logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(59) باب الحوالة- من وقوله: “وشروطها خمسة..”

(59) باب الحوالة- من وقوله: “وشروطها خمسة..”

مشاهدة من الموقع

باب الحوالة

قال المؤلف رحمه الله:

باب الحَوَالة

تعريف الحوالة لغةً واصطلاحًا

الحَوَالة، نبدأ أولًا بالتعريف:

“الحَوَالة” في اللغة: مشتقةٌ من التحوُّل، وهو الانتقال من موضعٍ إلى موضعٍ، ومنه قول الله تعالى: خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا [الكهف:108]، أي: انتقالًا وتحوُّلًا.

ومعناها في اصطلاح الفقهاء: نقل الدَّين وتحويله من ذِمَّة المُحِيل إلى ذِمَّة المُحال عليه.

والأصل فيها: السنة والإجماع.

أما السنة: فقول النبي : مَطْل الغني ظلمٌ، وإذا أُحيل أحدكم على مَلِيءٍ؛ فليَحتَلْ [1]، وفي “الصحيحين”: ومن أُتْبِع على مَليءٍ؛ فليَتْبَع [2].

وقد أجمع أهل العلم على جواز الحوالة في الجملة.

هل الحوالة بيعٌ، أم عقدُ إرفاقٍ مستقلٌّ بنفسه؟

اختلف الفقهاء في ذلك؛ فقيل: إنها بيعٌ؛ وعلى ذلك: يدخلها خيار المجلس، ويُشترط لها شروط البيع.

والصحيح: أنها ليست بيعًا، الصحيح: أن الحوالة ليست بيعًا، وإنما هي عقد إرفاقٍ منفردٌ بنفسه، كما اختار ذلك الموفق بن قدامة رحمه الله في “المغني”، اختار أن الحوالة ليست بيعًا، وإنما هي عقد إرفاقٍ مستقلٌّ بنفسه؛ لأنها لو كانت بيعًا؛ لما جازت؛ لأنها بيع دَينٍ، تكون حينئذٍ بيع دينٍ بدينٍ، ولما جاز التفرق قبل القبض؛ لأنه بيع مالٍ ربويٍّ بجنسه.

فالصواب إذنْ: أنها من عقود الإرفاق، وأنها عقد إرفاقٍ مستقلٌّ بنفسه، وليست بيعًا، ولا يدخلها خيارٌ، وتلزم بمجرد العقد.

وابن القيم رحمه الله أيضًا نصر هذا القول، وقال: إنها هي من جنس إيفاء الحق، وليست من جنس البيع، فهي مجرَّد استيفاءٍ للحق، وليست بيعًا، وبهذا نعرف أن الحوالة من عقود الإرفاق والإحسان، وليست من عقود المعاوضة؛ وبناءً على هذا: لا يجوز أخذ عِوضٍ مقابل الحوالة نفسها؛ لأنها عقد إرفاقٍ، فهي كالقرض وكالضمان.

الحوالات البنكية، يأخذون عمولةً على الحوالة، فما الحكم فيها؟ إذا أردت أن تُحوِّل مبلغًا الآن عن طريق مصرف من المصارف، يأخذون عليك عمولةً في الغالب.

نقول: إذا كانت ليست مقابل الحوالة، وإنما مقابل مصاريف إداريةٍ وخدماتٍ فعليةٍ حقيقيةٍ؛ فلا بأس، وتعرِف هذا من كون المصرف لا يُفرِّق بين المال القليل والكثير، يعني: لو حوَّلت ألفًا أو عشرة آلافٍ؛ فالعمولة واحدةٌ؛ معنى ذلك: أنها مقابل مصارف إداريةٍ وخدماتٍ فعليةٍ حقيقيةٍ.

أما إذا كانت مقابل الحوالة نفسها، يقول مثلًا: أن كل ألفٍ تُحوِّله نأخذ عليك عشرة ريالاتٍ؛ فهذا لا يجوز.

وإنما قلنا بجواز أخذ المصرف عمولةً على المصاريف الإدارية والخدمات الفعلية الحقيقية؛ لأننا لا نستطيع أن نُلزم البنوك أن تخدم الناس مجانًا، ليس لنا الحق أن نقول للبنوك: اخدموا الناس مجانًا، البنوك إذا أرادت أن تخدم الناس؛ تريد مقابل هذه الخدمة، فمن أراد أن يُخدَم؛ لا بد أن يَبذل، كما يقال في المثل: “لا يُخدم بخيلٌ”، من أراد أن يُخدم؛ لا بد أن يبذل مقابل الخدمة، فلا نستطيع أن نُلزم البنوك، نقول: اخدموا الناس مجانًا، فإذا كانوا يأخذون مقابل الخدمة، ومقابل مصاريف إداريةٍ فعليةٍ؛ نقول: لا بأس بهذا، لكن الإشكال إذا أخذوا مقابل الحوالة نفسها.

إذنْ بهذا التأصيل نعرف أن الحوالة عقد إرفاقٍ وإحسانٍ، وليست من عقود المعاوضة، فلا يجوز أخذُ عِوضٍ عليها.

شروط الحوالة

نعود لعبارة المؤلف رحمه الله، قال:

وشروطها خمسةٌ:

يعني: شروط صحتها، والمشهور في كتب الحنابلة: أنها ثلاثةٌ، لكن المؤلف ذكر شرطين من باب التنبيه عليهما، وإن كانا معلومين، أو ربما يرجعان لبعض الشروط الأخرى.

الشرط الأول: اتفاق الدَّيْنين في الجنس والصفة والحلول والأجل

أحدها: اتفاق الدَّيْنين.

“الدَّيْنين” يعني: الدين المحال به، والمحال عليه.

في الجنس والصفة والحلول والأجل.
“اتفاق الدينين في الجنس” يعني: لا بد أن يكون الجنس واحدًا، فيُحيل من عليه ذهبٌ بذهبٍ، ويُحيل من عليه دراهم بدراهم، ويُحيل من عليه تمرٌ بتمرٍ، وهكذا؛ وذلك لأنه لو اختلف الجنس؛ كأن يُحيل مئة صاع بُرٍّ بمئة صاع تمرٍ؛ فإنها حينئذٍ لا تكون حوالةً، وإنما تكون بيعًا، تكون في هذا بيعًا وليست حوالةً.

لا بد إذنْ من اتفاق الجنس.

والصفة.

فلا تصح الحوالة مع اختلاف الصفة، وهذه يقصدون بها: لمَّا كان في السابق صفة الدراهم والدنانير تختلف، يكون بعضها مضروبةً وبعضها غير مضروبةٍ، فيقولون مثلًا: لا يصح أن يُحيل دراهم مضروبةً بدراهم غير مضروبةٍ، فلا بد من أن تكون متفقةً في الصفة.

وكذلك أيضًا في الحلول والأجل، يعني: في الوقت، التماثل في الوقت، لو كان أحد الدَّيْنين حالًّا والآخر مؤجلًا، أو أحدهما يحل بعد شهرٍ والآخر يحل بعد شهرين؛ فلا تصح بناءً على هذا.

والقول الثاني في المسألة: أنه إذا رضي المُحال بذلك؛ فلا بأس؛ لأن الحوالة ليست بيعًا كما قررنا، لأن الحوالة ليست بيعًا، وإنما هي مجرد استيفاءٍ، إذا كان إنسانٌ يطلب آخر دينًا حالًّا، قال: أنا أُحيلك على فلانٍ، أنا أطلبه هذا الدين لكن بعد شهرٍ، ورضي المُحال، قال: أنا أقبل الحوالة وآخذها بعد شهرٍ، فما المانع من هذا؟ ليس هناك في الواقع مانعٌ، ليس هناك محذورٌ شرعيٌّ.

