logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(63) كتاب الشركة- من قوله: “وهي خمسة أنواع كلها جائزة ممن..”

(63) كتاب الشركة- من قوله: “وهي خمسة أنواع كلها جائزة ممن..”

مشاهدة من الموقع

قبل أن أبدأ في درس الفقه: أُنبِّه إلى أن “شرح دليل الطالب” من أول الكتاب، من الطهارة إلى الدرس الماضي: الوكالة، قد نزل كله على الموقع على الإنترنت، فنشكر الإخوة، جزاهم الله خيرًا، الإخوة الذين قاموا بهذا الجهد كلهم، موجودٌ على الموقع، جميع الأبواب موجودةٌ كلها على الموقع، نعم، صوتية.

كتاب الشركة

تعريف الشركة ومشروعيتها

الشركة والاشتراك بين الناس، سواءٌ في امتلاك شيءٍ معيَّنٍ، أو في القيام بعملٍ معيَّنٍ، هذا موجودٌ من قديم الزمان، قد ذكر الله تعالى، أو أشار الله إلى وجود الشركات عند الأمم السابقة، فذكر الله تعالى قصة داود : وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ۝ إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ، إلى قوله : وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، الخُلَطاء يعني: الشركاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ [ص:21-24]؛ فهذا يدل على أن الشركة كانت موجودةً في وقت داود ، فهي موجودةٌ في الأمم السابقة.

ومعنى الشركة في اصطلاح الفقهاء: اجتماعٌ في استحقاقٍ أو تصرفٍ.

فقولنا: اجتماع في استحقاق، هذا النوع من الشركة يسمونه: “شركة الأملاك”، ومعناها: أن يكون بين شخصين فأكثر اشتراكٌ في شيءٍ، استحقاقٌ ماليٌّ، إما بميراثٍ مثلًا أو بشراءٍ أو بهبةٍ أو نحو ذلك، يعني: خمسة إخوةٍ مات أبوهم؛ اشتركوا في الميراث، هذه “شركة أملاكٍ”، أو اشتروا مثلًا شيئًا، هؤلاء شركاء في هذا الشيء، هذه تسمى: “شركة أملاكٍ”، ومن ذلك قول الله عن ميراث الإخوة لأمٍّ: فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12]، هذا النوع يسميه الفقهاء: “شركة الأملاك”.

وقولنا: “أو تصرفٍ”، هذا هو القسم الثاني: وهو “شركة العقود”.

“شركة العقود” معناها: أن يتعاقد شخصان فأكثر في شيءٍ يشتركان فيه بمالٍ وعملٍ، أو بمالٍ من أحدهما وعملٍ من الآخر، أو بعملٍ دون مالٍ، على ما سيأتي بيانه، وهذا القسم هو المقصود في هذا الباب.

إذنْ عندنا “شركة أملاكٍ” معناها: اشتراكٌ في شيءٍ، اشتراكٌ في ميراثٍ، اشتراك في شيءٍ اشتروه، اشتراكٌ في شيءٍ وُهِبَ لهم.

“شركة عقودٍ”: أن يتعاقدوا على الاشتراك بمالٍ أو بعملٍ، أو بمالٍ من أحدهم وعملٍ من آخر، أو عملٍ دون مالٍ.

أقسام الشركة

والمقصود في هذا الباب: هو القسم الثاني، وهو “شركة العقود”، وقسَّمها المصنف إلى خمسة أقسامٍ، قال:

وهي خمسة أنواعٍ، كلها جائزةٌ ممن يجوز تصرفهم:

يعني: الأصل في الشركة الجواز، الاشتراك الأصل فيه الجواز، هذا بإجماع أهل العلم، ولا خلاف في ذلك، لكن لا بد أن يكون ذلك ممن يجوز تصرفه، والذي يجوز تصرفه مر معنا كثيرًا هذا المصطلح، من هو الذي يجوز تصرفه؟

مداخلة:

الشيخ: نعم، أحسنت، الحر المكلف الرشيد.

“الحر”: يخرج منه الرَّقيق.

“المكلف” يعني: البالغ العاقل.

“الرشيد”: يخرج منه السفيه.

فلا بد أن تكون ممن يجوز تصرفه؛ لأن مبناها على الوكالة والأمانة.

القسم الأول: شركة العِنَان

قال:

أحدها: شركة العِنَان.

“شركة العِنان”، ثم فسر المؤلف المقصود بها.

كلمة “العِنان” بكسر العين، سُمِّيت بذلك؛ لتساوي الشريكين في المال والتصرف؛ كالفارسين إذا سوَّيَا بين فرسيهما، وتساويا في السَّير، فكان عِنان فرسيهما سواءً، فهي مأخوذةٌ من عِنان الفرس، هذا المعنى اللغوي.

تعريف شركة العنان

والمعنى الاصطلاحي فسرها المؤلف، قال:

وهي أن يشترك اثنان فأكثر في مالٍ يتَّجِران فيه، ويكون الرِّبح بينهما بحَسَب ما يتَّفقان.

يعني عليه: فيشترك شخصان فأكثر بماليهما، ليعملا فيه ببَدَنَيهما والربح لهما، فإذنْ “شركة العِنان” تجمع بين المال والبدن.

نُوضح هذا بمثال: رجلان أرادا أن يشتركا في فتح محلٍّ، نفترض: محل بيع خضارٍ وفواكه، فدفع كل منهما عشرة آلاف ريالٍ ويعملان فيه؛ أحدهما يعمل في الصباح، والآخر يعمل في المساء، والربح بينهما، مثلًا: 50% لهذا، وهذا له 50%، هذه تسمى “شركة عِنانٍ”، اشتركا في المال، واشتركا أيضًا في العمل، اشتركا في المال وفي العمل، وهذا النوع من الشركة جائزٌ بالإجماع، دفعا مالًا؛ مثلًا اشتركا في محلٍّ لبيع هواتف، أو اشتركا في محلٍّ لبيع الذهب، المقصود: أن كلًّا منهما دفع مالًا، وأيضًا اشترك في العمل، ويعملان: إما يعملان جميعًا، أو يقسمان بينهما فترة العمل.

فإذنْ عندنا مالٌ وعندنا عملٌ، اشتركا في المال والعمل، هذه تسمى “شركة العِنان”.

شروط شركة العنان

قال المؤلف:

وشروطها.

يعني: شروط “شركة العِنان”.

أربعةٌ:
الأول: أن يكون رأس المال من النقدين المضروبين، الذهب والفضة، ولو لم يتفق الجنس.

هذا الشرط نجد أنه أيضًا يذكرونه في المضاربة، يذكرونه في الشركات كلها، يقولون: لا بد أن يكون رأس المال من النقود، فلا يصح أن يكون من العُروض، وقالوا ذلك؛ لأن النقدين قِيَم المُتلَفات، وأثمان البيعات؛ وبناءً على هذا: لا يصح أن يكون من غير النقدين.

قوله: “من النقدين المضروبين”، يعني بذلك: ما هو النقد المضروب من الذهب؟ يسمى أيش؟ دينارًا، والنقد المضروب من الفضة: درهمًا، يعني: لا بد أن تكون من الدنانير والدراهم، من الدنانير أو الدراهم، الدنانير والدراهم كان الناس يتعاملون بها من قديم الزمان، كان الناس أصلًا يتعاملون بالمقايضة، هذا يدفع لهذا شيئًا، وهذا يدفع لهذا شيئًا، ثم تطور الأمر فأصبحوا يتعاملون بالذهب والفضة، منذ قرونٍ طويلةٍ، في عهد النبي عليه الصلاة والسلام كانوا يتعاملون بالمقايضة وبالدراهم والدنانير، وذكر الله هذا: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:34]، وذكر الله تعالى الدينار، وذكر الدرهم في القرآن بأكثر من موضعٍ.

وفي الوقت الحاضر أصبح الناس يتعاملون بأي شيءٍ؟ بالأوراق النقدية بدلًا من الدنانير والدراهم، وكانت في أول الأمر مغطَّاةً؛ ولهذا أذكر قديمًا كان يُكتب على الريال: “تتعهَّد مؤسسة النقد العربي السعودي بدفع ما يقابل هذا السند لحامله”، ثم بعد ذلك بدأ الغطاء يقل شيئًا فشيئًا إلى الوقت حاضر، أصبحت معظم الأوراق النقدية ليس لها غطاءٌ، وهذا في الحقيقة قيل: إنه من أسباب الأزمات الاقتصادية؛ ولذلك هناك دعواتٌ لإرجاع الغطاء للأوراق النقدية، فأصبحت تعتمد الأوراق النقدية على الوضع الاقتصادي والسياسي للدولة، بينما كانت في أول الأمر تعتمد على الغطاء، فمقتضى قول الفقهاء هنا: إنه لا بد أن تكون بالأوراق النقدية، أن يكون رأس المال بالأوراق النقدية، ولكن هذا الشرط يحتاج إلى دليلٍ؛ لأنه -بناءً على هذا الشرط- لو كان رأس المال من العُروض؛ فلا تصح الشركة، لكن هذا يحتاج إلى دليلٍ، ولا دليل يدل لهذا، أما تعليلهم بأنها قِيَم المُتلَفات وأثمان المبيعات، هذا صحيحٌ، لكن هذا يدل على أن الأولى: أن يكون رأس المال من النقود، لكنه ليس بشرطٍ؛ ولهذا القول الصحيح: عدم اشتراط هذا الشرط، القول الصحيح: أنه لا يُشترط أن يكون رأس المال من النقدين المضروبين، وإنما يصح أن يكون من النقود، ويصح أن يكون من العُروض؛ وذلك لأن مقصود الشركة هو تصرُّفهما في المالين جميعًا، وكون ربح المالين بينهما؛ فهو حاصلٌ في العُروض كحصوله في النقود.

ثم إن هذا القول -كون الشركة تكون من العُروض- هذا هو الذي عليه عمل المسلمين من قديم الزمان إلى وقتنا هذا، هو كالإجماع العملي، فنجد أن الناس كما يكون رأس المال للشركة نقدًا؛ يمكن أن يكون عروضًا يشتركون فيها.

إذنْ هذا الشرط الأول، الصحيح: عدم اشتراطه.

الشرط الثاني:

أن يكون كلٌّ من المالين معلومًا قدْرًا وصفةً.

وذلك لأنه لا بد من الرجوع إلى رأس المال عند الفسخ؛ ليُعلَم الربح، ولا يمكن ذلك مع الجهل؛ فلا بد إذنْ من معرفة قدْر رأس المال؛ لأن عدم معرفته غررٌ، وقد نهى النبي عن الغرر [1].

الثالث: حضور المالين، ولا يشترط خلطهما ولا الإذن في التصرف.

فلا بد من حضور المالين، فلا يصح الاشتراك على ما في الذِّمة، وإنما لا بد من أن يكون المال المشترك فيه حاضرًا وليس دينًا، وقد نُقل الاتفاق على ذلك.

