logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(57) باب الرهن- من قوله: “يصح بشروط خمسة..”

(57) باب الرهن- من قوله: “يصح بشروط خمسة..”

مشاهدة من الموقع

باب الرهن

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

باب الرهن

تعريف الرهن لغةً وشرعًا

نبدأ أولًا بالتعريف، تعريف الرهن:

“الرهن” في اللغة معناه: الثبوت والدوام، يقال: ماءٌ راهنٌ: أي راكدٌ، ونعمةٌ راهنةٌ: أي دائمةٌ، ويطلق كذلك في اللغة على الحبس، ومنه قول الله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38]، يعني: محبوسةٌ بعملها.

وتعريفه شرعًا: تَوْثِقَة دَينٍ بعينٍ يمكن استيفاؤه منها أو من ثمنها.

نوضح الرهن بمثالٍ بسيطٍ: لو أنك ذهبت إلى محطة وقودٍ، فلما ملأ لك خزان الوقود؛ بحثت في المحفظة فلم تجد نقودًا، فقمت وخلعت ساعتك وأعطيته إياها رهنًا، فهذا هو الرهن، توثقة دينٍ هو الآن ثبت في ذمتك؛ مثلًا: قيمة هذا الوقود مثلًا خمسون ريالًا، بعينٍ: يعني بهذه الساعة، وثقت هذا الدين بهذه الساعة، يمكن استيفاؤه منها: يعني لو لم تأت؛ إما أن يأخذ الساعة أو يبيعها ويستوفي حقه منها، فهذه هي حقيقة الرهن.

والرهن جائزٌ بالكتاب والسنة والإجماع.

ويدل له من القرآن: قول الله تعالى في سورة البقرة: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283].

ومن السنة: ما جاء في “الصحيحين” عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله اشترى من يهوديٍّ طعامًا ورهنه درعه [1]، كان عليه الصلاة والسلام اشترى ثلاثين صاعًا من شعيرٍ وكان هذا اليهودي طلب من النبي عليه الصلاة والسلام رهنًا مع أنه أوفى الناس، لكن هؤلاء اليهود فيهم لؤمٌ، فرهنه درعه عليه الصلاة والسلام، وتوفي ودرعه مرهونةٌ عنده.

وقال الموفق بن قدامة: “أجمع المسلمون على جواز الرهن في الجملة”.

شروط صحة الرهن

نعود لعبارة المؤلف، قال المؤلف:

يصح بشروطٍ خمسةٍ:

يعني يصح الرهن بخمسة شروطٍ:

كونه مُنَجَّزًا.

أي فلا يصح معلقًا؛ كالبيع.

وهذه المسألة -مسألة تعليق العقود- مسألةٌ خلافيةٌ بين أهل العلم، أشرنا لها مرارًا، قلنا: إن الجمهور يمنعون من تعليق العقود، سواءٌ كان العقد بيعًا أم رهنًا، أم غير ذلك، ورجحنا فيما سبق القول بصحة تعليق العقود، وأنه ليس هناك مانعٌ يمنع من هذا، وأن هذا هو الذي عليه كثيرٌ من المحققين من أهل العلم؛ كأبي العباس ابن تيمية، وابن القيم، وجمعٍ من المحققين من أهل العلم، رحمهم الله تعالى جميعًا، فالصحيح: هو صحة تعليق العقود؛ وعلى هذا: فيصح أن يكون الرهن معلقًا.

فالصحيح إذنْ: عدم اشتراط هذا الشرط.

الشرط الثاني:

قال:

وكونه مع الحق أو بعده.

يعني كون الرهن مقارِنًا للحق، أو يكون بعده فيقترن بالبيع: بِعتُك هذه السيارة، ومثلًا: هذه السلعة رهنٌ، بعتك هذه السيارة مثلًا بثمنٍ مؤجلٍ على أن تكون هذه السلعة مثلًا رهنًا لهذه السيارة، أو بعتك بيتي مثلًا بنصف مليونٍ مثلًا مؤجلةً إلى سنتين، وأرهنك سيارتي مثلًا، أو أرهنك السيارات أو نحو ذلك، وهكذا لو كان الرهن أيضًا بعد الحق، يعني تبايَعَا، ثم بعد ذلك أن البائع لم يطمئن؛ فطلب من المشتري رهنًا فأعطاه رهنًا، فيصح.

لكن هل يصح أن يكون الرهن قبل الحق؟

المؤلف قال: إنه يصح مع الحق وبعده، لكن قبله؟ قبله أولًا صورته: أن يقول: رهنتك هذه العين بعشرة آلاف ريالٍ تقرضنيها غدًا، عنده مثلًا سيارةٌ، وقال: أنا أعطيك سيارتي هذه رهنًا على أن تقرضني غدًا خمسة آلاف ريالٍ، لاحِظوا أن الرهن هنا متقدمٌ على القرض، فهل يصح هذا أو لا يصح؟

المذهب: أنه لا يصح، وهو قول الشافعية؛ وعللوا لذلك قالوا: لأنه وثيقةٌ بحقٍّ، فلم يجز قبل ثبوته، ولأنه تابعٌ للحق فلا يسبقه.

والقول الثاني في المسألة: أنه يصح أن يكون الرهن قبل الحق، وهذا هو مذهب الحنفية والمالكية؛ وعللوا قالوا: لأنه وثيقةٌ بالحق، فجاز عقدها قبل وجوبه؛ كالضمان.

وهذا القول الأخير هو القول الراجح والله أعلم؛ لأن الأصل في أبواب المعاملات الحل والإباحة، إلا ما ورد الدليل بمنعه، وليس هناك دليلٌ ظاهرٌ يدل على منع كون الرهن قبل الحق، وأما ما ذكره الحنابلة من قولهم: إنه وثيقةٌ بالحق فلم يجز قبل ثبوته، لا نسلم بهذا، بل نقول: يجوز قبل ثبوته، وكونه تابعًا؛ لا يمنع أن يتقدم العقد أو الحق، فما المانع من أن يقول: رهنتك هذه السلعة على أن تقرضني غدًا عشرة آلاف ريالٍ، ما المانع من هذا؟ ليس هناك مانعٌ.

طيب، نحن أخذنا في الدرس السابق: القرض، وفي هذا الدرس: الرهن، ما حكم اشتراط الرهن في القرض؟

يعني هذه الصورة، نعم.

الطالب:

الشيخ: يجوز مطلقًا، أتيت لصاحبٍ لك وقلت له: سلفني أو أقرضني عشرة آلاف ريالٍ، قال: أقرضك بشرط: أن تعطيني سيارتك رهنًا، أو تعطيني هاتفك الجوال رهنًا، أو نحو ذلك، هل يجوز هذا أو لا يجوز؟

الطالب:

الشيخ: نعم، يجوز بشرط: ألا ينتفع المرتهن بالرهن؛ لأنه إذا انتفع به؛ أصبح ذلك من قبيل القرض الذي جر نفعًا، هذا إذا كان قرضًا، أما لو كان دينًا لكن ليس بقرضٍ؛ فيجوز إذا أذن له، لاحِظ، فرقٌ بين القرض وبين الدين، فلو باعه مثلًا سيارةً بعشرة آلاف ريالٍ، ورهنه سلعةً من السلع، وقال المرتهن: أريد أن أنتفع بهذه السلعة، فأذن له، فيصح؛ لأنه هنا ليست المسألة قرضًا، المسألة هنا بيعٌ بدينٍ، وسبق لنا أن نبهنا في الدرس السابق، قلنا: كثيرٌ من العامة يسمون البيع بِدَينٍ: قرضًا، وهذه التسمية غير صحيحةٍ، القرض هو الذي نسميه: السلف، القرض: هو السلف، وهو دفع مالٍ لمن ينتفع به ويرد بدله، أما الدين: فيشمل القرض، ويشمل ما ثبت في الذمة، فانتبهوا للتفريق، يعني لتحرير المصطلحات.

طيب، إذنْ الصحيح: أنه يصح أن يكون الرهن مع الحق أو بعده أو قبله.

قال:

وكونه ممن يصح بيعه.

هذا الشرط الثالث كونه ممن يصح بيعه والذي يصح بيعه هو جائز التصرف: الحر المكلف الرشيد، ووجه اشتراط هذا الشرط: لأنه نوع تصرفٍ في المال؛ لأن الرهن نوع تصرفٍ في المال، فلم يصح إلا من جائز التصرف.

