logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(54) باب الخيار- من قوله: “الثاني: خيار الشرط..”

(54) باب الخيار- من قوله: “الثاني: خيار الشرط..”

مشاهدة من الموقع

تتمة أقسام الخيار

الثاني: خيار الشرط

قال المؤلف رحمه الله:

الثاني: خيار الشرط: وهو أن يشترطا أو أحدهما الخيار إلى مدةٍ معلومةٍ.

هكذا عرف المؤلف خيار الشرط: “أن يشترطا -يعني: المتعاقدين- أو أحدهما الخيار مدة معلومة” ولو طويلةً؛ ولهذا قال:

وإن طالت.

والأصل فيه قول النبي : المسلمون على شروطهم [1]، ولكن هنا لا بد من تحديد المدة، فلا يصح الخيار إلى مدةٍ مجهولةٍ.

حكم الخيار من غير تحديد مدةٍ

لكن لو أطلق الخيار من غير تحديد مدةٍ؛ كأن يقول البائع: بعتك هذه السلعة بشرط أن لي الخيار، أو يقول المشتري: اشتريت هذه السلعة بشرط أن لي الخيار، فما الحكم؟ هل نقول: إن هذا الخيار باطلٌ؛ لعدم تحديد المدة؟ من يجيب عن هذا السؤال؟ وإذا أطلق المدة.

مداخلة:

الشيخ: نعم، أما عند الجمهور: فهذا الخيار لا يصح؛ لأنه لم تُحدَّد فيه المدة، فالجمهور قالوا: لا يصح هذا الخيار.

والقول الثاني في المسألة: أنه يُحدَّد بثلاثة أيامٍ، واختار هذا أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، وقال: “إن أطلق الخيار ولم يُوقته بمدةٍ؛ فيثبت ثلاثة أيامٍ”، واستدل بحديث حَبَّان بن مُنقِذٍ، وكان بلسانه لَوثةٌ، وكان لا يزال يُغبن في البيوع، فقال له النبي : إذا بايعت فقل: لا خِلابة، ثم أنت بالخيار في كل سلعةٍ ابتعتها ثلاث ليالٍ، فإن رضيت فأمسك، وإن سخطت فاردد [2]، أخرجه أبو داود وابن ماجه، وأصله في “الصحيحين”.

وجاء في رواية مسلمٍ: فكان هذا الرجل إذا بايع يقول: لا خيابة؛ لأنه كان ألثغ، فالنبي عليه الصلاة والسلام أوصاه بأن يقول: لا خِلابة فكان يقول: لا خِيابة،… تُحدَّد بثلاثة أيامٍ لهذا الحديث.

قال المؤلف رحمه الله:

ولكن يحرم تصرفهما في الثمن والمُثْمَن في مدة الخيار.

“يحرم تصرفهما” -يعني: البائع والمشتري- “في الثمن والمُثمَن” في مدة الخيار، ففي مدة الخيار ليس للبائع التصرف في الثمن، وليس للمشتري التصرف في المبيع بغير إذن الآخر.

وينتقل الملك من حين العقد.

يعني: من حين العقد والتفرق من مكان التبايع بالأبدان ينتقل الملك من البائع إلى المشتري.

فما حصل في تلك المدة.

يعني: مدة خيار الشرط.

من النماء المنفصل فللمُنتَقَل له.

أفادنا المؤلف بأن النماء المنفصل يكون للمشتري، للمُنتَقَل له.

ولو أن الشرط للآخر فقط.

فالنماء المنفصل يكون للمشتري بالنسبة لنماء المبيع.

لكن المؤلف أراد أن يُطلِق، فيشمل نماء الثمن والمُثمَن، لكن في وقتنا الحاضر الثمن ليس له نماءٌ، الثمن أوراقٌ نقديةٌ؛ ولذلك فالمقصود في وقتنا الحاضر: هو النماء للمبيع، النماء المنفصل يكون للمشتري؛ ولهذا نجد أن صاحب “الزاد” قال: “وله” -يعني: للمشتري- “نماؤه المنفصل”، فيُعبِّرون بأن النماء للمشتري.

وقوله: “المنفصل”، خرج به: النماء المتصل، فالنماء المتصل عندهم أنه ليس للمشتري، وهذا تجدونه في كتب الحنابلة، قد يقولون: من النماء المتصل والمنفصل، وعندهم أن النماء المتصل؛ كالسِّمَن مثلًا، يقولون: إنه يتبع العيب مع الفسخ، فإن أُمضي العقد؛ كان من نصيب المشتري، وإن فُسخ العقد؛ كان من نصيب البائع.

والقول الصحيح: أنه لا فرق بين النماء المتصل والمنفصل، وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله، وأن حكمهما واحدٌ، وأن النماء المتصل والمنفصل كليهما للمشتري، والدليل لهذا، الدليل على أن النماء المنفصل والمتصل -على القول الراجح- للمشتري: هو قول النبي : الخَرَاج بالضمان [3]، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، وصححه الترمذي.

فقوله : الخَرَاج بالضمان، يعني: دليلٌ على أن النماء يكون للمشتري؛ لأنه لو تلف هذا المبيع وهو بيد المشتري؛ فضمانه على مَن لو تلف؟ المشتري، يعني: لو اشتريت الآن سيارةً، واشترطت مثلًا: أن لك الخيار مدة أسبوعٍ، ثم تلفت السيارة عندك، فمن الذي يضمن؟ البائع أو المشتري؟ المشتري؛ هكذا أيضًا النماء للمشتري، الخراج بالضمان، فكما أن عليك الغُرْم؛ فلك الغُنْم، هذا هو مقتضى العدالة.

فإذنْ النماء المتصل والمنفصل يكون للمشتري؛ لأنه لو تلف؛ لكان عليه الضمان؛ ولهذا قال النبي : الخراج بالضمان.

قال:

ولو أن الشرط للآخر فقط.

يعني: حتى لو كان الشرط للبائع فقط، أو للمشتري فقط؛ فالنماء للمشتري.

ولا يفتقر فسخُ مَن يملكه إلى حضور صاحبه ولا رضاه.

يعني: “لا يفتقر فسخ من يملكه”، يعني: من يملك خيار الشرط، لا يفتقر “إلى حضور صاحبه ولا رضاه”، فإذا أردت أنت -أيها المشتري- أن تفسخ مثلًا الخيار، أو البائع أراد أن يفسخ الخيار؛ لا يُشترط حضور الطرف الآخر، فإذا غُبن البائع أو المشتري غبنًا يخرج عن العادة؛ فيثبت له الخيار في إمضاء ذلك البيع أو فسخه.

لكن هل يُحَدُّ الغَبن بحدٍّ معينٍ؟ أو لا يحد؟

الثالث: خيار الغبن

الثالث: خيار الغبن.

المؤلف قال: 

أن يبيع ما يساوي عشرةً بثمانيةٍ، أو يشتري ما يساوي ثمانيةً بعشرةٍ.

وهذا على سبيل التمثيل، وإلا فعند الحنابلة وعند الجمهور أنه لا يُحد بحدٍّ معيَّنٍ، وإنما المرجع فيه إلى العرف.

والمالكية حددوا الغبن بالثلث، واستدلوا بقول النبي : الثلث، والثلث كثيرٌ [4]، والصواب هو قول الجمهور: وهو أن الغَبن لا يُحدد بنسبةٍ معينةٍ، وإنما المرجع فيه إلى العرف، وهذا مما يَختلف باختلاف الأحوال، وباختلاف الأزمان، وباختلاف البلدان، وقد جاء في “صحيح البخاري” عن عروة بن الجعد البارقي أن النبي أعطاه دينارًا ليشتري له به شاةً، فاشترى بهذا الدينار شاتين، يعني: نسبة الربح كم؟ 100%، ثم باع إحدى الشاتين بدينارٍ، نسبة الربح أيضًا 100% في البيع والشراء، وأتى النبي بشاةٍ ودينارٍ، هل اعتبر النبي هذا غَبْنًا؟ لا، لم يعتبره غَبْنًا، بل دعا له بالبركة، فكان لو اشترى ترابًا؛ لربح فيه [5]، هذا فيه ردٌّ على المالكية الذين حددوا الغبن بالثلث، فيظهر -والله أعلم- أنه كان في عهد النبي مثل هذا التصرف، أنه ليس غَبْنًا.

فإذنْ نرجع لعرف الناس، فعند الناس: أن الزيادة اليسيرة أو النقص اليسير ليس غَبْنًا؛ مثل سيارةٍ قيمتها تباع في السوق بخمسين ألفًا، لو اشتراها إنسانٌ بواحدٍ وخمسين، أو اثنين وخمسين ألفًا، فهل يُعتبر غَبْنًا؟ ما يُعتبر غَبْنًا، لكن لو اشتراها بمئة ألفٍ مثلًا، ومعروفٌ أن قيمتها خمسون ألفًا، هل هذه تُعتبر غَبْنًا؟ تُعتبر غَبْنًا، أو العكس: قيمة هذه السلعة: خمسون ألفًا مثلًا، ثم ذهب للسوق وباعها بعشرة آلافٍ، فهذا في عرف الناس يُعتبر غَبْنًا، لكن لو أنها بخمسين ألفًا، وباعها مثلًا بخمسةٍ وأربعين هل تُعتبر غَبْنًا؟ أو ثمانيةٍ وأربعين، أو سبعةٍ وأربعين، هذه في عرف الناس ليست غَبْنًا، الشيء اليسير لا يُعتبر غَبْنًا.

فنرجع إذنْ إلى أهل الخبرة في ذلك الشيء، يعني إذا كان عقارًا لأهل العقار، سيارةً لأهل السيارات، وهكذا، فنقول: هل في عرفكم أن هذا البيع أو هذا الشراء غَبْنٌ؟ فإن قالوا: نعم، إنه غَبْنٌ؛ فيثبت لذلك المغبون، سواءٌ كان بائعًا أو مشتريًا، يثبت له الخيار.

قال:

ولا أَرْشَ مع الإمساك.

