logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(78) باب حكم العيوب في النكاح- من قوله: “وأقسامها المُثْبِتة..”

(78) باب حكم العيوب في النكاح- من قوله: “وأقسامها المُثْبِتة..”

مشاهدة من الموقع

كنا قد وصلنا في “دليل الطالب” إلى (باب: العيوب في النكاح).

باب حكم العيوب في النكاح

باب: حكم العيوب في النكاح.

ما يَفُوت به غرضُ الزوج أو الزوجة: إما أن يكون فوات صفة كمال، وإما أن يكون عيبًا ونقصًا.

فما كان مِن باب فوات صفة الكمال فإنه لا خيار فيه؛ كأن يجد الزوجُ الزوجة سيئة الخلق مثلًا، أو يجدها ليست بجميلة، أو نحو ذلك، فهنا لا خيار في هذا ما لم يشترط صفة معينة.

وأما إذا كان ما يفوت به غرض الزوج أو الزوجة لوجود صفة عيب فله الخيار، له الخيار إذا وجد العيب في الآخر، فإذا وجدت الزوجةُ العيبَ في زوجها فلها الخيار، وإذا وجد الزوج العيب في زوجته فله الخيار.

وهذه العيوب: هي عيوب النكاح، أو العيوب في النكاح.

وهذه العيوب: هل هي محصورة في عيوبٍ معينة محددة، أو أنها غير محصورة؟ هذا محل خلاف بين الفقهاء.

المشهور من المذهب عند الحنابلة أن عيوب النكاح محصورة ومحدودة ومعدودة بأشياء معينة؛ ولذلك ذكروا هذه العيوب على سبيل الحصر.

والقول الثاني في المسألة: إنها ليست محصورة، وإنما مضبوطة بضابط معين. وهذا هو القول الراجح في المسألة. والذي عليه كثيرٌ من المحققين من أهل العلم أنها غير محصورة، واختاره أبو العباس ابن تيمية وابن القيم وجمعٌ من المحققين من أهل العلم، وهو الذي عليه العمل، فهي غير محصورة.

لكن لا بد من ضبطها بضابط معين، وهذا الضابط هو ما يعُدُّه الناس عيبًا في عُرْفهم يفوت به الاستمتاع أو كماله. يفوت به الاستمتاع أو كماله؛ يعني: كمال الاستمتاع؛ وذلك لأن السلامة من هذه العيوب مطلوبة في النكاح، والأصل في الزوجين السلامة منها، فهي إذن كالمشروطة عُرْفًا؛ كأنه اشترط ألا يكون في الزوجة كذا وكذا وكذا، أو العكس.

أقسام العيوب في النكاح

قال المؤلف رحمه الله:

وأقسامها المُثْبِتَةُ للخِيار ثلاثة:

قسَّم المؤلفُ العيوبَ في النكاح إلى ثلاثة أقسام:

  1. قسم يختص بالرجل.
  2. وقسم يختص بالمرأة.
  3. وقسم مشترك بينهما.

القسم الأول: العيوب المختصة بالرجل

قال:

قسمٌ يختصُّ بالرجل: وهو كونه قد قُطِعَ ذَكَرُه، أو خِصْيَتَاه، أو أشَلَّ، فلها الفسخ في الحال.

كونه قد قُطع ذكره، وهو ما يُسمَّى عند الفقهاء بـ”المجبوب”، فلو اكتشفت المرأة أن هذا الرجل مقطوع الذَّكَر فلها الخيار في أن تبقى معه أو تطلب الفسخ.

وقد حكى ابن المنذر الإجماع على ذلك، حكى الإجماع على أن المرأة إذا تزوَّجت رجلًا مجبوبًا دون أن تعلم أن لها الخيار.

وهكذا إذا قُطِعت خِصْيَتاه؛ لأنه إذا قُطعت خِصْيَتاه انقطع نَسْلُه فلا يمكن أن يُنجب؛ ولذلك يكون للمرأة الخيار، لا شك أنَّ قَطْعَ الخِصْيتين عيبٌ يُوجِب الفَسْخ، وقد رُوي أن رجلًا تزوج امرأة وهو خَصِيٌّ، فترافَعَا إلى عمر بن الخطاب فقال: أعلَمْتَها؟ -يعني: بذلك العيب- قال: لا. قال: أعلِمْها ثم خَيِّرها. رواه ابن أبي شيبة.

وقوله: (أو أشل)؛ يعني: أشلَّ الذَّكَر فلا ينتصب، وإن كان هذا سنتكلم عنه في العُنَّة، لكن هذا كأنه شيء آخر غير العُنَّة.

قال: (فلها الفسخ في الحال) إذا وجدت أحد هذه العيوب لها الفسخ.

وإنْ كَانَ عِنِّينًا.

أيضًا لها الفسخ.

والعِنِّين: هو الذي لا يستطيع الوطء، ليس عنده القدرة على الوطء، قد يكون بأصل الخِلْقة، وقد يكون بأمرٍ عارض؛ كأن يكون مثلًا بسبب صرفٍ، أو سحرٍ، أو نحوه، فإذا وجدَتْه عِنِّينًا فلها الفسخ.

كيف تثبت العُنَّة؟

قال:

بإقْرَارِه.

بأن يعترف بأنه عِنِّين.

أو ببيِّنةٍ.

مقصوده بالبَيِّنة يعني: الشهود، شهادة الشهود، وذلك بأن يعترف عند شهودٍ بأنه عِنِّين، ثم يشهدون عليه. هذا هو مقصود المؤلف بالبَيِّنة.

وعلى قول ابن القيم رحمه الله في تعريف البيِّنة، وهو أن البيِّنة: “كُلُّ ما أبان الحقَّ”. فيمكن أن يدخل في ذلك القرائن، ومن ذلك القرائنُ الطبية في الوقت الحاضر، يعني: قرَّر الأطباء بأن هذا الرجل عِنِّين.

قال:

أو طلبَتْ يَمِينَه فنَكَل.

طلبت منه أن يحلف بأنه ليس عِنِّينًا فنَكَل؛ يعني: امتنع عن الحلف.

ولم يَدَّعِ وَطْئًا.

قَبْل دعواها، ففي هذه الحال إذا ثبت أنه عِنِّين يقول المؤلف:

 أُجِّل سنةً هلاليَّة منذ ترافُعِه إلى الحاكم.

ينتظر لمدة سنة منذ الترافع للقاضي.

مقصوده بـ”الحاكم”: القاضي، هذه السنة سنة هلالية؛ لأن المُعتمَد عليه هو السنة الهلالية، وليست السنة الشمسية، المعتمد عليه في الأحكام الشرعية هو السنة الهلالية؛ وذلك لثبوت هذا عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما، كما في “مصنف عبدالرزاق”، وكما عند الدارقطني.

وقالوا: وإنما يُؤجَّل سنة؛ لأن للإنسان أربع طبائع: حرارة، وبرودة، ورطوبة، ويُبُوسة، فقد لا يستطيع الوطء مثلًا في فصلٍ من الفصول، ويستطيع الوطء في فصل آخر، لا يستطيع الوطء في الشتاء، ويستطيع في الصيف أو الخريف أو الربيع أو نحو ذلك؛ فيُؤجَّل لمدة سنة، فإنْ مَضَتْ ولم يَطَأْهَا فلَهَا الفَسْخُ.

وفي الوقت الحاضر مع تقدُّم الطب، إذا استطاع الأطباء إثبات عُنَّته فلا حاجة لأن يُؤجَّل لمدة سنة، فإذا أمكن الأطباءَ أن يُثبِتوا أنه عِنِّين فلا حاجة لذلك؛ لأن المقصود من تأجيله سنة هو التأكُّد من أنه عِنِّين.

في الوقت الحاضر -كما ترون- تقدَّم الطب بجميع أنواعه، ومن ذلك الأشعة المختلفة بأنواعها، فيمكن للطب في الوقت الحاضر أن يُثبت أن هذا الرجل عِنِّين أو ليس بعِنِّين، فإذا أمكن ذلك بصورة قاطعة فيحكم القاضي بالفسخ بمقتضاها، ولا حاجة إلى تأجيله لمدة سنة، إنما قال الفقهاء السابقون: يُؤجَّل مدة سنة؛ لأنه ليس عندهم من التقدُّم الطبي ما في الوقت الحاضر.

القسم الثاني: العيوب المختصة بالمرأة

قال:

وقسم.

انتقل المؤلف للكلام بعد ذلك، للقسم الذي:

يختص بالمرأة.

عيوب النكاح المختصة بالمرأة، قال:

وهو كون فرجها مسدودًا لا يَسْلُكه ذَكَر.

(كون فرجها مسدودًا لا يَسْلكه ذَكَر)، إذا كان ذلك خِلقةً فهذه تُسمَّى “الرَّتْقَاء”، بالراء والتاء والقاف، الرَّتقاء، فالرَّتَق: هو تلاحُمُ الشَّفْرتين خِلقةً، وهذا عيبٌ مِن عيوب النكاح.

أما إن لم يكن بأصل الخِلقة فهي قَرْنَاء، والقَرَنُ: لحمٌ زائد ينبت في الفرج فيسُدُّه.

وعَفْلاء بالفاء، والعَفَل: ورم في اللحمة التي بين مسلَكَيِ المرأة، يضيق منها فرجها فلا يسلك فيه الذَّكَر.

هذه كلها عيوب تُوجب الخيار للزوج، مع أنها قد يكون علاجها سهلًا في الوقت الحاضر، لكن لو أن الزوج أراد الفسخ فله ذلك.

أو به بَخَرٌ.

(أو به) الضمير يرجع إلى الفرج، فرج المرأة؛ أي: بفرج المرأة بَخَر. والبَخر: هو نَتَنٌ يثُور عند الوطء، يعني: رائحة كريهة تثور عند الوطء. هذا عيب من عيوب النكاح.

وسيأتينا بعد قليل: أن من عيوب النكاح البَخر، بَخَر الفم؛ وهي رائحة كريهة تنبعث من الفم، وهي من العيوب المشتركة.

أو قُرُوحٌ سَيَّالة.