الشرط الرابع:

وكونه مِلكه أو مأذونًا له فيه.

فلا يصح أن يشترط ما لا يملكه، أو ما لم يؤذن له فيه؛ وذلك لأن ما لا يملكه أو ما لم يؤذن له فيه لا يصح بيعه، وما لا يصح بيعه، لا يصح رهنه، كما سيأتي.

الشرط الخامس:

وكونه معلومًا جنسه وقدره وصفته.

وذلك لأنه عقدٌ ماليٌّ، فاشترط العلم به، وجُعِل وثيقةً بالحق، ولا يحصل التوثقة بدون معرفته؛ فلا بد إذنْ من معرفة جنسه وقدره وصفته.

فهذه هي شروط صحة الرهن.

ما صح بيعه صح رهنه، وما لا يصح بيعه فلا يصح رهنه غالبًا

قال المؤلف:

وكل ما صح بيعه صح رهنه، إلا المصحف، وما لا يصح بيعه لا يصح رهنه، إلا الثمرة قبل بدو صلاحها.

هذه يصلح أن تكون قاعدةً هنا أو ضابطًا، قاعدةً على قول من لا يفرق بين القاعدة والضابط، وضابطًا على التفريق بين القاعدة والضابط، فما هو الفرق بين القاعدة والضابط؟

القاعدة: تكون في جميع أبواب الفقه أو في معظمها، بينما الضابط: يكون في بابٍ معينٍ، فهذا إذنْ: كل ما صح بيعه صح رهنه -بناءً على هذا التفريق- تكون قاعدةً أو ضابطًا؟ تكون ضابطًا إذنْ.

فإذنْ هذا ضابطٌ في باب الرهن: كل ما صح بيعه صح رهنه.

واستثنى المؤلف من ذلك: المصحف، فالمصحف عند الحنابلة لا يصح بيعه؛ وبالتالي لا يصح رهنه، وسبق أن ذكرنا الخلاف في هذه المسألة، وقلنا: إن الحنابلة ومن وافقهم عللوا لذلك بأنه قد يكون في بيعه امتهانًا له، وذكرنا أن القول الراجح: أنه يجوز بيع المصحف، وأنه ليس فيه امتهانٌ له، وأن الأثر المروي عن ابن عمر: “وددت أن الأيدي تقطع في بيع المصحف”، أنه ضعيفٌ لا يصح، وأنه في عرف الناس قديمًا وحديثًا ليس في بيع المصحف امتهانٌ له، بل فيه نشرٌ له؛ لأن بعض الناس قد لا يتيسر له الحصول على المصحف إلا بطريق الشراء؛ ولذلك فالصواب: أنه يصح بيع المصحف؛ وبناءً على هذا: فيصح رهنه؛ لأن الحنابلة إنما استثنوا رهن المصحف؛ لأنه لا يصح بيعه على المشهور، وحيث إننا رجحنا القول بصحة بيعه؛ فيصح رهنه.

قال:

وما لا يصح بيعه لا يصح رهنه.

يعني هذه أيضًا قاعدةٌ: أن ما لا يصح بيعه لا يصح رهنه، إلا ما استثناه المؤلف.

طيب، بناءً على هذا: الوقف، هل يصح رهنه؟ لا يصح، لماذا؟ لأنه لا يصح بيعه.

طيب، بطاقة الأحوال: هل يصح رهنها؟ لا يصح؛ لأنه لا يصح بيعها، جواز السفر: لا يصح رهنه؛ لأنه لا يصح بيعه، الأوراق ثبوتية عمومًا: لا يصح رهنها؛ لأنه لا يصح بيعها؛ ولذلك بعض المحلات ترهن بطاقة الأحوال، أو ترهن جواز السفر، أو دفتر العائلة ونحو ذلك، وهذا خطأٌ من وجهين:

  • الوجه الأول: أنه لا يصح أن يكون رهنًا؛ لأنه لا يصح بيعه.
  • والوجه الثاني: أن أيضًا هذا فيه مخالفةٌ لولي الأمر، تعليمات ولي الأمر تنص على أنه يمنع من رهن الأوراق الثبوتية.

فإذنْ لا يصح رهن مثل هذه الأمور؛ لأنه لا يصح بيعها.

طيب، قال:

ما لا يصح بيعه لا يصح رهنه، إلا الثمرة قبل بدو صلاحها، والزرع قبل اشتداد حَبه.

يعني: فيصح رهنها، مع أنه لا يصح بيعها؛ وذلك لأن النهي عن البيع إنما هو لعدم أمن العاهة، والغرر يقل في الرهن؛ لاختصاصه بالوثيقة، ثم إنه على تقدير تلفها -يعني تلف الثمرة أو الزرع- لا يفوت حق المرتهن؛ لتعلقه بذمة الراهن.

فإذنْ الثمرة قبل بدو صلاحها، والحب قبل اشتداده، يصح رهنه، ولو قُدِّر أنه تلف؛ فإن المرتهن سوف يرجع على الراهن، يرجع عليه بدَينه؛ لذلك لا يتضرر المرتهن بذلك؛ ولهذا يصح أن يكون هذا لغزًا فقهيًّا: ما هو الشيء الذي يصح رهنه ولا يصح بيعه؟ الجواب: الثمرة قبل بدو صلاحها، والزرع قبل اشتداده.

قال:

والقِنَّ دون رَحِمِه المَحرَم.

مَن مَلَك ذا رحمٍ محرَّمٍ عليه؛ عَتَق، فمن ملك أخاه مثلًا، أو أباه أو أمه؛ فإنه يعتق مباشرةً.

وذا رحمٍ محرَّمٍ عليه؛ بأن يفترض أحدهما ذكرًا والآخر أنثى، فلا يصح أن يتزوجه، فهذا يَعتق عليه مباشرةً، ولا يصح رهن القِنِّ -يعني الرقيق- دون رحمه المحرَّم عليه؛ وذلك لأن الرهن لا يزيل المِلك. نعم، يصح رهن المملوك أو ذي رحم القن دون رحمه المحرم عليه، مع أنه لا يصح بيعه، فهذا هو المستثنى الثاني؛ وذلك لأن الرهن لا يزيل المِلك؛ فلا يحصل به التفريق.

فإن احتيج إلى بيعه؛ بِيعَ ومعه رحمه، فإذنْ لو كان هناك عبدٌ ومعه رحمه المُحرَّم، فأراد أن يرهنه دون رَحِمه، أو مثلًا أمٌّ، أمةٌ مملوكةٌ ومعها ولدها، أراد أن يرهن الأم دون ولدها، فعلى سبيل الرهن: يصح، أما على سبيل البيع: لا يصح؛ لأن فيه تفريقًا بين هذه الأم وولدها، وبين الرحم ورحمه، لكن على سبيل الرهن: يصح؛ وذلك لأن الرهن لا يزول به الملك، إنما الرهن لأجل التوثقة، ولأنه لو احتاج إلى بيعه؛ بِيعَ ومعه رحمه، يباع الاثنان جميعًا؛ ولهذا استثنوا أيضًا هذه المسألة مع الثمر قبل بدو صلاحها.

فإذنْ هذا هو الاستثناء الثاني بما يصح رهنه مع أنه لا يجوز بيعه.

قال:

ولا يصح رهن مال اليتيم للفاسق.

وذلك لأنه تعريضٌ به للهلاك، وقد يفرط فيه فيضيع، وقد يجحده؛ فلذلك لا يصح رهن مال اليتيم للفاسق.

ويُفهم من هذا: أن غير الفاسق -وهو العدل- هل يصح رهن مال اليتيم له؟ يصح بشرط: أن يكون في ذلك مصلحةٌ راجحةٌ، أما إذا لم يكن فيه مصلحةٌ فلا.

والقاعدة في التعامل مع أموال اليتامى ما هي؟

وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام:152]، التعامل: أن يكون بالتي هي أحسن، فلا بد أن تكون المصلحة راجحةً.

رجوع الراهن عن الإذن قبل القبض

فصلٌ
وللراهن الرجوع في الرهن ما لم يقبضه المرتهن، فإن قبضه لزم.

لزوم الرهن: هذه من المسائل الكبيرة في باب الرهن التي تكلم عنها الفقهاء، والتي وقع فيها الخلاف بين أهل العلم.