يعني: لو أن هذا المغبون -سواءٌ كان بائعًا أم مشتريًا- قال: أنا أريد المبيع، أنا مغبونٌ فيه، لكن أريده وأريد معه الأَرْش، يعني: الفرق بين قيمته في السوق وبين الثمن الذي اشتريته به، يعني مثلًا في مثالنا السابق: قيمته خمسون ألفًا، وباعه بعشرة آلافٍ، أو العكس، مثلًا: قيمته في السوق مئة ألفٍ، وباعه بخمسين ألفًا، قال: أريد الفرق فقط، فيقول المؤلف: “لا أَرْش مع الإمساك”، يعني هنا نقول له: ليس لك الفرق، ليس لك الأَرْش، فإما أن تقبل هذا البيع من غير أَرْشٍ، وإما أن تفسخ هذا العقد بمقتضى خيار الغَبْن؛ وذلك لأن الشرع لم يجعل الأرش له في هذه الحال، ولم يَفُت عليه جزءٌ من المبيع يأخذ الأرش في مقابله.

والحنابلة يجعلون له الأَرْش في خيار العيب، ولا يجعلون له الأرش في خيار الغبن، والصواب: أنه لا أرش له في جميع الأحوال، سواءٌ كان في خيار العيب أو كان في خيار الغبن أو في غير ذلك.

مر معنا في الدرس الماضي أيضًا مسألةٌ قريبةٌ من هذا، والصواب: أنه لا أرش له في هذه كلها؛ لأن البيع الأصل أنه عقدٌ لازمٌ، إن تراضيا على الأرش؛ لا بأس، لكن إن لم يتراضيا؛ فالصحيح أنه لا أرش في جميع المسائل، إلا إذا تعذر الرد في حال حدوث العيب، فهنا يصار إلى الأرش، وسيأتي الكلام عن هذه المسألة في خيار العيب إن شاء الله تعالى.

الرابع: خيار التدليس

قال:

الرابع: خيار التدليس، وهو أن يدلِّس البائع على المشتري ما يزيد به الثمن.

“التدليس”: مأخوذٌ من الدُّلْسة وهي الظلمة، فكأن البائع بتدليسه قد صيَّر المشتري في ظلمةٍ معنويةٍ بالنسبة إلى حقيقة الحال.

وضابط التدليس ما ذكره المؤلف: “أن يدلِّس البائع على المشتري ما يزيد به الثمن”، يعني: أن يُظهر السلعة بمظهرٍ مرغوبٍ فيه -وهي خاليةٌ منه- بما يزيد به الثمن.

والأصل في هذا: هو قول النبي لمَّا مر على صُبْرةٍ من طعامٍ فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بَلَلًا، فقال : ما هذا يا صاحب الطعام؟، قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال : أفلا جعلته فوق الطعام؛ كي يراه الناس، مَن غَشَّ فليس مني [6]، رواه مسلمٌ، فوضعُ الطعام السليم فوق الطعام الذي أصابته السماء هو نوع تدليسٍ.

أمثلةٌ على التدليس

المؤلف ذكر أمثلةً للتدليس، لِمَا هو موجودٌ في زمنه، ذكر المثال الأول، قال:

كتَصْرِيَة اللبن في الضّرع.

“تَصْرِيَة اللبن في الضّرع”؛ مثل تَصْرِيَة الإبل أو البقر أو الغنم؛ وذلك بأن يحبس اللبن في ضرعها مدةً؛ لأجل أن يجتمع هذا اللبن فيكثر، فيظن المشتري أن ذلك من عادتها؛ فيزيد في ثمنها، هذا معنى التصرية، وفي هذه الحال يثبت للمشتري الخيار بين الإمساك أو الرد، مع رد صاعٍ من تمرٍ؛ لما جاء في “الصحيحين” عن أبي هريرة أن النبي قال: لا تُصَرُّوا الإبل والغنم، فمن ابتاعها..، لا تُصَرُّوا الإبل والغنم، طيب، لماذا لم يقل: والبقر؟ لأنه الذي كان موجودًا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة الغالب: هو الإبل والغنم .١٥٢٤

فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها: إن شاء أمسك، وإن شاء ردَّها وصاعًا من تمرٍ [7]، وجاء في رواية مسلمٍ: فهو بالخيار ثلاثة أيامٍ [8]، فيُخَيَّر المشتري المُصَرَّاة ثلاثة أيامٍ منذ أن علم بذلك، بين الإمساك أو الرد، لكن إن ردها؛ يردُّها مع صاعٍ من تمرٍ إن حلبها.

طيب، لو أنه لمَّا حلبها؛ تبيَّن له أنها مُصَرَّاةٌ، فقال: أردُّها مع هذا اللبن، ما أُريد أن أعطيه صاعًا من تمرٍ، أردُّها مع لبنها، هل يكفي هذا؟ نعم يكفي؛ لأن المقصود هو رد اللبن، لكن الغالب أن الإنسان لا يكتشف التصرية إلا بعد مدةٍ، وبعد أن ينتفع باللبن، لكن لو قُدِّر أنه اكتشف التصرية مباشرةً فأراد أن يردها مع لبنها؛ فله ذلك، ويكتفى بهذا، أما إذا كان قد حلبها وانتفع بهذا اللبن؛ فإنه يردها له مع صاعٍ من تمرٍ.

وهنا قدَّر النبي ذلك اللبن بصاعٍ من التمر؛ قطعًا للنزاع؛ لأن ذلك مما يُختلف فيه ويُتنازع فيه: كم مقدار اللبن الذي انتفع به؟ فقدَّره النبي عليه الصلاة والسلام بصاعٍ من تمرٍ؛ قطعًا للنزاع، لو تراضيا على عوضٍ غير الصاع من التمر؛ فلا بأس بذلك.

إذنْ هذا مثالٌ للتدليس، وقد أثبت النبي لمن دُلِّس عليه ذلك الخيار.

المثال الثاني مما ذكره المؤلف مما هو موجودٌ في زمنه:

وتحمير الوجه، وتسويد الشعر.

يعني: للجارية، “تحمير الوجه وتسويد الشعر”، هذا طبعًا في عصر المؤلف، كان الإماء يُبَعن، والرقيق له سوقٌ، إلى وقتٍ ليس بالبعيد، يعني: في عهد الدولة العباسية انتشر الأرِقَّاء انتشارًا كبيرًا، حتى إن السيوطي رحمه الله في “تاريخ الخلفاء” ذكر أن المتوكل كان عنده أربعة آلاف جاريةٍ؛ ولهذا قول النبي في أشراط الساعة: حتى تلد الأمة ربَّتها [9]، الصحيح أنه ليس المقصود به: أن تكثر السَّراري؛ لأن السَّراري قد كثرت في عهد الصحابة، وفي عهد الدولة العباسية، لكن المقصود به: كثرة العقوق، كثرة عقوق الوالدين في آخر الزمان، فتصبح الأم عند أولادها كالأَمَة عند سيدها، هذا هو المقصود، وهو يناسب العلامة الثانية المذكورة: أن ترى الحُفاة العُراة العالة رِعاء الشَّاء يتطاولون في البنيان [10]، يعني: هؤلاء الذين عاشوا في البادية حُفاةً عُراةً ما عليهم شيءٌ، يتطاولون في البنيان، يعني أنهم ملكوا وحازوا الثروات، وأصبحوا يتطاولون في البنيان، فهكذا أيضًا العلامة الثانية، هذه إشارةٌ لانتكاس الأمور؛ ولذلك رجح الحافظ ابن حجرٍ رحمه الله وجمعٌ من أهل العلم أن المقصود بذلك: هو أن يكثر عقوق الوالدين.

إذنْ المؤلف ذكر هذه الأمثلة، نحن نريد أن نذكر أمثلةً من واقعنا المعاصر، نحن ذكرنا مثال وضع الفاكهة الرَّديئة في الأسفل والسليمة في الأعلى، نريد أمثلةً أخرى، مَن يذكر لنا أمثلةً للتدليس؟

مداخلة:

الشيخ: نعم، التمر؟ كيف؟

مداخلة:

الشيخ: أشرنا لهذا، قلنا: يجعل مثلًا التمر الرديء في الأسفل والسليم في الأعلى، لكن نريد أمثلةً غير هذا.

مداخلة:

الشيخ: إي نعم، تكون السيارة مصدومةً مثلًا، تكون مصدومةً ويقوم بإصلاحها، ويبيعها للناس، ولا يُخبِر بأنها مصدومةٌ؛ لإظهارها بالمظهر المرغوب فيه، فإذا اكتشف المشتري أنها مصدومةٌ؛ فله الخيار.

مداخلة:

الشيخ: تغيير عداد السيارة، نعم، هذا مثالٌ صحيحٌ.

مداخلة:

الشيخ: نعم، تغيير تاريخ الصلاحية، سواءٌ للألبان أو لغيرها، الأمثلة -على كل حالٍ- كثيرةٌ، المقصود: أنه إذا ثبت تدليسٌ؛ فيثبت للمشتري الخيار.

قال:

ويثبت للمشتري الخيار، حتى ولو حصل التدليس من البائع بلا قصدٍ.

يعني: حتى لو كان البائع لم يقصد التدليس، لكنه ثبت، نفترض أن إنسانًا مثلًا اشترى من آخر سيارةً، ثم اكتشف المشتري أنها مصدومةٌ، وأتى للبائع وقال: والله أنا شريتها من غيري، أنا ما كنت أدري، فهنا يثبت للمشتري الخيار؛ وذلك لدفع الضرر عنه.

مداخلة:

الشيخ: نعم، حتى ولو لم يقصد التدليس.

الخامس: خيار العيب

قال:

الخامس: خيار العيب، فإذا وجد المشتري بما اشتراه عيبًا يجهله؛ خُير بين رد المبيع بنمائه المتصل، وعليه أجرة الرد.

“خيار العيب” أي: الخيار الذي يثبت بسبب العيب، والضابط فيه: نقصان قيمة المبيع به في عرف التجار، فما عده التجار في عرفهم مُنقِصًا لقيمة المبيع؛ ثبت به الخيار للمشتري، أما إذا كان هذا العيب عيبًا يسيرًا، لا ينقص به المبيع في عرف الناس؛ فلا يثبت به الخيار.

وإذا اشترى إنسانٌ من آخر سلعةً، وتبيَّن أن بها عيبًا، وهذا العيب ينقص من قيمتها في عرف التجار؛ فيثبت لهذا المشتري الخيار؛ وذلك لأنه قد غَرَّه بهذا البيع، ولأن المشتري إنما وقَّع الثمن على جميع المبيع، وكون جزءٍ منه ناقصًا لأجل وجود هذا العيب، هذا يقتضي أنه لم يرضَ بهذا العقد؛ ولذلك فيثبت له الخيار بهذا.

