logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(67) فصل ومن أتلف ولو سهوا..- من قوله “وإن أُكره على الإتلاف..”

(67) فصل ومن أتلف ولو سهوا..- من قوله “وإن أُكره على الإتلاف..”

مشاهدة من الموقع

ننتقل بعد ذلك إلى درس الفقه، وكنا قد بدأنا بـ(كتاب الغصب)، انتهينا من الفصل الأول والثاني، ووقفنا عند قول المؤلف:

من أتلف ولو سهوًا مالًا لغيره ضمنه

فصل
مَن أتلَفَ -ولو سهوًا- مالًا لغيره، ضَمِنه.

(مَن أتلَفَ -ولو سهوًا- مالًا لغيره، ضَمِنه)؛ وذلك لأنه فوَّته عليه، والإتلافات لا يُشترط فيها القصد، وإنما متى وقع الإتلاف وجب الضمان، فإذا ادَّعى المُتلِف أنه كان ساهيًا أو جاهلًا أو نحو ذلك، فإن هذا لا أثر له، بل نقول: يجب عليك أن تضمن هذا التلف مطلقًا.

إن أكره على الإتلاف، ضمن من أكرهه

وإن أُكرِهَ على الإتلاف، ضَمِنَ مَن أكرَهَه.

إن أُكرِهَ على الإتلاف فإن الضمان يكون على المُكرِه، ولكن صاحب المال -الذي هو المستحق- له أن يُطالب المُتلِف، والمُتلِف يعود على المُكرِه، فصاحب المال يقول: أنا ما أعرف المُكرِه، أنا أعرفك أنت، أنت الذي أتلَفْتَ مالي. فله أن يُطالب المُتلِف، والمُتلِف يرجع بذلك على المُكرِه.

ضمان ما تلف بسببه

قال:

وإن فتح قفصًا عن طائر، أو حَلَّ قِنًّا، أو أسيرًا، أو حيوانًا مربوطًا، فذهب.

فإن عليه الضمان، إذا فتح قفصًا عن طائر فطار فإنه يضمن، وإذا حَلَّ قِنًّا فهرب فإنه يضمن، وإذا حَلَّ أسيرًا مربوطًا فإنه يضمن، أو حيوانًا مربوطًا حَلَّه فإنه يضمن.

أو حَلَّ وِكاءَ زِقٍّ فيهِ مَائِعٌ.

الزِّقُّ: هو وعاء من جلد تُوضع فيه السوائل، يقال: زِقٌّ، وهو الوعاء من جلدٍ تُوضع فيه السوائل، فإذا حلَّ هذا الوعاء فاندَفَقَ المائع وانْسَكَب فإنه يضمن.

لاحِظ: هذه الصور كلها فيها جانبُ تعدٍّ، والأصل في هذا: أن كُلَّ مَن تعدَّى على مالِ غيره فإنه يضمن.

قال:

ولو بقي الحيوانُ أو الطائر، حتى نفَّرَه آخَرُ؛ ضَمِنَ المُنفِّرُ.

أي: وحده؛ لأن سببه أخص؛ ولأنه اجتمع سببان: مباشر ومتسبِّب، وإذا اجتمعت المُباشَرة مع التسبُّب فإن المباشرة تقطع حكم السببيَّة، فهذا تَسَبَّب لمَّا فتح القفص عن الحيوان أو عن هذا الطائر، فأتى شخص آخر ونفَّرَه، فالذي باشر هو المُنفِّر فهو الذي يضمن.

قال:

ومَن أوقف دابة بطريقٍ ولو واسِعًا، أو ترك بها نحو طين أو خشبة؛ ضَمِن ما تلف بذلك.

أوقف دابة في الطريق يضمن؛ وذلك لتعديه لأنه ليس له في الطريق حقٌّ؛ ولأن الدابة مِن طبعها الجناية، إما بفمها أو برجلها أو نحو ذلك، فهو كما لو وضع حجرًا في الطريق، فإذا حصل تلف بسبب تلك الدابة فإنه يضمن، وهكذا أيضًا إذا ترك بالطريق طينًا أو خشبًا أو نحو ذلك فتسبب بالتَّلف؛ فإنه يضمن.

قال:

لكن لو كانت الدابة بطريق واسع، فضربها، فرفَسَتْه؛ فلا ضمان.

لأنه إذا كان بطريق واسع فلا حاجة لضربها، فإذا ضربها فرفَسَتْه فلا ضمان؛ لأنه هو الجاني على نفسه بهذا الضرب، لكون الطريق واسعًا، وليس هناك حاجة لهذا الضرب.

ومن اقتنى كَلبًا عَقُورًا، أو أسوَدَ بَهيمًا، أو أسَدًا، أو ذِئبًا، أو جارِحًا، فأتلف شيئًا؛ ضَمِنَه.

وذلك لأنه متَعَدٍّ باقتنائه، فليس له أن يقتني هذه الحيوانات المذكورة أصلًا؛ فإذا اقتناها فإنه يضمن ما أتلفته.

لا إن دخل دارَ ربِّه بلا إذنه.

فلا يضمن؛ لأنه حينئذٍ إذا دخل دار ربِّه بلا إذنه؛ لأن الداخل متَعَدٍّ بهذا الدخول، وحينئذ لا يضمن.

قال:

ومن أجَّجَ نارًا في مِلكه، فتَعَدَّت إلى ملك غيره؛ ضمن.

من أجَّج نارًا في مِلكه، ثم استشرت هذه النار وتسببَّت في حريقٍ وتعدَّت إلى مِلك غيره، وكان هذا بتفريطٍ منه؛ فإنه يضمن.

لا إن طرأت ريحٌ.

ثم انتشرت النار؛ فلا يضمن؛ لأنه ليس بفعله ولا تفريطه.

ومن اضطجع في مسجد أو في طريق.

أي: لم يضمن ما تلف به؛ لأنه فعلٌ مباحٌ لم يتَعَدَّ فيه على أحد في مكانٍ له فيه حقٌّ.

إنسان مثلًا في مسجد اضطجع فيه، ثم أتى شخص وعَثَر فيه، عَثَر وانكسر، أو حصل به إصابة ونحو ذلك؛ فإنه لا يضمن.

وهكذا لو -مثلًا- كان في طريقٍ فأتى إنسان وعثر فيه:

أو وضع حجرًا بطينٍ في طريقٍ لِيَطَأَ عليه الناس؛ لم يضمن.

لأنه محسن، وما على المُحْسِنِين مِن سبيلٍ.

يعني هذه المسألة تحكمها قواعد عامة، لكن المؤلف ذكرها من باب التأكيد عليها، وإلا فتحكمها القواعد العامة، وهي: أن من تسبَّب في تلفِ مال غيره فعليه الضمان، أما مَن لم يتسبَّب في ذلك فالأصل أنه لا ضمان عليه.

ما يُضمن من جناية البهيمة

ثم الفصل الأخير في (كتاب الغصب) قال:

ولا يضمن ربُّ بهيمةٍ غيرِ ضاريةٍ ما أتلفَتْه نهارًا من الأموال.

انتقل المؤلف للكلام عن ضمان البهيمة، ضمان ما أتلفته البهيمة، فيقول المؤلف: إنه لا يضمن صاحب البهيمة إذا كانت غير ضارية، يعني: غير معتدية بطبعها، ما تتلفه نهارًا من الأموال والأبدان؛ ولأنها بالنهارِ الأصلُ أن أرباب المواشي يُطلقونها لكي ترعى ويحفظونها بالليل.

فما أفسدته المواشي بالنهار يُعتبر غير مضمون، وما أفسدته بالليل فإنه مضمون، وقد جاء في حديث حَرام بن مُحيِّصة أن ناقةً للبراء بن عازب دخلتْ على حائطِ قومٍ -يعني: بستان قوم- فأفسدت فيه، فقال النبي : إن على أهل الحوائط أي: البساتين حِفْظَها بالنهار، إن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وإنَّ ما أفسدت المواشي بالليل ضامنٌ على أهلها. أخرجه الإمام مالك في “الموطأ”، وأبو داود وأحمد[1].

وقال ابن عبد البر: وهذا الحديث وإن كان مرسلًا، فهو مشهور، وحدَّث به الأئمة الثقات.

