عناصر المادة
- باب القرض
- حكم القرض
- الفرق بين القرض والدَّين
- الضابط فيما يصح قرضه
- شروط صحة القرض
- بِمَ يتم عقد القرض؟
- هل القرض يتأجَّل بالتَّأجيل؟
- وقت تقويم القرض
- حكم مَن اقترض بعملةٍ معينةٍ ويريد سدادها بعملةٍ أخرى
- حكم اشتراط الرهن في القرض
- كل قرضٍ جَرَّ نَفْعًا فهو ربًا
- السُّفْتَجَة
- حكم الزيادة في القرض
- من صور القرض بفائدةٍ
- مسألة بذل المُقْتَرض للقرض ببلدٍ آخر غير بلد المُقْرِض
- الأسئلة
باب القرض
قال المصنف رحمه الله:
نبدأ أولًا بتعريف القرض.
القرض معناه في اللغة: القطع، مصدر: قَرَضَ الشيء، يَقْرِضُه، قَرْضًا.
ومعناه في الاصطلاح، أحسن ما قيل في تعريفه أنه: “دفعُ مالٍ لمَن ينتفع به ويَرُدُّ بَدَلَه”.
حكم القرض
حكمه: أنه مُستحبٌّ، فهو من عقود الإرفاق والإحسان، وقد جاء في حديث ابن مسعودٍ : أن النبي قال: ما من مسلمٍ يُقْرِض مسلمًا قرضًا مرتين إلا كان كصدقتها مرةً أخرجه ابن ماجه وابن حبان، وهو حديثٌ حسنٌ [1].
قال بعض أهل العلم: إن القرض أفضل من الصدقة؛ لأن الغالب أنه لا يقترض إلا المُحتاج.
واستدلوا أيضًا بحديث أنسٍ : أن النبي قال: رأيتُ ليلة أُسْرِيَ بي على باب الجنة مكتوبًا: الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر، فقلتُ: يا جبريل، ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل يسأل وعنده، والمُسْتَقْرِض لا يَسْتَقْرِض إلا من حاجةٍ. وهذا الحديث أخرجه ابن ماجه في “سننه” [2]، لكنه حديثٌ ضعيفٌ، لا يصح ولا يثبت عن النبي ، وأيضًا في مَتْنِه شيءٌ من النَّكارة.
ولهذا فالصحيح عند كثيرٍ من المُحققين من أهل العلم: أن الصدقة أفضل من القرض؛ لحديث ابن مسعودٍ السابق، وهو حديثٌ ثابتٌ: ما من مسلمٍ يُقْرِض مسلمًا قرضًا مرتين إلا كان كصدقتها مرةً، فإنه ظاهر الدلالة في أن الصدقة أفضل من القرض، ثم إن المُقْرِض يستردُّ ما أقرضه، بينما المُتصدق لا يستردُّ ما تصدَّق به.
إذن الصدقة أفضل من القرض، هذا هو القول الصحيح.
وقلنا: القرض بالنسبة للمُقْرِض مُستحبٌّ، فيُستحب للمسلم أن يُقْرِض إخوانه المسلمين؛ لما فيه من قضاء حاجتهم، وتفريج كُربتهم، ولحديث ابن مسعودٍ السابق، لكنه ليس بواجبٍ؛ ولهذا قال الإمام أحمد: “لا إثم على مَن سُئِلَ فلم يُقْرِض؛ وذلك لأنه من المعروف، فأشبه صدقة التَّطوع”.
أما في حقِّ المُقترض فإنه مُباحٌ، وليس مكروهًا، خاصةً إذا كان الاقتراض لحاجةٍ؛ ولهذا قال الإمام أحمد: “ليس القرض من المسألة”، يُريد أنه لا يُكره؛ لأن النبي كان يقترض، فقد اسْتَسْلَفَ من رجلٍ بَكْرًا، فَقَدِمَتْ عليه إبلٌ من إبل الصدقة، فأمر أبا رَافِعٍ أن يقضي الرجل بَكْرَه، فرجع إليه أبو رَافِعٍ فقال: لم أجد فيها إلا خِيَارًا رَبَاعِيًّا. فقال: أَعْطِهِ إياه، إن خيار الناس أحسنهم قضاءً. رواه مسلمٌ [3].
ولو كان الاستقراض مكروهًا لكان النبي أبعد الناس منه، لكن مع هذا لا ينبغي الاقتراض إلا لحاجةٍ؛ لأن القرض يدخل في مُسمى الدَّين.
الفرق بين القرض والدَّين
هنا نقف وقفةً: ما الفرق بين القرض والدَّين؟
طالب: …….
الشيخ: الدَّين أعم، أحسنتَ: كل مُقْتَرضٍ مَدِينٌ، وليس كل مَدِينٍ مُقْتَرضًا، فكل قرضٍ دَيْنٌ، وليس كل دَيْنٍ قرضًا.
فالقرض عرَّفناه: هو دفعُ مالٍ لمَن ينتفع به ويَرُدُّ بَدَلَه.
والدَّين: كُلُّ ما ثبت في الذِّمَّة من حقوق الله وحقوق الآدميين.
الزكاة دَينٌ، والحج دَينٌ، والقرض دَينٌ، ولو اشتريتَ سلعةً بأجلٍ تُعتبر دَيْنًا، فالدَّين واسعٌ، معناه واسعٌ؛ ولهذا لا بد من التَّفريق بين القرض والدَّين.
ولهذا نجد بعض الناس في أسئلتهم واستفتاءاتهم يقول أحدهم: “أخذتُ من البنك قرضًا”، وهو يقصد: دَيْنًا، ولا يقصد: قرضًا، يقصد أنه اشترى سيارةً بالتقسيط، أو اشترى أَسْهُمًا للتَّورُّقِ -مثلًا- أو المُرابحة، المهم أنه اشترى بضاعةً.
فقوله: “أخذتُ من البنك قرضًا” غير صحيحٍ، وهو من الألفاظ الشائعة التي قد تُوهم بعض المُفتين؛ ولهذا المُفتي ينبغي أن يفهم اصطلاحات المُستفتين.
إذن لو أتى إنسانٌ وقال: “أخذتُ من البنك قرضًا، والبنك أخذ عليه فائدةً”، فلو أخذتَ بظاهر اللفظ: “قرضٌ بفائدةٍ”، وكلُّ قرضٍ جَرَّ نفعًا فهو ربًا، لكن ليس هذا مقصود المُستفتي، مقصوده: اشتريتُ سلعةً بِأَجَلٍ، وأخذ البنك أرباحًا.
لاحظ الفرق، لما حلَّلنا العبارة وجدنا أن هذا مقصود المُستفتي؛ ولذلك فعلى المُفتي أن يفهم ألفاظ المُستفتين.
ثم أيضًا ينبغي أن نُسمِّي الأشياء بأسمائها ومُصطلحاتها الشرعية؛ فلذلك ينبغي تنبيه العامة إلى أن هذا ليس قرضًا، فعندما يقول: “أخذتُ من البنك قرضًا” فهذا التعبير غير صحيحٍ، وعليه أن يقول: اشتريتُ سلعةً، اشتريتُ سيارةً، اشتريتُ أسهمًا، اشتريتُ كذا. ولا يقل: “أخذتُ قرضًا”، فالقرض معناه: السَّلف، ومن الألفاظ التي تُطلق على القرض: السَّلف، “لا يحل سلفٌ ودَيْنٌ” يعني: قرضًا ودَيْنًا، و”لا يحل سلفٌ وبيعٌ” يعني: قرضًا وبيعًا؛ فلهذا ينبغي التَّنبيه على هذه المسألة.
البنوك ليس من خُلُقها القرض، هل يمكن أن يُقْرِضَ بنكٌ من البنوك لوجه الله؟
ما يمكن هذا أبدًا، فالبنوك أصلًا تُريد أن تنتفع وتتربح من الآخرين؛ ولذلك فإن القرض ليس من أخلاق البنوك، فلا يقل إذن: “إني أخذتُ من البنك قرضًا”، يقول: اشتريتُ سلعةً، أو بضاعةً، أو تَوَرُّقًا، أو مُرابحةً، أو نحو ذلك.
فهذه مسألةٌ أحببنا التَّنبيه عليها، فالقرض إذن يدخل في معنى الدَّيْن، والدَّيْن أمره عظيمٌ جدًّا، حتى إن النبي أخبر أن الشهيد الذي باع نفسه لله يُغْفَر له كل شيءٍ إلا الدَّيْن.
والرجل الذي طلب من النبي أن يُزَوِّجه الواهبة نفسها، قال : الْتَمِسْ ولو خاتمًا من حديدٍ، ولم يقل : اقترض. فبحث هذا الرجل وما وجد شيئًا ولو خاتمًا من حديدٍ، ولم يقل : اقترض. قال : أَمَعَكَ من القرآن شيءٌ؟ قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا. فقال : زَوَّجْنَاكَهَا بما معك من القرآن [4].
لاحظ: لم يقل : اقترض. وكان بإمكانه أن يقترض، والمهر ليس كثيرًا، فمثل هذه المرأة لو أعطاها مهرًا يسيرًا قبلتْ به، ومع ذلك لم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: اقترض؛ وذلك لِعِظَم شأن الدَّين، وكان بإمكانه أن يستدين، أو يطلب من الصحابة أن يُقرضوه، لكن النبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يُربِّي الصحابة ويُربِّي أُمَّته على ألا يلجؤوا للاستدانة أو الاقتراض إلا عند الحاجة المُلِحَّة.
نقول: لأجل هذا كان عليه الصلاة والسلام لا يُصلِّي على مَن مات وعليه دَينٌ، حتى الرجل الذي مات وعليه ديناران ما صلَّى عليه النبي عليه الصلاة والسلام، مع أنها شيءٌ يسيرٌ، حتى قال أبو قتادة : الديناران عليَّ يا رسول الله [5].
فهذا فيه إشارةٌ إلى عِظَم شأن الدَّين؛ لأن حقوق العباد -يا إخوان- أمرها عظيمٌ عند الله ، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ كَحُرْمَة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا [6].
فينبغي أن يجعل المسلم هذا مبدأً له في الحياة: تعظيم شأن حُرُمات المسلمين؛ حُرمات دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وألا يتساهل في هذا الأمر.
الضابط فيما يصح قرضه
نعود لعبارة المؤلف رحمه الله، قال:
“يصحُّ” يعني: يصحُّ القرض، “بكُلِّ عَيْنٍ يصحُّ بيعها إلا بني آدم” هذا يصحُّ أن يكون قاعدةً في “باب القرض”، قاعدة فيما يصحُّ قرضه.
ما الذي يصحُّ قرضه؟ أو ما الضابط فيما يصحُّ قرضه؟
الضابط هو كما قال المؤلف: “يصحُّ بكُلِّ عَيْنٍ يصحُّ بيعها إلا بني آدم”.
وبعبارةٍ أخرى: ما صحَّ بيعه صحَّ قرضه إلا العبيد والإماء.
فكل ما صحَّ بيعه من أعيانٍ أو غيرها يصحُّ إقراضه، كل ما صحَّ بيعه على ما ذكرنا في تفاصيل البيع، كل ما صحَّ بيعه يصح إقراضه إلا العبيد والإماء، فإنه يصحُّ بيعهم، ولا يصحُّ إقراضهم، فلا يمكن أن تُقْرَض الأَمَة؛ لأنه قد يكون إقراضها ذَرِيعةً إلى وطئها، فلا يصح إقراض العبيد والإماء.
