عناصر المادة
باب الضمان والكفالة
قال المصنف رحمه الله:
تعريف الضمان لغةً واصطلاحًا
نبدأ أولًا بالتعريف، تعريف الضمان وتعريف الكفالة.
“الضمان” في اللغة: مشتقٌّ من الضِّمْن، فتصير ذمة الضامن في ضمن ذمة المضمون عنه، مشتقٌّ من الضِّمْن، وقيل: مشتقٌّ من الانضمام؛ لأن ذمة الضامن تنضم إلى ذمة المضمون عنه، وقيل: من التضمُّن؛ لأن ذمة الضامن تتضمن الحق، فهذه ثلاثة اشتقاقاتٍ: الضِّمن، والانضمام، والتضمن.
ومعناه في اصطلاح الفقهاء: ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق، فيثبت في ذمتهما جميعًا، هذا تعريف الموفق بن قدامة في “المغني”.
التعريف مرةً أخرى: ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق، فيثبت في ذمتهما جميعًا، يعني: الحق.
الفرق بين الضمان والكفالة
هل هناك فرقٌ بين الضمان والكفالة؟
من الفقهاء من يطلق الضمان على الكفالة، والكفالة على الضمان، ولكن غالب الفقهاء يفرقون بينهما، فيطلقون الضمان ويريدون به التزام المال، ويطلقون الكفالة ويريدون بها التزام إحضار البدل.
ويسمِّي بعض الناس اليوم الضمان بماذا؟ بــ”الكفالة الغرامية”، ويسمون الكفالة “الكفالة الحضورية”، عندهم في مراكز الشرطة يسمون الضمان “كفالةً غراميةً”، والكفالة “كفالةً حضوريةً”، ولا مشاحة في الاصطلاح، لكن لا بد من معرفة اصطلاحات الناس، فالعامة يطلقون على الضمان “كفالةً غراميةً”، وعلى الكفالة “كفالةً حضوريةً”.
حكم الضمان
والضمان جائزٌ بالكتاب والسنة والإجماع.
أما من الكتاب: فقول الله تعالى في قصة يوسف : وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ [يوسف:72]، يعني: كفيلٌ وضامنٌ.
وأيضًا من السنة: قول النبي : الزعيم غارمٌ [1]، أخرجه أبو داود والترمذي، وقال: حديثٌ حسنٌ.
وأجمع المسلمون على جواز الضمان في الجملة.
حكم أخذ عوضٍ على الضمان
والضمان من عقود الإرفاق والإحسان؛ ولذلك الأصل أنه لا يؤخذ عليه عوضٌ، وقد اتفق جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على أنه لا يجوز أخذ عوضٍ على الضمان.
انتبه لهذه المسألة، هذه مسألةٌ مهمةٌ: في الوقت الحاضر في ضمانات البنوك وما يسمى بـ”خطاب الضمان”، بعض البنوك، بل أكثر البنوك، تأخذ عمولةً مقابل الضمان.
فإذنْ جماهير الفقهاء يرون أنه لا يجوز أخذ عوضٍ على الضمان؛ وعللوا ذلك بأنه يؤول إلى القرض الذي جر نفعًا، انتبه للتعليل، عللوا ذلك بأنه قد يؤول إلى القرض الذي جر نفعًا، ووجه ذلك: أنه في حال أداء الضامن للمضمون عنه، يكون العوض مقابل هذا الدفع الذي هو بمثابة قرضٍ في ذمة المضمون عنه، يعني: الضامن إذا دفع عن المضمون عنه؛ كأنه أقرض المضمون عنه، فإذا أعطاه المضمون عنه أكثر مما دفع؛ فكأنه قرضٌ بفائدةٍ، ويؤول إلى قرضٍ بفائدةٍ؛ قالوا: ولأن هذا العقد مبناه على الإرفاق والإحسان، فإذا شرَط الضامن لنفسه عوضًا؛ خرج عن موضوعه، ولأنه في بعض الأحيان في بعض حالات الضمان يستوفي المضمون له من المضمون عنه، وحينئذٍ يكون أَخْذُ الضامن للعوض من أكل أموال الناس بالباطل، وهذه المسألة من المسائل المهمة الكبيرة، قد بُحثت ببعض المجامع الفقهية؛ منها “مجمع الفقه الإسلامي الدولي”، ورأى أنه لا يجوز أخذ عوضٍ على الضمان، وأن خطاب الضمان لا بد أن تكون العمولة فيه على الخدمات الإدارية الفعلية الحقيقية.
ومعلومٌ أن الآن التجارة الدولية كلها لا تنفك عن خطاب الضمان، أو ضمانات البنوك، لا أحد يستطيع أن يتعامل بالتجارة الدولية إلا بضمانٍ، بل حتى ليس هذا، حتى من يسافر من الطلاب والمبتعثين وغيرهم، لا بد من أن يحتاجوا إلى مثل هذه الضمانات من البنوك، ومن هنا تأتي الإشكالية: هل يجوز أخذ عمولةٍ على الضمان؟
كما ذكرنا، “مجمع الفقه الإسلامي” منع من هذا، والتزمت به بعض البنوك المحافظة، تسمى “البنوك الإسلامية”، مع أنه ربما هذا الالتزام يوقعهم في حرجٍ؛ فمثلًا: مصرف الراجحي يلتزم بهذا، وأحيانًا يكون الضمان ملايين، وتكون الخدمات الإدارية مئةً وخمسين ريالًا، أو مئتي ريالٍ، لكن البنك ملتزمٌ بهذا بناءً على قرار الهيئة الشرعية، لكن بعض البنوك، ومنها: بنك البلاد، بحثت الهيئة الشرعية لبنك البلاد هذا الأمر، فرأت أن تعليل المانعين؛ قالوا: لأن أخذ عوضٍ على الضمان قد يؤول إلى القرض الذي جرَّ نفعًا، فقالوا: نُجيز أخذ عوضٍ على الضمان إذا لم يَؤُل إلى القرض الذي جر نفعًا، فإذا آل إلى القرض الذي جر نفعًا؛ فليس للبنك إلا العمولة التي تكون مقابل الخدمات الإدارية الفعلية الحقيقية.
واضحٌ رأيهم؟
يقولون: نُجيز أن البنك يأخذ عمولةً مقابل الضمان، إلا في الحالة التي يؤول فيها الضمان إلى القرض، فنمنع البنك من أن يأخذ عمولةً على الضمان، والحالات التي يؤول فيها الضمان إلى القرض حالاتٌ قليلةٌ جدًّا أو نادرةٌ في الوقت الحاضر، لكن لأن البنك يدرس حالة من يريد أن يضمن عنه، لا يضمن عن أي أحدٍ، ولا يضمن إلا على من عرفه بالمَلاءة، فالهيئة الشرعية في بنك البلاد رأت هذا الرأي.
وبعض طلاب العلم يقول: إن المسألة محل إجماعٍ، أعني: أنه لا يجوز أخذ عوضٍ على الضمان، لكن الصحيح أنها ليست محل إجماعٍ، بل حتى لم نقف على من حكى الإجماع على هذا، إنما فقط المذاهب الأربعة اتفقت على هذا، والمذاهب الأربعة مر معنا أنها أحيانًا تتفق على رأيٍ ويكون الصواب خلافه، هذا له نظائر كثيرةٌ؛ مثلًا: الطلاق المعلق، الذي يفتى به الآن، لا يقع إذا كان المطلِّق لا يقصد الطلاق، وإنما قصد حثًّا أو منعًا أو تصديقًا أو تكذيبًا، مع أن المذاهب الأربعة على وقوع الطلاق.
