logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(52) كتاب البيع- من قوله: “وينعقد لا هزلًا بالقول الدال على البيع..”

(52) كتاب البيع- من قوله: “وينعقد لا هزلًا بالقول الدال على البيع..”

مشاهدة من الموقع

أهمية تعلم أبواب المعاملات

طيب، ننتقل إلى درس “دليل الطالب”، وفي هذا الدرس نفتتح أبواب المعاملات، وأبواب المعاملات هي من أهم أبواب الفقه؛ وذلك لعموم الحاجة إليها لجميع الناس، كل إنسان يحتاج إلى تبادل المنافع مع غيره؛ إما ببيع، أو شراء، أو إجارة، أو نحو ذلك.

وتبرُزُ الحاجة إلى هذا الباب بسبب ما استجد في الوقت الحاضر من معاملات كثيرة لم تكن معروفة من قبل، ولا بد لطالب العلم من أن يضبط الأصول والقواعد في أبواب المعاملات؛ حتى يُعينه ذلك على معرفة حكم الشرع فيها. ويتأكد هذا في حقِّ من يتعامل بالتجارة، وقد كان عمر يبعث إلى الناس في الأسواق من يسألهم عن بعض أحكام المعاملات، فإن أجاب وإلا قال: قم، لا تقعد في أسواق المسلمين، تأكل الربا وتُؤكله المسلمين.

والأصل في المعاملات هو الحل والإباحة، إلا ما ورد الدليل بمنعه، وهي بعكس العبادات؛ فإن الأصل في العبادات الحظر والمنع، إلا ما ورد الدليل بمشروعيته.

ولهذا؛ لو اختلف اثنان في معاملة من المعاملات، أحدهما يقول: إنها حرام، والآخر يقول: إنها حلال، فأيهما الذي يُطالب بالدليل؟

مداخلة:

الشيخ: الذي يُطالَب بالدليل هو من يقول: إنها حرام، أما من قال: إنها حلال؛ معه الأصل، الأصل هو الحل والإباحة.

لو عكسنا، لو انتقلنا إلى العبادات، اختلف اثنان في عبادة، أحدهما يقول: إنها مشروعة، والآخر يقول: إنها غير مشروعة، فأيهما الذي يُطالَب بالدليل؟

مداخلة:

الشيخ: الذي يقول: إنها مشروعة؛ لأن الذي يقول: إنها غير مشروعة معه الأصل، وهو: أن الأصل في العبادات الحظر والمنع.

فهذه قواعد تُعين طالب العلم.

التفقُّه في أبواب المعاملات يستطيع الإنسان بسببه أن يصل إلى غرضه في كثير من الأمور من غير أن يقع في المحظور، وأذكرُ لهذا قصة وقعت في عهد النبي ، فقد استعمل النبي رجلًا على خيبر -والقصة في الصحيحين- فجاءه بتمرٍ جَنِيب.

والتمر الجَنِيب: نوع جيد من التمر.

فقال النبي : أَكُلَُ تمر خيبر هكذا؟. قال: لا يا رسول الله، إنا نبيع الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة. فقال : أوَّه، هذا عين الربا، ثم دلَّه على المخرج: ولكن بِعِ الجَمْعَ التمر الرديء بالدراهم، واشترِ بالدراهم جَنِيبًا؛ يعني: تمرًا جيدًا[1].

مع أن النتيجة واحدة؛ يعني: لو باع مثلًا صاعًا بصاعين؛ حصل على غرضه وهو الحصول على تمر جيد مقابل تمر رديء.

طيب، لو عمل هذا الذي أمر به النبي عليه الصلاة والسلام، باع التمر الرديء بدراهم، ثم اشترى بالدراهم تمرًا جيدًا، أيضًا حصل على غرضه، لكن في المرة الأولى وقع في عين الربا، وفي المرة الثانية تعامل تعاملًا مباحًا. هذا من ثمرة الفقه في الدين.

وهذا يدل أيضًا على أن الفرق بين الحلال والحرام في مسائل المعاملات فرقٌ دقيقٌ جدًّا؛ ولذلك أحيانًا يشتبه الحلال بالحرام على بعض الناس، ويرون أنه لا فرق بينهما، كما وقع ذلك من كفار قريش، قالوا: إنما البيع مثل الربا، ما الفرق بين البيع والربا؟ قال الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275].

مداخلة:

الشيخ: ولهذا؛ تجد بعض الناس يُبالغ في إطلاق الحِيَل على بعض التعاملات التي تُشبه التعاملات المحرمة، مع أنها قد تكون حِيلة مشروعة.

ففي هذه القصة، هذه حيلة، لكنها حيلة مشروعة: بِعِ الجَمْعَ بالدراهم، واشترِ بالدراهم جَنِيبًا، أليست هذه حيلة؟ حيلة، لكنها مشروعة.

يعني بعض الحيل قد تكون مشروعة بالخروج عن صورة الحرام.

وكما أنه  مطلوبٌ التفقُّه في هذه الأبواب، مطلوبٌ من المسلم أيضًا الصدق والبيان في تعاملاته، وأن يجعل هذا مبدأً له في الحياة عمومًا، فالصدق والبيان من أسباب حلول البركة؛ يقول النبي : البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا، فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما مُحِقت بركة بيعهما[2].

والبركة: هي شيء مُشاهَد ومحسوس، البركة في الأموال، تجد بعض المال يُبارك الله تعالى فيه؛ فتنتفع به انتفاعًا عظيمًا، وبعض المال الذي يأتيك يكون كثيرًا ولا يُبارَك فيه. ومن أسباب حلول البركة الصدقُ والبيان.

والبركة أيضًا قد تكون في الوقت، بعض الناس يُبارِك الله تعالى له في وقته؛ فيعمل أعمالًا عظيمة في الوقت اليسير، وعلى رأسهم رسول الله ، في ثلاث وعشرين سنة بلَّغ رسالة الله ​​​​​​​، وأكمل الله به الدِّين، في ثلاث وعشرين سنة فقط!

والبركة تكون في العمر، والبركة أيضًا تكون في الصحة، والبركة تكون في الولد، والبركة تكون في العلم، والبركة تكون في أشياء كثيرة.

ولذلك؛ فمن أعظم الأدعية التي يدعو بها المسلم ربَّه: أن يسأل الله أن يُبارِك له؛ يُبارك له في علمه، وفي عمله، وفي وقته، وفي عمره، وفي ماله، وفي صحته. هذه من أعظم الأدعية التي يدعو بها المسلم.

ننتقل بعد ذلك إلى عبارة المؤلف رحمه الله.

كتاب البيع

قال المصنف رحمه الله:

كتاب: البيع.

البيع معناه في اللغة: مطلق المُبادَلة، مشتقٌّ من الباع؛ لأن كلَّ واحد من المتبايعين يمُدُّ يده للأخذ والإعطاء.

وشرعًا عُرِّف بعدة تعريفات، مِن أحسنها تعريف الموفَّق ابن قدامة: مبادلة المال بالمال تملُّكًا وتملِيكًا.

والأصل في جوازِه الكتابُ والسنة والإجماع. أما الكتاب فقول الله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275]. ومن السنة أحاديث كثيرة جدًّا، منها قول النبي : البيِّعان بالخيار[3]، إلى غير ذلك. وقد أجمع المسلمون على جواز البيع في الجملة.

بم ينعقد البيع؟

قال:

وينعقد -لا هزلًا- بالقول الدال على البيع.

أفادنا المؤلف بأن البيع ينعقد بالصيغة القولية وبالصيغة الفعلية، وابتدأ المؤلف بالصيغة القولية، قال: (وينعقد لا هزلًا)؛ قوله: (لا هزلًا) يدل على أن بيع الهازل لا ينعقد.

فلو أن أحدًا من الناس قال: بعتك سيارتي، ثم قال: كنت مازحًا، فهل ينعقد البيع؟ لا ينعقد البيع؛ وذلك لانتفاء شرط من شروط صحته. ما هو هذا الشرط؟ نعم، أحسنت شرط الرضا؛ لانتفاء شرط من شروط صحته: وهو الرضا.

وسيأتي الكلام عنه إن شاء الله، فإن الهازل غير راضٍ بالبيع.

واستدل بعض أهل العلم لهذا الحكم بقول النبي : ثلاث جدُّهن جدٌّ، وهزلهُنَّ جَدٌّ: النكاح والطلاق والرجعة وفي رواية: والعتق. رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب[4].

فإذا قال الترمذي: “غريب” فيُشير إلى ضعفه، الحديث ضعيف من جهة الإسناد، لكن له طرق متعدِّدة، وبعضهم حسَّنه بمجموع طرقه، منهم الشيخ الألباني. وقال الترمذي: “والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم”؛ يعني ما ذُكِرَ في هذا الحديث.

لكن، ما وجه دلالة هذا الحديث على أن بيع الهازل لا ينعقد؟

مداخلة:

الشيخ: إي نعم، أحسنت. وجه الدلالة: أن النبي حَصَرَ هذه الأمور الثلاثة بأن جِدَّها جِدٌّ وهزلها جِدٌّ؛ فدلَّ على أن غيرها جِدُّهن جِدٌّ وهزلهن هزل، هذا هو وجه الدلالة.

ولكن لا بد من قرينة تدل على أنه كان هازلًا مع يمينه، لا بد من قرينة تدل على أنه كان هازلًا مع يمينه أيضًا.

أما مجرد الدعوى؟! فلو فُتِح هذا الباب، فكل إنسان يُريد إبطال بيعٍ سيدَّعي أنه كان هازلًا، لا بد إذن من قرينة تدل على هذا، كأن -مثلًا- تُوجد لفظة من الألفاظ تدل على أنه لم يكن جادًّا وإنما كان هازلًا، ثم أيضًا يُحلَّف على أنه كان هازلًا، لا بد من يمينه أيضًا.

قال:

بالقول الدَّال على البيع.

وهذه هي الصيغة القولية.

بالقول الدال على البيع والشراء. 

الصيغة القولية تتكون من الإيجاب والقبول، والإيجاب: هو اللفظ الصادر من البائع؛ كأن يقول: بعت، أو نصيبك، أو نحو ذلك.

والقبول: هو اللفظ الصادر من المشتري؛ كأن يقول: اشتريت.

قال:

وبالمعاطاة.

هذه هي الصيغة الفعلية التي تتكون من الأخذ والإعطاء.

قال:

كأعطني بهذا خبزًا، فيُعطيه ما يُرضيه.

فيدفع إليه الثمن، أو يدفع البائع السلعة ويدفع المشتري الثمن؛ يدفع البائع إليه السلعة ويدفع المشتري إليه الثمن. هذه هي المعاطاة.

وجمهور العلماء على أن البيع ينعقد بالقول وبالفعل، والشافعية يرون أنه إنما ينعقد بالقول فقط، ولكن هذا قول ضعيف. ولذلك؛ حتى الشافعية لا يعملون بهذا القول، ولا يسع الناس إلا قول الجمهور: وهو أن البيع ينعقد بالقول والفعل الدال عليه.

قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: تصحُّ العقود بكل ما دلَّ على مقصودها من قول أو فعل.

وهذا هو الذي تدل له أصول الشريعة؛ فإن الشارع لم يحُدَّ للبيع حدًّا، لا في كتاب الله ولا في سنة رسوله ، ولا نُقل عن أحد من الصحابة والتابعين أنه عيَّن في العقود صفة معينة من الألفاظ، وليس لذلك حَدٌّ في اللغة.

ولهذا؛ فالمرجع إلى عرف الناس وعاداتهم، فما سمَّوه بيعًا فهو بيع.

لزوم عقد البيع

ثم قال المصنف:

وشروطه سبعة.

قبل أن ننتقل لشروطه، نُريد أن نعرف نوع عقد البيع، هل هو عقد لازم أو عقد جائز؟ وقبل هذا ما معنى: عقد لازم؟ ما معنى هذا المصطلح؟

مداخلة:

الشيخ: إي نعم، أحسنت.

اللازم، إذا قيل: عقد لازم؛ أي أنه ليس لأحد من الطرفين الفسخ إلا برضا الطرف الآخر، وإذا قيل: عقد جائز؛ فلِكُلٍّ من الطرفين الفسخ ولو بغير رضا الطرف الآخر.

والعقود تنقسم إلى ثلاثة أقسام، قبل أن نأتي لهذه الأقسام الثلاثة نُريد أولًا أن نعرف نوع عقد البيع:

البيع عقد لازم، فإذا انعقد بالإيجاب والقبول، أو ما دل عليه، وحصل التفرُّق من مكان التبايع بالأبدان؛ فقد لزم العقد، وليس للبائع ولا للمشتري الفسخ إلا برضا الطرف الآخر.

فإذن؛ البيع من العقود اللازمة، مجرد أن تقول: بعتك، ويقول: اشتريت، وحصل التفرُّق من مكان التبايع؛ لزم، حتى لو لم تنقُدُه الثمن، وحتى ولو لم تُسلمه السلعة.

فتسليم السلعة ونقدُ الثمن ليسا شرطًا لصحة البيع، بمجرد أن يقول البائع: بعتك، ويقول المشتري: اشتريت، أو بأيِّ لفظ يدل على هذا، أو بأيِّ فعل يدل عليه، وحصل التفرُّق من مكان التبايع؛ فقد لزم العقد.

ولذلك؛ لو ذهبت إلى محل من المحلات واشتريت سلعة، ثم لما ذهبت للمنزل وجدت أنها غير مناسبة، فليس لك أن تردها إلا برضا البائع.

فتجد بعض الناس يشتري بضائع وسلعًا ثم يُريد أن يُرجعها، فليس له أن يُرجعها إلا إذا رضي بذلك البائع، أما إذا لم يرضَ فالبيع عقد لازم، اللهم إلا أن يجد فيها عيبًا، هنا له الفسخ بمقتضى خيار العيب، لكن إذا لم يجد فيها عيبًا فالبيع عقد لازم.

ولذلك؛ فالعبارة الموجودة عند بعض المحلات، يقولون: البضاعة لا تُرَدُّ ولا تُستبدل، هل لها فائدة؟

مداخلة:

الشيخ: هي ليس لها قيمة من حيث الحكم، ليس لها فائدة؛ لأن -أصلًا- البضاعة لا تُرَدُّ ولا تُستبدل بمقتضى عقد البيع، لكن اللهم إلا أن يقصد من ذلك التذكير مثلًا، التنبيه أو التذكير، لكن ليس لها فائدة.

وليس معنى ذلك أننا نقول: لا يجوز كتابة هذه العبارة، لا بأس، لكن ليس لها فائدة؛ لأنه -أصلًا- حتى لو لم يكتب هذه العبارة فالبضاعة لا تُرَدُّ ولا تُستبدل بمجرد التفرُّق من مكان التبايع، لا تُرَدُّ ولا تُستبدل إلا إذا وجد فيها عيبًا، فهذا شيء آخر.

لكن بعض الناس ربما أنه من باب تذكير الزبائن يكتب هذه العبارة، وإلا لو لم يكتبها فإن البضاعة -أصلًا- لا تُرَدُّ ولا تُستبدل بمقتضى عقد البيع.

مداخلة:

الشيخ: لا، هو الغالب أنهم لا يقصدون إسقاط خيار العيب، يقصدون بذلك أنه ليس للمشتري أن يردها؛ لأن بعض الناس إذا اشترى شيئًا رغب في أن يُرجعه، فيضعون هذه العبارة، لو قصد به خيار العيب فإنه لا يسقط الخيار حتى لو كتب هذه العبارة، حتى لو كتب هذه العبارة لا يسقط حقُّ المشتري في خيار العيب.

فهي إذن ليس لها فائدة، اللهم إلا مجرد التذكير.

أقسام العقود

إذن؛ عرفنا الآن نوع عقد البيع أنه عقد لازم، وقلنا: إن العقود تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

  • القسم الأول: عقود لازمة. مثل ماذا؟ مثل: عقد البيع.
    مثال آخر: الإجارة، لو ذهبت لمكتب عقاريٍّ واستأجرت -مثلًا- بيتًا لخمس سنوات، وخرجت من المكتب، ثم بدا لك أن تتراجع، فهل تملك التراجع؟ ليس لك أن تتراجع، الإيجار عقدٌ لازم، إلا برضا المؤجر.
    إذن؛ القسم الأول: عقود لازمة، كالبيع والإجارة.
  • القسم الثاني: عقود جائزة؛ يعني: لكُلٍّ من الطرفين الفسخ ولو بغير رضا الطرف الآخر، مثالها: الوكالة، الوكالة عقد جائز، فللموكل وللوكيل الفسخ ولو بغير رضا الطرف الآخر.
  • القسم الثالث: عقود لازمة من وجه وجائزة من وجه آخر؛ مثال هذا القسم: الرهن؛ فإنه لازم في حقِّ الراهن (من عليه الحق)، جائز في حق المرتهن (من له الحق).

إذن؛ القسم الثالث: عقود لازمة من وجه وجائزة من وجه آخر؛ مثل: الرهن، فهو لازم في حقِّ الراهن، جائز في حقِّ المرتهن.

شروط صحة البيع

قال المصنف رحمه الله:

وشروطه سبعة.

وهذه الشروط عُرِفت بالاستقراء.

الشرط الأول: الرضا، فلا يصحُّ بيعُ المكره بغير حقٍّ.

الرضا من المتعاقدين، أو التراضي، بعضهم يُعبِّر بـ(التراضي من المتعاقدين)؛ ويدل لهذا الشرط قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29]؛ أي: إلا أن تكون تجارة صادرة عن تراضٍ منكم.

وعن أبي سعيد : أن النبي قال: إنما البيع عن تراضٍ أخرجه ابن ماجه[5]، وقال البوصيري في “الزوائد”: إسناده صحيح.

وبناءً على هذا؛ فلا يصح البيع مع الإكراه إذا كان الإكراه بغير حقٍّ، أما إذا كان الإكراه بحقٍّ فيصح.

من يُمثِّل لنا إكراهًا بحقٍّ؟

مداخلة:

الشيخ: إي نعم، نعم.

مثال ذلك: كأن يُكرِه القاضي المحجورَ عليه لفَلَسٍ في أن يبيع ماله لوفاء الغُرماء، هذا إكراه بحقٍّ. ومثل ذلك أيضًا إكراه الراهن على بيع العين المرهونة عند عدم السداد للمرتهن، هذا أيضًا إكراه بحق.

إذن؛ هذا الشرط محل اتفاق بين أهل العلم.

الشرط الثاني: الرُّشد.

قال:

فلا يصح بيع المميِّز والسَّفيه ما لم يأذن وليهما.

(الرُّشد) أن يكون عاقلًا بالغًا رشيدًا، وبناءً على هذا فلا يصح بيع المجنون، ولا يصح بيع غير البالغ، إلا أن يكون مميِّزًا؛ فيصح بإذن وليِّه.

واستُدل لهذا بأنه يصح بيع الصبي المميِّز بإذن وليِّه بقول الله : وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6].

وَابْتَلُوا الْيَتَامَى؛ اليتيم: هو من مات أبوه دون البلوغ، وَابْتَلُوا الْيَتَامَى يعني: اختبروهم لكي تعلموا رُشدَهم. وإنما يتحقَّق ذلك الاختبار بتفويض البيع والشراء إليهم؛ ليُعلَم مِن خلاله رُشدُهم.

فدلَّ هذا على صحة تصرف الصبي بإذن وليِّه، وهكذا أيضًا السَّفيه؛ لكونه غير راشد، فلا يصح بيعه إلا بإذن وليِّه.

والمقصود بالسَّفيه، السَّفيه: المحجور عليه. وسيأتي -إن شاء الله تعالى- الكلام عنه بالتفصيل في (باب الحجر).

فإذا أذِن للسِّفيه وليُّه بالبيع؛ صحَّ بيعه قياسًا على الصبي. واستثنى بعض العلماء الشيء اليسير، فقالوا: إنه يصح تصرف الصبي والسَّفيه بغير إذن وليِّه؛ لما رُوي أن أبا الدرداء اشترى من صبي عصفورًا فأطلقه.

فالشيء اليسير يُتسامح فيه؛ لأن هذا الشيء اليسير أيضًا يجوز الْتقاطه من غير تعريف، يجوز الْتقاطه وتملُّكه من غير تعريف، فيُتسامح في الشيء اليسير.

مداخلة:

الشيخ: نعم، حتى لو كان، حتى لو كان مملوكًا له، لا يصح بيعه ولا شراؤه إلا بإذن وليِّه، إلا في الشيء اليسير.

قال: الثالث.

الشرط الثالث.

كون المبيع مالًا، فلا يصح بيع الخمر والكلب والميتة.

نجد أن عبارة المصنف تختلف عن عبارة “الزاد”، عبارة “زاد المستقنع”: أن تكون العين مباحة النفع من غير حاجة. ولكن عبارة المصنف أخذها من “المقنع”، فالموفَّق في “المقنع” عبَّر بهذا: أن يكون المبيع مالًا.

وتعريف المال: هو ما فيه منفعة مباحة لغير ضرورة. قولنا: “ما فيه منفعة” خرج به ما لا نفع فيه، كالحشرات ونحوها؛ طبعًا الحشرات عندما يمثل الفقهاء بالحشرات؛ الحشرات غير النافعة، لكن في الوقت الحاضر أصبح هناك حشرات نافعة، فهذه لا تدخل معنا هنا، فأصبح بالإمكان الآن الاستفادة من الحشرات في بعض الأشياء، لكن مقصودنا هنا: الحشرات غير النافعة.

إذن؛ ما لا نفع فيه لا يصح بيعه.

قولنا: “ما فيه منفعة مباحة” خرج بهذا القيد ما فيه منفعة محرمة، ومثَّل المؤلف لذلك؛ قال:

فلا يصحُّ بيع الخمر.