شروط صحة القرض
قال:
يعني: يُشترط لصحة القرض.
يعني: علم قَدْرِ المال المُقْتَرَض، المال المدفوع في القرض.
وكذلك معرفة وصفه، يعني: صفته؛ لأجل أن يتمكن من رَدِّ بَدَلِه إلى صاحبه.
فمثلًا: يعرف أنه اقترض عشرة آلاف ريالٍ سعودي، أو مثلًا: خمسة آلاف جنيهٍ مصري، أو مثلًا: مئة كيلو جرام من البُرِّ من نوع كذا، أو نحو ذلك.
قال:
هذا هو الشرط الثالث.
فلا بد أيضًا أن يكون المُقْرِض يصحُّ تبرُّعه، فالذي لا يصحُّ تبرُّعه لا يصحُّ إقراضه.
ومن ذلك على سبيل المثال: وليُّ اليتيم، فليس له أن يُقْرِض من مال اليتيم، فلو كان أحدٌ -مثلًا- عنده أموالٌ لِيَتيمٍ أو لِيَتَامَى، وأتى أحدُ إخوانه أو أقاربه وقال: هذا المال الآن مُجمَّدٌ عندك، وأُريد أن تُقْرِضني هذا المال وأردّه.
هذا لا يجوز، وليس له، ولا يملك أصلًا أن يُقْرِض مال اليتيم؛ لقول الله : وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام:152]، وهل من التَّصرف بالتي هي أحسن إقراض مال اليتيم؟
ليس هذا من التَّصرف بالتي هي أحسن؛ لأن إقراضه عُرْضَةٌ لأن يرجع أو لا يرجع؛ إذن لا يجوز إقراض مال اليتيم.
طيب، هل تجوز المُتاجرة بمال اليتيم واستثماره؟
نعم، تجوز، بل تُستحب.
ما الفرق بينهما؟ لماذا منعنا الإقراض وأجزنا المُتاجرة؟
طالب: …….
الشيخ: نعم، أحسنتَ، الإقراض ليس من التَّصرف بالتي هي أحسن، بينما المُتاجرة من التَّصرف بالتي هي أحسن، والله تعالى يقول: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.
وهكذا مال الأوقاف، وهكذا الأمانات، هذه كلها لا يصحُّ إقراضها؛ لأنه لا يملك هؤلاء التَّبرع بها؛ ولأن هذا ليس تصرُّفًا بالتي هي أحسن.
بِمَ يتم عقد القرض؟
قال:
يعني: عقد القرض.
يعني: كالبيع، فإذا قال: أقرضني. أو قال: سَلِّفْنِي. فأقرضه، فَقَبِلَ؛ فقد انعقد عقد القرض.
قال:
يعني: يُصبح هذا القرض لازمًا ومملوكًا للمُقْتَرِض بالقبض؛ وذلك لأنه عقدٌ يتوقف التَّصرف فيه على القبض، فتوقَّف عليه المِلْك كالهِبَة، والهِبَة بِمَ تلزم؟
بالقبض، فهكذا أيضًا القرض يَلْزَم بالقبض.
قال:
يعني: لو أنه قال: أقرضني. فَأَقْرَضَه عشرة آلافٍ، ثم لما قبض العشرة الآلاف قال: لا، لا، أعطنيها. ما يملك استرجاعه؛ لأنه قد لزم بالقبض.
هل القرض يتأجَّل بالتَّأجيل؟
قال:
يعني: يثبت للمُقْرِض بدل القرض حالًّا.
فأفادنا المؤلف بهذا: أن القرض لا يتأجَّل بالتَّأجيل.
وهذه مسألةٌ عند الفقهاء: هل القرض يتأجَّل بالتَّأجيل، أو لا يتأجَّل بالتَّأجيل؟
قبل أن نعرض أقوال العلماء في المسألة نُريد أن نُوضح المسألة، نُصَوِّر المسألة قبل هذا؛ حتى تفهموا معنى هذه العبارة التي تجدونها في كتب الفقه: “القرض يتأجَّل بالتَّأجيل، أو لا يتأجَّل بالتَّأجيل”، ما معنى هذا الكلام؟
أُوضح هذا بمثالٍ بسيطٍ: أتى إليك رجلٌ وقال: سَلِّفْنِي، أقرضني عشرة آلاف ريال على أن أردَّها لك بعد ستة أشهرٍ، أنا الآن مُحتاجٌ، وأريد منك أن تُسَلِّفْنِي عشرة آلاف ريالٍ، وأردّها لك بعد ستة أشهرٍ. فأجبتَه، أقرضتَه عشرة آلاف ريالٍ، ثم بعد ذلك في اليوم الثاني أتيتَ إليه، وطرقتَ بابه، وقلتَ: والله -يا فلان- أنا احتجتُ، صحيحٌ أني سَلَّفْتُكَ إلى ستة أشهرٍ، لكن أريد الآن أن تَرُدَّ عليَّ القرض، أنا مُحتاجٌ الآن.
فعلى رأي المؤلف: المُقْرِض له ذلك، فيقولون: القرض ما يتأجَّل، لو قال: ستة أشهرٍ، سنة، أكثر، أقلّ، ما يتأجَّل، هو يلزم المُقْتَرِض أن يَرُدَّ بدله في الحال، يثبت في ذِمَّته ردُّه في الحال، ما يتأجَّل، حتى لو أجَّلَه لا يتأجَّل، لو قال: ستة أشهرٍ، هو يملك -المُقْرِض- أن يُطالب به الآن.
هذا معنى الكلام، فالمذهب -كما قرر المؤلف- أن القرض لا يتأجَّل بالتَّأجيل، وهذا أيضًا مذهب الشافعية، وعلَّلوا لذلك بأن القرض موضوعه الحلول، فإذا أُجِّلَ فقد خرج عن موضوعه، فخالف مُقتضى العقد.
والقول الثاني في المسألة: أن القرض يتأجَّل بالتَّأجيل، وأنه يُلْزَم بذلك، فليس للمُقْرِض أن يُطالب المُقْتَرِض بالقرض قبل حلول الأجل.
ففي مثالنا السابق: لو أقرضه عشرة آلاف ريال على أن يَرُدَّها له بعد ستة أشهرٍ، فلو أتاه في اليوم التالي وقال: أُريد منك أن تَرُدَّ القرض. للمُقْتَرض أن يقول: والله نحن اتَّفقنا على أن أَرُدَّها بعد ستة أشهرٍ. ولو أراد أن يُجْبِره على الرَّدِّ على القول الثاني لا يملك.
وهذا القول نَقَلَه البخاري في “صحيحه” عن عطاء وعمرو بن دينار، فقد عَقَدَ البخاري في “صحيحه” بابًا، قال: “بابٌ: إذا أَقْرَضَه إلى أَجَلٍ مُسَمًّى، أو أَجَّلَه في البيع”، ونقل عن عطاء وعمرو بن دينار أنهما قالا: “هو إلى أجله في القرض” يعني: يريان أنه يتأجَّل بالتَّأجيل.
وهذا القول أيضًا هو مذهب المالكية، وقولٌ عند الحنابلة، وصوَّبه المِرْدَاوي في “الإنصاف”، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وأيضًا اختاره من المعاصرين الشيخ محمد بن عثيمين، رحمة الله تعالى على الجميع.
وأدلة هذا القول:
- أولًا: قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، وهذا عقدٌ شُرِطَ فيه التَّأجيل، فيجب الوفاء به.
- ولقول النبي : المسلمون على شروطهم [7].
- ولأن المُطالبة بوفاء القرض وهو مُؤجَّلٌ إخلافٌ للوعد، وإخلاف الوعد مذمومٌ شرعًا.
- ولأنه قد يترتب على القول بأن القرض لا يتأجَّل بالتَّأجيل، قد يترتب عليه إضرارٌ بالمُقْتَرض؛ فإن المُقْتَرض إنما اقترض لحاجةٍ، فإذا حدَّد موعدًا للوفاء فقد يكون في إلزامه بالوفاء قبل حلول الأجل إضرارٌ به، فربما يكون -مثلًا- قد شَرَعَ في البناء، أو في أمورٍ تحتاج إلى تمويلٍ، وقد اقترض من صاحبه قرضًا على أن يَرُدَّه بعد مدةٍ، فكون المُقْرِض يُفاجئه بطلب الرَّدِّ قبل حلول الأجل قد يكون فيه إضرارٌ به، وقد قال النبي : لا ضَرَرَ ولا ضِرَار [8].
وهذا القول الأخير هو القول الراجح -والله أعلم- وهو: أن القرض يتأجَّل بالتَّأجيل.
وأما قول الجمهور: إن القرض موضوعه الحلول، فإذا أُجِّلَ فقد خرج عن موضوعه.
نقول: هذا يُسلَّم به إذا لم يُؤجَّل، أما إذا أُجِّلَ فإن المُقْرِضَ قد شَرَطَ على نفسه طائعًا غير مُكْرَهٍ، فهو عليه، وهو الذي قد اختار هذا، وشَرَط على نفسه، وقَبِلَ بِطَوْعِه واختياره، فلا يكون هذا مُخالفًا لمُقتضى العقد، بل هو مُوافقٌ لمُقتضى العقد.
إذن الصواب هو خلاف ما ذهب إليه المؤلف، الصواب هو: أن القرض يتأجَّل بالتَّأجيل.
وقت تقويم القرض
قال:
هذان المصطلحان: “المِثْلِي” و”المُتَقَوِّم” تجدونهما -يا إخوان- في كتب الفقه، فما معنى “المِثْلِي”؟ وما معنى “المُتَقَوِّم”؟
لا بد أن نفهم هذه المصطلحات.
عند الحنابلة أن “المِثْلِي” هو: كل مكيلٍ أو موزونٍ يصحُّ السَّلَم فيه، وليس فيه صناعةٌ مُباحةٌ.
هذا معنى “مِثْلِي” عندهم.
مرةً أخرى: كل مكيلٍ أو موزونٍ يصحُّ السَّلَم فيه، وليس فيه صناعةٌ مُباحةٌ.
فعندهم أن هذا هو “المِثْلِي”، يعني: حصروا “المِثْلِي” فقط في المكيل والموزون، وما عداهما فهو قِيَمِي.
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وجمعٌ من المُحققين من أهل العلم إلى أن “المِثْلِي” هو: ما كان له مَثِيلٌ مُقَارِبٌ، ولا تلزم المُطابقة.
قالوا: إن هذا هو ظاهر السُّنة. وذكروا لهذا أدلةً كثيرةً، منها: قصة عائشة رضي الله عنها لما أرسلتْ إحدى أمهات المؤمنين للنبي طعامًا في إناءٍ، فلما رأتْ ذلك عائشة رضي الله عنها قامتْ وكسرت الإناء، يعني: أخذتها الغيرة فكسرت الإناء الذي فيه الطعام، فقال النبي : طعامٌ بطعامٍ، وإناءٌ بإناءٍ [9].
ووجه الدلالة: أن النبي أمر بأن يُرَدَّ إناءٌ مثل ذلك الإناء، وعلى ضابط الحنابلة: أن الإناء مِثْلِي أو قِيَمِي؟
قِيَمِي، ومع ذلك قال النبي : إناءٌ بإناءٍ فدلَّ ذلك على أنه لا يختص المِثْلِي بالمكيلات والموزونات.