الرهن عقدٌ لازمٌ، الأصل أنه عقدٌ لازمٌ في حق الراهن، إذا قلنا: الراهن، يعني: من عليه الدين، والمرتهن: من له الدين، لازمٌ في حق الراهن، جائزٌ في حق المرتهن، لكن هل يشترط للزوم الرهن في حق الراهن القبض، أو أنه يلزم بمجرد العقد؟ المؤلف يرى أنه يشترط القبض؛ ولهذا قال: “وللراهن الرجوع في الرهن ما لم يقبضه المرتهن، فإن قبضه؛ لزم”، وهذا هو المذهب عند الحنابلة.

قبل أن نذكر الخلاف نصور المسألة:

أتيتَ رجلاً واشتريت منه سلعةً بعشرة آلاف ريالٍ مؤجلةٍ إلى سنةٍ، وقال لك: لا بأس، أنا أبيعك هذه السلعة مؤجلةً إلى سنةٍ، لكن أعطني رهنًا، فقلتَ له: أرهنك سيارتي، فهل يشترط أن هذا البائع الدائن يستلم السيارة عنده، المرتهن يستلم السيارة عنده ويقبضها، أو أنها تكون رهنًا حتى ولو كانت عندك أنت أيها المشتري؟ هذا هو محل الخلاف بين الفقهاء:

فمن أهل العلم من قال: إنه لا يلزم الرهن حتى يقبض هذا البائع في هذا المثال، المرتهن يقبض السيارة عنده، يأخذ السيارة عنده، وإلا ما يلزم، وهذا رأي المؤلف، وله الرجوع، له الرجوع، للراهن الرجوع ما دام أن المرتهن لم يقبض الرهن.

ومن أهل العلم من قال: لا، بمجرد العقد؛ السيارة هذه رهنٌ ولو كنت أنت -أيها المدين الراهن- تستخدمها، لكن ليس لك الحق أن تبيعها، فمجرد العقد يَلزم، فهذا محل خلافٍ بين أهل العلم.

فإذنْ القول الذي مشى عليه المؤلف، وهو قول الجمهور من الحنفية والشافعية، وكذلك المذهب عند الحنابلة: أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض.

والقول الثاني في المسألة، وهو قول المالكية: أن الرهن لا يشترط للزوم القبض، بل يلزم بمجرد العقد.

طيب، هذه مسألةٌ مهمةٌ؛ ولذلك نقف معها؛ حتى نعرف الأدلة، ثم نخلص للقول الراجح:

استدل الجمهور لقولهم بأن الرهن لا يلزم إلا بالقبض، بقول الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ، أكمل الآية: مَقْبُوضَةٌ، فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283]، قالوا: فوصف الله تعالى الرهان بأنها مقبوضةٌ؛ فدل هذا على اشتراط القبض للزوم الرهن، فاستدلوا إذنْ بظاهر الآية؛ قالوا: ولأن الرهن عقد إرفاقٍ يفتقر إلى القبول، فافتقر لزومه إلى القبض كالقرض، فهذا: “ولأن الرهن عقد إرفاقٍ يفتقر إلى القبول، فافتقر لزومه إلى القبض كالقرض”، هذه وجهة الجمهور، وعمدتهم على ظاهر الآية الكريمة.

أما المالكية فاستدلوا لقولهم بأن الرهن يلزم بمجرد العقد ولا يشترط لزوم القبض؛ بقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، قالوا: والرهن عقدٌ فيجب الوفاء به، وقياسا على البيع، فهل البيع يشترط للزومه القبض، أو أنه يلزم بمجرد العقد؟ يلزم بمجرد العقد، بعتك واشتريت، حصل التفرق؛ لزم، ما يشترط قبض السلعة للزومه، فقالوا: قياسًا على البيع، فكما أن البيع لا يشترط لزوم القبض؛ فكذلك الرهن.

هذه إذنْ أدلة الفريقين، والقول الراجح -والله أعلم- هو القول الثاني، قول المالكية: وهو أنه لا يشترط للزوم الرهن القبض، وإنما يلزم بمجرد العقد، وقد اختاره ابن القيم -رحمه الله- ونصره؛ وذلك لأنه ليس هناك دليلٌ ظاهرٌ يدل على اشتراط هذا الشرط.

وأما قول الله تعالى: فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283]، فإن الآية ليست بصريحة الدلالة في اشتراط القبض للزوم الرهن؛ لأن الله تعالى في هذه الآية -آية الدَّين- أرشد إلى كمال التوثقة للديون، فأرشد إلى شهادة رجلين فَإِن لَّمۡ يَكُونَا رَجُلَيۡنِ فَرَجُلٌ وَٱمۡرَأَتَانِ [البقرة:282]، لكن لو تم البيع بدون شهودٍ، هل يصح أو لا يصح؟ يصح بالإجماع، فهذا مجرد إرشادٍ لكمال التوثقة؛ فكذلك في الرهن، غاية ما تدل عليه الآية: أن فيها إرشادًا إلى أن كمال فائدة الرهن إنما يكون بقبض المرهون، فهو كإرشاد المتبايعين إلى الإشهاد مع أنه ليس واجبًا، وليس شرطًا؛ فكذلك أيضا هنا في الرهن، يعني غاية ما تدل عليه الآية: أنها تدل على الإرشاد إلى أن كمال الرهن إنما يتحقق بقبض المرهون.

بل إن الآية..، قالوا: إن الآية يمكن أن يُستدل بها على أن القبض ليس شرطًا للزوم الرهن، ووجه هذا: قالوا: إن الله تعالى جعل القبض وصفًا للرهن فقال: فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283]؛ فدل على أن ماهية الرهن قد تحققت بدون القبض، هذا هو القول الصحيح، وهو الذي عليه العمل، وفيه توسعة على الناس؛ لأنه لو اشترطنا أنه لا يتم الرهن ولا يلزم إلا إذا استلم المرتهن العين المرهونة عنده؛ هذا حقيقةً ربما يَشق على الناس ويَلحقهم الحرج، لكن لو قلنا: إن الرهن صحيحٌ، وأنت -أيها الراهن- سلعتك عندك، لكن لا تتصرف فيها، لا تبعها، تبقى عندك تستعملها، تستفيد منها، لكن هي رهنٌ، إذا لم تسدد الدين؛ نسحبها منك، ونبيعها ونستوفي حقنا منك، فهذا القول فيه مصلحةٌ عظيمةٌ، خاصةً في الزمن السابق؛ في الزمن السابق كان الناس يعني الفقر..، كان أكثر الناس فقراء، في العهد ليس بالبعيد كان أكثر الناس فقراء، ومعظم تعاملاتهم بالديون؛ فكانوا يحتاجون إلى الرهن كثيرًا، فالقول بأنه لا يشترط للزوم الرهن القبض، فيه توسعةٌ عظيمةٌ لهم.

فإذنْ القول الصحيح: أنه لا يشترط للزوم الراهن القبض، وهو قول المالكية.

مداخلة:

الشيخ: لزوم الرهن، معناه يتضح من الكلام المؤلف: أن للراهن الرجوع في الرهن ما لم يقبضه المرتهن، هذا معناه: لزوم الرهن، يعني: إذا قلنا بعدم لزوم الرهن؛ فنقول: أنت -أيها الراهن- لك أن تبيع العين المرهونة، مثالنا السابق: السيارة، لك أن تبيعها؛ لأن المرتهن ما قبضها، لكن إذا قلنا: إن الرهن لازمٌ، مجرد العقد نقول: لا يصح البيع، هذه عينٌ مرهونةٌ، ليس لك أن تبيعها حتى تسدد الدين الذي في ذمتك.

ليس للراهن التصرف في الرهن إلا بإذن المرتهن

ولم يصح تصرفه فيه بلا إذن المرتهن.

يعني: لا يصح تصرف الراهن في العين المرهونة، لا يصح تصرفه -يعني الراهن- في العين المرهونة بدون إذن المرتهن، هذا إذا قبضه المرتهن، يعني مثال ذلك: مثالنا السابق: شخصٌ باع سلعةً على آخر بعشرة آلاف ريالٍ، قال: أعطني رهنًا، أعطاه سيارته، قبض المرتهن السيارة عنده، ثم تفاجأ المرتهن بأن هذا الرجل باع السيارة على زيدٍ من الناس، هل يصح بيعه؟ لا يصح؛ لأنها مرهونةٌ، عينٌ مرهونةٌ، لا يصح بيعه، هذا معنى قوله: “لم يصح تصرفه فيه بلا إذن المرتهن”، لو أذن له المرتهن، لو قال: سمحت لك، بعها؛ فيصح لو أذن له المرتهن، فيصح؛ لأنه أسقط حقه.