وبناءً على التأصيل الذي ذكرناه، وأن الحوالة مجرد استيفاءٍ، ليست بيعًا؛ فالصحيح إذنْ: أن هذا لا بأس به إذا رضي بذلك المُحال.

والقَدْر: اتفاق الجنسين في القدر، لم يذكره المؤلف، مع أن المؤلف ذكر أمورًا أخرى، ربما أن المؤلف لا يرى هذا الشرط، ربما ذكر المؤلف أمورًا أدق من هذا، لكن نذكره؛ لأنه مذكورٌ في كتب الحنابلة، وهو تماثل الدَّيْنين في القدر، عندما يذكرون اتفاق الدَّينين، يقولون: في الجنس والصفة والوقت أو الحلول والأجل والقدر.

القدر معناه: لا تصح الحوالة مثلًا بعشرة آلافٍ على تسعة آلافٍ؛ لأن الحوالة عقد إرفاقٍ؛ كالقرض، فلا يجوز فيها التفاضل.

ولكن لو أبرأه من القدر الزائد، تصح أو ما تصح؟ يعني: إنسانٌ يطلب آخر عشرة آلافٍ، فأتى وقال: يا فلان، أطلبك عشرة آلافٍ، قال: أنا أُحيلك على فلانٍ، أطلبه تسعة آلافٍ، فقال: أنا أقبل بهذا وأُبرئك من ألف ريالٍ، يصح هذا أم لا يصح؟ يصح، فنقول إذنْ: لو أبرَأَه من القدر الزائد؛ صح.

ولو كان العكس: أحاله بتسعة آلافٍ على عشرة آلافٍ، فإنه ليس له أن يأخذ إلا تسعة آلافٍ، وليس له أن يأخذ عشرة آلافٍ.

فإذا أحال بالأعلى على الأدنى؛ صح، وإذا أحال بالأدنى على الأعلى؛ لم يصح.

إذا أحال بالأدنى تسعة آلافٍ، ويأخذ عشرةً؛ لا يصح، أما إذا أحال بالأعلى على الأدنى؛ صح؛ لأن المُحال أسقط، أو أبرَأَه من القدر الزائد، إلا أن ينوي في حالة الأدنى على الأعلى، ينوي بذلك أنها هبةٌ، فلا بأس، إذا أراد بذلك أن يكون القدر الزائد هبةً؛ لا بأس، وربما هذا هو وجه عدم ذكر المؤلف لهذا؛ لأنه كان يقول: إنَّ تماثل الدَّينين في القدر لا يُشترط؛ لأنه إذا كان أحاله بالأدنى على الأعلى؛ فمعنى ذلك: أن المُحال رضي بإسقاط القدر الزائد، إذا أحاله بالأدنى على الأعلى؛ معنى ذلك أنه قد رضي بالإسقاط، وإذا حاله بالأدنى على الأعلى؛ معنى ذلك: أنه وَهَب له القدر الزائد، وهذا كله بناءً على التأصيل الذي ذكرناه في أول الدرس: وهو أن الحوالة استيفاءٌ وليست بيعًا، ليست عقدًا من عقود المعاوضة.

إذنْ هذا هو الشرط الأول.

الشرط الثاني: علم قدر كلٍّ من الدَّينين

الشرط الثاني:

علم قدر كلٍّ من الدَّينين.

لأنه يُعتبر فيها التسليم والتماثل، والجهالة تمنع من ذلك، فلا بد من المعرفة والعلم بقدر كلٍّ من الدَّينين، وهذا ظاهرٌ.

الشرط الثالث: استقرار المال المُحال عليه، لا المُحال به

الشرط الثالث:

استقرار المال المُحال عليه، لا المُحال به.

يُعبر عنه بعض الفقهاء -عن هذا الشرط- يقولون: أن تكون الحوالة على دَينٍ مستقرٍّ في ذمة المحال عليه.

فإذنْ ما الفرق بين المحال عليه والمحال به؟

المحال عليه: هو الدين الذي على الشخص المحال عليه.

المحال به: الدين الذي على المُحيل.

اشتريت منك سيارةً بعشرة آلافٍ، الآن ثبت في ذمتي دينٌ، وهو عشرة آلافٍ، هذا يسمى “محالًا به”، أطلب زيدًا من الناس عشرة آلافٍ، هذا “محالٌ عليه”، فلا بد أن يكون الدين المحال عليه مستقرًّا.

ما معنى “مستقرًّا”؟ يعني: ليس عرضةً للسقوط.

كيف يكون عرضة للسقوط؟

يعني عرضة للسقوط: أنه في أي وقتٍ أو في أي لحظةٍ يسقط؛ مثل: دَين الكتابة، دين الكتابة دينٌ غير مستقرٍّ؛ لأن المُكاتب يملك تعجيز نفسه، في أي وقتٍ يقول: والله ما استطعت أن أوفِّر لك دين الكتابة، مثل أيضًا: ثمن المبيع مدة الخيار، اشتريت سلعةً مثلًا بعشرة آلافٍ على أن لك الخيار مدة شهرٍ، يمكن أن تفسخ العقد بموجب الخيار، فثمن المبيع غير مستقرٍّ.

المهر قبل الدخول -مهر المرأة قبل الدخول- هو دينٌ غير مستقرٍّ في ذمة الزوج؛ لأنه ربما يُطلِّقها قبل الدخول؛ فتستحق النصف، ربما يكون هناك عيبٌ، لا يستقرُّ المهر إلا بالدخول.

إذنْ هم يشترطون أن يكون الدَّين المُحال عليه مستقرًّا، فلا يصح أن يكون الدين غير مستقرٍّ؛ وبناءً على ذلك: لا يصح أن تكون الحوالة على دين الكتابة، ولا تكون على مهر الزوجة قبل الدخول، ولا تصح الحوالة أيضًا على ثمن المبيع في مدة الخيار.

قال:

لا المُحال به.

يعني: الدين المُحال به لا يُشترط استقراره، بخلاف الدين المُحال عليه، لا يُشترط استقرار المحال به، فلو أن المشتري -في مثالنا السابق- أحال البائع بثمن المبيع في مدة الخيار، يعني: رجلٌ اشترى من آخر سيارةً، بكم؟ مثلًا نقول: بثلاثين ألفًا، فأتى وقال: أعطني الثلاثين، قال: أنا أطلب فلانًا ثلاثين ألفًا أيضًا في سلعةٍ من السلع، لكن فلانًا له الخيار، له خيار الشرط لمدة شهرٍ، فيقولون: هذا يصح؛ وذلك لأنه لا يُشترط استقرار الدين المُحال به، لو أحال المشتري البائع بثمن المبيع في مدة الخيار؛ صح.

وكذا لو أحال الزوج زوجته بمهرها قبل الدخول، لو أحالها بمهرها قبل الدخول على مَدِينٍ؛ صح، يعني مثلًا: الزوجة تطالب زوجها بالمهر قبل الدخول، فقال: أنا أعطيك هذا المهر الذي أطلبه فلانًا في ثمنِ مبيعٍ مدة الخيار.