قال: “ولا يشترط خلطهما ولا الإذن في التصرف”، لا يشترط خلط المالين؛ لأن المقصود هو الاشتراك في هذا المال للعمل فيه، فلا يشترط الخلط ولا الإذن في التصرف؛ لدلالة لفظ “الشركة” عليه.

الرابع: أن يشرِطا لكل واحدٍ منهما جزءًا معلومًا من الربح، سواءٌ شَرَطا لكل واحدٍ منهما على قدر ماله، أو أقل أو أكثر.

أي: أن يَشترط كلٌّ من الشريكين جزءًا من الربح معلومًا مُشاعًا.

ما معنى: مشاعًا؟

مداخلة:

الشيخ: أحسنت. يكون بالنسبة؛ الربع، النصف، الثلث، 10%، 20%، ما يكون دراهم معلومةً، لا بد أن يكون الربح مشاعًا؛ وذلك لأن الربح مشتركٌ بينهما، فلا يتميز نصيب كل واحدٍ منهما إلا بالاشتراط والتحديد، ولا يجوز أن يكون الربح بقدرٍ معينٍ مقطوعٍ، وإنما يكون مشاعًا، فلا يجوز أن يقول: لي مثلًا عشرة آلافٍ ولك الباقي، أو لي خمسة آلافٍ ولك الباقي، لا بد أن يكون على سبيل الشيوع؛ كأن يكون الربع لي، ربع الربح لي، نصف الربح لي، ثلث الربح لي، 5% لي، 20%، فلا بد إذنْ من هذا.

ولا يصح أن يشترط دراهم معلومةً، الدراهم المعلومة لا تجوز؛ لأن الدراهم المعلومة في الحقيقة يَقلبها من كونها شركةً إلى كونها قرضًا بفائدةٍ، ويظهر هذا في المضاربة بصفةٍ أوضح.

قال:

فمتى فُقد شرطٌ؛ فهي فاسدةٌ.

إذا فُقد شرطٌ من هذه الشروط، ووافقنا المؤلف في الشروط كلها ما عدا الشرط الأول؛ قلنا: الصحيح عدم اشتراطه.

حكم الشركة إذا فسدت وربح الشريكان

وحيث فسَدَت؛ فالربح على قدر المالين لا على ما شَرَطا.

يعني: إذا لم يوجد شرطٌ من هذه الشروط، ففسدت الشركة وقد ربحت؛ فالربح على قدر المالين، وليس على ما اشترطا؛ لأن الربح استُحِقَّ بالمالين فكان على قدرهما.

لكن يرجع كلٌّ منهما على صاحبه بأجر نصف عمله.

فإذا كانا قد عَمِلا في هذه الشركة، فالعمل يقابله عِوضٌ، فيرجع كلٌّ منهما على الآخر بقدر عمله، وحيث إن صاحبه شريكٌ له، إذنْ يرجع بقدر نصف العمل.

فإذا كان يُقدَّر عمل أحدهما مثلًا بعشرةٍ؛ فيرجع على صاحبه بكم؟ بخمسةٍ، وإذا كان الآخر يُقدَّر عمله بخمسةٍ؛ فيرجع عليه الآخر باثنين ونصفٍ؛ فمعنى ذلك: أن الأول يرجع على الثاني باثنين ونصفٍ، هكذا قالوا هذا عند فساد الشركة، عند فساد الشركة يرجع كلٌّ منهما على الآخر بنصف عمله؛ مثلًا: أحدهما يعمل له عشر ساعاتٍ، والثاني يعمل ساعتين، أو يعمل خمس ساعاتٍ، هذا ليس كمثل هذا، هذا يرجع على ذاك بالنصف، فمثلًا: الأول أجرة عمله عشرةٌ، فيرجع عليه بخمسةٍ، والثاني خمسةٌ يرجع عليه باثنين ونصفٍ؛ معنى ذلك: أن الأول يرجع على الثاني باثنين ونصفٍ، هذا معنى الكلام المؤلف.

قال:

وكل عقدٍ لا ضمان في صحيحه لا ضمان في فاسده إلا بالتعدي أو التفريط.

هذا يصلح أن يكون قاعدةً أو ضابطًا، يصلح أن يكون قاعدةً؛ لأن الضابط هو الذي يكون في باب واحدٍ، لكن هذا يصلح أن يكون في عدة أبوابٍ، فهو يصلح أن يكون قاعدةً: “كل عقدٍ لا ضمان في صحيحه لا ضمان في فاسده إلا بالتعدي أو التفريط”، وفي المقابل: “كل عقدٍ يجب الضمان في صحيحه يجب في فاسده”؛ كالبيع وكالإجارة.

مثَّل المؤلف لما لا ضمان في صحيحه ولا يكون هناك ضمان في فاسده؛ بالشركة والمضاربة والوكالة والوديعة والرهن والهبة، هذه لا ضمان في صحيحها؛ فلا ضمان في فاسدها.

قال:

ولكلٍّ من الشريكين أن يبيع ويشتري، ويأخذ ويعطي، ويطالب ويخاصم، ويفعل كل ما فيه حظٌّ للشركة.

وذلك لأنه يَنفُذ تصرف كلٍّ منهما بحكم المِلك في نصيبه والوكالة في نصيب شريكه، عندما يتصرف في نصيبه؛ يتصرف على أنه مالكٌ، وفي نصيب شريكه -النصف الآخر- على أنه وكيلٌ؛ ولذلك هذه التصرفات كلها تَنفُذ من البيع والشراء، والأخذ والعطية، والمطالبة والمخاصمة.

القسم الثاني: شركة المضاربة

ثم قال المؤلف رحمه الله:

فصلٌ
الثاني:

تعريف المضاربة

يعني: النوع الثاني من أنواع الشركة.

المضاربة.

المضاربة سُمِّيت بذلك؛ أخذًا من الضرب في الأرض، وهو السفر للتجارة، ومنه قول الله : وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [المزمل:20]، أي: يطلبون رزق الله في المكاسب والمتاجر، وتسمى المضاربة باسمٍ آخر، مَن يذكر لنا اسمًا آخر للمضاربة؟ تسمى عند الفقهاء باسمٍ آخر تجدونه في كتب الفقه، كتب الحديث…

مداخلة:

الشيخ: القِراض، أحسنت، القِراض إذنْ يسمى “مُضاربةً”، ويسمى “قِراضًا”؛ لذلك تجدونه في بعض كتب الفقه “قِراضًا”، تجد أيضًا في بعض كتب الحديث بعض السلف يسميها “قراضًا”، فتسمى “قراضًا”؛ أخذًا من قَرَضَ الشيء، أي: قَطَعه؛ كأن رب المال اقتطع للعامل قطعةً من ماله.

مداخلة:

الشيخ: قراضٌ بالضاد أخت الصاد، ويسمى كذلك أيضًا: “شركة المعاملة”؛ أخذًا من العمل الذي يُقصد به الاتجار بالمال لأجل الربح.

معناها اصطلاحًا، قال:

وهي أن يدفع من ماله إلى إنسانٍ ليتجر فيه، ويكون الربح بينهما بحسب ما يتفقان.

يعني: يكون من أحدهما المال، ومن الآخر العمل، والربح بحسب ما يتفقان عليه، مثال ذلك: عندك خمسون ألف ريالٍ، أعطيتها زيدًا من الناس، قلت: خُذْ اتَّجِر لي فيها، يتجر لي فيها في استثمارٍ عقاريٍّ مثلًا أو في استيرادٍ، أو في أي مجالٍ من مجالات الاستثمار، ولك من الربح مثلًا 20%، أو لك 30%، أو 50%، أو أكثر أو أقل، ولي الباقي، إذنْ من أحدهما مالٌ، ومن الآخر عملٌ، هذه تسمى مضاربةً.

شروط شركة المضاربة

وهي جائزةٌ بالإجماع.

وشروطها ثلاثةٌ:
قال:
أحدها: أن يكون رأس المال من النقدين المضروبين.

هذا -كما قلت لكم- يذكرونه في جميع الشركات التي تتطلب وجود رأس مالٍ، وناقشنا هذا الشرط، وقلنا: إنه ليس عليه دليلٌ، وأن الصواب عدم اشتراطه، وأنه كما يصح أن يكون رأس المال من النقدين المضروبين؛ فيصح أن يكون كذلك من العُروض.

الشرط الثاني:

الثاني: أن يكون معيَّنا معلومًا.

كما سبق أيضًا اشتراط هذا في “شركة العِنان”.

ولا يعتبر قبضه بالمجلس.

معنى هذا الكلام: أنها تصح وإن كان بِيَد ربه؛ لأن مورد العقد: العمل، لكن انتبه، لا يصح أن يكون رأس المال دَينًا، قال ابن المنذر رحمه الله: “أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أنه لا يجوز أن يجعل الرجل دَينًا له على رجلٍ مضاربةً”.

فإذا كنت تطلب رجلًا من الناس مئة ألفٍ، تقول: يا فلان، هذه مئة ألفٍ، التي هي دينٌ عليك، هي رأس مالي، اتَّجِر فيها ولي نصف الربح ولك النصف، هذا لا يجوز، فلا بد من أن تكون معينةً معلومةً حاضرةً، ولا تكون دَينًا.

قال:

ولا القبول.

لأنه لا يعتبر القبول، تكفي مباشرته للعمل، وتكون مباشرته قبولًا للعمل كالهبة.

الشرط الثالث:

الثالث: أن يُشترط للعاملٍ جزءٌ معلومٌ من الربح.

“أن يُشترط للعاملٍ جزءٌ معلومٌ من الربح”، وهذا -كما قلنا- في “شركة العِنان”، يعني ذكرنا هذا الشرط، فلا بد من أن يُعلم قدر الربح للعامل، ولا بد أيضًا أن يكون هذا الربح مُشاعًا، يعني بالنِّسبة؛ إما بالثلث، أو الربع، أو 20%، أو 50%، أو نحو ذلك.

مداخلة:

الشيخ: الربح، نعم، رأس المال لربه، الربح فقط.

مداخلة:

الشيخ: نعم، رأس المال لربه، لكن الربح هو الذي يُشترط، ولا يصح أن يكون الربح دراهم معلومةً، فلا يصح أن يقول: خذ هذا المال مضاربةً واستثمره على أن تعطيني في كل شهرٍ ألف ريالٍ، هذا لا يجوز.

وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك، انتبه لهذه المسألة، قال ابن المنذر: “أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القِراض إذا جعل أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومةً”؛ وذلك لأن المضارب قد يربح أضعاف هذا الرقم وقد لا يربحه.

