logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(45) كتاب الاعتكاف- من قوله: “وهو سنة، ويجب بالنذر..”

(45) كتاب الاعتكاف- من قوله: “وهو سنة، ويجب بالنذر..”

مشاهدة من الموقع

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.

هذا الدرس -كما ذكرنا في الدرس السابق– سوف نقتصر فيه على “دليل الطالب”؛ مراعاةً لظروف الإخوة الطلاب المرتبطين باختباراتٍ، وأيضًا سوف نقتصر أيضًا منه على كتاب الاعتكاف.

وبناءً على اقتراح بعض الإخوة بأن تكون بداية الشرح في كتاب الجهاد مع استئناف الدرس، فلعل هذا الاقتراح يكون مناسبًا، بحيث يكون استئناف الدرس -إن شاء الله تعالى- مع بداية كتاب الجهاد.

سيتوقف هذا الدرس طيلة فترة الاختبارات والإجازة، ثم كالمعتاد يستأنف في أول اثنينٍ من بداية الدراسة في الفصل الثاني، أظن أول اثنينٍ من شهر ربيعٍ، وسيكون هناك إعلانٌ على الموقع أيضًا لاستئناف الدرس.

هناك بحثٌ كنت قد كتبته، ونُشر في “مجلة البحوث الفقهية المعاصرة”، وهو بحثٌ مُحَكَّمٌ، والبحث نشر في الموقع، لعله وصلتكم رسائل بهذا؛ ولذلك بعض المسائل -خاصةً المسائل الكبيرة والمهمة- سوف نقرؤها من البحث، ونحيل على البحث الموجود في الموقع.

هناك مثلًا مسألة: خروج المعتكف، فيها كلامٌ كثيرٌ وتفصيلٌ، هناك مسألة: الاشتراط، هل هو مشروعٌ أصلًا، من أصله هل مشروعٌ أم لا؟ أيضًا سوف نبحث هذه المسألة في البحث المذكور، وبقية المسائل نأخذها من كلام المؤلف رحمه الله.

كتاب الاعتكاف

قال المؤلف رحمه الله:

كتاب الاعتكاف

تعريف الاعتكاف

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الاعتكاف

“الاعتكاف”: افتعالٌ من عَكَف على الشيء يَعْكِفُ ويَعْكُف، ومادته -مادة (العين والكاف والفاء)- تدل على الحبس والمقام على الشيء.

وعَكَفَ يَعكِف ويَعكُف يأتي لازمًا ومتعديًا.

فلازمًا: عكف مصدره العكوف، وهو الإقبال على الشيء وملازمته على سبيل التعظيم، ومنه قول الله تعالى: فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ [الأعراف:138]، مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ [الأنبياء:52].

وأما المتعدي: فمصدره العَكْف، إذنْ اللازم مصدره العكوف، والمتعدي مصدره العكف، ويأتي بمعنى الحبس والمنع، يعني: العكف يأتي بمعنى: الحبس والمنع، ومنه قول الله تعالى: وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ [الفتح:25]، يعني: محبوسًا عن أن يبلغ محله.

والاعتكاف شرعًا، هل هو مأخوذٌ من الفعل اللازم الذي مصدره العكوف، أو الفعل المتعدي الذي مصدره العكف؟

الطالب:

الشيخ: لا، اعتكف عكوفًا في اللازم، ولا يقال: اعتكف عكفًا، فهو مأخوذٌ من الفعل اللازم؛ فإذنْ الاعتكاف شرعًا مأخوذٌ من الفعل اللازم الذي مصدره عكوفٌ.

وأما تعريفه شرعًا، فعرف بتعريفاتٍ كثيرةٍ، وهي أيضًا مذكورةٌ في البحث بتعريفات المذاهب الأربعة وغيرهم، وغير هؤلاء الفقهاء، لكن جميع التعريفات تدور حول أن معنى الاعتكاف: لزوم المسجد لطاعة الله تعالى.

وعُرِّف بتعريفٍ جامعٍ مانعٍ: وهو لزوم مسجدٍ لعبادة الله تعالى من شخصٍ مخصوصٍ على صفةٍ مخصوصةٍ، والتعريفات هذه كلها في البحث أيضًا بالتفصيل.

ويسمى الاعتكاف جِوارًا، يسمى جوارًا، ومن ذلك ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله يُصغي إليَّ رأسه وهو مجاوِرٌ في المسجد، فأُرَجِّله وأنا حائضٌ [1]، وهذا الحديث أخرجه البخاري في “صحيحه”، وفي حديث أبي سعيدٍ  أن النبي قال: إني كنت أجاور هذه العشر، ثم بدا لي أن أجاور العشر الأواخر [2].

فـأجاور، و”جِوارٌ” معناه: الاعتكاف، أجاور يعني: أعتكف.

مشروعية الاعتكاف

والأصل في مشروعيته: الكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب: فقول الله تعالى: وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ [البقرة:125]، وهذا يدل على أن الاعتكاف قديمٌ، وأيضًا قول الله تعالى: وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187].