فإذنْ المال المحال به لا يُشترط له الاستقرار، بخلاف الدين المحال عليه، فلا بد فيه من الاستقرار.

الشرط الرابع: كونه يصح السَّلَم فيه

الشرط الرابع:

كونه يصح السَّلَم فيه.

لأن ما لا يصح السَّلَم فيه؛ لا يتحرَّر المِثل فيه، وهذا الشرط لم يذكره كثيرٌ من الفقهاء، وفي الواقع أنه يرجع للشرط الأول: وهو تماثل واتفاق الدَّينين؛ ولهذا لم يذكره الموفَّق في “المقنع”، وكثيرٌ من الفقهاء لم يذكروا هذا الشرط.

الشرط الخامس: رضا المُحيل لا المُحتال

الشرط الخامس:

رضا المُحيل لا المُحتال.

إذا قالوا: المُحتال، يقصدون به: المُحال، عندنا الآن: المُحيل والمُحال والمُحال عليه.

فمن الذي يُشترط رضاه من هؤلاء، ومن الذي لا يُشترط؟

أما بالنسبة للمحال عليه، أولًا نبدأ بالمُحيل:

أما بالنسبة للمُحيل -فكما قال المؤلف- إنه يشترط رضاه؛ لأن الدَّين عليه، فلا يلزمه أن يُسَدِّده عن طريق الحوالة، قال الموفق بن قدامة: “ولا خلاف في هذا”، هذا سنُبيِّنه بعد قليلٍ؛ (الشيكات) مثلًا، (الشيكات) تكييفها الفقهي: أنها حوالةٌ، فلو أن شخصًا اشترى من آخر سيارةً، قال البائع: أعطني (الشيك)، قال: لا، أنا أُعطيك نقدًا، فلا نُلزم المشتري بأن يُعطيه (الشيك)؛ لأن (الشيك) حوالةٌ، والحوالة يُشترط فيها رضا المُحيل؛ فهنا إذنْ لا بد من رضاه، وهذا بالاتفاق؛ إذنْ المُحيل يُشترط رضاه بالاتفاق وبالإجماع.

المحال عليه: المُحال عليه لا يُعتبر رضاه؛ وذلك لأن للمُحيل أن يستوفي الحق بنفسه أو بوكيله، وقد أقام المُحالَ مقام نفسه في القبض؛ فلزم المُحالَ عليه الدفع إليه؛ كالوكيل، يعني: زيدٌ يطلب من مثلًا محمدٍ خمسين ألفًا، بدل أن يقول: أعطني خمسين ألفًا، يُرسل له دائنًا يطلبه خمسين ألفًا: أنا أُحوِّلك على فلانٍ من الناس، فأنت -يا محمد- تُعطيني الخمسين ألفًا، أو تُعطيها من آمرك أن تُعطيه إياها، أعطِ الخمسين ألفًا فلانًا، خالدًا مثلًا؛ فإذنْ المُحال عليه لا يُشترط رضاه، المُحيل يُشترط رضاه، هذا ليس فيه خلافٌ.

إذا كان المحال عليه مليئًا؛ فلا يُشترط رضا المحال

بقي المُحال، هل يُعتبر رضاه أو لا يُعتبر؟

نقول: في هذا تفصيلٌ، المؤلف قال بالنسبة للمُحيل:

رضا المُحيل لا المُحتال، إذا كان المُحال عليه مليئًا.

المؤلف فصَّل في هذا فقال: “إذا كان المُحال عليه مَلِيئًا”، فلا يُشترط رضا المُحال، الذي عبَّر عنه المؤلف بـ”المحتال”، وإذا كان المُحال عليه غير مليءٍ؛ فيُشترط رضاه.

إذنْ بهذا التفصيل سنُبيِّن المَلاءة، سنُبيِّنها بعد قليلٍ، ما المقصود بها، لكن نريد أن نضبط ما سبق:

عندنا: المُحيل، والمُحال عليه، والمُحال.

  • المحيل: يشترط رضاه.
  • المحال عليه: لا يشترط رضاه مطلقًا.
  • المحال: إذا كان المحال عليه مليئًا؛ فلا يُشترط رضاه، وإذا كان المُحال عليه غير مليءٍ؛ فيُشترط رضاه.

هذه خلاصة الكلام في هذه المسألة.

من يعيد لنا مرةً ثانيةً الخلاصة في هذا؟

أولًا نبدأ بالمحيل:

  • المحيل: يشترط رضاه.
  • المحال عليه: المحال عليه لا يشترط رضاه.
  • المحال: إذا كان المحال عليه مليئًا؛ فلا يشترط رضاه، وإذا كان غير مليءٍ؛ فيشترط رضاه.

معنى المَلاءة

طيب ما معنى “المَلاءة”؟

للمَلاءة أوصافٌ ثلاثةٌ

المَلاءة، قال المؤلف:

وهو من له القدرة على الوفاء، وليس مماطلًا، ويمكن حضوره لمجلس الحكم.

فسَّر الإمام أحمد رحمه الله “المَلاءة” بهذا التفسير، قال الإمام أحمد في تفسير المليء: أن يكون مليئًا بماله وقوله وبدنه.

أولًا: القدرة على الوفاء

الزركشي وفقهاء الحنابلة قالوا كما قال المؤلف: المليء بالمال معناه: القدرة على الوفاء، أن يكون قادرًا على الوفاء، لا يكون معسرًا بماله.

“وقولِه” المقصود بذلك: ألا يكون مماطلًا.

“وبدنِه”: أن يمكن حضوره إلى مجلس الحكم.

فلا بد من هذه القيود الثلاثة: أن يكون مليئًا بماله، فلا بد أن يكون قادرًا على الوفاء، لا يكون معسرًا ليس عنده شيءٌ، إذا كان معسرًا، حتى وإن كان تقيًّا صالحًا لكن ليس عنده شيءٌ؛ فلا يلزم المُحال قبول الحوالة.

ثانيًا: ألا يكون مماطلًا

“وقولِه”: ألا يكون مماطلًا، كم من إنسانٍ غنيٍّ لكنه مماطلٌ!

ضابط المماطلة

طيب، ما ضابط المماطلة؟

المماطلة يعني: كل يومٍ يأتي لك بعذرٍ، يتهرَّب، كل يومٍ تأتيه؛ يأتي لك بعذرٍ: أنه كذا، وأنه كذا، ويتهرَّب منك فيماطل، وهي محرَّمةٌ: مَطْل الغني ظلمٌ [3]، فإذا كان غنيًّا فهي محرمةٌ.

طيب ما الضابط فيها؟ العُرف، الناس يُفرِّقون، يقولون: فلانٌ مماطلٌ، فلانٌ وفيٌّ، فإذا كان هذا المُحال عليه إنسانًا مماطلًا، حتى وإن كان غنيًّا، وإن كان من أكبر التجار؛ لا يلزم المُحالَ قبول الحوالة؛ لأنه سوف يُتعِبه، كل يومٍ يأتي له بعذرٍ ويتهرَّب منه ونحو ذلك، هذا مماطلٌ.

ثالثًا: أن يمكن حضوره مجلس الحكم

الوصف الثالث: أن يمكن حضوره إلى مجلس الحكم.

