logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(51) كتاب الجهاد- من قوله: “فصل: ومن قتل قتيلًا في حالة الحرب..”

(51) كتاب الجهاد- من قوله: “فصل: ومن قتل قتيلًا في حالة الحرب..”

مشاهدة من الموقع

بدأنا بـ(كتاب الجهاد) ولم نكمله، ولعلنا في هذا الدرس -إن شاء الله- ننتهي منه، ووصلنا إلى قول المؤلف:

من قتل قتيلًا في حالة الحرب فله سَلَبُه

فصل:

ومن قتل قتيلًا في حالة الحرب فله سَلَبُه.

وذلك لقول النبي كما في حديث أبي قتادة : من قتل قتيلًا له عليه بيِّنة فله سَلَبُه. متفق عليه[1].

وعن عاصم بن مالك وخالد بن الوليد رضي الله عنهما: أن النبي قضى بالسَّلَب للقاتل، ولم يُخمِّس السَّلب. رواه أبو داود[2]، وهو حديث صحيح.

فإذن؛ السَّلَب يكون لمن قتل قتيلًا له عليه بيِّنة، وهذا من باب التحفيز والتشجيع للمقاتلين والمجاهدين، لكي يكون ذلك حافزًا لهم على قتل الكفار.

وهذا مما استدل به بعض أهل العلم على أن الإنسان إذا قصد بعمله وجه الله ، وأراد من ذلك مصلحة دنيوية؛ فإن ذلك لا يؤثر على إخلاصه، فإن هذا المقاتل يُقاتل في سبيل الله، ومع ذلك جعل له النبي عليه الصلاة والسلام هذا الحافز، وهو أن يكون له سَلَب القتيل.

ونظير ذلك قول الله تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ۝ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ۝ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12].

فذكر منافع دنيوية لاستغفارهم، ثم بيَّن المؤلف المقصود بالسَّلَب؛ قال:

وهو ما عليه.

يعني: ما على القتيل.

من ثيابٍ وحُلِيٍّ وسلاح، وكذا دابته التي قاتل عليها وما عليها.

هذا هو السَّلَب.

وأمَّا نفقته ورَحْله وخيمته وجَنِيبُه فغنيمة.

قوله: (وجَنِيبُه)؛ الجَنِيبُ معناه: أن يُجنِّب فرسًا إلى فرسه، يعني يجعل فرسًا إلى فرسه، فإذا فَتَر المركوب تحوَّل إلى المجنوب، فبعضهم يكون عنده فَرَسان، فيجعل فرسًا جَنِيبًا، يعني: قريبًا من فرسه، فإذا فتر الفرس المركوب تحوَّل إلى المَجْنُوب.

فالنفقة والرَّحْل والخيمة والجّنِيب، هذه تكون غنيمة؛ لأن السَّلَب خاصٌٌ بما عليه القتيل حال قتله، أو يُستعان به في القتال كما ذكر المؤلف، كالثياب والحلي والسلاح والدَّابة، هذه تدخل السَّلَب، أما ما وُجد معه من نفقةٍ وكذلك خيمته ورحله، وكذلك -أيضًا- ما وُجد معه من خيول أخرى ونحو ذلك، فهذا لا يدخل في السَّلَب.

كيفية تقسيم الغنيمة بين الغانمين

قال:

وتُقَسَّم الغنيمة بين الغانمين.

الغنيمة هي: كل مالٍ أُخذ من الكفار قهرًا بالقتال. والفرق بينها وبين الفَيْء، أن الفَيْء هو: كل مالٍ أُخذ من الكفار دون قتال؛ إذن ما يُؤخذ من الكفار دون قتال فهو فَيْء، وبالقتال هذا غنيمة، وحِلُّ الغنيمة من خصائص هذه الأمة؛ لقول النبي : أُعطيت خمسًا لم يُعطَهن أحدٌ قبلي، وذكر منها: وأُحِلَّت لي الغنائم[3]، وكانت الغنائم قبل النبي تُجمَع، وتنزل عليها نار من السماء، فتحرقها.

قال المؤلف:

وتُقسَّم الغنيمة بين الغانمين، فيُعطَى لهم أربعة أخماسها.

تُقسَّم الغنيمة إلى: خُمس وأربعة أخماس؛ أربعة أخماس تكون للغانمين وهذا بالإجماع؛ لقول الله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال:41]؛ يعني: والباقي للغانمين، وكان النبي يُقسِّم الغنائم كذلك. فأربعة أخماس إذن تكون للغانمين.

ولكن كيف تُقسَّم؟ قال:

للرَّاجل سهم، وللفارس على فرسٍ هجينٍ سهمان، وعلى فرسٍ عربيٍّ ثلاثةٌ.

(للرَّاجل) يعني: لغير الفارس، الذي يقاتل من غير خيلٍ، هذا يكون له سهم واحد. وأما الفارس فإن كان على فرسٍ هجينٍ -والهجين هو: ما كان أبوه عربيًّا فقط- فله سهمان، وإن كان على فرسٍ عربي فيكون له ثلاثة أسهم؛ وذلك لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله أَسْهَم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم: سهمان لفرسه، وسهم له. متفق عليه[4]؛ ولأن نفع الفارس أعظم من نفع الراجل.

ولكن تفريق المؤلف بين الفرس الهجين والفرس العربي محل نظر؛ ولذلك ذهب بعض أهل العلم إلى عدم التفريق بينهما، وأن الفارس له ثلاثة أسهم؛ لعموم الأحاديث، فإنه في حديث ابن عمر رضي الله عنهما وما جاء في معناه لم يخص الفرس العربي، وإنما أطلق.

وهذا هو الأقرب والله أعلم، أنه يُسهَم للفارس مطلقًا، سواء كان فرسه عربيًّا أو كان هجينًا، يُسهم له ثلاثة أسهم.

طيب، ما الذي يُقاس على الفرس في الوقت الحاضر؟

مداخلة:

الشيخ: الطائرة، طيار يعني، طيب، عندنا الفرس، سيأتينا أيضًا الإبل، فأيهما أقرب للفرس وأيهما أقرب للإبل؟

مداخلة:

الشيخ: نعم، أيهما أسرع، الفرس أو الإبل؟ الخيل لا شك أسرع، وهي أقرب إلى الطائرة، والإبل أقرب إلى الدبابة. هذا هو الظاهر والله اعلم.

ولذلك؛ فالطيار الذي يُقاتل يُسهَم له ثلاثة أسهم: سهم له وسهمان لطائرته، كما أنه يُسهم للفارس ثلاثة أسهم: سهم له وسهمان للفارس.

طيب، مَن كان على الدبابة، هل يُسهَم له؟ نحن قلنا: إنه يُقاس على الإبل فيأتي الحكم؛ قال المؤلف:

ولا يُسهم لغير الخيل.

يعني: الإسهام فقط إنما هو للخيل.

وبناءً على ذلك؛ فلا يُسهم في وقتنا الحاضر لغير الطيار، ولا شك أن نفع الطيار أكثر من غيره، ولا يُسهم لغير الخيل؛ لأن النبي لم يُنقل عنه أنه أسهم لغير الخيل، وقد كان معه يوم بدر سبعون بعيرًا، بل لم تَخْلُ غزوة من غزواته من إبل، ولم يُنقل أن النبي كان يُسهِم للإبل مطلقًا، وإنما ورد عنه أنه يُسهِم للخيل فقط؛ وذلك تشجيعٌ للمقاتلين في أن يُقاتلوا على الخيول؛ لأن نفعها أعظم.

لا يُسهَم إلا لمن فيه أربعة شروط

قال:

ولا يُسهَم إلا لمن فيه أربعة شروط.

يعني: لا يُسهَم لمن كان على فرس، إلا لمن فيه أربعة شروط:

البلوغ، والعقل، والحرية، والذُّكُورة.

فلا بد من هذه الشروط الأربعة، أن يكون بالغًا وعاقلًا وحرًّا وذَكَرًا.

مقصود المؤلف بالإسهام هنا ليس فقط الإسهام الذي يكون للفارس؛ الإسهام في الغنيمة مطلقًا؛ يعني: لا يُسهَم الإسهام المذكور: سهم للراجل وثلاثة أسهم للفارس، إلا لمن توفرت فيه هذه الشروط الأربعة، فإذا اختلَّ واحدٌ منها: إذا لم يكن بالغًا فكان مع الجيشِ صبيٌّ مثلًا، أو كان غير عاقل، أو كان رقيقًا، أو كانت امرأة، فهل هؤلاء يُسهَم لهم من الغنيمة؟ لا يُسهَم لهم من الغنيمة.

ولذلك قال المؤلف:

فإن اختلَّ شرطٌ رُضِخَ له، ولم يُسهَم.