فالخمر مثال لما فيه منفعة محرمة، ومثل ذلك أيضًا: الخنزير وآلات اللهو ونحوها، فلا يصح بيعها؛ ويدل لهذا قول النبي : إن الله حرَّم بيع الميتة والخمر والخنزير[6].

يعني: تظهر ثمرة الخلاف لو حصل نزاع في بيع -مثلًا- خمور، ووصلت القضية للقاضي، فالقاضي يُبطل البيع -أصلًا- من أساسه، البيع غير صحيح.

قولنا: “لغير ضرورة” خرج به ما يُباح للضرورة؛ فإنه لا يصح بيعه كالميتة، فإن الميتة يُباح أكلها للضرورة، وكذا سائر المحرمات التي تُباح في حال الضرورة.

حكم بيع الكلب

وقد نصَّ المؤلف على هذا، أو مثَّل لهذا أيضًا بالميتة، والمؤلف أيضًا ذكر مثالًا آخر: وهو الكلب، الكلب أيضًا لا يصح بيعه، وقد دلَّت لهذا السُّنةُ في عدة أحاديث، منها قول النبي كما في حديث أبي مسعود في الصحيحين: أن رسول الله نهى عن ثمن الكلب[7].

وأيضًا في “صحيح مسلم” عن رافع بن خَدِيج : أن رسول الله قال: شرُّ الكسب: مهر البغي، وثمن الكلب، وكسب الحجَّام [8].

وقال ابن القيم: وهذا يتناول كُلَّ كلب، صغيرًا كان أو كبيرًا، للصيد أو للماشية أو للحرث. هذا مذهب فقهاء أهل الحديث قاطبة. ولا يصحُّ عن النبي استثناء كلب الصيد بوجه.

كلب الصيد والحرث والماشية يُباح اقتناؤه؛ لقول النبي : من اقتنى كلبًا، غير كلب صيد أو حرث أو ماشية، فإنه ينقُص من أجره كلَّ يوم قيراطان، وفي رواية: قيراط[9].

فيجوز اقتناء هذه الكلاب، ويقاس عليها أيضًا ما كان فيه منفعة ظاهرة؛ مثل ما يسمى الآن بالكلاب البوليسية، فيجوز اقتناؤها.

وأما بيعها، فمحل خلاف بين أهل العلم، والجمهور على أنه لا يجوز بيع الكلاب مطلقًا، حتى وإن كانت كلاب صيد أو حرث أو ماشية.

وبعض الفقهاء رخَّص في بيع كلب الصيد والحرث والماشية؛ واستدلوا بأنه قد جاء في رواية النسائي استثناء كلب الصيد والحرث والماشية: إلا كلب صيد أو حرث أو ماشية[10].

لكن هذه الرواية ضعيفة ولا تصح؛ ولهذا فالصواب هو أنه لا يُستثنى من ذلك شيء، وأن النهي يشمل جميع الكلاب، ولا يجوز بيع الكلب مطلقًا، سواء كان كلب صيد أو حرث أو ماشية أو غيرها.

فإن قال قائل: كيف إذن يمكن الحصول على كلب الصيد والحرث والماشية إذا قلتم: إنه لا يجوز بيعه؟ فنقول: إن هناك وسائل أخرى للحصول عليه، مثل: الإعارة مثلًا أو الهبة أو نحو ذلك، أما البيع فقد ورد فيه النص.

حكم بيع القطط

وأما السِّنَّور، السِّنَّور: هو الهِرُّ أو القط، له عدة أسماء، فقد جاء في “صحيح مسلم” عن أبي الزبير قال: سألتُ جابرًا عن ثمن الكلب والسِّنَّور؟ فقال: زَجَر النبي عن ذلك[11]. وقد أفتى بهذا أبو هريرة، وقال به بعض التابعين، وهو رواية عن الإمام أحمد، فقالوا: إنه يحرم بيع السِّنَّور.

وذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية، والحنابلة في الرواية المشهورة، إلى جواز بيع السنور، وقالوا: إن الأصل هو الحل والإباحة، وأما حديث جابر  فمُتَكَلَّمٌ في إسناده، ولو صح فلهم تأويل في هذا، لو صح ما قالوا: إن المقصود به السِّنَّور أو الهِرُّ إذا توحَّش. وقال بعضهم: إن المقصود به: الهِرُّ أو السِّنَّور إذا كان لا فائدة فيه.

وحتى نُحقِّق هذه المسألة ونعرف أيَّ القولين أرجح، لا بد من معرفة: أولًا درجة هذا الحديث:

هذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في “صحيحه” من طريق معقل بن عبيدالله عن أبي الزبير، قال: سألتُ جابرًا عن ثمن الكلب والسِّنَّور? فقال : زجر النبي عن ذلك[12].

وتكلم بعض العلماء في إسناده، وزعم أنه غير ثابت، وممن قال هذا الحافظ ابن عبدالبر، فقال: إن حديث بيع السِّنَّور لا يثبت -قال- رفعه، ولم يروه عن أبي الزبير غير حماد بن سلمة. وتعقبه النووي فقال: هذا غلط. ومثل ذلك أيضًا قال الخطَّابي، الخطَّابي متقدم على ابن عبدالبر، يعني قال الخطَّابي ومثله ابن عبدالبر، وتعقبهما النووي وقال: هذا غلط.

فالحديث في “صحيح مسلم”، إسناد صحيح، وقول ابن عبدالبر: إنه لم يروه عن أبي الزبير غير حماد. هذا غلط ووهم، فقد رواه مسلم في “صحيحه” من طريق معقل وليس من طريق حماد، من طريق معقل عن أبي الزبير، فهذان ثقتان روياه عن أبي الزبير وهو ثقة، فلا وجه للقول بتضعيفه.

ولهذا؛ قال الحاكم: إنه حديث صحيح الإسناد، صحيح على شرط مسلم. وقال البيهقي: إنه حديث صحيح على شرط مسلم أيضًا دون البخاري.

فالحديث إذن من جهة الإسناد صحيح، وقول من قال من العلماء: إنه ضعيف؛ لا وجه له في الحقيقة.

وأما قول بعض الفقهاء: إنه يُحمل على الهِرِّ إذا كان قد توحَّش، فقد تعقبهم البيهقي فقال: حمَلَهُ بعض أهل العلم على الهِرِّ إذا توحش فلم يُقدر على تسليمه، ومنهم من زعم أن ذلك كان في ابتداء الإسلام حين كان محكومًا بنجاسته، ثم حين صار محكومًا بطهارة سُؤرِه حَلَّ ثمنه. قال البيهقي: وليس على هذين القولين دلالة بينة.

وحمله بعضهم على أنه على الهِرِّ الذي لا فائدة فيه، ولكن ليس على هذا دليل، ليس على هذا دليلٌ.

والصواب هو القول الأول: وهو تحريم بيع السِّنَّور، وما دام أن الحديث صحيح فلا وجه للقول بالجواز.

وطالب العلم ينبغي له أن يُعظِّم الدليل من الكتاب والسنة، فإذا صحَّ الدليل من السنة؛ فيجب الأخذ بما دلَّ عليه، ولا وجه للتكلُّف في مثل هذه التأويلات مع صحة الحديث.

وقد رجح هذا القولَ ابنُ القيم رحمه الله، ونصر هذا القول، وقال: إن هذا القول هو الصواب؛ لصحة الحديث بذلك، وعدم ما يُعارضه، فوجب القول به.

وهذا يدل على أنه ليس كل قولٍ للجمهور يكون صوابًا، لاحِظ هذا القول، المذاهب الأربعة كلها على الجواز، والصواب هو المنع، فليس كل قولٍ يقول به الجمهور يكون صوابًا، العبرة إذن بالدليل من الكتاب والسُّنة. إذن؛ هذا هو الشرط الثالث.

الشرط الرابع؛ قال:

الرابع: أن يكون المَبِيع ملكًا للبائع، أو مأذونًا له فيه وقت العقد.

فلا بد إذن أن يكون المبيع مملوكًا للبائع؛ لقول النبي : لا تَبِع ما ليس عندك. أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي[13]، وهو حديث صحيح.

واستدل بعض العلماء لهذا الشرط أيضًا بقول الله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29]، قالوا: ومعلوم أنه لا أحد يرضى بأن يتصرَّف غيره في ماله بغير إذنه.

وقول المؤلف:

أو مأذونًا له فيه وقت العقد.

كالوكيل والولي ونحوهما، فإنهما يأخذان حكم المالك.

وبناءً على هذا الشرط: مَن باع مِلك غيره بغير إذنه؛ لم يصح. وتُسمَّى هذه المسألة بـ”مسألة الفضولي”، “بيع الفضولي وشرائه”.

بيع الفضولي وشراؤه

قال المصنف:

فلا يصح بيع الفضولي ولو أُجيز بعدُ.

أفادنا المؤلف بأنه لا يصح بيع الفضولي، حتى ولو أجازه المالك فيما بعد. وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وقال بهذا القول أيضًا الشافعيةُ؛ واستدلوا بعموم قول النبي : لا تبع ما ليس عندك[14].

والقول الثاني في المسألة: إنه يصح بيع الفضولي وشراؤه إذا أجازه المالك. وقد ذهب إلى هذا القولِ الحنفيةُ والمالكية؛ واستدلوا لهذا القول بما جاء في “صحيح البخاري” عن عُروة بن الجَعْد البارقي : أن النبي أعطاه دينارًا ليشتري له به شاة، فاشترى له به شاتين، ثم باع إحدى الشاتين بدينار، وأتى النبي بشاة ودينار، فدعا له بالبركة، فكان لو اشترى ترابًا لربح فيه[15].

طيب، كم نسبة الربح؟ 100%، هذا فيه رَدٌّ على من حدَّد الغَبْنَ بالثلث، هذا يدل على أن هذا البيع في عهد النبي عليه الصلاة والسلام أنه سائغ، فنسبة الربح هنا 100%، فوجه الدلالة من هذا الحديث: مَن يذكر لنا وجه الدلالة من هذا الحديث على صحة بيع الفضولي؟

مداخلة:

الشيخ: نعم، أنه لما اشترى بهذا الدينار شاتين، الشاتان مِلك مَن؟ ملك النبي ، وباع إحدى الشاتين بدينار مع أنها ليست ملكه، وإنما مِلك النبي ، فأقرَّه النبي على هذا؛ فدلَّ هذا على صحة بيع الفضولي، وهكذا أيضًا شراؤه.

وهذا القول هو القول الراجح: أنه يصح بيع الفضولي وشراؤه إذا أجازه المالك. واختاره أبو العباس ابن تيمية، وابن القيم، وهو الذي عليه عامة المحققين من أهل العلم، والذي يُرجِّحه شيخنا عبدالعزيز ابن باز، والشيخ محمد ابن عثيمين، رحمة الله تعالى على الجميع.

إذن؛ القول الراجح: هو صحة بيع الفضولي وشراؤه، إذا أجازه المالك.

الشرط:

الخامس: القدرة على تسليمه، فلا يصح بيع الآبق… إلخ.