وأيضًا قصة أبي رافعٍ ، قصة اسْتِسْلَافِ النبي ، حديث أبي رافعٍ : اسْتَسْلَفَ النبي من رجلٍ بَكْرًا، فأتى الرجل يتقاضى، فأمر أبا رَافِعٍ أن يقضي الرجلَ بَكْرَه، فرجع إليه أبو رَافِعٍ فقال: لم أجد فيها إلا خِيَارًا رَبَاعِيًّا. فقال: أَعْطِهِ إياه، إن خيار الناس أحسنهم قضاءً [10].
أمر النبي عليه الصلاة والسلام بأن يُرَدَّ مثله.
فالصواب إذن أن المِثْلِي: ما له مَثِيلٌ مُقَارِبٌ، وعلى هذا تدخل أشياء كثيرةٌ.
نعود لعبارة المؤلف، يقول:
يعني: إذا كان مِثْلِيًّا فمثله على القول الراجح، ويشمل أشياء كثيرةً، يعني: اقترض -مثلًا- ريالات يَرُدّها ريالات، اقترض حِنْطَةً يردّها حنطةً، اقترض تمرًا يردُّه تمرًا، وهكذا.
ويكون القرض بالقيمة أو المِثْل وقت القرض؛ وذلك لأنه الوقت الذي مَلَكَ فيه المُقْتَرض القرض، ولا يكون الردُّ وقت الوفاء، وإنما وقت القرض.
قال:
يعني: لو كان مَعِيبًا يلزمه أن يَرُدَّ القيمة، وعلى القول الراجح وسَّعنا دائرة المِثْلِي.
الفُلُوس: هي كل نَقْدٍ من غير الذهب والفضة.
انتبهوا لهذا المصطلح: كل نَقْدٍ من غير الذهب والفضة يُسمَّى: فُلُوسًا.
وهذه الآن ليس لها وجودٌ في الوقت الحاضر، فقد أصبح تعامل الناس الآن بالأوراق النَّقدية.
قال:
يعني: لو أن السلطان منع تداول هذه العملة، فيكون للمُقْرِض قيمة هذه العملة، لكن قيمة هذه العملة وقت القرض أو وقت المنع؟
على كلام المؤلف: أنه وقت القرض، فمثلًا: لو أقرضه ألفًا، وبعد تحريم السلطان لها نزلتْ قيمتها، هبطتْ فأصبحتْ قيمتها خمسين، فيردّها -على كلام المؤلف- ألفًا، وليس خمسين، قيمتها وقت القرض.
وقال بعض أهل العلم: إنه يردّها بقيمتها وقت المنع، وليس وقت القرض، وقت المنع.
قالوا: لأن المبلغ ثابتٌ في ذِمَّته إلى أن مُنِعَتْ؛ فيردّها وقت المنع.
وهذا رجَّحه الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: أنه يردُّها وقت المنع، وليس وقت القرض، وهذا هو الأقرب.
فمثلًا: عندما اقترض منه ألفًا فقد ثبت في ذِمَّته ألفٌ إلى أن منع منها السلطان، فلما منع منها السلطان هبطتْ قيمتها فأصبحتْ لا تُساوي إلا خمسين -مثلًا- فننظر: كم قيمتها وقت المنع، فيردّها بقيمتها وقت المنع؛ لأنها الآن أصبحتْ مَعِيبةً بالمنع.
حكم مَن اقترض بعملةٍ معينةٍ ويريد سدادها بعملةٍ أخرى
هذا يجرُّنا إلى مسألةٍ معاصرةٍ هي: إذا اقترض الإنسان قرضًا، أو استدان بعملةٍ معينةٍ، إذا استدان بعملةٍ معينةٍ، يعني: استدان -مثلًا- بريالاتٍ سعوديةٍ، هل يجوز أن يردّها بجنيهاتٍ مصريةٍ أو العكس؟
هذه من المسائل المهمة التي يكثر السؤال عنها، يعني: إذا اقترض بعملةٍ معينةٍ، وأراد أن يُسدِّد بعملةٍ أخرى، فما الحكم؟
نقول جوابًا عن هذا: إذا اقترض بعملةٍ فالأصل أنه يُسدِّد بالعملة نفسها، لكن يجوز أن يُسدِّد بعملةٍ أخرى على أن يتم ذلك بالسعر وقت السداد، لا وقت القرض.
مثال ذلك: اقترض عشرة آلاف ريالٍ سعوديٍّ، ثم لما أراد أن يُسدِّد بعد شهرين -مثلًا- قال: أنا أُعطيك بدلًا منها جنيهات.
طبعًا تختلف الريالات عن الجنيهات، فكيف نُقدِّر الجنيهات؟ هل نُقدِّرها بقيمة العشرة الآلاف وقت القرض أو وقت السَّداد؟
نُقدِّرها بقيمتها وقت السداد، فنقول: أصلًا يلزمك أن تُعطيه عشرة آلاف ريالٍ سعوديٍّ، ولك أن تُعطيه بدل عشرة آلاف ريالٍ قيمتها الآن وقت السداد، ما يُعادل عشرة آلاف ريالٍ سعوديٍّ من الجنيهات وقت السَّداد، فإذا كان وقت السداد فإن هذا لا بأس به.
أما لو اتَّفقا على أن يُعطيه قيمتها وقت القرض فإن هذا لا يجوز.
لو قال: الآن أُقرضك عشرة آلاف ريال سعودي على أن تردّها بقيمتها أو ما يُعادلها من الجنيهات المصرية الآن، ويُعادل الآن عشرة آلاف ريال سعودي كذا من الجنيهات، تردّ إليه كذا جنيه، فهذا لا يجوز؛ لأنها تُصبح قرضًا بفائدةٍ؛ ولأنه يُشترط في العملات مع اختلافها: التَّقابض؛ ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنتُ أبيع الإبل بالدنانير -يعني: مُؤجَّلًا- وآخذ الدراهم، وأبيعُ بالدراهم وآخذ الدنانير، فسألتُ رسول الله عن ذلك، فقال : لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيءٌ. وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنَّسائي وابن ماجه وأحمد [11]، وفي سنده مقالٌ، لكن له طُرُقٌ مُتعددةٌ، والعمل عليه عند كثيرٍ من أهل العلم.
ثم أيضًا هناك عِلةٌ أخرى للتَّحريم هي: أنه إذا أخذ أكثر من سعره يوم السَّداد فقد ربح فيما لم يضمن، وقد نهى النبي عن ربح ما لم يضمن [12].
طيب، نُوضح هذا بالأمثلة حتى تتضح الصورة أكثر.
هذا رجلٌ اقترض من آخر عشرة آلاف ريال سعودي، وقال: تردّها عليَّ بعد شهرين أو أشهرٍ جنيهات. عند السداد يردّها جنيهات، لكن بسعر الريالات كم تساوي جنيهات وقت السداد، فهذا جائزٌ.
الصورة الثانية: اقترض عشرة آلاف ريال سعودي على أن يردَّها جنيهات مصرية بقيمتها وقت القرض، وليس وقت السداد، فهذا لا يجوز؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق، وقلنا: العمل عليه، وإن كان ….. العمل عليه عند أكثر أهل العلم؛ ولأنه قد يربح فيما لم يضمن.
إذن هذه صورةٌ مُحرمةٌ وممنوعةٌ.
طيب، لو اتَّفقا على أنه سيُعطيه بالريالات جنيهات وقت السداد، وليس وقت القرض، فهذا لا بأس به، وله أن يُقَسِّط عليه، لكن لا يزيد، يكون بقيمته وقت السداد؛ حتى لا يربح فيما لم يضمن.
طيب، لو أراد أن يأخذ منه وقت السداد أقلّ مما أقرضه، يعني: لو قال: عشرة آلاف ريال تردّها عليَّ وقت السداد جنيهات. فلما أتى وقت السداد ما أخذ أكثر، قال: كم تُعادل من جنيهٍ؟ قال: تُعادل كذا جنيه. قال: أعطني كذا. أقلّ، هل هذا يجوز؟
أقلّ يجوز؛ لأنه يكون قد تنازل عن بعض حقِّه، لكن لا يأخذ أكثر؛ لأنه إذا أخذ أكثر فقد ربح فيما لم يضمن، فانتبهوا لهذه المسائل.
طالب: …….
الشيخ: هو إذا اقترض بالريالات فالأصل أنه يردّها بالريالات، أو يردّها بما يُعادل هذا المبلغ وقت السداد.
طالب: …….
الشيخ: أنت قصدك: لو هبط الريال، لو اقترض -مثلًا- عشرة آلاف ريال على أن يردَّها بالدولارات، فلما أتى وقت السداد إذا بقيمة الريال بالدولار أقلّ من قيمته وقت القرض، فهذا صحيحٌ أنه فيه إشكالٌ.
ولذلك نجد أن بعضهم يربطها بالعملة وقت القرض احتياطًا؛ حتى لا تهبط العملة، يقول: أنت اقترضتَ الآن مني عشرة آلاف ريال تردّها عليَّ بالدولار، لكن الآن كم قيمتها بالدولار؟ قالوا: كذا. قال: إذن تردّها عليَّ كذا دولار. هذا لا يجوز.
طيب، إذا قال: تردُّها عليَّ بالدولار وقت السداد. هذا جائزٌ، لكن يحتمل هبوط العُملة، هبوط قيمة الريالات بالنسبة للدولار، فنقول: هو يتحمَّل قيمة الهبوط ما لم يصل إلى مرحلة الغَبْن.
وعلى مَرِّ التاريخ الإسلامي لا نجد أن أحدًا من أهل العلم قال بأنه يُعوَّض، أو أنه يجوز أن يُربط القرض بسلعةٍ أو بعملةٍ معينةٍ، فالأصل أن القرض من عقود الإرفاق، حتى لو هبطتْ قيمته فهو مُحْسِنٌ ومُتبرِّعٌ ما لم يصل إلى الغَبْن، كأن تهبط القيمة -مثلًا- إلى أن تُصبح الريالات قيمتها وقت السداد تُعادل ثُلث قيمتها وقت القرض، فهنا تَرِدُ مسألة وضع الجوائح، وحينئذٍ يُعوِّضه عن الضَّرر الذي لَحِقَه، لكن إذا لم يصل إلى مرحلة الغبن فالأصل أن المُقْرِض مُحْسِنٌ، ويتحمل مسألة هبوط قيمة العملة.
هذا هو أصحُّ ما قيل في هذه المسألة، وقد كُتِبَتْ فيها كتاباتٌ وبحوثٌ، وفيها عدة بحوثٍ من بعض المعاصرين، لكن هذا هو خلاصة الكلام فيها.
طالب: …….
الشيخ: إذا اتَّفقا على عملةٍ معينةٍ، فعلى ما اتَّفقا عليه، وإذا لم يتَّفقا على عملةٍ معينةٍ فله الحقُّ أن يرفض، له الحق أن يقول: أنت اقترضتَ مني بكذا، فأعطني بكذا.
وعلى كل حالٍ ستأتينا هذه المسألة في آخر الباب أو قريبة منه.
طالب: …….