يعني: في الفرج، إذا كانت في الفرج قُرُوحٌ سَيَّالة، فهذه من عيوب النكاح.

ومفهوم كلام المؤلف: أنها إذا لم تكن سَيَّالة فليست من عيوب النكاح، ولكن هذا محل نظر، الصواب: أنه متى ما وُجِدت القروح فهي من عيوب النكاح، سَيَّالة كانت أو غير سَيَّالة.

أو كونها فَتْقاءَ.

ثم فسَّر المُؤلِّف ذلك، قال:

بانْخِرَاقِ ما بين سبِيلَيْها.

إذا انْخَرَق ما بين مجرى البول ومجرى الحيض، فهذا عيبٌ من عيوب النكاح، يمنع أولًا من كمال الاستمتاع، وكذلك أيضًا يتنجَّس مجرى الوطء بالبول، وكذلك أيضًا يمنع من الحمل؛ لأن المنيَّ يضيع فلا يصل إلى الرحم؛ لهذا يُعتبر هذا من عيوب النكاح.

أو كونها مستحاضة.

والاستحاضة معروفة: هي سيلان الدم من المرأة، يخرج منها الدم بصفة مستمرة من أدنى الرحم، وهو ما يُسمَّى في الوقت الحاضر بـ”النزيف”، هذا إذا وُجِد في المرأة، ولم يعلم به الزوج، لا شك أنه يمنع من كمال الاستمتاع بها، فهو يُعتبر من عيوب النكاح.

القسم الثالث: العيوب المشتركة بين الزوجين

قال:

وقسم مشترك.

ثم انتقل المؤلف للعيوب المشتركة بين الزوجين، قال:

وهو الجنون، ولو أحيانًا.

لا شك أن الجنون عيب ظاهر من عيوب النكاح، حتى وإن كان الرجل أو المرأة يُجَنُّ أحيانًا، ومثل ذلك الصرع، الصرع من عيوب النكاح، هذا لا بد أن يُخبَر الزوج أو الزوجة بأن الآخر يُصرَع.

طيب، المرض النفسي هل يقاس على الجنون؟ وهذا كثيرًا ما يقع، هو أكثر من الجنون، يتزوج الرجل بامرأة، ثم يتبيَّن أن عندها مرضًا نفسيًّا، أو العكس: تتزوج المرأة برجل ثم يتبيَّن أن عنده مرضًا نفسيًّا، وأنه يتعاطى علاجًا، حبوبًا أو عقاقير لعلاج المرض النفسي، تتفاجأ المرأة، ويتفاجأ الرجل بذلك، فهل يُعتبر هذا من عيوب النكاح؟

مداخلة: …..

الشيخ: يعني: يعتبر من عيوب النكاح؟

مداخلة: …..

الشيخ: المرض النفسي أنواع، المرض النفسي ليس نوعًا واحدًا، هو بحسب طبيعة المرض، أحيانًا يكون مرضًا نفسيًّا يسيرًا ليس كبيرًا، فمِثل هذا لا يُعتبر عيبًا، فمثلًا: إنسان عنده وسوسة في الطهارة، الوسوسة من ضربٍ من ضُروب المرض النفسي، عنده مثلًا خوفٌ زائد من بعض الأمور، مثل هذا لا يمنع من كمال الاستمتاع، ولا يُفوِّت مقصود النكاح.

لكن إذا كان المرض النفسي كبيرًا يَفُوت به المقصود من النكاح، فلا شك أن هذا يُعتبر من عيوب النكاح، إذا كان المرضُ النفسي مؤثرًا على كمال استمتاع الرجل بهذه المرأة أو العكس، فلا شك أن هذا يُعتبر من عيوب النكاح.

ولهذا؛ في مثل هذه الأمور يستعين القاضي بأهل الاختصاص فيها، فتُعرض مثل حالة هذا الرجل أو المرأة على أطباء نفسانيين، ويُقرِّرون هل هذا المرض فعلًا يمنع من كمال الاستمتاع والعشرة ويفوت مقصود النكاح أو لا؟

قال:

والجُذَام.

الجُذَام: هي قُروحٌ تُصيب البدن، تُسمَّى عند العامة بـ”الآكلة”؛ لأنها تأكل الجلد، وهو من الأمراض المعدية.

قد جاء في “صحيح البخاري” من حديث أبي هريرة : أن النبي قال: فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد[1].

وجاء أيضًا في “صحيح مسلم” من حديث الشَّريد بن سُويد أن رجلًا كان في وفد ثقيف وكان مجذومًا، فأرسل إليه النبي : ارجع فقد بايعناك[2]. يعني هذا من باب فعل الأسباب، أن الإنسان إذا وجد رجلًا فيه مرضٌ مُعْدٍ فلا يَحْتَكَّ به خشيةَ أن تنتقل العدوى إليه، إلا إذا كان -كما يقول ابن القيم- عنده قوة توكُّلٍ على الله ، فهذا لا يُضَرُّ حتى ولو كان المرض مُعديًا.

هذه المسألة تكلَّم عنها ابن القيم رحمه الله في “مفتاح دار السعادة”، قال: إذا كان عند الإنسان قوة توكُّلٍ عظيمة على الله تعالى، فإنه لا بأس أن يُخالط المجذومين وأصحاب الأمراض المُعدية؛ لأنه لا يُصيبه بإذن الله شيء. أما إذا كان حاله كحال أكثر الناس ليس عنده مِن قوة التوكل ما يمنعه فيفعل السَّبب ويفِرُّ من المجذومين ونحوهم من أصحاب الأمراض المعدية.

مداخلة: …..

الشيخ: نعم، وورد أيضًا أنه قال للمجذوم، وضع يده في القصعة، وقال: كُلْ ثقةً بالله وتوَكُّلًا عليه[3]. ابن القيم ذكر أحاديث وردت في هذا وهذا، يعني: فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد[4].

وورد أحاديث أخرى تدل على مخالطة النبي عليه الصلاة والسلام لبعض المجذومين، وجمع بينها ابن القيم بهذا الجمع، لكن قوة التوكل على الله تعالى لا تكون إلا لِلْقِلَّة من الناس، أكثر الناس ليس عندهم هذه القوة العظيمة من التوكل على الله تعالى.

الجذام إذن هو من عيوب النكاح، إذا كانت المرأة جَذْماء، أو الرجل مجذومًا، فيُعتبر هذا عيبًا من عيوب النكاح.

والبَرَص.

لا شك أنه مِن أظهر عيوب النكاح. والبرص: هو بياض الجلد.

وقد رُوي: أن النبي تزوَّج امرأة من بني غِفَار، فرأى بكَشْحِها بياضًا -“بكَشْحِها” الكَشْح: هو ما بين الخاصرة إلى الضلع من الخلف، هذا هو الكَشْح- رأى بكَشْحِها بياضًا، فقال: الْحَقِي بأهلِكِ[5]. ولكن هذا الحديث من جهة الإسناد ضعيف، وقد رواه أحمد والحاكم، وضعيف، بل ضعيف جدًّا لا يصح، ولا يصح تزوُّج النبي عليه الصلاة والسلام بهذه المرأة أصلًا.

لكن، لا شك أن البرص أنه من عيوب النكاح، وأكثرُ أسبابه الوراثةُ، قد يكون بأسباب أخرى معروفة عند أهل الطب.

وذكر الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله: أنَّ مِن أسبابه قد تكون الترويع، أنَّ الإنسانَ يُروَّع، لكن هذه ترجع لأهل الاختصاص؛ لأنه مرضٌ جلدي، ترجع للأطباء في هذا، وقد قيل: إنه لا علاج له؛ لأن الله جعل علاجه معجزة أو آية لعيسى ابن مريم ، يُبرئ الأكَمْهَ والأبْرَصَ، فلو كان له علاج لَمَا جعل الله تعالى هذه آية لعيسى عليه الصلاة والسلام. هذا قاله بعض أهل العلم، والله تعالى أعلم.

لكن، قد يُقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ما من داءٍ إلا وله دواء، عَلِمه مَن عَلِمه، وجهله من جهله، إلا السام[6]. هذا يشمل البَرَص، وأما عيسى  فربما كان في وقتهم أنه لا علاج له، في وقت عيسى ابن مريم ، قد يُجاب بهذا الجواب؛ لأن حديث: ما من داء إلا له دواء هو أخصُّ وأصرَحُ في الدلالة من هذا الاستنباط.

فإذن؛ البرص سواء كان في الرجل أو في المرأة؛ هو عيب من عيوب النكاح.

وبَخَر الفم.

تكلمنا عن البَخَر قبل قليل، قلنا: بَخَر الفرج، وكذلك بَخَر الفم، لكن بَخَر الفرج للمرأة هذا من العيوب الخاصة بالمرأة، أما بَخَر الفم فهو من العيوب المشتركة.

والبَخَر هو -كما أشرنا قبل قليل- نَتَنُ الفم وانبعاث الرائحة الكريهة. هذا يوجد لدى بعض الناس، تنبعث من فمه رائحة كريهة جدًّا، وهذا لا شك أنه يُفوِّت كمال الاستمتاع، فإذا كان هذا من الرجل أو المرأة؛ فيُعتبر عيبًا.

وذكر المَرْداوي في “شرح الدليل” أنواعًا من العلاج أنه يُفعل به: مضغ النعناع، وذكر أشياء أخرى، وذكر وضع الذهب في الفم، يعني: مما هو موجود من أنواع الطب في زمنهم.

ويحتمل في الوقت الحاضر أن يكون له علاج، يعني: هو ليس من الأمراض المستعصية، يحتمل أن يكون له علاج.

لكن بكلِّ حالٍ لو افترضنا أنه لا يمكن علاجه، فيُعتبر من عيوب النكاح؛ لأنه يفوت معه كمال الاستمتاع.

قال:

والباسُورُ، والناصُور.

البواسير معروفة في وقتنا الحاضر، فما هو الفرق بين الباسور والناصور؟

الباسور والناصور هما داءان بالمقعدة، داءان يكونان بالمقعدة مثل الجراح، والفرق بينهما: أن الباسور يكون داخل المقعدة، والناصور يكون بارزًا، والناصور يسيل منه الصديد ويحصل معه التلويث.