نعم، هناك أشخاصٌ لا يمكن إحضارهم إلى مجلس الحكم؛ لوجاهتهم مثلًا؛ كالأمراء مثلًا، أن يكون أميرًا كبيرًا، ولو أُحيل عليه -أحالك المدين عليه- ما يمكن أن تُحضره في مجلس الحكم، لو رفع الأمر مثلًا للشرطة ما يستطيعون إحضاره في مجلس الحكم؛ إذنْ هذا المُحال لا يلزمه قبول الحوالة، إذا كان المُحال عليه لا يمكن حضوره إلى مجلس الحكم، يعني: إلى مجلس القضاء.

فهذا أحسن ما قيل في معنى “المليء”، اضبط هذا الوصف: أن يكون قادرًا على الوفاء، وغير مماطلٍ، ويمكن حضوره إلى مجلس الحكم، وهو الذي عبَّر عنه الإمام أحمد بعبارةٍ مختصرةٍ: أن يكون مليئًا بقوله وماله وبدنه”.

انتبه: هذه فائدةٌ نفيسةٌ -التي ذكرها المؤلف- قد لا تجدها في كثيرٍ من الكتب، في تفسير المَلاءة، المقصود بالمَلاءة.

إذا توفرت شروط الحوالة برئ المحيل من الدَّين

قال:

فمتى توفرت الشروط؛ برئ المحيل من الدَّين.

متى توفرت هذه الشروط الخمسة، وقَبِل المحال بالحوالة؛ فإن المحيل يبرأ من الدين بمجرد الحوالة.

وإن شَرَط المحال ملاءة المحال عليه فبان معسرًا؛ فإنه يرجع على المحيل ولا إشكال في هذا؛ لقول النبي : المسلمون على شروطهم [4].

لكن إذا لم يشترط المُحالُ مَلاءة المحال عليه، ورضي بالحوالة وهو يظن أن المُحال عليه مليءٌ، وتبيَّن أنه مفلسٌ أو مماطلٌ، أو مات بعد ذلك، أفلس أو مات أو ماطل بعد ذلك وقد رضي بالحوالة؛ فيقولون: إن المُحيل قد برئ.

وهذه المسألة محل خلافٍ بين أهل العلم:

  • القول الأول: هو ما ذكره المؤلف من براءة المُحيل، وأن المُحال ليس له في هذه الحال الرجوع على المُحيل؛ لأنه قد رضي بدون حقِّه، وقد فرَّط بعدم اشتراط مَلاءة المحال عليه، رضي بالحوالة، كان يُفترض أنه يشترط، يقول: أشترط مَلاءة المُحال عليه، إذا لم يشترط هذا الشرط؛ يكون مفرِّطًا؛ فبالتالي يَبرأ المُحيل، والمُحال عليه هو الذي يتحمل فيما إذا اكتشف بعد ذلك فَلَس المُحال عليه، أو مثلًا مماطلته، أو مثلًا أنه قد مات، أو نحو ذلك، وهذا هو القول هو المشهور من مذهب الحنابلة، وهو الذي قرَّره المؤلف.
  • والقول الثاني في المسألة، وهو روايةٌ عن الإمام أحمد: أن للمُحال في هذه الحال الرجوع على المُحيل؛ وذلك لأن الفَلَس -وكذا المماطلة- عيبٌ في الذمة، أشبه ما لو اشترى شيئًا يظنه سليمًا فبان معيبًا، ولأن المُحيل قد غر المحال بتلك الحوالة، فإن المحال لم يرض بنقل دينه إلى ذمة المُحال عليه إلا مع عدم المانع، وحينئذٍ فلا أثر لرضاه بتلك الحوالة؛ لأنه إنما رضي بها مع عدم المانع، فإذا وُجد المانع؛ فيكون المُحيل قد غَرَّه بتلك الحوالة، فيرجع على المُحيل، وهذا القول هو القول الراجح؛ لأن عدم مَلاءة المُحال عليه تُعتبر عيبًا، فإذا رضي بالحوالة ثم اكتشف أنه قد أفلس، أنه مفلسٌ، أو أنه مماطلٌ، أو أنه قد مات، وسوف يرجع على ورثته، وورثته ربما يكونون كثيرين، أو نحو ذلك؛ فحينئذٍ له الرجوع، وهذا هو القول الراجح.

فالصواب إذنْ: خلاف ما ذهب إليه المؤلف، الراجح: أن المُحال له الرجوع على المُحيل فيما إذا تبيَّن عدم مَلاءة المُحال عليه، ولو لم يشترط مَلاءة المُحال عليه، هذا هو القول الراجح في هذه المسألة، والله تعالى أعلم.

إذا لم تتوفَّر الشروط؛ لم تصح الحوالة، وإنما تكون وكالةً

قال:

ومتى لم تتوفَّر الشروط؛ لم تصح الحوالة، وإنما تكون وكالةً.

يعني: إذا تخلف شرطٌ من الشروط؛ لم تصح الحوالة، وإنما تكون وكالةً في اقتراضٍ، يعني: إذا لم تصح حوالةً؛ فمعنى ذلك: كأنه يقول: أنت -أيها الدائن لي- اذهب إلى فلانٍ من الناس، ووكِّله في أن يُقرضك عني، فكأنها وكالةٌ في اقتراضٍ، ويسميها بعض الفقهاء بــ”الحوالة على البَرِيء”، وهو المشهور عند فقهاء الحنفية.

على كل حالٍ: سواءٌ سميناها وكالةً، أو حوالةً على بريءٍ، لا مشاحة في الاصطلاح.

تطبيقات معاصرةٌ على الحوالة

انتهينا من عبارة المؤلف، لكن عندنا بعض التطبيقات المعاصرة التي نذكرها للحوالة:

من التطبيقات المعاصرة للحوالة: الشيك، الشيكات التجارية، وهي أحد أنواع الأوراق التجارية، الأوراق التجارية لها ثلاثة أنواعٍ: الشيكات، والكمبيالات، والسندات لأمرٍ.

فالشيكات: أشهرها، وهي التي يتعامل بها الناس اليوم، والتكييف الفقهي للشيك: أنه حوالةٌ.

المُحيل من هو؟ هو الساحب للشيك المحرَّر.

المُحال عليه من هو؟ المصرف الذي هو مسحوبٌ عليه، الذي هو عندنا في المملكة، لا بد أن يكون مصرفًا.

المُحال: هو المستفيد الذي يُكتَب اسمه في الشيك: ادفعوا لأمر فلان ابن فلانٍ، هذا هو المحال.

إذنْ الشيك يُعتبر حوالةً؛ بناءً على ذلك: من اشترى من آخر سلعةً، وحرَّر له المشتري شيكًا؛ يكون قد أحاله على المصرف.

البائع هل يلزمه قبول الشيك، أو له أن يمتنع؟ يلزمه قبول الشيك؛ لأنه قد أحاله على مليءٍ.

ونحن قلنا: إن المحال يُشترط رضاه أو لا يشترط؟ لا يُشترط، المُحال لا يُشترط رضاه إذا كان المُحال عليه مليئًا، المصرف هنا هو المُحال عليه، وربما نُعبر هنا عن المَلاءة بالنسبة للمصرف بأن يكون له رصيدٌ، فإذا كان له رصيدٌ في البنك؛ فيلزم المُحال قبول الشيك.