فإذن؛ الضمان في النهار يكون على أهل الحرث، وبالليل يكون على أرباب المواشي، فنقول: أنتم يا أرباب المواشي بالليل احفظوها، أما بالنهار فلا يلزمكم حفظها؛ لأنها تُتْرك وتُطلَق للرعي، وحينئذٍ قال: ما أتلفته نهارًا لا ضمان على ربِّ البهيمة.

قال:

من الأموال، والأبدان، ويضمن راكب، وسائق، وقائد، وقادر على التصرُّف فيها.

يعني: يضمن جنايتها، فلو كان راكبًا لهذه الدابة، أو سائقًا لها؛ يعني: قادرًا على التصرف فيها؛ فإنه يضمن جنايتها.

وقد رُوي في ذلك حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما: أن النبي قال: مَن وَقفَ دابةً في سابِلَةٍ من سُبُلِ المسلمين، أو في سوقٍ من أسواقهم، فما وطئتْ بِيَدٍ أو رجلٍ فهو ضامنٌ. الحديث مرة أخرى: من وَقفَ دابَّةً في سابِلَةٍ من سُبُلِ المسلمين يعني: في الطريق أو في سوقٍ من أسواقهم، فما وطئتْ بِيَدٍ أو رجلٍ فهو ضامنٌ. وهذا الحديث أخرجه الدارقطني والبيهقي لكنه ضعيف[2]، من جهة الإسناد لا يصح، لكن معناه عليه العمل عند أهل العلم.

قال:

وإن تعدَّد راكب، ضَمِنَ الأول أو مَن خلفه إن انفَرَد بتدبيرها.

إن كان عليها أكثر من راكب، على الدابة أكثر من راكب؛ يضمن الأول، أو يضمن مَن خلفه إن كان مَن خلفه هو الذي انفَرَد بتدبيرها، قال:

وإن اشتَرَكا في تدبيرها، أو لم يكن إلا قائدٌ وسائقٌ؛ اشتركا في الضمان.

اشتركا في التدبير؛ فيشتركان في الضمان، وهكذا إذا لم يكن لها إلا قائدٌ وسائقٌ؛ فيشتركان في الضمان؛ لأن كلَّ واحدٍ منهما لو انفرد لَضَمِن، فإذا اجتمعا ضَمِنا.

قال:

ويضمن ربُّها ما أتلفته ليلًا.

قلنا: قررنا قاعدة: وهي أن ما تُتْلِفُه المواشي بالليل فهو على مَن؟ على أرباب المواشي، وما تُتْلِفُه في النهار على أرباب الحُرُوث. هذه القاعدة لحديث البراء ، ما تُتْلِفُه المواشي بالليل، فهو على أرباب المواشي مضمون، وما تُتْلِفُه في النهار ليس مضمونًا على أرباب المواشي، وإنما هو على أرباب الحُرُوث.

وأيضًا يدل لهذا قولُ النبي عليه الصلاة والسلام: العَجْماء جَرْحُها جُبَار. وهذا متفق عليه[3]. معنى العَجْماء: البهيمة سُمِّيت عجماء؛ لأنها لا تتكلم، جَرْحُها جُبار يعني: جنايتها جُبار؛ يعني: هدر.

وقال الترمذي: فسَّر بعض أهل العلم هذا الحديث، فقالوا: العَجْماء: الدابة المُنْفَلِتة مِن صاحبها، ما أصابت مِن انفلاتها فلا غُرْم على صاحبها، هذا هو الأصل، إلا إذا كان ذلك بالليل؛ فإنه يضمن ما أتلفته؛ لحديث البراء .

لكن الإبل السائبة التي تعترض السيارات؛ يعني: لو أخذنا أيضًا بهذه القاعدة، فنقول: إذا وقع الحادث ليلًا، فيكون مِن ضمان مَن؟

أرباب الإبل هذه، صاحب هذه الناقة هو الذي يضمن، لو -مثلًا- تسبَّب في وفاةٍ فعليه الدِّيَة، ولو وقع الحادث نهارًا فليس عليه شيء، هذا مقتضى ما ذكرنا.

لكن مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة درسوا هذا الموضوع، ورأوا أنَّ أربابَ الإبل عندما يُطلقونها ويُسيِّبونها، وتُشكِّل خَطَرًا على السيارات في الطرقات العامة؛ رأوا أن هذا تَعَدٍّ وجناية، وأن هذه لا تُقاس على ما ورد في حديث البراء مِن حِفْظِ أربابها بالليل وتَرْكها بالنهار؛ لأن هؤلاء يتركونها ليلًا ونهارًا، ويُسيِّبُونها فتتسبَّب في حوادث مُفجِعة لأرباب السيارات.

ولهذا؛ قرَّر مجلس هيئة كبار العلماء بأنها مضمونة، سواءٌ كان الحادث ليلًا أو نهارًا، يعني في هذه الإبل التي تُسيَّب وتعترض طرق الناس وطرق السيارات، قالوا: إنها هدر على صاحبها، وصاحبها آثِمٌ بتَرْكها وإهمالها، وهو ضامن عليها، سواءٌ كان بالليل أو بالنهار.

وهذا اجتهادٌ في مَحَلِّه الحقيقة؛ لأن هذه الإبل تتسبَّب في حوادث، وتتسبَّب في تلفِيَّات، كم مِن إنسانٍ مات بسبب اصطدامه بناقة.

ولذلك؛ فهذا القولُ قولٌ متَّجَه، أن يقال: إن هذه الإبل السائبة التي تعترض السيارات؛ أنها هدر على أصحابها، وأن أصحابها يضمنون التلف الواقع بسببها، سواء كان بالليل أو بالنهار، على أن غالب الحوادث التي تكون على الإبل السائبة، تكون غالبًا في الليل، لكن أحيانًا قد تقع نهارًا فتكون مضمونة على أصحابها وأربابها.

لكن غير الإبل السائبة التي تعترض السيارات، على القاعدة التي ذكرنا، إذا كانت بالليل فهي مضمونة على أربابها، وإذا كانت بالنهار فليس عليهم شيء، وإنما يُفترض أن أصحاب الحرث هم الذين يضمنونه.

مداخلة:

الشيخ: الإبل التي تكون في الطرقات العامة.

مداخلة:

الشيخ: هم يقولون: يُفترض أن أصحابَ الإبل ما يتركونها على الطرقات العامة، تَرْكُهم لها على الطرقات العامة يُشعِر بنوعِ تفريطٍ يتسبَّب في حوادث؛ ولذلك يقولون: متى ما صدمت سيارةٌ في ناقة أو جمل فهو هدرٌ على صاحبه، وإذا تسبَّب أيضًا في تلفِيَّات أو وفاةٍ أو نحو ذلك، فصاحب هذه الناقة يضمن، هذا هو المقصود.

مداخلة:

الشيخ: نعم، يُبعده عن الطرقات العامة، يُبعده عن طرق السيارات، هذا هو المقصود.

قال:

ويضمن ربُّها ما أتلفَته ليلًا إن كان بتفريطه، وكذا مستعيرها ومستأجرها، ومَن يحفظها حكمهم حكم ربِّها.

مداخلة:

الشيخ: بالنسبة للطرقات العامة -كما ذكرنا- يُفترض أن صاحبها يحفظها؛ لأنه إذا تركها هَمَلًا فإنها تُسبِّب حوادث سيارات، وتكون خطرًا على أرواح الناس.

مداخلة:

الشيخ: لا بد أن يحفظها صاحبها.

مداخلة:

الشيخ: نعم، يضمنها.

مداخلة:

الشيخ: حتى يُفترض أنه يُسيطر عليها ويحفظها، حتى لا تكون خطرًا على حياة الناس.

حكم قتل الصائل

ثم انتقل المؤلف للكلام عن الصائل، قال:

ومَن قتل صائلًا عليه، ولو آدميًّا، دفعًا عن نفسه أو ماله.

يعني: فلا ضمان، هذه المسألة يُسمِّيها العلماء بـ”قتل الصائل”، فالصائل الذي يأتي إليك يُريد أن يعتدي عليك، إما أن يعتدي على نفسك، أو يعتدي على مالك، أو يعتدي على عِرْضك.

أما إذا كان يُريد الاعتداء على نفسك، أو على مالك، أو على عِرْضك؛ فيجب عليك أن تدافع عن نفسك وعن عرضك، ولا يجوز للإنسان أن يرضى بأن يَفعل به -مثلًا- هذا الصائل الفاحشة، بل يدفعه ولو بقتله، وهكذا أيضًا لو أراد أن يعتدي على محارمه، يدفعه ولو بقتله، ولكن يدفعه أولًا بالأسهل فالأسهل، فإن لم يندفع إلا بالقتل فإنه يقتله ودمه هدر، ولا ضمان في هذه الحالة، بشرط أن يُثبِت أن هذا المقتول كان صائلًا.