الشيخ: لو ارتفعتْ قيمة الريال، اقترض منه عشرة آلاف ريال، وقال: تردّها عليَّ بالدولارات. فلما أتى عند السداد إذا بعشرة آلاف ريال قيمتها وقت السداد أكثر من قيمتها وقت القرض، فنقول: لا يضرّ، مثل هذا لا يضرّ؛ لأن القرض يَرِدُ عليه هذا من قديم الزمان: الدنانير والدراهم، فهذا لا يضرّ، المهم أنه يَرُدُّ عليه ما اقترضه؛ لأن حقيقة القرض: دفع مالٍ لمَن ينتفع به ويردُّ بدله. فأنت اقترضتَ مني عشرة آلاف، تردُّها عليَّ عشرة آلاف، أو تردُّ ما يُعادلها لكن وقت السداد، وليس وقت القرض.
طالب: …….
الشيخ: إذا اصطلحا على شيءٍ لا بأس، لكن الأصل أنه يردُّ بدلًا لِمَا اقترضه، اقترض ألف ريالٍ يردُّ ألف ريالٍ أو ما يُعادلها من أي عملةٍ، ما يوجد إشكالٌ، لكن وقت السَّداد.
حكم اشتراط الرهن في القرض
طيب، ثم قال المؤلف رحمه الله:
يعني: يجوز للمُقْرِض أن يشترط على المُقْتَرِض أن يأتي بِرَهْنٍ، قال: أقرضني -مثلًا- خمسين ألفًا. فقال: أنا أُقرضك لكن أريد أن تُعطيني سيارتك رَهْنًا. هل يجوز هذا؟
يجوز، لكن ينبغي أن يُقيَّد ذلك بشرطٍ، فما هو هذا الشرط؟ مَن يُجيب؟
طالب: …….
الشيخ: أحسنتَ، بشرط: ألا ينتفع المُقْرِض بالرهن؛ لأنه إذا انتفع بالرهن تصبح المسألة من قبيل القرض الذي جَرَّ نَفْعًا، ولا يجوز القرض الذي جَرَّ نَفْعًا.
إذن لا بأس بالرهن بالقرض، لكن بشرط: ألا ينتفع المُقْرِض بالرهن.
فلو أنه لما قال: أعطني سيارتك. أخذ سيارته وانتفع بها، هذا لا يجوز؛ لأنه يكون من قبيل القرض الذي جَرَّ نَفْعًا.
وهكذا أيضًا قال: “ضَمِين” يعني: كفيلًا، فلا بأس أن يطلب المُقْرِض كفيلًا.
قال:
لا بأس بقرض الماء، وفي الوقت الحاضر الآن ربما أصبح مُتصوَّرًا أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، فالآن أصبحتْ هذه القوارير -ماء الصحة وغيرها- يمكن إقراضها كَيْلًا أو وَزْنًا، يصح هذا وهذا.
قال:
يعني: لا يلزم أن يَرُدَّ مثله وزنًا، وإنما يصحُّ عددًا، وعلى القول الراجح في ضابط المِثْلِي لا يَرِدُ إشكالٌ، وقد يَرِدُ الإشكال على مذهب الحنابلة، لكن على القول الراجح لا يَرِدُ إشكالٌ؛ لأنه يَرُدُّ بدل هذا الخبز، يعني: ما يُماثله.
قال:
يعني: لا يقصد الزيادة عند رَدِّ هذا القرض.
كل قرضٍ جَرَّ نَفْعًا فهو ربًا
قال:
عند أهل العلم قاعدة هي: أن كل قرضٍ جَرَّ نَفْعًا فهو ربًا، لماذا؟
طبعًا، هذا يعتبره بعض الناس حديثًا، ولا يصح أن يكون حديثًا عن النبي ، وإنما هي قاعدةٌ عند جماهير أهل العلم: “كل قرضٍ جَرَّ نَفْعًا فهو ربًا”، لماذا؟ لماذا “كل قرضٍ جَرَّ نَفْعًا فهو ربًا”؟ نُريد أن نعرف الحكمة من هذا.
الحكمة هي: أن القرض من عقود الإرفاق والإحسان، وصورة القرض في الأصل -انتبه لهذه الفائدة- صورةٌ ربويةٌ؛ لماذا؟
لأن كوني أُعطيك عشرة آلاف ريال، تردّها لي بعد شهرٍ أو أكثر أو أقلّ، لا يتحقق التَّقابض، نقدٌ بنقدٍ مع عدم التَّقابض، فصورته في الأصل صورةٌ ربويةٌ، لكن الشارع استثنى هذه الصورة -أعني: صورة القرض- تشجيعًا للناس على الإرفاق والإحسان، فإذا أصبح القرض لا يُراد به الإرفاق والإحسان، وإنما يُراد به المُعاوضة؛ رجع القرض لصورته في الأصل وهي أنه ربا.
هذا معنى كلام العلماء: كل قرضٍ جَرَّ نَفْعًا فهو ربًا.
انتبه لهذه الفائدة، فقد لا تجدها في كتابٍ: صورة القرض في الأصل صورةٌ ربويةٌ، لكن الشريعة استثنتْ هذه الصورة فأجازتها؛ لما فيها من الإرفاق والإحسان والتَّكافل بين المسلمين، فإذا أصبح القرض لا يُراد به الإرفاق والإحسان، وأصبح يُراد به الربح والمُعاوضة؛ رجع القرض لصورته في الأصل وهي الصورة الربوية.
فهذا معنى قول الفقهاء: كل قرضٍ جَرَّ نَفْعًا فهو ربًا.
وهذه القاعدة ليست على إطلاقها، فإنه ما من قرضٍ إلا ويتضمن نَفْعًا كما قال ابن حزمٍ، يقول: “ليس في العالَم سَلَفٌ إلا ويَجُرُّ منفعةً، وذلك بانتفاع المُسْلِف بتضمين ماله، فيكون مضمونًا عند التَّلف، مع شكر المُسْتَقْرِض إياه، وانتفاع المُسْتَقْرِض بالمال”.
يعني يقول: أيُّ قرضٍ فيه نفعٌ، فالمُقْرِض عندما يُقْرِض شخصًا فهو استفاد تضمين المال، فالمال عليك مضمونٌ سواء تَلَفَ أو لم يتلف، والمُسْتَقْرِض انتفع بهذا المال، فيقول: كل ما فيه قرضٌ في العالم إلا وفيه نفعٌ.
إذن ما المنفعة المُحرَّمة في القرض؟
المنفعة المُحرَّمة في القرض: هي المنفعة التي يختص بها المُقْرِض دون المُقْتَرِض: كَسُكْنَى دار المُقْتَرض، أو ركوب سيارته، أو قبول هديته، ونحو ذلك، فإذا قال: لا أُقرضك إلا بشرط أن أسكن بيتك لمدة شهرٍ، أو أن أركب سيارتك أسبوعًا، أو أن تزيدني، أو تُهْدِي لي هديةً. فإن هذا لا يجوز.
أما ما كانت فيه منفعةٌ للمُقْرِض والمُقْتَرض من غير ضَرَرٍ بواحدٍ منهما، فإن هذا جائزٌ، وليس بمُحرَّمٍ، وقد قرَّر هذا المعنى أبو العباس ابن تيمية وابن القيم، رحمهما الله تعالى.
السُّفْتَجَة
على هذا التَّقعيد يتفرع الكلام حول مسألة (السُّفْتَجَة).
و(السُّفْتَجَة) معناها: معاملةٌ ماليةٌ يُقْرِض فيها إنسانٌ آخر قرضًا؛ ليُوفِّيه المُقْتَرض أو نائبه أو مَدِينه في بلدٍ آخر.
وفائدتها: أمنُ خطر الطريق، ومؤونة الحمل.
من صورها المعاصرة: التَّحويلات البنكية، عندما تُحوِّل مبلغًا من المال على شخصٍ في مكة -مثلًا- فعندما تُعْطِي -مثلًا- مصرف الراجحي عشرة آلاف ريال يُحوِّلها على قريبٍ لك أو صديقٍ في مكة، فالمصرف يأخذ منك عشرة آلاف ريال، ويطلب من فرعه في مكة أن يُعْطِي فلان ابن فلان عشرة آلاف ريال، فهذا يُسمِّيه الفقهاء بـ(السُّفْتَجَة)، فهي فيها نفعٌ وهو: أمن خطر الطريق ومؤونة الحمل، فهل هذا النَّفع مُحرَّمٌ أم جائزٌ؟
جمهور الفقهاء قالوا: إنه نفعٌ مُحرَّمٌ. ومنع جمهور الفقهاء هذه المسألة، كما هو القول عند المذاهب الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، يمنعون من هذه المسألة.
لاحظ: ليس دائمًا قول الجمهور هو الصواب.
والقول الثاني هو الصحيح، وهو جواز (السُّفْتَجَة)، وهو روايةٌ عن الإمام أحمد، واختاره ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى، وهو الذي يُفْتِي به عامة مشايخنا: سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز، والشيخ محمد بن عثيمين رحمة الله تعالى على الجميع؛ وذلك لأن المنفعة في (السُّفْتَجَة) لا يختص بها المُقْرِض، بل تشمل المُقْرِض والمُقْتَرض؛ فالمُقْرِض ينتفع بأمن خطر الطريق في نقل دراهمه إلى ذلك البلد، والمُقْتَرِض ينتفع بالقرض وبأمن خطر الطريق بالوفاء في ذلك البلد، فليست فيها منفعةٌ خاصةٌ بالمُقْرِض دون المُقْتَرِض؛ ولهذا فالصواب هو جواز (السُّفْتَجَة).
أمثلة لكل قرضٍ جَرَّ نَفْعًا
قال:
ومثَّل المؤلف لهذا بأمثلةٍ:
يعني: أيّ نفعٍ يَشْرُطُه المُقْرِض على المُقْتَرض فإنه مُحرَّمٌ؛ لأن كل قرضٍ جَرَّ نَفْعًا فهو ربًا.
حكم الزيادة في القرض
يعني: الزيادة في القرض إن كانت مُشترطةً فإنها لا تجوز، ومُحرَّمةٌ بالإجماع.
مثال ذلك: ما تفعله بعض البنوك الربوية؛ يُقْرِضون شخصًا عشرة آلاف ريال على أن يردَّها أحد عشر ألفًا، فهذا حرامٌ بالإجماع؛ لأنه من قبيل القرض الذي جَرَّ نَفْعًا.
الصورة الثانية: أن تكون الزيادة من غير شرطٍ ولا عُرْفٍ، فهذا لا بأس به كما قال المؤلف، بل إن هذا يُعتبر من حُسن القضاء، ويدل لهذا ما جاء في “صحيح مسلم” عن أبي رافعٍ : أن النبي اسْتَسْلَف من رجلٍ بَكْرًا، فَقَدِمَتْ عليه إبلٌ من إبل الصدقة، فأمر أبا رَافِعٍ أن يقضي الرجل بَكْرَه، فرجع إليه أبو رَافِعٍ فقال: لم أجد فيها إلا خِيَارًا رَبَاعِيًّا. فقال: أَعْطِهِ إياه، إن خيار الناس أحسنهم قضاءً [13].
ففي هذا الحديث اسْتَسْلَف النبي بَكْرًا، ورَدَّ لهذا المُقْرِض بعيرًا خيرًا من بعيره؛ وذلك لأن هذه الزيادة حصلتْ من غير شرطٍ.