ثم أيضًا هناك ملحظٌ آخر: وهو تحديد دراهم معلومةٍ يخرجها من كونها مضاربةً إلى كونها قرضًا بفائدةٍ، عندما تقول: خذ هذه الخمسين ألفًا، اتَّجر فيها على أن تعطيني كل شهرٍ ألف ريالٍ، هذا في الحقيقة ليس مضاربةً، هذا قرضٌ بفائدةٍ، كأنك تقول: خذ هذا القرض، وأعطني كل شهرٍ ألف ريالٍ فائدةً على هذا القرض، وهذا محرمٌ بالإجماع؛ ولذلك هذا خطأٌ كبيرٌ.

تذكرون بعض أنواع الاستثمارات الموجودة في السوق، والتي يَكثر السؤال عنها، يُحدِّد بعضهم مبلغًا معيَّنًا، مثلما حصل في بطاقة “سوا” وفي غيرها في بعض الصور وليس في جميعها، يقول: لك كل شهرٍ مبلغٌ قدره كذا، أعطنا كذا ونحن هنا نستثمرها في مجالٍ معينٍ، ولك في كل شهرٍ مبلغٌ قدره كذا، هذا لا يجوز، هذا يُحولها إلى كونها قرضًا بفائدةٍ، هذه ليست مضاربةً.

إذا أردنا أن نصحح العملية ماذا نفعل؟

نقول: يكون الربح بأي شيءٍ؟ بالنسبة، يكون مُشاعًا؛ إما الربع، النصف، الثلث، أو بالنسبة المئوية؛ 20% أو 30%، فإنْ رَبِح؛ حَصَل على هذه النسبة، إن لم يربح؛ فالمضارب يخسر جهده ووقته، المضارب يخسر جهده ووقته، ولا نُضمِّنه شيئًا من المال، الخسارة على رب المال، وهذه -إن شاء الله- ستأتينا هذه المسألة.

إذنْ لا بد أن يكون الربح معلومًا مُشاعًا، انتبه لهذا القيد، لا بد أن يكون مُشاعًا، فلا يصح أن يكون دراهم معلومةً.

فإن فُقِد شرطٌ؛ فهي فاسدةٌ.

“إن فُقِد شرطٌ” من الشروط السابقة؛ “فهي فاسدةٌ”، إذا كانت فاسدةً ما الذي يترتب على ذلك؟

قال:

ويكون للعامل أجرة مثله.

كالإجارة الفاسدة، فهذا العامل الذي قد عمل وتعب واجتهد، يعطى أجرة المثل.

وما حصل من خسارةٍ أو ربحٍ فللمالك.

لأنه ماله، وما حصل من خسارةٍ فعلى المالك، وما حصل من ربحٍ فهو له؛ لأنه نماء ماله، وكل عقدٍ لا ضمان في صحيحه لا ضمان في فاسده.

قال:

وليس للعامل شراءُ من يَعتِق على رب المال.

هذا بالنسبة للأرِقَّاء، لو كانت التجارة رقيقًا؛ فليس للعامل شراءُ من يَعتِق على رب المال إما لقرابةٍ؛ فإنه مَن ملك ذا رحمٍ محرَّمٍ؛ عتق عليه، أو إقرار بحريةٍ؛ كان قد أقر بأن فلانًا حرٌّ، ثم ذهب هذا واشتراه، أو نحو ذلك.

فإن فَعَل؛ عَتَق.

عَتَق الرقيق؛ لأن للعتق نفوذًا وقوة سريانٍ، والشريعة تتشوَّف لعتق الرقاب.

وضَمِن ثمنه.

من الذي يضمن؟

العامل، العامل يضمن الثمن؛ لتفريطه.

قال:

ولو لم يعلم.

حتى لو لم يعلم بأن هذا الرقيق يعتق على رب المال، ولكن هذا محل نظرٍ، إذا لم يعلم؛ فالصواب أنه لا يضمن، هذا هو الأقرب والله أعلم، إذا لم يعلم؛ فإنه لا يضمن؛ لأنه غير متعدٍّ ولا مفرطٍ، أما إذا علم؛ فإنه يضمن؛ لتعديه أو تفريطه.

قال:

ولا نفقة للعامل إلا بشرطٍ.

كالوكيل، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “إلا بشرطٍ أو عادةٍ أو عرفٍ”، إذا كان هناك عادةٌ أو عرفٌ؛ فيُعمل بالعرف والعادة، أو إذا كان هناك شرطٌ؛ يعمل بالشرط.

فإن شُرطت مُطْلَقةً واختلفا؛ فله نفقة مثله عرفًا من طعامٍ وكسوةٍ.

إن شرَط أن النفقة له، قال: لي النفقة، ثم اختلفا، قال: والله أريد النفقة كل شهرٍ ألفًا وخمسمئة ريالٍ، قال رب المال: لا، ما لك إلا ألف ريالٍ، فما الحل؟ نرجع للعرف، فنقول: نفقة مثله في عرف الناس وعادتهم كم، ونعطيه إياها، وهذه قاعدةٌ ليست فقط في هذا الباب، كل ما يحصل فيه الاختلاف، لو أتيت بعاملٍ يعمل عندك مثلًا في سباكةٍ أو كهرباء أو غير ذلك، ولم تتفق معه على أجرةٍ، أو ركبت مع سيارة أجرة ولم تتفق معه على قدرٍ معينٍ، ثم اختلفتما، قال: أريد منك خمسمئة ريالٍ، قلت: أنت ما يستحق العمل هذا إلا ثلاثمئةٍ، واختلفتما، وليس بينكما شرطٌ، فما الحل؟ نرجع لأجرة مثله، أجرة مثله في عرف الناس كم، فلا يستحق إلا أجرة المثل، سواءٌ مثلًا في سباكةٍ، أو في كهرباء، أو في أجرة توصيلٍ، أو غير ذلك، نرجع لأجرة المثل، فأجرة المثل في عرف الناس كم، ونعطيه إياها، هذا هو الواجب في مثل هذا، ومثل ذلك: إذا اختلفا في نفقة العامل في المضاربة.

قال:

ويملك العاملُ حصته من الربح بظهوره قبل القسمة كالمالك.

يعني: هو يملك حصته من الربح بمجرد ظهوره، لكنه لا يملك الأخذ منه؛ ولهذا قال المؤلف:

لا الأخذ منه.

أي: من الربح.

إلا بإذن.

ربِّ المال، قال الموفق ابن قدامة: “لا نعلم فيه خلافًا؛ وذلك لأن نصيب العامل مُشاعٌ فلا يُقاسِم نفسه، ولأن ملكه له غير مستقرٍّ“، لماذا ملك العامل في المضاربة من الربح غير مستقرٍّ؟

من يبين لنا؟ يجيب على هذا السؤال؟ لماذا قال الفقهاء: إن ملك العامل للربح من المضاربة غير مستقرٍّ؟

مداخلة:

الشيخ: نعم؛ لأن الربح هو وقايةٌ لرأس المال، ربما أن هذه الشركة يعتريها تلفٌ، يعتريها نقصٌ، يعتريها ما يعتريها؛ فيؤخذ من الربح، فإذنْ الربح غير مستقرٍّ، قبل المقاسمة هو غير مستقرٍّ، أي شيءٍ يطرأ على هذه الشركة يؤخذ من رأس المال.

فإذنْ مِلْكه له غير مستقرٍّ؛ لأنه وقايةٌ لرأس المال، فإذنْ يملك حصته من الربح بمجرد الظهور، لكنه ليس له الأخذ من الربح إلا بإذن رب المال.

حكم المضاربة إذا فسخت وكان المال عَرَضًا

وحيث فُسِخَت والمال عَرَضٌ فرَضِي ربه بأخذه.

أي: مال المضاربة.

قوَّمه ودفع للعامل حصته.

“حيث فُسِخَت والمال عَرَضٌ فرضي ربه” يعني: رب المال بأخذه عَرَضًا، قوَّمه ودفع للعامل حصته من الربح.

يعني: ما قال: بعه، وإنما قَوَّم ما عنده من العُروض، وقَوَّم الربح، يأخذ العامل حصته من الربح، لكن:

إن لم يَرض.

قال رب المال: لا، ما أرضى حتى تبيع.

فعَلَى العامل بيعه وقبض ثمنه.

فيقوم العامل ببيع هذه العُروض كلها وقبض الثمن، ثم يأخذ نصيبه من الربح بإذن رب المال؛ لأن عليه رد المال نقدًا كما أخذه.

ثم قال:

والعامل أمينٌ.

هذه قاعدةٌ: “أن العامل في المضاربة أمينٌ”، كما أن الوكيل أمينٌ، كما أن الأجير أمينٌ، كل هؤلاء أمناء.

وسبق أن مر معنا هذا المصطلح كثيرًا، فما معنى: أمين؟

مداخلة:

الشيخ: أنه لا يضمن عند التلف إلا بالتعدي أو التفريط، وكونه أمينًا؛ لأنه يتصرف في المال بإذن ربه؛ كالوكيل، فكل مَن أخذ مال غيره بإذنه أو بإذن الشارع فهو أمينٌ.

يترتب على قولنا: إنه أمينٌ، أنه:

يُصدَّق بيمينه في قدر رأس المال.

وذلك لأنه منكِرٌ للزائد، والأصل عدمه، لو اختلفا في رأس المال؛ رب المال يقول: هو مئة ألفٍ، والعامل يقول: لا، تسعون ألفًا، ولا بيِّنة، إن كان هناك بيِّنةٌ؛ فالقول قول صاحب البيِّنة، لكن لا بيِّنة، فنرجح قول من؟ العامل؛ لأنه أمينٌ، ولأنه منكِرٌ للزائد، والأصل عدم الزائد.

وفي الربح وعدمه.

لو قال: ربحت خمسين ألفًا، قال رب المال: لا، ربحت سبعين ألفًا، وأنت تخفي هذا القدر الزائد، ولا بيِّنة، فالقول قول العامل؛ لأنه أمينٌ.

وفي عدم الربح أيضًا، لو قال: ما ربحت شيئًا، فإنه يُصدَّق.

وفي الهلاك والخسران.

كذلك، وهذه نقطةٌ مهمةٌ “في الهلاك والخسران”، هذا إنسانٌ أعطيته مبلغًا من المال، ذهب يتَّجر به، ثم قال: والله أنا خسرت، هل تُضمِّنه؟ لا يُضمَّن، خسرت؛ إذنْ يُصدَّق، إلا إذا كان هناك بينةٌ على أنه ما خسر؛ ولذلك في قضية الأسهم نجد أنه تورَّط بعض الناس عندما أعطوا مبالغ كبيرةً لمن يعمل فيها مضاربةً، ثم بعد ذلك حصل انهيار الأسهم، فرفعوا فيهم شكايةً، قالوا: أنا أعطيته مثلًا نصف مليونٍ، ثم خسرت، فهل هذا المضارب -العامل الذي يُعطَى هذه الأسهم يضارب فيها- هل نُضمِّنه الخسارة؟ لا نُضمِّنه، إلا إذا كان عنده تعدٍّ أو تفريطٌ، فإذا قال: أنا والله اجتهدت فيها، لكن السوق انهار، ولم أتعد ولم أفرط، فإنه أمينٌ يُصدَّق، ونقول: أنت -يا رب المال- هذه مصيبةٌ، وليس لك أن تطالب هذا الرجل؛ لأنه أمينٌ، إلا إذا كان العامل متعديًا أو مفرِّطًا، إذا استطعت أن تُثبت أنه قد تعدى أو فرط؛ تطالبه، أما إذا لم يتعدَّ ولم يفرط؛ فلا يُطالَب، يعني: لا يُضمَّن الخسارة؛ ولذلك هذه مسألةٌ يتكرَّر السؤال فيها كثيرًا، يقول فلانٌ: أعطيت فلانًا مبلغًا كبيرًا يتَّجر به ثم خسر، وأنا أُضمِّنه الخسارة، نقول: لا تُضمِّنه الخسارة إلا إذا أثبَتَّ أنه تعدى أو فرط؛ لأنه أمينٌ.