واستثنى المؤلف مسألةً يصح فيها تصرف الراهن بدون إذن المرتهن، قال:

إلا بالعتق، وعليه قيمته، تكون رهنًا مكانه.

فأفادنا المؤلف بأن العتق لا يشترط فيه إذن المرتهن، فلو أن المدين رَهَنَ رقيقًا عند المرتهن وقبضه المرتهن، ثم إن هذا المدين أعتقه؛ فينفذ العتق ويسري ولو بغير إذنه؛ وعللوا ذلك قالوا: لأن العتق مبنيٌّ على السراية والتغليب؛ فلم يشترط فيه إذن المرتهن.

والقول الثاني في المسألة: أنه لا يصح عتق الرقيق المرهون؛ لأن فيه إسقاطًا لحق المرتهن، ولأن العتق لا ينفذ إذا ترتب عليه إبطال حق الغير؛ بدليل الحديث السابق الذي مر معنا في “صحيح البخاري” في قصة الرجل الذي دبَّر مملوكًا وعليه دينٌ، فأبطله النبي وباعه بثمانمئة درهمٍ.

وأيضا جاء في “صحيح مسلمٍ” عن عمران بن حصينٍ أن رجلًا أعتق ستة مماليك، ليس له مالٌ غيرهم، فردهم النبي ، أعتق منهم اثنين، وأرق أربعةً، وقال له قولًا شديدًا [2]، لماذا أعتق منهم اثنين؟ لأنه لا يتصرف في أي شيءٍ بالثلث، وأرق أربعةً، وقال له قولًا شديدًا؛ فدل ذلك على أن العتق إذا كان في غير محله؛ لا ينفذ.

فالنبي عليه الصلاة والسلام في هاتين القصتين أبطل العتق؛ ولذلك فالقول الراجح: هو القول الثاني: أنه لا يصح عتق الرقيق المرهون؛ لأن فيه إسقاطًا لحق المرتهن.

فالصواب إذنْ: عدم استثناء هذه المسألة، الصواب عدم استثناء مسألة العتق، وأنه لا يصح تصرف الراهن في المرتهن في العين المرهونة بدون إذن المرتهن.

مداخلة:

الشيخ: الصحيح عدم الاستثناء، نعم المذهب الاستثناء، نعم، المؤلف يقرر المذهب.

أحكام كسب الرهن ونمائه وضمانه وتلف بعضه

وكسب الرهن ونماؤه رهنٌ.

يعني: ما يحصل من الكسب؛ كأن يكون رقيقًا مثلًا وله كسب، فهذا يكون أيضًا يضاف للرهن، وكذلك نماؤه المتصل والمنفصل يكون تابعًا للرهن

وهو.

أي الرهن

أمانةٌ بيد المرتهن.

يعني: في حالة قبض المرتهن للرهن؛ فإن العين المرهونة أمانةٌ في يده؛ فيترتب على كونها أمانةً: أنه لا يضمنه إلا بالتفريط، وهذا المصطلح مر معنا كثيرًا: “أمانةٌ”، و”أمينٌ”، إذا قلنا: أمينٌ أو أمانةٌ، يعني: لا يَضمن في حال التلف إلا إذا تعدى أو فرط.

فعندنا هنا: المرتهن أمينٌ، من يذكر لنا أمناء آخرين في أبواب المعاملات مرت معنا؟

مداخلة:

الشيخ: نعم، الوكيل أمينٌ أيضًا، نعم، المستعير، على القول الراجح، والذي يراه المذهب عندهم: أنه يضمن إلا في مسائل معدودةٍ، لكن على القول الراجح: أنه أمينٌ، المودَع أمينٌ، فإذنْ هؤلاء كلهم أمناء، القاعدة في الأمين: أنه لا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط.

طيب، ما الضابط في التعدى والتفريط؟ الضابط: العرف، ما عده الناس في عرفهم تعديًا وتفريطًا؛ كان كذلك، وإلا فلا.

قال:

ويقبل قوله.

يعني: قول المرتهن.

بيمينه في تلفه، وأنه لم يفرط.

وذلك لأنه أمينٌ؛ لأن من فَرْعِ قولنا: إنه أمينٌ: أنه يقبل قوله، طبعًا يُقبل قوله عند عدم وجود البينة، وإلا لو وجدت البينة؛ فالقول قول صاحب البينة، لكن عند عدم وجود البينة يرجح قوله على الراهن، سواءٌ في التلف، أو في دعوة عدم التفريط.

قال:

وإن تلف بعض الرهن؛ فباقيه رهنٌ بجميع الحق، ولا ينفك منه شيءٌ حتى يقضي الدين كله.

لو افترضنا أن بعض الرهن تَلِفَ وبعضه بقي، الرهن الباقي يكون رهنًا، يبقى رهنًا بجميع الحق، وسيأتي بيان كيف يُفك الرهن.

قال:

ولا ينفك منه شيءٌ حتى يُقضى الدين.

يعني: لا ينفك من الرهن شيءٌ حتى يُقضى جميع الدين، وإلا لو بقي في الدين ولو ريالٌ واحدٌ؛ لا ينفك الرهن، ولا نقول: ينفك جزءٌ من الرهن مقابل سداد جزءٍ من الدين، لا، يبقى الرهن رهنًا حتى ولو لم يبق في الدين إلا ريالٌ واحدٌ، حتى يسدد الدين كله.

حكم اشتراط الغَلَق في الرهن وما يتعلق بذلك

وإذا حل أجل الدين، وكان الراهن قد شرط للمرتهن: أنه إن لم يأتِ بحقه عند حلول الأجل وإلا فالرهن له؛ لم يصح الشرط.

“إذا حل الأجل” يعني مثلًا في مثالنا السابق: باعه سلعةً بدينٍ، بعشرة ألاف ريالٍ، ورهنه سيارةً -نفترض أن الأجل سنةٌ- ثم إنه حل الأجل -يعني مضت السنة- فيلزم الراهن الوفاء، أن يسدد الدين الذي في ذمته، وإن امتنع من وفائه؛ فإنه يكون مماطلًا، وحينئذٍ يُجبَر إما على السداد، أو على بيع الرهن.

المؤلف يقول: “إذا حل أجل الدين، وكان الراهن قد شرط للمرتهن: أنه إن لم يأتِ بحقه عند حلول الأجل وإلا فالرهن له؛ لم يصح الشرط”، لماذا؟ لأنه لم يأذن له بعد حلول الحق.

طيب، الإذن الأول إذنٌ سابقٌ قبل حلول الأجل، فيقول: فلا ينفع؛ فلا بد من إذنٍ جديدٍ.

قال:

بل يلزمه الوفاء.

يعني: يلزم الراهنَ -الذي هو المدين- الوفاء، أو أنه يستأذن.

أو يأذن للمرتهن في بيع الرهن.

يأذن أو أنه يأذن -يعني الراهن- للمرتهن في بيع الرهن، يقول: السيارة التي عندك رهنٌ، بعها واستوفِ حقك منها.

أو بيعه هو بنفسه؛ ليوفي حقه.

يسحب السيارة هو ويبيعها ويعطي المرتهن حقه.

فإذنْ يقول: عندما يحل الأجل؛ نقول لهذا الراهن المدين: سدِّد، يلزمه الوفاء، قال: ما عندي شيءٌ، نقول: إذنْ تأذن للمرتهن أن يبيع العين المرهونة ويأخذ حقه، هذا خيارٌ.

خيارٌ آخر: تسحب أنت العين المرهونة، وتبيعها بنفسك، وتسدد للمرتهن حقه، تعطيه حقه.

طيب، فإن أبى، قال: لا، لن أبيع، ولا أسمح لك -أنت يا مرتهن- أن تبيع هذه السيارة، يا فلان سدد، قال: لا، لا أسدد، طيب اسمح لنا أن نبيع العين المرهونة، قال: لا، لا أسمح ولا آذن لكم في بيع العين المرهونة، طيب بعها أنت وأعطنا حقنا، قال: لا، رفض هذه الخيارات كلها، فما هو الحل؟ يقول المؤلف:

حُبس أو عُزِّر.