وأيضًا أشرنا في درسٍ سابقٍ إلى استلحاق الزاني لولده من الزنا إذا لم تكن المزني بها فراشًا، المذاهب الأربعة ترى أنه لا يلحق، والقول الصحيح: إنه يلحق، وهكذا، فلا يُستدل باتفاق المذاهب الأربعة، المذاهب الأربعة تتفق أحيانًا على رأيٍ ويكون الصواب خلافه؛ ولهذا فهذه المسألة الحقيقةَ تحتاج إلى مزيد تأملٍ ونظرٍ، ولا شك قول الجمهور هو الأحوط، لكن القول الآخر: وهو أنه يجوز أخذ عمولةٍ على الضمان إلا إذا آل إلى القرض الذي جر نفعًا، لا شك أنه قولٌ وجيهٌ، قولٌ قويٌّ.
شرط صحة الضمان والكفالة
طيب، نرجع لعبارة المؤلف رحمه الله، قال:
يعني: الضمان والكفالة.
“تنجيزًا”؛ كأن يقول: أنا ضامنٌ الآن، أو أنا كفيلٌ الآن.
“وتعليقًا”؛ كأن يقول: إن أعطيته كذا؛ فأنا ضامنٌ لك، يعلقه بشرطٍ.
“وتوقيتًا”؛ كأن يقول: إن جاء رأس الشهر فأنا ضامنٌ لك، أو أنا كفيلٌ.
لاحِظ: كلامهم في الضمان أوسع من كلامهم في سائر العقود، سبق أن ذكرنا: أن الجمهور يمنعون من تعليق العقود، لكن في الضمان هنا يجيزونه؛ لأنهم يرون أنه من عقود التوثيق؛ ولهذا فالأمر فيه سعةٌ.
قال: “ممن يصح تبرعه” يعني: يشترط في الضمان والكفالة أن يكونا ممن يصح تبرعه: وهو الحر المكلف الرشيد؛ وذلك لأنه إيجاب مالٍ، فلم يصح إلا من جائز التصرف، طيب، حتى الكفالة؟ نقول: حتى الكفالة؛ لأن الكفالة -كما سيأتي- قد تنقلب إلى ضمانٍ، إذا تعذر إحضار المكفول؛ تنقلب الكفالة إلى ضمانٍ، وسيأتي الكلام عن هذه المسألة.
فإذنْ لا بد أن يكون الضامن وأن يكون الكفيل جائز التصرف.
قال:
“لربِّ الحق” يعني: للدائن أن يطالب الضامن، أو أن يطالب المضمون عنه، وله أن يطالبهما جميعًا، أما إذا عجز المضمون عنه عن السداد؛ فلا إشكال في أن للدائن مطالبة الضامن؛ لأن هذه هي الفائدة من الضمان، إذا عجز عن السداد أو حتى لم يعجز لكنه ماطل؛ فله أن يطالب الضامن.
مطالبة الضامن مع عدم تعذر مطالبة المضمون عنه
لكن هل للدائن مطالبة الضامن مع عدم تعذر سداد الدين من المضمون عنه؟
يعني إنسان مثلًا يطلب آخر دينًا يحل بعد سنةٍ، فلما حل الدين؛ ما ذهب للمدين، ذهب للضامن مباشرةً وطالبه، هل له ذلك؟ أو أنه لا بد أن يطالب المدين أولًا المضمون عنه، فإن تعذر؛ رجع للضامن؟
هذا محل خلافٍ بين الفقهاء:
- أولًا: ظاهر كلام المؤلف، وهو المذهب عند الحنابلة: أن له أن يطالب الضامن ولو مع عدم تعذر مطالبة المضمون عنه؛ لأنهم قالوا: إنه بالخيار، فله أن يطالب الضامن أو المضمون عنه، طبعًا هذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو قول الجمهور: إن له أن يطالب الضامن ولو مع عدم تعذر مطالبة المضمون عنه.
واستدلوا بقول النبي : الزعيم غارمٌ [2].
ووجه الدلالة: أن النبي أخبر بأن الزعيم الذي هو الضامن غارمٌ، ومعنى كونه غارمًا: أي ملزِمًا نفسه ما ضمنه؛ ومقتضى هذا الالتزام: أن يكون للدائن الحق في مطالبته بالدين ولو مع عدم تعذر مطالبة المضمون عنه؛ وعلل الجمهور لهذا فقالوا: لأن الحق قد ثبت في ذمة المضمون عنه بمقتضى الدين، وفي ذمة الضامن بمقتضى الضمان؛ فللدائن مطالبة من شاء منهما؛ كالضامنين، يعني: كما لو كان هناك أكثر من ضامنٍ، وقلنا: هذا هو قول الجمهور، وهو الذي عليه العمل في المحاكم.
- القول الثاني في المسألة، وهو مذهب المالكية: أن الدائن ليس له مطالبة الضامن إلا إذا تعذرت مطالبة المضمون عنه، إما لموته أو لغيبته أو لإفلاسه أو مماطلته، أو لغير ذلك من الأسباب؛ وعللوا لذلك قالوا: لأن الضامن فرعٌ والمضمون عنه أصلٌ، ولا يصار إلى الفرع إلا عند تعذر الأصل، ولأن الكفالة توثقةٌ وحفظٌ للحق، فهي جاريةٌ مجرى الرهن، والرهن لا يُستوفى منه إلا عند تعذر الاستيفاء من الراهن، وهذا هو القول الراجح والله أعلم، قول المالكية هو القول الراجح، لاحِظ أن مذهب المالكية في كثيرٍ من مسائل المعاملات هو الصحيح، وسبق أن قررنا هذا، نقلنا عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يقول: مذهب المالكية في أبواب المعاملات هو أجود المذاهب الأربعة.
إذنْ القول الراجح: هو قول المالكية، هو أنه ليس للدائن مطالبة الضامن إلا عند تعذر المضمون عنه، وقد نصره ابن القيم رحمه الله، وهو القول الأقرب؛ ولهذا قال ابن القيم: “إن الناس يستقبحون مطالبة الضامن مع وجود المضمون عنه وقدرته، ويعدُّون فاعله متعديًا، ولا يعذرونه بالمطالبة إلا إذا تعذر عليه مطالبة الأصيل، وأن هذا أمرٌ مستقرٌّ في فِطَر الناس ومعاملاتهم”، قالوا: ولذلك لو أتى الدائن وطالب الضامنَ والمضمونُ عنه بجانبه والدراهم في كُمِّه وهو متمكنٌ من مطالبته؛ استقبحه الناس غاية الاستقباح، وهذا القول أيضًا فيه تشجيعٌ للناس على فعل الخير؛ لأنه لو قلنا: إن للدائن أن يطالب الضامن مع عدم تعذر مطالبة المضمون عنه؛ فإن هذا يؤدي إلى إحجام الناس عن الضمان وعن الكفالة، وقد ينسَدُّ باب الضمان وباب الإحسان.
فإذنْ نقول للدائن: اذهب طالب المضمون عنه، إذا لم تحصل على حقك؛ ارجع للضامن، أما أن تأتي للضامن مباشرةً والمضمون عنه حرٌّ طليقٌ؛ فالصحيح أنه ليس له ذلك.