وعِمْران بن حُصين كانت معه بواسير، فقال النبي : صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب[7]. هذا المرض من قديمٍ موجودٌ، وقد صبر، وكانت الملائكة تُسلِّم عليه عند السَّحَر -كما في “صحيح مسلم”- حتى اكتوى، بقي على ذلك ثلاثين عامًا حتى اكتوى، فلما اكتوى لم تُسلِّم الملائكة عليه، وقيل: إنه أُخبر بذلك فلم تُسلِّم الملائكة عليه، وبقي مدة فترك الكَيَّ، وقُبَيْل وفاته عادت الملائكة تُسلِّم عليه[8].

قال:

واستِطْلاقُ البَوْل أو الغائط.

(استطلاق البول) معناه: عدم التحكم في خروج البول، وهو ما يُسمَّى بـ”السلس”، سلس البول أو الغائط؛ عدم التحكم في خروج الغائط، ومثله عدم التحكم في خروج الريح أيضًا، هذه كلها تُعتبر من عيوب النكاح؛ لأن هذا يُفوِّت كمال الاستمتاع، إذا كان الإنسان لا يتحكم في خروج البول أو الغائط أو الريح فهذا يُفوِّت كمال الاستمتاع.

لكن لاحِظ: أن هذا بصفة مستمرة وليس بصفة مؤقتة، إذا كان بصفة مؤقتة لا يمنع من كمال الاستمتاع، لكن إذا كان بصفة مستمرة، يعني: استطلق وما يتحكم في بوله، أو لا يتحكم في غائطه، أو لا يتحكم في الريح، هذه تُعتبر من عيوب النكاح، وهذا حكمه حكم صاحب الحدث الدائم.

ومرَّ معنا في دروس سابقة الكلام عن حكم صاحب الحدث الدائم، فما حكمه؟ صاحب سلسل البول أو الغائط أو الريح؟ ومثل ذلك المستحاضة.

مداخلة: …..

الشيخ: نعم، أنه يتوضأ عند دخول وقت كلِّ صلاةٍ، ولا يضرُّه خروج ذلك الحدث الدائم، ما لم يخرج منه حدثٌ آخر، ما لم تُنتقض طهارته بحدث آخر.

والوضوء عند دخول وقت كل صلاة، هل هو على سبيل الوجوب، أو على سبيل الاستحباب؟ قولان للفقهاء، وسبق ترجيح القول بأنه على سبيل الاستحباب، وأن رواية: “توضئي لوقت كل صلاة” وإن كانت في “صحيح البخاري”[9]، إلا أنها مدرجة، ولا تصح مرفوعة، كما بيَّن ذلك الحافظ ابن رجب في “فتح الباري”.

فالصحيح إذن: أن الوضوء لوقت كل صلاة مستحب وليس واجبًا، وهذا يُزيل الحرج عمن ابتُلي بالحدث الدائم، خاصة مثلًا صلاة الجمعة، على قول أكثر أهل العلم يدخل وقتها بالزوال.

فكوننا نأمره بعد الزوال، بعد دخول الخطيب، أن يخرج من المسجد ليتوضأ؛ يلحقه الحرج. في الحرمين مثلًا، خاصة في أوقات المواسم ما بين المغرب والعشاء، يذهب ويتوضأ.

لكن، على القول الثاني -وهو قول الاستحباب- يرتفع الحرج عن هؤلاء المُبتَلِين بهذا الحدث الدائم.

قال:

فيُفسَخُ بكلِّ عيبٍ تقدَّم، لا بغيره.

هذا يُؤكِّد ما ذكرناه من أن هذه العيوب عند الحنابلة على سبيل الحصر وليست على سبيل المثال، وذكرنا أن القول الراجح: إنها ليست على سبيل الحصر، وأن ما ذُكِر إنما هو على سبيل المثال، وأن عيوب النكاح لا تنحصر، بل كل ما يفوت به مقصود النكاح والاستمتاع أو كماله؛ فيُعتبر عيبًا، وأن المرجع في ذلك إلى العُرْف.

أمثلة لعيوب لا تُعتبر من عيوب النكاح

ثم ذكر المؤلف أمثلة لعيوب لا تُعتبر من عيوب النكاح، قال:

كعَوَرٍ، وعَرَجٍ، وقَطْعِ يدٍ ورِجْلٍ، وعَمًى، وخَرَسٍ وطَرَشٍ.

فهذه على كلام المؤلف كلها لا تعتبر من عيوب النكاح، قالوا: لأن ذلك لا يمنع الاستمتاع، ولا يُخشى تَعَدِّيه.

وبناءً على ذلك: لو أن رجلًا تزوج امرأة عمياء خرساء طرشاء مقطوعة اليدين والرجلين، هذه ما تُعتبر من عيوب النكاح، وهذا محلُّ نظرٍ ظاهر.

ولذلك؛ الصواب: أن هذه تُعتبر من عيوب النكاح؛ وذلك لما تقدَّم: أن العيب هو كلُّ ما يفوت به مقصود النكاح، ولا شك أن هذه المذكورات يفوت بها مقصود النكاح، فيفوت بها كمال الاستمتاع والخدمة، وربما الإنجاب أيضًا.

يعني: رجل أتى وعقد على امرأة، فقال وليُّها: “زوَّجتك”، قال: “قبلتُ”، بحضور الشاهدين، ودفع المهر، ثم اكتشف بأن هذه المرأة عرجاء، أو أن هذه المرأة عمياء، أو أن هذه المرأة مقطوعة اليد أو الرِّجل، أو نحو ذلك، لا شك أن هذا من عيوب النكاح، كان ينبغي -بل يجب- على وليِّها أن يُخبر الزوج بذلك، أو العكس مثلًا إذا كانت المرأة لا تعلم أيضًا، فهذا يُعتبر من عيوب النكاح.

فإذن؛ يجب على كلٍّ من الزوجين إخبار الآخر بالعيوب التي فيه حتى يُقدِم على بيِّنة.

طيب، ما الذي يترتب على هذه العيوب؟ بعدما عرفنا هذه العيوب وأمثلتها، فما الذي يترتب عليها من الأحكام الشرعية؟

حكم خيار الفسخ إذا زال العيب بعد العقد

قال المؤلف رحمه الله:

فصل
ولا يثبُتُ الخِيار في عيبٍ زال بعد العقد.

إذا كان هذا العيب زال بعد العقد فلا يثبت به الخيار؛ لزوال سببه، كما لو كانت المرأة مثلًا رَتْقاء ثم ذهبت وعالجت مباشرة فزال الرَّتَق، فلا يثبت الخيار في هذه الحال.

ولا لعالمٍ به وقتَ العقدِ.

إذا كان أحد الزوجين عالمًا بالعيب فلا يثبت له الخِيار؛ وذلك لدخوله على بصيرةٍ، أشبه من اشترى ما يعلم هو عيبه.

قال:

والفسخُ على التراخي.

يعني: الفسخ لا يُشترط أن يكون على الفور، فعلى التراخي.

لا يسقط في العُنَّة إلا بِقولها.

هنا المؤلف أفرد العُنَّة بالذِّكر بالنسبة لما يَسقُط به الفسخ؛ أفردها وذلك لأن العُنَّة تختلف عن بقية العيوب، من جهة أن العلم بعدم قدرته على الوطء لا يكون إلا بالتمكين، بتمكين المرأة نفسها منه، فأراد المؤلف أن يُبيِّن أن التمكين ليس بدليلٍ على الرضا، فلا يسقط به الفسخ، فلا يقال: إن هذه المرأة مكَّنت هذا الرجل منها مع كونه عِنِّينًا فيسقط حقُّها في الفسخ، نقول: إذن؛ كيف تعرف أنه عِنِّين؟ لا تُعرف إلا بالتمكين.

ولذلك؛ المؤلف أفرد هذا العيب بالذكر، قال:

لا يسقط في العُنَّة إلا بِقولها: رضيتُ.

فـ(لا يسقط) إذن بمجرد التمكين؛ لأنه لا سبيل للمرأة بأن تعلم بأنه عِنِّين إلا بالتمكين، فإذن لا يسقط بالتمكين، وإنما يسقط حقُّها في الفسخ بهذا العيب (بقولها: رضيتُ)، علمتُ بأنه عِنِّين ورضيتُ به، قالت: رضيت.

 أو باعترافها بوَطْئِه في قُبُلها.

إذا اعترفت بأنه قد وَطِئها في القُبُل فهنا بطل كونه عِنِّينًا.

طيب، في بقية العيوب؟ قال:

ويسقط في غير العُنَّةِ.

يعني: في بقية العيوب غير العُنَّة.

بالقول.

بأن يُسقط الزوج أو الزوجة حقَّه في الفسخ.

وبما يدلُّ على الرضا.

أي: بالعيب، إذا وُجِد من الزوج أو الزوجة ما يدلُّ على رضاه بالعيب؛ سَقَط حقُّه في الفسخ.

مِن وَطْءٍ.

كأن يكون مثلًا بأحد الزوجين بَرَصٌ، وهذه المرأة مَكَّنَتِ الزوجَ منها ووَطِئَها، فهنا يَسقُط حقُّها في الفسخ، أو العكس.

أو تمكينٍ مع العلم.

أو بما يدلُّ على الرضا مِن وطء، أو التمكين مع العلم؛ يعني: يُفهَم مِن هذا أنه مع الجهل وعدم العلم لا يسقط الحقُّ في الخيار.

لكن، مع العلم؛ مثلًا: هذا المرض الجلدي، ووجدته المرأة في الرَّجُل، أو الرجل وجده في المرأة، وحصل الوطء، هنا يسقط الحقُّ في الفسخ.

لكن، إذا كان في منطقةٍ ما يدري عنها، مثلًا في منطقةٍ في الظَّهْر، أو نحو ذلك، ولم يعلم، وحصل الوطء؛ فلا يسقط حقُّه في الفسخ؛ لأنه لم يعلم بهذا العيب.