ومعنى الرَّضخ: أنه يُعطى من غير تقدير، يُعطى ما يرى فيه الإمامُ المصلحةَ، لكن لا يبلغ الرَّضخ قَدْرَ السهم؛ يعني لا بد أن يكون الرَّضخ أقل من مقدار السهم.

فإذن؛ هؤلاء الصبيان والنساء والأَرِقَّاء والمجانين، هؤلاء لا يُسهَم لهم في الغنيمة، لكن يُرضَخ لهم رَضْخٌ فقط، تطييبًا لخواطرهم، وكذلك حتى مَن حضر قسمة الميراث: وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ [النساء:8].

فينبغي لمَن حضر قسمةَ الشيء أن يُطيَّب خاطره، بأن يُعطى شيئًا من المال الذي يُقسَّم.

يُقَسَّم الخُمس الباقي خمسة أسهم

قال:

ويُقَسَّم الخُمس.

نحن قلنا: الغنيمة تُقسَّم: أربعة أخماس وخمسًا؛ أربعة أخماس للمقاتلين، والخمس الباقي يُقسَّم.

مداخلة:

الشيخ: لأنه ليس من المقاتلة، يُفترض أنه ما يدخل في الجيش، النبي لما عُرض عليه ابن عمر رضي الله عنهما وكان عمره أربع عشرة سنة لم يُجِزْهُ، وعُرض عليه يوم الخندق وعمره خمس عشرة سنة فأجازه[5].

فيعني هو ليس من أهل القتال، وكذلك النساء لَسْنَ من أهل القتال؛ فلذلك يُرضَخُ لهم رَضْخٌ.

مداخلة: …

الشيخ: مَن معه فرسان فيُسهَم بالقاعدة التي ذكرنا، وبعض أهل العلم يقول: إنه لا يُسهم له أكثر من أربعة، لكن ظاهر الحديث أنه إذا كان معه فرسان فيُسهَم له بالقاعدة التي ذكرنا، ثلاثة أسهم: اثنان عن فرسه وسهم له.

قال:

ويُقَسَّم الخُمس الباقي خمسة أسهم.

الخُمس الباقي، يعني نحن نقول: أربعة أقسام للغانمين، الخمس المتبقي يُقسَّم بهذه الطريقة التي أشار إليها المؤلف، وهي مذكورة في قول الله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال:41].

قال:

سهم لله ولرسوله.

فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ، فهذا سهمُ الله ورسوله، ويُصرف مَصرِفَ الفَيْء، وإذا كان يُصرَف مَصرِفَ الفَيْء فإنه يدخل في بيت مال المسلمين، الذي يُصرف في مصالح المسلمين.

وسهم لذوي القربى.

يعني: لقرابة النبي ، وهم بنو هاشم وبنو المطلب، حيث كانوا.

بنو هاشم؛ هاشم هو جد النبي ، والمُطَّلِب هو أخوه. وبنو المطلب كما قال النبي : إنهم لم يُفارقونا في جاهلية ولا إسلام[6].

فكان النبي يُشركهم في الخُمس، ولكن الصحيح أن هذا خاص بخُمس الغنيمة، ولا يشمل ذلك باب الزكاة.

ومرت معنا هذه المسألة لما شرحنا الزكاة وقلنا: الصحيح أن ذوي القربى، أن هذا خاص، عندما قلنا: لا تُدفع الزكاة لهاشميٍّ، أن هذا خاص ببني هاشم فقط، ولا يلحق بهم بنو المطلب.

قال:

للذَّكَر مثل حظ الأنثيين.

يعني: عندما يُسهَم لهم، تُقسَّم للذكر مثل حظ الأنثيين كقسمة الميراث.

وسهم لفقراء اليتامى، وهم من لا أب له ولم يبلغ.

(اليتامى) جمع “يتيم”، و”اليتيم” كما عرَّفه المؤلف: من لا أب له ولم يبلغ؛ يعني: مَن مات أبوه قبل البلوغ فهذا هو اليتيم.

طيب، مَن ماتت أمه قبل البلوغ، هل يسمى يتيمًا؟ ليس يتيمًا، من ماتت أمه قبل البلوغ ليس يتيمًا.

طيب، مَن مات أبوه بعد البلوغ؟ لا يُسمى يتيمًا؛ لذلك تجد بعض الناس يُخطئ، تجد أنه فوق خمس عشرة سنة ويقول: هو يتيم. هذا غير صحيح، اليتيم إنما يُطلق على من مات أبوه قبل البلوغ.

فإذن؛ عرَّف المؤلفُ اليتيمَ، لاحِظ تعريفات الفقهاء، أحيانًا تجدها في غير مظانها، اليتيم يُعرِّفه الفقهاء في هذا الموضع: من لا أب له ولم يبلغ. والمؤلف خصَّ ذلك بفقراء اليتامى، فاشترط في اليتامى أن يكونوا فقراء، وهذا أحد أقوال أهل العلم في المسألة.

والقول الثاني: إنه لا يُشترط في اليتامى أن يكونوا فقراء. طبعًا، في هذا الموضع لا يُشترط في اليتامى أن يكونوا فقراء؛ لأنا لو جعلناه خاصًّا بالفقراء لم يكن لِعَطْفِ “المساكين” عليهم فائدة؛ لأن الله ​​​​​​​ قال: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ [الأنفال:41].

وقوله تعالى: وَالْمَسَاكِينِ، يشمل الفقراء والمساكين، فلو كان المقصود بهم فقراء اليتامى لقال: {والمساكين} ويدخل فيهم اليتامى، يدخل فيهم فقراء اليتامى.

وهذا القول هو الأقرب، وقد رجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أن ذلك لا يختص بفقراء اليتامى، وإنما يُعطى اليتيم ولو كان غنيًّا؛ جبرًا للنقص الذي حصل له بفَقْد أبيه، فإن اليتيم يتألَّم بفقد والده، حتى ولو كان غنيًّا، يرى غيره ممن هو في سنه أو دونه ومعهم آباؤهم وهو قد فقد أباه، فيتألم بذلك ويتأثر نفسيًّا؛ فجبرًا لخاطره جُعل له حقٌّ في الخمس. هذا هو الأقرب والله أعلم.

قال:

وسهم للمساكين، ويشمل ذلك الفقراء.

وسبق أن بيَّنا لمَّا شرحنا كتاب الزكاة، الفرقَ بين الفقراء والمساكين، وقلنا: بينهم عموم وخصوص، وقلنا: هي من الألفاظ التي إذا اجتمعت افترقت، وإذا افترقت اجتمعت؛ فكل فقير عند الإطلاق مسكين، وكل مسكين فقير، لكن إذا جُمِع بينهما قيل: فقير ومسكين، أو الفقراء والمساكين.

فذكرنا أن في المسألة خلافًا، ورجحنا قولًا في الفرق بين الفقير والمسكين، مَن يُذكِّرنا بهذا القول؟

مداخلة:

الشيخ: نعم، الفقير من لا يجد شيئًا، أو يجد دون نصف الكفاية، والمسكين من يجد نصف الكفاية أو أكثرها.

طيب، مَن يجد تمام الكفاية؟ هذا مَكْفيٌّ، ليس فقيرًا ولا مسكينًا، من يَفضُل له شيء بعد الكفاية هذا غنيٌّ.

ويُمكن أن نضرب لهذا مثالًا: إنسان ليس عنده أيُّ دخل، طبعًا هذا واضح أنه فقير. إنسان عنده دخل لكن يكفيه أقلَّ من نصف الشهر، بعد عشرة أيام ينتهي؛ هذا يُسمى فقيرًا. طيب، يكفيه إلى منتصف الشهر؛ مسكين. يكفيه إلى عشرين من الشهر؛ مسكين أيضًا. يكفيه إلى آخر الشهر؛ هذا مكفيٌّ وليس فقيرًا ولا مسكينًا.

قال:

وسهم لأبناء السبيل.

وابن السبيل: هو المسافر الذي انقطع به السفر.

فهذا يُعطى ما يُوصله إلى بلده ولو كان غنيًّا في بلده، يُعطى نفقة أو متاعًا أو حتى تذكرةَ سفر مثلًا.

إنسان -مثلًا- ضاعت نفقته، أو سُرقت نفقته، وهذا يمكن في الوقت الحاضر أكثر ما تجده في مكة -مثلًا- في الحج أو في العمرة، تجد بعض الناس تُسرق نفقته أو تضيع، فهذا يُعتبر ابن سبيل، يُعطى من الزكاة، ويُعطى من الخُمس ما يُوصله إلى بلده.

أحكام الفَيْء

ثم قال المؤلف رحمه الله:

معنى الفيء

فصل:

والفيْءُ: هو ما أُخذ من مال الكفار بحقٍّ من غير قتال.