وهنا تأتي الإشكالية، فإذا أراد أن يعتدي عليه، نقول: لك أن تدفعه ولو بقَتْله، وإن قتلته فدَمُه هدرٌ، لا إثم عليك، ولا قَوَد ولا دِيَة، لكن لا بد أن تُثبِت بأن هذا المقتول قد صَالَ عليك، هنا الصعوبة في الإثبات، فما كُلُّ أحدٍ يستطيع أن يُثبِت، فإن لم تُثبِت فالأصل هو القَوَد.

وكم من إنسانٍ اقتُصَّ منه وهو إنما قد دافَع عن نفسه أو عن عِرْضه، لكنه لم يستطع أن يُثبت بأن هذا المقتول قد صَالَ عليه؛ فحُكِم عليه بالقصاص؛ لأننا لو لم نَقُل بذلك لَتَعَطَّل القصاص، ولقال كُلُّ قاتلٍ: إن المقتول قد صَالَ عليه، وبالتالي يتعطَّلُ القصاص.

لهذا؛ نقول: إن الإنسان ينبغي له أن يدفع هذا الصائل بغير القتل، وإذا دفعته بالقتل فلا بد أن تُثبت أنه قد صال عليك، لكن لو افترضنا أنه حُكِم على هذا الإنسان بالقصاص، فهو فيما بينه وبين الله ليس عليه شيء، لكن أمام القضاء يُحكَم عليه بالقصاص إذا لم يستطع أن يُثبت بأن هذا المقتول قد صال عليه، هذا بالنسبة لِمَا إذا اعتدى على نفسِ الإنسان أو على عِرْضه.

أما المال، إذا اعتدى عليه لأخذ ماله، فإنه لا يجب عليه أن يُدافع عن نفسه، بينما إذا أراد أن يعتدي على بَدَنِه أو على عِرْضٍه يجب عليه أن يُدافع، أما إذا أراد أن يعتدي على مال فلا يجب عليه، لو قال مثلًا: أعطني ما في جيبك، فلَكَ أن تُعطيه ما في جيبك، ولا تُدافع عن نفسك.

لكن يجوز لك أن تُدافع عن مالك، يجوز لك جوازًا، وليس وُجُوبًا، أن تُدافع عن مالك، ولو بقتل المعتدي ودَمُهُ هدر، ولا ضمان.

ويدل لذلك ما جاء في “صحيح مسلم” عن أبي هريرة قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجلٌ يُريد أخذ مالي؟ قال : فلا تُعْطِهِ. قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال : قاتله. قال: أرأيت إن قتلني؟ قال : فأنت شهيد. قال: أرأيت إن قتلته؟ قال : هو في النار. هذا الحديث رواه مسلم[4].

وأيضًا جاء في “صحيح مسلم” من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي قال: من قُتِل دون ماله فهو شهيد[5].

إذن؛ الدفاع عن النفس وعن العِرْض واجب، والدفاع عن المال جائز.

مداخلة:

الشيخ: إي نعم، يجب أن يُدافع عن نفسه، لا يستسلم، وإنما يُدافع عن نفسه.

لكن الدفاع عن النفس استثنى العلماء منه حال الفتنة، فقالوا: إن الدفاع عن النفس في حال الفتنة ليس بواجب، وإنما جائز؛ لحديث أبي موسى : أن النبي قال: إن بين يدي الساعة فِتَنًا كقِطَع الليل المظلم، يُصبِح الرجل فيها مؤمنًا ويُمسِي كافرًا، ويُمسِي كافرًا ويُصبِح مؤمنًا، يبيع دِينَه بِعَرَضٍ من الدنيا[6]، قال : فإن أدركتك فكُن عبدَ الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل[7]، وفي رواية: فكن كخير ابني آدم[8]؛ يعني: المقتول.

وهذا يدل على أن الدفاع عن النفس في حال الفتنة لا يجب، وإنما يجوز.

إذن؛ نُلخِّص ما سبق، نقول: الدفاع عن العِرْض هذا واجب، ولا يُستثنى منه شيء. والدفاع عن النفس واجب، ويُستثنى من ذلك حال الفتنة يكون جائزًا. والدفاع عن المال ليس واجبًا، وإنما هو جائز.

فيجوز للإنسان أن يدفع الصائل ولو بقتله، إذا قتل هذا الصَّائل فَدَمُه هدر ولا ضمان، لكن بشرط أن يُثبت بأنه إنما كان صائلًا.

ما لا ضمان في إتلافه

ثم قال المؤلف رحمه الله، وذكر أمورًا محرمة، ذكر أن إتلافها لا ضمان فيه، قاعدة: أن إتلاف الأمور المحرمة لا ضمان فيه. المؤلف مثَّل لهذا بأمثلة، قال:

أو أتلف مزمارًا.

أي: فلا يضمنه.

أو آلهة لَهْو.

لأنه مُحرَّم ولا يحل بيعه.

أو كسَرَ إناءَ فضةٍ أو ذهبٍ.

أيضًا لم يضمنه؛ لأن اتخاذه محرم.

أو فيه خمرٌ مأمورٌ بإراقته.

فلا يضمنه؛ لأنه محرم.

أو كسَرَ حُلِيًّا محرَّمًا.

فإنه لا يضمن.

أو أتلف آلة سحرٍ أو تعزيمٍ.

يعني: تكون فيها عزائم؛ فإنه لا يضمن.

المقصود بالعزائم: المحرمة؛ فإنه لا يضمن؛ لأنه محرم، فإنه لا يضمن إذا أتلف آلة السحر، أو التعزيم، فإنه لا يضمن.

أو تنجيمٍ.

كذلك لا يضمن:

أو صُوَر خَيَالٍ.

هذا يُسمَى “خيال الظل”، وهو ضربٌ من ضُرُوب اللهو، كانوا يتسلَّون به، وحرَّمه كثير من أهل العلم.

وقال:

أو أتلف كتبَ مبتَدِعَةٍ مُضِلَّة.

فإنه لا يضمن.

أو أتلف كتابًا فيه أحاديث رديئة.

فإنه لا يضمن؛ ولهذا قال المؤلف:

لم يضمن في الجميع.

والأصل في هذا نصوص كثيرة، منها أن النبي هَدَم مسجد الضِّرار؛ لكونه فيه مضارَّة وإضرارًا بالمسلمين.

وكذلك أيضًا جاء في “صحيح مسلم” عن أبي الهَيَّاج الأَسَدي قال: قال لي عليٌّ : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ؟ ألا تدع صورة إلا طَمَسْتَها، ولا قبرًا مُشْرِفًا إلا سَوَّيْتَه[9].

فطَمْسُ الصورة هنا أمر به النبي ، وكذلك البنايات على القبورِ أَمَر بإزالتها: ولا قبرًا مُشْرِفًا إلا سَوَّيْتَه، وهذا إذا كان أمرًا به فلا ضمان من بابٍ أولى؛ فالقاعدة: أن كل هذه الأمور المحرمة لا ضمان فيها.

بهذا نكون قد انتهينا من (باب الغصب) وننتقل إلى باب جديد، وهو:

باب الشفعة

باب الشُّفْعَة:

تعريف الشفعة لغةً واصطلاحًا

ونبدأ أولًا بتعريف الشُّفْعَة، ما معنى الشُّفْعَة؟

الشُّفْعَة في اللغة مأخوذة من الشَّفْعِ: وهو الزوج؛ لأن الشفيع بالشُّفْعَة يضُمُّ المَبِيع إلى مِلكه الذي كان منفردًا، وقيل: مشتقة من الزيادة؛ لأن الشفيع يزيد مِلكه بأخذ العين المشفُوع فيها، وقيل: من الشفاعة؛ لأن الرجل في الجاهلية كان إذا أراد أن يبيع داره، يأتيه جاره أو شريكه ويشفع إليه، فيجعله أولى من غيره.

فهي إذن -الشُّفْعَة- إما مأخوذة من الشَّفْعِ، أو من الزيادة، أو من الشفاعة.

ومعنى الشُّفْعَة في الاصطلاح: “استحقاقُ الشَّريكِ انتزاعَ حِصَّةِ شريكه ممَّن انتقلت إليه، بِعِوَضٍ مالي، بثَمَنِه الذي استقرَّ عليه العقد”.