يحبس ويعزر ولو بالضرب فإن أصر مستميت ما عنده نية لا يبيع ولا يأذن رفض فهنا الحل سهل جدًا تباع العين المرهونة يبيعها من؟ الحاكم يبيعها الحاكم.

وعُلم من هذا: أن المرتهن ليس له أن يتصرف في العين المرهونة إلا بعد إذنٍ من الراهن، وأن الإذن السابق لا يكفي، وأن الإذن السابق له لا يكفي، لا بد من إذنٍ جديدٍ، لا بد من أن يأذن له بعد حلول الأجل؛ بأن يبيعه، بأن يبيع العين المرهونة.

وقد كانوا في الجاهلية، كان الناس في الجاهلية إذا حلَّ الأجل؛ استولى المُرتهِن على العين المرهونة، وأخذها كلها ولو كان الرهن أكثر من الدين، فأبطل ذلك الإسلام؛ كما في قول النبي : لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غُنمه وعليه غُرمه [3]، أخرجه الدارقطني والحاكم، هذا معنى غَلَق الرهن: أن يستولي على الرهن، ويأخذه كله ولو كان أكثر من الدين، وهذا لا يجوز.

لكن يحتمل أن يقال: إنه إذا أذن له في بيع الرهن عند حلول الأجل، وعدم السداد، وكانت قيمة الرهن تعادل الدين، أو قيمة الرهن أقل من الدين؛ أن له أن يبيعه مباشرةً بالإذن السابق، فهذا متجهٌ، لكن بشرط: أن تكون العين المرهونة بقدر الدين أو أقل، ولكن الأحسن: أن يكون ذلك عن طريق الحاكم؛ لأن تقدير أن تكون العين المرهونة بقدر الدين أو أقل عند حلول الأجل تحتاج إلى ضبطٍ وإلى عنايةٍ؛ ولذلك فيكون هذا عن طريق الحاكم.

حكم الانتفاع بالرهن مقابل النفقة عليه بلا إذن

وللمرتهن ركوب الرهن.

يعني إذا كان الرهن مما يركب؛ كأن يكون حيوانًا من الحيوانات التي تركب؛ مثلًا يكون جملًا ونحوه، فله أن يركبه.

وحلبه.

يعني وينتفع بلبنه.

بقدر نفقته بلا إذن الراهن.

لقول النبي : الرهن يُركب بنفقته إذا كان مرهونًا، ولبن الدَّر يُشرب بنفقته إذا كان مرهونًا، وعلى الذي يَركب ويشرب النفقة [4]، متفقٌ عليه.

وقال:

ولو حاضرًا.

حتى ولو كان الراهن حاضرًا؛ لأن الانتفاع بالركوب والحلب مقابل النفقة.

قال:

وله الانتفاع به مجانًا بإذن الراهن.

لو أن الراهن قال: هذا بعيري، أنا أتكفل بنفقته، أنا آتي له بالطعام والشراب، ولا أسمح لك أن تنتفع به، لا بركوبٍ ولا بلبنٍ، ما الحكم؟ هل له ذلك؟ له ذلك؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام إنما أذن مقابل النفقة، فإذا كان الراهن سيتكفل بالنفقة؛ فليس له الحق حينئذٍ لا في الركوب ولا في اللبن، لكن الغالب في عرف الناس أن الذي يتكفل بالنفقة هو المرتهن؛ لأن البعير بيده، أو الحيوان بيده، ما دام أنه يتكفل بالنفقة، يتكفل بعلفه وسقيه؛ فمقابل ذلك له أن يركبه، وله أن ينتفع بلبنه.

قال:

وله الانتفاع به مجانًا بإذن الراهن.

إذا أذن؛ فلا إشكال، إلا أنه يستثنى من ذلك مسألةٌ واحدةٌ، وهي: ما هي؟

طالب:…

الشيخ: أحسنت، نعم إذا كان الرهن في قرضٍ، إذا كان الرهن في قرضٍ؛ فلا يجوز للمرتهن الانتفاع بالعين المرهونة ولو بإذن الراهن.

لكن يصير مضمونًا عليه بالانتفاع، يعني: إذا أذن له بالانتفاع؛ يكون مضمونًا عليه في حال التلف والتعدي، وهذه مسألةٌ ستأتي في الفصل الآتي.

قال:

ومَؤونة الرهن، وأجرة مخزنه، وأجرة رده من إباقه على مالكه.

كل ما يتعلق بنفقة الرهن ومؤونته، وما يحتاج إليه من أجرةٍ على مالكه -الذي هو الراهن- لكن فقط استثنينا مسألة الركوب والحلب؛ لأنها مقابل النفقة.

قال:

وإن أنفق المرتهن على الرهن.

طيب، قبل هذا إذا كان الرهن مما يحتاج إلى مؤونة، لكنه ليس بمركوبٍ ولا محلوبٍ؛ مثل السيارة مثلًا، السيارة تحتاج إلى بنزينٍ، وتحتاج إلى زيتٍ، وهل يجوز للمرتهن الانتفاع بها بدون إذن الراهن؟ يقول أركب هذه السيارة وأقضي عليها مصالحي، وأنتفع بها مقابل أنني إذا احتاجت إلى بنزين؛ أضع فيها الوقود، وكذلك الزيت والصيانة، هل نقيسه على الحيوان؟ نعم؟ لماذا؟

طالب:

الشيخ: نعم أحسنت، نقول: ليس له ذلك إلا بإذن الراهن؛ وذلك لأن الحيوان إذا ترك بدون نفقةٍ؛ فإنه يموت، بخلاف السيارة، السيارة إذا ركنها وبقيت بدون بنزين؛ فإنه لا يضرها ذلك؛ ولهذا فلا يصح قياس السيارة على الحيوان في هذا المثال، لا يصح قياس السيارة على الحيوان في هذا، بل هذا خاصٌّ إذنْ بالحيوان.

قال:

وإن أنفق المرتهن على الرهن بلا إذن الراهن مع قدرته على استئذانه؛ فمتبرعٌ.

إذا أنفق المرتهن على الرهن بلا إذنٍ، ولم ينو الرجوع؛ فإنه يكون متبرعًا، يعني مثلًا: لو كانت العين المرهونة السيارة، وقام وأصلح هذه السيارة، خسر عليها مثلًا ألفًا، ألفين، ثلاثة آلاف ريالٍ بدون إذن صاحبها الراهن، ولم ينو الرجوع -لاحظوا- ولم ينوِ الرجوع؛ فيكون متبرعًا، يكون متبرعًا حكمًا، ولا يرجع بالعوض، لكن إذا أنفق بنية الرجوع؛ فله أن يرجع.

وهذه قاعدةٌ مهمةٌ يا إخوان، قاعدةٌ مهمةٌ جدًّا في التبرعات: من تبرع لغيره بنية الرجوع؛ فإنه يرجع، ومن تبرع دون نية الرجوع؛ فليس له أن يرجع؛ مثال ذلك: إنسانٌ مثلًا يعني بيت ورثه هو وإخوته ورثوه عن أبيهم، ثم هذا الرجل قام وأصلح في هذا البيت، خسر فيه خمسة آلافٍ، عشرة آلاف ريالٍ، وبعد ذلك عند القسمة أراد أن يرجع على الورثة، قال: أعطوني، فننظر؛ هل نوى الرجوع عليهم أو لم ينو؟ إن كان ما نوى الرجوع؛ كان متبرعًا، فليس له أن يرجع، أما إن نوى الرجوع؛ فله أن يرجع، يقول: يا جماعة، أنا صلحت البيت بكذا وكذا فأعطُوني، احسبوا لي تكلفة ما أصلحت، فهذه قاعدةٌ مهمةٌ جدًّا تدخل فيها أبوابٌ كثيرةٌ.