نحن قلنا: يُشترط رضا المُحيل، لو اشترى رجلٌ من آخر عمارةً، عقارًا بمليون ريالٍ، ثم إن المشتري أعطى البائع ثمن العقار مليون ريالٍ نقدًا، فقال البائع: أنا ما أقبل نقدًا، أُريد شيكًا فرفض المشتري، قال: ما عندي إلا نقدٌ، فما الحكم؟ هل يلزم البائع قبول النقد؟ أو له أن يُلزم المشتري بأن يدفع شيكًا؟

يلزمه قبول النقد، لماذا؟ هذا فرعٌ لقولنا: إن المُحيل يُشترط رضاه؛ لأن التكييف الفقهي للشيك: أنه حوالةٌ، والمُحيل هو الساحب للشيك، نقول: لا يُشترط رضاه باتفاق العلماء، حينئذٍ نقول: لا تُلزِمني أن أعطيك شيكًا، أعطيك شيكًا، أعطيك نقدًا، لا تُلزِمني؛ لأنه يُشترط رضاه (المُحيل)؛ وبناءً على ذلك: ما يفعله بعض كُتَّاب العدل الذين يُلزمون المشتري بأن يدفع شيكًا؛ هذا لا وجه له، دَفَعَ شيكًا أو دفع نقدًا، هو بالخيار.

فإذنْ هذا تفريعٌ للمسألة التي ذكرها الفقهاء في هذا من اشتراط رضا المُحيل.

طيب، لو أن المستفيد من الشيك قد ظهَّر الشيك، والتظهير يسمى “التجيير”، يُسمونه “التجيير”، يعني: عندما تأخذ الشيك؛ مثلًا يكتب لك شخصٌ شيكًا بعشرة آلافٍ، تقول: وعنِّي لأمر فلان ابن فلانٍ، يكون المستحق هو فلانٌ، وتُوقِّع، هذا يسمى “تجييرًا” أو “تظهيرًا”.

هذا “التجيير” أو “التظهير” بالشيك يُعتبر حوالةً جديدةً تنتقل فيها من كونك مستفيدًا من هذا الشيك مُحالًا، إلى كونك مُحِيلًا، وربما يكون هناك أكثر من “تجييرٍ”، أكثر من “تظهيرٍ”؛ ولذلك إذا أراد الساحب للشيك المحرَّر أن يمنع هذا “التظهير” ماذا يفعل؟ يكتب: “يُصرَف للمستفيد الأول”، إذا كتب: يُصرَف للمستفيد الأول؛ لا يمكن للمستفيد أن يُجيَّره، وإنما لا بد أن يصرفه، يصرف هذا الشيك.

بعض البنوك تقبل الشيكات الموجهة إليها من بعض العملاء والعميل ليس له رصيدٌ في البنك أصلًا، وهذا ما يُسمى بـ”السحب على المكشوف”، فإذا كان هذا دون فوائد ربويةٍ؛ فهو جائزٌ، لكن الغالب أن البنوك لا تقبل هذا إلا بفوائد ربويةٍ، فإذا كان بفوائد ربويةٍ؛ فإن هذا محرمٌ ولا يجوز، لكن إذا كان دون فوائد ربويةٍ؛ فلا يُعتبر هذا حوالةً عند الجمهور، وإنما يكون -كما قلنا قبل قليلٍ- “وكالة اقتراضٍ”، وعند الحنفية يسمونه “حوالةً على بريءٍ”، فإذا كان دون فوائد ربويةٍ لا إشكال في جوازه، سواءٌ سميناه “وكالةً”، أو سميناه “حوالةً على بريءٍ”، أما إذا كان بفوائد ربويةٍ -وهو الغالب- فإن هذا محرمٌ.

طيب، أيضًا من التطبيقات المعاصرة: “شركات التحويلات المصرفية”.

يعني عندما تُريد أن تُحوِّل مبلغًا من بلدٍ إلى بلدٍ آخر ويُعطونك شيكًا، إذا كان بنفس العملة، يعني: ريالات سعودية بريالاتٍ سعوديةٍ مثلًا، أو دولارات بدولارات، أو يورو بيورو، فهذا يسمى بــ”السُّفْتَجَة”، يسميه الفقهاء بــ”السُّفْتَجَة”، “السُّفْتَجَة” كلمةٌ فارسيةٌ، لكن أصبحت معرَّبةً، معنى “السُّفْتَجَة”: معاملةٌ ماليةٌ يُقرض فيها إنسانٌ قرضًا لآخر؛ ليُوفِّيه المقترض أو نائبه أو مَدِينه في بلدٍ آخر”، التي يسميها الناس الآن “حَوالةً”، يعني: تُحوِّل مبلغًا إلى إنسانٍ في مكة أو في الدمام أو في أي بلدٍ آخر، لكن بنفس العملة، هذا يسمى “سُفْتَجَةً”، وكان عبدالله بن الزبير يأخذ من الناس أموالًا، ويكتب لهم بها إلى أخيه مصعبٍ في العراق، فكانت السُّفْتَجَة موجودةً من قديمٍ.

اختلف الفقهاء في حكمها؛ فالجمهور على عدم الجواز، بل هو رأي المذاهب الأربعة كلها: الحنفية والمالكية والشافية والحنابلة على أنها لا تجوز، ولو أخذنا بقول الجمهور الآن؛ للحق الناس حرجٌ عظيمٌ.

طيب، ما الفائدة من السُّفْتَجَة؟

أمن خطر الطريق، فالجمهور يقولون: إن السُّفْتَجة تدخل في القرض الذي جَرَّ نفعًا؛ وذلك لأن المقرض يستفيد من ذلك أمن خطر الطريق، فيدخل هذا في القرض الذي جر نفعًا.

والصحيح: أنها جائزةٌ، وهو مرويٌّ عن عددٍ من الصحابة، وروايةٌ عن الإمام أحمد، ومرويٌّ عن علي بن أبي طالبٍ وابن عباسٍ وابن الزبير ، وكما قلنا: روايةٌ عن الإمام أحمد، وهو روايةٌ عند المالكية أيضًا، واختار هذا القول الموفق ابن قدامة في “المغني”، واختاره أبو العباس ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله، وهو الذي عليه قول أكثر العلماء المعاصرين، بل هو الذي عليه الفتوى وعليه العمل؛ وذلك أن المنفعة التي في السُّفْتَجة ليست خاصةً بالمقرض، بل تشمل المُقرض والمُقترض، انتبه لهذا، فالمُقرض ينتفع بأمن خطر الطريق في نقل دراهمه من بلدٍ إلى بلدٍ آخر، والمُقترض ينتفع بأيِّ شيءٍ؟ بالقرض، ففيه مصلحةٌ للطرفين، وكما قرَّر شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم: أن الشارع لا يُحرِّم ما فيه مصلحةٌ للناس، لا يَرِد بتحريم المصالح التي لا ضرر فيها.

وهذا يقودنا إلى معرفة ضابط المنفعة المحرمة في القرض، هل كل قرضٍ فيه منفعةٌ يكون حرامًا؟

ابن حزمٍ يقول: لو قلتم بهذا، ما من قرضٍ في الدنيا إلا وفيه منفعةٌ؛ فمعنى ذلك: حرِّموا القروض كلها، ولهذا لا بد من ضابطٍ، و”كل قرضٍ جر نفعًا فهو ربًا”، لا يصح حديثًا عن النبي ، وإنما هو قاعدةٌ، وليست على إطلاقها، إذنْ هذا يقودنا إلى ضابط المنفعة المحرمة في القرض، والصحيح: أن الضابط فيها كما بيَّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وانتبه لهذا: أن الضابط في المنفعة المحرمة في القرض هي المنفعة التي يَختص بها المقرض دون المقترض.