لو كان العامل شرَطَ على نفسه ضمان الخسارة؟ هذا حصل في الأسهم، بعض الناس يقول: أعطني نصف مليونٍ، أو أكثر أو أقل، وأنا أضمن لك أنه إذا خسرت فأنا الضامن، هل هذا الشرط صحيحٌ؟

الشرط غير صحيحٍ؛ لأن الخسارة تكون على مَن؟ على رب المال وليس على العامل، العامل المضارب خسر جهده ووقته طبعًا، ولم يحصل له شيءٌ من الربح، لكن أن يضمن من رأس المال، فإن هذا لا يجوز، وهذا الشرط شرطٌ فاسدٌ؛ ولذلك الذين ضمَّنوا المضاربين هذا لا يجوز، ولا يحل لهم أخذ هذه الأموال إلا بطيبةٍ من أنفُسِ أصحابها، أما أن هذا عاملٌ قد ائتمنته، وهو أمينٌ ومضاربٌ، ولم يحصل منه تعدٍّ ولا تفريطٌ؛ فليس لي الحق أن أُضمِّنه ولو شَرَط على نفسه الضمان، حتى لو شَرَط على نفسه الضمان في هذه الحال.

قال:

حتى ولو أقر بالربح.

يعني: ثم ادعى تلفًا أو خسارةً بعد الربح، فيُقبل قوله، هذا معنى كلام المؤلف، حتى ولو أقر بالربح، ثم ادعى تلفًا أو خسارةً بعد الربح؛ قُبِل قوله؛ لأنه أمينٌ.

لكن استثنى المؤلف مسألةً، قال:

ويُقبل قول المالك في قدر ما شَرَط.

يعني: هو.

للعامل.

“ويُقبل قول المالك بقدر ما شَرَط للعامل”، لو كان قال: أنا شرطت للعامل ربع الربح، أو نصف الربح، أو ثلث الربح، وأنكر العامل ذلك واختلفا، يقول المؤلف: إن القول قول المالك؛ قالوا: لأن المالك منكِرٌ للزيادة، والأصل عدمها.

والقول الثاني في المسألة: إن القول قول العامل إن ادعى أجرة المثل؛ لأن الظاهر صدقه، فإن ادعى أكثر؛ فالقول قول المالك فيما زاد على أجرة المثل، وهذا هو الأقرب والله أعلم.

إذنْ المؤلف يرى أنه يُقبل قول المالك في قدر ما شَرَط للعامل؛ لأن المالك منكِرٌ للزيادة، والأصل عدمها.

والقول الصحيح: أن القول قول العامل إن ادعى أجرة المثل، أما إن ادعى أكثر من أجرة المثل فالقول قول المالك فيما زاد على أجرة المثل.

نوضح هذا بمثالٍ: أعطيت شخصًا مئة ألف ريالٍ ليساهم لك مساهمةً عقاريةً، واختلفتما فيما شُرط؛ فأنت تقول: إنني شرطت لك 10%، والعامل يقول: لا، شرطت لي 20%.

المؤلف يقول: القول قول رب المال.

ولكن الصحيح: أن القول قول العامل، إذا كانت أجرة المثل، فنرجع لأرباب العقار، نقول: مَن يعمل لغيره في العقار، كم يأخذ في العادة؟ إذا قالوا: والله العادة أنه يأخذ 20%؛ إذنْ نقول: أنت -أيها العامل- لك 20%، يُقبل قول العامل، فإن قال العامل: لي 40%، وأجرة المثل 20%، لا نعطيه إلا 20%، هذا هو القول الراجح في هذه المسألة.

لاحظوا أن كثيرًا من مسائل الشركة مبناها على النظر والتعليل، ولذلك المهم ضبط القواعد فيها، وسنأتي لذكر بعض القواعد بعدما ننتهي.

القسم الثالث: شركة الوجوه

فصلٌ
الثالث:

يعني: النوع الثالث من أنواع الشركة:

شركة الوُجُوه.

“شركة الوُجُوه”، ثم فسَّر المؤلف المقصود بـ”شركة الوجوه”.

معنى شركة الوجوه

الوجوه من الوجاهة، وقال:

هي أن يشترك اثنان لا مال لهما في ربحِ ما يشتريان من الناس في ذِمَمهما.

بناءً على وجاهتهما وثقة الناس بهما.

ويكونَ المِلك والربح كما شَرَطا، والخسارة على قدر الملك.

يعني: هذان اثنان ليس عندهما مالٌ، ذهبا للناس واقترضا، واشتَرَكا في هذا المال الذي قد اقترضاه، هذه تسمى “شركة الوُجُوه”.

“ويكون الملك والربح على ما شَرَطا، والخسارة تكون على قدر الملك”، مثال ذلك: رجلان ليس عندهما مالٌ، ذهبا إلى رجلٍ عنده محلٌّ، وقالا: نريد أن نشتري منك هذا المحل بمئة ألف ريالٍ في ذِمَمنا، وهذا المحل لو بِيع بنقدٍ حاضرٍ كانت قيمته مثلًا ثمانين ألف ريالٍ، لكن باعهما الرجل هذا المحل بمئة ألف ريالٍ في الذمة بناءً على وَجاهَتِهما وثقته بهما، فهما شريكان في هذا المحل، هذه الشركة تسمى “شركة الوجوه”، ويحتاج إليها في الغالب الفقراء ومن ليس عندهم رءوس أموالٍ، ويريدون المتاجرة والتكسب، فهي جائزةٌ أيضًا في قول عامة الفقهاء، هي جائزةٌ.

القسم الرابع: شركة الأبدان

النوع الرابع:

قال:

شركة الأبدان.

معنى شركة الأبدان

“شركة الأبدان”، ووضح المؤلف، قال:

وهي أن يشتركا فيما يتملكان بأبدانهما من المباح؛ كالاحتشاش والاحتطاب والاصطياد، أو يشتركا فيما يتقبلان في ذِمَمهما من العمل.

وسميت بذلك؛ لأن الشركاء بذلوا أبدانهم في الأعمال لتحصيل المكاسب.

والفرق بينها وبين “شركة الوجوه”: أن “شركة الوجوه” يأخذ الشريكان المال من شخصٍ ثالثٍ ويعملان فيه، أما “شركة الأبدان” فإن الشريكين لا يأخذان مالًا، وإنما يشتركان في العمل بأبدانهما، أو يشتركان فيما يتقبلان من العمل، مثال ذلك: اشترك اثنان في نجارةٍ، فتحا محل نجارةٍ، كلٌّ منهما يعمل نجَّارًا، واتفقا على الاشتراك بينهما فيما يكتسبان من مالٍ.

أو اشتركا مثلًا في اصطياد السمك، قالا: نذهب نصطاد السمك، ونجمع ونبيع السمك، ونجمع ما نحصله، هذا قد يصطاد مثلًا عشر سمكاتٍ في اليوم، وهذا يصطاد سمكةً وسمكتين، لكنهما يجمعان ما يحصلانه ويقتسمانه بينهما، فهذه تسمى “شركة الأبدان”، وهي جائزة عند جمهور الفقهاء، ويدل لذلك ما جاء في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه، عن ابن مسعودٍ قال: اشتركت أنا وسعدٌ وعمارٌ يوم بدرٍ، فلم أجئ أنا وعمارٌ بشيءٍ، وجاء سعدٌ بأسيرين [2]، وقال الإمام أحمد: “أشرَك بينهم النبي “، لكن هذا الحديث في سنده مقالٌ، هو روي من طريق أبي عبيدة عن ابن مسعودٍ ، وهو لم يسمع من أبيه؛ فيكون منقطعًا.

وشركة الأبدان تصح حتى مع اختلاف الصنائع؛ كأن يشترك خياطٌ مع حدادٍ، أو مع نجارٍ، فيصح ذلك؛ وهذا يدل على عظمة الشريعة، أتاحت الشريعة للناس وجوه الاكتساب والاشتراك، والأصل في المعاملات الحل والإباحة، لاحِظ: كل هذه الصور جائزةٌ، ما أباحه الله تعالى للناس أكثر بكثيرٍ مما حرمه.

القسم الخامس: شركة المفاوضة

الخامس: شركة المفاوضة: وهي أن يفوِّض كلٌّ إلى صاحبه شراءً وبيعًا في الذمة، ومضاربةً وتوكيلًا ومسافَرةً بالمال وارتهانًا.

شركة المفاوضة هي على ضربين:

  1. الضرب الأول: هو ما ذكره المؤلف: أن يُفوِّض كل واحدٍ منهما إلى صاحبه الشراء والبيع والمضاربة والتوكيل والمسافرة والارتهان، وهي بهذا جائزةٌ، لماذا؟ لأنها لا تخرج عن أضرُب الشركات السابقة، والربح على ما شَرَطا، والخسارة على قدر المال.
  2. لكن بعض الفقهاء -وأظنه الموفق بن قدامة في “المغني”- فسَّر “شركة المفاوضة”، وهذا هو الضرب الثاني، قال: المفاوضة: هي أن يُدخِلا في الشركة الأكساب النادرة؛ كوِجْدان لُقَطَةٍ، أو ما يحصل لهما من ميراثٍ، أو ما يلزم أحدهما من ضمانٍ، فهذه شركةٌ فاسدةٌ؛ لأن فيها غررًا وجهالةً، يعني لو أن شخصين قالا: نحن مشتركان في كل شيءٍ، سواءٌ أتاك ميراثٌ أشترك معك فيه، عليك ضمانٌ أشترك معك فيه، حصَّلت لُقَطةً مثلًا وعرَّفتها أشترك معك فيها، في كل شيءٍ، في كل قليلٍ وكثيرٍ، فهي بهذا الضرب -هذا لا شك- فيها غررٌ، وهي لا تجوز بهذا الضرب، بهذه الصورة لا تجوز.

أما على المفهوم الذي ذكره المؤلف فهي جائزةٌ، المؤلف ذكر مفهومًا، وابن قدامة في “المغني” ذكر المفهوم الثاني.