مرة أخرى، تعريف الشُّفْعَة اصطلاحًا: “استحقاقُ الشَّريكِ انتزاعَ حِصَّة شريكه ممَّن انتقلت إليه، بِعِوَضٍ مالي، بثَمَنِه الذي استقرَّ عليه العقد”.

هذا تعريفٌ جامعٌ مانعٌ يجمعُ كثيرًا من الشروط: “استحقاقُ الشَّريك انتزاعَ حِصَّة شريكه ممَّن انتقلت إليه، بِعِوَض مالي، بثَمَنِه الذي استقرَّ عليه العقد”.

نوضِّح هذا بمثال، مثال ذلك: هذه قطعة أرض بينك وبين صديق لك اسمه محمد، لك نصفها وله نصفها، ثم تفاجأتَ بعد ذلك بأن محمدًا قد باع نصيبه على شخص ثالث اسمه زيد، وأنت ترضى بشراكة محمد لأنك تعرفه وهو صديق لك وتعرف أخلاقه وترضى بشراكته، لكنك لا ترضى بشراكة زيد، زيد لا تعرفه، أو أنك تعرفه ولا ترضى بشراكته.

فهنا يجوز لك أن تنتزع حصة شريكك من زيد، فتقول لزيد: بكم اشتريت نصف هذه الأرض؟ قال مثلًا: اشتريتها بخمسين ألفًا. تقول: تفضَّل، هذه خمسون ألفًا. وتُصبح الأرض كلها لك.

هذا يُسمَّى بـ”الشُّفْعَة”، فأنت الآن انتزعت حصة شريكك وهي النصف الثاني من الأرض، ممن انتقلت إليه وهو زيد، بنفس الثمن، فهو لم يتضرَّر، هو اشتراها بخمسين، نُعطيه خمسين، نُرجع له خمسين وتُصبح الأرض كلها لي.

فالحكمة منها دفع الضرر، إزالة الضرر عن الشريك؛ وذلك لأنه -كما ذكرنا- أنت قد ترضى بشراكة إنسان ولا ترضى بشراكة إنسان آخر، فدفعًا لضرر الشركة أجازت الشريعة لك الشُّفْعَة؛ لأن صاحبك وشريكك هدفه هو الحصول على المال، فهو لا يختلف كونه يأخذ المال مِن زيد أو منك.

فهو الآن لما باع نصيبه وأخذ خمسين ألفًا من زيد، أنا آخذها مِن زيد، أنتزع من هذا الشخص وهذه الحصة من زيد، وأُرجع له خمسين ألفًا وتكون هذه الأرض كلها لي. فإذن؛ الحكمة منها: إزالة الضرر عن الشريك.

وقد كانت الشُّفْعَة معروفة عند العرب في الجاهلية، وأقرَّها الإسلام، ولكن جعل لها قواعد وضوابط يتحقَّق بها دفع الضرر عن الشريك أو عن الشركاء.

قال:

لا شُفْعَةَ لكافر على مسلم.

وقد رُوي في ذلك حديث أنس : أن النبي قال: لا شُفْعَةَ لنصراني. رواه الدارقطني في “العلل”[10]، لكنه حديث ضعيف، بل منكر.

لكن قد يُعلَّل لذلك بأن الله يقول: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، فالكافر لا يكون له الشُّفْعَة على المسلم؛ لأن المسلم أعلى من الكافر.

شروط ثبوت الشفعة

قال:

وتَثبُت للشريك فيما انتقَلَ عنه مِلكُ شريكه، بشروط خمسة:

انتقل المؤلف للكلام عن شروط الشُّفْعَة:

الشرط الأول: كونه مبيعًا

الشرط الأول: كونه مبيعًا، فلا شُفْعَة فيما انتقل عنه مِلكه بغير بيعٍ.

أي: أن يكون انتقال نصيب الشريك بعوض مالي كالبيع وما كان في معنى البيع، أما إذا انتقل نصيب الشريك بغير البيع، كأن انتقل مثلًا بالإرث أو بهِبَة أو بوصية، فلا شُفْعَة في قول عامة أهل العلم؛ وذلك لأن النصوص الواردة في الشُّفْعَة إنما وردت في البيع خاصة.

مثال ذلك، مثالنا السابق: أنت وصاحبك محمد لكما قطعة أرض، لك نصفها وله نصفها، ثم إن صاحبك محمد مات ودخل معك ورثته، هل لك أن تَشْفَع في هذه الحال؟

نقول: لا، ليس لك الشُّفْعَة، يدخل معك شركاء جُدد قَهْرًا، وهم ورثة محمد؛ لأنه إنما دخل معك هؤلاء الشركة بغير طريق البيع، بطريق الإرث، وهكذا أيضًا لو أن صاحبك محمد وَهَبَ نصيبه، وَهَبَهُ هِبَةً، أو جعله وصية، فلا شُفْعَة، لكن ما لم تكن حيلة محرمة.

حيلة محرمة؛ مثلًا: محمد أراد أن يبيع نصيبه، قال: أنا إذا بعت نصيبي سيشفع صاحبي فلان، فأنا سأُظهِر لك أني وَهَبْتُها لك، وأنا في الحقيقة قد أخذت ثمنها. هذه حيلة محرمة ولا تجوز، ولا تُسقِط حقَّ الشَّفيع في الشُّفْعة.

إذن؛ هذا هو الشرط الأول.

الشرط الثاني: كونه مُشاعًا من عَقَارٍ

كونه مُشاعًا من عَقَارٍ.

يعني: أن تكون الشُّفْعَة في عقار؛ كأرض مثلًا ونحو ذلك، وبناءً على ذلك قال:

فلا شُفْعَةَ للجار، ولا فيما ليسَ بعَقَارٍ.

لا شُفْعَةَ للجار، يعني: هل للإنسان أن يشفع في مِلك جاره، في حقِّ جاره، أو لا؟

المؤلف يقول: إنه لا شُفْعَة، أما إذا لم يكن بين الجارين أيُّ اشتراكٍ في أيِّ حقٍّ من الحقوق؛ كأن يكون بيته بجوار بيت جاره وليس بينهما أيُّ اشتراك؛ فلا شُفْعَة، أو تكون مزرعته بجوار مزرعته وليس بينهما أيُّ اشتراك؛ فلا شُفْعَة؛ لأن المعنى الذي لأجله شُرِعت الشُّفْعَة -وهو انتفاءُ الضرر- غير موجود هنا.

أما إذا كان بينهما اشتراك في حقٍّ من الحقوق، كاشتراكٍ في جدار، أو اشتراك في طريق، أو اشتراك في بئر، فقد اختلف العلماء في ثبوت الشُّفْعَة للجار في هذه الحالة، فالمذهب عند الحنابلة: أنه أيضًا لا تثبُت الشُّفْعَة كما قرَّر هذا المؤلف.

والقول الثاني في المسألة: إنه تثبُت الشُّفْعَة. وهذا هو القول الصحيح، وهو الذي عليه كثير من المحققين من أهل العلم، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى؛ ويدل لذلك ما جاء في “صحيح البخاري” عن أبي رافع : أن النبي قال: الجار أحَقُّ بسَقَبه. وهذا قلنا: في “صحيح البخاري”[11].

و”بسَقَبِه”، ويقال: “بصَقَبِه”، بالسين وبالصاد، قال الحافظ ابن حجر: إنه يصح الوجهان، بالسين وبالصاد. ومعنى: بسَقَبه، يعني: بقُرْبِه، السَّقَبُ هو القُرْب والملاصقة.

وأيضًا جاء في حديث سَمُرة : أن النبي قال: جار الدار أحقُّ بالدار. أخرجه أبو داود والترمذي، وقال الترمذي: “حديث حسن صحيح”[12].

وابن القيم رحمه الله يُعلِّق على هذا القول، يقول: إن هذا القول قولٌ وسطٌ جامع بين الأدلة.

فنقول إذن: إذا كان بين الجارين حقٌّ مشترك من مَسِيلٍ أو طريقٍ أو جدار؛ فتثبُت الشُّفْعَة، وإذا لم يكن بينهما أيُّ حَقٍّ فلا شُفْعَة. هذا هو القول الصحيح.