وأذكر هنا أن أحد الإخوة ترتبت عليه ديونٌ، كان ممن يحضر الدرس معنا هنا قبل سنواتٍ، كَفَل رجلًا، يعني: ضمن رجلًا قريبًا له، وكان يظن أنه مَلِيءٌ وأنه سيسدد، ثم إنه تفاجأ بأن الدائن يطالبه، يقول: إنه طالبه الدائن، والمضمون عنه حُرٌّ طليقٌ لم يطالبوه، فذهب يبحث عنه بعد ذلك فلم يجده، وأُودِع في التوقيف، وحصل له قصةٌ طويلةٌ، لكن السبب هو كما ذكرت: أن عمله على هذا القول، أنه يطالب الضامنَ والمضمونُ عنه حرٌّ طليقٌ.
لهذا فالصواب في هذه المسألة، وهو الذي تدل له الأصول والقواعد الشرعية: هو أنه لا يطالب الضامن إلا عند تعذر الاستيفاء من المضمون عنه؛ كما قال ابن القيم: “إن الناس يستقبحون هذا”، يعني هذا حرٌّ طليقٌ لا يطالَب ولا يقال له شيءٌ، وهذا المحسن المتبرِّع هو الذي يطالَب وهو الذي يُجر إلى مراكز الشرطة؟! هذا يستقبحه الناس في فِطَرهم.
أما قول النبي : الزعيم غارمٌ [3]، نقول: صحيحٌ هذا غارمٌ، لكن عند تعذر سداد الدين، عند التعذر؛ فلهذا نقول: الصواب هو قول المالكية في هذه المسألة.
مداخلة:…
الشيخ: قياسًا على الرهن، وللتعليل: أن المضمون عنه أصلٌ، والضامن فرعٌ، ولا يصار للأصل إلا عند تعذر الفرع، والجمهور ليس معهم إلا حديث: الزعيم غارمٌ، وأجبنا عنه، قلنا: غارمٌ عند تعذر السداد.
حكم ضمان الدين مؤجَّلًا
نرجع لعبارة المؤلف، قال:
“لو ضمن دَينًا حالًّا إلى أجلٍ”، يعني: هذا دينٌ حل على رجلٍ، وعجز المدين عن السداد، فقال الدائن: لا بد من ضامنٍ، فأتى أحد الناس يريد أن يضمنه، لكن اشترط قال: أضمنه بشرط: أن يكون الضمان مؤجَّلًا، سنةً، سنتين، أو أكثر أو أقل، أو أقساطًا؛ فهذا يصح، يصح ضمان الدين مؤجلًا، وبالتالي إذا وافق الدائن على ذلك؛ فإنه لا يطالب الضامن قبل مضي الأجل.
والأصل في هذا حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن رجلًا لزم غريمًا له بعشرة دنانير على عهد رسول الله ، ولزم، يعني في عهد النبي عليه الصلاة والسلام ما كان يوجد سجنٌ، فكان الدائن الغريم يَلزم المدين، يتابعه في كل مكانٍ، يسير وراءه في كل مكانٍ إلى أن يصل إلى بيته، فكان هذا معنى الملازمة، يُتعبه كلما خرج لازَمَه؛ فهذا يدل على أن السجن ليس عقوبةً أصيلةً؛ ولذلك بعض القضاة أصبحوا يحكمون في قضايا التعزير بغير السجن، ومن الأحكام البديلة في هذا والتي لها أثرٌ طيبٌ في أبواب التعزير، ليس في الحدود، في التعزيرات التي تخضع للاجتهاد، يعني أن بعض القضاة يحكم بأن هذا الرجل يحافظ على صلاة الفجر لمدة ستة أشهرٍ، وأن يحكم عليه إما بسجنٍ وجلدٍ، أو المحافظة على صلاة الفجر لستة أشهرٍ، ويأتي بورقةٍ من الإمام، كل شهرٍ يأتي بورقةٍ، وإذا تأخر يُحكم عليه بالسجن والجلد، فكان هذا له أثرٌ كبيرٌ في استصلاح ذلك الرجل، هذا من الأحكام البديلة.
وهناك أحكامٌ بديلةٌ أخرى؛ لأن السجن -كما ذكرنا- ليست عقوبةً أصيلةً، ولذلك لم يكن السجن موجودًا في عهد النبي ، ولا في عهد أبي بكرٍ ، وإنما استحدث في عهد عمر ؛ لهذا ينبغي عدم التوسع في العقوبة بالسجن؛ لأن الإنسان إذا سُجن؛ انقطع عن أهله وعن أسرته، وعن الكسب للقمة العيش، وعن أشياء كثيرةٍ، ولهذا يمكن أن يُلجأ في التعزير إلى عقوباتٍ رادعةٍ، ويحصل بها خيرٌ لمن يُعزَّر وللمجتمع أيضًا؛ كأن يكون هناك أمورٌ ينفع بها مجتمعه، أو أن يُستصلح هذا الإنسان.
إذنْ نعود للقصة: أن رجلًا لزم غريمًا له بعشرة دنانير على عهد رسول الله ، فقال: ما عندي شيءٌ أُعطيكه، فقال: والله لا فارقتك حتى تعطيني أو تأتيني بحميلٍ -يعني بضامنٍ- فأصبح يتبعه، يقول: لن أفارقك، إما أن تعطيني وإلا تأتي بضامنٍ، فذهب للنبي ، فقال عليه الصلاة والسلام كم تُنظره؟، قال: شهرًا، قال رسول الله : فأنا أحمل له، يعني: أضمن عنه، وجاء في هذا الحديث أن النبي قضى عنه ذلك الدين بعد مُضيِّ الشهر [4]، وهذه القصة أخرجها أبو داود وابن ماجه بسندٍ صحيحٍ.
ووجه الدلالة من هذه القصة: أنها نصٌّ في صحة ضمان الدين الحالِّ مؤجلًا، فإن هذا الدين قد حل، والنبي ضمنه بعد شهرٍ، فهذه القصة نصٌّ في هذه المسألة.
ضمان عُهدة الثمن والمُثْمَن
نعود لعبارة المؤلف، قال:
“ضمان العهدة”، ما معنى: “العهدة”؟
إذا قال الفقهاء: “العهدة”، العهدة معناها في الأصل: الكتاب الذي تُكتب فيه وثيقة البيع ويُذكر فيه الثمن، ثم أصبح يُعبَّر به عن الثمن، فيكون إذنْ معنى قوله: “ضمان عهدة الثمن والمثمن”، يعني: أنه يضمن الثمن للبائع والمثمن للمشتري، فيصح الضمان في هذا، فيضمن الثمن الواجب بالبيع قبل تسليمه للمشتري، أو إن ظهر فيه عيبٌ فهو ضامنٌ، ويضمن كذلك الثمن للبائع؛ كأن يكون فيه عيبٌ أو نحو ذلك، فيقول للبائع: أنا أضمن لك الثمن، ومن هذا مثلًا لو أخذنا تطبيقاتٍ معاصرةً على ضمان العهدة: أن يكتب المشتري للبائع شيكًا، يقول البائع: أنا أخشى أن هذا الشيك ليس في رصيدٌ، فيأتي أحد الناس يقول: أنا ضامنٌ، إذا كان ليس فيه رصيدٌ؛ فأنا ضامن، هذا يصح، هذا من فروع ضمان العهدة، أو مثلًا يعطيه نقودًا ويخشى البائع أن تكون مزوَّرةً، فيقول: أنا ضامنٌ.
فإذنْ هذا النوع من الضمان يصح، ومن الفقهاء من منع منه، لكن الصحيح أنه لا بأس به، وليس فيه جهالةٌ، الجهالة هنا منتفيةٌ، وهذا الضامن قد التزم بهذا الضمان فيلزمه، ولا مانع يمنع منه.