انتقل المؤلف للكلام عن أحكام الفَيْء، والفَيْء أصله من الرجوع؛ سُمِّي بذلك لأنه رجع من المشركين إلى المسلمين، وقد ذكره الله تعالى في قوله: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى [الحشر:7]، ذكره الله تعالى في القرآن في أكثر من موضع. إذن؛ قال: (هو ما أُخذ من مال الكفار بحقٍّ من غير قتال).

الجزية

ومثَّل المؤلف له بأمثلة، قال:

كالجزية.

الجزية؛ لأنها تؤخذ بغير قتال. وسيأتينا بعد قليلٍ الكلامُ عن أحكام الجزية.

الخراج

والخراج.

والخراج: هو المال المضروب على الأرض الخراجية التي غُنمت ثم وُقفت على المسلمين.

مثل ماذا؟ نعم، الأراضي التي وقفها عمر على المسلمين، أرض الشام ومصر، وأرض العراق.

لكن، هذه الآن، هل بقيت وقفًا إلى وقتنا الحاضر؟ تغيرت الأمور مع مرور الوقت، وما مرَّ على المسلمين من أحداث عظيمة، تغيرت هذه الأمور، وإلا فالأصل أنها أوقاف على المسلمين، فكان يُضرب على الأرض الخراجية، يُضرب عليها خراج، يعني مالٌ يدفعه صاحب الأرض إلى المسلمين.

عُشْر التجارة من الحرب

وعُشْر التجارة من الحربي.

العشر: ما يُؤخذ من كل كافر اتَّجَر في بلاد الإسلام. وهذا يُسمى في الوقت الحاضر بماذا؟ بالضرائب، فإذا كان -مثلًا- فُتح مجال للاستثمار، فأتى الكفار واستثمروا في بلاد المسلمين، فلا بأس بأن يُؤخذ منهم، يُؤخذ منهم شيء من المال مقابل اتجارهم في أرض المسلمين، كان هذا موجودًا من عهد عمر بن الخطاب .

نصف العشر من الذِّمي

قال:

ونصف العشر من الذِّمي.

يعني: يُؤخذ العُشر من الحربي، ونصف العُشر -يعني خمسة في المائة، العُشر عشرة في المائة، نصف العُشر خمسة في المائة- من الذمي؛ وذلك لآثارٍ وردت عن الصحابة في هذا.

ما تركه الكفار فزعًا

قال:

وما تركوه فزعًا.

أي: يكون فَيْئًا، (وما تركوه فزعًا) يكون فَيْئًا، كما حصل ليهود بني النضير، فإن الله تعالى ألقى في قلوبهم الرعب فأصبحوا: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَار [الحشر:2]، فهذا يدخل -أيضًا- في الفَيْء.

من مات من الكفار وليس له وارث

أو عن ميتٍ ولا وارث له منهم.

من مات من الكفار وليس له وارث؛ فيُصرف لبيت المال، يكون فَيْئًا.

طيب، من مات من المسلمين وليس له وارث، فكيف يكون مصيرها؟ أيضًا يُصرف لبيت المال.

طيب، إذا كان له أقارب، لكن ليسوا أصحاب فرض ولا عَصَبة؟

يعني: إنسان مات، وليس له عَاصِب ولا صاحبُ فرضٍ، لكن له خال -مثلًا- أو عمة، فهذا يرجع إلى مسألة ميراث ذوي الأرحام، والحنفية والحنابلة يرون توريث ذوي الأرحام، أما المالكية والشافعية فيرون عدم توريث ذوي الأرحام. وعند المالكية والشافعية: أنه يُصرف لأيِّ شيء؟ لبيت المال.

والصحيح هو ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة: أنه يصرف لذوي الأرحام؛ لقول النبي : الخال وارثُ مَن لا وارث له[7].

بل إن المتأخرين من فقهاء المالكية والشافعية رجعوا لقول الحنفية والحنابلة في أن يُصرَف ميراث ذوي الأرحام إلى ذوي الأرحام أنفسهم، وهكذا -أيضًا- قالوا في الرد، قالوا: يُرَدُّ على أصحاب الفروض. لأنهم رأوا العبث ببيت المال، ورأوا أن بيت المال ليس منتظمًا من قرون طويلة، عدم انتظام بيت المال من قرون طويلة، يمكن من بعد هارون الرشيد.

ولذلك؛ لما رأى المتأخرون من فقهاء المالكية والشافعية هذا، رجعوا إلى قول الحنفية والحنابلة، فقالوا: إن أصحاب الفروض أحقُّ بالرَّدِّ من بيت المال، وقالوا: إن ذوي الأرحام أحقُّ بالرَّدِّ من بيت المال.

ولذلك؛ نجد أن المتقدمين من الشافعية قيَّدوا ذلك بانتظام بيت المال، قالوا: يُصرف في بيت المال إذا كان منتظمًا، يعني: يُصرف في المصارف الشرعية. أما إذا كان غير منتظم؛ فإنهم يقولون بالرَّدِّ إذا كان هناك صاحب فرض، ويقولون بتوريث ذوي الأرحام إذا كان هناك أحد من ذوي الأرحام.

وسبط المارِدِينيِّ من فقهاء الشافعية ذَكَر هذه المسألة، وتكلَّم عن مسألة انتظام بيت المال -وقلت: إنه انقطع من قرون طويلة- فقال: قد أيسنا من انتظام بيت المال، حتى ينزل المسيح عيسى ابن مريم.

طبعًا، هذا كلام قد لا يُسلَّم له، لكن هذا يدل على حالة الإحباط التي يعيشها، كلما أتى والٍ إذا هو أسوأ من الذي قبله.

وهذا مصداق قول النبي : لا يأتي زمان إلا والذي بعده شرٌّ منه[8]، وهذا في الأعم الأغلب، إلا أحيانًا في بعض الأماكن وبعض الأزمان؛ قد يكون الوالي خيرًا من الذي قبله، مثل -مثلًا- دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، هنا قد كان أتى والناس في الجزيرة كان عندهم شركيات وخرافات، فلما قامت هذه الدعوة وقامت معها الدولة السعودية، حصل خير كثير من نُصرة التوحيد ونُصرة مذهب السلف في هذا.

فإذن؛ نقول: إنَّ مَن مات وليس له وارث، فإنه يُصرف ذلك لبيت المال، مَن مات وليس له وارث لا من الأرحام ولا من الأقارب مطلقًا فيُصرف لبيت المال، أما لو كان له أقارب، إذا كان له قريب، سواء كان صاحب فرض فيُرَدُّ عليه، وإذا كان ليس له صاحب فرض ولا عاصب؛ فيُصرف لذوي الأرحام، وإذا لم يكن له أحد إطلاقًا فيُصرف إلى بيت المال.

مصارف الفَيْء

قال:

ومصرفه.

يعني: مصرف الفَيْء.

في مصالح المسلمين، ويُبدأ بالأهم فالأهم.

يعني يقول: إنه يُصرف في بيت المال.

ما هي مصارف بيت المال؟ مصارف بيت المال: مصالح المسلمين؛ قال: يُبدأ في مصالح المسلمين بالأهم فالأهم.

من سدِّ ثَغْرٍ، وكفاية أهله.

يعني: كفاية أهل الثغور، والثغور: هي التي تُسمَّى في الوقت الحاضر بالحدود؛ ذلك لأن حفظ بلاد المسلمين وأمنهم من عدوهم من أهم الأمور. والمقصود بالحدود: التي بين المسلمين والكفار، فيُبدأ بها.

وحاجةِ مَن يدفع عن المسلمين من المرابطين.

في الحدود ونحو ذلك.

وعمارة القناطر.

ومن ذلك في الوقت الحاضر: الطرق، إنشاء الطرق، وكل ما يحتاج له المسلمون، والمستشفيات والمدارس.

قال:

ورزق القضاة والفقهاء وغير ذلك.

يعني: ذوي القُرَب، القُرَب يجوز أن يأخذ القائمون بها رَزْقًا من بيت المال.

وأما كونهم يأخذون أجرة فهذا محل خلاف بين أهل العلم، لعله يأتينا -إن شاء الله- في (كتاب الإجارة)، لكن أخذهم الرَّزْق من بيت المال هذا لا بأس به، وحُكي الإجماع عليه.

فالقضاة يُصرف لهم رَزق من بيت المال. والرَّزق: هو نصيب من بيت المال، مثل مكافأة من بيت المال.

ومن ذلك -أيضًا- رواتب الأئمة والمؤذنين، هذه من الرَّزْق، يُعتبر من الرَّزق من بيت المال، وكذلك -أيضًا- المفتي مثلًا، والقاضي، والوظائف الدينية عمومًا، هذه يُصرف لها رَزْق من بيت المال، وهذا لا بأس به ولا شُبهة فيه، وقد حُكي الإجماع عليه، إنما الخلاف في إعطائه أُجرة، إعطاء الإمام أو المؤذن أو -مثلًا- القاضي أو نحوه، إعطائه أُجرة، هذا هو الذي فيه خلاف، وسنعرض له -إن شاء الله- في (كتاب الإجارة).