إذن؛ الشرط الخامس: أن يكون المعقود عليه مقدورًا على تسليمه، أي أن يكون كلٌّ من البائع والمشتري قادرًا على تسلُّم أو تسليم ما انتقل مِن ملكه أو إلى ملكه؛ ويدل لهذا الشرط حديث أبي هريرة : أن النبي نهى عن بيع الغرر. رواه مسلم[16]، والغرر في غير المقدور على تسليمه ظاهر.

ومثَّل المؤلف لهذا بأمثلة؛ قال: (فلا يصح بيع الآبق)؛  يعني: العبد الآبق؛ وذلك لأنه غير مقدور على تسليمه.

والشارد.

أي: الجمل الشارد لا يجوز بيعه.

ولو لقادر على تحصيلهما.

قوله: (ولو قادر على تحصيلهما)، هذا محل خلاف بين أهل العلم، هل يجوز بيع العبد الآبق والجمل الشارد لمن كان قادرًا على تحصيلهما؟

فالمذهب أنه لا يصح البيع ولا يجوز. والقول الثاني في المسألة: أنه يصح ما دام أنه قادر على تحصيلهما، وهذا هو القول الراجح: أنه يصح، بشرط القدرة على تحصيلهما، وحينئذ لو عجز عن تحصيلهما فله الفسخ.

طيب، فإن رضي بذلك المشتري، المشتري قال: أُريد أن أشتري، عَلِم بأن فلانًا عنده جمل ضالٌّ شاردٌ، قال: يا فلان، أنا علمت بأن عندك ناقة، جملًا، وأنا أريد أن أشتري منك بربع الثمن، أنا وحظي، وأنا راضٍ بهذا، وتراضيا على ذلك، فهل يصح؟ لا يصح حتى ولو تراضيا، لا يصح؛ وذلك لما فيه من الغرر. قلنا: لما فيه من الغرر، هذا يدل على أن ما كان مشتملًا على الغرر؛ فإنه يكون ممنوعًا منه.

الحكمة من النهي عن بيع ما فيه غرر

لماذا نهى الشارع عن بيع ما فيه غرر؟ نلاحظ أن الشريعة نَهَتْ عن بيعِ وشراءِ كل ما اشتمل على الجهالة والغرر، لكن نُريد أن نستنبط الحكمة، لماذا؟

مداخلة:

الشيخ: إي نعم، أحسنت.

لأن الغرر مظنَّة لوقوع التنازع بين المتعاقدين، والتنازع والخصومة يُفضي إلى البغضاء والشَّحناء، فكُلُّ ما كان مُفضِيًا إلى البغضاء والشَّحناء والتخاصم بين المسلمين؛ فإن الشريعة تمنع منه.

وهذا يدل على عظيم مكانة ومنزلة المودة والمحبة بين المسلمين، لاحِظ أن الشريعة حرمت أشياء كثيرة لأنها تُفضي إلى وقوع الشحناء والخصومة بين المسلمين.

قال: 

السادس: معرفة الثمن والمُثمَن؛ إما بالوصف، أو المشاهدة حال العقد، أو قبله بيسير.

أما معرفة المُثمَن، فهذا يُعبِّر عنه بعض الفقهاء -ومنهم صاحب “الزاد”- أن يكون المبيع معلومًا برؤيةٍ أو صفة.

وأشار المؤلف لهذا؛ قال: (إما بالوصف أو المشاهدة حال العقد)، أما بالمشاهدة فهذا ظاهر؛ بأن يرى ما يُريد أن يشتريه إما حال العقد أو قبل العقد بيسيرٍ لا يتغير فيه المبيع عادة، ويُغني عن الوصف أو يكفي عنه؛ الصفة التي تكفي في السَّلَم، يعني: بما ينضبط بذكر مواصفاته، بما ينضبط به الشيء غالبًا.

فالبيع إذن من غير رؤية ولا صفة لا يصح، أما البيع بالرؤية فصحيح، والبيع بالصفة صحيح.

فلو أن رجلًا من الناس قال: إن عندي سيارة مواصفاتها كذا، ولونها كذا، وموديلها كذا، وذكر المواصفات التي يختلف بها الثمن غالبًا، فقلتَ له: بِعْني هذه السيارة. قال: بعتك. قلتَ: اشتريتُ. وأنت لم ترَ هذه السيارة أصلًا، هل يصح البيع؟ يصح، يصح البيع.

إذن؛ لا يُشترط مشاهدة المبيع، وإنما يكفي أن يكون معلومًا بالصفة، بعض الناس يعتقد أنه لا بد من أن ترى المبيع وإلا ما صح البيع، هذا غير صحيح، يكفي الوصف، لكن الوصف الذي يُذكر فيه ما ينضبط به الشيء غالبًا.

يعني مثلًا: لا بد أن يذكر لون السيارة لأنه مؤثر، يذكر مثلًا موديل السيارة لأنه مؤثر، نوع السيارة، فإذا ذكر هذه المواصفات وهذا باع وهذا اشترى؛ فينعقد البيع.

مداخلة:

الشيخ: نعم، المشاهدة: حال العقد تكون أو قبل العقد بيسير، وقلنا: لا يتغير فيه المبيع عادة.

وبناءً على هذا الشرط؛ فلا يصح بيع الحمل في البطن، ولا اللبن في الضَّرْع؛ وذلك للجهالة والغرر. هذا فيما يتعلق بالمُثمَن الذي هو المبيع.

وأما بالنسبة للثمن، فعلى كلام المؤلف أيضًا أنه يُشترط أن يكون الثمن معلومًا عند المتعاقدين؛ لأن الثمن هو أحد العِوَضين؛ فاشتُرط فيه العلم كالمُثمَن. ثم إن البيع مع جهالة الثمن فيه جهالة وغرر، وقد نهى النبي عن بيع الغرر[17].

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يصح البيع وإن لم يُسَمَّ الثمن، ويكون له في هذه الحال ثمن المثل، اختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

ولعل هذا القول هو الراجح: أنه يصح البيع وإن لم يُسَمَّ الثمن، فيكون حينئذٍ له ثمن المثل، قياسًا على: مَن يذكر لنا؟

مداخلة:

الشيخ: النكاح.

لو تزوج امرأة ولم يُسَمِّ مهرًا، أليس هذا يصح؟ يصحُّ بنص الآية بالإجماع: لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة:236]، لكن يكون لهذه المرأة مهر المثل إذا كان لم يُسَمَّ، أما إذا كان قد سُمِّي فيكون لها النصف.

لكن، إذا كان لم يُسَمَّ فيكون لها مهر المثل إذا دخل بها، كلامنا بعد الدخول، ليس في الطلاق. أما إذا طلق: فإذا كان قد سُمِّي فلها النصف، وإذا كان لم يُسَمَّ فليس لها شيء، وإنما يُمَتِّعُها.

لكن، إذا عقد على امرأة ولم يُسَمِّ مهرًا، قال: زوَّجتك. قال: قبلتُ. لم يُذكر المهر في العقد إطلاقًا، فما الحكم؟ يكون لها مهر المثل، فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كذلك أيضًا البيع، لو باع شيئًا ولم يُسَمِّ الثمن؛ فيكون للبائع ثمن المثل.

وهذا أيضًا له نظائر كثيرة، مثله أيضًا في الإجارة، سواء كانت إجارة الأشخاص أو إجارة العمل.

لو -مثلًا- أتيتَ بعاملٍ يعمل عندك، ولم تتفق أنت وإياه على أجرة، ثم بعد نهاية العمل طلب منك أجرة مرتفعة كبيرة، فقلت أنت: الأجر كبير، قال: لا أرضى إلا بهذا. فما الحكم؟ يُعطى أجرة المثل.

لو ركبت مع سيارة أجرة، ولم تتفق معه على أجرة معينة، وفي بالك أن الأجرة مثلًا خمسون، فتفاجأت بأنه طلب مائة ريال؛ فيُعطى أجرة المثل. هذه قاعدة مُطَّرِدة، كما تكون في النكاح تكون في الإجارة، تكون في البيع.

فإذن؛ القول الراجح: أنه يصح البيع وإن لم يُسَمَّ الثمن، ويكون له ثمن المثل.

البيع بما ينقطع به السعر

مِن المسائل المتفرعة على هذا الشرط مسألة “البيع بما ينقطع به السعر”، هذه يذكرها الفقهاء، البيع بما ينقطع به السعر، كأن يقول: أبيعك بما يقف عليه السَّوْم، اذهب وحرِّج على هذه السيارة، وما يقف عليه السَّوْم أبيعك به.

فهذه المسألة اختلف فيها العلماء؛ فمِنهم مَن منع ذلك ومنهم من أجازه، والصحيح جواز ذلك.

وقد اختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى؛ وذلك لكون الجهالة بالثمن في هذه الحال تؤول إلى العلم، هو فيه جهالة، لكن هذه الجهالة تؤول إلى العلم.

قال ابن القيم عن هذا القول -يعني: القول بالجواز- قال: وهذا هو الصواب المقطوع به، وليس في كتاب الله، ولا سنة رسوله ، ولا إجماع الأمة، ولا قول صاحب، ولا قياسٍ صحيح، ما يُحرِّمه؛ فإن الصواب صحة البيع بما ينقطع به السعر.

مداخلة:

الشيخ: هو رضي، قال: أبيعك بشرط ما ينقطع به السعر. وتراضيا على هذا؛ فيلزمه ذلك، وليس فيه غرر، وهو قد قبل ورضي.

وهذا هو الغالب، أن الإنسان يرضى بسعر السوق، هذا أطيَبُ لخاطره، فهو لم يَغبِن الآن، لم يغبِن ولم يغش، هو قال: أنا أبيعك بما يبيع به الناس في السوق، اذهب وحرِّج على هذه البضاعة، وما يقف عليه السعر بعتك به. قال هذا: قبلت. فالصحيح أنه يصح، هو فيه جهالة، لكن جهالة تؤول للعلم.

مداخلة:

الشيخ: هذا سؤال جيد، يقول: هل الخيار يكون من حين العقد، أو أن الخيار يكون من حين السَّوم يعني: أو وجود الشرط؟

هذا فيه خلاف بين أهل العلم، بل ممكن أن نقول: ليس الخيار، نقول: متى ينتقل المِلك؟ هل ينتقل الملك بمجرد العقد، أو ينتقل الملك بمثل وجود هذا الشرط؟

قولان لأهل العلم، والأقرب -والله أعلم- أنه ينتقل المِلك بمجرد العقد؛ وذلك لأنه عقد تام، ولكن لزومه معلَّق على الشرط، فإذا حصل الشرط تبيَّن صحة العقد، وهو قد شرط على أنه يذهب ويسُوم على هذه السلعة، وما ينقطع به السعر فقد اشتراها به.

قال:

السابع: أن يكون منجَّزًا لا معلَّقا؛ كبعتك إذا جاء الشهر، أو إن رضي زيد.

(أن يكون منجَّزًا)، هذا الشرط أضافه المؤلف، وصاحب “الزاد” لم يذكر هذا الشرط، وإنما قسَّم السادس إلى شرطين: معرفة الثمن ومعرفة المبيع أو المُثمَن.