قال:
يعني: إن ساومه سلعةً وأراد أن يُرِيَ هذه السلعة أهله، فالبائع قال: والله ما أدري، أخشى أن تأخذ السلعة، أنا أريد ضامنًا، فضَمِنه أحد الناس؛ فيصح هذا الضمان كعهدة المبيع، هذا معنى قوله: “المقبوض على وجه السَّوم”.
ضمان العين المضمونة
أيضًا يصح ضمان العين المضمونة؛ كالغصب والعارية، فإنسانٌ مثلًا غصب من آخر سلعةً، ثم المغصوب أراد أن يذهب ويشتكي، فأتى أحد الناس قال: لا، سيردها لك، وأنا أضمن؛ يصح هذا الضمان، والعارية كذلك، بناءً على القول بأن العارية مضمونةٌ، وهو المذهب عند الحنابلة، إلا في مسائل معدودةٍ، فبناءً على القول بأن العارية مضمونةٌ يقولون: يصح ضمانها؛ لأنها مضمونةٌ على مَن هي بيده لو تلفت، فصح ضمانها، لكن على القول الراجح: أنها ليست مضمونةً، أن المستعير أمينٌ، يكون حكمها حكم الوديعة، وسيأتي.
إذنْ هذه الأمور التي ذكرها المصنف يصح ضمانها.
قال:
الوديعة الأصل أنها لا تُضمن، إلا إذا تعدى أو فرط، لو أراد أن يضمنها شخصٌ، أو المودع أراد أن يضمنها، يقول المؤلف: إنه لا يصح.
كالعين المؤجرة، ومال الشركة؛ لأنها غير مضمونةٍ على صاحب اليد، فكذا على ضامنه.
حكم اشتراط الضمان على المستأجر
لاحِظ: العين المؤجرة، الآن في التأجير مع الوعد بالتمليك، بعض الشركات تشترط على المستأجر الضمان، تشترط: على أن يكون ضامنًا لأي تعدٍّ، سواءٌ حصل تعدٍّ أو تفريطٌ، أو دون تعدٍّ وتفريطٍ، يعني: لأي تلفٍ، هل يصح هذا الشرط؟ فعلى كلام المؤلف أنه لا يصح؛ لأن المستأجر أمينٌ.
وهذه مسألةٌ أيضًا من المسائل الكبيرة، ومن المسائل المهمة، يعني: هي ليست محل إجماعٍ من أن الوديعة ونحوها من الأمانات: أنه لو شرط ضمانها؛ لا تُضمن، ففيها خلافٌ بين أهل العلم.
فقول الجمهور: إنه لا يصح الضمان، لا يصح ضمان الأمانات عمومًا، يعني: العين غير مضمونةٍ في الأصل، وعن الإمام أحمد: أنه يصح ضمانها بالشرط، فقد ذكر الموفق في “المغني” عن الإمام أحمد أنه سُئل عن شرط ضمان ما لا يجب ضمانه، هل يصير بالشرط مضمونًا؟ فقال الإمام أحمد: المسلمون على شروطهم، قال الموفق: “وهذا يدل على نفي الضمانِ بشرطه، ووجوبِه بشرطه؛ لقوله : المسلمون على شروطهم [5].
قد أخذ بهذا بعض الهيئات الشرعية، وقد اطلعتُ على عقدٍ أو على قرارٍ للهيئة الشرعية لشركة عبداللطيف جميل تويوتا، وفيها بعض المشايخ الأفاضل، وذكروا الخلاف في هذه المسألة، ورجحوا القول الثاني: وهو أنه إذا شرط الضمان على الأمين فقَبِل؛ فإنه يصح هذا الشرط، وذكروا الرواية عن الإمام أحمد في هذا، وقال: لعموم قول النبي : المسلمون على شروطهم.
فالذي يظهر: أنه يصح شرط الضمان في هذه الحال، لكن بقيودٍ أو بضوابط:
- الأول: ألا يربح فيما لم يضمن، فإن ربح فيما لم يضمن؛ لم يجز.
مثال ربح ما لم يضمن: أن يكون وكيلًا بأجرةٍ يتَّجِر له، يقول: اتَّجِر لي بهذه السلع وهذه البضائع، ولك أجرةٌ قدرها كذا، فإذا شرط عليه الضمان؛ يكون الموكِّل قد ربح فيما لم يدخل في ضمانه، وقد نهى النبي عن أن يربح فيما لم يضمن [6]، إذنْ هذا هو القيد الأول: ألا يربح فيما لم يضمن.
- القيد الثاني: ألا يترتب على هذا الشرط انقلاب العقد إلى وجهٍ محرمٍ؛ كأن يشترط على المضارب الضمان، فإن هذا يقلِبُه لأن يكون قرضًا بفائدةٍ، إذنْ القيد الثاني: ألا يترتب على اشتراط هذا الشرط انقلاب العقد إلى عقدٍ آخر على وجهٍ محرمٍ، مثاله: أن يشترط رب المال على المضارب الضمان، فإنه إذا شرط عليه الضمان؛ انقلبت المضاربة إلى قرضٍ بفائدةٍ مباشرةً، فإذا قيدناه بهذين القيدين؛ فالذي يظهر: أنه يجوز هذا، والمسألة -كما ذكرت- ليست محل إجماعٍ.
ويا إخوة، خذوها فائدةً: كثيرٌ من المسائل تجد بعض أهل العلم يحكي أنها إجماعٌ، وعند التأمل تجد أن فيها خلافًا؛ ولهذا الإمام أحمد يقول: “من ادعى الإجماع فهو كاذبٌ، وما يدريه لعل الناس قد اختلفوا”، صحيحٌ أن القول الأول هو قول الجمهور، لكن القول الثاني له حظٌّ من النظر.
فإذنْ خلاصة الكلام: أن الجمهور يرون أن شرط الضمان على الأمين، وعلى من بيده العين غير المضمونة؛ كالوديعة، كالعين المؤجرة؛ أنه لا يصح هذا الشرط.
والقول الثاني في المسألة: أنه يصح، لكن بشروطٍ:
- الأول: ألا يربح فيما لم يضمن.
- الثاني: ألا يترتب على هذا الشرط انقلاب العقد إلى عقدٍ آخر على وجهٍ محرمٍ.
فإذا تحقق هذان الشرطان؛ فالأصل في هذا الجواز، كما قال النبي : المسلمون على شروطهم [7]؛ وبناءً على ذلك: لو شرطت الشركة على المستأجر تأجيرًا مع الوعد بالتمليك، لو اشترطت أن عليه الضمان، أو عليه أن يتحمل أقساط التأمين؛ فبناءً على هذا القول يصح؛ وعلى ذلك -كما ذكرت- اعتمدته الهيئة الشرعية بناءً على هذا التكييف وهذا التخريج.
مداخلة: الضابط الأول غير واضحٍ يا شيخ.
الشيخ: ألا يربح فيما لم يضمن، هذه قاعدةٌ: “نهى النبي عن أن يربح فيما لم يضمن” [8]، فمثلًا: لو أنك وكَّلت شخصًا على أن يتاجر لك، وكيلًا بأجرةٍ ليس مضاربًا، وكيلًا بأجرةٍ، لكن شرطت عليه الضمان، فأنت الآن ستربح، والضمان عليه هو؛ فتكون ربحت فيما لم تضمن، ولا يجوز أن الإنسان يربح فيما لم يضمن، عندما تريد أن تربح؛ لا بد أن يكون لك الغُنْم وعليك الغُرْم، لا تربح فيما لم تضمن، هذا هو المقصود.
قال:
يعني: لا يصح ضمان دَين الكتابة؛ لأنه ليس بلازمٍ، ولا مآله اللزوم، فإن المكاتب يملك تعجيز نفسه، والمكاتب عبدٌ ما بقي درهمٌ.