أما إعطاؤه رزقًا من بيت المال، فهذا لا بأس به؛ لأن بيت المال يُصرف في مصالح المسلمين، ولا شك أن صرفه في هذا من أبرز مصالح المسلمين.

فكونه -مثلًا- يُصرف مكافأة للإمام والمؤذن، هذا لا شك أن فيه مصلحة عظيمة، وانتظام أمر المسجد، ولو لم يُصرف مكافأة للإمام والمؤذن ما انتظم أمر المسجد. في كل وقت يأتي إنسان ويُصلِّي بهذا المسجد، ويأتي مؤذن ويُؤذِّن، فكونه يصرف مكافأة للإمام والمؤذن؛ هذا فيه انتظام لأمور هذا المسجد.

وهكذا بالنسبة لصرف الرَّزق للفقهاء، والمفتين، والقضاة، وغير ذلك من الوظائف الدينية.

مداخلة: …

الشيخ: لا، هو كلُّ ما يُصرف من بيت المال يُعتبر رَزْقًا، وهو رَزْق من بيت المال؛ ولذلك نعتبره رَزْقًا؛ ولذلك إذا تخلَّف الإمام أو المؤذن عن بعض الأوقات؛ لا يلزمه أن يُخرج شيئًا أو يتصدق بشيء مقابل تلك الأوقات التي لم يُصلِّ فيها أو لم يُؤذِّن فيها؛ لأنه ليس أجيرًا أصلًا، لا نعتبره أجيرًا حتى نقول: إنه يحسب الأيام التي لم يُصلِّها ويتصدق بها، وإنما هذا هو يُعطى رَزْقًا، مكافأة تشجيعية من بيت المال على ارتباطه بهذا المسجد.

ففَرْقٌ بين الرَّزق وبين الأجرة.

قال:

فإن فَضَل شيءٌ، قُسم بين أحرار المسلمين؛ غنيهم وفقيرهم.

يعني: إن فاض من بيت المال، وكان كثيرًا، وصُرِف في مصالح المسلمين، وفَضَل شيء؛ فإنه يُصرف على المسلمين.

ولذلك قال عمر : ما مِن أحد من المسلمين إلا وله في هذا المال نصيب، إلا العبيد فليس لهم شيء. وقرأ قول الله تعالى: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى [الحشر:7] إلى أن بلغ قول الله: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10].

واستدل الإمام مالك بهذه الآية على أن الرافضة ليس لهم نصيب في الفَيْء. مَن يذكر وجه الدلالة؟

مداخلة:

الشيخ: نعم؛ لأنَّ اللهَ تعالى لمَّا ذكر مصرف الفَيْء قال: فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ [الحشر:7]، ثم قال: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يعني: لهم حق يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ [الحشر:10]. بينما الرافضة يَسُبُّون مَن سبقهم، يسبُّون معظم الصحابة.

فاستدل الإمام مالك بهذه الآية على أنهم ليس لهم نصيب في الفَيْء. وهذا من دقَّة فقهه رحمه الله.

قال:

وبيت المال ملك للمسلمين.

بيت المال، كما يقال بلغة العصر: يُعتبر شخصية اعتبارية، وهو مِلك للمسلمين، يعني: لا يملكه شخص معين، وإنما هو ملك لجميع المسلمين، ويضمنه مُتلِفُه، فالشخصية الاعتبارية التي تكلَّم عنها بعض المعاصرين الآن تتمثَّل في الوقف وفي بيت المال، فهنا من أتلف بيت المال أو شيئًا منه يضمنه كغيره من المُتلَفات.

ويحرُم الأخذ منه بلا إذن الإمام.

لأنه افتيات عليه فيما هو مفوَّض إليه، بل حتى الإمام ليس له أن يصرِف منه إلا ما ترجَّحت فيه المصلحة؛ لأنه مُؤتمَنٌ عليه.

فإذن؛ بيت المال هو مِلك للمسلمين، والصرف منه يكون بإذن الإمام. وإذا أَطلق الفقهاء “الإمام” فيقصدون به مَن له السلطة الأعلى في الدولة.

باب عقد الذمة

ثم قال المؤلف رحمه الله:

باب: عقد الذمة

انتقل المؤلف بعد ذلك للكلام عن عقد الذمة.

والذمة معناها في اللغة: العهد؛ ويدل لذلك قول الله تعالى: لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً [التوبة:10]. و”الإِلُّ” معناه: القرابة. والذمة: العهد.

يعني: لا يرقبون في مؤمن قرابةً ولا عهدًا؛ وذلك لأن الأصل أن الإنسان يحتمي بأحد أمرين: إما بالقرابة، وإما بالعهد.

وعقد الذمة: المقصود به إقرار بعض الكفار على كفرهم بشرط بذل الجزية والتزام أحكام الملة. هذا هو تعريفه عند الفقهاء: إقرار بعض الكفار على كفرهم بشرط بذل الجزية والتزام أحكام الملة.

ولاحِظ قولنا في التعريف: “أحكام الملة”، ولم نقل: “التزام الملة”، هل بين العبارتين فرق؟

مداخلة:

الشيخ: نعم، “التزام الملة” مع ذلك يُصبحون مسلمين، يلتزمون بأن يكونوا مسلمين، و”أحكام الملة” يعني: ما حكمت به الشريعة.

فإذن؛ لو قلت في التعريف: “التزام الملة” فالتعريف غير صحيح، بل “التزام أحكام الملة”.

لأننا إذا قلنا: “التزام الملة”؛ فإنهم لو التزموا الملة أصبحوا مسلمين، لكن المقصود التزام أحكام الملة وما حكم به الإسلام وما حكمت به الشريعة، فيلتزمون بهذه الأحكام.

والأصل هو عدم إقرار الكافر على كفره، هذا هو الأصل؛ لقول النبي : أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله[9].

ولأن الخلق عبادٌ لله، فيجب عليهم أن يقوموا بمقتضى هذه العبودية، فإذا خالفوا ذلك وخرجوا عنها فالواجب ردهم إليها؛ لأنهم خُلِقوا من أجلها، لكن لنا أن نُقرَّهم على دينهم بالذمة والعهد.

وهذا من عظمة الإسلام، أنهم لا يُجبرون على اعتناق الإسلام، لكن يُجبرون على التزام أحكام الإسلام، وحتى تكون كلمة الله هي العليا.

أقسام الكفار

قبل أن ندخل في مسألة “عقد الذمة”، نُريد تقسيم الكفار، الكفار ينقسمون إلى أربعة أقسام:

  • القسم الأول: الكافر الحربي: وهو الذي بين المسلمين وبينه حرب معلنة، وليس بينه وبينهم عهد ولا ذمة ولا أمان، فهذا دمه هَدر، مالُه هَدر. وقد سبق أن تكلمنا عن هذا، وقلنا: إن الإمام مُخيَّر في الأسرى منهم بين أربعة أقسام، تكلمنا عن هذا في الدرس السابق.
  • القسم الثاني: الذِّمِّي: وهو الذي يُعقد له عقد الذمة، ويُقَرُّ على دينه بشرط بذل الجزية، وهذا هو الذي سنتكلم عنه في هذا الباب.
  • القسم الثالث: هو المعاهد: وهو الذي بينه وبين المسلمين عهد، وهذا حال معظم الكفار الذين بينهم وبين المسلمين عهود، والعهد له صور متعددة، مجرد -مثلًا- إعطائه تأشيرة أن يدخل  بلادنا، هذه صورة من صور العهد مثلًا.
  • القسم الرابع: الكافر المستأمن: وهو الحربي إذا أُعطي الأمان. طيب، أُعطي الأمان مِمَّن؟

مداخلة:

الشيخ: لا، ليس خاصًّا بالإمام، أيُّ شخص من المسلمين، رجل أو امرأة: قد أجرنا مَن أجرتِ يا أمَّ هانئ[10]. أيُّ شخص من المسلمين، وكونه يُعطى الأمان من الإمام هذا من باب أولى، يعني: أعظم في الأمان، لكن لا يختص ذلك بالإمام، بل يشمل الإمام، ويشمل كذلك أيَّ مسلم، رجلًا كان أو امرأة.

فالأول: الكافر الحربي، قلنا: دمه هَدر وماله هَدر.

الذمي والمعاهد والمستأمن: هؤلاء دماؤهم معصومة، وأموالهم وأعراضهم معصومة، لا يجوز التعدي عليهم، والتعدي عليهم من كبائر الذنوب؛ لقول النبي كما في “صحيح البخاري” من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: من قتل معاهدًا بغير حق لم يَرَح رائحة الجنة[11].