لكن المؤلف هنا جعل الشرط السادس -والسابع عند صاحب “الزاد”- جعلهما شرطًا واحدًا، وأضاف شرطًا سابعًا: وهو أن يكون منجَّزًا لا معلَّقًا؛ وذلك لأن البيع المعلَّق يُعتبر غررًا، وقد نهى النبي عن بيع الغرر[18]؛ ولأنه عقد معاوضة، فلم يَجُز تعليقه على شرطٍ مُستقبِلٍ كالنكاح.

تعليق العقود

وهذه المسألة اختلف فيها العلماء: هل يصح تعليق العقود، أو لا يصح؟ تعليق البيع، تعليق الإجارة، تعليق العقود عمومًا يصح أو لا يصح؟

فالجمهور على أنه لا يصح تعليق العقود ومنها البيع، كما مثَّل المؤلف: بعتك إذا جاء رأس الشهر، بعتك إن رضي أبي، إن رضي زيد، إن جاء فلان، إن حصل كذا. فالجمهور يمنعون تعليق العقود، ويُعلِّلون ذلك بما ذكرناه من أن في هذا جهالة وغررًا.

والقول الثاني في المسألة: صحة تعليق العقود، وهذا هو الذي عليه كثير من المحققين من أهل العلم، واختاره أبو العباس ابن تيمية وابن القيم والشيخ عبدالرحمن ابن سعدي رحمهم الله تعالى، وكذلك أيضًا الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله.

وهذا هو الأقرب، الأقرب -والله أعلم- صحة تعليق العقود؛ فيصح البيع المعلَّق، والعقود المعلَّقة كلها تصح.

ومما يدل لهذا: أن الجمهور يُجيزون تعليق الفسوخ كالطلاق، الطلاق المعلَّق عندهم أنه يقع إذا حصل ما عُلِّق عليه، وعندهم أنه يصح تعليق الولايات، فلا فرق بين تعليق العقود وبين تعليق الفسوخ والولايات، كما يقول الشيخ ابن سعدي رحمه الله.

ثم إنه لا بد للتعليقات من أمورٍ مقصودة تُعلَّق لأجلها، وتلك أمورٌ لا محظور فيها، والأصل الجواز والحِلُّ في كل العقود، والقول بأن في هذا جهالة وغررًا غير مسلَّم، فليس فيه جهالة ولا غرر، وعندما يقول: بعتك على رأس الشهر، فأيُّ جهالة أو غرر في هذا؟ وإن وُجِدت فيه جهالة وغرر فهي جهالة وغرر مغتفرة ويسيرة.

إذن؛ الصواب: هو صحة البيع المعلَّق، بل صحة تعليق العقود، وقد انتصر لهذا القولِ الشيخُ عبدالرحمن ابن سعدي، وله كتاب لطيف تعقَّب فيه صاحب “الرَّوض المُرْبِع” في المسائل التي ذكرها من أول كتابه إلى آخره، ويُصدِّر المسألة بقوله: “والصحيح كذا”، ثم يذكر الدليل. فمن يذكر اسم هذا الكتاب؟

مداخلة:

الشيخ: إي نعم، أحسنت، كتاب “المختارات الجلية من المسائل الفقهية”، أنصح بقراءة هذا الكتاب، “المختارات الجلية من المسائل الفقهية” تعقيب على “الرَّوض المُرْبِع”.

فتجده مثلًا في (باب الطهارة) يقول: والصحيح كذا، والصحيح كذا، في كل باب، والصحيح كذا. ثم يذكر الدليل من الكتاب والسُّنة، كتاب صغير في حجمه، كبير في فائدته.

تعرَّض الشيخ السعدي لهذه المسألة، وانتصر للقول بصحة تعليق العقود.

قال:

ويصح: “بعت”، و”قبلت إن شاء الله”.

لأن المقصودَ بهذا اللفظ التبرُّك لا التردُّد؛ ولذلك يصح مثل هذا.

قال:

ومَن باع معلومًا، ومجهولًا لم يتعذَّر عِلمه؛ صح في المعلوم بقسطه.

هذه المسألة تُسمَّى “مسألة تفريق الصفقة”، وصورتها -كما ذكر المؤلف- أن يبيع معلومًا ومجهولًا، فإن كان هذا المجهول لم يتعذَّر علمه؛ فيصح في المعلوم بقسطه من الثمن؛ كأن يقول: بعتك هذا العبد وثوبًا بكذا، فبالإمكان معرفة الثمن بتقسيط الثمن على كل منهما، وحينئذ يصح في المعلوم -وهو العبد- بقسطه، فننظر كم يُساوي هذا العبد ونخصمه من الثمن، وأما في المجهول فإنه لا يصح.

قال:

وإن تعذَّر معرفة المجهول، ولم يُبَيَّن ثمن المعلوم؛ فباطل.

كأن يقول: بعتك هذه الفرس وما في بطن الفرس الأخرى. ولا يُبيِّن الثمن؛ فيكون البيع باطلًا.

قال الموفَّق ابن قدامة: لا أعلم فيه خلافًا؛ وذلك لأن المجهول لا يصح بيعه بجهالته، والمعلوم مجهول الثمن ولا سبيل إلى معرفته.

والأُولى يصح؛ لأنه لم يتعذَّر العلم بالثمن، فيصح.

هذه إذن أبرز المسائل المتعلقة بشروط البيع، ما أدري هل نستمر؟ نأخذ البيوع المحرمة أو نُرجئها للدرس القادم؟

طيب، إذن البيوع المحرمة أيضًا تحتاج إلى أن نقف معها، فنُرجئها للدرس القادم إن شاء الله تعالى.

الأسئلة

ونكتفي بهذا القدر، وما بقي من الوقت نُجيب فيه عما تيسر من الأسئلة.

نبدأ بالأسئلة المكتوبة كالمعتاد، والأسئلة الشفهية بعد الأسئلة المكتوبة.

السؤال:

الشيخ: على كل حال، نحن الآن ما أخذنا شيئًا كثيرًا، أخذنا فقط شروط البيع، وفصَّلنا فيها أيضًا، فصَّلنا فيها، ولكن هناك بعض المسائل التي لم نذكرها، ربما بعض المسائل المعاصرة؛ لضيق الوقت.

فمثلًا: تفريعًا على الشرط أن يكون المبيع مملوكًا للبائع، مثلًا: بيع المرابحة للآمر بالشراء، موجود الآن، تُمارسه بعض المؤسسات المالية، صورة هذا البيع: أن يأتي الإنسان للبنك أو المؤسسة، أو حتى لفرد، ويقول: أُريد منك أن تشتري لي السلعة الفلانية.

مثلًا: سيارة، فيذهب الموعودُ بالشراء منه ويشتري هذه السلعة أو هذه السيارة، ثم يبيعها عليه، هذا يُسمى “بيع المرابحة للآمر بالشراء”، هذا جائز بشرطين:

  • الشرط الأول: أن يكون الاتفاق المبدئي بينك وبين هذه المؤسسة أو هذا البنك على سبيل الوعد غير المُلزِم، وليس على سبيل العقد، فإن كان على سبيل العقد يكون قد باع ما لا يملك، وإنما يقول: اشترِ لي هذه السيارة، وأعدك بأنك إذا اشتريتها سوف أشتريها منك. كله وعدٌ، ما يوجد عقد.
  • والشرط الثاني: أن يتملَّك الموعودُ بالشراء منه (البنك مثلًا أو المؤسسة)، يتملك السلعة (السيارة مثلًا) ويقبضها.

فإذا تحقق هذان الشرطان فلا بأس به، وقد صدر به قرار من مجمع الفقه الإسلامي.

هذه مسألة يكثر السؤال عنها، نقول: جائزة بهذين الشرطين.

مداخلة:

الشيخ: نعم، حتى لا يبيع ما لا يملك.

السؤال:

الشيخ: بماذا يكون التملُّك؟ التملُّك طبعا يكون بالإيجاب والقبول، لكن ربما يكون السؤال: بماذا يكون القبض؟ القبضُ المَرْجع فيه إلى العرف، قبضُ كلِّ شيء بحسبه.

والعرف عند أصحاب السيارات، القبض فيها بماذا؟ مَن له عناية بالسيارات واهتمام؟ القبض في السيارات، عرف أصحاب السيارات، العرف عندهم؟

مداخلة:

الشيخ: لا، أصحاب السيارات يقولون: إن القبض عندهم بحيازة البطاقة الجمركية الأصلية، مع المفاتيح والأوراق الثُّبوتية، لكن المهم البطاقة الجمركية الأصلية، أنا قلت: الأصلية؛ لأن بعضهم يُصوِّر صورًا، وهذه ما تُفيد، لكن لا بد أن تكون أصلية.

وهذه المسألة فيها أقوالٌ لبعض العلماء المعاصرين، بعضهم قال: إنه لا بد من نقل السيارة من المعرض، وهذا في الحقيقة فيه إشكال، إذا نُقلت السيارة من المعرض فيه ضرر كبير على البائع؛ لأن السيارة إذا نُقلت من المعرض فيه ضرر كبير على المشتري، السيارة إذا نقلت من المعرض وأراد المشتري أن يبيعها؛ فستنزل قيمتها كثيرًا، أحيانًا يكون نزولها يمكن خمسة آلاف ريال أو حتى أكثر.

وبعضهم قال: إنك تُحرِّك السيارة في المعرض، تُقدِّمها وتُؤخِّرها، هذا في الحقيقة أشبه بالعبث! يعني: مثل هذا لا تأتي به الشريعة، أن الإنسان يُقدِّم السيارة ثم يُرجعها مرة ثانية! ما الفائدة من هذا العمل؟!

ولذلك؛ فالصواب: هو أن يكون بحيازة البطاقة الجمركية الأصلية.

لو رجعت لفتاوى اللجنة الدائمة قديمًا، كانوا يشترطون إخراج السيارة من المعرض، لكن الذي أعرفه الآن أن اللجنة الدائمة تُفتي بحيازة البطاقة الجمركية، وهذا هو الحق.

ولذلك؛ عند أصحاب المعارض، عندهم أن هذا هو العرف في قَبْض السيارات، وقبضُ كلِّ شيءٍ بحسبه.

هل من أحد عنده سؤال في هذه المسألة؟ هذه المسألة.

مداخلة:

الشيخ: لا، الأسئلة الشفهية للإخوة ستأتي.

مداخلة:

الشيخ: أي مسألة؟

مداخلة:

الشيخ: المرابحة للآمر بالشراء، طبعًا هذه مسألة معاصرة، فما كانت معروفة عند المتقدمين بهذا الوصف، وإن كان قد وُجد إشارات عند بعض الفقهاء، إشارات، يعني بعض العلماء المعاصرين يقولون: إن المتقدمين تكلموا عنها، ذكروا بعض الإشارات عن محمد بن الحسن وغيره.