يعني: لو أراد أن يضمن بعضَ دَينٍ، لكن ما هو هذا البعض؟ ما قدَّره، ما وضَّحه، فيقول المؤلف: إنه لا يصح الضمان؛ للجهالة.
وقال بعض الفقهاء، وهو قول أبي الخطاب من الحنابلة: إنه يصح، ويفسره، فإذا قال: أضمن لك بعض الدَّين؛ يفسر، كم تضمن؟ الربع، الثلث، النصف؟ وهذا هو القول الراجح؛ لأن الأصل هو الصحة، واستدلوا له بقول الله في قصة يوسف : وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ [يوسف:72]، قالوا: حمل بعيرٍ، يعني: غير مقدَّرٍ في الجملة.
قال:
“إذا قضى الضامن ما على المديون”، يعني: حل الدَّين، وطالب الدائن المدين، وعجز أو ماطل، فالضامن قام وسدد الدين الذي في ذمة المضمون عنه بنية الرجوع عليه؛ فإنه يرجع.
أما إذا استأذنه؛ فيرجع بالإجماع، لكن إذا لم يستأذن من المضمون عنه، قام وسدد ولم يستأذن؛ فإن كان قد نوى الرجوع؛ فإنه يرجع؛ لأنه قضاءٌ مُبرِئٌ من دَينٍ واجبٍ لم يتبرَّع به؛ كالحاكم إذا قضاه عند امتناعه.
قال:
أيضًا وقلنا: إن الكفالة قد تنقلب إلى ضمانٍ.
يرجع إن نوى الرجوع، وإلا فلا.
طيب، ما رأيكم: إذا قضى الضامن الدين متبرعًا، بنية التبرع وليس بنية الرجوع، هل له أن يرجع؟ لا يرجع.
إذنْ نقول: أما إذا قضى الضامن الدين متبرعًا به؛ لم يرجع بشيءٍ؛ لأنه تطوَّع بذلك، أشبه الصدقة، وسواءٌ ضمن بإذنه أو بغير إذنه.
انتبهوا لهذه المسألة إذنْ: إذا إنسانٌ مثلًا لحقته ديونٌ، فأتى أحد الناس وضمن، ثم سدَّد عنه بنية التبرع، لم يخطر بباله أنه سيرجع عليه، رأى أنه فقيرٌ، ثم بعد مدةٍ رجع وطالبه، قال: سدَّدت عنك، فنقول: لا، أنت نويت التبرع.
طيب، إن أنكر، ما الذي يُحدِّد أنه نوى الرجوع أو لم ينوِ الرجوع؟
طالب:…
الشيخ: نعم، اليمين، أحسنت، يحلف هل نوى الرجوع أو لم ينوِ الرجوع، وهذا هو الذي عليه العمل: أنه يحلف هل نويت الرجوع أو لم تنو الرجوع؟ ما لنا طريقٌ لمعرفة نيته إلا باليمين، فيحلف هل نوى الرجوع، إن كان نوى الرجوع؛ فله ذلك، إن كان لم ينوِ الرجوع؛ فإنه ليس له أن يرجع، وهذه قاعدةٌ يا إخوان: “كل من قضى عن غيره دينًا واجبًا بنية التبرع؛ فليس له أن يرجع”، والنبي يقول: العائد في هِبَته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه [9].
من تبرع عن غيره بقضاء دينٍ أو وهب غيره شيئًا، فليس له أن يرجع في ذلك، والهبة تلزم بالقبض، وسيأتي الكلام عنها إن شاء الله.
قال:
إن برئ المديون بوفاءٍ أو إبراءٍ أو حوالةٍ؛ فإنه يبرأ الضامن؛ لأنه يتبع له، فإذا برئ الأصيل الذي هو المديون، زالت الوثيقة فبرئ الضامن؛ كالرهن.
قال:
أي: لا يبرأ مدينٌ ببراءة ضامنٍ، لعدم تبعيَّته له، فقد يقول الدائن للضامن: أنا أبرأتك، هل يبرأ المدين؟ لا يبرأ.
إذنْ: إذا برئ المضمون عنه، أُبْرِئ المضمون عنه؛ برئ الضامن مباشرةً.
أما إذا أُبْرِئ الضامن؛ لا يبرأ المضمون عنه.
قال:
يعني أحيانًا قد يطلب الدائن أكثر من ضامنٍ، أكثر من كفيلٍ، فإذا قال كل واحدٍ منهما: أنا ضامنٌ لك الدين، يعني: الدين كله؛ فللدائن أن يطالب كل واحدٍ بالدين كله، ولا يقول: أطالبك بنصف الدين، له أن يطالب أحدهما أو كليهما بالدين كله.
“إن قالا: ضَمِنَّا”، الاثنان قالا: ضَمِنَّا؛ فمقتضى هذا: أنهما شريكان في الضمان، ومقتضى الشركة: التسوية، فيكون بينهما بالحصص، يكون بينهما بالحصص يعني: إذا كانا اثنين، وقالا: ضَمِنَّا لك الدين، فيكون على كل واحدٍ منهما النصف، إذا كانوا ثلاثةً؛ يكون على كل واحدٍ منهم الثلث، وهكذا.
الكفالة
ثم قال المؤلف رحمه الله:
انتقل للكلام عن الكفالة.
تعريف الكفالة لغةً واصطلاحًا
الكفالة معناها في اللغة: مصدر كَفَل، بمعنى: الْتَزَم.
أما معناها في الاصطلاح، فعرفها المؤلف قال:
وسبق أن قلنا: إن بعض الفقهاء يطلق الضمان على الكفالة، والكفالة على الضمان، وأن جمهور الفقهاء يطلقون الضمان يريدون به: التزام المال، والكفالة ويريدون بها: الالتزام بإحضار النفس أو البدن، وقلنا: إن هذا هو الأظهر.
فإذنْ العقد في الكفالة وَقَع على بَدَن المكفول عنه.
ولا تصح الكفالة في الحدود، لا تكون ببدنِ مَن عليه حدٌّ ولا قصاصٌ؛ لأنه لا يمكن استيفاء القصاص أو الحد من الكفيل عند تعذر إحضار المكفول، إنما تكون في غير الحدود والقصاص، تكون في الأمور المالية ونحوه.
شرط الكفالة
قال:
لأنه لا يلزمه الحق ابتداءً إلا برضاه، وهذا محل اتفاقٍ.
المؤلف يقول: إنه لا يشترط رضا المكفول، وهذه مسألةٌ اختلف فيها الفقهاء: فمنهم من اشترط رضاه، ومنهم من لم يشترط.
المؤلف يقول: إنه لا يُشترط رضاه؛ لأن الكفيل محسنٌ له؛ ولذلك لا يُشترط رضاه.
وقال بعض أهل العلم: إنه يُشترط رضاه؛ لأن المقصود من الكفالة هو إحضاره، فلا بد من رضاه بذلك، ولأن الكفالة معروفٌ وإحسانٌ، معروفٌ وإحسانٌ إليه، فإذا كانت بغير رضاه؛ لم تصبح معروفًا ولا إحسانًا.
صورة المسألة: إنسانٌ مثلًا أُوقف في السجن في دَينٍ، فقال الدائن، في السجن أو في غيره، قالوا: نحن نريد كفالةً حضوريةً، يعني: ليست كفالة غرامة، كفالةً حضوريةً، نحن نطلق هذا السجين لكن نريد من يكفله كفالةً حضوريةً، فأتي أحد الناس وتبرَّع، فقال المكفول: لا، ما أرضى، قالوا: الآن سيُطلَق سراحك بسبب هذه الكفالة، قال: لا، ما أريد فلانًا يكفلني، أبقى في السجن ولا يكفلني فلانٌ.