طيب، إذا أشكل علينا أن نعرف النية: فإن وصلت القضاء؛ فالقاضي ليس له إلا اليمين، يُحلَّف: هل نوى الرجوع أو لم ينو الرجوع؟ هذه المسألة كثيرًا ما ترد، وأتى قبل أيامٍ رجلٌ هنا حصلت له قضيةٌ مثل هذه، وكان أعطى والدته شيئًا، ثم بعد وفاتها ادعى على الورثة أن هذا الشيء له، فوصلت القضية إلى المحكمة، فالقاضي سأله: هل نويت الرجوع أم لا؟ قال: لا، كنت متبرعًا للوالدة، فحكم القاضي أنه ما له شيءٌ، وأن هذا الشيء الذي كان مع أمه هذا مال وارثٍ، لكن لو كان نوى الرجوع في هذه الحالة، نوى أن الوالدة تنتفع بهذا، لكن له..، وكان عقارًا، نوى أن العقار ليس للوالدة، ليس هبةً، وإنما تنتفع به، والعقار له؛ فهنا لا يورث، أما لو نوى أنها هبةٌ محضةٌ؛ فحينئذٍ يكون مال وارثٍ، ويَقتسم مع الورثة على أنه مال وارثٍ.

حكم البينة على من ادعى رد العين مع إنكار المالك

طيب، الفصل الأخير معنا في هذا الباب، قال:

فصلٌ
من قبض العين لِحَظِّ نفسه؛ كمرتهنٍ وأجيرٍ ومستأجرٍ ومشترٍ وبائعٍ وغاصبٍ وملتقطٍ ومقترضٍ ومضاربٍ، وادعى الرد للمالك فأنكره؛ لم يُقبل قوله إلا ببينةٍ، وكذا مودعٍ ووكيلٍ ووصيٍّ ودَلَّالٍ بجُعلٍ إذا ادعى الرد، وبلا جعلٍ، فيقبل قوله بيمينه.

هذه المسألة هي مسألةٌ واحدةٌ، يعني: من قبض العين لِحَظِّ نفسه، أو قبض العين لحظ غيره، أما إذا قبض العين لحظ غيره؛ كالمودع والوكيل بدون أجرةٍ؛ فهذا أمينٌ، يقبل قوله في الرد، وقوله في دعوى التلف، وقوله في نفي التفريط، لكن إذا قبض العين لحظ نفسه؛ كالمرتهن والأجير والمستأجر والمشتري والبائع، ومن الأمثلة التي ذكرها المؤلف، ثم ادعى الرد؛ فالمؤلف يقول: إنه لا يقبل قوله إلا ببينةٍ؛ وذلك لأنه إنما قبض لحظ نفسه، ولأن الأصل عدم الرد.

وقال بعض أهل العلم: إن من كان من هؤلاء أمينًا، ويوصف بأنه أمينٌ، فيقبل قوله، أما من لم يكن منهم أمينًا؛ فلا يقبل قوله إلا ببينةٍ.

فالمرتهن أمينٌ، وكذلك الأجير المستأجر أمينٌ، وكذلك أيضًا المضارب أمينٌ، فهؤلاء يقبل قولهم عند عدم وجود البينة؛ لأن هذا مقتضى قولنا: إنهم أمناء، أما من لم يوصف بالأمانة من هؤلاء: فلا يقبل قوله إلا بالبينةٍ.

ونريد أن نعرف من لم يوصف بالأمانة من هؤلاء الذين ذكرهم المؤلف، فعندنا أولًا من هو؟

المشتري، وكذلك أيضًا الغاصب، فهؤلاء لا يوصفون بأنهم أمناء، هؤلاء لا يقبل قولهم في الرد إلا بالبينة، وهكذا البائع والمشتري والغاصب، لا يوصف هؤلاء بأنهم أمناء، فهؤلاء لا تُقبل دعواهم في الرد إلا ببينةٍ؛ لأن الأصل عدم الرد.

فإذنْ القول الصحيح في هذه المسألة: أن من كان من هؤلاء أمينًا؛ فإنْ وُجد بينةٌ؛ فالقول قول صاحب البينة، إذا لم توجد بينةٌ؛ فيقبل قول الأمين بيمينه، أما من لم يوصف منهم بالأمانة؛ فهذا لا يقبل قوله إلا ببينةٍ، هذا أرجح أقوال أهل العلم في هذه المسألة.

رهن المشاع

طيب، بقي مسألةٌ معنا: وهي رهن المشاع، رهن المشاع هل يصح؟ أولًا ما معنى: المشاع؟

مداخلة:

الشيخ: المشترك الذي يملك الإنسان جزءًا منه بالنسبة؛ كالربع والنصف والثلث، فهذا يسمى مشاعًا، أو 5%، أو 10%.

طيب، هل يصح بيع المشاع؟ يصح بيع المشاع، فالقاعدة: أن ما صح بيعه صح رهنه؛ فلذلك نقول: يصح رهن المشاع؛ وعلى ذلك تتفرع مسألة: رهن الأسهم، هل يصح رهن الأسهم أو لا يصح؟ يصح رهن الأسهم؛ لأن القاعدة: أن ما صح بيعه صح رهنه، هل يصح بيع الأسهم؟ يصح بيع الأسهم؛ وبالتالي يصح رهن الأسهم، فلو قال مثلًا: أنا أملك مثلًا مئة سهمٍ في شركة كذا أريد أن أرهنها، فيصح رهن الأسهم؛ لأنه يصح بيعه، والقاعدة: أنه ما صح بيعه صح رهنه.

ونكتفي بهذا القدر، ونتيح الفرصة للأسئلة.

ونبدأ أولًا بالأسئلة المكتوبة:

الأسئلة

السؤال: أحسن الله إليكم، الرهن العقاري هو حديث الساعة، فما الفرق بينه وبين الرهن الفقهي، وما الراجح في…، وهل هذا الرهن العقاري هو الرهن الذي يوجد في بيع… والإجارة المنتهية بالتمليك في بعض البنوك المحافظة؟

الجواب: الرهن العقاري إذا كان يتكلم عن المصطلح كمصطلح “الرهن العقاري”؛ فهذا رهنٌ جائزٌ ومشروعٌ، لكن الرهن العقاري ربما الأخ السائل يشير إلى نظامٍ سيصدر قريبًا في الرهن العقاري، ولم تتضح بعد معالم هذا الرهن، لعله إذا أعلن؛ يتضح أمره ونوضحه -إن شاء الله- في درسٍ قادمٍ، لكن حتى الآن لم تتضح أموره، ولازال قابلًا الآن للتعديل والأخذ والرد، وربما يكون له أثرٌ أيضًا على أسعار العقار، وعلى أمورٍ كثيرةٍ، فهذا الرهن العقاري هذا نظام تنظيم الوزارة العدل، ولعله يصدر قريبًا إن شاء الله، لكن لا شك أنه في قواعده ينطلق من باب الرهن عند الفقهاء، الحقيقة الشركات التي تبيع بالتقسيط لو أنها فهمت الرهن؛ لاستغنت به عن أمورٍ كثيرةٍ، استغنت به عن التأجير المنتهي بالتمليك وغيره، لكن..، ثم أيضًا لا بد أن يَتبع هذا تبسيط إجراءات الرهن، إذا بسِّطت إجراءات الرهن؛ أصبح الناس يتعاملون به، لكن الآن إجراءاته ربما يكون فيها صعوبةٌ، خاصةً عندما يحل الأجل ولا يستطيع، ولا يحصل الدائن على حقه، فلا بد من البيع عن طريق المحكمة، وتحتاج إلى إجراءاتٍ كثيرةٍ؛ ولذلك عَدَلَت الشركات عن الرهن إلى التأجير المنتهي بالتمليك، والتأجير المنتهي بالتمليك له صورتان: صورةٌ ممنوعةٌ، وصورةٌ جائزةٌ.

الصورة الممنوعة: أن يكون تأجيرًا وبيعًا في الوقت نفسه، هذه ممنوعةٌ.

أما الصورة الجائزة: أن يكون تأجيرًا مع وعدٍ بالتمليك، تأجيرًا حقيقيًّا مع وعد بالتمليك، فهذا جائزٌ، هذا هو الذي عليه أكثر الشركات التي تمارس التأجير مع الوعد بالتمليك.

مداخلة:

الشيخ: طيب، نجعل الدرس الأسبوع القادم؟ الاختبارات ستبدأ في آخر الشهر، فلعل الأسبوع القادم يكون آخر موعدٍ، يعني يكون الأسبوع القادم نختم به إن شاء الله تعالى.