عند التنازع، كيف نستطيع أن نعرف: هل يعلم أو لا يعلم؟ بأيِّ شيء؟ عند التنازع، ما هي الوسيلة التي نستطيع أن نعرف بها: هل هو يعلم بالعيب أو لا يعلم بالعيب؟

باليمين، دائمًا في العيوب في النكاح يُعرف العِلم مِن عدمه باليمين، كالعيوب في البيوع، فيكون ذلك باليمين، فيُطلب منه الحَلِف بأنه لا يعلم، مثلما مَرَّ معنا في أبواب المعاملات في مسألة “البيع بشرط البراءة من كل عيب مجهول”، القول الصحيح: إنها تصح بشرط عدم العلم بهذا العيب، وعدم العلم إنما يُعرَف بأن يُحلَّف هذا الرجل بأنه لا يعلم، كما حلَّف عثمانُ بن زيد، عبدَالله بن عمر رضي الله عنهما في العبد الذي باعه، فامتنع عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن الحَلف، فقضى عليه عثمان.

الفسخ في عيوب النكاح بحكم الحاكم

قال:

ولا يصح الفسخ هنا، وفي خِيارِ الشرط، بلا حاكمٍ.

إذا قال الفقهاء: “حاكم”، يقصدون به من؟ القاضي، وإذا قال الفقهاء: “الإمام” يعني: مَن له السلطة الأعلى في الدولة، فإذن انتبِهوا لهذه المصطلحات.

المُؤلِّف يقول: إن الفسخ هنا في عيوب النكاح، وفي خيار الشرط لا يصح إلا بحكم حاكم، يعني: بحكم قضائيٍّ، قالوا: لأنه فسخٌ مُجتَهَدٌ فيه، فلا بد فيه من حكم الحاكم.

والقول الثاني في المسألة: إنه عند النزاع فلا بد من أن يكون الفسخ بحكم حاكم، أما عند الاتفاق فلا حاجة للحاكم. وقد اختار هذا القولَ أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، وقال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله: “هذا القول في وقتنا يزداد قوة؛ لصعوبة الوصول إلى المحاكم”.

كيف لصعوبة الوصول إلى المحاكم؟ يعني: في الزمن السابق إلى وقتٍ ليس بالبعيد، كان القضاء سهلًا مُيسَّرًا، بل معظم الأقضية تتم في جلسة واحدة ما تتأخر، حتى الحدود والتعزيرات وكل الأقضية تتم في جَلْسة واحدة.

لكن، مع دخول العمل الإداري واختلاطه بالقضاء؛ أصبحت تتعقَّد الآن القضايا كما ترون، تبقى بالأشهر وأحيانًا بالسنين، ولهذا كان القضاء الإسلامي، كان مزدهرًا، والقاضي يُنهي قضية في جَلْسة واحدة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقبض على السارق ويحكم عليه ويُنفِّذ الحكم، ليس في يوم واحد، في ساعة واحدة، في ساعة واحدة.

وكان القضاء الإسلامي هكذا، حتى في عهد الخلفاء الراشدين، إلى وقت ليس بالبعيد، كان القاضي يقضي في أيِّ وقت، يجلس للناس في السوق، ويأتي له الخصوم، ويفصل بينهم مباشرة شفهيًّا، وتنتهي الخصومة.

لكن في الوقت الحاضر، اختلط العمل الإداري بالقضاء، وتعقَّدت الأمور، هذا ما أحوجَنا إلى أن نرد القضاء إلى ما كان عليه القضاء الإسلامي متميزًا ومزدهرًا.

لكن اختلط الآن بالأعمال الإدارية التي هي ليست من القضاء، فأثَّر ذلك تأثيرًا كبيرًا، حتى أصبح كثيرٌ من الناس يتركون حقوقهم؛ لأجل صعوبة الحصول على حقوقهم. وإلا فيُفترض أن يكون القضاء هنا مثلًا عندنا في المملكة نموذجًا في العالم ومثالًا في تطبيق أحكام الشريعة، وفي استتباب الأمن والاستقرار، وقلة السرقات، ونحو ذلك.

لكن، كما ترون، دخلت الأعمال الإدارية في القضاء، بالإضافة لأسباب أخرى، أسباب إدارية وقضائية أيضًا، إشكالات قضائية أيضًا موجودة، كما في مسألة قطع يد السارق، قبول رجوع المُقِرِّ في الوقت الحاضر أدى إلى تعطيل حَدِّ السرقة، إذا قبلنا رجوع المُقِرِّ لن يثبت السارق على إقراره إلى أن تُقطع يده، وبالتالي كما قال ابن تيمية رحمة الله: عليه تعطَّل حَدُّ السرقة.

فهناك بعض الإشكالات -الحقيقة- التي تواجه القضاء في الوقت الحاضر؛ ولهذا نقلتُ لكم هذه العبارة عن الشيخ محمد رحمه الله، قال: “إن هذا القول في وقتنا يزداد قوة؛ لصعوبة الوصول إلى المحاكم”.

فعند الاتفاق بين الزوجين، مثلًا نفترض أن الزوجة أو الزوج اكتشف في زوجته بَرَصًا، أو اكتشف مثلًا أنها عندها صَرَعٌ، أو نحو ذلك، فأتى لأهلها وقال: أنتم غششتموني. قالوا: خلاص، ما عندنا مانع، نرى أنك تفسخ العقد.

طيب، هل يحتاج إلى أن يذهب للمحكمة؟ المذهب عند الحنابلة: لا بد من الذهاب للمحكمة، وأن يكون ذلك بحكم حاكم، وقد يستغرق ذلك شهورًا، ربما مدة طويلة.

وعلى القول الثاني: لا يحتاج إلى المحكمة، وإنما يفسخان العقد مباشرة، فيقول الزوج: “فسخت عقد النكاح من زوجتي فلانة للعيب”، ويُسمِّيه، وكذلك الزوجة تقول: “فسخت زواجي من فلان للعيب الذي فيه”، وتُسمِّيه، وينفسخ مباشرة.

ولكن، ينبغي أن يكون ذلك بحضور طالبِ علمٍ، يعني: حتى يكون موجِّهًا ومُرشِدًا، حتى إذا لم نَقُل بأنه ما يكون ذلك بحكم حاكم. هذا هو الأظهر؛ لأن اشتراط حكم الحاكم لا دليل عليه، لكن من باب رعاية هذا العقد وصيانته، حتى لا يتسارع الناس في فسخ عقد النكاح.

لكن هذا إنما يكون عند التنازع، أما عند الاتفاق فلا حاجة لأن يكون بحكم حاكم.

طيب، الفسخ ماذا يُستفاد منه؟ الفسخ بالنسبة للمرأة تستفيد منه فائدة عظيمة، فلها فيه مصلحة ظاهرة؛ لأن الطلاق ليس بيدها وإنما بيد الزوج، فتستفيد منه أنها تخرج من عصمة هذا الرجل من غير طلاق، فالمصلحة بالنسبة للمرأة ظاهرة.

لكن الفسخ بالنسبة للرجل، هل يستفيد الرجل منه؟ أو نقول: إنه ما يستفيد منه ويُطلِّق؟ هل هناك فائدة للرجل من الفسخ؟

مداخلة: …..

الشيخ: نعم، أحسنت. هذه من الفوائد، من الفوائد أنها ما تُحسب عليه طلقة، الفسخ ليس بطلاق، فلا يُحسب عليه من عدد الطلاق.

وأيضًا هناك فوائد أخرى: ثبوت المهر، يثبُت له المهر، ويَرْجِع به على مَن غَرَّه إذا كان بعد الدخول، فيثبت المهر. هذه أيضًا فائدة.

وهناك أيضًا فائدة اجتماعية، وهي عند الناس: أنه لا يظهر أنه مُطلِّق وأنه مِطْلَاق؛ لأن الناس ربما تَنْفِر من الرجل المِطْلَاق أو كثير الطلاق، فعندما يظهر في المجتمع أن هذا فَسَخَ عقد النكاح ولم يُطلِّق من ناحيةٍ اجتماعية يكون بالنسبة له أفضل.

فإذن؛ الزوج يستفيد من الفسخ هذه الأمورَ، وأهمها: أنه يرجع بالمهر على مَن غَرَّه إذا كان ذلك بعد الدخول، وقبل الدخول يرجع بالمهر كما سيأتي، وكذلك أيضًا -كما ذكرنا- لا يُحسب من عدد الطلقات. وكذلك أيضًا من الناحية الاجتماعية أنه لا يُحسَب في المجتمع أنه قد طَلَّق.

فإذن؛ هناك فائدة للطرفين.

حكم المهر إذا فسخ النكاح قبل الدخول

قال:

فإن فُسِخ قبل الدخول فلا مهر، وبعد الدخول أو الخَلْوَة يستقِرُّ المُسمَّى.

إذا كان الفسخُ قبل الدخول، والمقصود بالدخول: الوطء، وعلى المذهب: الوطء أو الخلوة، الخلوة لها حكم الدخول، وعلى القول الراجح -كما سيأتينا إن شاء الله- أن الدخول خاصٌّ بالوطء، وأنه لا يشمل الخلوة.

إنْ فَسَخ قبل الدخول فلا مهر؛ لأنه إذا كان الفسخ منها فالفُرقة مِن جهتها، وإن كان الفسخ منه فإنما فَسَخَ للعيب.

إذا كان الفسخ من المرأة فالفُرقة إنما أتت من جهتها، يعني: لِعَيْبٍ في الزوج، وإن كان الفسخ منه فإنما فَسَخَ هو لِعَيْبٍ في المرأة.

إذن؛ يقول هنا المؤلف: إن فُسِخَ قبل الدخول فلا مهر، وإنما يكون هناك فسخ فقط. فالفسخ إما أن يكون لعيب في الرجل أو لعَيْبٍ في المرأة:

  • فإن كان العيب في الرجل، فيقولون: المرأة لا تستحق المهر؛ لأن الفُرقة أتت من جهتها.
  • وإن كان العيب في المرأة، فيقولون: لا تستحق المهر هي؛ لأنها قد غشَّت هذا الرجل وغَرَّته.