المؤلف يقول: إنه لا يعتبر رضاه، وأن الكفالة تصح، لكن الصحيح: أنه يعتبر رضاه؛ لأن الكفالة معروفٌ وإحسانٌ إليه، إذا لم يرضَ؛ لم تصبح معروفًا ولا إحسانًا، ولأن الكفيل قد يمتنُّ عليه يومًا من الأيام، وبعض الناس عنده السجن أحب إليه من أن يكفله إنسانٌ منَّانٌ، فعنده أن المنَّة تجرح كرامته، فيقول: أبقى في السجن ولا يكفلني فلانٌ الذي سيُطوِّق عُنُقي طيلة عمري بهذا المعروف، ويبدأ يمتنُّ عليَّ.
فالصحيح إذنْ: أنه يُشترط رضاه، خلافًا لكلام المؤلف.
قال:
يعني: لا يُعتبر رضا المكفول له، يعني: لا يعتبر رضا الدائن في هذه الحال، فلو أن الدائن قال: أنا لا أرضى بالكفالة، فيقول المؤلف: إنه لا يُعتبر رضاه، وهذه مسألةٌ ترجع إلى اجتهاد الحاكم، إذا رأى أنه يُعتبر رضاه؛ اعتُبر، وإلا فلا، فهي ترجع لاجتهاد الحاكم بحسب ملابسات القضية أو الموضوع، فهي محل اجتهاده ونظره.
قال:
يعني: برئ الكفيل، إذا سلَّمه له برئ.
فإنه يبرأ الكفيل.
فإنه يبرأ الكفيل؛ لسقوط الحضور عنه بموته.
وأيضًا لو تلفت العين المكفول فيها بفعل الله ؛ فإنه يبرأ الكفيل.
هل تنقلب الكفالة إلى ضمانٍ؟
الجواب عن هذا يقول المؤلف:
إذنْ أفادنا المؤلف جوابًا عن السؤال: أنه نعم، قد تنقلب الكفالة إلى ضمانٍ، وبعبارةٍ أخرى قد تنقلب الكفالة الحضورية إلى كفالةٍ غراميةٍ، متى؟ إذا تعذر على الكفيل إحضار المكفول؟
يعني: إنسانٌ كَفَل آخر كفالةً حضوريةً، قالوا: يا فلان أحضِره، بحث عنه لم يجده، إذنْ ما العمل؟ نقول: تغرم ما عليه من الدين، فتنقلب الكفالة إلى ضمانٍ؛ لأن الكفيل يضمن ما عليه من الدين بمقتضى الكفالة؛ لعموم قول النبي : الزعيم غارمٍ [10].
لكن قال الفقهاء: إنه يُستثنى من ذلك: ما إذا شرط الكفيل البراءة من الدَّين عند تعذُّر إحضار المكفول، فإنه لا يلزمه الضمان في هذه الحال؛ عملًا بشرطه.
يعني: إنسانٌ أراد أن يكفل غيره، وخشي أن تنقلب الكفالة إلى الضمان، قال: يا جماعة، أنا أكفله لكن بشرط: ألا أضمنه عند تعذر إحضاره، فيصح هذا الشرط؛ ولهذا من أراد أن يكفل غيره، فينبغي أن ينبَّه على ذلك، ويقال: الكفالة هذه قد تنقلب لضمانٍ، وإذا أردت أن تَسلم؛ فاشترط ألا تضمن، ولك شرطك.
آخر مسألةٍ معنا، قال:
يعني: لو كَفَل رجلًا اثنان، فسَلَّمه للدائن أو الشرطة أحدُ الكفيلين، يقولون: لم يبرأ الكفيل الآخر؛ وذلك لانحلال إحدى الوثيقتين بلا استيفاءٍ؛ فلا تنحل الأخرى، كما لو انفَكَّ أحد الرَّهنين بلا قضاءٍ للدين، يعني: لو كان هناك رهنان وانفكَّ أحد الرهنين؛ فالرهن الثاني باقٍ، هكذا أيضًا لو سلَّمه أحد الكفيلين؛ لم يبرأ الآخر.
أما إذا سلَّم نفسه هو؛ فإنه يبرأ الكفيلان؛ لأداء الأصيل ما عليهما، فإنه يبرأ الكفيلان؛ لأن المكفول قد سلَّم نفسه، وأدى ما هو واجبٌ عليهما، فيبرآن جميعًا؛ ولهذا فرَّق الفقهاء بين ما إذا سلَّمه أحدهما، وما إذا سلَّم المكفول نفسه.
نوع عقد الضمان
وبقيت مسألةٌ أخيرةٌ لم يذكرها المؤلف، وهي: نوع عقد الضمان، هل هو لازمٌ أو جائزٌ؟
نقول: الضمان عقدٌ لازمٌ، فليس للضامن أن يرجع في ضمانه، واستدل البخاري لذلك بقصة حديث سلمة بن الأكوع أن النبي أُتي بجنازةٍ ليصلي عليها، فقال : هل عليه من دينٍ؟، قالوا: لا، فصلى عليه، ثم أُتي بجنازةٍ أخرى، فقال : هل عليه من دينٌ؟، قالوا: نعم، فقال: صلُّوا على صاحبكم، فقام قتادة قال: يا رسول الله، الديناران عليَّ، فصلى عليه [11]، قال البخاري مبوِّبًا على هذه القصة: “باب من تكفَّل عن ميتٍ دينًا فليس له أن يرجع” [12]، يعني: أنها كفالةٌ لازمةٌ؛ وذلك لأن الضمان لو كان غير لازمٍ؛ لما صلى النبي على المدين حتى يُوفِّي أبو قتادة الدين؛ لأنه يحتمل أن أبا قتادة يرجع، فلما صلى عليه النبي ؛ دل ذلك على أن الضمان لازمٌ.
فإذنْ نوع عقد الضمان أنه عقدٌ لازمٌ.
ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.
نجيب عما تيسر من الأسئلة، نبدأ أولًا بالأسئلة المكتوبة.
الأسئلة
السؤال: ……؟
الشيخ: نعم، لا بأس بأن يُسدِّد من الزكاة؛ لأن هذا المدين غارمٌ، يكون من الغارمين، والغارمون أحد أصناف الزكاة، وهو قد نوى أن يسدِّد عنه عند تعذر السداد، لكن هذا لا يمنع من أن يعطيه هو، أو يعطَى عمومًا من الزكاة.
السؤال: ……؟
الشيخ: السؤال مجملٌ، لا أدري ماذا يقصد بضمان السيارات، هل يقصد التأمين مثلًا، أو يقصد شيئاً آخر، السؤال غير واضح.
السؤال: ما حكم بيع الضمان؟
الجواب: بيع الضمان، إذا كان المقصود: أن هذه الشركة تضمن هذه السلعة فيبيعه لآخر؛ فهذا محل اجتهادٍ ونظرٍ، هل يجوز بيع هذا الضمان؟ يحتاج مزيد تأملٍ ونظرٍ.
مداخلة: ……
الشيخ: نعم، هو تأجيرٌ مع الوعد بالتمليك، أو الوعد بالهبة، هذا في الأصل هو عقد إجارةٍ، فإذا اشترط على المستأجر الضمان مطلقًا؛ فهذا لا يجوز؛ لأن المؤجر يكون قد ربح فيما لم يضمن، لكن إذا اشترط عليه ضمانًا جزئيًّا في مثلًا التلفيَّات، يعني: يشترطون عليه ضمانًا جزئيًّا، أو مثلًا يشترط أن يقوم بسداد أقساط التأمين، ففي هذه الحال أجازه بعض المعاصرين، والمسألة أيضًا تحتاج مزيد تأملٍ ونظرٍ؛ لأنه أيضًا قد يَرِد الإشكال الذي طرحه الأخ السائل: وهو أن يكون ربح فيما لم يضمن.