فمثلًا: لو أن رجلًا أقرضك عشرة آلاف ريال، وبعد سنةٍ لما أتيتَ لِتَرُدَّ عليه عشرة آلاف ريال أعطيتَه عشرة آلاف ريال وأعطيتَه هديةً، أو أعطيتَه عشرة آلاف ريال، وقلتَ: خُذْ هذه ألف ريالٍ هديةً مني لك. هذه لا بأس بها ما دام أنها من غير شرطٍ، ومن غير عُرْفٍ؛ فإن المعروف عُرْفًا كالمشروط شرطًا.
طيب، إذا كان الرجل معروفًا بحُسن القضاء، إنسانٌ معروفٌ، كريمٌ، وخَلُوقٌ، فهو معروفٌ أن مَن أقرضه يَرُدُّ أكثر مما أقرضه إياه، فهل يُكْرَه إقراضه؟
إنسانٌ تعرف أنه كريمٌ طلب منك عشرة آلاف ريال، وعندما يردّها فإنه لكريم أخلاقه قد يردّها عليك أحد عشر ألفًا، هل يُكْرَه إقراضه؟
طالب: …….
الشيخ: بعض أهل العلم كَرِهَ إقراضه، قال: لأن المُقْرِض قد يَتَشَوَّف للزيادة.
ولكن الصحيح أنه لا يُكْرَه إقراضه، ما دام أنه ليس هناك شرطٌ ولا عُرْفٌ فلا يُكْرَه إقراضه؛ لأن النبي كان معروفًا بحُسن القضاء، ولا يَسُوغ لأحدٍ أن يقول: إن إقراضه مكروهٌ؛ ولأن المعروف بحُسن القضاء وكريم الأخلاق أولى بقضاء حاجته من غيره من الناس.
طيب، لكن هذه الزيادة قلنا: الزيادة غير المُشترطة في القرض إنما تجوز بعد الوفاء، أما قبل الوفاء فإنها لا تجوز مطلقًا، قبل الوفاء لا تجوز مطلقًا، ولو من غير مُواطأةٍ، ولو على سبيل الهدية إلا أن تكون العادة جاريةً بينهما قبل القرض.
يعني: لما أقرضتَ فلانًا عشرة آلاف ريالٍ يردُّها عليك بعد شهرٍ أو شهرين -مثلًا- أو أكثر أو أقلّ، وفي اليوم الثاني أتى لك بهديةٍ، وليس من عادته أنه يُهْدِي لك هديةً، فلا يجوز أن تقبل هديته، لا يجوز قبل الوفاء، أما بعد الوفاء فلا بأس.
ويدل لهذا ما جاء في “صحيح البخاري” عن عبدالله بن سلام قال: “إذا كان لك على رجلٍ حقٌّ، فأهدى إليك حِمْل تِبْنٍ، أو حِمْل شعيرٍ، أو حِمْل قَتٍّ، فلا تأخذه؛ فإنه ربًا”. أخرجه البخاري في “صحيحه” [14]، قالوا: وهذا موقوفٌ على عبدالله بن سلام ، لكن له حكم الرفع.
وروى البيهقي: أن رجلًا كان له على آخر عشرون درهمًا، فجعل يُهْدِي إليه، مَن الذي يُهْدِي؟
المُقْتَرض يُهْدِي للمُقْرِض هديةً، ويُقوِّمها، حتى بلغتْ قيمة الهدية ثلاثة عشر درهمًا، فَسُئِلَ ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن ذلك، فقال -أي: للمُقْرِض-: “لا تأخذ منه إلا سبعة دراهم”، فَحَسَبَ الهديةَ ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما [15].
وفي سنن ابن ماجه عن أنسٍ : إذا أقرض أحدكم قرضًا، فأهدى له، أو حمله على الدابة، فلا يركبها، ولا يقبله إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك [16]، وله شواهد.
إذن مَن أقرض غيره قرضًا لا يجوز له أن يأخذ هديةً منه -قبل الوفاء- لم تَجْرِ العادة بينهما بها.
وبذلك نعرف أن هدايا البنوك للعملاء ما حكمها؟
حكم هدايا البنوك للعملاء
هدايا البنوك للعملاء مُحرَّمةٌ.
حدثني بعض الناس يقول: بعض البنوك تُهْدِي لكبار العملاء أحيانًا سيارةً. فهل هذه الهدايا لسواد عيونهم؟
هذه الهدايا لأجل الرصيد، وهذا الرصيد -الحساب الجاري- التَّكييف الفقهي له ما هو؟
قرضٌ، والمُقْرِض مَن هو؟
العميل، والمُقْتَرض البنك.
فهذه الآن هديةٌ من مُقْتَرضٍ لمُقْرِضٍ قبل الوفاء، فما دام الحساب قائمًا ولم يُغْلَق فهو قبل الوفاء.
وبذلك نعلم أن هدايا البنوك لعملائها مُحرَّمةٌ ولا تجوز، اللهم إلا الهدايا التي لا تختص بالعملاء، مثل: التَّقاويم، فالتَّقاويم يُوزِّعونها دعايةً للبنك للعملاء ولغيرهم، فهذه لا بأس بها، لكن الهدية للعميل لا تجوز.
انتبهوا لهذه المسألة، هذا واقعٌ يا إخوان: بعض البنوك تُهْدِي لعملائها هدايا، وهذه الهدايا حرامٌ ولا تجوز، وينبغي تنبيه القائمين على تلك البنوك بأن هذه الهدايا مُحرَّمةٌ، وأنها غير جائزةٍ.
طيب، لو أن أحدًا أراد أن يقفل حسابه، فلما أقفل الحساب أهدى له البنك هديةً، يجوز أو لا يجوز؟
يجوز؛ لأنها بعد الوفاء، مع أن هذه الصورة مُفترضةٌ، فإذا أقفل الحساب لن يُهْدِي له البنك هديةً، لكن هذه الصورة مُفترضةٌ، فأما قبل الوفاء فلا تجوز مطلقًا.
طيب، إذا استضاف المُقْتَرضُ المُقْرِضَ قبل الوفاء.
هذا إنسانٌ أقرض آخر، نفترض -مثلًا- مئة ألف ريالٍ، ثم بعد أسبوعٍ دعا المُقْتَرضُ المُقْرضَ إلى وليمةٍ، قال: أنت أحسنتَ لي وأقرضتني هذا القرض. فدعاه إلى وليمةٍ، هل هذا يجوز أو لا يجوز؟
طالب: ……..
الشيخ: إذا كانت هناك عادةٌ لا إشكال، يجوز، أما إذا لم تكن هناك عادةٌ فقد نصَّ الإمام أحمد على أنه يحسب له ما أكله، تُحْسَب قيمة الوليمة وتُخْصَم من القرض، يحسب له ما أكله، يعني: يحسب قيمة تلك الاستضافة كلها، وتُخْصَم من القرض، لكن قال ابن مُفلحٍ في “الفروع”: “ويتوجه ألا يحسب ذلك”.
وقال المِرْدَاوي في “الإنصاف”: “قلتُ: ينبغي أن يُنْظَر؛ فإن كان له عادةٌ بإطعام مَن أضافه لم يَحْسب له، وإلا حَسَبَ”.
فالأقرب هو التَّفصيل الذي ذكره المِرْدَاوي، نقول: هل بينهما عُرفٌ أو عادةٌ فلا يحسب؟ أما لو كان ليس من عادته أنه يستضيف هذا، لكن استضافه لأجل القرض؛ فتُحسب قيمة الضيافة، وتُخْصَم من القرض، كما حسب ابن عباسٍ رضي الله عنهما قيمة الهدية.
طالب: ……..
الشيخ: المهم أن أيَّ تصرُّفٍ لأجل القرض يُحْسَب ويُخْصَم من القرض.
من صور القرض بفائدةٍ
إذن عندنا الآن -يعني- نذكر الصور المُعاصرة للقرض، وقد ذكرنا صورة القرض المُباشر.
تعجيل راتب الموظف قبل حلوله نظير أخذ عمولةٍ
أيضًا من الصور المعاصرة للقروض المُحرمة، أو للهدايا أيضًا، أو للزيادة -الزيادة على القرض عمومًا-: تعجيل راتب الموظف قبل حلوله نظير أخذ عمولةٍ.
بعض البنوك تقول: نُعَجِّل لك الراتب أول الشهر، لكن نخصم عليك نِسبةً، راتبك -مثلًا- سبعة آلاف ريالٍ، نُعطيك ستة آلاف ريالٍ وتسعمئةٍ، نُعطيك في يوم واحدٍ من الشهر، ونحن نتقبل الراتب آخر الشهر.
هذا لا يجوز، هذا العمل لا يجوز؛ لأن حقيقته قرضٌ بفائدةٍ، فكأن البنك أقرضك قيمة الراتب مع الفائدة التي هي نسبة العمولة، فهذا لا يجوز.
خصم الأوراق التجارية
من صور القرض بفائدةٍ أيضًا: خصم الأوراق التجارية، كأن يأتي حامل “الكمبيالة” -والكمبيالة من الأوراق التجارية التي لا تَحِلُّ إلا بعد أجلٍ- إلى بنكٍ من البنوك، ويطلب منه تعجيل صرف قيمتها مخصومًا منها مبلغًا مُعيَّنًا، فهذا قرضٌ بفائدةٍ.
وضع شرط جزائي على القرض أو الدَّين
أيضًا من صور الربا في القروض: وضع شرطٍ جزائيٍّ على القرض أو الدَّين عمومًا.
مثلًا: إنسانٌ يبيع على آخر سيارةً بأقساطٍ، ويشترط عليه أنه إذا تأخر في قسطٍ من الأقساط فعليه غرامةٌ، فالشرط الجزائي في الديون مُحرَّمٌ.
طيب، الشرط الجزائي في غير الديون جائزٌ، وقد تكلمنا عنه في الدرس السابق.
الشرط الجزائي في غير الديون يعني -مثلًا-: مكتب استقدامٍ اشترطتَ عليه أن يدفع غرامة تأخيرٍ عن كل يومٍ؛ يجوز.
مقاولٌ يبني لك عمارةً خلال ستة أشهرٍ، واشترطتَ عليه شرطًا جزائيًّا، مثلًا: دفع غرامةٍ، أو أن يُخْصَم عليه مقابل كل يوم تأخير؛ جائزٌ، لكن في الديون لا يجوز.
فلو قلتَ -مثلًا-: إذا تأخرتَ في سداد قسطٍ من الأقساط عليك غرامةٌ مقدارها كذا. هذا مُحرَّمٌ، هذا لا يجوز.
طيب، بعض البنوك يضعون شرطًا جزائيًّا في الديون، ويقولون: نأخذ الغرامة ونضعها في حسابٍ خيريٍّ. هل هذا يجوز؟
هذا لا يجوز، هذا لا يجوز يا إخوان.
وأنا تتبعتُ هذه المسألة، وكتبتُ فيها بحثًا بعنوان: “الزمن في الديون” نُشِرَ في مجلة “البحوث الفقهية المعاصرة”، فلم أجد واحدًا من المُتقدمين على مدار أربعة عشر قرنًا أجازها، وإنما أول مَن أجازها من المعاصرين: الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله، وتبعه على ذلك بعض العلماء المعاصرين.
ثم أيضًا عند التطبيق لا يكون التطبيق صحيحًا: وضعه في حسابٍ خيريٍّ.
وأيضًا كيف نقول لهم: خذوا الربا، ثم ضعوه في أمورٍ خيريةٍ؟!