نُطبِّق هذا: شخصٌ أراد أن يبيع (فيلته)، فأراد جاره أن يشفع، هل له أن يشفع؟ ما بينهما أيُّ اشتراك، (فلتان) متجاورتان، ليس له حقُّ الشُّفْعَة.

ما يُسمَى بـ”العمائر الدوبلكس” مثلًا، نفترض أن هذه العمارة وحدتان وبينهما جدار مشترك، فأراد أحدهما أن يبيع حصته، فهل لجاره أن يشفع؟ على القول الراجح: نعم، لجاره أن يشفع.

مزرعتان بينهما طريق مشترك، فأراد صاحب إحدى المزرعتين أن يبيع مزرعته، هل لجاره أن يشفع؟ على القول الراجح: نعم، ما دام أن الطريق مشترك. وهكذا لو كان بينهما بئر مشتركة، أو أيُّ شيء مشترك، إذا كان بينهما أيُّ شيء مشترك فتثبُت شُفْعَةُ الجِوَار. هذا هو القول الراجح في هذه المسألة.

مداخلة:

الشيخ: نعم، إذا كان الجدار مشتركًا بينهما، مشتركين في هذا الجدار، فنعم؛ تثبت به الشُّفْعَة.

مداخلة:

الشيخ: إي نعم، إذا لم يكن الجدار منفصلًا، وكان الجدار مشتركًا بينهما؛ فتثبُت به الشُّفْعَة.

إذن؛ هذا هو القول الصحيح في شُفْعَة الجوار.

وأما قول المؤلف:

ولا فيما ليس بعَقَارٍ كشجرٍ وبناءٍ مُفْرَدٍ.

هذا يُسمِّيه الفقهاء بـ”المنقول”، المنقولات عمومًا هل تثبت فيها الشُّفْعَة أو لا تثبت؟ أما العَقَار فتثبت فيه وما يتبعه من غِراسٍ وبناءٍ؛ ولهذا قال المؤلف:

ويُؤخذُ الغِراسُ والبناءُ تَبَعًا للأرض.

لكن ما ليس بعَقَارٍ، كالأشياء المنقولة عمومًا، كشجر وبناء مُفْرَد، ومثلها في الوقت الحاضر مثلًا: السيارة، ومثلًا: محل فيه أشياء منقولة، مثلًا: محل بيع جوَّالات أو نحو ذلك أو أجهزة، فهذا يُسمِّيه الفقهاء “المنقولات”.

فهل تثبت الشُّفْعة في المنقول أو لا تثبت؟ اختلف الفقهاء في هذه المسألة، وظاهر كلام المؤلف أنها لا تثبت، وهو المذهب عند الحنابلة. والقول الثاني في المسألة: أن الشُّفْعَة تثبُت في المنقولات؛ لعموم قول النبي : الشُّفْعَةُ فيما لم يُقْسَم[13].

ولأن الشُّفْعَة إنما شُرعت لدفع الضرر، والضرر فيما لا ينقسم أبلغ منه فيما ينقسم، وهذه “المنقولات” الغالب فيها أنها لا تنقسم؛ ولذلك فالصحيح أنها تثبت فيها الشُّفْعَة. هذا القول الراجح؛ ويدل لذلك قول جابر رضي الله عنهما: قضى رسول الله في الشُّفْعَة في كل ما لم يُقسَم[14]. وهذا يتناول المنقول والعقار.

وبناءً على ذلك: لو اشترك رجلان في محلِّ بيعِ بضائع، أو محل بيع أجهزة جوالات، أو محلٍّ فيه أشياء منقولة، ثم تفاجأ أحدهما بأن صاحبه قد باع نصيبه، فهل له أن يشفع؟

على القول الراجح: نعم؛ لأنه سيدخل معي شريك جديد أنا أثق فيك ولا أثق في فلان. فعلى القول الراجح: نعم، فنقول: بكم بِعْتَ نصيبك؟ قال: والله بعتُ نصيبي بخمسين ألفًا. نقول لهذا المشتري: خُذ هذه خمسين ألفًا، ويكون المحل كله لي.

فالصحيح إذن أن الشُّفْعَة كما تثبُت في العَقَار، فإنها كذلك تثبُت في المنقول.

مداخلة:

الشيخ: نعم؛ لحديث جابر رضي الله عنهما الذي ذكرناه؛ ولأن المعنى الذي لأجله شُرِعت الشُّفْعَة: وهو دفع الضرر، كما أنها موجودة في العَقَار، فهي موجودة في المنقول أيضًا.

قال:

الشرط الثالث: طلبُ الشُّفْعَة ساعةَ يعلمُ، فإن أخَّرَ الطلبَ لغير عذرٍ سقطت، والجهل بالحكم عذرٌ.

يقول: لا بد من أن يطلب الشُّفْعَة ساعة علمه بالبيع، فإن علم بالبيع ولم يُطالب بها؛ سقط حقه في الشُّفَعة. وهذا هو قول الجمهور، قول الحنفية والشافعية والحنابلة؛ واستدلوا لذلك بحديث: الشُّفْعَة كحَلِّ العِقَال. ولكن هذا الحديث حديث ضعيف من جهة الإسناد، أخرجه ابن ماجه[15]، وإسناده ضعيف جدًّا كما قال الحافظ ابن حجر، وقال ابن حبان: إنه لا أصل له. وقال البيهقي: ليس بثابت.

القول الثاني في المسألة: أن الشُّفْعَة على التراخي، وأنها لا تسقط ما لم يوجد ما يدل على الرضا بإسقاط حقِّ الشُّفْعَة. وهذا هو مذهب المالكية، ورجح هذا القول الشيخ عبدالرحمن ابن سعدي رحمه الله، وهو القول الصحيح؛ وذلك لأن الشُّفْعَة حقٌّ من الحقوق، لا يسقط هذا الحق إلا بما يدل على إسقاطه، فإن الشارع إنما أثبته لدفع الضرر عن الشريك، فلا يسقط ما أثبته الشارع إلا بما يدل على إسقاطه من قولٍ أو فعل، وأيُّ فَرْقٍ بين حقِّ الشُّفْعَة وبين سائر الحقوق؟!

أما حديث: الشُّفْعَة كحل العقال؛ فهذا حديث لا يصح عن النبي ، وخاصة أن الإنسان قد يحتاج إلى وقتٍ لكي يتروَّى ويتأمَّل ويُفكِّر: هل يشفع أو لا يشفع، فمُبَاغَتَتُه من حين أن تعلم: لا بد أن تشفع أو يسقط حقك؟! هذا لا يتفق مع الأصول والقواعد الشرعية.

ولهذا؛ فالصحيح أن حقَّ الشُّفعَة على التراخي، وأنه لا يسقط إلا إذا وُجِد ما يدل على إسقاطه. فالصحيح إذن عدم اشتراط هذا الشرط.

الشرط الرابع: أخذُ جميع المبيع

قال:

الرابع:

أي: الشرط الرابع.

أخذُ جميع المبيع، فإن طلب أخذ البعض مع بقاء الكُلِّ؛ سقطت.

(أخذُ جميع المبيع) يعني: لا بد أن يأخذ جميع المبيع، لا أن يأخذ بعضه؛ لأن في أخذِ بعض المبيع إضرارًا بالمشتري بتبعيض الصفقة عليه، والضرر لا يُزال بالضرر.

مثال ذلك، مثالنا السابق: أنت مشترك مع صاحب لك، مع محمد، ثم تفاجأت بأن محمدًا باع نصيبه إلى زيد، فأتيت زيدًا، وقلت: أنت اشتريت نصيب محمد بخمسين ألفًا، أنا ليس عندي خمسون، أنا أريد أن آخذ نصف الذي اشتريته، والنصف الثاني يبقى لك، سأعطيك خمسة وعشرين ألفًا، وأكون معك شريكًا في هذا.

نقول: ليس لك ذلك، إما أن تأخذ الجميع أو تترك الجميع، ليس لك ذلك؛ وذلك لأن في تفريق الصفقة هنا إضرارًا بالمشتري، فلا بد من أخذ جميع المبيع، فليس له أن يقول: أنا أشفع في نصف الحصة، ونصفها الباقي لا أشفع فيه، نقول: هذا غير مقبول، إما أن تشفع في الجميع أو تترك الجميع.

قال:

والشُّفْعَة بين الشركاء على قدْر أملاكهم.

يعني: لو كان هناك مثلًا ثلاثة شركاء، أربعة، خمسة، كُلُّ واحد يشفع بقدْر ملكه.