وبهذا نقول: إنه إذا كان اشترط على المستأجر الضمان مطلقًا، فهذا لا يجوز؛ لأن المؤجر ربح فيما لم يضمن.
أما إذا اشترط عليه الضمان في أجزاءٍ معينةٍ، فهذه مسألةٌ أجازها بعض أهل العلم، وهي مسألةٌ محل اجتهادٍ ونظرٍ.
السؤال: أحسن الله إليكم، يقول شخص… وعليه ديونٌ كثيرةٌ، وسُجن بسبب ذلك، فعفى عنه كثيرٌ من الدائنين، ثم جاء رجلٌ غنيٌّ وأعطاه مبلغًا كبيرًا من المال يكفي لسداد جميع ديونه، فهل لمن سامحه من قبل أن يأخذ هذا المال؟
الشيخ: هذا فيه تفصيلٌ؛ إن كان سامحه سماحًا مطلقًا؛ فليس له أن يرجع، أما إذا كان سامحه لأجل أنه فقيرٌ ما عنده شيءٌ، لكن لو أتاه مالٌ لَطَالَب؛ فهنا له أن يرجع؛ لأن هذه المسامحة، وهذا العفو مشروطٌ، وهذا هو الظاهر، الظاهر أنهم إنما سامحوه لأجل فقره، فهي مسامحةٌ مشروطةٌ بشرطٍ؛ ولذلك لا بأس أن يرجعوا عليه ويطالبوه.
مداخلة: ……
الشيخ: إذا كان يُدفع هذا المبلغ لأجل هذه الخصومات؛ فهنا قد تحصل هذه الخصومات وقد لا تحصل، فيكتنفها شيءٌ من الجهالة والغرر، وقد يحصل الإنسان على أكثر من حقه، وقد يحصل على أقل من حقه، فيها نوعٌ من الجهالة والغرر؛ لأنه الآن عندما يُدفع المبلغ المذكور (تسعمئةٍ وثمانون ريالًا)، ربما يحصل على خصوماتٍ كبيرةٍ، وربما أنه لا يحصل، هو مترددٌ الآن بين الغُنْم والغُرْم، الأقرب في هذا هو عدم الجواز.
السؤال: ……؟
الجواب: الاكتتاب فيها لا بأس به، جائزٌ، وقد وضعنا فتوى في الموقع، والاكتتابات عمومًا تجد الإخوة يجدون فيها فتوى في الموقع مباشرةً، وفتوى مفصَّلة ذكرنا فيها القائمة المالية للشركة، ليس فيها قروضٌ ربويةٌ، لا إقراضًا ولا اقتراضًا، وأن الشركة قد عيَّنت مستشارًا شرعيًّا، ويُلاحظ في الآونة الأخيرة توجُّه كثيرٍ من الشركات لسلامة الشركات من المحاذير الشرعية، وربما يكون من أسباب ذلك: وعي الناس ووعي المجتمع، فهم يريدون الآن أن يكسبوا اكتتاب الناس، والناس تبحث عن الحلال، هل الاكتتاب في هذه الشركة جائزٌ أم لا، فأصبحوا يحسبون ألف حسابٍ لمثل هذه الأمور، وهذا -ولله الحمد- أمرٌ طيِّبٌ ويُبشِّر بالخير.
ولذلك ينبغي أيضًا أن نشكر الشركات التي تتوجَّه هذا التوجه، فمثل هذه الشركة والشركة التي قبلها أيضًا لا يوجد في قوائمها قروضٌ ربويةٌ في القوائم المالية، لكن نرجو أن تستمر، المهم أن تستمر، ليس فقط أن تكسب الناس في الاكتتاب، ثم بعد ذلك تبدأ وتُغيِّر من سياستها وتقع في القروض الربوية، فالمرجو هو أنها تستمر على هذا التوجه.
فإذنْ بكل حالٍ: الشركة -كما ذكرت- ليس فيها أي محاذير شرعيةٍ، بناءً على نشرة الإصدار المعلنة من هيئة السوق المالية؛ وبناءً على ذلك: فلا بأس في الاكتتاب فيها.
مداخلة: ……
الشيخ: نعم، هي على كل حالٍ الآن ما بدأت، هي الآن ستبدأ في النشاط العقاري في المدينة، ذكروا أنهم سيبدءون في الأنشطة العقارية في المدينة، أما ما ذُكر؛ فليس مؤكدًا، هي ربما أنها حتى تقترض بالربا، احتمالٌ، لكن نحكم على الواقع والموجود وعلى ما هو مدوَّنٌ رسميًّا في هيئة السوق المالية من نشرة الإصدار.
فأنت عندما تتعامل مع مستأجرٍ تتعامل معه بحالته الراهنة، أما كونه ربما يريد أن يفعل كذا أو لا يفعل، لا يترتب عليه حكمٌ شرعيٌّ، فهي بوضعها الراهن نقول: الاكتتاب فيها جائزٌ، لكن لو غيرت من سياستها ربما تتغيَّر الفتوى في حكم تداول أسهمها فيما بعد، وهي أيضًا قد عيَّنت مستشارًا شرعيًّا، فالشركة التي تُعيِّن مستشارًا شرعيًّا أو هيئةً شرعيةً، هذا يدل على أن عندهم حرصًا على الخير، وعلى سلامة تعاملاتها من المحاذير الشرعية.
لكن هناك بعض الشركات التي لا تعبأ أصلًا بهذه الأمور، بل تنص حتى على التحاكم إلى قوانين أجنبيةٍ، هذا هو الإشكال في هذا النوع من الشركات.
مداخلة: ……
الشيخ: الضمان إذا كان من الشركة البائعة؛ فلا بأس به؛ لأنه يكون تبعًا، أما إذا كان من غير الشركة البائعة للسيارة؛ فهذا فيه إشكالٌ، إذا كان من شركةٍ تبيع الضمان، وهي ليست الشركة البائعة للسيارة؛ فهذا فيه إشكالٌ، أما لو كان من الشركة البائعة؛ فيظهر أنه لا بأس به.
مداخلة: ما الفرق؟
الشيخ: الفرق أنه عند أهل العلم قاعدة: “أنه يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا”، فيكون تبعًا لبيع السيارة، الضمان تبعٌ لبيع السيارة، كأنها هِبَةٌ من الشركة البائعة لك أنت أيها المشتري.
أما لو كان الضمان مقصودًا أساسًا، أتى الشركة فقالوا: نريد أن نضمن لك سيارتك التي اشتريتها، نضمنها لك بخمسة آلافٍ، بأكثر، أقل، هنا العقد على الضمان نفسه، وهذا فيه جهالةٌ وفيه غررٌ، هو نوعٌ من التأمين التجاري الممنوع.
مداخلة: ……؟
الشيخ: بعض الأسئلة مجملةٌ، ما أدري ماذا يقصد بهذا السؤال، يدفع مبلغًا لأحدٍ؟ على كل حالٍ: لعل الأخ السائل يُوضح سؤاله بعد الدرس.
مداخلة: ……؟
الشيخ: هذا فيه تنظيمٌ من البنك العقاري، عندهم إذا سدد كذا قسطًا -ما أدري قسطين أو أكثر- فيسمحون له بالبيع، فهي ترجع لنظام البنك العقاري.