يخير بين ماذا؟ أولًا قوله: “فإذا وجد المشتري بما اشتراه عيبًا يجهله”، يُفهَم من كلام المؤلف: أن المشتري لو كان عالمًا بالعيب؛ فليس له الخيار، لكن الكلام: إذا كان يجهل العيب؛ “خُير بين رد المبيع بنمائه المتصل، وعليه أجرة الرد”.

ويرجع بالثمن كاملًا، وبين إمساكه.

يخير هذا المشتري بين: الرد، أو الإمساك مع أخذ الأرش، إذا رده يقول: “بنمائه المتصل”، وسبق أن قلنا: إن القول الصحيح: أنه لا فرق بين النماء المتصل والنماء المنفصل، وأن النماء يكون للمشتري؛ لأن الغُنْم بالغُرْم، والخَرَاج بالضمان، فيكون الصواب هو خلاف ما ذهب إليه المؤلف.

“وعليه أجرة الرد”: على المشتري أجرة الرد في هذه الحال، ويرجع بالثمن كاملًا؛ لأن البائع قد غره.

ويُخيَّر أيضًا:

بين إمساكه ويأخذ الأرش.

يعني: له في هذه الحال أن يُمسك المبيع ويأخذ الأرش، وهذا على قول الجمهور.

لكن ما هو الأرش؟

الأرش: “هو قسط ما بين قيمة المبيع صحيحًا وقيمته معيبًا”، لاحِظ التعريف: “قسط ما بين قيمة المبيع صحيحًا وقيمته معيبًا”، ليس هو الفرق، وإنما قسط ما بينهما.

ونوضِّح هذا بمثالٍ: اشترى رجلٌ سيارةً بتسعين ألف ريالٍ، ثم إنه وجد بها عيبًا، وقُدِّرت قيمة هذه السيارة وهي سليمةٌ بمئة ألفٍ، وقيمتها وهي معيبةٌ بثمانين ألفًا، فالأرش هو كم نسبته؟ كم نسبة العشرين إلى مئةٍ؟ الخُمس، نسبته: الخُمس، الخُمس الذي هو 20%، فيكون الأرش حينئذٍ: الخُمس، أو 20% من الثَّمن، الثمن قلنا: تسعون ألفًا، تسعون ألفًا كم خُمسها؟ ثمانية عشر ألفًا، فحينئذٍ يكون الأرش ثمانية عشر ألفًا، وليس الأرش عشرين ألفًا.

لاحِظ: الأرش عندهم إذنْ هو قسط ما بين قيمته صحيحًا وما بين قيمته معيبًا، وليس هو الفرق ما بين قيمته صحيحًا وقيمته معيبًا، هكذا يعني عرَّفوه، ولكن سبق أن أشرنا إلى: أن القول بالأرش محل خلافٍ بين أهل العلم، فمن أهل العلم من قال: إنه لا أرش في هذه الحال، وأن المشتري يُخير، يُخيَّر المشتري في هذه الحال: إما أن يقبل المبيع بعيبه، وإما أن يرده، أما أن نُجبِر البائع على دفع الأرش، فهذا ليس عليه دليلٌ، وهذا هو القول الأقرب، واختاره أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: أنه لا أرش، فيقال لهذا المشتري: أنت الآن اشتريت هذه السلعة بهذا العيب، فأنت مخيَّرٌ بين أن تقبلها بعيبها، وبين أن تردها، أما أن نُجبِر البائع على أن يدفع الفرق، أن يدفع هذا الأرش، فهذا ليس عليه دليلٌ؛ ولذلك نجد أن الحنابلة في خيار الغَبْن قالوا بعدم الأرش، وعلى القول الصحيح، نَطْرُد هذا القول، نقول: لا أرش في هذه المسائل كلها؛ لأنه لا دليل يدل على الأرش في هذه المسائل، لكن في بعض الأحيان قد نلجأ للأرش، قد نلجأ ونضطر للأرش، ما هي هذه الأحوال؟ ذكرها المؤلف..

حكم المبيع إذا تلف عند المشتري

قال:

ويتعيَّن الأرش مع تلف المبيع عند المشتري.

لو أن رجلًا اشترى سلعةً، اشترى سيارةً مثلًا، لو أن رجلًا اشترى سيارةً، لما اشترى هذه السيارة؛ وجد بها عيبًا، أراد أن يردها للبائع، في الطريق حصل له حادثٌ، فهل نقول: له الخيار في الرد في هذه الحال؟ البائع يقول: السيارة الآن تلفت، ليس له الخيار في الرد، في هذه الحال يتعيَّن الأرش، فنقول إذنْ: إنما نقول بالأرش في الحال التي يتعذر معها الرد؛ كما لو تلف المبيع.

قال:

ما لم يكن البائع عَلِم بالعيب وكَتَمه تدليسًا على المشتري، فيحرم، ويذهب على البائع، ويرجع المشتري بجميع ما دفعه له.

يعني: لو كان البائع علم بالعيب وكَتَم هذا العيب على المشتري، فتلف المبيع عند المشتري؛ فإنه يأثم بهذا، ويذهب على البائع؛ لأنه قد غر المشتري، ويرجع المشتري على البائع بجميع ما دفعه له من الثمن، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يُجبَر المشتري على رده أو أخذ أرشه؛ لأن البائع يتضرر بذلك في الحال التي يكون فيها له خيار العيب على التراخي.

خيار العيب إذا كان للمشتري؛ فهو على التراخي، لكن لا نجعل المدة مطلقةً ومفتوحةً، وإنما نُجبِر المشتري على الرد وأخذ أرشه -على القول بالأرش- لأن البائع يتضرر بالتأخير.

قال:

خيار العيب على التراخي لا يسقط إلا إن وُجد من المشتري ما يدل على رضاه.

إذا وُجد من المشتري ما يدل على رضاه بالمبيع مع العيب؛ فيسقط، ومثَّل المؤلف لهذا بأمثلةٍ:

قال:

كتصرفه.

لو أن هذا المشتري تصرف في المبيع المعيب؛ فهذا دليلٌ على رضاه به، وعلى إسقاطه حقَّ خيار العيب.

واستعماله لغير تجربةٍ.

لو استعمله، ثم بعد ذلك أراد أن يرده، فليس له ذلك؛ لأن استعماله لهذا المبيع المعيب دليلٌ على رضاه به وعلى إسقاط حق الخيار.

واستثنى المؤلف من ذلك: ما إذا استعمله لأجل التجربة، فلا يَسقط حقه في الخيار.

ولا يفتقر الفسخ إلى حضور البائع، ولا لحكم حاكمٍ؛ كالطلاق.

يعني: لو أراد أن يفسخ العقد بموجب خيار العيب؛ فإن ذلك لا يفتقر إلى حضور البائع، ولا يفتقر كذلك إلى حكم الحاكم، الذي هو القاضي.

والمبيع بعد الفسخ أمانةٌ بيد المشتري.

يعني: إذا فسخ العقد أشهد شاهدين، قال: يا جماعة، أنا وجدت في هذه السيارة عيبًا، واشهدوا أني فسخت البيع، يبقى المبيع في يده أمانةً، فلو تلف بغير تعدٍّ ولا تفريطٍ؛ فإنه لا يضمن في هذه الحال.

حكم البيع إذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بيِّنةٌ

قال:

وإن اختلفا عند من حدث عنده العيب مع الاحتمال ولا بيِّنة؛ فقول المشتري بيمينه.

إذا اختلف المتبايعان فيمن حدث عنده العيب، فالبائع يقول للمشتري: العيب حدث عندك، والمشتري يقول للبائع: العيب حدث عندك، إن كان هناك بينةٌ؛ فالقول قول صاحب البينة، أما إن لم يكن هناك بينةٌ؛ فالمؤلف يقول: إن القول قول المشتري بيمينه؛ وذلك لأن الأصل عدم القبض في الجزء الفائت، فكان القول قول من ينفيه لكن مع يمينه، يعني: يحلف أنه اشتراه وبه العيب، أو أن العيب ما حدث عنده ويردُّه.

والقول الثاني في المسألة: أنهما إذا اختلفا فيمن حدث عنده العيب ولا بينة؛ فالقول قول البائع، وهذا القول روايةٌ عن أحمد، واستظهره ابن القيم في “الطرق الحكمية”، وهذا القول هو القول الراجح: أن القول قول البائع، ويدل له ظاهر السنة؛ كما جاء في حديث ابن مسعودٍ أن النبي قال: إذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بيِّنةٌ؛ فالقول ما قال البائع، أو يترادَّان [11]، أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد، وله طرقٌ متعددةٌ يصح بمجموعها، ولأن الأصل السلامة وعدم وجود العيب، ودعوى المشتري: أن العيب سابقٌ على العقد خلاف الأصل، فكان القول قول البائع، هذا هو الصواب في هذه المسألة.

انتبه: هذه المسألة تقع كثيرًا: يذهب إنسانٌ ليشتري سلعةً، ثم لما يذهب لبيته؛ يأتي للبائع يريد أن يردها، يقول: فيها عيبٌ، والبائع يقول: العيب حدث عندك، والمشتري يقول: اشتريتها وهي مَعِيبةٌ.

إذا كان هناك بيِّنةٌ فالقول قول صاحب البينة، لكن الإشكال إذا لم يكن هناك بينةٌ، هل نرجح جانب البائع أو جانب المشتري؟ المؤلف يقول: جانب المشتري، والصحيح الذي تدل له السُّنة: أنه يُرجَّح جانب البائع؛ لأن الأصل أن المشتري اشتراها وهي سليمةٌ، أَثبِتْ أن العيب حدث عند البائع، وإلا فالأصل أنك اشتريتها وهي سليمةٌ، فالصواب: أن القول قول البائع.

ثم قال المؤلف رحمه الله:

وإن لم يحتمل إلا قول أحدهما؛ قُبِل بلا يمينٍ.

يعني: هذا يمثلون له، يقولون: كما لو اشترى عبدًا وبه أصبعٌ زائدٌ، الأصبع الزائد يُعتبر عيبًا، ثم أتى المشتري وأراد أن يرده، فقال البائع: إن العيب حدث عندك، هل هذا يمكن؟ لا يمكن أن ينبت له أصبعٌ وهو عنده؛ ولذلك يُقبل في هذه الحال قول المشتري بلا يمينٍ، يعني: لا حاجة لليمين، لعدم الحاجة إليها.