أما المنفعة المشتركة بينهما ولا يتمحَّض فيها جانب المقرض؛ فهذه جائزةٌ، ومن ذلك: السُّفْتَجَة، السُّفْتَجَة فيها منفعةٌ للطرفين: للمقرض وللمقترض؛ ولذلك فالقول الراجح، وهو الذي عليه الفتوى، فتوى مشايخنا: أنها جائزةٌ ولا بأس بها.

طيب، لو كانت المنفعة للمقترض دون المقرض، نُوضح هذا بمثالٍ، يعني مثلًا: في بطاقات (الفيزا) التي تكون طبعًا دون رصيدٍ، دون غطاءٍ، ويُقرض البنك العميل مثلًا عشرة آلاف ريالٍ، ويسددها خلال فترة السماح المجانية، لو أن البنك أهدى لأحد العملاء هديةً، لأحد عملاء هذه البطاقات، فالبنك يُعتبر مقرضًا أم مقترضًا؟ مقرضًا، والعميل مقترضًا، فالهدية الآن من المُقرض للمقترض، وليس من المقترض للمقرض، من المقترض للمقرض هذه محرمةٌ؛ ولذلك هدايا البنوك لعملائها حرامٌ لا تجوز، لكن هدايا البنوك لأصحاب بطاقات الائتمان غير المغطَّاة (فيزا) مثلًا، فنقول: إنها لا بأس بها؛ لأنها هديةٌ من مُقرض إلى مقترضٍ، والممنوع: من مقترضٍ إلى مقرضٍ؛ وعلى ذلك: سألني أحد الإخوة قال: إن في بطاقات (الفيزا) مصرف الراجحي، يُعطون هدايا لبعض عملاء بطاقات (الفيزا)، وسألت الهيئة الشرعية عندهم، فقالوا: إنهم كيَّفوها بهذا: أنها هديةٌ من مُقرضٍ إلى مقترضٍ، وهذه لا بأس بها، لكن لو كان العكس: من مقترضٍ إلى مُقرضٍ؛ هذه محرمةٌ ولا تجوز.

وهناك رسالة ماجستير في المنفعة في القرض، وهي من أحسن ما كُتب في هذا، للشيخ عبدالله العمراني، من أفضل ما كُتب في ضبط المنفعة في القرض والكلام عنها بالتفصيل، وهي مطبوعةٌ وموجودةٌ في المكتبات، لكن هذا هو خلاصة الكلام في المنفعة المحرمة في القرض.

إذنْ السُّفتَجًة فيها منفعةٌ، لكنها منفعةٌ مشتركةٌ، وليست خاصةً بالمُقرض؛ ولهذا فالقول الصحيح: أنها جائزةٌ.

طيب، إذا كانت شيكات التحولات المصرفية، وهذه التي فيها الإشكال، إذا كانت بعملةٍ أخرى، ليست بنفس العملة، إذا كانت بعملةٍ أخرى، يعني: يريد أن يُحوِّل عشرة آلاف ريالٍ سعوديٍّ إلى عملاتٍ مثلًا أجنبيةٍ، إلى عملاتٍ مثلًا يمنيةٍ، أو مصريةٍ، أو بالدولار، أو باليورو، أو بأي عملةٍ أخرى، فهنا اجتمع: صرفٌ وحوالةٌ، لو أنه صَرَفها ثم حوَّلها؛ لم يكن في هذا إشكالٌ، لكن يلحق الناس ضررٌ لو قلنا: اصرفوا ثم حوِّلوا، فإنك عندما تصرف هذا المبلغ ثُم تريد أن تعيده مرةً أخرى للبنك؛ تَنقص قيمته؛ ولهذا فقد درس “مجمع الفقه الإسلامي” هذه المسألة، وأصدر قرارًا باعتبار القيد في المصرف، أنه في مقام القبض، وجاء في نص القرار: “يقوم استلام الشيك مقام القبض عند توفُّر شروطه، ويُعتبر القيد في دفاتر المصرف في حكم القبض لمن يريد استبدال عملةٍ بأخرى”.

فالبنك مجرد أنه يأخذ منك العملة ويُقيِّدها في دفاتره، في أوراقه، في نفس الوقت، ويعطيك بهذا شيكًا أو سندًا، يكفي هذا، ولا يلزم أن تقول للبنك: أعطني العملة، ثم أرجع لك مرةً ثانيةً.

يعني افترض مثلًا: تُريد شيكًا بدولاراتٍ، أعطيك عشرة آلاف ريالٍ، وقلت: أعطوني شيكًا بدولاراتٍ، فلا يلزم أن تقول للبنك: أعطوني الآن، اصرفوا لي دولاراتٍ، تأخذ الدولارات تَعدُّها ثم ترجعها لهم مرةً أخرى، هذا أشبه بالعبث، الشريعة لا تأتي بهذا، تأخذها ثم ترجعها مرةً ثانيةً! لكن يكفي القيد في دفاتر المصرف.

لكن بشرطٍ، انتبهوا لهذا الشرط، بشرط: أن يكون المصرف يملك العملة المحوَّل إليها في صندوقه المحلي أو صندوقه المركزي، فإن كان المصرف لا يملك العملة، لا في صناديقه المحلية، ولا في صندوقه المركزي؛ فلا يجوز؛ وذلك لأنه يكون قد صارَف بما لا يملكه، أشبه ما لو صارف تاجرٌ ذهبًا بفضةٍ وقال: أعطني الذهب وأعطيك الفضة، سوف أوفِّرها لك فيما بعد، فإن هذا لا يجوز بالاتفاق، هكذا أيضًا بالنسبة للمصرف، عندما يُصارف بعملةٍ لا يملكها، لا في الصندوق المحلي، ولا في الصندوق المركزي.

وعلى هذا: من أراد التحويل فإنه يختار عملةً مشهورةً، يغلب على الظن وجودها عند المصرف، مثل: الدولار أو اليورو، لكن لو أخذ عملةً غير مشهورةٍ، وربما البنك لا توجد لا في صناديقه المحلية ولا حتى في صندوقه المركزي، فيكون البنك قد صارف بما لا يملك، وهذا لا يجوز.

فانتبه لهذه المسألة؛ لأن بعض الناس مثلًا يأتي يقول، يُطلب منه الصرف بعملةٍ يَمَنيةٍ، والعملة اليَمَنية لا توجد، لا في الصندوق المحلي، ولا حتى في الصندوق المركزي، فيكون البنك صارَف بما لا يملك؛ ولذلك -كما ذكرت- يختار عملةً مشهورةً؛ لأنه حتى موظف البنك ربما لا يدري هل البنك يملك هذه العملة في صندوقه المركزي أم لا، يعني حتى ربما لو سألت موظف البنك، ربما لا يُعطيك إجابةً صحيحةً؛ ولذلك فالأحسن أن تختار عملةً مشهورةً، يغلب على الظن وجودها لدى المصرف، هذه كلها فروعٌ وتطبيقاتٌ على مسائل الحوالة.

ونكتفي بهذا القدر، ونقف عند باب الصلح، ربما تكون هناك مسائل لم نذكرها تَرِد في الأسئلة.

مداخلة:…

الشيخ: إذا كان يملكها؛ تجوز، ما يوجد إشكالٌ.

الأسئلة

السؤال: أحسن الله إليكم، هل تبرأ الذِّمة بالحوالة من المحيل على المحال من… الزكاة؟

الجواب: ما أدري، السؤال غير واضحٍ، طيب، على كل حالٍ: الأخ السائل يُوضح سؤاله، السؤال بعده.