من كان عنده ملخصاتٌ؛ فليأت بها هذا الأسبوع، إذا وُجد عندنا عددٌ؛ نضع عليها قرعةً كما فعلنا، عادتنا في آخر كل درسٍ أن نضع جائزةً لأفضل ملخصٍ أو أفضل كتابةٍ للدرس، فمن كان عنده شيءٌ؛ فليتقدم به هذا الأسبوع، آخر موعدٍ يكون يوم الأحد القادم إن شاء الله تعالى، والأسبوع القادم أيضًا سوف ننتهي من “البخاري”، ونسمي أيضاً كتاباً آخر.

مداخلة:

الشيخ: الاستئناف -إن شاء الله تعالى- كالعادة: أنه أول أسبوعٍ من استئناف الدراسة في شهر شوالٍ، الدراسة تستأنف في السادس عشر، فيكون الدرس في الثامن عشر من شهر شوالٍ، وعمومًا في الموقع يكون هناك إعلانٌ، وكذلك أيضا عن طريق الرسائل، وبالمناسبة الذي ما سجل اسمه في جوال الرسائل، لعله يسجل عند الأخ فهد، هناك بعض الإخوة ما سجلوا؛ لأنه تأتينا أسئلةٌ: لما تأتي الأمطار؛ هل هناك درسٌ أو ليس هناك درس؟ فلو أنهم سجلوا أسماءهم؛ أتتهم الرسالة م،ا احتاجوا إلى هذا السؤال.

مداخلة:

الشيخ: نعم، الأسبوع القادم -إن شاء الله- نتكلم عنها.

السؤال: أحسن الله إليكم، إذا ترك المرتهن الرهن عند الراهن، بأي شيءٍ يضمن حقه، وقد يتصرف الراهن دون علم المرتهن أو يجحد الرهن؟

الجواب: إذا ترك المرتهن الرهن عند الراهن -على القول بأن الرهن يلزم بمجرد العقد ولا يشترط للزومه القبض- فيقول السائل: بأي شيءٍ يضمن حقه؟ هذه وجهة الجمهور، الجمهور يقولون: حتى يضمن حقه؛ لا بد أن يقبضه، لكن على القول الراجح يستطيع أن يضمن حقه بدون هذا، نقول ليس للراهن التصرف، فإن تصرف؛ أُبطل تصرفه، افترض أنه باع العين المرهونة، نقول: بيعٌ باطلٌ، وهبها، الهبة غير صحيحةٍ، فكل تصرفات الراهن غير صحيحةٍ يُبطلها الحاكم بواسطة المحكمة، يبطل جميع تصرفاته، هذا هو الذي يَضمن له حقه، يضمن للمرتهن حقه.

مداخلة: إذا تلفت عند الراهن؟

الشيخ: إذا تلفت العين المرهونة؛ فنعم.

مداخلة: ولم يستلم المرتهن.

الشيخ: ولم يستلم المرتهن حقه، يلزم الراهن أن يضع بدلًا عنه بقيمته.

السؤال: أحسن الله إليكم، رجلٌ أقرض آخر قرضًا، واشترط رهن المصحف، فهل يجوز الانتفاع من المصحف بالقراءة منه؟

الجواب: رهن المصحف نحن قلنا إن القول الراجح: أنه يصح، يصح رهنه؛ لأنه يصح بيعه، والانتفاع بالعين المرهونة يشترط له الإذن، إلا في الحيوان المركوب -كما ذكرنا- بنفقته، لكن الانتفاع بالمصحف في القراءة، سؤال الأخ يقول: أراد أن ينتفع بالمصحف في القراءة من المصحف، والعين المرهونة هو المصحف، فأراد ينتفع به، فهل يشترط إذنُ الراهن؟ ننظر؛ هل قراءة المرتهن من المصحف لها أثرٌ في إلحاق الضرر بالمصحف مثلًا؟ نعم، الواقع أنه مع كثرة فتح المصحف وإغلاقه فقد يلحقه الضرر، لكن لا بد من الإذن طبعًا، هذه مسألةٌ مفترضةٌ، لكن ليست محالةً، فالظاهر: أنه على القاعدة: لا بد من الإذن، ثم أيضًا كيف يريد أن يتقرب إلى الله ​​​​​​​ بتلاوة القرآن وهو لم يستأذن من صاحب المصحف الذي هو الراهن.

السؤال: أحسن الله إليكم، إذا دخل الرجل المسجد قبل أذان المغرب بخمس دقائق؛ فهل يجلس أو يصلي؟

الجواب: إذا دخل قبل الأذان بخمس دقائق؛ فهذا الوقت من أوقات النهي، والنهي الشديدٌ؛ لأن أوقات النهي تنقسم من قسمين:

  • أوقاتٌ النهي فيها شديدٌ.
  • وأوقاتٌ النهي فيها ليس شديدًا، وإنما منع من الصلاة فيها من باب سد الذريعة.

فالأوقات التي النهي فيها شديدٌ ثلاثةٌ: وقت طلوع الشمس، ووقت غروبها، وحين يقوم قائم الظهيرة.

قد حسبتها بالدقائق من حين تطلع الشمس إلى عشر دقائق حتى ترتفع، وقت طلوع الشمس من حين تطلع إلى عشر دقائق، هذا وقت النهي الشديد، إلى عشر دقائق، فأنت تنظر في التقويم إلى الشروق، تضيف إليه عشر دقائق، هذا وقت النهي الشديد.

الغروب: قبل غروب الشمس بعشر دقائق أيضًا؛ لأن الغروب عكس الشروق، قبل الغروب بعشر دقائق.

حين يقوم قائم الظاهرة: حينما تكون الشمس في كبد السماء، وهذا الوقت يسيرٌ، حسبته في حدود ست دقائق، لكن لو احتاط وجعله عشرًا؛ فلا بأس، لكنها لا تزيد على ست دقائق، لكن هنا إشكالٌ: وهو أن التقاويم الموجودة الآن وضعت على منتصف وقت النهي، كيف يعني؟ عندما تعبر الشمس، عندما تكون الشمس على رأسك، هنا يقول: أذِّنْ الظهر، هذا خطأٌ، المفروض ما يؤذن الظهر إلا إذا زالت الشمس إلى جهة الغرب، لكن نحتاج إلى ثلاث دقائق حتى تزول، يعني من دقيقتين إلى ثلاث دقائق حتى تزول.

فإذنْ نحتاج الآن قبل أذان الظهر لثلاث دقائق، وبعد الأذان لثلاث دقائق؛ فلذلك بعض الناس من حين أن يؤذن؛ يكبر، نقول هنا: صليت في وقت النهي، خاصةً في المطارات، رأيت في المطارات ينتظر من أول ما يقول: الله أكبر، يكبرون لصلاة الظهر، فنقول: تأخر حدود ثلاث دقائق.

وهناك بحث كتبته وسوف يقدم -إن شاء الله- للمجمع الفقهي في الدورة القادمة في شهر شوالٍ مع بحوثٍ أخرى، وسيصدر فيه قرارٌ، وإذا صدر قرارٌ -إن شاء الله- سوف نعطيه لجنة تقويم أم القرى لتعديل التقويم؛ لأن تقويم أم القرى فيه إشكاليةٌ، بينما مثلًا التقويم المغربي مثلًا فيه خمس دقائق مضافة، تقويم اليمن فيه دقيقتان مضافتان، لكن تقويم أم القرى هو الذي لا زال بحاجةٍ إلى العناية.

مداخلة:

الشيخ: في الفجر، نحن كلامنا عن الظهر الآن، الإشكال الآن في الظهر، هو على كل حالٍ -إن شاء الله تعالى- الإشكال يسيرٌ، ليس كبيرًا، يعني ليس مثل الفجر، الإشكال يسيرٌ، يعني ما إن يفرغ المؤذن من الأذان؛ إلا وقد زالت الشمس، لكن مع ذلك ينبغي ضبط أوقات الصلاة، وأردت أنا أن أبين هذا بالنسبة لصلاة الضحى، يعني لك أن تصلي للضحى إلى قبيل الأذان، إلى قبيل الأذان بحدود من ثلاث إلى خمس، لكن لو جعلتها عشرًا احتياطًا؛ كان هذا حسنًا؛ لأن الاحتياط هنا مطلوبٌ؛ بدليل: أن الشارع منع من الصلاة من بعد العصر احتياطًا؛ حتى لا تصلي في وقت النهي الشديد.