السادس: خيار الخُلْف في الصفة

السادس: خيار الخُلْف في الصفة.

القسم السادس من أقسام الخيار: الخُلْف في الصفة، ثم وضح المشتري هذا، قال:

فإذا وجد المشتري ما وُصف أو تقدَّمت رؤيته العقد بزمنٍ يسيرٍ متغيرًا؛ فله الفسخ، ويحلف إن اختلفا.

هذا تكلمنا عنه فيما سبق، لما ذكرنا في شروط البيع أن المبيع لا بد أن يكون معلومًا برؤيةٍ أو صفةٍ، لكن إذا اشتراه بالصفة ثم وجد أن الصفة مختلفةٌ، مثلًا قال: أنا عندي سيارةٌ، موديلها كذا، لونها كذا، صفتها كذا، ذكر الأوصاف التي يختلف بها الثمن، قال: بِعني هذه السيارة، قال: بعتك، قال: قبلت، لما أحضر البائع السيارة؛ إذا ببعض الأوصاف مختلفةٌ، مثلًا قال: إن موديلها: 2010، تبيَّن أن موديلها: 2009 مثلًا، أو قال: لونها مثلًا كذا، فتبيَّن أن لونها لونٌ آخر، فهنا يثبت له الخيار، يثبت للمشتري الخيار، وهذا يسميه الفقهاء: خيار الخُلْف في الصفة.

“ويحلف إن اختلفا” يعني: إن اختلفا في ذلك؛ فيلجآن إلى اليمين، ففي هذه الحال يحلف المشتري: أنه إنما اشتراها بهذه الصفة، ويكون له الخيار.

السابع: خيار الخُلْف في قدر الثمن

السابع: خيار الخُلْف في قدر الثمن.

إذا اختلفا في قدر الثمن، وضح هذا المؤلف، قال:

فإذا اختلفا في قدره؛ حلف البائع: ما بعته بكذا، وإنما بعته بكذا، ثم المشتري: ما اشتريته بكذا، وإنما اشتريته بكذا، ويتفاسخان.

لو قال البائع: بعتك هذه السلعة بعشرةٍ، وقال المشتري: بل اشتريتها منك بتسعةٍ، إن وُجدت بينةٌ؛ فالقول قول صاحب البينة، إن لم توجد بينةٌ؛ فيقول المؤلف: إنهما يتحالفان ويتفاسخان، يعني: يحلف البائع: أنه ما باعها بكذا، وإنما باعها بكذا، ويحلف المشتري: أنه ما اشتراها بكذا، وإنما اشتراها بكذا، ثم بعد ذلك يفسخان العقد.

إن نَكَل أحدهما عن الحلف؛ فيكون القول قول صاحبه، قول الآخر.

وقال بعض أهل العلم، وهو القول الثاني في المسألة: إن القول في هذه المسألة قول البائع، إن القول قول البائع بيمينه؛ لحديث ابن مسعودٍ السابق: إذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بيِّنةٌ؛ فالقول ما قال البائع أو يترادَّان [12].

وبعض أهل العلم يرى أن القول بالتحالف ثم فسخ العقد يرجع للقول الثاني؛ لأننا إذا قلنا: إنهما يتفاسخان ويتحالفان، في الحقيقة: أننا اعتبرنا أن القول قول البائع، وأن السلعة ستعود للبائع، والبائع يُرجِع الثمن على المشتري؛ ولهذا قال الموفق بن قدامة رحمه الله: “ويحتمل أن يكون معنى القولين واحدًا، وأن القول قول البائع مع يمينه، فإذا حلف فرضي المشتري بذلك؛ أخذ به، وإن أبى؛ حلف أيضًا وفسخ البيع”.

المقصود: أنهما إن اختلفا في الثمن تَحَالفا وفَسَخا العقد، والبائع يأخذ سلعته، ويرد على المشتري الثمن، هذا يسمى: “خيار الخُلْف في قدر الثمن”.

هذه الآن سبعة أقسامٍ، أضاف بعض الفقهاء قسمًا ثامنًا، وقد ذكره صاحب “الزاد”، صاحب “زاد المستقنِع” ذكر ثمانية أقسامٍ، بينما هنا صاحب “دليل الطالب” ذكر سبعة أقسامٍ.

القسم الثامن: الخيار بتَخْبِير الثمن

وهو الخيار الذي يثبت فيما إذا أخبره بالثمن ثم تبيَّن أن الثمن أقل؛ كأن يقول: أبيعك هذه السلعة برأس مالي، ورأس ماله هو عشرة آلافٍ، ثم تبيَّن أنه كاذبٌ، وأن رأس ماله تسعة آلافٍ، أو يقول: أُشركك معي برأس مالي، ورأس مالي مئة ألفٍ، ويتبيَّن أنه كاذبٌ، وأن رأس ماله تسعون ألفًا، أو يقول: أبيعك هذه السلعة بربح كذا، ورأس مالي فيها كذا، ثم تبيَّن أنه كاذبٌ، أو أبيعك هذه السلعة بنقص كذا، وعن رأس مالي، ورأس مالي كذا، ثم تبيَّن أنه كاذبٌ، هذه صورٌ أربعٌ.

فإذا تبيَّن أن رأس المال خلاف ما أخبره به؛ فله الخيار بين الإمساك وبين الرد.

والقول الثاني في المسألة: أنه لا خيار للمشتري في هذه الحال، وإنما يُجرى الحكم على الثمن الحقيقي، ويُحَطُّ القدر الزائد، فإذا قال: أبيعك هذه السلعة برأس مالي، ورأس مالي عشرة آلافٍ، ثم تبيَّن أن رأسه ماله تسعة آلافٍ، نقول: لا خيار للمشتري، وإنما يُجبر البائع على أن يُعطيه ألف ريالٍ، نقول: أنت -أيها البائع- أعطه ألف ريالٍ والبيع تامٌّ، وهذا هو القول الراجح: أنه لا خيار، وإنما يُجبَر البائع على أن يعطيه الفرق الذي قد كذب فيه؛ وذلك لأن الأصل هو لزوم البيع وعدم ثبوت الخيار للمشتري، هذا هو الأصل بعد التفرق بالأبدان، ولا نَخرج عن هذا الأصل إلا بأمرٍ واضحٍ؛ ولهذا -على القول الراجح- لا نعتبر هذا من أقسام الخيار، وهذا هو الذي مشى عليه المؤلف، فلم يعتبره قسمًا ثامنًا من أقسام الخيار؛ وبناءً على هذا نقول: الصحيح هو ما مشى عليه المؤلف “صاحب دليل الطالب”: وهو أن أقسام الخيار سبعةٌ، لا ثمانيةٌ، وأن القسم الثامن الذي أضافه صاحب “الزاد” وبعض فقهاء الحنابلة: أن الصحيح هو عدم اعتباره.

متى يملك المشتري المبيع؟

ثم قال المؤلف رحمه الله:

فصلٌ
ويملك المشتري المبيع مطلقًا بمجرد العقد.

المبيع يُملك بمجرد العقد والتفرق من مكان التبايع بالأبدان، فيملك المبيع مباشرةً.

هل يشترط نقد الثمن؟ مثلًا: عندما أقول: بعتك هذه السيارة، تقول أنت: قبلت، تفرَّقنا من مكان التبايع بالأبدان، هل يُشترط للتملك أن يعطيك الثمن أو لا يشترط؟ لا يشترط، فينتقل الملك مباشرةً للمشتري.

قال:

ويصحُّ تصرُّفه فيه قبل قبضه.

يعني: يصح تصرف المشتري في المبيع قبل قبضه.

وإن تلف؛ فمن ضمانه.

يعني: من ضمان المشتري.

حكم التصرف في المبيع قبل قبضه

إلا المبيع بكيلٍ أو وزنٍ أو عَدٍّ أو ذَرْعٍ، فمن ضمان بائعه حتى يقبضه مشتريه، ولا يصح تصرفه فيه.. إلخ.

هذه المسألة: هي مسألة ما إذا اشترى شيئًا، فهل يُشترط أنه لا يتصرف فيه حتى يقبضه؟ أو لا يشترط هذا الشرط؟

المؤلف فرَّق فقال: إن كان المبيع بكيلٍ أو وزنٍ أو عَدٍّ أو ذرعٍ؛ فإنه لا يجوز بيعه حتى يقبضه، وما عدا ذلك فيجوز بيعه والتصرُّف فيه قبل قبضه، هذا هو القول الذي مشى عليه المؤلف، وهو المشهور من مذهب الحنابلة، فعندهم أنه يجوز للمشتري أن يتصرف في المبيع قبل قبضه، إذا لم يكن طعامًا ولا يحتاج إلى كيلٍ أو وزنٍ أو عَدٍّ أو ذرعٍ، واستدلوا بقول النبي : من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه [13]، متفقٌ عليه، قالوا: فالنبي إنما خص الطعام؛ فيكون هذا الحكم خاصًّا بالطعام ونحوه مما يحتاج إلى كيلٍ أو وزنٍ أو عدٍّ أو ذرعٍ، فهذا لا يتصرف فيه المشتري حتى يقبضه، ما عدا ذلك يصح أن يتصرف فيه قبل قبضه.

والقول الثاني في المسألة: أنه لا يصح ولا يجوز التصرف في المبيع قبل قبضه مطلقًا، سواءٌ كان طعامًا أم غير طعامٍ، وهذا القول روايةٌ عن الإمام أحمد، وهو القول الراجح، وقد اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى، وهو أيضًا اختيار شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ والشيخ محمد بن عثيمين رحمهما الله، وهو ظاهر الأدلة؛ ولذلك ابن عباس رضي الله عنهما -راوي الحديث- لمَّا روى عن النبي أنه قال: من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه، قال: ولا أحسب غيره إلا مثله [14]، ثم أيضًا جاء في روايةٍ عند أحمد: إذا اشتريت شيئًا فلا تبعه حتى تقبضه [15]، قال: شيئًا، وهذا يشمل كل شيءٍ.

وأيضًا جاء عند أبي داود عن زيد بن ثابتٍ  أن النبي نهى أن تُباع السلع حيث تُبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم [16].

“نهى أن تباع السلع حيث تُبتاع”، يعني: في المكان الذي تُبتاع فيه، نهى أن تُباع السلع حيث تُبتاع حتى يحُوُزها التجار إلى رحالهم.