مداخلة:

الشيخ: لا، إذا قال: ضَعْ عربونًا، معنى ذلك أنه باعه، ما يجوز، إذا قال: ضَعْ عربونًا، المفروض أنه ما يكون بينه وبينه أيُّ تعاقد، لا عربون، ولا توقيع، ولا أيُّ شيء، ما يكون بينهما أيُّ شيء.

مداخلة:

الشيخ: لا، هذا خطأ؛ معنى ذلك أنه يكون باع ما لا يملك.

الراجحي -مثلًا- ما يفعل هذا، الذين عندهم عناية بتحرِّي الحلال لا يفعلون هذا، لكنَّ هذا تجاوزٌ مِن بعض البنوك، فإذا قال: أعطوني عربونًا، معنى ذلك: أنه وقَّع البيع والبنك بعدُ لم يتملَّك السلعة.

ثم -أيضًا- هناك نقطة أخرى: أحيانًا لا يوجد بيع حقيقي، مجرد تفاهم بين البنك وبين المعرض، تفاهم فقط: إذا أتاك زبائن مِن طرفنا فبِعهم السيارات. لكن ليس هناك بيع حقيقي؛ لذلك؛ لا يملك السلعة، هذا لا يجوز، يكون البنك هكذا مقرضًا بفائدة، فلا بد أن البنك يملك السلعة، لا بد مِن مِلكها، ويقبضها أيضًا، وإلا لَمَا جاز.

وهنا لا بد أن يتحقَّق من يتعامل معها بهذا التعامل، لا بد من أن يتحقق مِن هذا، من التملُّك والقبض.

مداخلة:

الشيخ: نعم، أحسنت، هذا سؤال جيد. يقول: إن البنك، كيف يضمن حقه؟ فقد يتضرر بتراجع المشتري؟

والبنوك على ضربين في هذا:

بعض البنوك يشترطون على هذا الواعد بالشراء أنه إذا تراجع فيكون عليه غرامة مقابل الضرر الذي يلحق البنك، وهذا أيضًا محل نظر؛ إذ إنه مجرد وعد، فكيف نُحمِّله غرامة وليس بينهما عقد؟!

والخيار الثاني -وهو الأحسن-: هو أن البنك يحتاط، فيشترط خيار الشرط على المعرض، فيقول لهذا الواعد بالشراء: لك شهر إذا أردت أن تشتري هذه السلعة.

فيذهب البنك ويشتري هذه السيارة من معرض السيارات، بشرط أن للبنك الخيار، وحينئذ إن عزم هذا الواعد بالشراء على الشراء، فالحمد لله، وإن تراجع فالبنك يردُّ السلعة على المعرض وما خسر شيئًا. وهذا هو الحل لهذه الإشكالية.

أما كونهم يأخذون من الناس أموالًا، ويأخذون غرامة على الأضرار؛ فهذا غير صحيح، هو الآن ليس بينك وبينه عقد حتى تأخذ منه مقابلًا، ثم -أيضًا- بإمكانك أن تحُلَّ هذه الإشكالية بخيار الشرط كما ذكرنا.

السؤال: أحسن الله إليكم، يقترح أحد الإخوة ويقول: شيخنا الفاضل، نحن في حاجة في (باب المعاملات) إلى تصوير المسائل وبيان صورتها، فنرجو البَسْطَ في ذلك.

الشيخ: نعم، هذا إن شاء الله تعالى هو الذي سنسلكه في هذا، في المعاملات، وكما ذكرت في المقدمة، أبواب المعاملات من أهم الأبواب التي يحتاج لها المسلم.

وبعض الإخوة لهم عناية -أيضًا- بكلام الفقهاء المتقدمين، لكن ليس لهم أيُّ عناية بالمعاملات المعاصرة، وهذا يُعتبر قصورًا؛ فلا بد من الإلمام بالمعاملات المعاصرة، بجانب أيضًا الإلمام بما دوَّنه فقهاؤنا.

وسيأتي -إن شاء الله تعالى- في الدروس القادمة -أيضًا- ذكرُ تطبيقاتٍ معاصرة على بعض المعاملات.

مثلًا: عندما نأتي لـ”الضمان”، نتكلم عن خطاب الضمان وحكمه، وحكم أخذ عمولة عليه. وكذلك أيضًا عندما يأتي “القرض”، نأتي لبطاقات الائتمان وأحكامها، وهكذا -إن شاء الله تعالى- سوف نتكلم عنه بالتفصيل في حينه.

وكذلك أيضًا “التأجير”، عندما نتكلم عنه في (باب الإجارة)، التأجير المنتهي بالتمليك، والتأجير مع الوعد بالتمليك، هذا -إن شاء الله سنتكلم- عنه، فإن شاء الله تعالى معظم تعاملات الناس اليوم سوف نتطرق لها، إن شاء الله تعالى في الدروس القادمة.

والذي يُشكل عليه شيء من التصوير بإمكانه أن يسأل، لكن -إن شاء الله- لن يُشكِل شيءٌ، سنوضِّحها -إن شاء الله- توضيحًا كافيًا.

السؤال: أحسن الله إليكم، ما المقصود بالسَّوْم؟

الشيخ: السَّوْم، يعني يبدو أن السائل ليس له اهتمام بالبيع والشراء، سَوْم السلعة، أو سَوْم البضاعة، أظن هذا أشهر من أن يُعرَّف.

مداخلة:

السؤال: أحسن الله إليكم، معنى قول المؤلف: (ثمن المثل)؟

الشيخ: ثمن المثل يعني: ثمن هذا الشيء عادة في عُرف الناس.

فمثلًا؛ لو قلنا: سيارة من نوع كذا، موديلها كذا، إذا كانت جديدة في عُرف الناس سعرها كم؟ تجد أن سعرها متقارب وإن كان فيه تفاوت يسير، فهي مثلًا: ما بين تسعة وأربعين ألفًا إلى خمسين ألفًا، فنجعل مثلًا متوسط الثمن تسعةً وأربعين ألفًا وخمسمائة. هذا معنى ثمن المثل.

السؤال: أحسن الله إليكم، ما ضابط الشيء اليسير الذي يجوز للصغير -سواء كان مميِّزًا أو غير مميِّز- البيع والشراء فيه؟ على سبيل المثال: هل الخمسون ريالًا تصلح ضابطًا الآن؟

الشيخ: الضابط: هو ما لا تلتفت له همة أوساط الناس، وهو ما يُباح الْتقاطه وتملُّكه بلا تعريف، فإن هذا مما يُتسامح فيه.

فمثلًا: خمسة ريالات، هل تلتفت لها همة أوساط الناس؟ لا، ما تلتفت لها. ولذلك؛ لو أتى صبيٌّ وذهب للبقالة، واشترى له حاجة بخمسة ريالات، البيع صحيح ولو بغير إذن وليِّه.

ومثلًا: عشرة ريالات كذلك. خمسون ريالًا؟ طيب، خمسون ريالًا تلتفت لها همة أوساط الناس؛ ولذلك فبيع الصبي -مثلًا- لشيء أو شراؤه لشيء قيمته خمسون ريالًا لا يصح إلا بإذن وليِّه.

السؤال: أحسن الله إليكم، دخلتُ في مساهمة عقارية منذ خمس سنوات تقريبًا، في استثمارٍ في أرض مكة، وكان صاحب المساهمة يزعم أنه لن تزيد مدة المساهمة على ثمانية أشهر إلى تسعة أشهر، وإلى الآن لم تنته المساهمة، بدعوى صعوبة الإجراءات الحكومية، والفساد الإداري في كثير من الدوائر في مكة. السؤال: منذ تأخير المساهمة لم أُزَكِّها مطلقًا، والآن جاء شخص يُريد أن يشتري أسهمي هذه برأس مالها الذي اشتريتها به، وهي قرابة ستين ألف ريال، وسأستلمها قريبًا إن شاء الله، فكيف أُزَكِّيها؟

الشيخ: زكاة المساهمات المتعثِّرة هي محل خلاف بين أهل العلم، وأرجح الأقوال فيها -والله أعلم- هو أن المساهِم إذا قبضها يُزكِّيها عن سنة واحدة ويكفي ذلك؛ قياسًا على الشجرة التي أثمرت بعدما توقف نموها وانعدمت ثمرتها ثم أثمرت بعد ذلك، فإنها تُزكَّى مرة واحدة، فكذلك أيضًا المساهمات المتعثِّرة، أرجح الأقوال فيها أنه إذا قبضها يُزكِّيها عن سنة واحدة.

السؤال: أحسن الله إليكم، ما معنى بيع الغرر؟

الشيخ: بيع الغرر يعني: ما فيه جهالة وغرر، ما فيه جهالة واضحة كما مثَّلنا ببيع الطير في الهواء، وبيع السمك في الماء، وبيع الجمل الشارد، وأما ضابط الغرر فالمرجع فيه إلى العُرف، لكن الغرر اليسير يُتسامح فيه، والغرر الكبير عُرفًا هذا هو الممنوع.

السؤال: أحسن الله إليكم، في عدم تسوية الثمن وإعطاء ثمن المثل: مَن يؤخذ قوله: البائع أو المشتري؟ ثم أليس البائع أعلم من المشتري بأجرة المثل أو ثمن المثل؟

الشيخ: لا يُؤخذ لا بقول البائع ولا بقول المشتري، وإنما بأهل الخبرة في هذا.

فإذا -مثلًا- اشترى إنسان سلعة، ولم يُسَمَّ الثمن، فنقول: المرجع في ذلك ثمن المثل، مَن الذي يُحدِّد ثمن المثل؟ أهل الخبرة، إذا كان -مثلًا- اشترى سيارة، نرجع لأهل الخبرة أهل السيارات، اشترى عقارًا نرجع لأهل العقار، وهكذا.

السؤال: أحسن الله إليكم، ما حكم اقتناء السِّنَّور، القط؟

الشيخ: نعم، اقتناء السنور لا بأس به، وقد جاء في حديث أبي قتادة : أن النبي قال: إنها ليست بنجس، قال عن السِّنَّور: إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات[19]، ومعلوم أن أبا هريرة إنما لُقِّب بذلك لهِرَّة كان يحملها، فاقتناء الهِرِّ لا بأس به، وسُؤره طاهر.

السؤال: أحسن الله إليكم، هل يصح اشتراط إرجاع سلعة لعدم الرغبة فيها؟ علمًا بأن هناك محلات تسمح بذلك لمدة محدودة؟

الشيخ: هذا الشرط شرط يُنافي مقتضى العقد؛ لأن مقتضى العقد هو لزوم العقد بمجرد التفرُّق بالأبدان، فكونه يَشترط عليه إرجاع السلعة شرط غير لازم بالنسبة للبائع، لكن لو أن البائع قَبِل به فلا بأس.

يعني لا نقول: إنه محرم، ولكنه عند التنازع غير لازم، يعني: شرطٌ غير صحيح؛ ولذلك لو ترافعا إلى القاضي، فالقاضي سيُبطله، لكن الغالب هو أن البائع يتسامح في مثل هذا مِن باب ترغيب الزبائن في الشراء؛ فيقبل بهذا الشرط، فهو شرط غير صحيح، لكنه عند التراضي به هو جائز.