السؤال: هل الشيك حوالةٌ عند من يعتبر المال عند البنك وديعةً؟

الجواب: أولًا: القول باعتبار المال عند البنك أو الحساب الجاري وديعةً، هذا قولٌ ضعيفٌ، كيف يكون وديعةً والبنك يتصرف فيه؟! ربما يتصرف فيه وأنت تشاهد، تُسلِّمهم مبلغًا ويتصرفون فيه، يعطونه عميلًا آخر، ليس هذا من شأن الودائع، الودائع تُحفظ، ثم أيضًا البنك ضامنٌ لك لو احترق البنك، سلمت لهم المبلغ، واحترق أمامك وأنت تنظر من غير تعدٍّ ولا تفريطٍ من البنك؛ يضمنه البنك، وهذا ليس من شأن الودائع، هذا من شأن القروض، ولذلك فالقول بأنها وديعةٌ، هذا قولٌ ضعيفٌ، والصواب: أنه قرضٌ؛ لأن حقيقة القرض تنطبق عليه تمامًا، القرض: دفع مالٍ لمن ينتفع به ويرد بدله، ينطبق على المال المودَع في البنوك، الذي يوضع في البنوك؛ فبناءً على هذا: يكون الشيك حوالةً، لكن على هذا القول -القول الثاني- لا شك لا يُعتبر حوالةً، لكن نحن ذكرنا بناءً على القول الذي عليه عامة أو أكثر العلماء المعاصرين، وهو الذي قررته المجامع الفقهية والهيئات العلمية: أن الحساب الجاري يُعتبر قرضًا وليس وديعةً.

السؤال: هذا أخٌ يقترح اقتراحًا في درس التفسير: أن يُعاد قراءة الآيات مرتلةً بعد تفسيرها؛ ليكون ذلك ترسيخًا له؟

الجواب: نعم نعم، هذا اقتراحٌ جيدٌ، يعني كونها مثلًا بعدما نفهم معاني الآيات، ونفهمها جيدًا نقرؤها مرةً أخرى، هذا اقتراحٌ جيدٌ.

السؤال: أحسن الله إليكم، إذا أحال رجلٌ على مليءٍ، لكنه يتعامل بالربا، وأنا أعلم أن ماله حرامٌ، فهل لي رد الحوالة؟

الجواب: ليس لك رد الحوالة؛ لأنك إنما تستوفي حقك، وليس لك علاقةٌ بكونه يتعامل بحرامٍ أو لا؛ لذلك النبي تعامل مع اليهود؛ لأنها تجارةٌ، بيعٌ وشراءٌ، تُوفِّي ودرعه مرهونٌ عند يهوديٍّ [5]، وليس لك علاقةٌ بتعاملاته، اليهود أكلوا السحت، ومع ذلك تعامل النبي عليه الصلاة والسلام معهم، أنت مجرد أن تستوفي الحق الذي لك، وهذا الرجل حوَّلك على دينٍ يطلب به فلانًا، وهذا الدين متعلقٌ بذمته، وليس بعين ماله، بذمته؛ ولهذا نقول: لا حرج في هذا، والتعامل بالتجارة مع الفاسق أو حتى مع الكافر يجوز، النبي عليه الصلاة والسلام تعامل مع اليهود؛ ولذلك تجد بعض الناس يقول مثلًا: أريد أن آخذ مرابحةً، يسميها بعض الناس “قرضًا”، التسمية هذه غير صحيحةٍ، ليست قرضًا، لكن يسمونها “قرضًا”، وهي مرابحةٌ، أو تورُّقٌ من بنكٍ من البنوك غير المحافظة.

نقول: لا حرج في هذا، لا يلزم أن تأخذ من البنوك المحافظة، حتى لو أخذت من أي بنكٍ؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام تعامل مع اليهود، وهؤلاء لن يكونوا في مرتبة اليهود، لا شك هم مسلمون، لكن عندهم بعض التقصير وبعض الأخطاء؛ ولذلك لا حرج في أن تتعامل معهم في التجارة، في البيع أو الشراء ونحو ذلك، لا حرج في ذلك، تشتري مثلًا عقارًا عن طريق هذا البنك، أو تبيع عن طريق هذا البنك، لا حرج في ذلك، الإشكال: هو فقط في الحساب الجاري؛ لأن الحساب الجاري قرضٌ، القرض هو الذي تَرِد عليه مسألة “الإعانة”، أما مسألة “المتاجرة”، فأنت تفعل ذلك لمصلحتك، ولا حرج في ذلك ولا إشكال، والأصل فيه تعامل النبي مع اليهود.

السؤال: أحسن الله إليكم، إذا قلنا: المنفعة إذا كانت متبادلةً بين الطرفين فجائزٌ، فلعل البعض يقيس عليها القرض الربوي، يقول: أن يُفرِّج حاجته وهو يُفيدني بالزيادة؟

الجواب: القرض الربوي المنفعة متمحِّضةٌ للبنك؛ لأن هذا الإنسان المقترض ليس له منفعةٌ، هو بالعكس تترتب في ذمته ديونٌ كثيرةٌ، ويستغل البنك حاجته، فيكون الربا في ذمته أضعافًا مضاعفةً، لا شك أن هذا الإنسان إذا كان معسرًا؛ يجب أن يُنظِره، وهنا المنفعة واضحٌ أنها متمحِّضةٌ للبنك، أو على الأقل راجحةٌ في مصلحة البنك؛ ولذلك فهي محرمةٌ.

السؤال: أحسن الله إليكم، بيني وبين أحد الإخوة طلاب العلم محبةٌ في الله لا تخالطها دنيا بحمد الله، والأخ يُشرف على أحد المراكز التعليمية في اليمن، وقد يسَّر الله لي أن أكون واسطة خيرٍ ودليلًا على… بكونه طالب علمٍ بجامعة الإمام، وقد أهدى لي هذا اليوم هديةً، السؤال: هل يحل لي قبولها؟

الجواب: لا حرج في ذلك، كونك أحسنت له وأسديت له معروفًا وأهدى لك هديةً، هذا من الإحسان أيضًا، والإنسان إذا أسدى إليه إنسانٌ معروفًا؛ فينبغي أن يكافئه ولو بالدعاء، ولو بأن يقول: جزاك الله خيرًا، فكونه قد أهدى له هذه الهدية، نقول: لا حرج في ذلك إن شاء الله.

السؤال: أحسن الله إليكم، إذا كان المحال عليه في بلدٍ أخرى في الشمال أو الجنوب، فهل يجب على المحال قبول الحوالة؛ فإن فيها مشقةً؟

الجواب: إذا كان هناك ضررٌ؛ فلا يلزم قبول الحوالة؛ لأن القاعدة الشرعية: “لا ضَرَر ولا ضِرار”، مثلًا: كونه في الرياض ويحيلك على مدينٍ له في أقصى الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب، فحينئذٍ يلحقك الضرر، فلا يلزم قبول الحوالة في هذه الحالة.

السؤال: إذا كان المحال يجهل حال المحال عليه؟

الجواب: هذه المسألة التي ذكرناها قبل قليلٍ، يقولون: إذا رضي؛ فقد برئ المحيل، هذا عند الحنابلة، لكن الصحيح: أنه إذا تبين أن المحال عليه غير مليءٍ؛ فالصحيح أنه يرجع على المحيل، هذا هو القول الراجح.