فهذه الأدلة تدل على أن هذا الحكم ليس خاصًّا بالطعام، وإنما يشمل الطعام، ويشمل كذلك غيره؛ فإذنْ هذا هو القول الراجح، فيكون الصواب هو خلاف ما ذهب إليه المؤلف؛ فمعنى ذلك: أن هذا يشمل السيارات، يشمل العقار، يشمل جميع السلع، لا يجوز بيعها إلا بعد قبضها، ولا يجوز التصرف فيها إلا بعد قبضها، هذا هو القول الراجح في المسألة، وهو أن ذلك لا يختص بالطعام، لكن كيف يكون القبض؟ ذكر المؤلف هذا في الفصل الآتي، وسنأتي إليه بعد قليلٍ بعدما نتكلم عن المسألة التالية.

لكن نعود لعبارة المؤلف، قال:

ولا يصح تصرفه فيه ببيعٍ أو هبةٍ أو رهنٍ قبل قبضه.

يعني: الطعام، وقلنا: الصواب أنه الطعام وغير الطعام.

حكم المبيع إذا تلف قبل قبضه

وإن تلف بآفةٍ سماويةٍ قبل قبضه؛ انفسخ العقد.

لأنه من ضمان البائع إذا كان قبل القبض، فظاهرٌ أنه ينفسخ العقد، أنا بعتك هذه السيارة، لكن أنت لم تقبضها؛ فتكون من ضمان البائع.

وبفعل بائعٍ أو أجنبيٍّ.

يعني: لو كان التلف بفعل البائع، أو بفعل أجنبيٍّ.

خُيِّر المشتري بين الفسخ، ويرجع بالثمن أو الإمضاء.

يعني: يكون للمشتري في هذه الحال الخيار بين الفسخ ويرجع بالثمن، أو الإمضاء ويطالب من أتلفه ببدله، فيطالب المُتلِف بالبدل، له ذلك، وله أن يفسخ العقد مباشرةً.

قال:

والثمن كالمُثْمَن في جميع ما تقدم.

يعني: في التلف، هذا إذا كان معيَّنًا، أما إذا كان في الذمة؛ فله أخذ بدله حتى وإن تلف قبل قبضه؛ لاستقراره في ذمته.

تجد الفقهاء يتكلمون في الثمن؛ لأنه في زمنهم كانت الدنانير والدراهم، وكان بعضها يكون مغشوشًا، فيُجرون عليها مثل هذه الأحكام، لكن في وقتنا الحاضر أصبحت بالأوراق النقدية؛ ولذلك كثيرٌ من الأحكام التي كان يذكرها الفقهاء فيما سبق، ربما لا نحتاج لها في الوقت الحاضر.

بقيت المسألة التي أشرنا إليها: كيف يحصل القبض؟ نحن رجحنا: أنه لا يجوز للمشتري التصرف في المبيع حتى يقبضه، وأن هذا ليس خاصًّا بالطعام، يشمل كل شيءٍ.

كيف يكون قبض المبيع؟

قال المؤلف:

يحصل قبض المكيل بالكيل، والموزون بالوزن، والمعدود بالعَدِّ، والمذروع بالذَّرع.

فما كان يُكال بالكيل، وما كان يُوزن بالوزن.

وأنا أسألكم الآن سؤالًا تكررت الإشارة إليه في الدروس السابقة، لكن من باب التذكير: ما هو الفرق بين الكيل والوزن؟

مداخلة:

الشيخ: أحسنت، المكيل: هو تقدير الشيء بالحجم، والموزون: تقدير الشيء بالثِّقَل؛ فمثلًا: عندما أقول: هذا صاعٌ، صاعٌ أملؤه بأرزٍ أو تمرٍ أو بُرٍّ، خفيف أو ثقيل هو صاعٌ، لكن الثِّقَل يعني: أَزِنه وزنًا بالجرامات مثلًا في الوقت الحاضر، فهذا وزنٌ، والناس في الوقت الحاضر يكادون يهجرون الكيل، وانتقلوا للوزن في كل شيءٍ.

وأيهما أدَقُّ؟ الكيل أو الوزن؟ الوزن أدق؛ ولذلك أصبحوا يزنون كل شيءٍ، حتى الحيوانات الآن بعضها يباع بالوزن، فأصبحوا يبيعون كل شيءٍ بالوزن؛ لأن الوزن أدق بكثيرٍ من الكيل.

إذنْ ما كان يكال؛ كالحبوب: فيكون قبضها بالكيل، وما كان يوزن: يكون بالوزن، وما كان معدودًا: بالعد، وما كان مذروعًا: بالذرع.

نحن رجحَّنا: أن قبض المبيع يجب قبل التصرف فيه مطلقًا، سواءٌ كان طعامًا أم غير طعامٍ.

طيب، غير هذه التي ذكرها المؤلف، كيف يكون القبض فيها؟

نقول: الجواب: القبض المرجع فيه إلى العرف، وقبض كل شيءٍ بحسبه، فقبض الأغنام يختلف عن قبض الذهب، يختلف عن قبض الأواني، يختلف عن قبض العقار، يختلف عن قبض الأوراق النقدية؛ فمثلًا عندنا قبض السيارات، نقول: كيف يكون قبض السيارات؟ إذا اشتريت سيارةً لا يجوز أن تبيعها حتى تقبضها، كيف يكون قبض السيارة؟

مداخلة:

الشيخ: هناك ثلاثة أقوالٍ في المسألة:

  • القول الأول: أنه لا بد من إخراج السيارة من المعرض إذا كانت في معرضٍ، أو نقلها من مكانها إذا كانت في غير معرضٍ للسيارات.
  • والقول الثاني: تحريكها، فإذا كانت داخل المعرض يُحرِّكها، يقدمها يمينًا، يسارًا.
  • والقول الثالث: أنه تكفي حيازة البطاقة الجمركية الأصلية والأوراق الثبوتية، وهذا هو القول الصحيح، وهذا هو العُرف عند أصحاب السيارات، أنه يكفي في القبض حيازة البطاقة الجمركية الأصلية والأوراق الثبوتية.

وأما نقلها من المعرض في الحقيقة فيه ضررٌ كبيرٌ على صاحب السيارة، ضررٌ كبيرٌ على المشتري؛ لأنه إذا نقلها؛ تنقُص قيمتها مباشرةً، ربما تنقص بالآلاف أحيانًا، يعني: تنقُص ربما أحيانًا ألفين، ثلاثة آلافٍ، أو أكثر، ثم أيضًا إذا سألنا أهل السيارات: ما هو العُرف عندكم في القبض؟ ما تجد أحدًا منهم يقول: العُرف هو إخراجها من المعرض، يقول: هو حيازة الأوراق الثبوتية والبطاقة الجمركية الأصلية؛ ولذلك من حاز البطاقة الجمركية الأصلية وتَلَفت، السيارة من ضمانه، وليست من ضمان صاحب المعرض.

وأما القول بأنه يُحرِّكها في المعرض، هذا في الحقيقة أشبه بالعبث، فما الفائدة؟ يقدِّم السيارة ثم يؤخرها! هل تأتي بمثل هذا الشريعة، أرى أن هذا قولٌ ضعيفٌ، تحريكها وتقديمها ثم تأخيرها، أرى أن هذا قولٌ ضعيفٌ، وأن هذا أشبه بالعبث؛ ولذلك فالصواب: أنه يكفي حيازة البطاقة الجمركية الأصلية.

“اللجنة الدائمة” كانت في السابق تُفتي أنه لا بد من إخراجها من المعرض؛ لذلك تجدونها في فتاوى اللجنة، وحدثني أحد المشايخ من أعضاء اللجنة: أن اللجنة في الوقت الحاضر يعني حاليًّا تُفتي بأنه يكفي في القبض حيازة البطاقة الجمركية الأصلية.

قبض العقار، كيف يكون قبض العقار؟

مداخلة:

الشيخ: يعني بالإفراغ؟ نعم، قبض العقار بالتخلية، ما يُشترط الإفراغ، ولا يُشترط أيضًا في السيارة نقل الملكية، هذه أمورٌ إجرائيةٌ، لكن لا تشترط، فالعقار بالتخلية، يُعطيك المفاتيح، تستطيع أن تنتفع بهذا العقار؛ تنام فيه، تؤجِّره، تستفيد منه، فبالتخلية.

قبض مثلًا الأغنام يكون بأي شيءٍ؟

مداخلة:

الشيخ: نسأل أرباب الأغنام والمواشي: كيف يكون القبض عندهم؟

مداخلة:

الشيخ: يعني وضعُها مثلًا في الحوش، في الحظيرة، هذا كافٍ في قبضها، لكن لو فعلت هذا بالنسبة للذهب، أو الأوراق النقدية؛ ما يُعتبر هذا قبضًا؛ فإذنْ قبضُ كل شيءٍ بحسبه، والمرجع في ذلك إلى العرف.

سننتهي، ثم نتيح فرصةً للسؤال.

قال:

بشرط حضور المستحِق أو نائبه.

يعني: لا بد أن يحضر المستحِق أو نائبه، يعني: وكيله، فلا يكفي أن يقول: إنه قد قبض ذلك دون حضور المستحق؛ وذلك لحديث عثمان أن النبي قال: إذا بعت فَكِلْ، وإذا ابتعت فاكتل [17]، رواه أحمد والبخاري تعليقًا.

وأجرة الكيَّال والوزَّان والعدَّاد والذَّرَّاع والنَّقَّاد على الباذل.

الذي هو البائع، ولهذا نجد لو أن المؤلف قال: “على البائع”؛ لكان أوضح في العبارة، وتجد أن الموفَّق في “المغني” عبَّر بـ”البائع”، أتى بهذه العبارة وعبر بـ”البائع”؛ وذلك لأن البائع عليه تقبيض المَبيع للمشتري، والقبض لا يحصل إلا بذلك، فكانت الأجرة على البائع، كما أن على بائع الثمرة سقيها إلى حين أن يقبضها المشتري.