الشرط الخامس: سَبْقُ مِلك الشَّفيع لرَقَبةِ العَقَار

الخامس:

يعني: الشرط الخامس.

سَبقُ ملك الشَّفيع لرَقَبةِ العَقَار، فلا شُفْعَة لأحد اثنين اشتَريَا عَقَارًا معًا.

أي: أنه يُشترط أن يكون للشفيع مِلك سابق؛ لأن الشُّفعَة إنما ثبتت للشريك؛ لدفع الضرر عنه، فإذا لم يكن له ملك سابق فلا ضرر عليه، فلا تثبت الشُّفعَة حينئذ.

فإذا اشترى اثنان أرضًا أو دارًا صفقة واحدة، فإنه لا شُفْعَة لأحدهما على صاحبه.

هذه إذن هي شروط الشفعة، نحن وافقنا المؤلف فيها ما عدا أيَّ شرط؟ الشرط الثالث، ما عدا الشرط الثالث، وأيضًا الشرط الثاني، يعني تفريعات المؤلف، لم نوافقه على قول: لا شُفعَة للجار، ولا أيضًا أنه لا شُفعَة في المنقول، يعني نحن لم نوافقه في الشرط الثالث مطلقًا، ولا في بعض ما ذكر في الشرط الثاني.

قال:

وتصرُّف المشتري بعد أخذ الشفيع بالشفعةِ باطلٌ.

إذا علم المشتري بأن الشفيع قد شفع، طلب حقه في الشفعة، قام وتصرَّف فيها، باع أو تصرَّف بأيِّ تصرُّف، جميع تصرفاته باطلة؛ وذلك لانتقال الملك للشفيع بالطلب.

وقَبْله صحيح.

لأنه مِلكه، قبل أن يشفع الشفيعُ تصرُّفاتُ المشتري صحيحة.

قال:

ويلزم الشفيعَ أن يدفع للمشتري الثمنَ الذي وَقَع عليه العقد.

لا بد أن يدفع له كامل الثمن الذي وقع عليه العقد، فنقول لهذا المشتري: بكم اشتريت نصيب الشريك؟ قال: اشتريته بخمسين ألفًا. نقول: إذن خُذْ هذه خمسين ألفًا. فيلزم الشفيعَ أن يدفع للمشتري كامل الثمن.

قال:

فإن كان مِثْلِيًّا.

يعني: إن كان الثمن مِثْلِيًّا.

فمِثلُه، أو مُتقوَّمًا فقيمتُه.

يعني: بحسب ما دفع، يدفع له مثل ما دفع تمامًا.

فإن جُهِل الثمنُ -ولا حِيلة- سقطت الشُّفْعَة.

نقول له: كم الثمن؟ قال: والله ما اتَّفقتُ معه على شيء، الثمن مجهول، فننتظر حتى يعرف الثمن، فإن لم يتمكن من معرفة الثمن، ولا حِيلة لمعرفة الثمن؛ فتسقط الشفعة؛ وذلك لأنها لا تُستحق بغير بدل، ولا يمكن أن يدفع إليه ما لا يدَّعيه، وهذه حالة نادرة، يعني: لا يمكن أن يتعذَّر معرفة الثمن.

قال:

وكذا إن عجز الشفيع، ولو عن بعض الثمن، وانتُظِرَ ثلاثة أيام ولم يأتِ به.

قال: عَلِم بأن صاحبه قد باع نصيبه، نفترض أنه باع نصيبه بخمسين ألفًا كما في مثالنا السابق، فأتى هذا الرجل وقال: أنا أريد أن أشفع. قلنا له: سلِّم خمسين ألفًا لزيد. قال: والله الآن ليس عندي خمسون ألفًا. فنقول: لا بد أن تأتي بخمسين ألفًا، وإلا يسقط حقك بالشفاعة.

فإن قال: أمهلوني، أعطوني مهلة. فيُعطى، يقول المؤلف: إنه يُعطى مهلة بقَدْرِ ثلاثة أيام فقط؛ لأن ثلاثة أيام هي الوقت الذي يستطيع الإنسان أن يجمع فيه المبلغ، ولأنها وردت في بعض النصوص: ثم أنت بالخيار ثلاثة أيام[16]، ونحو ذلك.

فيُنتَظر ثلاثة أيام لكي يجمع المبلغ ويأتي به، فإن زاد على ثلاثة أيام يسقط حقه بالشُّفعَة، فنقول لك: ثلاثة أيام لتأتي بالمبلغ، تقترضه، تأتي به من أيِّ طريق، لكن لا تزد على ثلاثة أيام، فإذا زِدْتَ على ثلاثة أيام ولم تأتِ بالمبلغ المطلوب، فإنه يسقط حقك في الشُّفعَة.

فهذه أبرز الأحكام والمسائل المتعلقة بالشُّفعَة، وهي المسائل العملية الموجودة بكثرة؛ لذلك في المحاكم تجد كثيرًا من القضايا في مسائل الشُّفعَة وما يتعلق بها.

وهذا الذي ذكرناه هو أبرز المسائل والأحكام المتعلِّقة بها.

ونكتفي بهذا القدر، وفيما تبقَّى من الوقت نُجيب عما تيسر من الأسئلة.

الأسئلة

السؤال: أحسن الله إليكم وبارك فيكم. هذا يسأل يقول: هل تصح الشُّفعَة في شركات المساهمة وشراء الأسهم وبيعها؟

الشيخ: المساهمون في الحقيقة شركاء في هذه الشركة، لكن أيضًا اشتراكهم على سبيل الشيوع: هذا يملك سهمين، هذا يملك ثلاثة، هذا يملك عشرة. فإذا أراد أحد أن يشفع فبمقتضى القواعد التي قعَّدناها أن له حقَّ الشُّفعَة.

لكن، إذا نظرنا إلى طبيعة الشركات المساهمة، وأن الشركة المساهمة الواحدة يوجد فيها العديد من المساهمين، آلاف؛ وأحيانًا مئات الآلاف من المساهمين، وأن ضرر الشركة غير موجود في الشركات المساهمة، وقد يحتمل أن يُقال: إنه لا تثبت الشُّفعَة في هذه الحال؛ لأن ضرر الشركة هنا غير موجود.

أما لو اشترك اثنان في محفظة مثلًا، وباع أحدهم نصيبه؛ فنَعَمْ تَثبُت. أما في الشركات المساهمة عمومًا، فالأقرب عدم الثبوت؛ وذلك لعدم وجود ضرر المشاركة، وأيُّ فَرْقٍ بين أن يدخل معك زيد أو عبيد في هذه الشركة؟ لا فرق، وليس عليك ضرر من هذه الشركة.

السؤال: أحسن الله إليكم وبارك فيكم. هذا يسأل يقول: هل يجوز الاشتراط في البيع على إسقاط الشُّفعَة؟

الشيخ: اشتراط إسقاط الشُّفعَة هذه من المسائل الخلافية بين أهل العلم، لو قال: أنا أكون معك شريكًا، لكن بشرط أني إذا بعتُ أنتَ ما تشفع، فهل هذا الشرط صحيح؟

من أهل العلم من يُصحِّحه، ويقول: يجوز أن يشترط هذا الشرط. ومنهم من قال: إنه اشتراط لشيء لم يقع بعدُ، فليس له أن يشترط هذا الشرط. والمسألة الخلاف فيها قوي.

السؤال: أحسن الله إليكم. هذا يقول: أليس قولنا بانتظار الشفيع ثلاثة أيام في حال عجزه، ينافي قولنا إن طلب الشفعة على التراخي؟

الشيخ: لا، ليس بينهما منافاة، طلب الشفعة على التراخي، هذا هو الأصل، لكن كلامنا في انتظار الشفيع ثلاثة أيام حتى يأتي بالمال، المبلغ المطلوب.

أما كونه يقول: أنا أشفع. ويُماطل ويبقى أشهرًا، وربما يبقى سنين وما دفع المبلغ، هذا فيه ضرر عظيم على هذا المشتري، المشتري دفع مالًا، فيقول: إما تُعطوني الأرض، أو تُعطوني المبلغ الذي دفعتُ.

أما كوننا نُؤخِّره ولا نُعطيه مالًا ولا نُعطيه الأرض أو الشيء الذي شُفع فيه، فهذا ضرر، وقد قال عليه الصلاة والسلام: لا ضَرَر ولا ضرار[17].