السؤال: أحسن الله إليكم، هل لا بد في السُّفْتَجَة من كون المحال عليه مدينًا، أم أن كل تحويلٍ يسمى “سُفْتَجَةً”؟

الجواب: لا بد أن يكون مدينًا، فإن لم يكن مدينًا؛ فتَرِد المسألة التي أشرنا إليها: وهي أنها لا تسمى عند الجمهور “حوالةً”، وإنما تسمى “وكالةً”، وعند الحنفية يسمونها “الحوالة على البريء”، وعند البنوك يسمونها “السحب على المكشوف”، فإذا كانت دون فوائد ربويةٍ؛ لا بأس بها، لكن الغالب: أن البنوك لا تقبل ذلك إلا بفوائد ربويةٍ، إذا كانت فوائد ربويةً؛ تكون محرمةً.

السؤال: أحسن الله إليكم، ما حكم التصفيق، ولو قلنا بحرمته؛ هل يحرم سماعه؟

الجواب: التصفيق محل خلافٍ بين العلماء:

  • منهم من ذهب إلى تحريمه وقال: إن الله تعالى ذكره من خصال المشركين: وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً [الأنفال:35]، يعني: صَفِيرًا وتصفيقًا كما قال المفسرون.
  • والقول الثاني في المسألة: أنه مكروهٌ وليس محرمًا، وهذا هو الأقرب، وهو اختيار الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، وليس محرمًا؛ وذلك لأن الآية الكريمة إنما ورد فيها الذنب؛ لكون هؤلاء المشركين استبدلوا العبادة بالصفير والتصفيق، استبدلوا الصلاة بالصفير والتصفيق: وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً، فالذنب إنما كان على استبدالهم الصلاة بالصفير والتصفيق، وليس هناك دليلٌ آخر يدل على تحريم التصفيق غير هذا، وحينئذٍ تكون الدلالة غير ظاهرةٍ في التحريم، وإنما قلنا: إنه مكروهٌ، ولم نقل: إنه مباحٌ؛ لما نعلمه من أن النبي كان يأمر أصحابه عندما يتعجبون من شيءٍ، أو عندما ينوبه شيءٌ بالتسبيح أو التكبير، وقال : إنما التصفيق للنساء [6]، وحينئذٍ فالمطلوب هو التكبير أو التسبيح وليس التصفيق، لكن بناءً على القول الراجح لا يُنكر على من فعل ذلك باعتبار أنه ليس بمحرمٍ.

مداخلة:

الشيخ: إذا وُجد حاجةٌ؛ كأن يكون لأطفالٍ ونحو ذلك؛ فلا حرج؛ لأننا قلنا: إنه ما دام قررنا أنه غير محرمٍ؛ فالأمر فيه واسعٌ.

مداخلة:

الشيخ: لا، الأطفال ينبغي أيضًا أن يُحَثُّوا على السنة، فالأمر فيه واسعٌ، ويبين لهم أن السنة هو التسبيح والتكبير، هذا هو المطلوب: أن يُرَبَّوا على هذا، لكن ترد مسألة الإنكار: هل يُنكر على من صفَّق أم لا؟ بناءً على القول الراجح لا يُنكر عليه باعتبار أنه لم يرتكب منكرًا أو أمرًا محرمًا.

السؤال: أحسن الله إليكم، ما حكم من يدرس العلم الشرعي في الجامعات ونِيَّته تشترك في الرغبة في طلب العلم والرغبة في الحصول على وظيفةٍ؟

الجواب: نعم، هذه المسألة أشرت إليها في بداية الدرس، قلت: إنها محل خلافٍ بين العلماء، والصحيح: أنه لا بأس بها، لكن يجعل النية في الأصل: طلب العلم، هذا هو القول الراجح، وله أدلةٌ كثيرةٌ؛ منها: قول الله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198]، قول النبي عليه الصلاة والسلام: من قَتَل قتيلًا له عليه بيِّنةٌ؛ فله سَلَبُه [7]، وأدلةٌ أخرى في هذا، لكن لا شك أن كون النية تكون لطلب العلم لله ، هذا هو المطلوب، لكن أؤكد على ما ذكرته: أن هناك فرقًا بين أن يريد بذلك أمرًا من أمور الدنيا، وبين الرياء، الرياء يُبطل العمل قليله وكثيره: من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري؛ تركته وشِرْكه [8].

فالرياء مسألةٌ غير واردةٍ، لكن كلامنا فيمن أراد عَرَضًا من الدنيا؛ كأن يريد شهادةً مثلًا بهذا العلم، مع نية العلم لله ، الصحيح: أن هذا لا يُحبِط العمل، وأنه لا حرج عليه.

السؤال الأخير: أحسن الله إليكم، رجلٌ سجد فرفع رجليه على الأخرى…، وفعل ذلك مرتين في صلاةٍ واحدةٍ وهو جاهلٌ، فما الحكم؟

الجواب: صلاته صحيحةٌ؛ لأنه قد أتى بالسجود على الأعضاء السبعة، لكنه رفع بعضها على بعضٍ وقت السجود، ومثل هذا -على القول الراجح- لا يُفسد الصلاة؛ لأنه قد أتى بالركن، ولكن لو أنه لم يسجد على الأعضاء السبعة طِيلة السجود، يعني: من حين أن سجد إلى أن رفع وهو لم تَصِل رجله إلى الأرض، قد وضعها على الرجل الأخرى؛ حينئذٍ يكون قد أخَلَّ بركنٍ من أركان الصلاة، أما لو كان قد وضعها على الأرض ثم رفعها -كما ذكر الأخ السائل- فالراجح أن صلاته صحيحةٌ.

طيب، إن كان هناك أسئلةٌ شفهيةٌ.

السؤال: الحوالة بالأدنى على الأعلى، لماذا لا يقال بصحتها…؟

الجواب: الحوالة بالأدنى على الأعلى، إذا كان بنفس المال، يعني عشرة آلاف ريالٍ، أنا أطلب فلانًا عشرين ألفًا، خذ منها عشرة آلاف ريالٍ، هذه لا إشكال في جوازها، لا إشكال، الإشكال لو أحاله بالعشرة على العشرين؛ هنا يرد الإشكال، أما كونه مثلًا يطالب فلانًا مبالغ كبيرةً، يطلبه مئة ألفٍ، مئتي ألفٍ، مليونًا، فشخصٌ يطلبه عشرة آلافٍ حوَّله عليه، هنا لا إشكال في جوازه عند عامة الفقهاء، لكن الإشكال لو أحاله بكامل المبلغ، فهنا يرد الإشكال، فإذا اعتبره هِبةً؛ جاز، وإذا لم يعتبره هبةً؛ لم تصح الحوالة في هذه الحال.

يوجد أسئلةٌ؟

إذنْ نكتفي بهذا القدر، ونسأل الله للجميع الفقه في الدين، والعلم النافع، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه الترمذي: 1309، وابن ماجه: 2404، وأحمد: 5395.
^2 رواه البخاري: 2287، ومسلم: 1564.
^3 رواه البخاري 2400، ومسلم: 1564
^4 رواه أبو داود: 3594، والطبراني: 30، والدارقطني: 2890، والحاكم: 2337، وذكره البخاري تعليقا: 2/ 92.
^5 رواه البخاري: 2916.
^6 رواه البخاري: 1234، مسلم: 421.
^7 رواه البخاري: 3142، ومسلم: 1751.
^8 رواه مسلم: 2985.
zh