مداخلة: ……
الشيخ: يتحول إذا عجز المدين عن السداد وسدَّد عنه الضامن، ثم بعد ذلك أراد الضامن أن يرجع على المدين، قال: أنا سددت عنك عشرة آلاف ريالٍ، أعطني، فأعطاه عشرة آلاف ريالٍ مع عمولةٍ، مع زيادةٍ، عشرة آلافٍ وخمسمئةٍ، فكأنه في الأول أقرضه، قال: فلانٌ يطلبك عشرة آلافٍ، أنا أعطيك عشرة آلافٍ، لكن تردُّها إليَّ عشرة آلافٍ وخمسمئةٍ، أصبحت قرضًا جرَّ نفعًا، هذا معنى كونه قد يؤول إلى القرض الذي جرَّ نفعًا.
مداخلة: ……
الشيخ: أما كونه يأتي بعاملٍ ويُطلقه ويأخذ عليه كل شهرٍ مبلغًا، هذا لا يجوز؛ أولًا: لأن الكفالة ليست بمحلٍّ للكسب، وليست بمحلٍّ للاسترباح، ولا يجوز أخذ عِوضٌ عليها.
ثانيًا: أيضًا ولي الأمر يمنع من هذا، والله تعالى يقول: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، وهذا لا شك أنه من المعروف؛ لأن كونه يُطلق هؤلاء العمال ويأخذ أموالًا عليهم، هذا يترتب عليه مفاسد كبيرةٌ؛ ولهذا فلا يجوز مثل هذا العمل، بخلاف ما إذا أتى بعاملٍ مثلًا أعطاه محلًّا يعمل فيه، وأن يُعطيه نسبةً من الربح، هذا لا بأس به، أو أن يُؤجِّر له المحل أيضًا، لا بأس به، لكن المهم أن يعمل تحت كفالته، هذا حتى نظام العمل لا يمنع منه؛ لأنه هو المسؤول عنه، فبدل أن يعطيه راتبًا شهريًّا، يتفق معه بالنسبة، أو يتفق معه بأن يُؤجِّر له المحل، هذا لا بأس به.
مداخلة: ……
الشيخ: نعم، هذا نوعٌ من الإحسان لا بأس به.
السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: هل هناك مؤلَّفٌ في المسائل التي خالف القائلون بها المذاهب الأربعة؟
الشيخ: مؤلَّفٌ، لا يحضرني، لكن هناك مَن جمع هذه المسائل، أنا أذكر أن الشيخ عبدالله الجارالله رحمه الله في كتابه “بهجة الناظرين”، ذكر المسائل التي خالف فيها شيخ الإسلام ابن تيمية المذاهب الأربعة، ذكر عددًا من المسائل، فهناك مَن جمع هذه المسائل، لكن كمُؤلَّفٍ.. هل أحدٌ يعرف مؤلفًا في هذا؟
مداخلة: ……
الشيخ: نعم…. كتابٌ، من مؤلِّفه؟ طيب، نعم.
طيب انتهينا من الأسئلة المكتوبة، نأتي للأسئلة الشفهية، تفضل.
السؤال: ……؟
الجواب: هذه مسألةٌ أصوليةٌ: إذا لم يوجد في المسألة إلا قولٌ أو قولان أو ثلاثةٌ، هل لمن يأتي بعدهم أن يُحدث قولًا جديدًا؟
هذه مسألةٌ محل خلافٍ بين الأصوليين، الإمام أحمد اشتهر عنه قوله: “إياك أن تتكلم في مسألةٍ ليس لك فيها إمامٌ”، كونه يُحدث قولًا جديدًا هذا فيه إشكالٌ، لكن التلفيق بين قولٍ وقولٍ، الصحيح أنه لا بأس به، وعليه عمل بعض مشايخنا، الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله أحيانًا يأتي ويُلفِّق بين قولٍ وقولٍ، هذا لا بأس به، فالتلفيق بين الأقوال لا بأس به، لكن أن يأتي بقولٍ جديدٍ في مسألةٍ مبحوثةٍ، يعني: مسألةٌ وقع فيها النزاع بين الصحابة أو بين التابعين، فهذا كثيرٌ من أهل العلم يمنع منه، وحجتهم في هذا: أنه لا يخلو زمانٌ من قائل بالحق؛ لأن الأمة لا تجتمع على ضلالةٍ، فإذا كان لا يوجد مثلًا عند الصحابة إلا هذه الأقوال؛ فمعنى ذلك: أن الحق في واحدٍ من هذه الأقوال، فإحداث قولٍ جديدٍ لا يجوز، لكن الإشكال: قد يكون هناك قولٌ لم يقف عليه هذا، أو لم يُنقل، هنا يأتي الإشكال.
مداخلة: ……
الشيخ: يعني قصدك: هل الضمان مثل الكفالة؟ هل يشترط رضا المضمون عنه في الضمان؟ نعم، يُشترط، الصحيح أننا قلنا: إنه يُشترط رضا المكفول، فكذلك يُشترط رضا المضمون عنه، لماذا؟ لأنه قد يمتنُّ عليه هذا الضامن يومًا من الأيام، وكما ذكرنا بعض الناس يُفضِّل السجن على أن يمتَنَّ عليه أحدٌ من الناس، فالصحيح أنه يُشترط رضاه.
مداخلة: ……
الشيخ: نعم، يقولون: لأن كفالة الكفيل الثاني لم تَنْحَلَّ، فقد يُسلِّمه، وقد يخرج، نفترض أنه سلَّمه ثم خرج وبقي جزءٌ من الدين، فالأول سقط عنه، لكن بقي الثاني، وقال: الثاني تأتي به.
السؤال: شيخ، أحدهم حكم عليه القاضي بالجلد، وتوفي في… وما جُلِدَ، ما الحكم الشرعي؟
الشيخ: ما دام مات، سقط.
مداخلة: ……
الشيخ: لا، لا، أبدا يسقط عنه، يسقط.
نعم، لعله يكون آخر سؤالٍ.
السؤال: ……؟
الجواب: نعم، بعض أهل العلم قالوا: قيام الليل حتى، قيام الليل يقولون: كان واجبًا على النبي ، والنبي عليه الصلاة والسلام كان من عادته أنه إذا عمل عملًا أثبته [13]، يعني: داوم عليه، فالاعتكاف هل هو واجبٌ، أو نقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي فعل ذلك من باب أنه إذا عمل عملًا أثبته؟
الظاهر: هو الثاني؛ ولهذا لما فاتت النبي عليه الصلاة والسلام سنة الظهر؛ صلَّاها بعد العصر وحافظ عليها، لكن هذا خاصٌّ به، كما في حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال : لا [14].
فأحيانًا النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي يلتزم بنفسه؛ لأنه من عادته أنه إذا عمل عملًا أثبته.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.
الحاشية السفلية
^1 | رواه أبو داود: 3565، والترمذي: 1265، وابن ماجه: 2405. |
---|---|
^2, ^3, ^7, ^8, ^10 | سبق تخريجه. |
^4 | داود: 3328، وسنن ابن ماجه: 2406. |
^5 | رواه أبو داود: 3594، وذكره البخاري تعليقًا: 2274. |
^6 | رواه النسائي: 4631، وابن ماجه: 2188، وأحمد: 6918. |
^9 | رواه البخاري: 2589، ومسلم: 1622. |
^11 | رواه البخاري: 2295. |
^12 | صحيح البخاري: 3/ 96. |
^13 | رواه مسلم: 746. |
^14 | رواه أحمد: 26678، وأبو يعلى: 7028، وابن حبان: 2653. |