المؤلف ذكر: أن يُفوِّض كل منهما إلى صاحبه شراءً وبيعًا ومضاربةً وتوكيلًا ومُسافرةً وارتهانًا، هذا صحيحٌ؛ لأنه لا يخلو من أضْرُب الشركة السابقة.

الموفق ابن قدامة في “المغني” ذكر المفهوم الثاني، وقال: إنها فاسدةٌ، المفهوم الثاني: يشتركان في كل شيءٍ، في الأكساب النادرة، في الميراث، في الضمان الذي يكون عليهما، في كل شيءٍ.

فبالمفهوم الذي ذكره ابن قدامة تكون فاسدةً؛ لأن فيها غررًا عظيمًا، وبالمفهوم الذي ذكره المؤلف تكون صحيحةً.

المرداوي في “الإنصاف” حاول التوفيق بين المفهومين، وقال: إن شركة المفاوضة على ضربين:

  • الضرب الأول الذي ذكره المؤلف، قال: وهذا الضرب صحيحٌ.
  • والضرب الثاني الذي ذكره الموفق بن قدامة، قال: إن هذا غير صحيحٍ، وإنه فاسدٌ، وهذا توجيهٌ حسنٌ، يعني: كلام المرداوي في “الإنصاف” -الحقيقة- يجمع لنا المفهومين.

فنقول: إذنْ المفاوضة إما أن تكون صحيحةً، وإما أن تكون فاسدةً.

على المفهوم الذي ذكره المؤلف صحيحةٌ، وعلى المفهوم الذي ذكره ابن قدامة تكون فاسدةً؛ ولذلك قد تقرأ في بعض كتب الفقه: شركة المفاوضة صحيحةٌ، وقد تقرأ: شركة المفاوضة فاسدةٌ، لكن ما المقصود بها؟

إذا كانت على المفهوم الذي ذكره المؤلف؛ فهي صحيحةٌ؛ لأنها ترجع للأنواع السابقة.

إذا كانت على المفهوم الذي ذكره ابن قدامة؛ فهي فاسدةٌ؛ لأن فيها غررًا عظيمًا.

بعض المسائل المتعلقة بالشركة

ثم ذكر المؤلف بعض المسائل المتعلقة بالشركة، قال:

ويصح دفع دابةٍ أو عبدٍ لمن يعمل به بجزءٍ من أجرته.

لأن النبي أعطى ليهود خيبر أرض خيبر؛ ليعملوا فيها على الشطر من ثمرتها، وأيضًا قياسًا على الشجر، إعطاء الشجر في المساقاة بجزءٍ منه كما سيأتي.

المؤلف ذكر أمثلةً لما هو موجودٌ في زمنه: “دفعُ دابةٍ أو عبدٍ لمن يعمل به بجزءٍ من أجرته”.

نريد أمثلةً من واقعنا المعاصر؛ مثل: سيارة (الليموزين)، سيارة الأجرة، يعطون العامل -هذا السائق- سيارة الأجرة، وتعطينا جزءًا من الأجرة، تعطينا مثلًا مئة ريالٍ، وما زاد فهو لك، هذا لا بأس به، تعطينا كل يومٍ مئة ريالٍ، وما زاد فهو لك، إذا رضي بذلك؛ فلا بأس، أو تعطينا مثلًا نصف ما تكسب، أو ربعه، فهذا لا بأس به، هذا نظير ما ذكره الفقهاء هنا.

يعني: “دفعُ عبدٍ أو دابةٍ لمن يعمل به بجزءٍ من أجرته”، يقول: أنت تُحصِّل أجرةً، تعطينا مثلًا جزءًا منها، تعطينا الربع، تعطينا النصف، تعطينا الثلث، حتى لو قالوا: تعطينا مبلغًا مقطوعًا، لا بأس هنا؛ لأنه مقابل عملٍ، يُقدِّرون العمل؛ مثلًا: عامل الأجرة يُحصِّل في اليوم مئتي ريالٍ، يقولون: نطلب منك كل يوم مئتي ريالٍ، إذا رضي بذلك وتعاقدا على ذلك؛ فلا بأس به؛ لأن هذه تختلف عن مسألة المضاربة، المضاربة اشتراط دراهم معينةٍ؛ يجعلها قرضًا بفائدةٍ، هنا لا يوجد قرضٌ، هنا إنسانٌ يُعطي آخر شيئًا يعمل به، ويكون له جزءٌ من الأجرة، هذا سواءٌ كانت الأجرة معينةً أو كانت مُشاعةً؛ فلا بأس به.

قال:

ومثله خياطة ثوبٍ، ونسج غزلٍ، وحصاد زرعٍ، ورضاع قِنٍّ.

“ورضاع قِنٍّ” يعني: في تجارة الرقيق.

واستيفاء مالٍ بجزءٍ مُشاعٍ منه.

يعني: لا بأس به، كل هذه، يعني لو مثلًا قال: خِط لي عشرة أثوابٍ على أن يكون لك واحدٌ منها، لا بأس به، أو يكون لك 5%، هذا لا بأس به كله.

وبيع متاعٍ بجزءٍ من ربحه.

أيضًا قال: بِع هذه السيارة ولك مثلًا 5% من الربح، بِع هذه السلعة ولك 10%، لا بأس بذلك كله.

ويصح دفع دابةٍ أو نحلٍ أو نحوهما، لمن يقوم بهما مدةً معلومةً بجزءٍ منهما.

قال البخاري في “صحيحه”: “قال معمرٌ: لا بأس أن تكون الماشية على الثلث أو الربع إلى أجلٍ مسمًّى” [3].

يعني: لو أعطى إنسانٌ آخر مئةً من الغنم، وقال: أريد منك أن تقوم عليها ولك مثلًا 5% منها، لك مثلًا خمس شياهٍ، كل هذا الأصل فيه الجواز والحل والإباحة.

قال:

والنَّماء مِلكٌ لهما.

يعني: للدافع والمدفوع إليه على حسب ملكهما.

لا إن كان بجزءٍ من النماء.

يعني: فلا يجوز، كيف “بجزءٍ من النماء”؟ قال:

كالدَّرِّ والنَّسل والصوف والعسل، وللعامل أجرةُ مثله.

يعني: فلا يصح أن يكون بجزءٍ من النماء، لا يصح أن يعطيه الغنم على أن له مثلًا ما تلده، أو مثلًا 5%، أو 10%، أو نصف ما تلد، أو مثلًا: له اللبن، أو نحو ذلك، أو الصوف، أو العسل، يقول: “فلا يصح”؛ لحصوله على نمائه بغير عملٍ.

والقول الثاني في المسألة: أنه يصح أن يكون ذلك بجزءٍ من النَّماء، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهذا هو الأقرب، ما المانع أن يكون بجزءٍ منه؟ أو بجزءٍ من نمائه؟

إذا حصل التراضي بينهما؛ فلا بأس، إذا حصل التراضي بينهما، يقول: قُم على هذه الأغنام بجزءٍ من نمائها، أو بجزءٍ منها، إذا حصل بينهما التراضي فما المانع من ذلك؟ الأصل الحل والإباحة في هذا.

هذه هي أبرز الأحكام والمسائل المتعلقة بالشركة، ووعدت بأن نذكر بعض القواعد المهمة في هذا الباب.

مداخلة:

الشيخ: “وللعامل أجرة مثله”، يعني إذا قلنا: إنه لا يصح بجزءٍ من النماء؛ يكون للعامل أجرة مثله، وقلنا: الصواب أنه يصح، كما اختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

قواعد مهمة في الشركات

أولًا: أن الربح لا يصح أن يكون إلا مُشاعًا، فلا يصح أن يكون بدراهم معلومةٍ، وهذا المعنى أو هذه القاعدة تكلمنا عنها مرارًا.

أيضًا من القواعد: “أن الربح بين الشريكين يكون على حسب ما شَرَطاه، والخسارة تكون على قدر رأس المال”، هذه قاعدةٌ: “الربح على ما شَرَطاه”؛ وبناءً على ذلك: هل يصح التفاوت في الربح؟ هل يصح أن أحد الشريكين يقول: لي 80%؟ نعم يصح، ما يُشترط أن يكون 50% و50%، على حسب ما اتفقا عليه، 80% و20%، حتى لو قال: لي 90%، ولك 10%، لو قال: 40 أو 60%، على حسب ما شَرَطاه.

وأما الخسارة فإنها تكون على قدر رأس المال، إذا كان رأس المال مثلًا متساويًا؛ تكون الخسارة بينهما نصفين، فإن كان أحدهما رأس المال له الثلثان، والآخر له الثلث؛ تكون الخسارة على الذي له الثلثان ثلثي الخسارة، والذي له الثلث يكون عليه ثلث الخسارة.

لو اشترط أحد الشريكين التفاوت في الخسارة، يعني من غير اعتبارٍ لرأس المال، يعني لو اشترط أحدهما: أنه لا يتحمل سوى مثلًا 5% من الخسارة، وأن الآخر يتحمل الباقي، هل هذا الشرط يصح؟ هذا الشرط غير صحيحٍ.

أو قال أحدهما: أنا لا أتحمل، لا أخسر، أنا أريد أن أعطيك مئة ألفٍ تعمل فيها، ولك 80% من الربح، لكن انتبه، أنا ما عليَّ خسارةٌ، الخسارة عليك، أنت إذا خسرت؛ فأنت تتحمل الخسارة، هل هذا يصح؟ لا يصح، الخسارة على قدر رأس المال، ولا يجوز أن يُحمِّل المُضاربَ الخسارة، وبعض الناس -كما ذكرت- عند انهيار الأسهم يُحمِّل المضاربين الخسارة، وربما قَبِل المضاربون بسيف الحياء، وهذا لا يحل لهم، ربما أن هذا المُضارب يستحي ويخجل، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: لا يحل مال المسلم إلا بطيبةٍ من نفسه [4]، بعض الناس ربما أن الحياء يكون كالسيف على رأسه، فلا يجوز إذنْ لرب المال أن يأخذ من هذا العامل ضمانًا على الخسارة، وهذه التجارة المشروعة أصلًا مبناها على المغامرة والمخاطرة، أما لو كانت التجارة مضمونةً؛ ما كانت جائزةً، لو كانت عدم الخسارة مضمونًا؛ تكون غير جائزةٍ، أو كان الربح مضمونًا؛ تكون غير جائزةٍ.

فإذنْ التجارة المشروعة مبانها على الربح والخسارة، فلا بد أن يتقبل رب المال هذا المعنى، وإذا حصل خسارةٌ؛ تكون هذه مصيبةً، كما أنها مصيبةٌ عليك؛ فهي مصيبةٌ على العامل المضارب، إلا إذا حصل تعدٍّ أو تفريطٌ من المضارب؛ فإنه يتحمل تبعة تفريطه وتعَدِّيه، هذه بعض القواعد.