والمقصود بالمعاهد في هذا الحديث يشمل.. ليس المقصود المعاهد بالمعنى الاصطلاحي، بل يشمل الذمي ويشمل كذلك المستأمن.

وذلك لأن دين الإسلام دين عظيم وليس دين غدر وخيانة، يأتي إلى بلادنا وبموجب عهد وأمان، ثم نغدر به ونخونه ونقتله؟! ليست هذه من أخلاق الإسلام.

بل إذا أردنا أن نُقاتل الكفار؛ نُقاتلهم بحرب معلنة بيننا وبينهم، حتى إن الله يقول: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ [الأنفال:58]. مجرد أنك تخاف أنه يخونك لا تذهب وتبدأ بالقتال، لا، انْبِذْ عهده، قل: يا فلان، ترى العهود التي بيننا وبينك، قد نَبَذْنَاها، حتى نكون أنا وهو على سواء بهذا: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ [الأنفال:58].

ولذلك؛ ليس هناك دين أعظم من دين الإسلام في احترام العهود والمواثيق، حتى إن الله قال في شأن المستضعفين: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [الأنفال:72]، فانظر إلى عظمة الإسلام واحترامه للعهود والمواثيق.

نعود إذن للكلام عن الذِّمِّي، مَن تُعقد لهم الذمة؟ بعدما عرفنا عقد الذمة، من يُعيد لنا التعريف مرةً أخرى؟

مداخلة: …

الشيخ: نعم، وبعض الكفار على كفرهم بشرط بذل الجزية، والتزام أحكام الملة.

لمن تعقد الذمة

قال:

لا تُعقد إلا لأهل الكتاب.

يعني: لا تُعقد الذمَّة إلا لأهل الكتاب.

أو من له شُبهةُ كتاب؛ كالمجوس.

أهل الكتاب؛ المقصود بهم: اليهود والنصارى، وهؤلاء يختصون من بين الكفار بأن ذبائحهم حِلٌّ لنا، وذبائحنا حِلٌّ لهم، ونساءهم حِلٌّ لنا كذلك.

والمقصود بالكتاب: التوراة والإنجيل، التوراة لليهود، والإنجيل للنصارى.

فهؤلاء تُعقد لهم الجزية، وهذا بنص الآية، وهي قول الله تعالى: قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29].

قال: (أو من له شبهة كتاب كالمجوس)؛ المجوس: هم الذين يعبدون النار، ويقولون بالأصلَين: الظلمة والنور، عندهم أن الخير خلقه النور، والشر من الظلمة.

وفي هؤلاء، يقول المؤلف: إن لهم شبهة كتاب. ولكن هذا محل نظر، أين هذا الكتاب؟ وما هو هذا الكتاب؟ ومن الذي أُرسل لهم؟

ممن تؤخذ الجزية

في الواقع، ليس هناك دليل يدل على هذا، ليس هناك دليل يدل على هذا، فالقول بأن لهم شبهة كتاب؛ محل نظر، وهذا يقودنا إلى مسألة أخرى: وهي هل يختص أخذ الجزية باليهود والنصارى والمجوس، أو أن الجزية تُؤخذ من جميع الكفار؟

اختلف الفقهاء في هذه للمسألة على قولين:

  • القول الأول: أنها إنما تُؤخذ من أهل الكتاب فقط ولا تُؤخذ من غيرهم، من أهل الكتاب والمجوس؛ و(من له شبهة كتاب كالمجوس). ونحن قلنا: إن كلمة (من له شبهة كتاب) هذه محل نظر، وهذا هو قول الجمهور؛ واستدلوا بظاهر الآية، فإن الله تعالى قال: مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [التوبة:29].
  • والقول الثاني في المسألة: أن الجزية تُؤخذ من جميع الكفار، سواء كانوا أهل كتاب أم مجوس أم وثنيين أم غيرهم؛ واستدلوا لذلك بما جاء في “صحيح مسلم” عن بُريدة : أن النبي كان إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية، أوصاه بتقوى الله، ثم أوصاه بوصايا، وفيها: إن لقيت عدوًّا من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصال وذكر منها: الجزية[12].

فقوله : إن لقيت عدوًّا من المشركين، ولم يقل: “من أهل الكتاب”، وإنما قال: من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصال، وذكر منها: الجزية؛ قالوا: ثم إن النبي أخذ الجزية من المجوس، من مجوس هَجَر؛ كما في “صحيح البخاري”[13]، وهذا دليل على أن الجزية تُؤخذ من غير أهل الكتاب.

وأما القول بأن المجوس عندهم شبهة كتاب؛ فهذا غير مُسَلَّم، فلا يُعرف أن لهم كتابًا، ولا أن رسولًا أُرسل لهم، وإنما أخذها النبي منهم؛ لأنها تُؤخذ من عموم الكفار.

وأما ذكر أهل الكتاب في الآية؛ فلأنه لم يبقَ أحدٌ في جزيرة العرب من المشركين، وقد كان مَن وُجد مِن مشركي العرب أسلم، فلم يبقَ أحدٌ يُقاتله المسلمون في عهد النبي بعد فتح مكة سوى أهل الكتاب.

وقد اختار هذا القول أبو العباس ابن تيمية، وابن القيم، ورجَّحه جمع من المحققين من أهل العلم.

وهذا القول هو الأقرب والله أعلم؛ أن الجزية تُؤخذ من عموم الكفار، سواء كانوا أهل كتاب أو من غيرهم.

قال:

ويجب على الإمام عقدها حيث أَمِن مكرهم.

يجب على الإمام عقد الجزية، الإمام هو مَن له السلطة الأعلى في الدولة، أو من ينوب عنه، يعني: مَن يُنيبه مِن الوزراء أو الأمراء.

فهذا -عقد الذمة- خاص بالإمام؛ لأنه عقد يترتب عليه أحكام كبيرة. وهو ليس كالأمان، فالأمان كما قلنا: يصح من أيِّ مسلم، رجلًا كان أو امرأة. أما عقد الذمة فلا بد أن يكون من الإمام أو نائبه. ثم إن عقد الذمة عقدٌ مؤبد وليس مؤقتًا.

فلا بد أن يكون من الإمام؛ حتى يدرس هذا العقد وما في أموره، ولا يكون من أيِّ أحدٍ من الناس، والهدنة تكون مؤقتة وما تكون مؤبدة.

الأمان أمره أيضًا أسهل؛ لأنه قد يكون لأحدٍ من الكفار الحربيين، لغرضٍ أو لحاجةٍ دَخَل بلاد المسلمين، فيصح من أيِّ إنسان، لكن عقد الذمة لا يصح إلا من الإمام.

شروط عقد الذمة

قال:

والتزَموا لنا بأربعة أحكام.

يعني: لا يصح عقد الذمة إلا إذا التزموا بأربعة أحكام.

أحدها: أن يُعطوا الجزية عن يَدٍ وهم صاغرون، وذلك في كل حَوْلٍ.

في كل سنة يُعطون الجزية عن يدٍ وهم صاغرون.

وقوله: (وهم صاغرون) أخذًا من الآية الكريمة: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29]، والصَّغار المقصود به: الإهانة، وفسَّر ذلك بعض العلماء بأنهم لا يُرسِلون ولا يبعثون أحدًا وسيطًا، وإنما يأتون بها مباشرة؛ ليكون ذلك أبلغ في ذُلِّهم وصَغَارهم.

وبعض الفقهاء، ومنهم صاحب “زاد المستقنع”، قال: إنهم يُمتَهَنون عند أخذها، عند أخذ الجزية منهم، ويُطال وقوفهم؛ يعني يجعلهم واقفين ينتظرون دفع الجزية، ثم نُهينهم، نتشاغل عنهم حتى يطول وقوفهم، وتُجَرَّ أيديهم عند أخذ الجزية، ذكر هذا صاحب “زاد المستقنع”.

وبعض أهل العلم قال: إنهم لا يُعاملون هذه المعاملة، وإنما يُعاملون بالصَّغار دون أن يُفعل ذلك، فلا داعي لأن يُطال وقوفهم، وأن تُجَرَّ أيديهم، بل تُستلم منهم استلامًا عاديًّا، بشرط ألا نُظهر إكرامهم، وبشرط أن يأتوا بها مباشرة من غير واسطة.

مداخلة:

الشيخ: أخذوها من قوله تعالى: وَهُمْ صَاغِرُونَ فقط، حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ. ولذلك؛ فهذا القول لا دليل عليه، الصحيح أن المقصود ألا نُظهر إكرامهم، وأن يأتوا بها مباشرة، يُسلمها مباشرة من غير واسطة.

قال:

الثاني: ألا يذكروا دين الإسلام إلا بخير.

