًا كبيرًا.
فهنا، الأظهر والله أعلم هو أنه تجب الزكاة في الديون المؤجَّلة مع أرباح السنة الحالية فقط، دون أرباح السنوات السابقة.
طيب، بالنسبة يا إخواني للمهر المؤجَّل، متى يستقر؟ لو أردنا أن نضع فيه قاعدة، متى؟ متى يستقر ويجب على الزوج أن يُسدِّده؟
مداخلة: …..
الشيخ: بموت أو طلاق، إذن يستقرَّ بطلاق أو موت، فإذا طلَّق وجب عليه أن يُسدِّد؛ حَلَّ هذا المهر -وجب عليه- أو مات.
مداخلة: …..
الشيخ: لو كانت ضامنة له متى ما طالبته أعطاها إياه، فهذا يأخذ حكم زكاة الدَّين على مَلِيءٍ. أما إذا كانت غير ضامنة فلا. يظهر أن حكمه حكم زكاة الدين على مَلِيءٍ.
السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: الغلة الناتجة من تأجير شقق ونحوها، الغالب أنها تُفرض في بداية كل ستة أشهر…؟
الشيخ: هنا الاستقرار من جهة وجوب السداد، ليس من جهة أنه قد يثبت، قد لا يثبت، قد يثبت أو ما يثبت، هذا صحيح، هذا الذي ذكره الفقهاء: أنه لا تجب فيه الزكاة، لكن هنا من جهة أنه تجب المطالبة به الآن أو أنه لا تجب.
السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: الغلة الناتجة من تأجير الشقق ونحوها، الغالب أنها تُقبَض في بداية كل ستة أشهر، وأحيانًا يتأخر المستأجر في السداد، السؤال -أحسن الله إليكم-: متى يبدأ الحول للزكاة، هل يبدأ من تاريخ قبضه للأجرة، أو يبدأ من بداية العقد ولو لم يقبضها؟
الشيخ: هذه المسألة فيها خلاف بين الفقهاء؛ فمنهم مَن قال: إنه تجب الزكاة من بداية العقد ولو لم يمضِ عليها حول، وهذا اختيار أبي العباس ابن تيمية رحمه الله.
القول الثاني: إنه تجب الزكاة إذا قبض، إذا استحق الأجرة ومضى على ذلك عام، إذا استحقها ومضى على ذلك سنة. وهذا هو القول الراجح، متى ما استحقها وقبضها ومضى على ذلك سنة، فتجب الزكاة.
السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: بعض العلماء حمل آية الممتحنة: لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ، وقوله تعالى: وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ [الممتحنة:10]، على العربي، فما رأي فضيلتكم في هذا؟
الشيخ: الآية عامة، نقول: الآية عامة، والتخصيص لا دليل عليه.
السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: هل يجوز للمرأة أن تستخدم الحبوب المانعة من الحمل من دون علم زوجها؟ علمًا بأن السبب في ذلك وجود خلاف بينها وبين زوجها، ويُحتمل عدم استمرار الزواج، وخشية الانفصال، ولديهما أطفال.
الشيخ: من المعلوم أن لكُلٍّ من الزوجين الحق في الولد، وحبوب منع الحمل تمنع من الحمل؛ ولذلك فليس للمرأة أن تستخدم هذه الحبوب إلا بإذن الزوج. أما كونها تفعل ذلك بدون إذن الزوج فهذا لا يجوز.
السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: بعض القبائل يشترطون على نسائهم أن تكون مهورهن مبلغًا زهيدًا؛ كريالين مثلًا، ما حكم مثل هذا الفعل؟
الشيخ: أقول مثل هذه الشروط فيها نوعُ تَعَدٍّ على الآخرين، لا يجوز تحديد المهر بمبلغ معيَّن كما ذكرنا، من عهد عمر إلى وقتنا هذا لم تُحدَّد المهور، فإحراج الناس بتحديد المهر هذا الأصل أنه لا يجوز؛ ولذلك يُحَثُّ الناس فقط على التخفيف.
أما التحديد بمهور زهيدة إذا كان ذلك على سبيل الإلزام فهذا لا يجوز. أما إذا كان ذلك على سبيل التوجيه والإرشاد فلا بأس به.
ومثل هذه الأحكام القَبَلية لا تجوز أن تكون معارضة للشريعة؛ لأن المرأة لها حقٌّ أيضًا في المهر، خاصة في وقتنا الحاضر، تتجهَّز به وتنتفع به انتفاعًا كبيرًا، كون -مثلًا- هذه القبيلة تحرم بناتها مِن أن تأخذ المهور المستحقَّة لهن، ليس لهم ذلك، وإنما هناك وسائل أخرى من جهة التوعية بتخفيف المهر، من جهة أيضًا تأسيس جمعيات لمساعدة الراغبين في الزواج، فيمكن هناك حلول أخرى.
السؤال: أحسن الله إليكم. السائل عن حمل آية الممتحنة وآية :وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ على العربي، أرسل توضيحًا يقول: الكافر على العربي، هل هذا صحيح؟
الشيخ: طيب الذي بعده.
السؤال الأخير يقول: إني أحبكم في الله يا فضيلة الشيخ. ما الحل في شابٍّ اعتاد ذنبًا معيَّنًا، وكلما اقترفه ندم وتاب إلى الله، ثم لا يلبث حتى يعود لذنبه مرة أخرى، وهكذا منذ سنين ولا يستطيع المحافظة على توبته؟ أفيدونا أثابكم الله.