التكييف الفقهي للشركات المساهمة

الشركات المساهِمة في الوقت الحاضر نكيفها على أي نوعٍ من أنواع الشركة؟ هل نقول: إنها “شركة عِنانٍ” أو “شركة مضاربةٍ”؟

الشركات المساهِمة في الوقت الحاضر، الذي يظهر أنها تجمع بين “العِنان” وبين “المضاربة”.

فإذا كان مجلس الإدارة يقوم بالعمل، وليس له دخل في الربح والخسارة ورأس المال؛ فتكون مضاربةً، فأنتم -أيها المساهمون- أعطيتم مجلس الإدارة هذا المال ليعمل به.

أما إذا كان مجلس الإدارة شريكًا ويعمل في الوقت نفسه؛ فتكون حينئذٍ عِنانًا ومضاربةً.

وبكل حالٍ: فهي جائزةٌ، بكل حالٍ الشركات المساهمة جائزةٌ.

الشركات المساهِمة هي في الحقيقة تقوم بدورٍ كبيرٍ في الوقت الحاضر، هي العمود الفقري للمشاريع الضخمة، المشاريع الضخمة الكبيرة لا يستطيع أن يقوم بها كثيرٌ من الأفراد، وإنما تقوم بها الشركات المساهِمة، الشركات المساهِمة يدخل فيها العدد الكبير من الناس، ويتكون منها رءوس أموالٍ ضخمةٌ، وتقوم بتلك المشاريع.

حكم شراء وتداول أسهم الشركات المساهمة

وحكم الدخول في الشركات المساهمة من الناحية الشرعية:

نقول: الشركات المُسَاهِمة تنقسم إلى ثلاثة أقسامٍ:

  • القسم الأول: شركاتٌ ذات أغراضٍ وأنشطةٍ مباحةٍ؛ كالزراعة والصناعة والتجارة، ولا تتعامل بالربا مطلقًا، لا أخذًا ولا إعطاءً ولا بغيره من المحرمات، فهذه يجوز الدخول فيها بالإجماع.
    شركاتٌ إذنْ نشاطها مباحٌ، وليس فيها أي تعاملٍ محرمٍ، لا بالربا ولا بغيره، يجوز الدخول فيها بالاتفاق.
  • القسم الثاني: شركاتٌ غرضها الأساسي محرمٌ؛ كتصنيع الخمور مثلًا، أو دعارةٍ، أو نحو ذلك، فهذه يحرم الدخول فيها بالإجماع.
  • القسم الثالث: شركاتٌ نشاطها الأساسي مشروعٌ مباحٌ؛ كالتجارة والصناعة ونحو ذلك، لكنها تتعامل ببعض المحرمات؛ كالربا مثلًا، وهذا هو حال أكثر الشركات المساهمة في الوقت الحاضر، وهذا النوع من الشركات يسمى عند المعاصرين: “الشركات المختلِطة”، فهل يجوز الدخول في الشركات المختلطة أم لا؟ يعني لو تأملنا مثلًا الشركات المساهمة عندنا، معظمها “شركاتٌ مختلطةٌ”، بل كان قبل سنواتٍ جميعها “شركاتٍ مختلطةً”، لكن في الوقت الحاضر -ولله الحمد- وُجد شركاتٌ لا بأس بها، عددٌ لا بأس به، وإن كان لا يزال أقل من النصف، ربما حتى أقل من الثلث، تخلو قوائمها المالية من التعاملات المحرمة.

فما حكم الدخول في الشركات المختلطة؟

اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين مشهورين:

  • القول الأول: جواز الدخول في الشركات المختلطة، سواءٌ بالاكتتاب، أو بتداول الأسهم، وقيل: إن أول من قال بذلك، من أفتى بذلك: “الهيئة الشرعية لشركة الراجحي”، وأفتت بذلك فقط للضرورة، وأنه إذا وُجدت شركاتٌ لا تتعامل بالربا؛ فيجب ترك الدخول فيها [5]؛ لأنه في وقت الفتوى ما كان يوجد ولا شركةٌ واحدةٌ ممن لا تتعامل بالربا، هذا هو القول الأول.
  • القول الثاني: إنه لا يجوز الدخول في الشركات المختلطة مطلقًا، وهذا هو الذي أقره “مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي”، وكذلك أيضًا “مجمع الفقه الإسلامي الدولي”.

من قال بجواز الدخول أخذوا بالقواعد الشرعية التي تدل على أن العبرة بالأكثر، وأنه إذا اجتمع القليل والكثير فالحكم للأكثر، وقاعدة “التابع تابعٌ” ونحو ذلك.

ومن قال بالمنع؛ قال: لأن الشركات المساهمة يجتمع فيها مالٌ وعملٌ، فعندما تتعامل هذه الشركات تعاملاتٍ محرمةً؛ فهذا التعامل المحرم يُنسَب للمساهمين، وهذا هو القول الراجح: تحريم الدخول في الشركات المختلطة مطلقًا.

أوضح هذا بمثالٍ بسيطٍ: نحن الموجودين الآن في هذا المسجد، من باب توضيح صورة المسألة، لو مثلًا افترضنا: أننا اتفقنا على تكوين شركةٍ، تأسيس شركةٍ، نقول: مكتبةٍ مثلًا، قلنا: السهم ألف ريالٍ، فكلٌّ دفع، بعضنا دفع سهمًا، وبعضنا عشرة أسهمٍ، وبعضنا مئة سهمٍ، فكوَّنا رأس مال الشركة، وأتينا بمجلس إدارةٍ، وقلنا: اعملوا في هذه المكتبة، لكن مجلس الإدارة هذا الذي أتينا به اقترض بالربا؛ لأجل زيادة رأس المال، القرض هذا يُنسب لمن؟ للمساهمين؟ أو أنه يتحمَّله مجلس الإدارة؟ الواقع: مجلس الإدارة عمَّالٌ عندنا، موظفون عندنا، الواقع أنه يُنسَب للمساهمين؛ لأن هؤلاء مجرد أنهم يُديرون هذا المال، نحن جمعنا مبلغًا من المال، وقلنا لهؤلاء: أديروا لنا هذا، استثمروا في مكتبةٍ، وفوَّضناهم وأعطيناهم صلاحيةً، فعندما يقترضون بالربا، أو يُقرضون بالربا، في الحقيقة أن هذا يُنسَب للمساهمين؛ فمعنى ذلك: أن المساهمين قد تعاملوا بالربا بالوكالة، وهنا منشأ الخطورة في المسألة.

من قال بالجواز، قالوا: اختلط الحلال بالحرام، هذا غير صحيحٌ، هي ليست فقط مالًا حتى نقول: اختلط الحلال بالحرام، ليست مجرد شركة مالٍ، هي مالٌ وعملٌ، العمل يُنسَب لمن؟

العمل يُنسَب للمساهمين؛ لأن هؤلاء نستطيع أن نغيرهم، مجلس الإدارة نغيره، نأتي بموظفين آخرين، هؤلاء يعملون عندنا، فالمساهمون الحقيقة هم المُلَّاك لهذه الشركة، فأنت تملك جزءًا من هذه الشركة، تملك مثلًا 5%، تملك 1%، أحيانًا تملك أقل من 1%، أحيانًا تملك واحدًا من عشرة ملايين، لكنك تبقى أحد مُلَّاك الشركة.

مثلًا ساهمت في شركة “سابك”، أنت أحد مُلَّاك شركة “سابك”، فجميع التصرفات التي تقوم بها إدارة شركة “سابك” تُنسَب للمساهمين، وهذا هو منشأ الإشكال في هذا النوع من الشركات المختلطة، أحد المشايخ قال: إنه صمَّم استمارةً، يريد معرفة آراء العلماء المعاصرين في الشركات المختلطة، يقول: وتفاجأ بالنسبة: وهي أن ما يُقارب 95% من المشايخ يرون التحريم، و5% فقط يرون الجواز، ومع ذلك الـ 5% رأيهم هو الأشهر؛ لأن 5% ربما أشهروا رأيهم عبر وسائل الإعلام ونحو ذلك، لكن الأقرب -والله أعلم- والذي تدل له القواعد والأصول: هو تحريم الدخول في الشركات المختلطة، ولو أننا قلنا بهذا، ولو أن جميع المشايخ أفتوا بهذا؛ لكان في هذا أكبر رادعٍ للشركات المختلطة لكي تترك الربا، ترتَدِع عن الربا، خاصةً والبدائل الآن -ولله الحمد- موجودةٌ، لماذا تلجأ الشركات للربا والبديل موجود؟! المصارف الإسلامية الآن تستطيع أن توفر السيولة لهذه الشركات بطرقٍ مباحةٍ، من غير أن تلجأ هذه الشركات للربا، لكن الاستهانة بأوامر الله ورسوله، واللامبالاة من بعض القائمين على تلك الشركات هو الذي دفعهم للاستهتار والإقراض والاقتراض الربوي؛ ولهذا نقول: الصواب هو تحريم الدخول في الشركات المختلطة.

لكن في الوقت الحاضر -كما ذكرت- وُجِد شركاتٌ -الحقيقة- بعض الناس يصفها بأنها “نقيةٌ”، ولي تحفظٌ على هذا الوصف؛ لأن النقاء تزكيةٌ، ولكن نقول: خَلَت قوائمها المالية من التعاملات الربوية؛ ولذلك يمكن الآن أن توصف بأنها خَلَت قوائمها من التعاملات المالية الربوية، وبعد الربع الثاني من السنة نجد فيها نِسَبًا ربويةً.

فلذلك الأحسن أن نقول: خلت قوائمها المالية من التعاملات الربوية، أفضل من أن نقول: “شركات نقية”؛ لأنه أيضًا لا يكاد يوجد شركةٌ نقيةٌ 100%، حتى وإن خلت قوائمها المالية من التعاملات الربوية، تجد أنها تملك أسهمًا في شركاتٍ تتعامل بالربا، وقد لا تستطيع الانفكاك من التعاملات المحرمة؛ ولذلك بعض المصارف الإسلامية -مثل مصرف الراجحي- عندهم حسابٌ يسمونه: “حساب التطهير”، يضعون فيه الأموال التي تأتيهم من طرقٍ مشبوهةٍ ولا يستطيعون التخلص منها، يضعون فيه هذا، وينفقونها في وجوه البر بنية التخلص.

وهذا المعنى..، التجارة من قديم الزمان يحصل فيها ما يحصل من الخلل، هذا المعنى أشار إليه النبي في قوله: أيها التجار، إن هذا البيع يحضره شيءٌ من الكذب واللغو، فشوبوا أموالكم بالصدقة [6]؛ فدل هذا على أن الصدقة تَجبر ما قد يحصل من الخلل ومن النقص في التجارة.