وأما من السنة: فالأحاديث كثيرةٌ؛ ولذلك يَعقد أصحاب السنن وكتب الصحاح والمسانيد أبوابًا في الاعتكاف: باب الاعتكاف، فضلًا عن الفقهاء الذين أيضًا يعقدون أبوابًا وكتبًا في الاعتكاف؛ فالبخاري ومسلمٌ عقدا كتابين في الاعتكاف، وإن كان مسلمٌ يسرد الأحاديث بدون أن يسمي الباب أو الكتاب، البخاري يجعلها على شكل أبوابٍ، من ذلك ما جاء في “الصحيحين” عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله يعتكف العشر الأواخر حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده” [3].

وقد اعتكف النبي عليه الصلاة والسلام العشر الأوائل من رمضان [4]، ثم اعتكف العشر الأواسط [5]؛ طلبًا لليلة القدر، ثم أخبر بأن ليلة القدر في العشر الأواخر [6]، فأصبح يعتكف في العشر الأواخر، واستقر اعتكافه على العشر الأواخر من رمضان.

حكم الاعتكاف في غير رمضان

لكن لا يختص الاعتكاف برمضان، وإنما يصح أن يكون في غير رمضان في أظهر أقوال أهل العلم، والدليل لهذا: أن النبي في إحدى السنوات أراد أن يعتكف في العشر الأواخر، فأتت إحدى أزواجه بخباءٍ، ثم أتت بقية أزواجه كلٌّ منهن بخباءٍ، فلما رأى هذه الأخبية قال: آلبِرَّ تردن؟، ثم أمر بنزع هذه الأخبية كلها، ولم يعتكف العشر الأواخر من ذلك العام [7]، واعتكف بدلًا من ذلك في العشر الأول من شهر شوالٍ؛ كأنه عليه الصلاة والسلام لحظ التنافس وعدم الإخلاص، أو شيئًا من هذا؛ ولذلك لم يعتكف، ومنع أزواجه من الاعتكاف، لكنه عليه الصلاة والسلام كان إذا عمل عملًا أثبته [8]، وداوم عليه، وإذا فاته قضاه، فقضى ذلك الاعتكاف في العشر الأول من شوالٍ؛ ودل ذلك على أنه يصح الاعتكاف في غير رمضان، ولا يختص ذلك في رمضان، لكن الأفضل أن يكون في العشر الأواخر من رمضان.

وقد أجمع العلماء على مشروعية الاعتكاف؛ ولهذا قال نقل أبو داود عن الإمام أحمد أنه قال: لا أعلم عن أحدٍ من العلماء خلافًا في أن الاعتكاف مسنونٌ، ونقل ابن المنذر الإجماع، وكذلك الموفق بن قدامة، نقلوا الإجماع على مشروعيته.

والاعتكاف كما أشرنا هو من الشرائع القديمة، ففي الآية السابقة يقول الله تعالى: وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ [البقرة:125]، وهذا يدل على أن الاعتكاف كان معروفًا من وقت إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

وقال ​​​​​​​ عن مريم عليها السلام: فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا [مريم:17]، وقال: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا [آل عمران:37]، قالوا: إنها كانت معتكفةً في المسجد، قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: ولأن مريم عليها السلام قد أخبر الله سبحانه أنها جُعلت محررةً له، وكانت مقيمةً في المسجد الأقصى في المحراب، وأنها انتبذت من أهلها مكانًا شرقيًّا، فاتخذت من دونهم حجابًا، قال: وهذا اعتكاف في المسجد واحتجاب فيه.

يعني: مُقام مريم في المسجد هو اعتكافٌ منها فيه كما قال أبو العباس ابن تيمية، بل كان الاعتكاف أيضًا معروفًا في الجاهلية قبل بعثة نبينا محمدٍ ، ويدل لذلك ما جاء في “الصحيحين” عن عمر قال: كنت نذرت أن اعتكف ليلةً في الجاهلية في المسجد الحرام، فسألت النبي  فقال: أَوفِ بنذرك [9]؛ إذنْ الاعتكاف من الشرائع القديمة التي أقرها الإسلام.