فالصحيح أنه لا يجوز، وأن هذا من الربا المُحرم، وهذا تفعله -مع الأسف- بعض البنوك وبعض الشركات التي تبيع بالتَّقسيط.
مسألة بذل المُقْتَرض للقرض ببلدٍ آخر غير بلد المُقْرِض
طيب، نعود لعبارة المؤلف.
آخر مسألةٍ معنا، قال:
“متى بَذَلَ المُقْتَرض ما عليه” يعني: بذل المُقْتَرض القرضَ، لكن ليس ببلد المُقْرِض، وإنما ببلدٍ آخر غير بلد القرض، فإذا لم تكن هناك مؤونةٌ لحمله، ومع أمن البلد، وأمن خطر الطريق؛ فيلزم المُقْرِض قبوله، يلزم المُقْرض قبوله؛ وذلك لأنه عين ماله، حتى وإن كان المُقْتَرض قد انتفع به.
فمثلًا: إنسانٌ اقترض من آخر عشرة آلاف ريالٍ في الرياض، ثم وجد المُقْرِضَ في مكة وأعطاه، قال: أنت سَلَّفْتَني عشرة آلاف ريالٍ، فَخُذْ هذه عشرة آلاف ريالٍ. فيلزمه قبولها بشرط ألا تكون هناك مؤونةٌ لحملها، ويكون هناك أمنٌ للبلد والطريق.
لكن أصل المسألة: هل يلزم المُقْرِض قبول القرض أو لا يلزمه؟
يعني: إنسانًا اقترض من آخر عشرة آلاف ريالٍ، ثم أراد أن يردَّها عليه، فقال المُقْرِض: أنا ما أُريدها. فهل نقول: يلزمك أن تقبل القرض أو لا يلزمك؟
المذهب أنه يلزمه قبول القرض.
والقول الثاني: أنه لا يلزم المُقْرِض قبوله؛ لأن الحقَّ له، فإذا لم يقبله لم يُلْزَم بقبوله.
وهذا هو الأقرب: أنه لا يُلْزَم بقبوله، فإن قَبِلَه فالحق له، وإن لم يقبله فقد أسقط حقَّه، ولا يُلْزَم بقبوله.
هذه أبرز الأحكام والمسائل المتعلقة بالقرض.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.
الأسئلة
نُجيب عما تيسر من الأسئلة.
نبدأ أولًا بالأسئلة المكتوبة.
السؤال: أحسن الله إليكم، وبارك فيكم، هذا سائلٌ يقول: على تخريج الحوالة أنها (سُفْتَجَة)، فما حكم العمولة التي يأخذها المصرف على التَّحويل؟ وهل لها تخريجٌ آخر؟
الجواب: الحوالة تُخَرَّج على أنها (سُفْتَجَة)، و(السُّفْتَجَة) كلمةٌ فارسيةٌ، ليست عربيةً، مُعرَّبةٌ.
العمولة التي يأخذها البنك إذا كانت مقابل رسومٍ إداريةٍ وخدماتٍ فعليةٍ حقيقيةٍ فلا بأس؛ لأننا لا نستطيع -يا إخوان- أن نقول للبنوك: اخدموا الناس مجانًا، هذا ما يمكن أن يُقال، ليس لنا أن نقول للبنوك: اخدموا الناس مجانًا، كما يقال في المثل: “لا يُخْدَم بخيلٌ”، فما دام أن هذا البنك سوف يخدمك فإنه يقتطع جزءًا من وقت الموظف، وربما أيضًا أوراقًا، وربما أيضًا كهرباء واتصالات، فيحسب مقدار التَّكلفة الفعلية الحقيقية، ويأخذ رَسْمًا عليها.
والغالب أن البنوك لا تأخذ رَسْمًا من العملاء، وإن أخذتْ رَسْمًا تأخذ رَسْمًا قليلًا، لا يأخذون رسومًا كبيرةً، فهذه الرسوم هي رسوم خدمةٍ ورسومٌ إداريةٌ، فإذا كانت كذلك فلا بأس بها، لكن لا تُؤخذ رسومٌ مقابل الحوالة، وإنما مقابل الخدمة التي يقوم بها البنك.
السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: ما وجه التَّفريق بين الشرط الجزائي في الديون وغيرها؟
الجواب: في الديون يكون ربًا، في الديون هذا هو ربا الجاهلية، فإن ربا الجاهلية: إذا حلَّ الدَّينُ يأتي الدائن للمدين ويقول له: “إما أن تقضي، وإما أن تُرْبِي”، فقوله: “إما أن تُرْبِي” يعني: شرطًا جزائيًّا، “إما أن تُرْبِي” معناها في لغة المعاصرين: شرط جزائي، وهذا هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه.
وأما الشرط الجزائي في غير الديون فقد ورد عن السلف ما يدل على جوازه؛ لأنه ليس محلَّ دَيْنٍ، وإنما محلّ عملٍ، وقد رُوِيَ جوازه عن شُرَيحٍ، وعن بعض السلف.
فما دام أنك خرجتَ من مسألة الدَّين فيكون الأمر سهلًا، فكونك تقول للمقاول: أخصم عليك -مثلًا- عن كل يوم تأخير كذا. والخياط إذا تأخَّر في خياطة الثوب: عن كل يوم تأخير مبلغًا قدره كذا. أو تفرض غرامةً على مكتب استقدامٍ وقدرها كذا، هذا المحلُّ أصلًا ليس دَينًا، فلا تَرِدُ إشكالية الربا.
فهذا هو الفرق بينهما: أن الشرط الجزائي في الديون يُوقِع في الربا، بينما في غير الديون لا يُوقِع في الربا.
السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: إذا مات المدين لزمه الدَّين، أما إذا مات المُقْتَرض فهل يلزمه سداده؟
الشيخ: نعم، يلزمه سداده، فالمُقترض هو مَدِينٌ في الحقيقة، ونحن قلنا: كل قرضٍ دَينٌ، فيلزمه أن يُسدِّد.
لكن ربما السؤال الذي يَحْسُن طرحه: إذا كان الدَّين مُؤجَّلًا، فهل يَحِلُّ التَّأجيل بالموت أم لا؟
جمهور الفقهاء -المالكية والشافعية والحنفية- يرون أنه يَحِلُّ بالموت، يقولون: لأنه قد خَرِبَتْ ذِمَّة المَدِين.
والحنابلة قالوا: إنه يَحِلُّ إلا إذا وثَّق الورثة الدَّين بِرَهْنٍ أو كفيلٍ.
وهذا هو القول الراجح: أنه يَحِلُّ إلا إذا وثَّق الورثة الدَّين بِرَهْنٍ أو كفيلٍ.
أحيانًا بعض الديون تكون لها عشرون سنةً، مثلًا: أقساطٌ، وبعضها ثلاثون سنةً، فهذه كلها تَحِلُّ بموت المَدِين، وإذا قال الورثة: إن علينا ضررًا. نقول: إذن وثِّقوا هذا الدَّين بِرَهْنٍ أو كفيلٍ، وبالتالي ما يَحِلُّ، وتكون الأقساط في وقتها.
السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: هل مذهب المالكية هو المذهب الأقرب في المُعاملات؟
الجواب: نعم، ذكر هذا أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، قال: إن مذهب مالكٍ هو أقرب المذاهب الأربعة في البيوع.
وعلَّل ذلك قال: لأن مالكًا أخذ البيوع عن سعيد بن المُسيب الذي هو أفقه الناس في البيوع.
ولهذا نجد غالب الأقوال الراجحة هي مذهب المالكية، فلو تتبعتَ أبواب المعاملات تجد معظم الأقوال الصحيحة والراجحة هي مذهب المالكية، والحنابلة قريبون من المالكية أيضًا، الحنابلة ليسوا ببعيدٍ.
السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: يتمتع كثيرٌ من العملاء في البنوك الإسلامية بالكثير من المزايا، ومنها: مزايا لأهل التَّميز، فهل هي داخلةٌ في الهدايا المُحرمة؟
الجواب: أولًا: كلمة “بنوك إسلامية” أنا لي تَحَفُّظٌ على هذا المصطلح، لماذا؟
لأنك إذا قلتَ: “بنك إسلامي” نسبتَ تعاملات هذا البنك للإسلام، وقد تكون مُعاملاته مُوافقةً للإسلام، وقد لا تكون، وهكذا أيضًا “قنوات إسلامية”.
هذه المصطلحات التي تنسبونها للإسلام، وتُحْسَب على الإسلام فيها إشكالٌ -يا إخوان-؛ ولذلك إذا خالف هذا البنك المحسوب على أنه بنكٌ إسلاميٌّ، فالناس يعتبرون مُخالفته دليلًا على الجواز، فإذا تعامل “البنك الإسلامي” بهذه المُعاملة قالوا: هذا دليلٌ على أنها جائزةٌ. والقناة إذا تَبَنَّتْ هذا البرنامج الذي ربما تكون فيه مُخالفاتٌ شرعيةٌ، قالوا: هذه قناةٌ إسلاميةٌ. فَتُنْسَب هذه الممارسات للإسلام، وقد يكون الإسلام بريئًا منها.
ولذلك ينبغي -يا إخوان- أن يكون هناك ترشيدٌ لهذه المصطلحات، فعندي لا يُقال: “قنوات إسلامية”، يُقال: “قنوات مُحافظة”، و”بنوك مُحافظة”، أو “سليمة من الربا”، أو نحو ذلك من المصطلحات، لكن لا يُنْسَب ذلك للإسلام.
ففي البنوك المُحافظة صحيحٌ أن هناك عملاء عندهم يُسمُّون: عملاء التَّميز، وهؤلاء العملاء إذا كانوا يأخذون مزايا ماديةً حسيةً فهذا لا يجوز، أما إذا كانت مجرد تسهيلاتٍ فالذي يظهر أنها لا بأس بها.
يعني: لو كان لك -مثلًا- إنسانٌ وفيٌّ وتعرفه معرفةً تامةً وأكرمتَه، وإنسانٌ ما تعرفه، أو إنسانٌ مُماطلٌ، فقرَّبتَ الإنسان الوفيَّ منك، وأَلَنْتَ له الحديث، وعاملتَه معاملةً أفضل من الإنسان المُماطل، أو الإنسان الذي ليس لك معه كبير علاقةٍ، فإنك لا تُلَام في هذا، ولا يُعتبر هذا زيادةً حسيةً، فالذي يظهر أن مثل هذا لا بأس به، ولا إشكال في ذلك، إن شاء الله تعالى.
لكن المهم ألا تكون هناك أشياء حسيةٌ تُبْذَل لهم مثلما ذكرت من هدايا، فبعض البنوك تُعْطِي هدايا لعملاء التَّميز، وهذا لا يجوز.
السؤال: أحسن الله إليكم، وبارك فيكم، هذا يقول: ما حكم أكل المعلم بعض الوجبات الجماعية التي يُحضرها بعض الطلاب …..؟
الجواب: إذا كانت هذه الوجبة للزملاء كلهم ومعهم المعلم فهذا لا بأس به، يعني: هذه لا يختص بها المعلم، ولا تُؤثِّر على المعلم في تقييمه للطالب، وهذا من الإحسان والمعروف الذي يُشَجَّع عليه الطلاب، فيظهر أن هذا لا بأس به.