مداخلة:

الشيخ: حتى لو اشترط على نفسه؛ لأنه شرط يُنافي مقتضى العقد، كما قال النبي أيُّ شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط[20].

مداخلة:

الشيخ: الشروط ستأتينا -إن شاء الله- في الدرس القادم، الشروط تنقسم إلى: شروط صحيحة، وشروط فاسدة.

فالشروط التي تُنافي مقتضى العقد شروط فاسدة، مثل الشرط الذي شُرط على بَرِيرة أن الولاء لهم، مع أن المُعتِق هي عائشة رضي الله عنها، فهذا شرط يُنافي مقتضى العقد، النبي قال: ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله، مَن اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط[21].

لكن العقد صحيح، فمَن شرط -مثلًا- إرجاع السلعة، هذا الشرط يُنافي مقتضى العقد؛ لأن مقتضى عقد البيع هو انتقال السلعة للمشتري والثمن للبائع، فهذا الشرط نقول: إنه شرط غير صحيح لكن العقد صحيح، لكن لو رضي البائع بالإرجاع فلا بأس.

مداخلة:

الشيخ: خيار الشرط، يشترط ما له فيه مصلحة ولا يُنافي مقتضى العقد، كأن يشترط -مثلًا- سُكنى الدار؛ إنسان يُريد أن يبيع بيته، واشترط سُكنى الدار مدة سنة، أو يشترط حمل المبيع وإيصاله إلى مكان معين.

سيأتينا على كل حال الكلام عن الشروط بالتفصيل إن شاء الله، سنضع فيها قواعد وضوابط.

السؤال: أحسن الله إليكم، ما أفضل كتاب في المعاملات يفهمه طالب العلم ويُحضِّر منه؟ وما أفضل كتاب في المعاملات المالية المعاصرة؟ وما رأي فضيلتكم في مؤلفات (محمد شبير) و(نزيه حماد) في المعاملات المالية؟

الشيخ: أما بالنسبة للمعاملات، فلا يخلو كتاب فقه من أبواب المعاملات.

فمثلًا: كتاب “الشرح الكبير” من أفضل الكتب التي أُوصي بها الحقيقة، تجد الموفَّق رحمه الله إذا تكلم عن مسألة يذكر آراء العلماء وأدلتهم، وأحيانًا يختار ويُرجِّح ما يقتضيه الدليل، وأنصح بطبعة “الشرح الكبير مع الإنصاف”، والتي حقَّقها الدكتور عبدالله التركي؛ لأنها ثلاثة كتب في كتاب واحد، ففي المتن “المقنع” ثم “الشرح الكبير” ثم “الإنصاف”.

وكذلك -أيضًا- كتب ابن تيمية وابن القيم، فإنهما عالمان محقِّقان، شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله له آراء جيدة، خاصة في المعاملات، وهناك مَن استخرج آراءه، وهناك “نظرية العقد عند ابن تيمية”، وله أيضًا كلام جيد في القواعد النورانية، هذا فيما يتعلق بالمعاملات عمومًا، يعني لا يخلو كتابُ فقهٍ منها.

أما المعاملات المالية المعاصرة فيُوجد في المكتبات كتب، لكن متفرقة، ورسائل علمية في عدة أبواب، لكن لا أعلم أن هناك كتابًا في المعاملات المالية المعاصرة معروضًا بأسلوبٍ سهل ومبسَّط مع استيفائه.

لكن -إن شاء الله تعالى- أنا أعمل الآن على إخراج كتاب بهذا الخصوص، لعله أن يَسُدَّ هذه الثغرة، ويكون مناسبًا لجميع الشرائح، بحيث إن مَن يقرأ هذا الكتاب يفهم المقصود إن شاء الله تعالى. لعل هذا الكتاب يخرج -إن شاء الله تعالى- في مدة لا تزيد على سنة إن شاء الله.

وعمومًا، أصل هذا الكتاب موجود في دورة ألقيتها في جامع شيخ الإسلام ابن تيمية، بعنوان: “فقه المعاملات المالية المعاصرة”، وموجودٌ الصوت، وأيضًا مكتوب ومفرغ في موقع الجامع، وموجود -أيضًا- في أشرطة كاسيت.

فمَن أراد أن يستفيد بخصوص المعاملات المالية المعاصرة، ففي هذه الدورة، وإن شاء الله تعالى يُحرَّر ذلك ويخرج في كتاب يُستفاد منه.

أما ما سأل عنه من كتب (نزيه حماد)، فالشيخ (نزيه حماد) معروف بعمقه وتضلُّعه، خاصة في أبواب المعاملات، وأيضًا ممارسته، وكذلك -أيضًا- الشيخ (محمد شبير) التقيت به في مجمع الفقه الإسلامي، وأيضًا كتبه جيدة، خاصة فيما يتعلق بالمعاملات.

مداخلة:

الشيخ: نعم، “الشرح الممتع” يا إخوان ليس فقط في المعاملات، “الشرح الممتع” أنا أُوصي بقراءته، وبضبط المسائل التي فيه، هو يُعتبر في الحقيقة موسوعة، ويتميَّز بسهولة عبارته، ما تحتاج لأحد يشرح لك العبارة، عبارته سهلة؛ ولذلك أُوصي به.

ولو أن أحدًا -مثلًا- وضعه كمشروع، وضَبَط ما فيه من مسائل، من (كتاب الطهارة) إلى (الإقرار)، سيستفيد علمًا كثيرًا.

السؤال: أحسن الله إليكم، هناك من يقول: إن حديث عروة بن الجعد لا يدل على (مسألة الفضولي)؛ وذلك لأن أصل الإذن قد حصل من النبي ، بخلاف مسألة (بيع الفضولي) فلا يوجد أصل الإذن، فما رأيكم؟ جزيتم الجنة.

الشيخ: هذا غير صحيح؛ لأن النبي إنما أذن له في أن يشتري بهذا الدينار شاة، فاشترى له به شاتين، فأصبحت هاتان الشاتان ملكًا للنبي . فتصرف عروة بن الجعد، هو باع شيئًا ليس مِلْكه، لكن النبي أقرَّه على ذلك[22].

ثم على تقدير عدم التسليم بالدلالة، فالمعنى يقتضي صحة بيع الفضولي وشرائه إذا أجازه المالك، ولا دليل يدل على المنع، والأصل في المعاملات الحل والإباحة، فإذا أجازه المالك فأصول وقواعد الشريعة تقتضي صحة هذا البيع وجوازه.

السؤال: أحسن الله إليكم، ما حكم بيع الأعضاء وبيع الدم؟

الشيخ: بيع الأعضاء فيها إشكالية كبيرة، أولًا: الحي لا يجوز أن يبيع أعضاءه.

يعني -مثلًا- بيع كُلْيَة، بيع -مثلًا- أيِّ جزءٍ مِن عضوٍ؛ لا يجوز؛ لأن الأعضاءَ بَدَنَ الإنسان مِلك لله ، وليست ملكًا لك حتى تبيعها، لكن ربما يكون السؤال: التبرُّع ليس البيع، البيع قولًا واحدًا لا يجوز، كيف تبيع شيئًا لا تملكه؟! هو مِلك لله ، فالبيع لا يجوز مطلقًا.

لكن، الإشكال الكبير حقيقة في التبرُّع، أما تبرُّع الحي فالأمر سهل، كونه يتبرَّع بكُلْيَته أو يتبرع بدمه فلا بأس بذلك إن شاء الله.

لكن، التبرُّع بالأعضاء بعد الوفاة، هنا فيها إشكالية كبيرة، أما إذا مات الإنسان وفارقت الروح الجسد، فلا يمكن أن يُستفاد من أعضاء الإنسان؛ لأن الدم يتجمَّد في العروق، ما يمكن أن يُستفاد منها، تتلف الأعضاء كلها ما عدا القرنية، يقولون: في حدود ثلاثين دقيقة على أكثر تقدير، وما عدا ذلك لا يمكن الاستفادة منها.

إذن؛ مَن الذي يستفاد منه؟ يُستفاد من الميت دماغيًّا، الميت دماغيًّا هل هو ميت شرعًا أو لا؟

ننظر؛ الميت دماغيًّا في الحقيقة إنسان يتنفس ويتبول ويتغوط ويتعرق، ودرجة حرارته نجدها إذا قستها تجدها سبعة وثلاثين، وتجد -أيضًا- ضغطه معتدلًا، إنسان ما زالت الروح فيه، ما زالت الروح تتردد في الجسد، وليس ميتًا شرعًا.

وما ذُكر في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي في منظمة المؤتمر الإسلامي كان خطأً في الحقيقة؛ لأنهم اعتمدوا على كلام أطباء، والأطباء يتكلمون عن الوفاة بالمنظور الطبي.

ولذلك؛ عَقَّب مجمع الرابطة وأصدر قرارًا بأنه لا يُعتبر موتًا شرعًا، مع أن الغريب أنه كان رئيس المجلس الشيخ بكر أبو زيد، على دِقَّته وتحرِّيه، إلا أنهم وقعوا في هذا وأصدروا قرارًا، ويُعتبر خطأً الحقيقة، فليست المسألة حتى محل اجتهاد؛ ما زالت الروح في الجسد، كيف نعتبره مات شرعًا؟

فعند التبرع بالأعضاء، يأتون لهذا الإنسان ورُوحه ما زالت في جسده، ويستأصلون أعضاءه عضوًا عضوًا، نعم، يأخذون كبده، يأخذون قلبه، يأخذون أعضاءه، إلى أن يموت، هذا في الحقيقة فيه تَعَدٍّ على نفسٍ معصومة، حتى لو أذن هو بنفسه لا يملك، حتى لو أذن لا يملك.

وعندنا رسالة دكتوراه في نقل الأعضاء لأخينا الشيخ (يوسف الأحمد)، وخلُص لهذه النتيجة بعدما ذهب للمستشفيات وراقب أحوال المرضى، وخلُص لهذه النتيجة، وأنه لا يجوز التبرُّع، وهي مطبوعة؛ يعني هي أحسن ما كُتب في هذه المسألة.

السؤال: أحسن الله إليكم، إذا دخل رجلٌ إلى الحضور إلى الدرس، وبدأ وصلى الوتر فقط، فهل تدخل تحية المسجد في ركعة الوتر؟

الشيخ: نعم، لو نوى بذلك الوتر فيدخل في هذا تحية المسجد؛ لأن المقصود بتحية المسجد ألا يجلس إلا بعدما يأتي بصلاة.

فسواء كانت هذه الصلاة ركعتين مستقلتين، أو كانت صلاة فريضة، أو كانت صلاة ضحى، أو صلاة وتر، المهم أنه لا يجلس حتى يأتي بصلاة.