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا كان العيب في الزوج وفسخت المرأة قبل الدخول: أن لها نصف المهر، قالوا: لأن الزوج هو السبب، فهو الذي قد غشَّها ودلَّس عليها، فالفُرقة في الواقع منه، والفُرقة إذا كانت من الزوج فإن المرأة لها نصف المهر، بدليل قول الله تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237].

وهذا القول هو القول الراجح والله أعلم، فالقول الراجح: أن العيب إذا كان في الزوج، أن المرأة تستحق نصف المهر. أما إذا كان العيب في الزوجة فلا شيء لها.

أما القول بأنها لا تستحق شيئًا مطلقًا، سواء كان العيب في الزوج أو الزوجة؛ فهذا محلُّ نظرٍ؛ لماذا نحرمها من نصفِ المهرِ واللهُ تعالى فَرَض لها ذلك إذا كانت الفرقة من جهة الزوج: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237]؟! ما الدليل على حرمانها من هذا الحق والفُرقة في الواقع من الزوج؟! هو الذي قد غرَّهم بكونه لم يُعلِمهم بهذا العيب، غَشَّهم ودلَّس عليهم، فالفُرقة في الواقع من جهته.

فالصواب: أنه إذا كان العيب في الزوج وفسخت المرأةُ أن لها نصف المهر، هذا إذا كان قبل الدخول، على الخلاف هذا الذي أشرنا إليه. أما إذا كان بعد الدخول:

حكم المهر إذا فسخ النكاح بعد الدخول أو الخلوة

قال:

وبعد الدخول أو الخَلْوَة يستقِرُّ المُسمَّى، ويَرْجع به على المُغِرِّ.

بعد الدخول يستقر المهر؛ لقول الله تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ[البقرة:237]، فمفهوم قوله: مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ أنه إذا وقع الطلاق بعد المسيس فإنه يستقر المهر.

فإذن؛ إذا دخل بها ووطئها ثم اكتشف العيب بعد الوطء، فحينئذٍ نقول: يرجع على مَن غَرَّه. طيب، مَن الذي غَرَّه؟ إما أن تكون المرأة أو وليها، إذا كان مثلًا وليُّها يعلم بالعيب ولم يُخبره فيَرجِع عليه.

إذا كانت المرأة فيها العيب؛ المرأة مثلًا فيها مرض جلدي، ووليُّها ما يعلم، واكتشف الزوج أن فيها هذا المرض الجلدي، فهنا الذي غَرَّته هي المرأة، فيرجع على المرأة.

وإذا كان الذي غَرَّه المرأة ووليُّها، وهذا هو الغالب، المرأة ووليُّها كِلاهما يعلمان، فعلى مَن يرجع الزوج؟

هذا الرجل دخل بهذه المرأة ووطئها، ثم اكتشف العيب بعد الوطء، ما كان يعلم إلا بعد الوطء، قلنا: استقر المهر، قال: أنا أريد مهري. قلنا: ارجِعْ على مَن غَرَّك. فلما رجعنا على مَن غَرَّه وجدنا أن الذي غَرَّه المرأة ووليُّها، طيب كيف يكون؟ مَن الذي يدفع المهر؟

مداخلة: …..

الشيخ: نعم، قيل بهذا، قيل: إنه يكون بينهما، يعني: مناصفة، عليها النصف وعليه النصف.

والقول الثاني: إنه على الولي، القول الثاني: إن المهر يكون على الولي؛ لأن الولي هو المُباشِر للتغرير بالزوج. وهذا هو الأقرب: أنه يكون على الولي.

هذه المرأة قد استحلَّ هذا الرجل فَرْجها ووطئها، فتستحق المهر، لكن هذا الولي الذي كان يعلم بالعيب وغَرَّ الزوج وقد باشر التغرير، الأقرب أنه هو الذي يكون عليه المهر.

حكم الفرقة إذا حصلت بغير فسخ

قال:

وإن حصلت الفُرقة من غير فسخٍ بموتٍ أو طلاق؛ فلا رجوع.

(إذا حصلت الفُرقة بغيرِ فَسْخٍ)؛ يعني: إما بموت، أو بطلاق، أو بغير ذلك، فلا رجوع حينئذٍ، لا يرجع الزوجُ على مَن غَرَّه؛ لأن سببَ الرجوع هو الفسخ ولم يوجد.

قال:

وليس لوليٍّ صغير، أو مجنون، أو رَقِيق، تزويجُه بِمَعِيب.

وذلك لأن في تزويجه بمَعِيبٍ إضرارًا به، وهذا الوليُّ يجب عليه النظر بما هو المصلحة والأحظُّ لهؤلاء.

قال:

فلَو فعل لم يصح إن علم.

يعني: إذا زوَّج واحدًا مِن هؤلاء بمَعِيب، وهو يعلم بهذا العيب؛ لم يصح العقد؛ لأنه عَقَد لهم عقدًا لا يجوز له عَقْدُه، أَشْبَهَ ما لو باع عقارًا لمن في حجره لغير مصلحةٍ.

أرأيتَ وليَّ أيتامٍ قام وباع عقارًا لغير مصلحة، يبطل هذا العقد، ليس في مصلحة هذا اليتيم، هكذا -أيضًا- إذا زوَّج هذا الوليُّ هذا القاصرَ بمَعِيبٍ، فيبطل العقد.

قال:

وإلَّا صحَّ.

يعني: إن لم يعلم بالعيب.

صح، ولزمه الفسخُ إذا علم.

يصح ويلزمه الفسخ إذا علم، والرجوع على التفصيل السابق.

ثم قال المؤلف رحمه الله:

باب نكاح الكفار

باب: نكاح الكفار.

عقد المؤلف هذا الباب لأهمية الكلام عن هذه المسائل المتعلقة بأنكحة الكفار.

حكم أنكحة الكفار

قال:

يُقَرُّون على أنكحةٍ محرَّمة ما داموا مُعْتقدين حِلَّها، ولم يرتفعوا إلينا.

الأصل: هو إقرار أنكحة الكفار ما داموا يعتقدون صحتها ويعتقدون حِلَّها، وتتعلَّق بأنكحتهم أحكام النكاح الصحيح؛ ويدل لهذا قول الله تعالى. مَن يذكر لنا دليلًا يدل على صحة نكاح الكفار؟

مداخلة: …..

الشيخ: نعم، امرأة فرعون، نعم، صحيح، ذكر الله تعالى عن امرأة فرعون، وسمَّاها “امرأة فرعون”: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ [التحريم:11]، فسمَّاها “امرأة فرعون”، فأثبت الله تعالى الزوجية.

مداخلة: …..

الشيخ: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ أحسنت. وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ [المسد:4]، أثبت الله أن امرأة أبي لهب هي امرأته مع أنه نكاح كفار. إذن؛ أضاف النساء إليهم، وهذا يقتضي صحة الزوجية.

وقد رُوي حديثٌ عن النبي أنه قال: وُلِدْتُ مِن نكاحٍ لا مِن سفاح. وهو ضعيف[10]، لكن بمجموع طُرُقِه حسَّنه بعضُ أهل العلم.

وقد أسلم خلقٌ كثيرٌ في عهد النبي ، وأقرَّهم النبي على أنكحتهم، ولم يأمرهم بتجديد عقد النكاح.

قال:

فإن أتونا قبل عَقْدِهِ، عَقَدْنَاه على حُكْمِنَا.

يعني: أَتَوْنا قبل عقد النكاح، فنعقده على حُكْمنا في الإسلام بإيجاب وقبول، ووليٍّ، وشاهدَيْ عدل؛ كأنكحة المسلمين؛ لقول الله تعالى: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ [المائدة:42].

حكم النكاح إذا أسلم الزوجان أو أحدهما

قال:

وإن أسلم الزوجان معًا، أو أسلم زوجُ الكِتابية، فهما على نكاحهما.

ولا نتعرَّض لكيفية عَقْده، وقد نقل ابنُ عبدالبرِّ الإجماع على ذلك.

قال:

وإن أسلمتِ الكتابية تحت زوجها الكافر، أو أسلم أحد الزوجين غير الكتابيين، وكان قبل الدخول؛ انفسخ النكاح.

إذا أسلمت الكتابية تحت زوج كافر؛ فلا يجوز أن تبقى تحت عِصْمته، أو أسلم أحد الزوجين لكن من غير الكتابيين، من غير أهل الكتاب، فلا يجوز أيضًا أن يبقى مع الآخر، فإذا كان ذلك قبل الدخول فينفسخ عقد النكاح؛ لقول الله تعالى: فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10]؛ ولقول الله تعالى: وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ [الممتحنة:10].

حكم المهر إذا أسلم الزوج وبقيت الزوجة

قال:

ولها نصف المهر إن أسلم فقط.

إن أسلم فقط ينفسخ النكاح، ويكون لها نصف المهر.

أو سَبَقَها.

يعني بالإسلام؛ وذلك لمجيء الفُرقة مِن قِبَلِه كما لو طلَّقها.

والقاعدة: أنَّ الفُرقة إذا كانت من قِبَل الرَّجُل، فللمرأة نصف المهر. هذا ضابطٌ في هذا الباب: الفُرقة إذا كانت من قِبَل الرجل فللمرأة نصف المهر.

الإشكال إذا كان بعد الدخول، قال:

وإن كان بعد الدخول وُقِفَ الأمر إلى انقضاء العدة.

إذا كان، حصل إسلام أحد الزوجين بعد الدخول، فهنا يُوقَف الأمر إلى انقضاء العدة.

فإن أسلم المتخلف قبل انقضائها، فعلى نكاحهما.

يعني: هذه مثلًا امرأة هندوسية، أسلمت وهي متزوجة برجلٍ من سنين طويلة، فنُوقِف الأمر إلى انقضاء العِدَّة، إن أسلم زوجها قبل انقضاء العِدَّة فعلى نكاحهما.

طيب، إن لم يسلم؟ قال:

وإلا تَبَيَّنَّا فَسْخه منذ أسلم الأول، ويجب المهر بكلِّ حالٍ.