إنما الإشكال في هديةٍ يختصُّ بها المعلم، هدية يَبْذُلها الطالب يختصُّ بها المعلم، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: فَهَلَّا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أَيُهْدَى له أم لا؟ [17]، فهذا لا يجوز، بينما الوجبة الجماعية لا يختصُّ بها المعلم، فسواء حضر المعلم أو لم يحضر الوجبة قائمةٌ للطلاب.
طيب، هناك سؤالٌ كنتُ أتوقع أنه يُطْرَح، وهو -في الحقيقة- مهمٌّ يكثُر السؤال عنه والتَّساؤل عنه، وهو: أن معظم -أو ربما جميع- البنوك إذا قلَّ الرصيد تأخذ عليك عمولةً، إذا كان رصيدك -مثلًا- ألف ريالٍ يأخذون عليك عمولةً، ولا أدري كم يأخذون، لكن يحسبون عليك.
هل يعرف أحدٌ كم؟
طالب: …….
الشيخ: ريالان ونصف على ألف ريالٍ.
نعم، تصل لاثني عشر ريالًا.
طيب، ما حكم هذا؟ هل هذا يجوز؟
طالب: …….
الشيخ: يعني: لا يجوز؟
طالب: …….
الشيخ: الحقيقة أن القول بالجواز أولى من القول بجواز أن البنك ما يأخذ شيئًا على الحساب، يعني: كون البنك ما يأخذ شيئًا هذا الذي فيه إشكالٌ، أما كون البنك يأخذ هذا ليس فيه إشكالٌ، لماذا؟
لأن البنك أصلًا يقوم بخدمةٍ، وهناك مصلحةٌ للعميل؛ كون البنك يفتح لك حسابًا، فهذا يقوم لك بخدمةٍ عظيمةٍ تستفيد أنت منها، والبنك يتكبَّد بهذا الوقت الذي يقتطعه الموظف، كذلك ما يترتب على فتح حسابٍ من كُلْفَةٍ، وهذا قرضٌ، يُفترض أن البنك يأخذ مقابل كُلْفَته الفعلية الحقيقية؛ لأنه مُقْتَرضٌ، وأنت مُقْرِضٌ، يُفترض أنه ما يُعطيك نَفْعًا، فكون البنك أصلًا يتنازل عندما يفتح لك حسابًا ولا يأخذ منك شيئًا -يعني- مقابل الخدمة، هذا هو الذي فيه إشكالٌ.
أما كونه يقول: أعطني مقابل أتعابي. هذا لا إشكال فيه؛ ولهذا لا إشكال في هذه المسألة إطلاقًا: كون البنك يأخذ، يقول: أنت الآن ليس عندك إلا ألف ريالٍ، نأخذ مقابل الأتعاب، مقابل الخدمات الإدارية التي نقوم بها. هذا جائزٌ، ولا إشكال فيه.
لكن يبقى الإشكال في كون البنك لا يأخذ شيئًا على فتح الحساب الجاري، فهل نقول: إن هذا مقابل القرض الذي جَرَّ نفعًا؛ لأن البنك الآن مُقترضٌ، وأنت مُقْرِضٌ؛ لأن البنك قدَّم لك خدمةً مجانيةً؟
لكن الصحيح أن هذا لا بأس به، الصحيح أنه لا يدخل في القرض الذي جَرَّ نفعًا؛ لأن هذا مما اعتاد الناس على التَّسامح فيه، وليس هناك زيادةٌ ونفعٌ ظاهرٌ وكبيرٌ، فالذي يظهر أن هذا لا بأس به، لكن أنا أردتُ فقط أن أعكس لكم المسألة؛ لِأُبيِّن لكم أن هذه المسألة أولى بالجواز من القول بأن البنك ما يأخذ شيئًا.
طالب: …….
الشيخ: نعم، والمنفعة للطرفين، نحن قلنا: إذا كانت المنفعة للطرفين فإنه لا بأس بذلك، مثل: (السُّفْتَجَة).
السؤال: أحسن الله إليكم، وبارك فيكم، هذا يقول: رجلٌ فقيرٌ، ديونه تستغرق جميع أمواله، وله أرضٌ قيمتها زهيدةٌ، فقال: لله عليَّ إن وصلتْ قيمتها إلى كذا فإن ثلث القيمة صدقةٌ لله. فوصلتْ قيمة الأرض إلى ما نذر عليه، والديون تستغرق القيمة كلها، فأيّهما يُقدّم: سداد الديون أم هذا النَّذر المُعلَّق؟
الجواب: يُقدّم سداد الديون؛ لأنه إذا تعارض حقُّ الآدمي مع حقِّ الله ، فالقول الراجح أنه يُقدَّم حقُّ الآدمي؛ لأن حقَّ الآدمي مبنيٌّ على المُشَاحَة، بينما حقُّ الله مبنيٌّ على المُسامحة، فالله تعالى قد يعفو، وقد يُسامح العبد، لكن العباد لا يُسامح بعضهم بعضًا يوم القيامة؛ ولهذا يُقَدَّم حقُّ الآدمي، لكن يبقى النَّذر في ذِمَّته إلى أن يتيسَّر له هذا المبلغ.
السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: إذا كفل رجلٌ رجلًا آخر، ومات الكافل، فهل ورثته يتحمَّلون الكفالة بعد مُوَرِّثهم؟
الجواب: نعم، إذا كَفَلَ إنسانٌ آخر، ثم مات هذا الكفيل، فإذا كانت هذه الكفالة ضمانًا -يعني: يُسمُّونها “كفالة غرامية”- فإنها تنتقل للتركة، ويتحمل الورثة هذه الكفالة، أما إذا كانت كفالةً حضوريةً فإنها تسقط بموت الكفيل، وهذه -إن شاء الله- سنتكلم عنها بالتَّفصيل عندما نأتي إلى “باب الضمان والكفالة”.
السؤال: أحسن الله إليكم، تعدَّدت الأسئلة حول الجمع في المطر، فهذا يقول: هل يُستحب الجمع في المطر جمع تأخيرٍ؟
الجواب: نعم، الجمع في المطر يجوز إذا وُجِدَ حرجٌ بترك الجمع، والمرجع في ذلك للعُرْف، لكن العُرْف هنا فيه إشكالٌ، فالعُرْف ما ينضبط؛ ولذلك أنا أُعطيكم مُؤشِّرًا أو ضابطًا للعُرْف: إذا تأثرتْ حركة الناس في الشوارع لأجل المطر، وتأثرت الحركة التجارية؛ أُغلقتْ بعض المحلات، فهذا دليلٌ على وجود الحرج والمشقة، فيجوز الجمع، مثلما حصل يوم الاثنين الماضي، فيوم الاثنين الماضي حركة الناس في الشوارع تأثرتْ، وأُغلقتْ بعض المحلات، وأُعلنتْ حالة استنفارٍ، فلا شكَّ أن الحرج موجودٌ وقائمٌ.
أما إذا لم تتأثر حركة الناس في الشوارع، ولا الحركة التجارية بأدنى تأثُّرٍ، فالأصل أنه لا يجوز الجمع.
لذلك أحيانًا ينزل المطر والناس يخرجون للشوارع يتفسَّحون، وما يوجد أدنى حرجٍ ولا مشقةٍ.
وبعض الناس يُخْطِئ في هذه المسألة من جهة أنه يقيس الجمع بين الصلاتين في المطر على القصر في السفر، وهذا قياسٌ مع الفارق، فالقصر في السفر يجوز حتى إن لم توجد مشقةٌ بالإجماع، بينما الجمع بين الصلاتين في المطر لا يجوز إلا عند وجود الحرج، فلا بد من حرجٍ ومشقةٍ ظاهرةٍ.
إذن نقول: لا بد أن تُوجد المشقة الظاهرة.
ما الغرض من الجمع؟
الغرض من الجمع هو تحصيل الجماعة.
انتبهوا لهذه المسألة: تحصيل الجماعة؛ لأنهم لو لم يجمعوا بين المغرب والعشاء ربما حبس الناسَ المطرُ وهم في بيوتهم، فما استطاعوا أن يأتوا للمسجد، أو لا يأتون إليه إلا بمشقةٍ، فالغرض من الجمع هو تحصيل الجماعة، وليس مجرد الجمع فقط؛ ولذلك النساء في البيوت لا يجمعن لأجل المطر.
ومَن أَتَمَّ وقد فاتته الصلاة، مثلًا: ما أدرك إلا صلاة العشاء، يعني: أتى وأدرك صلاة العشاء، وصلَّى معهم صلاة المغرب فقط، وصلاة العشاء سوف يُصلِّيها وحده، فإنه لا يجمع؛ لأن الجمع لتحصيل الجماعة، وهو قد فاتته الجماعة، فانتبهوا لهذه المسألة.
لكن هناك سُنَّةٌ أخرى هَجَرَها الناس أو كثيرٌ من الناس وهي: أنه وقت نزول المطر يقول المُؤذن بعد الأذان: “ألا صلُّوا في الرِّحال”، لكن الناس لا يعرفون معنى “الرِّحال”، فيقول: ألا صلُّوا في البيوت. فيُصلِّي الناس في بيوتهم.
لو وُجِدَ -مثلًا- في وقت أذان المغرب مطرٌ شديدٌ وعواصف ورياح، فيُمكن للمُؤذن أن يقول بعد الأذان: “صلُّوا في الرِّحال”، وهذا قد أمر به النبي المُؤذن [18]، فهذه من السُّنن التي يُمكن أن تُطبَّق.
ومنها أيضًا: أن يُصلِّي صلاة المغرب في وقتها، وإذا لم يَزَل المطر شديدًا وقت العشاء يقول للناس: “صلُّوا في بيوتكم”، أو نزل المطر وقت الفجر يقول للناس: “صلُّوا في بيوتكم”، لكن هذه السُّنة باعتبار أن الناس من العامة لا يعرفونها ينبغي أولًا أن يفهمها الناس؛ حتى لا تكون فتنةً لهم؛ لأن الإنسان إذا فعلها من غير مُقدِّماتٍ ربما لا يتقبلها الناس، لكن لو نَبَّه عليها وفعلها بعد التَّنبيه عليها يكون هذا أدعى لقبولها.
السؤال: أحسن الله إليكم، هذا يسأل يقول: مَن وجد جماعةً يُصلُّون العشاء جمعًا مع المغرب لأجل المطر، وهو لم يُصَلِّ المغرب، فهل يدخل معهم بنية العشاء؟
الجواب: نعم، يدخل معهم بنية العشاء، ويُصلِّي بعدها المغرب.
وسبق أن قلنا في دروسٍ سابقةٍ: إن الترتيب الصحيح أنه ليس واجبًا، وإنما مُستحبٌّ، وحتى عند الحنابلة يقولون: هو واجبٌ، ويسقط بالجهل والنسيان والعُذر.
وأُورد على الحنابلة إيرادٌ، قيل: لو أن رجلًا استفتى، قال: إنه صلَّى قبل خمس سنواتٍ صلاةً دون وضوءٍ، فأُفتي بأنه يُعيد الصلاة، فالصلوات التي بعدها كلها تقع غير مُرتبةٍ، أليس كذلك؟
فهل معنى ذلك: أنه يقضي الصلوات لخمس سنوات؟
لا أحد يقول بهذا، لكن هذا من اللَّوازم، هذا من اللَّوازم؛ ولهذا الصواب هو قول الجمهور.