فإن قدحوا في الإسلام أو في الله أو في رسوله ؛ فإنهم لا تُعقد لهم الذمة.

وقد جاء في حديث علي : أن يهودية كانت تشتم النبي وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله دمها. أخرجه أبو داود بسند صحيح[14].

وذكر صاحب “منار السبيل” أثرًا، أنه قيل لابن عمر رضي الله عنهما: أن راهبًا يشتم رسول الله . فقال ابن عمر رضي الله عنهما: لو سمعته لقتلته؛ إنا لم نُعطِ الأمان على هذا.

لكن لا أعلم أصلًا لهذا الأثر، والألباني في “إرواء الغليل” أيضًا قال: لم أقف له على سند.

الثالث، قال: ألا يفعلوا ما فيه ضررٌ على المسلمين.

لقول النبي : لا ضرر ولا ضرار[15]، فإن فعلوا ما فيه ضرر؛ فإنه لا تُعقد لهم الذمة.

الرابع: أن تجري عليهم أحكام الإسلام.

لأنهم التزموا أحكام الإسلام بهذا العقد، وهذه هي أحكامه.

ونحن قلنا في عقد الذمة: إقرارهم على دينهم، بشرط بذل الجزية والتزام أحكام الملة. فلا بد من أن يلتزموا أحكام الإسلام.

قال:

في نفسٍ ومالٍ وعِرْضٍ، وإقامة حَدٍّ فيما يُحرِّمونه.

فتُقام عليهم أحكام الإسلام فيما يعتقدون تحريمه، ومن ذلك مثلًا الزنا، الزنا محرم عند أهل الكتاب، وقد جاء في الصحيحين: أن يهوديًّا ويهودية قد زَنَيَا، أُتِيَ بيهودي ويهودية قد زَنَيَا بعد إحصانهما، فدعا النبي اليهود، وأمرهم بأن يأتوا بالتوراة، فأتوا بالتوراة، وجعل القارئ يقرأ ووضع يده على آية الرجم، فقال عبدالله بن سلام: مُرْهُ فليرفع يده، فلما رفع يده إذا بآية الرجم، فأمر النبي برجمهما[16].

وكذلك -أيضًا- قتل القاتل، فمَن قتل فإنه يُقتَصُّ منه؛ ويدل لذلك ما جاء في الصحيحين: أن يهوديًّا قتل جارية ورَضَّ رأسها بين حجرين، فأمر رسول الله به، فَرُضَّ رأسه بين حجرين[17].

ولذلك؛ فالصواب في القصاص أن يُفعل بالقاتل مثلما فعل بالمقتول، وإن كان الذي عليه العمل عندنا هنا بالمملكة، أنه يُقتل بالسيف، لكن الصحيح الذي تدل له السنة: يُفعل به مثلما فَعَل بالمقتول، فإن رَضَّ رأسه نَرُضُّ رأسه، وإن أغرقه نُغرقه، وهكذا. هذا هو أقرب للعدل.

لكن ما يعتقدون حِلَّه، قال المؤلف:

لا فيما يُحِلُّونه؛ كالخمر.

فمثلًا: النصارى يعتقدون إباحة الخمر، فهل يُمنعون من الخمر في بلاد المسلمين؟ لا يُمنعون منه، لكن يُمنعون من إظهاره؛ لِتَأَذِّي المسلمين به.

وقلنا: إنهم لا يُمنعون ما يعتقدون حِلَّه؛ لأنهم إذا كانوا يُقَرُّون على الكفر وهو أعظم، فكيف لا يُقَرُّون على ما يعتقدون حِلَّه! نحن أقررناهم على دينهم، فكيف لا نُقِرُّهم على ما يعتقدون حِلَّه.

فلذلك؛ ما يعتقدون حِلَّه لا يُمنعون منه، لكن يُمنعون من إظهاره. ولذلك مثلًا رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا رأوا أحدًا معه الخمر مثلًا وهو غير مسلم؛ يُنكَر عليه إظهاره إذا كان يعتقد حِلَّه، يُنكَر عليه إظهاره فقط، خلاف المسلم، فإن المسلم محرَّمٌ عليه.

وبعض أهل العلم استنبط من هذا فائدة: وهي أن من اعتقد حِلَّ شيء مُختلَفٍ فيه، أنه لا يُلام على ذلك، لا يُلام ممن يرى تحريمه، إذا كان هذا الإنسان يرى حِلَّ هذا الشيء، وأنت ترى تحريمه، فإنك لا تلومه على هذا الشيء.

الذي عنده أسئلة لعله بعد الدرس.

من لا تؤخذ الجزية منهم

قال:

ولا تُؤخذ الجزية من امرأة وخنثى وصبي.

إلى آخره.

انتقل المؤلف لبيان مَن لا تُؤخذ الجزية منهم، فقال: إنه لا تُؤخذ الجزية من امرأة؛ فالمرأة لا تُؤخذ منها الجزية لأنها ليست من أهل القتال، وهكذا الخنثى أيضًا؛ لأنه لم يتضح أنه من أهل القتال. (وصبي)؛ فالصبي لا تُؤخذ منه الجزية لأنه ليس أيضًا من أهل القتال. والمجنون كذلك، والقِنُّ -وهو الرقيق- أيضًا لا تُؤخذ منهم الجزية.

وقد جاء في حديث معاذ : أن النبي قال: خُذْ من كل حالمٍ دينارًا أو عَدْلَه[18].

خُذْ من كل حالمٍ يعني: بالِغٍ دينارًا أو عَدْلَه رواه الشافعي[19].

ولأن عمر كتب إلى أمراء الأجناد: لا تضربوا الجِزيةَ على النساء والصبيان، ولا تضربوا إلا مَن جرت عليه الموسى. يعني: مَن كان بالغًا.

وهكذا قال:

وزَمِنٍ.

الزَّمِنُ: هو المصاب بعاهة قديمة، يعني: معاق، هذا ليس من أهل القتال، فلا تُؤخذ منه الجزية.

وأعمى، وشيخ فانٍ، وراهب بصومعة.

لأنهم كلهم دماؤهم محقونة، وليسوا من أهل القتال، أشبهوا النساء والصبيان، وهكذا أيضًا الفقير.

وهذا لم يذكره المؤلف، لكن نصَّ عليه بعض الفقهاء، قالوا: الفقير لا تُؤخذ منه الجزية؛ لأنه ليس له مال، والأموال الواجبة من شرطها الغِنى والقدرة عليها؛ فالفقير لا تُؤخذ أيضًا منه الجزية.

قال:

ومَن أسلم منهم بعد الحول؛ سقطت عنه الجزية.

وقد رُوي في ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ليس على المسلم جزية. لكنه أخرجه أبو داود والترمذي[20]، لكنه حديث ضعيف.

ورُوي أن يهوديًّا أسلم، وكتب عمر : أن لا تؤخذ منه جزية. ولأن إسقاط الجزية عمن أسلم؛ فيه تشجيع لإسلامهم.

بقي أن يُقال: كيف يُقَرُّ هؤلاء على الكفر نظير بذل الجزية؟ نقول: إنما يُقَرُّون على ذلك؛ لأنهم إذا التزموا لنا بأحكام الإسلام، وأصبحوا يبذلون الجزية، فإن هذا فيه تشجيعًا لتعرُّفهم على الإسلام وعلى واقع الإسلام، وعلى أحوال المسلمين، والغالب أن كثيرًا منهم يُسلِم.

ولذلك؛ فالبلاد التي فتحها المسلمون -بلاد العراق والشام، وكثير الأمصار- كان فيها كفار كثير، وكانت تُؤخذ منهم الجزية وأسلموا، أين أهل الشام، وأهل مصر، وأهل هذه البلدان الذين كانوا قبل فتح المسلمين لها؟ اندمجوا في المسلمين، وأسلموا، وأصبحوا من المسلمين.

أحكام أهل الذمة

فصل:

ويحرم قتل أهل الذمة وأخذ مالهم.

لقول النبي : مَن قتل مُعاهدًا بغير حقٍّ لم يَرَح رائحة الجنة أخرجه البخاري في “صحيحه”[21].

فالذمِّي والمعاهد والمستأمن هؤلاء يحرُم قتلهم، ويحرم أيضًا أخذ أموالهم؛ ولأنهم إنما بذلوا الجزية لحفظهم وحفظ أموالهم.

ويجب على الإمام حفظهم ومنع من يُؤذيهم.

فحفظهم مسؤولية الإمام، ولا يجوز التعرض لهم بالأذية؛ ولذلك نجد أن في بعض العصور الإسلامية لمَّا ضعفت الدولة الإسلامية فأصبح المسلمون غير قادرين على حماية النصارى الذين كانوا يأخذون منهم الجزية؛ أسقط المسلمون عنهم الجزية؛ لأنهم قالوا: إنا نأخذ الجزية نظير أيضًا حمايتنا لكم، فإذا كنا غير قادرين على حمايتكم، فلا يحق لنا أن نأخذ الجزية منكم.