السؤال: أحسن الله إليكم، بعض الناس إذا وجد كرة قدم في الشارع يأخذها دون تعريف، فهل فعله صحيح؟

الشيخ: على القاعدة: إذا كانت مما لا تلتفت له همة أوساط الناس فلا بأس، إذا كانت لُقَطة أيضًا، إذا كانت لقطة، أما إذا كانت ليست لُقَطة، وإنما معروفٌ مَن أصحابها، معروفٌ أنها لهذا البيت، فلا يجوز أخذها، أو على الأقل معروفٌ أنها لهذه البيوت، فلا يجوز أخذها.

كلام الفقهاء في الْتقاط ما لا تلتفت إليه همة أوساط الناس، إنما هو في الشيء الضائع، أما الشيء المعروف ولو على سبيل التقرير، لا يُعتبر هذا لُقَطة.

ولذلك؛ لو وجدت قلمًا في المدرسة مثلًا، لا تعتبر هذا لُقَطة؛ لأن القلم إن وجدته في هذا الفصل فهو لواحدٍ من هؤلاء الطلاب، أو وجدت -مثلًا- قلمًا بنصف ريال في دائرة حكومية فما يُعتبر لقطة؛ لأنها لهؤلاء الموظفين الذين يعملون في هذا المكان.

اللُّقَطَة إذن: هي الشيء الضائع، شيء تجده في الطريق، تجده -مثلًا- في السوق، هذه هي اللُّقَطَة التي ينطبق عليها كلام الفقهاء، أنها ما لا تلتفت لها همة أوساط الناس؛ فيجوز الْتقاطه وتملُّكه بلا تعريف. وما تلتفت له همة أوساط الناس يُعرَّف، هذا إذا كان لُقَطة.

بعض الناس يخلط بين المسألتين، فتجده يأخذ الأشياء اليسيرة باعتبار أنها لا تلتفت لها همة أوساط الناس، مع أن أصحابها معروفون؛ هذا لا يجوز.

الشيء المملوك المعروف صاحبه يجب ردُّه إلى صاحبه، حتى وإن كان شيئًا يسيرًا؛ لهذا قال النبي : من اقتطع حقَّ امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرَّم عليه الجنة. قالوا: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: وإن كان قضيبًا من أراك[23].

أليس القضيب من الأراك لا تلتفت له همة أوساط الناس؟ ومع ذلك حرمه النبي عليه الصلاة والسلام؛ لكونه مملوكًا معروفًا صاحبه.

فانتبِهوا! لا يخلط أحد بين المسألتين.

مداخلة:

الشيخ: لا، إذا كانت في مدرسة، معروفٌ أنها لأحد الطلاب، يُوضع إعلان، وسيأتيك الطالب الذي له هذا المبلغ.

إي نعم، كذلك إذا كان في دائرة حكومية، اللُّقَطَة هي الشيء الضائع الذي لا يُدرى مَن صاحبه ولا يمكن التوصُّل إليه. هذه هي اللقطة.

مداخلة:

الشيخ: ما يلزم أن يأخذها، بل سيأتينا -إن شاء الله- في (باب اللُّقَطَة): الْتقاط اللُّقَطَة مكروه، إلا إذا خشي عليها الضياع فيُستحب.

الْتقاط اللُّقَطة مكروه؛ لأن الإنسان يُعرِّض نفسه للمسؤولية، يُعرِّض نفسه لعدم القيام بهذا الواجب، يُعرَِفها سَنة، تعريفها سنة كاملة ليس بالأمر الهين، هل كل إنسان قادر على التعريف سنة كاملة؟ يعني كونه يُبرِّئ ذمته ما يستلم هذه اللُّقطة أفضل بالنسبة له، إلا إذا كان يخشى عليها الضياع أو السرقة، فهو من باب حفظ أخيه المسلم والأفضل أن يلتقطها.

مداخلة:

الشيخ: هذا -أيضًا- من المسائل التي يخلط فيها بعض الناس، بعض الناس يلتقط اللُّقَطة ثم يتصدق بها. هذا غير صحيح، اللُّقَطة لها حكم شرعي؛ أنك تأخذها وتُعرِّفها، إذا كنت غير قادر على التعريف فاتركها وليس لك أن تتصدق بها.

فالصدقة إنما تكون في المال الذي ليس لُقَطَة، وإنما مال مملوك لكن لا يُهتدى لصاحبه؛ هذا هو الذي يُتصدَّق به.

تجد بعض العامة يلتقط اللُّقَطة، ثم يقوم ويتصدق بها. هذا لا يُبرئ ذمته، إما أن تلتقط اللُّقَطَة وتُعرِّفها كما أمر النبي بهذا، أو تتركها.

السؤال: السؤال الأخير: أحسن الله إليكم، ذكرتم -بارك الله فيكم- في درس السبت الماضي تعليقًا على حديث: لا يتناجى اثنان دون الآخر، قلتم: النهي للتحريم. وكنتم ذكرتم قبل ذلك قاعدة، وهي: الأوامر في باب الأدب للاستحباب، والنواهي للتنزيه. فأرجو البيان جزاكم الله خيرًا؟!

الشيخ: نعم، هذا يدل أنه ما أمكنه أن يسأل في درس السبت، فاستدرك هنا.

نعم، كنا قد شرحنا هذا في درس المغرب في جامع “الصانع”، شرحنا هذا الحديث، ونحن بدأنا في (باب الأدب) من كتاب (الجامع) من (بلوغ المرام)، ففي شرح هذا الحديث ذكرنا خلاف العلماء: هل النهي للتحريم أو للكراهة؟ ثم قلنا: إن الصحيح أن النهي للتحريم.

والأخ يقول: إن هذا في الآداب، لكن إذا كان النهي في الآداب ووُجدت قرينة تدل على التحريم؛ فإنه يكون للتحريم، وهنا قد وُجدت القرينة، وهي قوله : مِن أجل أن ذلك يُحزِنه[24].

ومعلومٌ مِن قواعد الشريعة: أن إحزان المسلم مُحرَّم: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا [المجادلة:10]، فدل ذلك على التحريم، فنحن لم نأخذ فقط مجرد النهي، وإنما أيضًا انضمام القرينة، وهي قوله : من أجل أن ذلك يُحزِنه.

وأيضًا، استنبطنا من هذا فائدة: أن كل ما يكون سببًا لإدخال الحزن على أخيك المسلم؛ فهو منهي عنه.

السؤال:

الشيخ: نعم، في الأُولى يقولون: لا يتعذَّر عِلمه، أما هنا فيتعذَّر؛ يعني: في الأولى الثمن معلوم، فننظر: هذا العبد كم يساوي؟ فيصح البيع في العبد ولا يصح في الثوب، بينما في الثاني غير معلوم أصلًا، ما يمكن، يتعذَّر علمه، يعني: الثمن غير معلوم، ما نستطيع أن نعطيك هذه الفرس وحَمْلها في الفرس الأخرى، كيف نعرف هذا وهذا؟ ما نستطيع؛ للجهالة والغرر.

مداخلة:

الشيخ: لا، الثمن ما نعرفه، مجهول.

مداخلة:

الشيخ: على كل حال، اللفظان متقاربان، مبادلة -مثلًا- هذه السلعة بمال، أو معاوضة هذه السلعة بمال، يظهر أنه ليس بينهما فرق كبير، ولا مشاحة في الاصطلاح.

وأرى أنه لا يتعمق الإنسان في التعريف، التعريف أحيانًا يُضيِّع الوقت على الإنسان، تجد بعض العلماء عندهم اهتمام بالتعريف، والمقصود أن تأخذ فكرةً عن الشيء المعرَّف، لكن التعمُّق فيه ليس مأثورًا عن السلف، السلف فقط يقتصرون على الشيء النافع، السلف رحمهم الله تجد أنهم يقتصرون على الشيء النافع.

ولذلك؛ كما يقول الشاطبي: إنهم يُبقون الكلام على عواهنه مِن غير تكلُّف. فتجد أحيانًا الشارح يبقى في التعريفات -يمكن- نصف ساعة، وعُرِّف بكذا، وعُرِّف بكذا، وعُرِّف بكذا. مع أنه يمكن أن تأتي بتعريف واحد فقط يُعطي فكرة عن الشيء المعرَّف، ولا داعي للدخول في التفاصيل وفي الألفاظ؛ لأن هذه ربما تكون على حساب مسائل أهم منها.

مداخلة:

الشيخ: لكن ليس على سبيل الشرط.

مداخلة:

الشيخ: نعم، إذا كان في السلعة عيب يعلمه البائع؛ فلا بد أن يُخبر به. وستأتينا -إن شاء الله- هذه المسألة، حتى لو شرط.

ولذلك -إن شاء الله- سنتعرض لمسألة ما هو موجود في الحراج، يقول: أبيعك كومة حديد، أو أبيعك الحاضر الناظر، أو عندهم عبارات بهذا، سنتعرض لها، ما حكم هذا؟ وهل يبرأ البائع بهذا الكلام وبهذا الشرط أو لا يبرأ؟ إن شاء الله تعالى سنتكلم عن هذه المسائل بالتفصيل.

نرجو يا إخوة أن تكون الأسئلة فيما مضى، أما الأسئلة في المسائل التي سنشرحها لعلها تُرجأ. لكن فيما شُرِح.

مداخلة:

الشيخ: لا بأس، لا بأس، (بطاقات سوا) هي تبيعها للمنفعة التي تشتمل عليها هذه البطاقة، لكن لا بد من مراعاة التملُّك والقبض، فهي كغيرها من السلع.

مداخلة:

الشيخ: عند الجمهور، الجمهور يمنعون من هذا، ويقولون: هذا جهالة وغرر. لكن الصحيح ما يوجد جهالة ولا غرر: أنا بعتك إن رضي زيد. نذهب لزيد نقول: أنت راضٍ؟ إذا قال: نعم؛ إذن تم العقد، إذا قال: لست راضيًا؛ لم يتم العقد.

فأين الجهالة والغرر؟! ليس فيها جهالة وغرر.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 2312، ومسلم: 1594.
^2 رواه البخاري: 2079، ومسلم: 1532.
^3, ^14, ^17, ^18, ^22 سبق تخريجه.
^4 رواه أبو داود: 2194، والترمذي: 1184، وابن ماجه: 2039.
^5 رواه ابن ماجه: 2185.
^6 رواه البخاري: 2236، ومسلم: 1581.
^7 رواه البخاري: 2237، ومسلم: 1567.
^8 رواه مسلم: 1568.
^9 رواه البخاري: 5481، ومسلم: 1574.
^10 رواه النسائي: 4291.
^11 رواه مسلم: 1569.
^12 سبق تخريجه
^13 رواه أحمد: 15311، وأبو داود: 3503، والترمذي: 1232، والنسائي: 4613.
^15 رواه البخاري: 3642.
^16 رواه مسلم: 1513.
^19 رواه مالك: 13، وأحمد: 22528، وأبو داود: 75، والترمذي: 92، والنسائي: 68، وابن ماجه: 367.
^20 رواه البخاري: 2729، ومسلم: 1504.
^21 رواه البخاري: 2735، ومسلم: 1504.
^23 رواه مسلم: 137.
^24 رواه البخاري: 6290، ومسلم: 2184.
zh