وهنا “الكيَّال والوزَّان والعدَّاد والذَّرَّاع” معروفٌ، لكن النَّقَّاد؟

“النَّقَّاد” المقصود به: الشخص الذي يكشف زيف النَّقد، كان عندهم في السابق -كما ذكرت- يتبايعون بالدراهم والدنانير، بعضها يكون مزيفًا، وبعضها تكون مغشوشةً ومزيفةً، فكانوا يعرضونها على النَّقَّاد؛ لينظر هل هي مزيفةٌ أو غير مزيفةٍ، ربما عندنا لكن على مستوًى منحصرٍ، يعني: الأوراق النقدية هل هي مغشوشةٌ أو مزيفةٌ أو لا، لكن عندهم في السابق التزييف كان منتشرًا؛ لأن الدنانير والدراهم يكثر فيها التزييف، فكانوا يُعطونها هذا الشخص، هذا الشخص يسمى “نَقَّادًا”، وكان يكون له أجرةٌ، فيقول: أجرة هذا النقاد على البائع.

أما أجرة النقل، قال:

وأجرة النقل على القابض.

يعني المشتري؛ وذلك لأن أجرة النقل لا يتعلَّق بها حق التوفية، فكانت على المشتري، بخلاف ما ذُكر، فيتعلق بها حق التوفية؛ فكانت على البائع، يعني: حق توفية المبيع للمشتري، إذا كانت متعلقةً بالسلعة، فهي على البائع، أما إذا كانت لا تتعلَّق بالسلعة -كما في أجرة النقل- فهي على المشتري.

قال:

ولا يضمن ناقدٌ حاذقٌ أمينٌ خطأً.

يعني قلنا: إن الناقد: هو الذي يقوم بتمييز زائف الدراهم من صحيحها، لو قُدِّر أنه أخطأ في ذلك، سواءٌ كان متبرعًا أو كان بأجرةٍ؛ فإنهم يقولون: لا يضمن، لا يضمن إذا كان حاذقًا، إذا كان حاذقًا؛ فإنه لا يضمن؛ لأنه أمينٌ، ما لم يحصل منه تعدٍّ أو تفريطٌ في ذلك.

مسألة الإقالة

آخر مسألةٍ معنا، قال:

وتُسن الإقالة للنادم من بائعٍ ومشترٍ.

“وتُسن الإقالة”، ما هي الإقالة؟

“الإقالة”: هي فسخ أحد المتعاقدين العقد عند ندم الآخر، مثال ذلك: اشتريتَ سيارةً بمئة ألفٍ، ثم لزم البيع بالتفرق بالأبدان، لمَّا ذهبتَ للبيت؛ ندمت، ذهبت للمشتري، قلت: يا فلان أَقِلْني، فهنا الإقالة مستحبةٌ، يستحب للبائع أن يُقيلك ويفسخ العقد، ويعطيك الثمن ويأخذ سيارته، لكنها ليست واجبةً؛ لأن البيع عقدٌ لازمٌ.

وإنما قلنا: إنها مستحبةٌ؛ لأن البيع عقدٌ لازمٌ، ووجه استحبابها: هو قول النبي : من أقال مسلمًا بيعته؛ أقال الله عثرته [18]، أخرجه أبو داود وابن ماجه، وفي رواية ابن حبان: من أقال نادمًا عثرته؛ أقال الله عثرته يوم القيامة [19]، وهذا يدل على أنه يستحب للمسلم أن يُقيل أخاه المسلم عند ندمه على بيعٍ أو شراءٍ، وأنه موعودٌ بأن يُقيل الله عثرته يوم القيامة، ثم إن تلك الإقالة ربما تكون سببًا لحلول البركة.

وهنا مسألةٌ متعلقةٌ بالإقالة، طبعًا هناك خلافٌ بين الفقهاء: هل هي فسخٌ أو بيعٌ؟ على قولين مشهورين، والصحيح: أنها فسخٌ، وليست بيعًا.

الإقالة بأكثر من ثمن المبيع

هناك مسألةٌ مهمةٌ، وهي يكثر السؤال عنها والاستفتاء فيها، ولعلنا نختم بها الدرس: هل تجوز الإقالة بأكثر من الثمن الذي وقع عليه العقد؟ نوضح هذا بمثالٍ: رجلٌ اشترى له عمارةً بنصف مليونٍ مثلًا، ثم إنه ندم، ذهب للبائع، قال: أقلني، قال: أُقيلك لكن بشرط أن تعطيني عشرة آلاف ريالٍ، تعطيني عوضًا، ما أقيلك مجانًا، فهل هذا يجوز أم لا؟

هذه مسألةٌ يكثر السؤال عنها، وهذه قد اختلف فيها الفقهاء على قولين مشهورين:

  • القول الأول: أن ذلك لا يجوز، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة؛ قالوا: لأن العقد إذا ارتفع بفسخه؛ رجع كلٌّ من المتبايعين بما كان له، فلم تَجز الزيادة على الثمن، يعني: مجرد تعليلٍ، ليس لهم إلا هذا التعليل.
  • القول الثاني في المسألة: أنه تجوز الزيادة على الثمن الذي وقع عليه العقد، فيجوز للبائع أو للمشتري أخذ عوضٍ على تلك الإقالة، وهذا القول رُوي عن الإمام أحمد في رواية الأثرم، كما ذكر ذلك الحافظ ابن رجبٍ في “قواعده”، ووجه هذا القول: أن الإقالة لما كانت فسخًا للعقد، فإن الزيادة هي بمثابة الصلح بينهما، ثم إن ذلك قياسٌ على بيع العربون، فإنه في العربون يأخذ البائع العربون من المشتري لو لم يستمر المشتري في العقد؛ فكذلك هنا، يأخذ أحد المتعاقدين عوضًا من الآخر نظير عدم استمراره في العقد.

ثم إنه ليس في هذا ربًا، وليس في هذا جهالةٌ ولا غررٌ، ولا ميسرٌ، وفيه مصلحةٌ للناس، فيه مصلحةٌ لمن أُقيل، ومصلحةٌ للطرف الآخر، فهذا الذي أُقيل، مثلًا: اشترى بيتًا بنصف مليونٍ، لا شك أنه إذا قلنا بالجواز؛ سيفرح، يقول: أدفع العشرة الآلاف ريالٍ، ولا أشتري هذا البيت الذي لا أرغبه، وهكذا لو كان العكس، لو كان البائع هو الذي ندم، يقول: يعود إليَّ بيتي وأخسر فقط عشرة آلاف ريالٍ مثلًا، ففيها مصلحةٌ، وليس في ذلك لا جهالةٌ ولا غررٌ ولا ربًا ولا ميسرٌ، وما كان كذلك؛ فإن أصول وقواعد الشريعة لا تمنع منه، وهذا هو القول الراجح -والله أعلم- في هذه المسألة، وقد اختاره الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.

فالصواب إذنْ: أنه يجوز أخذ العوض على الإقالة، ففي مثالنا السابق: هذا الشخص الذي اشترى بيتًا بنصف مليونٍ، وطلب من البائع أن يقيله، قال: ما أقيلك إلا بعشرة آلاف ريالٍ، نقول: يجوز أن تعطيه عشرة آلاف ريالٍ نظير أن يُقيلك، وإن كان الأفضل أن يفعل ذلك من دون مقابلٍ.

ونكتفي بهذا القدر، ونقف عند باب الربا.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.

نذكِّر الإخوة بوجود القُرْص الأول الذي يحتوي على كتاب الطهارة، والقرص الثاني الذي يحتوي على جُلِّ كتاب الصلاة، والقرص الثالث الذي يحتوي على أواخر كتاب الصلاة وحتى كتاب الجهاد، وكلها متوافقةٌ مع أنظمة الخيارات.

طالب: شيخنا يوجد اقتراحٌ.

الشيخ: نعم.

الطالب: سأقرأ الاقتراح كما ورد، يقول: فضيلة الشيخ، حفظكم الله، نرجو منكم منع هذا التصوير، واحتساب الأجر، فأهم شيءٍ البركة، أسأل الله أن يغفر لنا ذلك، جزاكم الله خيرًا.

الشيخ: أولًا: تسميته “تصويرًا”، هذا غير دقيقٍ، هو ليس تصويرًا، هذا الذي يسمى “تصويرًا فوتوغرافيًّا”، أو “التصوير التلفزيوني”، هو ليس تصويرًا على القول الصحيح، وإنما هو عكسٌ للصورة الحقيقية التي خلقها الله ، ثم إن علة النهي عن التصوير ما هي؟ ما هي علة النهي عن التصوير؟ المضاهاة لخلق الله تعالى، وهل هذه التي تُسمى الآن “صورًا فوتوغرافيةً” و”تلفزيونيةً”، هل فيها مضاهاةٌ لخلق الله؟ أو أنها صورة الإنسان الحقيقية كما خلقها الله؟

في الحقيقة أنه ليس فيها مضاهاةٌ لخلق الله، هي صورته الحقيقية كما خلقه الله تعالى، وإلا لو قلنا بهذا؛ لقلنا إذنْ صورة الإنسان في المرآة هي صورةٌ، ومع ذلك ما يوجد أحدٌ قال بتحريمها، فالصورة الفوتوغرافية والتلفزيونية هي كصورة الإنسان في المرآة، لكنها عُولجت بطريقةٍ تقنيةٍ؛ ولذلك لا تدخل أصلًا في مسمى “التصوير”، يعني: المسألة مسألة تحقيق مناطٍ؛ ولذلك عندنا هنا في المملكة ما كانت تسمى من قبل “صورةً” أو “تصويرًا”، كانت تسمى “عكسًا”، هذا هو الوصف الدقيق لها: أنها “عكسٌ” وليست صورةً.

ولهذا فالقول: إنه تصويرٌ، حقيقةً يلزم عليه لوازم؛ لأن التصوير من كبائر الذنوب، وأشد الناس عذابًا يوم القيامة عند الله: المصوِّرون، يلزم على القول بأنه تصويرٌ: أن الإنسان ما يُدخل التلفاز إلى بيته، حتى لو كانت قناةً محافظةً، حتى لو كانت “قناة المجد” أو غيرها، ما يجوز إذا قلنا: إنه تصويرٌ؛ لأن الصور تمنع دخول الملائكة البيت، وكما قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: “لا نجرؤ على أن نُؤَثِّم أكثر الأمة بأمرٍ غير واضحٍ”، يمكن 90% أو أكثر من المسلمين عندهم هذه الأمور، هذه الوسائل، وهذه الأجهزة، فلا نجرؤ ونجزم بتأثيمهم، وأنهم ارتكبوا كبيرةً من كبائر الذنوب، بل مرتكب الكبيرة يسمى “فاسقًا”، فلا نجرؤ على ذلك إلا بأمرٍ واضحٍ، وهذا الأمر ليس واضحًا؛ ولذلك فإن التصوير هو ما كان فيه مضاهاةٌ لخلق الله تعالى، يتحقق ذلك بالنحت، يعني: التماثيل، ويتحقق ذلك أيضًا بالرسومات، فإن فيها مضاهاةً واضحةً وظاهرةً لخلق الله .