(وإلا تبينا فسخه منذ أسلم الأول)، هذه المسألة -الحقيقة- فيها إشكال: لو قلنا بالفسخ، لو قلنا بفسخ النكاح، يعني: أسلم بعد الدخول وانقضت العِدَّة ثم أسلم.

هذا رجل كان زوجًا لامرأة، كِلاهما كُفَّار، وأسلمت هذه المرأة، والمرأة تَحُثُّ زوجَها على أن يُسلِم، لكنه رفض إلى أن انقضت العِدَّة، ثم بعد سنةٍ أسلم الزوج، فعندما يُريد هذا الزوج أن يعود لهذه المرأة، هل لا بد من تجديد العقد، أو تكون معه بالعقد الأول؟

على كلام المؤلف: أنه انفسخ عقد النكاح، لا بد من أن يُعقَد لهما عقد جديد.

وهذه المسألة فيها إشكال، وهذا الإشكال مَرَدُّه إلى ما ورد في ذلك من بعض الأحاديث، فقد جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي رَدَّ ابنته زينب على أبي العاص بعد ستِّ سنين بالنكاح الأول، ولم يُحدِث نكاحًا[11]. وهذا، قال الحافظ في “البلوغ”: “رواه أحمد والأربعة إلا النسائي، وصححه أحمد والحاكم”، هو من جهة الإسناد صحيح.

وفي روايةٍ عند أبي داود: بعد سنتين[12].

وأيضًا رُوي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه: أن النبيَّ رَدَّ زينب على أبي العاص بنكاحٍ جديد[13]. هذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه، لكنه ضعيف لا يثبت، فهو من جهة الإسناد ضعيف؛ ولهذا قال الإمام أحمد: “هذا حديث ضعيف”، نقله عنه ابن القيم في “إعلام الموقعين”، وقال الترمذي: “في إسناده مقال”، بل قال بعضهم: “إنه منكر”؛ يعني: ضَعْفه شديد.

عندنا الآن الأصح: هو حديث ابن عباس رضي الله عنهما، لكن جمهور أهل العلم لم يأخذوا بظاهر حديث ابن عباس رضي الله عنهما رغم صحة إسناده.

وقد تكلم ابن القيم رحمه الله عن هذه المسألة في “تهذيب السنن”، وذكر فيها تسعةَ مسالك للعلماء في الإجابة عن هذا الحديث، يعني: هذا الحديث حديثٌ صحيح، النبي عليه الصلاة والسلام رَدَّ ابنته إلى أبي العاص من غير أن يُحدِث نكاحًا جديدًا، بالعقد الأول.

فذكر ابن القيم تسعة مسالك في الإجابة عنه، ثم قال: وليس القول في الحديث إلا أحد قولين:

  • إما قول إبراهيم النَّخَعي: وهو الأخذ بظاهر الحديث.
  • وإما قول مَن يقول: إن التحريم لم يكن ثابتًا إلى نزول آية الممتحنة، فكانت الزوجية مستمرة قبل ذلك، فكأنه يقول: إن قصة أبي العاص بن الربيع قبل نزول آية “الممتحنة”.

لكن، يُشكل على هذا، قال ابن القيم: ولكن هذا المسلك الأخير يُشكل عليه أن المعروف أن أبا العاص إنما أسلم زمن الهدنة؛ يعني: متأخرًا في السنة السابعة بعد نزول آية التحريم في “الممتحنة”، وحينئذٍ ليس هناك إلا الأخذ بقول إبراهيم النَّخَعي: وهو الأخذ بظاهر حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: “يكون هو الأولى”.

ثم أورد ابن القيِّم أيضًا إشكالًا على هذا، قال: يَرِدُ عليه أنه خلافُ الإجماع.

فقد نقل ابنُ القيم عن ابن عبدالبر أنه قال: لم يختلف العلماء أن انقضاء العدة ينفسخ به النكاح، إلا شيءٌ رُوي عن النَّخَعي شذَّ فيه عن العلماء، فلم يتابعه عليه أحدٌ، زعم أنها تُرَدُّ إلى زوجها وإن طالت المدة.

ثم تعقَّبه قال: وليس في المسألة إجماع، والخلاف فيها أشهر، والحجة تفصل بين الناس.

إذن؛ كلُّ ما قيل حول الحديث، كله مُناقَش، ناقش ابن القيم مناقشة مستفيضة، الحديث صحيح من جهة الإسناد، لا مَطعن في إسناده، هل نأخذ بظاهر الحديث كما قال إبراهيم النخعي، أو نأخذ بقول الجمهور؟

فالمسألة فيها إشكال، مسألة الإجماع، هذه المسألة ليس فيها إجماع؛ ولذلك فابن القيم يقول: ليس هناك قول لا يَرِد عليه أيُّ إشكال إلا قول إبراهيم النخعي. وهو أنها تُرَدُّ لزوجها بالعقد الأول ولو بعد انقضاء العِدَّة.

وقد اختار هذا القول أيضًا أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، قال: “إن أسلمت الزوجة، والزوج كافر، ثم أسلم قبل الدخول، أو بعد الدخول، فالنكاح باقٍ ما لم تنكح غيره، والأمر إليها، ولا حكم له عليها، ولا حقَّ لها عليه؛ لأن الشارع لم يفصل، وهو مصلحة محضة”.

مما يُؤيد هذا القول أيضًا: ما جاء في “صحيح البخاري” عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان المشركون على منزلتين من النبي ، إلى أن قال: وكان إذا هاجرتِ امرأةٌ من أهل الحرب لم تُخطَب حتى تحيض وتَطهُر. قال: فإذا طَهُرت حلَّ لها النكاح، فإن هاجر زوجها قبل أن تَنْكح رُدَّت إليه[14].

محل الشاهد قوله: فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح. ولم يقل ابن عباس رضي الله عنهما: قبل أن تنقضي عدتها، وإنما جعل مناط الحكم قبل أن تنكح.

وحينئذٍ، فالأقرب والله أعلم هو قول أبي العباس ابن تيمية وابن القيم، وهو قول إبراهيم النَّخَعي: أنها تُرَدُّ إلى زوجها بالعقد الأول. هذا هو الأقرب من جهة التحقيق العلمي في هذه المسألة.

ولكن من جهة الاحتياط؛ فلا شك أنَّ قول الجمهور أحوط، فلو جُدِّد عقد النكاح لكان في ذلك احتياطٌ لهذا العقد.

لكن، من جهة الأدلة، ظاهر الأدلة أنها تُرَدُّ بالعقد الأول، فحديث ابن عباس رضي الله عنهما صريح وصحيح، وكلُّ الأجوبة التي قيلت في الإجابة عنه مُتكَلِّفة، ما سَلِم منها شيء، ناقشها ابن القيم مناقشة مستفيضة، وكلام ابن عباس رضي الله عنهما في “صحيح البخاري” يُؤيِّد هذا.

ثم أيضًا ما أشار إليه ابن تيمية رحمة الله عليه مِن أنَّ فيه مصلحةً، يعني: ما المانع مِن أن تُرَدَّ بالعقد الأول؟ ما المانع؟ حتى وإن قضت العِدَّة ما دام أنها لم تَنْكح زوجًا غيره، فما المانع مِن أن تُرَدَّ إليه بالعقد الأول؟

هذا حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة.

نعود لعبارة المؤلف:

حكم الكافر إذا أسلم وتحته أكثر من أربع

قال:

فصل
وإن أسلم الكافر وتحته أكثر من أربعٍ فأسلَمن، أو لا، وكُنَّ كتابيات.

يعني: لم يكن له إمساكهن.

 اختار منهن أربعًا.

اختار من هؤلاء النسوة أربعًا.

إن كان مُكلَّفًا، وإلا فحتى يُكلَّف.

يعني: إن كان غير مكلَّفٍ وعنده نساءٌ أكثر من أربع -هذه مسألة مُفترَضة- فيقولون: ينتظر حتى يُكلَّف، وعلَّلوا ذلك قالوا: إنه لا يختار عنه وليُّه؛ لأن هذا حقٌّ يتعلَّق بالشهوة، فلا يقوم وليُّه مقامه في هذا. ومثل هذه مسألة نادر الوقوع.

قال:

فإن لم يَخْتَرْ.

نفترض أنه أسلم هذا الكافر وعنده أكثر من أربع نساءٍ، نقول: اختر أربعًا. رفض، قال: لا، ما أختار، فما هو الحكم؟

قال:

أُجبِر بحبسٍ ثم تعزيرٍ.

بما يراه القاضي.

 وعليه نَفَقتهُنَّ إلى أن يختار. ويكفي في الاختيار:

يعني أن يقول:

أمسكت هؤلاء، وتركت هؤلاء.

يعني: بما يدل على الاختيار.

ويحصل الاختيار بالوطء.

كذلك الوطء، هو دلالة فعلِيَّة على الاختيار.

فإن وَطِئ الكُلَّ تعين الأول.

يعني: منهن، تعين الأربع الأُوَل منهن.

قال:

ويحصل بالطلاق، فمَن طلَّقها فهي مختارة.

يعني: مَن طلَّق مِن هؤلاء النسوة فيُعتبر أمسكها؛ لأن الوطء والطلاق لا يكونان إلا في زوجة.

فإذن؛ إذا طلَّق فمعنى ذلك: أن هذه التي طلَّقها قد اختارها، وإذا وَطِئ فمعنى ذلك: أن هذه التي وطئها قد اختارها، إذا صرَّح باللفظ فهذا الظاهر.

حكم الحر إذا أسلم وتحته إماءٌ فأسلمن في العدة

قال:

وإن أسلم الحرُّ وتحته إمَاءٌ، فأسلمن في العِدَّة.

يعني: وكان قد تزوَّج بهؤلاء الإمَاء.

 اختار ما يُعِفُّه.

منهن إلى أربع.

إن جاز له نكاحُهُنَّ وقتَ اجتماعِ إسلامه بإسلامهن.