أما قولنا: حقُّ الشفيع باقٍ، فلا منافاة بينه وبين هذا، نقول: متى ما توفَّر المبلغ عندك؛ اشْفَع، إذا كان المبلغ كاملًا وأنت جاهز؛ فلك الحقُّ في الشُّفعَة.

لكنك تقول: “أشفع” بالكلام، لكن ما تدفع مالًا، فلا نوافق ولا نقبل، قد نُمهِلك ثلاثة أيام، لكن لا تزِد على ذلك.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: كيف نُثبت أن هذا الشخص صائلٌ إذا كنتُ قتلته في بيتي، أما يكفي أني قتلته في بيتي؟

الشيخ: قتله في البيت ليس دليلًا على أنه كان صائلًا؛ إذ لو قلنا بذلك لاستطاع كل إنسان أراد قتل آخر أن يأتي به في البيت ثم يقتله ويدَّعي أنه قد صال عليه، وبذلك يتعطَّل حَدُّ القصاص، يتعطَّل باب القصاص، يتعطَّل القصاص تمامًا.

ولذلك لا بد من إثبات أنه قد صال عليك، سواء كان في البيت أو في غير البيت، وإلا فالأصل أنَّ مَن قتل غيره أنه يُقاد به، إلا إذا استطاع أن يُثبت بأنه قد صال عليه.

كالشهود مثلًا؛ قال: يا جماعة اشهدوا، هذا الرجل صال عليَّ. رفع عليه السلاح وأصبح يُلاحقه، فأشهَد شاهدين، قال: يا جماعة، ترون الرجل صال عليَّ. فقام وقتله، وبالفعل شهد شاهدان بأن هذا المقتول قد صال على القاتل، فهنا دَمُ هذا الصائل هدر ليس فيه دِيَة ولا حتى كفارة.

السؤال: أحسن الله إليكم وبارك فيكم. هذا يقول: ما الفرق بين السرقة والغصب؟

الشيخ: الغَصْب: هو أخذ الشيء علانية على سبيل القهر والغلبة. أما السرقة: فأخذه خِفية. بينهما فرق ظاهر.

السرقة فيها قطع يد؛ وذلك ردعًا للنفوس عن السرقة؛ لأن الإنسان قد لا يستطيع الاحتراز من السرقة؛ لأنه يُؤخذ على سبيل الخفاء. أما الغصب فعلى سبيل الغلبة والقهر؛ ولذلك جُعِلت عقوبة السرقة أشد، وهي قطع اليد حتى يُرتَدَع عنها.

السؤال: أحسن الله إليكم وبارك فيكم. هذا يقول: إنه اشترى بثمن مؤجَّل، هل تجوز الشُّفعَة بثمن مؤجَّل كذلك؟

الشيخ: نعم، إذا اشترى بثمن مؤجَّل؛ فالشُّفعَة تكون بثمن مؤجَّل، وإذا اشترى بثمن حالٍّ تكون الشُّفعَة بثمن حالٍّ.

ولذلك نحن قلنا في التعريف: “بمثل الثمن الذي استقر عليه العقد”، بحسب الثمن نفسه، سواء كان مؤجلًا أو كان حالًّا.

السؤال: أحسن الله إليكم. هذا يقول: ما معنى إِلَى في قوله تعالى: وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي [الصافات:99]؟

الشيخ: على كل حالٍ، هذا إن شاء الله تعالى نبتدئ به الدرس القادم، سنشرحه إن شاء الله تعالى في الدرس القادم، سنُفصِّل هذه الآية في الدرس القادم إن شاء الله.

السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: هل تخريب الدشوش على الناس أو آلات اللهو جائز؟

الشيخ: كما ذكرنا في الدرس، أنه لا ضمان فيها، من أتلف آلةَ لهوٍ لا ضمان فيها. هذا من جهة الضمان، من جهة الأثر الفقهي.

لكن، من حيث الحكم ابتداءً: تخضع لمسألة الموازنة بين المفاسد والمصالح، إذا كان الإنسان له سلطة على ذلك؛ كأب مع ولده، فنقول: نعم يجب على الأب أن يُتلف آلة اللهو، وله سلطة على ولده. وهكذا أيضًا لو كان له سلطة من قِبَل وليِّ الأمر كذلك.

أما إذا لم يكن له سلطة، ودخوله مثلًا هذا المحل وإتلافه لهذه الآلة يترتب عليه مفاسد أعظم، والمنكر إذا ترتَّب على إنكاره منكر أعظم منه؛ لم يكن الإنكار حينئذ مشروعًا.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: لو حُكِم على شخص بالقَوَدِ، هل يكون شهيدًا؟

الشيخ: إذا كان قد قَتَل غيرَه ممن صال عليه، ثم حُكِم عليه بالقَوَدِ، فيُرجى أن يكون شهيدًا؛ لأنه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، لما قال: أرأيت يا رسول الله رجلًا يُريد أن يأخذ مالي؟ قال : قاتله. قال: فإن قتلني؟ قال: فأنت شهيد[18].

فهو قد يقتله مباشرة، أو قد يقتله بطريقٍ غير مباشر، كما لو عجز عن إقامة البيِّنة على أنه كان صائلًا، فيُحكَم عليه بالقصاص، فيُرجى أن يكون شهيدًا، وأن يدخل في قول النبي لما قيل: أرأيت إن قتلني. قال : فأنت شهيد.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: إذا كان الإتلاف من صبيٍّ في محل تجاري، هل هو هدر أو يضمن؟

الشيخ: يضمن، الإتلافات ليس فيها هَدَرٌ وإنما فيها الضمان، كما ذكرنا أن القصد غير مُشترَط في الإتلافات، وحينئذٍ فالأصل أن هذا الصبي ضامن في ماله إن كان له مال، أو يضمن وليُّه.

السؤال: أحسن الله إليكم. هذا يقول: إذا فقد صاحب الإبل واحدة أو اثنتين من الإبل، واجتهد في طلبها، ولم يعثر عليها، فهل يضمن ما أتلفت؟

الشيخ: أما اذا كان الإتلاف على الطرقات العامة، وإتلافًا لأرباب السيارات، فإنه يضمن مطلقًا. أما إذا كان غير ذلك، على التفصيل: إذا كان ذلك ليلًا فإنه يضمن، وإن كان نهارًا فإنه لا يضمن.

السؤال: أحسن الله إليكم. هذا يقول: ما معنى قولكم: حسنات الأبرار سيئات المقربين؟

الشيخ: هذا مَثَلٌ مضروبٌ يذكره بعض العلماء، يقول: إن ما قد يعتبره الأبرار حسنة، يعتبره المقربون ليس بحسنة؛ لأن المقربين أعلى درجة.

لذلك -مثلًا- العالِم الكبير، الخطأ منه إن كان يسيرًا، إلا أنه يُعتبر بالنسبة له كبيرًا، الإنسان الصالح المستقيم -مثلًا- معروف بالصلاح والاستقامة، قد يُخطئ خطأً هو يسير، لكن نعتبر أن هذا الخطأ من مِثلِه كبير، بينما غيره لو أخطأ هذا الخطأ ما نعتبره كبيرًا. هذا هو المقصود.

السؤال: أحسن الله إليكم. هذا يقول: فضيلة الشيخ، النهي في إناء الذهب، هل هو الشرب فيه، أو الإناء نفسه؟ قد يكون للزينة، وعائشة رضي الله عنها كان عندها إناءُ ذهبٍ، فكيف الجمع بين ذلك وكلام المؤلف: لو أتلف محرمًا من ذهب لم يضمن؟

الشيخ: اتخاذ آنية الذهب والفضة: أما إذا كان للأكل والشرب فمحرم بالإجماع، وإذا كان غير الأكل والشرب فالجمهور يمنعون منه، والشافعية أجازوا ذلك. والصحيح المنع مطلقًا.

وأما التنصيص على الأكل والشرب؛ فلأن ذلك هو الغالب، هو كقول الله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ [المائدة:3]، مع أن الشَّحم محرم، وسائر أجزاء الخنزير محرمة، لكن ذكر اللحم لأنه هو الغالب، الغالب أنه إنما يُؤكل لحم الخنزير. هذا هو الأقرب؛ ولأنه ذريعة أيضًا لاستخدامه في الأكل والشرب.

وأما ما ذكر الأخ السائل، هو ليس عن عائشة رضي الله عنها، عن أم سلمة رضي الله عنها: أنها كان عندها جُلْجُلٌ من فضة، كان فيه شَعَراتٌ من شعر النبي . لكن هذا اجتهاد منها رضي الله عنها.