نأخذ الأسئلة:

الأسئلة

السؤال: أحسن الله إليكم، هذا سائلٌ من المملكة المتحدة، أرجو توضيح معنى الأرش في خيار العيب بالمثال؛ لأنه لم يتضح لي.

الجواب: نعم، نحن ذكرنا أن القول الراجح: هو عدم القول بالأرش؛ ولذلك مَن أخذ بهذا القول يستريح، ما يوجد داعٍ أن يفهم المثال، لكن على القول بالأرش، أو ربما في الأحوال التي يتعيَّن فيها الأرش، نحن قلنا: إذا تعذر الرد؛ تعيَّن الأرش، فالأرش، نقول: هو قسط ما بين قيمة الصحيح والمعيب، يعني: النسبة، القسط معناه: النسبة ما بين قيمة الصحيح وقيمته معيبًا، فإذا قُدِّرت قيمة هذه السلعة صحيحةً بمئة ألفٍ، وقيمتها معيبةً بثمانين ألفًا؛ فالفرق بينهما هو عشرون ألفًا، عشرون ألفًا نسبتها إلى القيمة -إلى المئة ألفٍ- أنها 20%، يعني: الخُمس، فالخُمس هذا نطرحه من الثَّمَن، فإذا كان اشترى هذه السلعة مثلًا بتسعين ألفًا؛ نطرح خُمس التسعين ألفًا، هذا هو المقصود بقسط ما بين قيمته صحيحًا ومعيبًا.

السؤال: أحسن الله إليكم، أريد شرحًا حرفيًّا، وتوضيحًا للعبارة: “الخَرَاج بالضمان”؟

الجواب:“الخَرَاج بالضمان”، هذه وردت في قصة رجلٍ اشترى عبدًا من آخر، ثم إنه بعد مدةٍ اكتشف أن به عيبًا، فأراد أن يرده، فأمره النبي بأن يردَّه، فقال البائع: خَرَاجه يا رسول الله، يعني: هذا العبد كل يومٍ يعمل، وله غلةٌ، يأتي بخَرَاجٍ، يأتي بغلةٍ، فأريد خَرَاجه، فقال النبي الخَرَاج بالضمان [20].

يعني: الخَرَاج للمشتري، الغلة للمشتري؛ لأنه لو تلف هذا المبيع، الذي هو في هذا المثال: العبد؛ لكان عليه الضمان، فكما أن عليه الضمان؛ فله أيضًا الخَرَاج، فالغُنْم مقابل الغُرْم، ليس من العدل ولا من الإنصاف أن نقول: أنت -أيها المشتري- لو تلف المبيع؛ تتحمل الخسارة، لكن إذا ربح؛ ليس لك الربح، الربح للبائع، هذا ليس من الإنصاف؛ فلهذا قال النبي : الخَرَاج بالضمان، كأنه يقول: الغُنْم بالغُرْم، أو الربح مقابل الخسارة لو تلف، هذا هو معنى الحديث، وهذه قاعدةٌ فقهيةٌ، أصبحت قاعدةً فقهيةً، من القواعد الفقهية: قاعدة: “الخَرَاج بالضمان”.

السؤال: أحسن الله إليكم، أحد الزملاء نزل له قرضٌ في الصندوق العقاري، وأراد بيعه لي بسيارةٍ، هل يجوز ذلك؟ علمًا بأن البنك سوف نأخذ منهم موافقةً بعد سنةٍ من أخذ القرض، والشخص الذي تنازل عن القرض محل ثقةٍ؟

الجواب: الذي يظهر: أنه إذا كان التنازل مقابل عوضٍ غير نقديٍّ؛ فإنه لا بأس به، كما في مثال الأخ أنه سيارةٌ؛ وذلك لأن هذا الذي له حقٌّ في القرض في البنك العقاري، إذا ظهر اسمه واستحق القرض، أما قبل أن يظهر اسمه، قبل أن يستحق القرض، لا يجوز؛ لأنه جهالةٌ وغَرَرٌ، لكن إذا ظهر اسمه؛ استحق القرض، فبدل أن يستلم القرض، أراد أن يبيعه لشخصٍ آخر، إذا كان ذلك بنقدٍ فإنه لا يجوز؛ لأنه يؤول إلى أن تكون المسألة بيع نقدٍ بنقدٍ مع التفاضل؛ فيقع الربا.

أما إذا كان بغير نقدٍ؛ فلا بأس به؛ لأنه يؤول إلى المعاوضة عن حقِّه النقدي بعِوَضٍ غير نقديٍّ، بسيارةٍ، بأرضٍ، المهم بشيءٍ غير نقديٍّ، هذا لا بأس به، لا أعلم محظورًا يمنع من هذا، إذا كان بعِوَضٍ غير نقديٍّ.

حتى بعض أهل العلم يرى أنه حتى لو كان العوض نقديًّا، يقولون: إن هذا الذي ظهر اسمه، إنما باع حقَّه، ولم يبع أصلًا القرض، لكن الذي يظهر لي: أن هذا وإن كان ربما يُسلَّم به؛ إلا أن المسألة تؤول إلى المعاوضة عن نقدٍ بنقدٍ أكثر منه، فيظهر لي فيها المنع، أنه لا يجوز، ولذلك نقول: حتى يخرج منها؛ يُعاوض بغير نقدٍ، بسيارةٍ، بأرضٍ، بشيءٍ غير نقديٍّ.

السؤال: أحسن الله إليكم، ما معنى: “الأصل عدم القبض في الجزء الفائت”؟

الجواب: نعم، يعني: المبيع عندما كان فيه عيبٌ، المشتري لما دفع الثمن؛ دفعه عن جميع أجزاء المبيع، فهذا القدر الذي فيه عيبٌ، المشتري لم يقبضه بعد، فالأصل عدم قبض هذا الجزء الفائت بالعيب؛ فكان له الخيار.

السؤال: أحسن الله إليكم، ما حكم الشرط الجزائي؟

الجواب: الشرط الجزائي على قسمين:

  • القسم الأول: أن يكون في غير الديون، فلا بأس به؛ كأن يكون في مقاولةٍ مثلًا، أو في عقدٍ من العقود غير المالية، يعني مثلًا تقول: تبني لي عمارةً في ستة أشهرٍ، فإن تأخرت؛ أحسب عليك شرطًا جزائيًّا، خصم مئة ريالٍ عن كل يومٍ، هذا لا بأس به، أو مثلًا: استقدام عاملٍ خلال مدةٍ لا تزيد على ثلاثة أشهرٍ، إن تأخرت..، الآن تفعله بعض مكاتب الاستقدام، إن تأخرت؛ فعليك شرطٌ جزائيٌّ بدفع غرامةٍ قدرها كذا، أو مثلًا: عند خيار الثوب، تخيط لي الثوب خلال أسبوعٍ، إذا تأخرت؛ أخصم عليك من الأجرة عن كل يوم تأخير مبلغًا قدره كذا، هذا لا بأس به، وصدر به قرار من “المجمع الفقهي”، ومن مجلس “هيئة كبار العلماء” بجوازه.
  • أما إذا كان الشرط الجزائي في الديون؛ فهذا لا يجوز، وهذا هو ربا الجاهلية، إنْ حلَّ الدَّين على المدين؛ قال: إما أن تقضي وإما أن تُربي، هذا نظير الشرط الجزائي في الديون، فمثلًا يقول: أنا أبيعك بالتقسيط، لكن إذا تأخرت عن قسطٍ من الأقساط؛ أحسب عليك غرامةً قدرها كذا، هذا لا يجوز، هذا شرطٌ جزائيٌّ في الديون، وهو مُحرَّمٌ، وهو نظير ربا الجاهلية: إما أن تقضي وإما أن تُربي، يعني: إذا حلَّ الدَّين على المدين، وأتى الدائن ليطلب حقه، يقول له: إما أن تقضي هذا الدَّين، وإما أن أُنْظِرَك وأزيد عليك في قدر الدِّين، هذا هو ربا الجاهلية المحرم.

بعض البنوك تمارس الشرط الجزائي في الديون، ويقولون: لا نأخذ هذه الغرامة، وإنما نضعها في وجوه البر، بعض البنوك تفعل هذا، تجدونه في بعض العقود، يقولون: إذا تأخر المشتري عن سداد قسطٍ من الأقساط؛ يُحسب عليه غرامةٌ قدرها كذا، عن كل يوم تأخير، وتُصرف في وجوه البر، وهؤلاء أفتى لهم بعض المشايخ، والواقع أن هذه المعاملة محرمةٌ، وأنها ربًا، وقد تتبعت هذه المسألة ولم أجد من قال بهذا القول على مدار أربعة عشر قرنًا، وأول من قال بها: الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله، وتبعه على ذلك بعض المشايخ.

ثم أيضًا لما أرادوا أن يُطبِّقوها في البنوك؛ لم يطبقوها تطبيقًا صحيحًا؛ فكان كثيرٌ من النبوك التي فعلت هذا لا تأخذ هذا المال وتضعه في وجوه البر، فطبقوه تطبيقًا غير صحيحٍ، وقد كتبت في هذا بحثًا نُشر في “مجلة البحوث الفقهية المعاصرة”، وموجودٌ في الموقع بعنوان: “الزمن في الديون”، تتبعت هذه المسألة، وخرجت إلى القول بأن هذا ربًا، وأنه لا يجوز مطلقًا، حتى لو وُضِع في وجوه البر فهو لا يجوز، لا يجوز أخذ غرامةٍ على المدين عند تأخره في سداد الدين مطلقًا.

السؤال: أحسن الله إليكم، إذا استأجر شخصٌ محلًّا، وكان في العقد شرط عدم إبطال العقد مدة سنتين على المؤجر والمستأجر، فهل لي الحق في الفسخ؟

الجواب: إذا كان هذا الشرط موجودًا؛ فمعنى ذلك: أن العقد لمدة سنتين، إذا كان العقد لمدة سنتين؛ فالإجارة عقدٌ لازمٌ، فليس للمؤجر ولا للمستأجر الفسخ إلا برضا الطرف الآخر.