(إن جاز له نكاحهن)؛ يعني: نكاح الإماء، ونكاح الأَمَة يجوز بشرطين، مَرَّا معنا، ما هما؟

حكم نكاح الحر للأمة

نكاح الأمة يجوز بشرطين:

  • أن يكون عاجزًا عن مهر الحرة.
  • ويخشى من العنت.

وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ [النساء:25]؛ يعني: عاجزًا عن مهر المحصنات الحرائر. قال في آخر الآية: ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ [النساء:25].

فإذن؛ جاز له نكاحهن -يعني: الإمَاء- إذا كان عادم الطَّوْل، طَوْل الحرة، وخائف العنت.

وإن لم يجز له.

يعني: نكاح الإماء.

فسَدَ نكاحهن.

حكم النكاح إذا ارتدَّ الزوجان أو أحدهما

وإن ارتَدَّ أحدُ الزوجين، أو هما، قبل الدخول؛ انفسخ النكاح.

في قول عامة أهل العلم؛ لقول الله : وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ؛ ولقوله: لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10].

فينفسخ عقد النكاح، ارتدَّ بأيِّ سببٍ من أسباب الرِّدَّة، وسيأتينا -إن شاء الله- الكلام عن الرِّدَّة مفصَّلًا.

ولها نصف المهر إن سبقها.

يعني: بالرِّدَّة، أو ارتَدَّ الزوج وَحْده دونها؛ وذلك للقاعدة التي ذكرناها قبل قليل؛ لمجيء الفُرقة من جهته، ذكرنا القاعدة: أن الفرقة إذا كانت من جهة الزوج، فيكون للمرأة نصف المهر، أشبه الطلاق.

مداخلة: …..

الشيخ: لا، هذا قبل الدخول.

قال:

وبعد الدخول، تَقِفُ الفُرقة على انقضاء العِدَّة.

يعني هنا ننتظر إلى أن تنقضي العِدَّة، فإن انقضت العِدَّة وهو لا زال على رِدَّته، فحينئذٍ تحصل الفُرقة بينهما؛ وذلك لأن الرِّدَّةَ اختلافُ دينٍ بعد الوطء، فلا يوجب فسخَه في الحال، كإسلام كافرة تحت الكافر.

فإذن؛ بعد الدخول تَقِف الفُرقة على انقضاء العِدَّة، يعني: ينتظر إلى انقضاء العدة. أما قبل الدخول مباشرة فينفسخ عقد النكاح.

هذا رجل مثلًا ارتكب ما يُوجب الرِّدَّة قبل أن يدخل بهذه المرأة؛ ينفسخ عقد النكاح مباشرة.

سَبَّ الله تعالى، أو سَبَّ الرسول عليه الصلاة والسلام، أو أتى بأيِّ سببٍ من أسباب الرِدَّة؛ ينفسخ عقد النكاح، ويكون لها نصف المهر، إذا كان بعد عقد النكاح.

هنا تَقِف الفُرقة على انقضاء العِدَّة، إذا انقضت العِدَّة ولا زال على رِدَّته؛ انفسخ عقد النكاح.

هذه أبرز الأحكام المتعلقة بهذا الباب، ونقف عند (كتاب الصداق).

طيب، نبدأ بالأسئلة المكتوبة.

الأسئلة

السؤال: أحسن الله إليكم وبارك فيكم. هذا يقول: هل عدم إنجاب المرأة لأكثر من خمس سنوات يُعَدُّ عيبًا؟ وهل من ضابطٍ للعيوب أو أن مرجعه للعُرْف؟

الشيخ: عدم الإنجاب من الرجل أو من المرأة بأن كان عقيمًا، إذا كان هذا العيب موجودًا قبل العقد، وكان يعلم به الزوج أو الزوجة، لا شك أنه من عيوب النكاح إذا كان يعلم به.

لكن، عدم الإنجاب قد لا يكون سببه عيبًا، قد يكون عدم توافق؛ ولذلك نجد أحيانًا رجلًا يتزوج بامرأة ولا يُنجبان، ثم يُطلِّقها فيكون له أولاد، يتزوج ويُنجب أولادًا، وهي تُنجب أولادًا، فقد لا يكون هناك عيب أصلًا، لكن عدم توافق.

فحينئذٍ، لا بد من إثبات العيب، لكن لو أثبت الأطباء أن فيها عيبًا يمنع من الإنجاب.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: ما هو كتاب “شرح الدليل” للمرداوي؟

الشيخ: نعم، هذا الكتاب خرج قبل شهرين، حقَّقناه في ثلاثة أشهر، في ثلاثة مجلدات، المرداوي ليس المرداوي صاحب “الإنصاف”، متأخر، وهو كتاب جيد، ويشرح خاصة بعض الكلمات التي تحتاج إلى توضيح من الناحية اللغوية، يُوضحها ويُفيض فيها، وهو قريب من “منار السبيل”، لكن أحيانًا توجد فيه توضيحات لا توجد في “المنار”، وموجود في المكتبات على كل حال، ثلاثة مجلدات، محقق.

مداخلة: …..

الشيخ: نعم، طبعت الآن؟ يقول: “حاشية الشيخ عبدالله بن عقيل على الدليل”، طُبِعت.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: هل يُشترط الإشهاد على الفسخ بدلًا من الذهاب للحاكم؟

الشيخ: لا يُشترط، نحن قلنا: إذا كان هناك نزاع لا بد من الذهاب للحاكم؛ لأنه مَن الذي يَفصل؟ الزوج يقول: عيب، والمرأة تقول: ليس عيبًا، فلا بد من حكم حاكمٍ يرفع الخلاف، لكن إذا اتَّفقا فلا حاجة للحاكم من الناحية الشرعية. أما من الناحية النظامية فهذه مسألة أخرى، لكن من الناحية الشرعية لا حاجة للحاكم.

وشهادة الشهود على سبيل الاستحباب أو الأولوية؛ حتى لا يجحد ذلك الفسخَ، لكنها أيضًا لا تجب، لا تجب شهادة الشهود، إذا كانت لا تجب في الرَّجعة، ولا تجب حتى في الطلاق، فما بالُكَ بالفسخ! فممكنٌ أن يحصل الفسخ، وأيضًا الأولى كتابة ورقة بهذا، ويُوقع عليها، ويكون هناك شاهدان، ويكفي هذا.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: أحد مكاتب الدعوة بالخارج، يقضي بعدم فراق الزوجة لزوجها، والعكس، إن أسلم أحدهما، رجاءً في إسلامهم، وترغيبًا لهم في الإسلام، فهل قضاؤهم صحيح أثابكم الله؟

الشيخ: نعم، على القول الذي رجَّحنا؛ قول إبراهيم النَّخَعي وابن تيمية وابن القيم، يعني: أخذوا بهذا القول، ودلالته ظاهرة، حديث ابن عباس رضي الله عنهما[15] صحيح وصريح في المسألة. أما حديث عمرو بن شعيب[16] فقلنا: إنه ضعيف في تجديد النكاح، فالأخذ بهذا يعني لا شك أنه يُعضِّده الدليل.

مداخلة: …..

الشيخ: نعم، إذا خرجت من العدة.

مداخلة: …..

الشيخ: هي إذا كانت في العِدَّة فلا إشكال، يعني: أنها لا تحتجب منه، لكن الإشكال إذا خرجت من العِدَّة قبل أن يرُدَّها، وكانت ترجو أن يُسلم، وأن تبقى معه في عصمته. الله أعلم، تحتاج مزيد تأمل، يعني بعد انقضاء العدة.

مداخلة: …..

الشيخ: قبل انقضاء العدة لا، يقولون: هي لا زالت لم تحصل الفُرقة، الفُرقة ما تحصل إلا بانقضاء العِدَّة، إن كانت بعد الدخول لا تحصل فُرقة إلا بانقضاء العِدَّة.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: هل شرط عدم الإنجاب في النكاح…؟

الشيخ: شرط عدم الإنجاب شرط غير صحيح، مرَّ معنا هذا في الشروط الفاسدة؛ لأنه يُخالف مقتضى عقد النكاح، وهذا أكثر ما يكون في زواج المسيار، يشترط عدم الإنجاب، أو يشترط مثلًا عدم النفقة، هذه شروط تُخالف مقتضى العقد.

لكن هناك فرق بين الشرط وبين التفاهم، لو كان هناك تفاهم وليس شرطًا فلا إشكال في هذا، لا حرج.

هو مثلًا يقول: لا أريد أن أُقدِم على هذا الزواج إلا إذا تفاهم مع هذه المرأة بكذا.

لكن، على سبيل الشرط لا يصح شرطًا، هو شرط فاسد؛ لذلك لو أنجبت المرأة لا يحتجُّ عليها ويفسخ العقد؛ لأن هذا الشرطَ شرطٌ فاسد، لكنه غير مفسد للعقد.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: هل في قوله تعالى: لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ [الممتحنة:10] دلالة على أن العلاقة بينهما قد زالت؟ وهل قول تعالى: فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ [الممتحنة:10] هل المقصود به الرَّجعة بعد الطلاق؟

الشيخ: الآية مُحتمِلة لهذا المعنى الذي ذكره الأخ السائل، لكن لا بد من الجمع بين النصوص، كون النبي رَدَّ ابنته على أبي العاص بن الربيع بعد سِتِّ سنين بالعقد الأول، ولم يُحدث نكاحًا، لا شك أن هذا لا بد من الجمع بينه وبين الآية، فيؤخذ بدلالة الآية وأيضًا بدلالة الحديث، فلو لم يَرِد حديث ابن عباس رضي الله عنهما لكان هذا مُتَّجِهًا.

لكن، ما دام أنه قد ورد حديث ابن عباس رضي الله عنهما، فلا بد من إعمال جميع النصوص، ولا يُمكن أعمالها إلا على قول النَّخَعي.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: فضيلة الشيخ، بعد مراجعتي للدرس السابق أشكَلَ عليَّ أمران: الأول: إذا حصلت صورة الشِّغار بدون مُشارطة، بحيث تزوج الأول، ثم خطب الثاني بعده، فما الحكم؟

الشيخ: تُعيد مرة أخرى.