ثم ذكر المؤلف ما الذي يُمنع منه أهل الذمة؟ فذكر أمورًا، وذلك حتى يتميَّزوا عن المسلمين، فقال:

ويُمنعون من ركوب الخيل، وحمل السلاح، ومن إحداث الكنائس، ومن بناء ما انهدم منها، ومن إظهار المنكر، والعيد، والصليب، وضرب الناقوس.

وهذا كله ورد في كتاب عمر ، وشرحها ابن القيم في كتابه “أحكام أهل الذمة”.

قال:

ومن الجهر بكتابهم.

يعني: التوراة والإنجيل.

ومن الأكل والشرب نهارًا في رمضان.

يعني: مجاهرة؛ يعني: مجاهرة بالأكل والشرب في نهار رمضان. وهكذا مجاهرة، قال:

ومن شرب الخمر.

يعني: المجاهرة بشرب الخمر كما ذكرنا.

وأكل الخنزير.

كذلك المجاهرة به.

ويُمنعون من قراءة القرآن، وشراء المصحف.

لأنه يتضمن ابتذال ذلك بأيديهم، قد يُهينون المصحف ويبتذلونه، وهكذا كتب الفقه والحديث، لكن لو علمنا رغبتهم في الإسلام، فيُمكن أن نُعطيهم معاني القرآن؛ لكي يقرؤوا الإسلام ويتعرفوا عليه، لعل ذلك أن يكون سبيلًا لإسلامهم.

قال:

ومِن تعلية البناء على المسلمين.

لأن الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، فلا يُمكَّنون من أن تكون أبنيتهم أعلى من أبنية المسلمين.

ويلزمهم التميُّز عنا بلباسهم.

فيكونون متميِّزين عن المسلمين في الملبس وفي المظهر؛ ولذلك يكون لباسهم غير لباس المسلمين؛ ولذا قال بعض الفقهاء: إنه يُحلق مُقدَّم رؤوسهم؛ حتى يكون ذلك تمييزًا لهم. وقالوا: إنهم يَشُدُّون أوساطهم بالزُّنَّار، حتى يُعرف أنهم من أهل الذمة.

المقصود: أنهم يتميَّزون عن المسلمين باللباس، وهذا طبعًا كان وقت قوة المسلمين وقوة الدولة الإسلامية. فأين أهل الذمة الآن؟ هل لهم وجود الآن؟ أهل الذمة الذين يبذلون الجزية للمسلمين، هل لهم وجود الآن؟ الله المستعان.

الآن، عسى المسلمون ما يدفعون الجزية لهم، هذا -الحقيقة- بسبب ضعف المسلمين، وإلا فإن المسلمين إذا تمسكوا بإسلامهم فلا شك أنهم يَسُودون وينصرهم الله تعالى: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [محمد:7].

ولكن، ستكون العاقبة للإسلام والمسلمين قطعًا، حتى لا يبقى بيتُ شجرٍ ولا حجرٍ ولا مَدَرٍ إلا أدخله الله هذا الدين، بعزِّ عزيز أو ذُلِّ ذليل، وذلك حين نزول المسيح عيسى ابن مريم ، فإن الإسلام سيعُمُّ الكرة الأرضية كلها، لكن هذا الذي ذكره الفقهاء كان موجودًا في عصور سابقة، لما كان المسلمون أقوياء.

قال:

ويُكره لنا التشبه بهم.

قول المؤلف: (يُكره) هذا محل نظر، والصواب أنه يحرم التشبه بهم، والتشبه بالكفار عمومًا يحرم؛ لقول النبي : مَن تشبَّه بقوم فهو منهم[22].

قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: أقل أحوال هذا الحديث أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم.

فإذن؛ الصواب أن التشبه بالكفار محرم.

لكن ما ضابط التشبه بالكفار؟ ضابط التشبه بالكفار: أن يكون من خصائصهم، أن يكون ذلك الشيء من خصائصهم، يُعرف بأنه من الكفار. أما شيء مشترك بينهم وبين المسلمين فلا يكون في ذلك تشبه.

فمثلًا: لُبْس البنطال، يعني إذا قلنا: البنطال الواسع ما يصف العورة ولا يُحجِّمها، هل فيه تشبه بالكفار؟ ليس فيه تشبه؛ لأنه أصبح ذلك مشتركًا بين المسلمين والكفار، وكثير من بلدان العالم الإسلامي يلبسون البنطال؛ فإذن ليس فيه تشبه.

لكن، لُبْس الصليب مثلًا أو لباس النصارى، أو مثلًا الذي يلبسه اليهود ويضعونه على رؤوسهم، هذا خاصٌّ بالكفار؛ فلا يجوز للمسلم أن يعمله.

إذن؛ التشبه الممنوع هو الشيء الخاص بالكفار، أما الشيء المشترك بين المسلمين والكفار فلا يكون فيه تشبه.

قال:

ويحرم القيام لهم.

لأن القيام لهم فيه احترام لهم وتعظيم لهم، وقد نُهي المسلمون عن ذلك.

وتصديرهم في المجالس.

لا يجوز تصدير أهل الذمة والكفار عمومًا في المجالس وبداءتهم بالسلام؛ لقول النبي : لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام[23].

وبكيف أصبحت أو أمسيت.

يعني: حتى لا يبدأ الكافر بكيف أصبحت أو أمسيت، وهذا محل خلاف بين أهل العلم، فبعض أهل العلم قال: إن الممنوع فقط هو أن يبدؤوا بالسلام، أما إذا قال: كيف أصبحت؟ أو كيف أمسيت؟ أو كيف حالك؟ فإن هذا ليس ممنوعًا منه.

واختار هذا القولَ أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، وقال: إن النبي إنما نهى عن بداءتهم بالسلام.

ولأن السلام يتضمن الإكرام والدعاء، فإنك إذا قلت: السلام عليكم. أنت تدعو له، أما إذا قلت: كيف أصبحت أو أمسيت؟ فإن هذا مجرد ترحيب وتحية.

وبعض أهل العلم فصَّل؛ قال: إن كان في قول: كيف أصبحت؟ أو كيف أمسيت؟ أو صباح الخير، بغير لفظ السلام، إن كان في ذلك مصلحة من دعوة للإسلام وتأليف له؛ فلا بأس به، وإلا فلا.

وهذا القول الأخير -التفصيل- قولٌ وسط، ولعله الأقرب، ورجحه الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله.

فإذا كان في ذلك مصلحة؛ كتأليف قلبه للإسلام، أو كفِّ شره، حتى لأن بعضهم أيضًا إذا لم يُقابله المسلم بقوله: كيف أصبحت؟ أو كيف أمسيت؟ ربما أنه يمكر بالمسلم، أو يضرُّ به، أو نحو ذلك، خاصة إذا كان متنفذًا؛ فلا بأس أن يقول ذلك، إذا كان في ذلك مصلحة شرعية. وهذا هو الأقرب.

قال:

وتحرم تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم.

أما (تهنئتهم) بالأعياد فإن هذا محرم، وقال ابن القيم رحمه الله في “أحكام أهل الذمة”: هذا إن سَلِم فاعله من الكفر فلا ريب في تحريمه.

لأن تهنئتهم بالأعياد بمنزلة تهنئتهم بسجودهم للصَّنم وللصليب ونحو ذلك، أما تهنئتهم بأمور دنيوية كمن وُلِد له مولود، أو حصل له ترقية أو نحو ذلك؛ فهذا لا بأس به، خاصة إذا كان في ذلك مصلحة، لا بأس به في أظهر قول العلماء. وظهر في قول المؤلف المنع عمومًا، لكن الصواب أنه لا بأس به، خاصة إذا كان في ذلك مصلحة.

(وتعزيتهم)؛ تعزية الكفار محل خلاف بين أهل العلم، وقد سُئل الإمام أحمد عنها فقال: ما أدري.

فمِن أهل العلم من منع ذلك، وهذا هو القول الذي مشى عليه المؤلف، قال: إنه لا يجوز أن نُعزيهم؛ لأن التعزية تسلية للمصاب وجبر لمصيبته، ونحن نَوَدُّ ألا يَسْلَموا من المصائب، بل نقول: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا [التوبة:52].

وقال بعض أهل العلم: إنه إذا كان في التعزية مصلحة؛ من تأليفِ قلبه ودعوته للإسلام؛ فلا بأس بها. وهذا هو الأقرب؛ لأن التعزية من جنس عيادة المريض.