السؤال: أحسن الله إليكم، متى يقال: البيع صحيحٌ والشرط باطلٌ؟ ومتى يقال: يبطل البيع والشرط؟

الجواب: هذه تكلمنا عنها في الدرس السابق، لعل الأخ يرجع لتفسير الدرس السابق، تكلمنا عنها بالتفصيل، وقلنا: هناك من الشروط ما يُفسد العقد، وهناك من الشروط ما يُفسد الشرط فقط، ولا يَفسد معه العقد.

السؤال: أحسن الله إليكم، نصَّ المؤلف على تحريم التعريف بالمبيع أثناء خيار الشرط، وأنا أذكر أنكم قلتم في درسٍ سابقٍ: جواز عرض السلعة للبيع أثناء خيار الشرط، فأرجو توضيح هذه المسألة، وبيان ضابط التعريف الذي يجوز والذي لا يجوز أثناء خيار الشرط.

الجواب: إذا كان الشرط للمشتري فقط؛ فله التصرف في المبيع، تصرُّفه في الحقيقة إبطالٌ لحقه في خيار الشرط، إذا شرط المشتري أن له الخيار في هذا المبيع لمدة شهرٍ، ثم بعد أسبوعٍ قام وعرضه وباعه؛ فله ذلك؛ ومعنى هذا: أنه أبطل حقه في خيار الشرط.

أما إذا كان خيار الشرط لهما جميعًا، للبائع والمشتري؛ فليس له التصرف فيه كما وضحنا هذا مفصَّلًا، إذا كان الخيار لهما؛ ليس له التصرف، إذا كان الخيار له وحده؛ فله التصرف فيه، وتصرُّفه هذا يُعتبر إبطالًا لحقه في الخيار.

السؤال: أحسن الله إليكم، ما حكم بيع التصريف، يقول: اجعل هذه السلعة عندك، فما بِيعَ منها؛ فهو عليك بكذا، وما لم يُبع؛ فرُدَّه عليًّ؟

الجواب: بيع التصريف هو الآن منتشرٌ وشائعٌ، وهو جائزٌ، لكن عند المشاحَّة يظهر الأثر الفقهي، فهل نوضح صورة المسألة، مثلًا: بعض الشركات تأتي بعصائر، تأتي بألبان، تأتي بالصحف، ويقولون لصاحب البقالة: بِعْ منها ما يمكن بيعه، وما لم يُمكن بيعه ترده علينا، فهل صاحب المحل، صاحب البقالة، هل هو مشترٍ أو وكيلٌ؟ هل هو وكيلٌ أم مشترٍ؟ طيب، حتى نعرف: هل هو مشترٍ أم وكيلٌ؛ أسألكم سؤالًا: لو أنه حاز هذا المبيع، العصائر والألبان والصحف، ثم حصل تلفٌ له، احترق المحل من غير تعدٍّ منه ولا تفريطٍ، فهل يضمن أو لا يضمن؟ هذه البقالة احترقت بما فيها، فيها الصحف، فيها الألبان، فيها العصائر، يضمنها لصاحبها أو لا يضمن؟ الواقع أنه يضمن أم لا؟ يعني هل الشركة تأتي وتطالب صاحب المحل بقيمة هذه الصحف وقيمة هذه العصائر؟

الواقع أنه يضمن، فيطالبونه بقيمتها، ولا ينظرون لمسألة تعدٍّ أو تفريطٍ من عدمه، فهذا الذي يظهر: أنه مشترٍ وليس وكيلًا، لو كان وكيلًا؛ لما ضمن إلا بتعدٍّ أو تفريطٍ، فهو مشترٍ، وسبق أن قلنا: إن من الشروط الفاسدة: إذا شرط ألا خسارة عليه، أو إذا اشترط مثلًا أنه إن نَفَق المبيعُ وإلا ردَّه، وقلنا: هذا الشرط فاسدٌ، لكن ليس معنى أنه غير جائزٍ، هو يجوز، لكن لو حصل مشاحَّةٌ بين البائع والمشتري، حصل مشاحةٌ مثلًا بين صاحب البقالة وبين الشركة، وذهبت المسألة للمحكمة، فالقاضي يحكم ببطلان هذا الشرط، ويُلزِم صاحب البقالة بأن هذا الشرط غير صحيحٍ، وأنهم ملزمون بهذه البضاعة كلها، وأنهم مشترون لها، لكن الواقع أن الشركات تتسامح عن حقها في هذا، وتجد أنهم مثلًا إن لم تبع هذه السلعة؛ يردُّونها، هذا من باب التسامح والتنازل عن حقهم، لكن لو حصل مشاحَّةٌ؛ فصاحب البقالة ملزمٌ بهذه البضاعة كلها.

والحاصل أن بيع التصريف جائزٌ، لكن الشرط شرطٌ غير ملزِمٍ بالنسبة للشركة التي تبيع هذه السلع.

مداخلة:

الشيخ: مشترٍ، نعم، الأقرب أنه مشترٍ، أن هذه البضاعة كلها مشتراةٌ، وأن هذا الشرط شرطٌ فاسدٌ، الردُّ شرطٌ ينافي مقتضى العقد، لكن الشركة تتسامح، تتنازل عن حقها، فتقبل الرد؛ ولذلك لا حرج؛ ولهذا فإن بيع التصريف جائزٌ لا إشكال فيه.

مداخلة:

الشيخ: لا أبدًا، ليس فيه شبهةٌ، الشركات متنازلةٌ عن حقها.

مداخلة:

الشيخ: كلهم كاسبون، يعني صاحب البقالة كاسبٌ، والشركات كاسبةٌ كلها.

مداخلة:

الشيخ: نعم، هو القول بجواز التصوير بضوابط:

  • الضابط الأول: ألا تُعلِّق الصورة، تعليق الصور لا يجوز، تعليق الصور يُفضي إلى تعظيمها، فلا يجوز تعليق الصور.
  • الثاني: ألا تكون صورًا للنساء؛ لأنها مظنَّةٌ لأن تقع في يَدِ رجالٍ أجانب.
  • الشرط الثالث: ألا تكون صورًا لأمواتٍ؛ وذلك أيضًا لأنه يُفضي إلى التعظيم؛ لأن الناس في الغالب يعظمون الأموات أكثر من الأحياء، كما حصل لقوم نوحٍ .

فإذا كانت بهذه الشروط الثلاثة؛ فأرجو ألا يكون بهذا بأسٌ إن شاء الله.

مداخلة:

الشيخ: إن قلنا بالجواز، يعني هذا الاحتفاظ بها فرعٌ عن القول بالجواز، لكن بشرط ألا تكون صورةً لامرأةٍ، ولا تكون صورةً لميتٍ، ولا تُعلَّق.

السؤال: أحسن الله إليكم، اتفق رجلٌ مع صاحب مطعمٍ، ولم يتفقا على سعرٍ، فلما انتهى التجهيز؛ قال صاحب المطعم: إن المبلغ خمسمئة ريالٍ، وقال المشتري: إنني اشتريت منك بسعر المطابخ، بأربعمئة ريالٍ، فما الحكم؟

الجواب: طيب، أنا أريد أن أطرح عليكم السؤال على حسب القواعد التي قرَّرناها فيما سبق، مثل هذا الخلاف بينهما نرجع فيه إلى أي شيءٍ؟ العرف، نرجع فيه إلى العرف، ففي عرف الناس كم تكلفة هذا؟ فيُرجع فيه إلى العرف، العرف يكون هو الحاكم بينهما.

السؤال: أحسن الله إليكم، هل من العلماء من قال: إن الأرش: هو الفرق؟

الجواب: لا أعلم من قال بهذا، لكن الذي ينص عليه الفقهاء: هو قِسطُ ما بين قيمة الصحيح والمعيب.

السؤال الأخير: أحسن الله إليكم، ما حكم الاستدانة إلى أجلٍ غير مسمًّى؛ مثل أن يقول للبائع: أعطيك لاحقًا؟

الجواب: لا بأس بهذا، لا بأس إذا استدان إلى أجلٍ غير مسمًّى، وحينئذٍ له أن يطالبه متى ما شاء، له أن يطالبه متى ما شاء؛ لأنه إذا لم يحدِّد أجلًا؛ فالدائن يستحق المطالبة متى ما شاء.

وهناك مسألةٌ ذكرها الفقهاء وهي: القرض يتأجل بالتأجيل أم لا؟

فعند الجمهور: أن القرض لا يتأجل بالتأجيل.

وبعض أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إن القرض يتأجل بالتأجيل لو حدَّد له أجلًا، فيُلزَم ألا يطالِب إلا بعد الأجل، فإذا لم يحدِّد أجلًا أصلًا؛ فللدائن أن يطالب المدين في أي وقتٍ شاء.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أبو داود: 3594، وذكره البخاري تعليقا بصيغة الجزم: 3/ 92.
^2 رواه أبو داود: 3501، والترمذي: 1250، والنسائي: 4485، وابن ماجه: 2354، وأصله في البخاري: 2414، ومسلم: 1533.
^3 رواه أبو داود: 3508، والترمذي: 1285، والنسائي: 4490، وابن ماجه: 2243، وأحمد: 25999.
^4 رواه البخاري: 2744، ومسلم: 1629.
^5 رواه البخاري: 3642.
^6 رواه مسلم: 102.
^7 رواه البخاري: 2148، ومسلم: 1515.
^8 رواه مسلم: 1524.
^9, ^10 رواه مسلم: 8.
^11, ^12 أخرجه أبو داود: 3511، والترمذي: 1270، والنسائي: 4648، وابن ماجه: 2186، وأحمد: 4447.
^13 رواه البخاري: 2136، ومسلم: 1526.
^14 رواه البخاري: 2135، بنحوه.
^15 رواه النسائي: 4603، وأحمد: 15316.
^16 رواه أبو داود: 3499، وأحمد: 21668.
^17 رواه أحمد: 444، وذكره البخاري تعليقا: 3/ 67.
^18 رواه أبو داود: 3460، وابن ماجه: 2199.
^19 رواه ابن حبان: 5029، بنحوه.
^20 رواه أبو داود: 3508، والترمذي: 1285، والنسائي: 4490.
zh