مداخلة: إذا حصلت صورة الشِّغار بدون مُشارطة، بحيث تزوج الأول، ثم خطب الثاني بعده، فما الحكم؟

الشيخ: إذا كان بدون شرط فليس شِغَارًا، الإشكال في الشرط، على الخلاف: هل أيضًا تختص صورة الشِّغار بعدم تسمية المهر، أو حتى بتسمية المهر؟ ورجَّحنا أنها مطلقًا: سواءٌ سُمِّيَ مهرٌ أو لم يُسَمَّ مهرٌ، لكن بشرط ما أزوِّجك موليتي إلا بشرط أن تُزوِّجني موليتك. هذا هو الشِّغار.

أما إذا كان بدون شرط؛ هذا رجل خطب امرأة وتزوَّجها، ثم لما ارتبطوا بهذه العائلة، أرادت تلك العائلة أن تخطب منهم لابنهم. هذا ليس شِغَارًا أصلًا؛ لأنه بدون شرط، فهذا لا إشكال في صحته، وليس شِغارًا في قول عامة أهل العلم.

مداخلة: أحسن الله إليكم. ويقول: الإشكال الآخر: زواج المسيار إذا كان بشرط إسقاط جميع حقوق المرأة عدا المهر، هل يصح؟

الشيخ: لا تصح، إسقاط الحقوق التي هي من مقتضيات العقد، لا تصح هذه الشروط، اشتراط إسقاط حق النفقة، واشتراط إسقاط حق المَبِيت، واشتراط إسقاط حق -كذلك- الإنجاب. هذه كلها شروط غير صحيحة.

لكنْ -كما ذكرت هنا- فرقٌ بين التفاهم وبين الاشتراط، الاشتراط غير صحيح، لكن لو تفاهَما -ليس على سبيل الشرط- فالأمر واسع، لو تفاهما ووافقت هي برضاها فالأمر واسع، لكن لو قُدِّر أنها لم تَفِ أو طالبت بالنفقة أو أنجبت، فليس له الحق أن يُطالب الفسخ؛ لأن هذه الشروط أصلًا شروط غير صحيحة؛ لأنها تُخالف مقتضى العقد.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: امرأة عمرها خمسون سنة، ينزل معها دم بعد انتهاء مدة حيضها بخمسة أيام؛ لأنها مصابة بفقر الدم، فهل هو دم حيض أم استحاضة أجلَّكم الله؟

الشيخ: يقول الله : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة:222]، متى ما رأت المرأة الأذى فالأصل أنه دم حيض، والمرأة عندما يأتيها سِنُّ اليأس -يعني: انقطاع الحيض- أو يُقارب ذلك تضطرب عندها الدورة الشهرية، تضطرب كثيرًا عند أكثر النساء.

ولهذا نقول: متى ما رأت الدم؛ فالأصل أنه دم حيض ما لم يستمر، فإن استمر فيكون استحاضة، أما إذا لم يستمر فيكون دم حيض.

وكونه يأتيها بعد حيضها بأسبوع أو عشرة أيام، الأصل أنه دم حيض، والصحيح أنه لا حَدَّ لأقلِّه ولا لأكثره، ولا لأقلِّ الطُّهر بين الحيضتين.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: ما حكم تولية المرأة للقضاء؟

الشيخ: المرأة ليست من أهل الولايات العامة؛ كولاية القضاء ونحوها، فلا يصح أن تُولَّى المرأة في القضاء، بل لا يجوز ذلك، فقد قال النبي : لن يُفلِح قومٌ ولَّوْا أمرهم امرأة[17].

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: وجدتِ امرأةٌ عِقْدَ ذهبٍ في حمامٍ في محطات طريق السفر، ماذا تعمل به؟

الشيخ: هذا لُقَطَة، ما دام أنه مما يهتم به أوساط الناس، وهذا عِقد من الذهب، لا شك تلتفت له همَّة أوساط الناس؛ فلُقَطة، فيجب عليها أن تُعرِّفه لمدة سنة، فإن أتى صاحب هذا العقد، وإلا فهو لها.

والتعريف في الوقت الحاضر سهل جدًّا، تكتب مثلًا ورقة، ويُكتب فيها رقم الجوال في هذا الموضع لمدة سنة، فإذا أتى صاحب هذا العِقد، أو اتصل على هذا الرقم، مع بقاء هذه الورقة واللوحة لمدة سنة، وإلا فالعقد لها.

في الوقت الحاضر أصبح التعريف سهلًا جدًّا، أسهل من أيِّ وقت مضى؛ وذلك بسبب وجود الهواتف الجوالة ووسائل الاتصال، فمِن أبسط وسائل التعريف أن يكتب رقم الهاتف الجوال، فصاحب هذه اللُّقَطَة إذا أتى يتصل على هذا الرقم، إذا مرت سنة كاملة ولم يتصل به؛ فيكون للمُلْتَقِط.

السؤال: أحسن الله إليك. يقول: استأجرت محلًّا تجاريًّا، ثم اتفقت مع العامل على أن يُعطيني خمسة آلاف ريال شهريًّا ويتكفَّل بكُلِّ مستلزمات المحل من إيجار وغيره، فما الحكم؟ وهل تُرَدُّ هذه المسألة إلى (باب المساقاة والمزارعة) أو إلى (باب الإجارة)؟

الشيخ: تعيد السؤال مرة أخرى.

مداخلة: أحسن الله إليك. يقول: استأجرت محلًّا تجاريًّا، ثم اتفقت مع العامل على أن يُعطيني خمسة آلاف ريال شهريًّا ويتكفَّل بكُلِّ مستلزمات المحل من إيجار وغيره، فما الحكم؟ وهل تُرَدُّ هذه المسألة إلى (باب المساقاة والمزارعة) أو إلى (باب الإجارة)؟

الشيخ: هذه المسألة تُرَدُّ إلى (باب الإجارة)؛ يعني: كأنك استأجرت هذا المحل، ثم أجَّرته على العامل.

ولا بأس أن يُؤجر الإنسانُ المحلَّ المستأجَر بشرط أن يكون المستأجِرُ مثله أو أقلَّ منه في الضرر. هذه نصَّ عليها الفقهاء.

استأجرتَ بيتًا مثلًا، لا بأس أن تُؤجره على غيرك، لكن يكون مثلك أو أقلَّ منك، إذا كان هذا البيت مثلًا للسُّكنى، لا تُؤجره لمن يضع فيه مثلًا ورشة حدادة أو نحو ذلك، لمن هو مثلك أو دونك في الضرر.

فمعنى ذلك: أن هذا الذي استأجر المحل ثم أجَّره بخمسة آلاف ريال، هذا يدخل في (باب الإجارة)، وهذا لا بأس به، لكن بشرط أن يكون هذا العامل أيضًا تحت مسؤوليته وتحت كفالته، أو مثلًا يتفاهم مع كفيله حتى لا يكون في ذلك مخالفة لتعليمات وليِّ الأمر.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: ماذا يعني قول أهل العلم: “بناء الأحكام على المقاصد”؟ وهل مِن مثالٍ عليه؟

الشيخ: هذا كلام مُجمَل، إذا كان مقصود الأخ السائل: “بناء الأحكام على المقاصد” يعني: أن الأحكام تُبنى على المقاصد، ترجع مثلًا لقاعدة “الأمور بمقاصدها”، هذا يرجع إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى[18].

لكن هذا ليس مطَّردًا، يعني: أن الأحكام تُبنى على المقاصد؛ فقد تُبنى قضاءً على الظاهر، ولا تُبنى على المقصد.

لو أن شخصًا مثلًا طلَّق امرأته باللفظ الصريح، قال: أنتِ طالق، ثم رفعتْ أمره للقضاء، فقال: أنا ما كنت أقصد الطلاق. ما يقال:  هذا الحكم يُبنى على المقاصد، وأنه ما يقع الطلاق، بل يُحكَم بالطلاق، يُحكَم بظاهر اللفظ؛ فإن هذا ليس مُطَّردًا.

لكن في الأعم الأغلب هو لا شك أن المُعوَّل عليه في الأحكام الشرعية هو ما في الضمير، المقصد، وأن الكلام جُعِل للتعبير عما في الضمير، هذا هو الأصل. لكن -كما ذكرتُ- ليس هذا مُطَّردًا في جميع المسائل.

السؤال: …..

الشيخ: يختار أربعًا، ويكفي الخامسة مجرد الفسخ، إذا قال: اخترت هذه، وهذه، وهذه، الخامسة تنفسخ تلقائيًّا مباشرة.

مداخلة: …..

الشيخ: اختر أربعًا وفارِقْ سائرهن[19]؛ يعني: المقصود بالفُرقة هنا أنه الفسخ؛ لأنه أصلًا إذا اختار أربعًا انفسخ البقية، على أن حديث غيلان في سنده مقال.

لكن، على تقدير ثبوته، هو هذا: أنه يختار أربعًا منهن وتنفسخ البقية؛ لأنه لا وجه للقول بالطلاق وهُنَّ أكثر من أربع، إنما يختار أربعًا وينفسخ العقد في البقية.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 5707.
^2 رواه مسلم: 2231.
^3 رواه أبو داود: 3925، والترمذي: 1817، وابن ماجه: 3542.
^4, ^15, ^16 سبق تخريجه.
^5 رواه أحمد: 16032.
^6 رواه ابن أبي شيبة في “مصنفه”: 23418، والبزار في “مسنده”: 2096.
^7 رواه البخاري: 1117.
^8 رواه مسلم: 1226.
^9 رواه البخاري: 228.
^10 رواه عبدالرزاق في “مصنفه”: 13273، والطبراني في “الأوسط”: 4728.
^11 رواه أحمد: 1876، وأبو داود: 2240، والترمذي: 1143.
^12 رواه أبو داود: 2240.
^13 رواه أحمد: 6938، والترمذي: 1142، وابن ماجه: 2010.
^14 رواه البخاري: 5286.
^17 رواه البخاري: 4425.
^18 رواه البخاري: 1، ومسلم: 1907.
^19 رواه مالك: 76، وأحمد: 4609.
zh