قال: (وعيادتهم)؛ فالمؤلف أيضًا يرى أنه يحرُم عيادة أهل الذمة والكفار عمومًا.

والصواب: جواز عيادة الكافر؛ لأن النبي فعل ذلك مع عمه أبي طالب، وعرض عليه الإسلام، وقال : كلمة أحاجُّ لك بها عند الله[24].

ولأن النبي أيضًا عاد غلامًا يهوديًّا في مرض موته، وعرض عليه الإسلام فأسلم، وخرج النبي وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار[25].

والصواب: أن عيادة أهل الذمة والكفار عمومًا أنه لا بأس بها، خاصة إذا كان في ذلك مصلحة.

قال:

ومن سلَّم على ذِمِّيٍّ ثم عَلِمَهُ، سُنَّ قوله: رُدَّ عليَّ سلامي.

انظر كلام الفقهاء في هذا، هذا يدل على أن العزة للمسلم، فيقول: لو سلَّمتَ على ذمِّيٍّ ثم علمت أنه ذمِّيٌّ، كنت تظن أنه مسلم؛ فتقول له: رُدَّ عليَّ سلامي.

وهذا قد رُوي عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقيل: إنه سلَّم على إنسان فعلم أنه ذمِّيٌّ، فقال: رُدَّ عليَّ سلامي. قال: رددت عليك سلامك. فقال ابن عمر رضي الله عنهما: أكثر الله مالك وولدك. ثم التفت إلى أصحابه، وقال: أكثرُ للجزية.

يعني: لأنه إذا كثر ماله وأولاده فستكثُر الجزية، فيقول بدلَ سلامه عليه، يقول: أكثر الله مالك وولدك؛ لأن في ذلك مصلحة للمسلمين، لكن نقول: رُدَّ عليَّ سلامي.

مداخلة:

الشيخ: لا، يقول: رددت عليك سلامك.

لكن القول بهذا محل نظر، ليس عليه دليل ظاهر إلا هذا الأثر عن ابن عمر رضي الله عنهما، وإن صح عنه فإنه  في سنده مقال.

والأقرب: أنه إذا سلَّم عليه بطريق الخطأ أنه لا يُستحب أن يقول: رُدَّ عليَّ سلامي؛ لأن هذا فيه تنفيرًا له عن الإسلام.

فالأقرب: أنه إذا أخطأ فلا يُلام على ذلك؛ لأنه قد أخطأ في السلام على غير المسلم.

قال:

وإن سلَّم الذِّمِّيُّ؛ لزم رَدُّه.

يعني: لزم ردُّ السلام، فيُقال: وعليكم، يُقال: وعليكم إن كانت العبارة مُلتبسة، أما إذا كانت العبارة واضحة بأن قال: السلام عليكم، فإنه يقول: وعليكم السلام؛ للآية الكريمة قولِ الله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86].

فإذا كان سلَّم الكافر سلامًا صريحًا، فنرُدُّ عليه السلام صريحًا، نقول: وعليكم السلام.

وإن شمَّت كافرٌ مسلمًا أجابه.

(أجابه)؛ يعني بقوله: يهديكم الله ويُصلح بالكم؛ لحديث أبي موسى قال: كان اليهود يتعاطسون عند رسول الله رجاء أن يقول لهم: يرحمكم الله. فكان يقول لهم: يهديكم الله ويصلح بالكم. رواه أبو داود والترمذي، وهو حديث صحيح[26].

فإذن؛ إذا عطس الكافر فإنك تقول له: يهديكم الله ويصلح بالكم، ولا تَقُل: يرحمكم الله؛ لأنه لا يُدعى لكافر بالرحمة، لكن تدعو له بالهداية والصلاح.

وهكذا أيضًا لو شمَّت الكافر المسلم، إذا عطس المسلم، فقال الكافر له: يرحمك الله، فإن المسلم يُجيبه بـ”يهديكم الله ويصلح بالكم”.

قال:

وتُكره مصافحته.

لأن المصافحة شعار المسلمين، لكن لو كان في مصافحته مصلحة فلا بأس بها، كأن يكون بذلك دعوة له للإسلام أو تأليف لقلبه.

الفصل الأخير قال:

ومَن أبى من أهل الذمة بَذْلَ الجزية، أو أبى الصَّغار، أو أبى التزام حكمنا.

ثم ذكر المؤلف ما الذي يُنتقض به عهد أهل الذمة:

الأمر الأول: إذا (أبى.. بَذْلَ الجزية)، حكمنا عليه ببذل الجزية ووافق، لكنه أبى أن يُسلِّمها لنا، فإنه يُنتقض عهده بذلك.

(أو أبى الصَّغار)؛ يعني: على ما ذكر المؤلف من الأمور التي ذُكرت، يعني قال: أنا أرسل الجزية مع واسطة، مع رسول، نقول: لا، لا بد أن تأتي. فإذا رفض؛ انتقض عهده.

(أو أبى التزام حكمنا)؛ أبى التزام أحكام المسلمين، مثلًا: في تحريم الزنا، ونحو ذلك.

أو زنى بمسلمة، أو أصابها بنكاح.

يعني: الكافر لا يجوز أن يتزوج مسلمة، لكن لو أنه عقد عليها وأصابها، أو زنى بها، فقد انتقض عهده، ورُوي أن عمر : أنه قتل يهوديًّا أراد اسْتِكراه امرأة مسلمة.

أو قَطَع الطريق؛ فينتقض عهده، أو ذَكَر الله تعالى أو رسوله بسوء؛ فينتقض عهده، أو تَعَدَّى على مسلم بقتلٍ أو فتنة عن دينه؛ فينتقض عهده.

ومثل ذلك أيضًا لو تجسَّس، أو آوى جاسوسًا؛ فينتقض عهده.

فإذا فعل أمرًا من الأمور المناقضة للعهد؛ فإنه ينتقض عهده بذلك، وإذا انتقض عهده، ما الذي يترتب على هذا؟

قال المؤلف:

ويُخيَّر الإمام فيه كالأسير.

وسبق أن قلنا: إن الإمام يُخيَّر في الأسرى بين أربعة أمور: مَن يُذكِّرنا بها؟

مداخلة:

الشيخ: نعم، أولًا: القتل، والرِّق، والمَنُّ المجان والمّنَُ بفداء. فيُخَيَّر بين هذه الأمور الأربعة.

قال:

ومالُه فَيْءٌ.

ويُصرف مَصرِفَ الفَيْءِ الذي تكلمنا عنه.

ولا ينتقض عهد نسائه وأولاده.

لأنه إنما وُجِد النقض منه دونهم.

فإن أسلم حرم قتله.

يعني: إن أسلم هذا الذمِّي حرُم قتله، ولو كان في الظاهر أنه أسلم لأجل أن يُسقط عنه الجزية.

وقد رُوي أن يهوديًّا أسلم، فقيل لعمر : إنه أسلم لكي يُسقط عنه الجزية، فسأله عمر عن ذلك، فقال: نعم، أليس الإسلام يؤوي مَن أسلم؟ قال: نعم. فقبل منه عمر ذلك.

قال:

ولو كان سبَّ النبي .

يعني: يحرم قتله، ولو كان سبَّ النبي . وهذه مسألة مختلف فيها، أولًا إذا سبَّ الله تعالى فإن تاب تقبل توبته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 3142، ومسلم: 1751.
^2 رواه أبو داود: 2721.
^3 رواه البخاري: 438، ومسلم: 521.
^4 رواه البخاري: 4228، ومسلم: 1762.
^5 رواه البخاري: 4097.
^6 رواه أحمد: 16741، وأبو داود: 2980، والنسائي: 4137.
^7 رواه أحمد: 17204، وأبو داود: 2901، والترمذي: 2104.
^8 رواه البخاري: 7068.
^9 رواه البخاري: 25، ومسلم 22.
^10 رواه البخاري: 3171، ومسلم: 336.
^11 رواه البخاري: 3166.
^12 رواه مسلم: 173.
^13 رواه البخاري: 3157.
^14 رواه أبو داود: 4362، والنسائي: 4070.
^15 رواه مالك: 31، وأحمد: 2865، وابن ماجه: 2341.
^16 رواه البخاري: 6819، ومسلم: 1699.
^17 رواه البخاري: 2413، ومسلم: 1672.
^18 رواه أحمد: 22037، وأبو داود: 1576، والترمذي: 623، والنسائي: 2450.
^19, ^21 سبق تخريجه.
^20 رواه أحمد: 1949، وأبو داود: 3053، والترمذي: 633.
^22 رواه أحمد: 5114، وأبو داود: 4031.
^23 رواه مسلم: 2167.
^24 رواه البخاري: 6681، ومسلم: 24.
^25 رواه البخاري: 1356.
^26 رواه أحمد: 19586، وأبو داود: 5038، والترمذي: 2739.
zh