ثانيًا: له خيارٌ آخر هو: أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا قام الإمام للرابعة جلس وأكمل صلاته وسلَّم، ثم لَحِقَ بهم في الركعة الرابعة؛ لأجل تحصيل الجماعة، فيمكن ذلك.
والانفتال سبق أيضًا، فقد قررنا في درسٍ سابقٍ أن الانفتال عن الإمام لمصلحةٍ لا بأس به، حتى لأجل تطويل الإمام، وفي قصة معاذٍ انفتل ذلك الرجل لأجل تطويل الإمام، وأقرَّه النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا كان يجوز الانفتال عن الإمام لأجل التطويل في الصلاة، فما بالك إذا كان لأجل تحصيل الجماعة، ولأجل اختلاف صورة الصلاة، فكلُّ هذا جائزٌ ولا بأس به.
طالب: …….
الشيخ: الصحيح أنه لا يجب عند الحنابلة، يجب إلا عند الجهل والنسيان والعذر، والقول الراجح قول الجمهور، لكن حتى عند الحنابلة يُعتبر هذا عذرًا، فإنه لم يترك الترتيب لغير سببٍ، وإنما لسببٍ.
طالب: …….
الشيخ: نعم، الأفضل أن يُصلُّوا المغرب ثم العشاء، يعني: يجمعون جمع تأخيرٍ، بإمكانهم أن يجمعوا جمع التَّأخير، يجوز جمع التَّأخير وجمع التَّقديم، المهم أن تحصل الجماعة.
طالب: …….
الشيخ: نعم، إذا جاز جمع التَّقديم جاز جمع التَّأخير، نعم، بابهما واحدٌ.
السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: ما أفضل كتابٍ في ذكر الشروط في البيع؟ وهل يوجد كتابٌ يذكر محل شرطٍ في البيع؟
الجواب: محل شرطٍ؟!
على كل حالٍ شروط البيع في جميع كتب الفقه، ففي جميع كتب الفقه توجد الشروط في البيع، ولا أعلم كتابًا خاصًّا بهذا، لكن توجد بعض الرسائل العلمية، يعني: الأخ السائل يمكن أن يجدها في بعض كليات الشريعة، أو في المعهد العالي يمكن أن يجد فيها رسالةً أو بحثًا، لكن على كل حالٍ الشروط موجودةٌ في جميع كتب الفقه.
السؤال الأخير: أحسن الله إليكم، يقول: ما رأيكم في قول بعض العامة ….. كنايةً عن الأمر المُستحيل أو الذي لن يتحقق؟
الجواب: هذا فيه نوعٌ من القنوط من رحمة الله، كأن المطر مُستبعدٌ نزوله؛ ولذلك هذه العبارة فيها إشكالٌ، والله تعالى أعطانا قاعدةً في الألفاظ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا [البقرة:104]، انْظُرْنَا بمعنى: رَاعِنَا وزنًا ومعنًى، لكن لما كانت رَاعِنَا فيها إشكالٌ هو: أن اليهود تقصد بها معنًى سيئًا؛ أمر الله تعالى بترك هذه الكلمة، وأن تُستبدل بكلمةٍ ليس فيها أيّ إشكالٍ، فمثل هذه العبارات لا شكَّ أنها قد يُفْهَم منها هذا المعنى: وهو القنوط من رحمة الله من أن يُنْزِل على عباده مطرًا؛ ولذلك ينبغي تجنُّبها، وأن يقتصر المسلم على الألفاظ التي ليس فيها إشكالٌ أو إيهامٌ.
طيب، نُجيب عن الأسئلة الشفاهية.
نعم، تفضل.
السؤال: …….
الجواب: لا تُعْطَى حكمًا واحدًا، فلا شكَّ أن الأحياء تختلف، وقد رأينا في الأيام الماضية أن الأحياء تختلف، فَحَيُّ النَّظيم أتته أمطارٌ لم تَأْتِ هنا، وشمال الرياض يختلف عن جنوب الرياض، وتعرفون اتِّساع مدينة الرياض اتِّساعًا كبيرًا، حتى قالوا: إنها أكبر عاصمةٍ عربيةٍ من حيث المساحة؛ ولذلك لا تُعْطَى حكمًا واحدًا، وإنما بحسب الأحياء.
السؤال: أحسن الله إليكم يا شيخ، الآن في الأمطار بعض العلماء يقول: يكفي البَلَل …..؟
الجواب: بَلَلٌ تحصل معه مشقةٌ، الحنابلة قالوا: بَلَلٌ تحصل معه مشقةٌ، فلا بد من حصول المشقة؛ لأن الأصل أن شرط دخول الوقت آكد شروط الصلاة، وقد تسقط جميع الأركان والشروط مُراعاةً لشرط الوقت.
افترض أن إنسانًا عاجزٌ عن ستر العورة، عاجزٌ عن استقبال القبلة، عاجزٌ عن الطهارة، عاجزٌ عن القيام، نقول: صَلِّ على حسب حالك، لكن لا تدع الصلاة حتى يخرج وقتها.
إذن قد تسقط جميع الأركان والشروط مُراعاةً لشرط الوقت، فلا نخرج عن هذا الأصل إلا بشيءٍ واضحٍ: وجود حرجٍ ظاهرٍ يُبيح الجمع.
وإذا أشكل عليك: هل تجمع أو ما تجمع؟ ابْنِ على الأصل: أنك ما تجمع، هذا هو الأصل.
وبعض الناس يخشى من العامة، يعني: بعض أئمة المساجد العامة هم الذين يُوجِّهونهم!
المفترض أن الإمام هو الذي يُوجِّه العامة، وهو الذي يُرشدهم، ولا يجعل العامة يُوجِّهونه؛ لأنهم قد لا يفقهون هذه المعاني؛ ولذلك ينبغي أن يكون هو المُوجِّه، وهو المُرشد للناس.
السؤال: بعض الناس -يا شيخ- يقولون: تطبيق السُّنة؟
الجواب: هذا الخطأ الذي أشرتُ إليه.
بعض الناس يعتقد أنه لأجل نزول المطر سُنَّةٌ أنك تجمع، وهذا غير صحيحٍ، هذا فهمٌ غير صحيحٍ.
تعرفون: مذهب الحنفية لا يُجيزون الجمع إلا في مُزدلفة وعرفة فقط؛ لذلك تجد الذي على المذهب الحنفي من الإخوان الهنود لا يجمعون إطلاقًا.
وإن كان القول الصحيح أنه يجوز، لكن أُبيِّن لك أن أحد المذاهب الأربعة لا يُجيز الجمع أصلًا؛ لأنه يقول: تُصلَّى الصلاة في وقتها، فلماذا تجمع؟
السؤال: …….
الجواب: نعم، نعم، يجوز.
يعني: إذا تيسر، فالهدف طبعًا هو: تحصيل الجماعة، فإذا خرج الناس لا يجمعون؛ لأن الغرض من الجمع: تحصيل الجماعة.
السؤال: أحسن الله إليكم …….
الجواب: نعم، صحيحٌ، هذا مما يُرَدُّ به على مَن قال: إن صلاة الجماعة مُستحبةٌ. لا شكَّ، يعني: كونه أيضًا يجوز الجمع، وكون الصلاة ما تُصلَّى في وقتها لأجل تحصيل الجماعة دليلٌ على وجوب صلاة الجماعة.
وأبلغ من ذلك: وجوب صلاة الجماعة في الحرب، وكذلك أيضًا الرجل الأعمى الذي ليس له قائدٌ يُلائمه، لم يُرخِّص له النبي عليه الصلاة والسلام أن يُصلِّي في بيته [19]، كذلك همَّ النبي عليه الصلاة والسلام بأن يُحَرِّق على قومٍ بيوتهم بالنار؛ لأنهم لا يُصلُّون مع جماعة المسلمين في المسجد [20].
هذه الأدلة واضحةٌ، أوضح من الشمس، لكن كما قال الله : فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7].
تجد في كثيرٍ من المسائل نصوصًا مُتشابهةً، والله تعالى جعلها لحكمةٍ: ابتلاءً وامتحانًا للعباد، سواء في القرآن أو في السنة، فالذي يأخذ المُتشابه ويجمعه سيجد ذلك، لكن بيَّن الله أن هذه طريقة الزائغين، أهل الزَّيغ: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ.
وهذا -يا إخوان- جوابٌ عامٌّ تستفيدون منه في جميع المسائل في الردِّ على أهل الزيغ، فإذا قال لك أحدهم: إنه ورد حديثٌ كذا وحديثٌ كذا. تقول: هذا أقلّ ما يُقال: إنه من المُتشابه، والمُتشابه نردُّه للمُحْكَم، وعندنا نصوصٌ مُحْكَمَةٌ وواضحةٌ وصريحةٌ في وجوب صلاة الجماعة، فلماذا تتمسَّك بهذه المُتشابهة؟!
وهكذا أيضًا بالنسبة للاختلاط عندنا نصوصٌ واضحةٌ، صريحةٌ، مُحْكَمةٌ، فلماذا تأتي بنصوصٍ مُتشابهةٍ وتجمعها؟! فهذه طريقة أهل الزَّيغ.
فنستطيع إذن أن نَرُدَّ بهذا الجواب العام، نقول: كل ما ذكرته مُتشابهٌ، ونردُّه إلى المُحْكَم، فوجدنا أن النصوص المُحْكَمة الواضحة الصريحة تُحَرِّم الاختلاط على وجهٍ تحصل معه الفتنة، ونجد النصوص المُحْكَمة الواضحة الصريحة تُوجِب صلاة الجماعة على الرجال.
إذن نردُّ ما ذكرتَ من المُتشابه من النصوص، إن كانت من المُتشابه نردّها للنصوص المُحْكَمة، والله ذكر القسمين: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ، وقسَّمه قسمين: مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا، فَيَرُدُّون المُتشابه إلى المُحْكَم: وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [آل عمران:7].
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.
الحاشية السفلية
^1 | رواه ابن ماجه: 2430، وابن حبان: 639. |
---|---|
^2 | رواه ابن ماجه: 2431، والطبراني في “المعجم الأوسط”: 6719. |
^3, ^10, ^13 | رواه مسلم: 1600. |
^4 | رواه البخاري: 5135، ومسلم: 1425. |
^5 | رواه أحمد: 14536، والبيهقي في “السنن الكبرى”: 11401. |
^6 | رواه البخاري: 67، ومسلم: 1679. |
^7 | رواه أبو داود: 3594، والترمذي: 1352 وقال: حسنٌ صحيحٌ. |
^8 | رواه ابن ماجه: 2341، وأحمد: 2865. |
^9 | رواه الترمذي: 1359 وقال: حسنٌ صحيحٌ. |
^11 | رواه أبو داود: 3354، والترمذي: 1242، والنسائي: 4582، وابن ماجه: 2262، وأحمد: 6239. |
^12 | رواه أبو داود: 3504، والترمذي: 1234 وقال: حسنٌ صحيحٌ. |
^14 | رواه البخاري: 3814. |
^15 | رواه البيهقي في “السنن الكبرى”: 10930. |
^16 | رواه ابن ماجه: 2432. |
^17 | رواه البخاري: 7174، ومسلم: 1832. |
^18 | رواه البخاري: 666، ومسلم: 697. |
^19 | رواه مسلم: 653. |
^20 | رواه البخاري: 644، ومسلم: 651. |