إذنْ هذا وقت النهي الشديد، وقت النهي ليس شديدًا، وإنما من باب سد الذريعة من بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، ومن بعد صلاة العصر إلى قُبيل غروب الشمس، فإذا دخلت وقت النهي الشديد؛ المسألة محل خلافٍ قويٍّ بين أهل العلم، الخلاف ليس ضعيفًا، الخلاف قويٌّ؛ ولذلك لو احتطت وانتظرت حتى تغرب الشمس، هذا لا شك أنه الأكمل والأفضل، هذا هو الذي نوصي به، لكن لو لم تفعل ذلك؛ لا شك أن القول الراجح: أن ذوات الأسباب تفعل في أوقات النهي حتى وإن كان وقت النهي شديدًا، لكن الأحوط والأبرأ للذمة، والذي أنصح به: أن الإنسان في مثل هذا الموقف ينتظر حتى تغرب الشمس ثم يصلي؛ خروجًا من الخلاف بين أهل العلم.

مداخلة:

الشيخ: هو تأخير الأذان الحقيقة يتسبب في إشكالٍ وبلبلةٍ وفتنةٍ؛ لذلك يؤذن مع التقويم، لكن المهم تأخير الصلاة.

مداخلة:

الشيخ: على كل حالٍ: كون المؤذن يؤذن الآن، ومؤذنٌ يؤذن بعد عشر دقائق، ومؤذنٌ بعد خمسٍ، ومؤذنٌ بعد ربع ساعةٍ، ومؤذنٌ بعد ثلث ساعةٍ، لا شك هذا يسبب بلبلةً للعامة، ويسبب تشتيتًا للناس، خاصةً في رمضان، وفي الإمساك بالنسبة للصائم، فلا شك أن المصلحة تقتضي ألا يفعل هذا، الأذان لا يترتب عليه شيءٌ كبيرٌ، كون الناس يمسكون قبل الوقت لا يضر.

فالذي أرى: أن المؤذنين يؤذنون مع التقويم، لكن المهم الصلاة، لا تقام الصلاة إلا بعد التحقق من دخول الوقت، هذا المهم، أما الأذان فالأمر فيه سعةٌ، بل حتى عند الحنابلة الفجر يجوز أن تؤذن قبل دخول وقتها، منصوصٌ عليه هذا عند الحنابلة، فالأذان فيه سعةٌ، لكن الإشكال الكبير هو في أداء الصلاة قبل التحقق من دخول الوقت.

السؤال:…؟

الجواب: الأثر: أنه لو رهنه سيارةً، ثم إن المرتهن ما قبض السيارة، جعلها عند المدين، وذهب المدين وباع السيارة؛ فعلى قول الجمهور الذين يشترطون القبض: البيع صحيحٌ، وعلى قول المالكية الذين لا يشترطون القبض: البيع غير صحيحٍ، هذا هو الأثر.

السؤال: أحسن الله إليكم، عند رهن السيارة برهنٍ طويل الأجل، فإن قيمتها سوف تنقص، فما الحكم؟

الجواب: العبرة بقيمتها عند بيعها عند حلول الأجل، وإلا فمعلومٌ أن العين مرهونةٌ، عمومًا سواءٌ كانت سيارةً أم غيرها، سوف تنقص قيمتها، فإذنْ العبرة بقيمتها عند حلول الدين.

طيب، إذا حل الدين، إن كان الرهن أكثر، وبيعت العين المرهونة؛ فالفرق يعطى الراهن، وإن كان الرهن بقدر الدين؛ فالمرتهن يأخذ الرهن كله، إن كان الرهن أقل من الدين؛ فيأخذ المرتهن الرهن كله والمتبقي دينٌ في ذمة الراهن.

السؤال: أحسن الله إليكم، يريد مثالًا على كون الرهن منَجَّزًا ومعلقًا؟

الجواب: نعم، منجزًا: أن يقول: بعتك هذه السلعة إلى سنةٍ، وسيارتي هذه رهنٌ، معلق: مثلًا يقول: بعتك هذه السيارة، أو هذه السلعة، مثلًا بعشرة آلاف ريالٍ إلى سنةٍ، وتكون سيارتي هذه رهنًا بعد ثلاثة أيامٍ، أو إن جاء زيدٌ، أو إن قدم فلانٌ، يعني يعلقها بشيءٍ، عندهم لا بد أن يكون منجزًا ولا يكون معلقًا، والصحيح: أنه يصح الرهن معلقًا.

مداخلة:…

الشيخ: لا، ليس له الانتفاع، ليس للمرتهن الانتفاع بالعين المرهونة إلا بإذن الراهن، سواءٌ كانت أرضًا أو سيارةً أي سلعةً، إلا في حالةٍ واحدةٍ، وهي إذا كانت العين مرهونةً، ماذا؟ حيوانٌ، إذا كانت حيوانًا؛ فله أن يركبه، وأن ينتفع بلبنه مقابل علفه وسقيه فقط، ما عادا ذلك لا بد من يستأذن، كونه يحرث الأرض وينتفع بها، ليس له ذلك إلا بإذن صاحبها ومالكها.

السؤال: أحسن الله إليكم، ما المقصود بما يلي: “الديون المرسلة”، “الشِّقْص”؟

الجواب: يعني الديون المرسلة: يعني غير المقيدة، غير الموثقة، ديونٌ غير موثقةٍ برهنٍ ولا بضامنٍ، فالديون تنقسم إلى قسمين:

  • ديونٌ موثقةٌ برهنٍ أو بكفيلٍ.
  • وديونٌ غير موثقةٍ لا برهنٍ ولا بكفيلٍ، هذه يسميها الفقهاء: الديون المرسلة.

والمصطلح الثاني ما هو؟

الطالب: الشقص.

الشيخ: “الشِّقْص” يعني: الجزء، هذه الأرض لك ربعها، يعتبر لك شقصٌ من هذه الأرض، يعني: جزءٌ منها.

السؤال الأخير: أحسن الله إليكم، إذا لم يجد الرجل سترةً يضعها أمامه؛ فهل يكتفي بوضع خطٍّ، وهل هذا ثابتٌ عن النبي ، وإذا ثبت؛ فكيف أضع هذا الخط…؟

الجواب: حديث الخط [5] من أحاديث “البلوغ”، والحافظ ابن حجرٍ رحمه الله قال: “ولم يصب من زعم أنه مضطربٌ، بل هو حديثٌ حسنٌ”، ولكن هذا محل نظرٍ، عند كثيرٍ من المحدثين: أن الحديث غير محفوظٍ، غير ثابتٍ، وأنه ضعيفٌ ولا يصح، والحافظ ابن حجرٍ عنده تساهلٌ في التصحيح والتحسين، يعني تساهلٌ نسبيٌّ طبعًا، والصواب: أن الحديث ضعيفٌ، وأنه إذا لم يجد سترةً؛ لا يضع شيئًا، والسترة أقل ما ورد فيها: أنها مثل مُؤْخِرَة الرَّحل، ومؤخرة الرحل بحدود ثلثي ذراعٍ، والذراع يعادل تقريبًا (48 سم)، يعني ثلثي ذراعٍ، في حدود كم؟ نصف مترٍ، يعني: بقدر المسطرة، أو نصف مترٍ، هذا يعني هو أقل ما ورد في السترة، لكن القول الصحيح: أن السترة مستحبةٌ، ليست واجبةً؛ لأن النبي كان في حجة الوداع يصلي إلى غير جدارٍ، في “الصحيحين”: يصلي إلى غير جدارٍ [6]، وجاء في روايةٍ في غير “الصحيحين”: “إلى غير سترةٍ” [7].

فالقول الصحيح: أن السترة مستحبةٌ استحبابًا مؤكدًا، لكن ليست واجبةً؛ لأن القول: إنها واجبةٌ، يؤثِّم من صلى بدون سترةٍ، فالصحيح ما عليه الجمهور: أنها مستحبةٌ وليست واجبةً.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 2916، ومسلم: 1603.
^2 رواه مسلم: 1668.
^3 رواه البزاز: 7741، والدارقطني: 2920، والحاكم: 2343.
^4 رواه البخاري: 2512.
^5 رواه أبو داود: 689، وابن ماجه: 943، وأحمد: 7392.
^6 رواه البخاري: 76، ومسلم: 504.
^7 رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني: 814، وابن حبان: 5329.
zh