الشيخ: نعم، هذه ورد فيها حديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي قال: قال الله تعالى: أذنب عبدي ذنبًا فاستغفَر فغفرت له، ثم أذنب عبدي ذنبًا فاستغفَر وتاب وغفرت له، ثم أذنب عبدي ذنبًا فاستغفَر وتاب وغفرت له، وفي رواية: علم أن له ربًّا يغفر الذنوب، ثم قال الله تعالى: لِيَفْعَلْ عبدي ما شاء؛ فقد غفرت له. هذا الحديث في الصحيحين[22].
وهو محمول على أن هذا الذي أذنب وتاب توبة صادقةً، لكن ضعفت نفسه ثم عاد للذنب مرة أخرى، ثم تاب توبة صادقة، ثم ضعفت نفسه وعاد للذنب مرة أخرى، وهكذا. فنقول: إن هذا لا يؤثِّر على صحة التوبة، ولا يكون سببًا لإحباط هذا الإنسان.
لأن بعض الناس يكون عنده نوع إحباط، ويأتيه الشيطان بوساوس، ويقول: أنت كيف تُخادع ربك؟ أو نحو ذلك.
المهم أنه عند التوبة يكون صادقًا، يُقلع عن الذنب، ويعزم على ألا يعود إليه مرة أخرى. وكونه تضعف نفسه ويعود للذنب مرة أخرى، هذا لا يؤثر على صحة التوبة.
مداخلة: …..
الشيخ: إذا عقد الزوج على المرأة فقد أصبحت زوجته، وإذا كان الولي يمنع الرجل من أن يخلو بالمرأة حتى يُعلن النكاح فهذا لا بأس به، لماذا؟
لأنه قد يخلو الرجل بالمرأة قبل إعلان النكاح ويطؤها وتحمل منه ثم يطلقها، وبعد ذلك تحصل إشكالات، قد تُتَّهم هذه المرأة، وقد يُساء بها الظن، ونحو ذلك، فبعض الأولياء يمنع المرأة من أن تخلو بالزوج لأجل هذا. لكن من حيث الحكم الشرعي لو خلا بها، لو وطئها فليس عليه شيء.
أما إذا فعل ذلك الولي من باب السياسة، ومن باب خشية التهمة، فمَنَع الرجل من أن يخلو بالمرأة حتى إعلان النكاح، هذا لا بأس به، بل ربما يكون مطلوبًا إذا كان ذلك قد يتسبب في مفاسد.
وبالمناسبة، ينبغي عدم إطالة الفترة ما بين العقد وما بين الدخول؛ لأنه في الغالب من أبرز أسباب الطلاق قبل الدخول هو طول المدة والفترة، فإذا طالت الفترة ما بين العقد وما بين الدخول يتعرف كلٌّ من الزوجين على عيوب الآخر وقد لا يتحمل، خاصة المرأة قد لا تتحمل مثل هذه العيوب، بخلاف ما إذا كانت الفترة قصيرة فإنها لا تعرف عيوبه، وربما أنها تتأقلم مع هذه العيوب بعد الدخول.
ولهذا؛ إذا تأمَّلت في معظم الطلاق الذي يقع قبل الدخول تجد أن هذا السبب هو من أبرز أسبابه.
مداخلة: …..
الشيخ: نعم، مهر المثل.
مداخلة: …..
الشيخ: تُحدَّد على سبيل الإلزام، يحددون؛ مثلًا يقولون: المهور كلها ألف ريال.
مداخلة: …..
الشيخ: لا، هم يُلزمون إلزامًا، ليس هو العرف، العُرْف مثلًا في المجتمع أنها أربعون ألفًا، هم قالوا: لا، نجعل المهور ألفًا من باب تيسير الزواج.
مداخلة: …..
الشيخ: أما الإلزام بمهر معين؟ نقول: هذا لا يجوز، لا يجوز الإلزام، اتركوا الأمور، اتركوا الناس على ما هم عليه؛ لأن الغني ليس كالفقير، كما ذكرنا أنه إذا كان إنسان غنيًّا فلا بأس أن يُصْدِق المرأة مهرًا كثيرًا.
لكن، كونهم يُلزِمون أفراد القبيلة بمهر معين؟ فنقول: إن هذا إذا كان على سبيل الإلزام لا يجوز، وإنما يُترك الناس على ما هم عليه.
نكتفي بهذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الحاشية السفلية
^1 | رواه مسلم: 223. |
---|---|
^2 | رواه البخاري: 5312، ومسلم: 1493. |
^3 | رواه أحمد: 25119. |
^4 | رواه النسائي في “الكبرى”: 9229، والبيهقي في “الكبرى”: 14356. |
^5 | رواه مسلم: 1424. |
^6, ^8 | رواه البخاري: 5871، ومسلم: 1425. |
^7 | رواه أبو داود: 2117. |
^9 | رواه سعيد بن منصور في “سننه”: 642. |
^10 | سبق تخريجه. |
^11 | مسند أحمد: 6647. |
^12 | رواه البخاري: 2140، ومسلم: 1413. |
^13 | رواه الترمذي: 1114، والنسائي: 3349. |
^14 | رواه أحمد: 15031، وأبو داود: 2078. |
^15 | رواه أحمد: 24224، وأبو داود: 3508، والترمذي: 1285، والنسائي: 4490. |
^16 | رواه البخاري: 2136، ومسلم: 1526. |
^17 | رواه أحمد: 3481. |
^18 | رواه أحمد: 396. |
^19 | رواه الطبراني في “الأوسط”: 6359، والدارقطني في “السنن”: 3718، والبيهقي في “الكبرى”: 14454. |
^20 | رواه سعيد بن منصور في “السنن”: 390، والدارقطني في “السنن”: 3713، والبيهقي في “الكبرى”: 14445. |
^21 | رواه ابن أبي شيبة في “المصنف”: 16987. |
^22 | رواه البخاري: 7507، ومسلم: 2758. |