ولهذا ينبغي للتجار أن يكثروا من الصدقة؛ لجبر هذا الخلل وهذا النقص؛ لأن التاجر يعتريه ما يعتريه من تعاملاتٍ مشبوهةٍ، من كذبٍ أحيانًا، يعني يندر أن تجد تاجرًا يسلم من هذا كله؛ ولهذا أوصى النبي عليه الصلاة والسلام التجار بالإكثار من الصدقة.

هذه أبرز المسائل والأحكام المتعلقة بأبواب الشركات.

نجيب عما تيسر من الأسئلة، أحيانًا نبدأ أولًا بالأسئلة المكتوبة.

الأسئلة

السؤال: أحسن الله إليكم، وبارك فيكم، هذا رجلٌ يسأل يقول: رجلٌ ذو وجاهةٍ عند شخصٍ كريمٍ، يَشترط لرفع أوراق طلب المساعدة من هذا الرجل نسبةً معينةً مقابل بذل ماء وجهه وشفاعته لدى ذلك الكريم، فهل يحل ذلك؟

الشيخ: أخذ الأجرة على الشفاعة رُوي فيها حديثٌ في “سنن أبي داود” أن النبي قال: «من شفَعَ لأخيه شفاعةً فأهدَى له هديةً فقبلها، فقد أتى بابًا عظيمًا من أبواب الربا» [7]، وهذا الحديث لو ثبت؛ لكان حجةً في هذه المسألة، ولكنه من جهة الإسناد ضعيفٌ لا يصح؛ ولهذا فالأقرب -والله أعلم- أن الشفاعة إن كانت واجبةً على الإنسان؛ فلا يجوز أخذ شيءٍ عليها، أما إذا كانت لا تجب فأخذ شيئًا عليها؛ فالأقرب أن ذلك لا بأس به، هذا هو الذي تحرَّر لي أخيرًا في هذه المسألة، وهو رأي الشيخ محمد بن عيثمين رحمه الله، إن كانت الشفاعة واجبةً؛ كأن تكون لدفع ظلمٍ أو نحو ذلك؛ فلا يجوز أن يأخذ مقابلًا على هذا الشيء الواجب، أما إذا كانت ليست واجبةً، وإنما مستحبةٌ، وطلب عِوضًا؛ فليس هناك من الأدلة ما يمنع من ذلك، والحنابلة منعوا من هذا؛ بناءً على هذا الحديث كما ذكر في “الإنصاف”، لكن بالتتبع تبين أن هذا الحديث لا يصح.

وأيضًا بعض الإخوة الذين لهم عنايةٌ بالحديث بحثوا إسناده كثيرًا، وخلصوا إلى أنه لا يصح، فإذا كان لا يصح؛ فمعنى ذلك: المسألة ليس فيها شيءٌ يَمنع، فيكون الأصل هو الجواز إن شاء الله تعالى، وإن تركه خروجًا من الخلاف؛ كان ذلك حسنًا.

السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: قال الشارح: لو قال: بِع عبدي والثمن بيننا، أو آجِره والأجرة بيننا، فلا يصح، أرجو شرح ذلك.

الشيخ: نعم، لو قال: بِع عبدي والثمن بيننا، أو آجِره والأجرة بيننا، قال: فإنه لا يصح.

يعني: هذا بناءً على ما قرره المؤلف رحمه الله، وهو أنه لا يصح أن يكون الاشتراك بينهما في هذا، وفي المسألة قولٌ آخر: وهو أن ذلك يصح، ولعله الأقرب، عندنا قاعدةٌ عظيمةٌ في هذا الباب: هي أن الأصل الحل والإباحة، الأصل في هذا الباب الحل والإباحة، إلا ما كان فيه معنًى من الربا أو الجهالة أو الغرر أو الميسر أو نحو ذلك.

السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: ماذا لو أعطيتُ المُضارب راتبًا معينًا والمكسب يرجع لرب المال؟

الشيخ: ما أدري، السؤال غير واضحٍ، كيف أعطى؟ المضاربة يكون فيها رأس مالٍ، أما إذا أعطاه راتبًا معينًا، هذا ليس مضاربًا، هذا يعتبر أجيرًا عنده، أجيرٌ أو وكيلٌ، إذا اعتبره وكيلًا أو أجيرًا، هذه ليست من المضاربة في شيءٍ، إذا كان إنسانٌ تُعطيه راتبًا معينًا، هذا مثل الأجير عندك، أجيرٌ خاصٌّ، اعمل عندي يوميًّا ولك مثلًا ثلاثة آلاف ريالٍ، أو أكثر أو أقل، فهذه تنتقل من كونها مضاربةً إلى كونها أجرةً.

السؤال: أحسن الله إليكم، أسئلةٌ أخرى تقول مثله، لو كان يُؤجِّر المحل لعاملٍ، تكون مضاربةً؟

الشيخ: نعم، إذا أجَّر المحل لعاملٍ فهذه إجارةٌ، ليست مُضاربةً، إجارةٌ، يقول: هذا المحل قام بتجهيزه وتأثيثه، ثم أجره لهذا العامل، فهذه إجارةٌ، كل شهرٍ مثلًا بألف ريالٍ، أو أكثر أو أقل، هذه إجارةٌ، لكن هنا لا بد أن يكون هذا العامل على كفالته، أما إذا لم يكن على كفالته؛ ففي ذلك مخالفةٌ لتعليمات ولي الأمر.

السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: إذا كانت لي أسهمٌ في “شركةٍ مختلطةٍ” كيف التخلص منها؟

الشيخ: التخلص منها يكون ببيعها والتصدق بالقدر المحرم، وهو ما يسمى بـ”التطهير”، فإن لم يعلم القدر المحرم؛ يتصدق بالنصف.

السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: هل ما يسمى بـ”بيع التصريف” يدخل في شركة المضاربة؟

الشيخ: “بيع التصريف” يختلف عن “شركة المضاربة”، “بيع التصريف” صاحب المحل، هل هو وكيلٌ أو مشترٍ؟ عندما يأتون إليه بلبنٍ أو عصيرٍ هل هو مشترٍ أو وكيلٌ؟

مداخلة:

الشيخ: حتى يتضح هذا؛ أطرح أسئلةً: الآن لو أن هذه البضاعة تلفت من غير تعدٍّ ولا تفريطٍ منه، من يتحملها؟ يعني نفترض أن هذا المحل احترق، أتى له بمئة مثلًا كرتونة من اللبن أو العصير، ثم احترق هذا المحل من غير تعدٍّ ولا تفريطٍ، كان هناك حريقٌ عامٌّ، فمن الذي يتحمل؟ الشركة، أو صاحب المحل؟ نعم، الواقع أنه صاحب المحل وليس الشركة، هل أحدٌ يعترض على هذا؟

مداخلة:

الشيخ: في مثالنا السابق الذي يتحمل الشركة أو صاحب المحل؟

مداخلة:

الشيخ: لكن الآن نريد أن نُكيِّف الواقع.

مداخلة:

الشيخ: إذنْ معنى ذلك: أنه ليس وكيلًا، يكون مشتريًا، وإذا كان مشتريًا؛ يعني: له الربح وعليه الخسارة؛ معنى ذلك: أن هذا الشرط أيضًا غير صحيحٍ، شرطُ: إن نَفَقَت السلعة، وإلا رددتها عليك، غير صحيحٍ، لكن ليس معنى ذلك أنه غير جائزٍ، غير صحيحٍ يعني: لو حصل مشاحةٌ؛ تملك الشركة إلزام صاحب المحل بالبضاعة؛ لأنه مشترٍ وليس وكيلًا، لو حصل ترافعٌ عند القاضي، فتملك الشركة إلزام صاحب المحل، لكن الغالب من الشركات تتسامح في هذا، فإذا ردَّ المشتري البضاعة عليها؛ تُقبل بهذا من باب تشجيع الناس على مثل هذا.

فالأقرب: أن البيع على التصريف، أنه مشترٍ، ليس من المضاربة في شيءٍ، والأقرب أنه ليس وكيلًا أيضًا؛ بدليل أنه يضمن إذا حصل التلف، ولو من غير تعدٍّ ولا تفريطٍ، هذا هو التكييف الفقهي الذي يظهر للبيع على التصريف.

مداخلة:

الشيخ: يجوز، نعم، لا بأس به.

السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: ما هو القول الراجح في الغَوْل؟ هل هو قول ابن عباسٍ رضي الله عنهما، أم قول ابن كثيرٍ رحمه الله؟

الشيخ: نعم، القول الراجح كما ذكرنا: هو كل ما يغتال العقل، لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ [الصافات:47]، وفي الآية الأخرى: لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا [الواقعة:19]، فهو يشمل الصداع، ويشمل كذلك كل ما كان فيه أذىً مكروهٌ، فالأقرب هو قول ابن جريرٍ، ابن جريرٍ يقول: إن كل ما كان فيه أذىً للشارب يدخل في الغَوْل.

ومعنى الغَوْل: يعني من الاغتيال، يعني: إلحاق الأذى والكراهية، سواءٌ بالصداع أو بالوجع في البطن أو بغير ذلك، لكن المعنى في الأساس: الصداع؛ لأن الله تعالى قال في الآية الأخرى: لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ [الواقعة:19].

السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: ما الفرق بين “شركة العِنان” و”شركة المفاوضة”؟

الشيخ: “شركة العِنان” -بكسر العين “العِنان”- كما ذكرنا: “اشتراكٌ في المال وفي العمل”، والمفاوضة على المفهومين اللذين ذكرناهما: على المفهوم الذي ذكره المؤلف “شركة العِنان” تدخل في “شركة المفاوضة”.

السؤال: أحسن الله إليكم، نقول: اتفقتُ أنا وشخصٌ آخر أن يعطيني المال، وأنا أشتري البضاعة، وهو يبيعها، والربح بالنصف بيننا، فهل هذا جائزٌ؟

الشيخ: نعم، هذه تكون أي شركةٍ -يا إخوان- حتى نُكيِّفها على الشرح؟

الطالب: اتفقتُ أنا وشخصٌ آخر أن يعطيني المال.

الشيخ: يعطيني المال، لاحِظ.

الطالب: ثم أشتري بضاعةً.

الشيخ: ثم يشتري، هذا عملٌ.

الطالب: ثم هو يبيعها.

الشيخ: ثم يبيعها هذا أيضًا عملٌ؛ تكون شركةً.

الطالب: مضاربةً.

الشيخ: المضاربة مالٌ من واحدٍ، وعملٌ من آخر.

مداخلة:

الشيخ: قصدك: من أحدهما المال؟

مداخلة:

الشيخ: نعم، هي مركَّبةٌ، يظهر أنها مركبةٌ؛ لأن المال من أحدهما وليس من اثنين، والعمل من آخر، ثم أيضًا الأول يقوم بعملٍ، فهي مضاربةٌ، وأيضًا فيها عملٌ من المُضارِب، ربما نقول: إنها أقرب من المضاربة، حتى أيضًا ما نستطيع أن نسميها “عِنانًا”؛ لأن العِنان اشتراكٌ في مالٍ وفي عملٍ، والثاني ما دفع أصلًا شيئًا من المال، فالمال من واحدٍ، ومن الثاني عملٌ، وأيضًا صاحب المال ساهم بعملٍ، أو تطوَّع بعملٍ إضافيٍّ، فهي أقرب إلى المُضاربة، لكنها جائزةٌ.

السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: هل يصح اشتراط الشريك في شركة الأملاك ألا يبيع نصيبه؟

الشيخ: شركة الأملاك هي كما ذكرنا: اشتراكٌ في ميراثٍ، أو في شيءٍ يشترونه، أو نحو ذلك، كونه يشترط ألا يبيع نصيبه؛ هذا شرط يُنافي مقتضى العقد، الإنسان حرٌّ في ماله، كونه يشترط عليه ألا يُباع نصيبه، يظهر أن هذا الشرط غير صحيحٍ.

السؤال: أحسن الله إليكم، هذا يقول: لو ذكرتم صورةً على قول المؤلف: إنه لا يضمن في فاسدة؟

الشيخ: يعني: إذا اختل شرطٌ من الشروط التي ذكرها المؤلف، إذا اختل شرطٌ من الشروط، هذه كلها تصلح أن تكون أمثلةً.

السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: كيف نقول بأنه ليس للمُضارب إلا نسبةٌ، مع أن المؤلف قال: “ولا نفقة للعامل إلا بشرطٍ”، حيث أثبت له النفقة؟

الشيخ: لا، المقصود بالنفقة يعني: نفقة أكله وشربه، ليس المقصود بها: الربح، فإذا كان هذا غير واضحٍ نوضِّحه الآن، المقصود بالنفقة ليس المقصود به: الربح، المضارب عندما يضارب يحتاج إلى طعامٍ، يحتاج إلى إفطارٍ وغداءٍ وعشاءٍ، على حساب مَن؟ هذا المقصود بالنفقة، فهذه إذا كان قد شَرَطها؛ فعلى ما شَرَط، إذا كان هناك عرفٌ؛ فعلى العرف، إذا كانت مطلَقةً؛ ترجع أيضًا للعرف، هذه ليس لها علاقةٌ بمسألة الربح، فإذنْ النفقة شيءٌ، والربح شيءٌ آخر، الربح: بالإجماع أنه لا يصح أن يكون إلا مُشاعًا، أما النفقة فالمقصود بها: النفقة التي يحتاجها من مأكلٍ ومشربٍ وكسوةٍ هذا المضارب، كان الناس في الزمن السابق يبقون سنين في المضاربة، يأخذ أحدهم المال، ويذهب أربعَ سنين، خمسَ سنين، يُضارب في هذا المال، ولذلك تجدون مثلًا في المفقود يقولون: ينتظر أربع سنين إن كان الغالب عليه الهلاك، الحنابلة قالوا: لأن الغالب في أن التجار يبقون هذه المُدَد، أربع سنين في الزمن السابق، كان الناس يبقون هذه المدد الطويلة، فهذه أربع سنين يحتاج إلى نفقةٍ، يحتاج إلى مأكلٍ، مشربٍ، كسوةٍ، فعلى مَن؟ هذا هو المقصود، وليس لها علاقةٌ بالربح.

السؤال: أحسن الله إليكم، ونختم بسؤالين:

السؤال الأول: ما صحة حديث: التجار هم الفجار؟

الشيخ: صححه بعض أهل العلم، منهم الشيخ الألباني، وفي سنده مقالٌ: إن التجار يبعثون فجارًا يوم القيامة، إلا من اتقى وبَرَّ وصدق [8].

السؤال: السؤال الأخير، أحسن الله إليكم، هذا يسأل عن حكم العمل في البنوك؛ كبنك الراجحي والبلاد؟

الشيخ: الراجحي والبلاد والإنماء لا بأس بالعمل فيها؛ لأنهم ليس عندهم تعاملاتٌ محرمةٌ، وعندهم هيئةٌ شرعيةٌ، ورقابةٌ شرعيةٌ، وهي مؤسساتٌ ماليةٌ تتحرى الحلال، والهيئة الشرعية مرتبطةٌ فيها بالجمعية العمومية، يعني: ليس لأحدٍ سلطة مجلس الإدارة ليس له سلطةٌ عليها، والرقابة مرتبطةٌ بهيئةٍ شرعيةٍ، فهذه البنوك الثلاثة حقيقةً هي مثالٌ للمصارف الإسلامية التي تتحرَّى الحلال، ولا بأس بالاشتراك فيها، يليها بنك الجزيرة والأهلي، ليس عندهم تعاملاتٌ ربويةٌ محرمةٌ صريحةٌ، لكنها أقل في الضبط من البنوك الثلاثة الأولى، يليها بقية البنوك، على أن بقية البنوك في الوقت الحاضر.

أنا عندي الآن لا يصح أيضًا أن يُطلق عليها الآن: “بنوكٌ ربويةٌ”، لماذا؟ لأنه كان في الزمن السابق قبل سنين، كان معظم نشاطها في الربا، لكن في الوقت الحاضر لما فُتح لها الاستثمار؛ أصبح معظم نشاطها في البيع والشراء والأنشطة المباحة، فهي في الحقيقة في الوقت الحاضر أشبه بالمؤسسات المالية المختلطة؛ ولذلك عندي أن وصفها السابق “بنوك ربوية”، أنها الآن ربما نقول: تغيَّر بسبب تغيُّر واقعها؛ ولذلك جميعها بدون استثناء عندها هيئاتٌ شرعيةٌ، وعندها نوافذ إسلاميةٌ، فهي الآن أصبحت أشبه بالمؤسسات المالية المختلطة، بل إن التعاملات الربوية على مستوى الأفراد الآن تكاد تكون قليلةً أو نادرةً، أو في بعضها منعدمةً، التعاملات الربوية هي موجودةٌ ربما على مستوى الشركات، لكن على مستوى الأفراد لا تكاد توجد في كثيرٍ منها؛ ولذلك فهي الآن أشبه بالمؤسسات المالية المختلطة؛ ولذلك عندي: أن العمل فيها يختلف الحكم فيه عن العمل الذي كان يُفتِي به مشايخنا في السابق، في السابق لو رجعت لفتاوى “اللجنة الدائمة”: لا يجوز العمل فيها، حتى لو حارس أمنٍ، لو فرَّاشًا، لكن في الوقت الحاضر مع تغيُّر واقعها، عندي أنه إذا كان من يعمل فيها لا يباشر الربا؛ فيجوز، إذا كان يعمل فيها حارس أمنٍ مثلًا، يعمل في مجالٍ بحيث لا يُباشر الربا؛ فيجوز؛ لأنها -كما ذكرت- الآن أصبحت مؤسسةً ماليةً مختلطةً، ليست الآن بنوكًا ربويةً كما كانت في السابق.

أما إذا كان سيباشر الربا؛ يكتب الربا، أو يُشهد عليه؛ فلا يجوز، هذا عندي أنه الذي تحرَّر في العمل في مثل هذه البنوك، وبعض أهل العلم يقولون: إنه يُتوقَّع أنه بعد عشر سنواتٍ -على الأكثر- تُصبح كلُّ البنوك بنوكًا إسلاميةً، ولله الحمد الناس أصبح عندهم وعيٌ، والبنوك تَعرف أن الناس لا يريدون إلا الحلال، ولا يريدون الحرام، ولا يريدون الربا، فأصبح عندها هذا التوجه.

مداخلة:

الشيخ: رأس المال لا بأس به، رأس المال يجب عليه أن يعيده، ولا يجوز له أن يُنقص شيئًا من رأس المال، الكلام في دفع الفائدة الربوية، إذا كان المحصِّل سوف يتوصَّل معه إلى دفع رأس المال؛ لا بأس به، على أن هذا يبدو أنه كان قديمًا، أما في الوقت الحاضر قَلَّ مثل هذا، هذه الأشياء قلَّت، أصبحت الآن معظمها تمويلاتٌ بطرقٍ مباحةٍ.

مداخلة:

الشيخ: نعم، على كل حالٍ: إذا تؤصَّل على تحصيل رأس المال؛ لا بأس، فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ [البقرة:279]، الإشكال في الزيادة على رأس المال، أما رأس المال فليس فيه إشكالٌ.

مداخلة:

الشيخ: إذا كان بخسارةٍ، الذي يظهر أنه يجوز أن يبقى فيها إلى أن يُحصِّل رأس ماله؛ لقول النبي : لا ضرر ولا ضرار [9]، ولأن المسألة مختلفٌ فيها بين أهل العلم، ولأنه لا يريد الآن استرباحًا منها، إنما يريد تحصيل رأس المال الذي بذله ودفعه، فالأقرب: أنه لا بأس أن يبقى فيها إلى أن يُحصِّل رأس ماله، والورع التخلص منها، لكن الورع شيءٌ، والحكم شيءٌ آخر.

مداخلة:

الشيخ: لا، إذا كان خسرانًا؛ معنى ذلك: ما يوجد وجه للتصدق هنا، ما دخلت عليه الآن أرباح -فوائد ربويةٍ- هو الآن يُريد تحصيل رأس المال الذي دفعه فقط، يريد أن يتقاضى رأسَ المال الذي دفعه.

مداخلة:

الشيخ: إذا زادت يتصدَّق بالقدر المحرم إن كان استطاع أن يعرفه، فإن لم يعرفه؛ يتصدق بالنصف؛ لأنها مالٌ وعملٌ، فيتصدق بالنصف.

مداخلة:

الشيخ: هذا نعم، من يدخل وهو يقصد بنيِّة التطهير، إن كان بنى هذا على فتوى من أفتى بذلك، وعندهم أن هذا هو أوثق العلماء في نظره، لا بأس، أما إذا دخل بدون فتوى؛ فليس له ذلك، خاصةً أن أكثر المشايخ وأكثر العلماء على التحريم.

مداخلة:

الشيخ:يضمن ربُّ المال نفسه، إذا كان لا يعلم؛ المؤلف يقول: إنه يضمن، وقلنا: الصحيح أنه لا يضمن، فتكون الخسارة على رب المال؛ لأنه فرَّط؛ لكونه لم يخبره، يكون قد فرَّط في هذا.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: ‌1513.
^2 رواه أبو داود: 3388، والنسائي: 3937، وابن ماجه: 2288.
^3 صحيح البخاري: 3/ 104.
^4 رواه أحمد: 20695، بنحوه.
^5 أي: في الشركات المختلطة.
^6 رواه أبو داود: 3326، والترمذي: 1208، والنسائي: 3800، وابن ماجه: 2145، وأحمد: 16134.
^7 رواه أبو داود: 3541، وأحمد: 22251.
^8 رواه الترمذي: 1253، وابن ماجه: 2146.
^9 رواه ابن ماجه: 2340، وأحمد: 22778.
zh