السؤال: أحسن الله إليكم. هذا يقول: لماذا لا يُقال بثبوت الشُّفعَة للكافر بالنظر إلى المعنى الذي شُرِعت له الشفعة: وهو دفع الضرر؟ وما الدليل على أن الكافر لا شُفعَة له؟

الشيخ: المسألة محل خلاف أيضًا بين أهل العلم؛ من أهل العلم من يُثبِت له حقَّ الشُّفعَة دفعًا للضرر، ومن أهل العلم من يرى أن النصوص إنما هي خاصة بالمسلمين، وبأفراد المجتمع الإسلامي، وأن الكافر إذا مَكَّنَّا له الشُّفعَة فإنه سوف ينتزع حصة شريكه المسلم قهرًا؛ هذا نوع من السلطان للكافر على المسلم، والله تعالى يقول: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141].

لاحِظ أن: الشُّفعَة فيها معنى الانتزاع بقهر، عندما تنتزع حصة شريكك ممن انتقلت إليه، تنتزعها قهرًا وغصبًا عنه ورغمًا عنه، ما يُنظر لمسألة رضاه، فهذا القهر يُشكل إذا كان لكافر على مسلم.

يعني هذا نَظَرُ العلماء الذين قالوا بعدم شُفعَة الكافر على مسلم، يقولون: إنها فيها نوع انتزاع، وتكون على سبيل القهر والغَلَبة، وهذا ينبغي ألا يُمَكَّن منه الكافر؛ لأن المطلوب إذلال الكافر وعدم تمكينه من قهر المسلم؛ لأن المسلم أعلى منزلةً من الكافر.

السؤال: أحسن الله إليكم. يقول: هل هناك شرح جيد أو حاشية لكتاب “منار السبيل” يمكن التحضير منها؟

الشيخ: يوجد شرح الشيخ عبدالله ابن جبرين رحمه الله، هذا الذي في ذهني، يوجد شرح الشيخ عبدالله رحمه الله.

مداخلة:

الشيخ: الطهارة فقط؟ إي نعم، إذن لا أعرف أن هناك شرحًا، لعل -إن شاء الله- كتابنا هذا بإذن الله يخرج بعدما يكتمل إن شاء الله تعالى.

السؤال: أحسن الله إليكم. هذا يقول: في حديث: الجار أحق بسَقَبِه أولنا “سَقَبَه” بالقُرْب، أفلا نُعلِّق الحكم بالقُرْب كما أوَّلناه، بدل أن نُعلِّقَه بالاشتراك في أيِّ شيء؟ فالحديث ظاهره القُرْب ليس الاشتراك؟

الشيخ: لكن لم يقل بهذا أحد من أهل العلم، يعني هو محلُّ إجماعٍ، لم يقل أحد من أهل العلم: إن الجار يشفع في نصيب جاره بمجرد القُرْب، وإلا لو قال به أحد ربما يكون له وجهٌ، لكن لم يقل به أحد، إنما الذي قال به جمع من المحققين: إذا كان بينهما اشتراك في أيِّ حقٍّ من الحقوق.

وهذه المسألة نُلفت النظر لها: يعني يا إخواني إذا أردتَ أن تقول قولًا أو تبني رأيًا، لا بد أن تتأكد أن أحدًا من أهل العلم قال به، حتى لا تقول بقولٍ أجمعت الأمة على خلافه، وتكون خرقت الإجماع.

فلا بد أن تتأكد من أن أحدًا من أهل العلم قال به، وأن يكون هذا القول قولًا معتبرًا عند أهل العلم، وليس قولًا شاذًّا، وإنما يكون قولًا معتبرًا عند أهل العلم، فإذا تأكدت أنه قولٌ معتبرٌ عند أهل العلم، وقال به بعض الأئمة أو بعض الأكابر، فحينئذٍ لا بأس أن تأخذ بهذا القول.

أما إذا ترك الأئمة هذا القول، ولم يقل به أحد، فحينئذٍ الأمَّة معصومة من أن تجتمع على ضلالة، وأن تجتمع على خطأ.

السؤال الأخير: أحسن الله إليكم. يقول: ما حكم الاشتراك مع عدة أشخاص في جمعية شهرية؟

الشيخ: لا بأس بذلك، هذا يُسمَّى “جمعية الموظفين”، وقد دُرس في مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة، وصدر فيه قرارٌ بالجواز، وأنه لا بأس بهذا، تكون الجمعية كلَّ شهر عند واحد.

الحقيقة أن هذا ليس فيه زيادة، وإنما فيه فقط تجميعٌ لهذا المبلغ، يكون الشهر الأول عند فلان، والشهر الثاني عند فلان، والشهر الثالث عند فلان.

هذا -الحقيقة- هو من التعاون على البر والتقوى، وليس محرمًا، ولا يُعتبر هذا من قَبِيل القرض الذي جرَّ نفعًا، وإنما هو من باب التعاون بين الموظفين وبين الزملاء؛ لأن كونك تأخذ المال المجتمِع، ينفعك أكثر مما لو أخذت المال مُفرَّقًا على شهور العام، وإذا أخذت مالًا مجتمِعًا تستفيد منه في مشروع مثلًا أو نحو ذلك، هذا لا بأس به.

وكما ذكرتُ أنه صدر فيه قرار من مجلس هيئة كبار العلماء برئاسة سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز، وكذلك الشيخ محمد ابن عثيمين، بجواز ذلك.

طيب، نأخذ بعض الأسئلة الشفهية.

السؤال:

الشيخ: نعم، صحيح، إذا حُدِّدت الطرق وقُسِمت فلا شُفْعَة، وهذا أيضًا يُؤكِّد المعنى: أنه عندما يكون هناك قسمة وتحديد، أنه لا تكون شفعة بنصِّ الحديث أيضًا.

السؤال:

الشيخ: وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ يعني: لا يحملنَّكم شَنَآنُ يعني: بُغْضُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا [المائدة:8]؛ العدل مطلوب مع المسلم ومع الكافر.

لكن أيضًا نلاحظ أن الكافر لا يكون له سلطة على المسلم، النبي عليه الصلاة والسلام يقول: لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام، فإذا وجدتموهم في طريق فاضطروهم إلى أَضْيَقِه[19]؛ فلا يكون للكافر على المسلم أيُّ سلطان، والعزة تكون للمسلمين وللمؤمنين.

ولذلك؛ وصف الله تعالى المؤمنين بأنهم: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينِ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54]؛ فيكون المسلم عزيزًا على الكافر، ليس معنى ذلك أنَّا نظلمه، لكن لا يكون له سلطان على مسلم.

وكما ذكرتُ: الشُّفعَة فيها معنى القهر ومعنى الانتزاع، فكيف نُمكِّن كافرًا من القهر وانتزاع الحصة من مسلم! هذا قد لا يتوافق مع قول الله تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141].

السؤال:

الشيخ: نعم، إذا كان الجدار مشتركًا بينهما فالأصل أن كلَّ واحدٍ منهما يقوم بنصف التكلفة، هذا هو الأصل.

مداخلة:

الشيخ: حتى ولو كان؛ لأنه سينتفع به.

هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مالك: 37، وأحمد: 18606، وأبو داود: 3569، وابن ماجه: 2332.
^2 رواه ابن أبي شيبة في “المصنف”: 28020، والدارقطني في “السنن”: 3385، والبيهقي في “معرفة الآثار”: 17594.
^3 رواه البخاري: 1499، ومسلم: 1710.
^4 رواه مسلم: 140.
^5 رواه البخاري: 2480، ومسلم: 141.
^6 رواه مسلم: 118.
^7 رواه أحمد: 21064.
^8 رواه أحمد: 19730، وأبو داود: 4259، وابن ماجه: 3961.
^9 رواه مسلم: 969.
^10 رواه الطبراني في “الصغير”: 569، والدارقطني في “العلل”: 2417.
^11 رواه البخاري: 2258.
^12 رواه أحمد: 19459، وأبو داود: 3517، والترمذي: 1368.
^13, ^14 رواه البخاري: 2213.
^15 رواه ابن ماجه: أحمد: 2500.
^16 رواه مسلم: 1524.
^17 رواه مالك: 31، وأحمد: 22778، وابن ماجه: 2341.
^18 سبق تخريجه.
^19 رواه مسلم: 2167.
zh