الحكمة من مشروعية الاعتكاف

والحكمة من مشروعيته: هو أن يتفرغ المسلم لعبادة الله ، وكما يقول ابن القيم: إن يعكف قلبه للعبادة؛ ولمناجاة الله ، والانقطاع عن أشغال الدنيا؛ فإن الإنسان إذا كان في معاشه ربما أنه يغفل ويذهل ويقسو قلبه، فإذا تفرغ للعبادة في المسجد، وانقطع عن الدنيا وأشغالها، وتفرغ لمناجاة الله وذكره؛ فإن ذلك يكون عونًا له على أداء هذه العبادة بإخلاصٍ وحضور قلبٍ، ومما يزيده قربًا من الله ، وهذا أمرٌ واقعٌ ومشاهدٌ، أن الإنسان إذا اعتكف في المسجد وانقطع عن الدنيا وأشغالها التي لا تنقضي؛ فإن ذلك لا شك مما يعينه على كثيرٍ من الطاعات؛ من الصلاة، ومن الذكر، ومن تلاوة القرآن، ومن عباداتٍ كثيرةٍ لا تتأتى مع غير الاعتكاف؛ ولهذا ينبغي أن يفقه المعتكف هذا المعنى؛ لأن بعض المعتكفين تجد أنهم يُمضون كثيرًا من وقت الاعتكاف في الحكايات والأحاديث الجانبية، وفي الاتصالات بالهاتف، ونحو ذلك، فلا تتحقق الحكمة من هذا الاعتكاف؛ ولذلك ينبغي للإنسان إذا اعتكف أن ينقطع، ولا يتصل إلا في الأحوال الضرورية أو الحاجية، أو ما يجب عليه نحو أهله، ونحو ذلك، لكن الأمور التي يمكن تأجيلها إلى وقتٍ آخر يؤجلها ويتفرغ للعبادة ما دام معتكفًا، وإن كان لا بأس أن يتحدث، لكن الكلام عن المبالغة في ذلك، لا بأس أن يتحدث مع بعض المعتكفين، والنبي زارته صفية رضي الله عنها، وتحدث معها ساعةً، ثم ذهبت وودعها عليه الصلاة والسلام، ورآه رجلان من الأنصار -كما في القصة المشهورة- فقال: إنها صفية [10]؛ فهذا دليلٌ على أنه لا بأس بأن يتحدث المعتكف في معتكفه مع زواره، أو مع بعض المعتكفين، لكن لا يبالغ في ذلك، ولا يأخذ هذا جزءًا كبيرًا من وقته.

حكم الاعتكاف

قال المصنف رحمه الله:

وهو سنةٌ، ويجب بالنذر.

حكم الاعتكاف: سنةٌ، وقد نقلنا الإجماع على ذلك، وذكرنا الأدلة لهذا من الكتاب والسنة والإجماع، لكن الاعتكاف يجب بالنذر؛ ولهذا قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الاعتكاف سنةٌ، يعني: لا يجب على الناس فرضًا إلا أن يوجبه المرء على نفسه نذرًا، فيجب عليه.

شروط صحة الاعتكاف

قال:

وشرط صحته ستة أشياء:

الشرط الأول:

النية.

لقول النبي : إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى [11].

والإسلام.

فالاعتكاف لا يصح من الكافر؛ لأنه عبادةٌ، والعبادة لا تصح من كافرٍ.

والعقل.

فغير العاقل غير مكلفٍ، ومرفوعٌ عنه القلم، فلا يصح الاعتكاف منه، والنية والإسلام والعقل هي شروطٌ لجميع العبادات.

والتمييز.

ولم يقل المؤلف: البلوغ؛ لأن الاعتكاف يصح من الصبي المميز، فإن الصبي المميز تصح صلاته، فيصح اعتكافه، بل تصح كذلك مصافته وإمامته على القول الصحيح، فيصح اعتكافه.

قال:

وعدم ما يوجب الغسل.

لما يروى أن النبي قال: لا أحل المسجد لحائضٍ ولا جنبٍ [12]، وهذا الحديث في سنده مقالٌ، لكن له طرقٌ متعددةٌ، يشد بعضها بعضًا.

ولذلك إذا حصل جنابةٌ من المعتكف؛ فإنه يذهب ويغتسل مباشرةً، فالجنب ممنوعٌ من اللبث في المسجد.

قال:

وكونه بمسجدٍ.

يعني: أنه يشترط لصحة الاعتكاف أن يكون بمسجدٍ، وقد أجمع العلماء على ذلك، قال ابن القطان: أجمعوا على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد.

وقال الموفق بن قدامة: لا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافًا، ونقل أيضًا القرطبي الإجماع على ذلك، والدليل لهذا الشرط قول الله تعالى: وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، قال النووي رحمه الله: وجه الدلالة: أنه لو صح الاعتكاف في غير المسجد؛ لم يخص تحريم المباشرة بالاعتكاف في المسجد؛ لأنها منافيةٌ للاعتكاف، فعُلم أن المعنى: بيان أن الاعتكاف إنما يكون في المساجد.

وأيضًا يدل لذلك هدي النبي ، فهو إنما كان يعتكف في المسجد، حتى إنه كان يُدخل رأسه وهو في المسجد إلى حجرة عائشة رضي الله عنها فتُرَجِّله [13]، فكان عليه الصلاة والسلام يحافظ على بقائه في المسجد، يعني: لم يكن يدخل حجرة عائشة رضي الله عنها، وإنما فقط يُدخل رأسه، فترجل عائشة رضي الله عنها رأسه وهو معتكفٌ، ولا يدخل البيت إلا لحاجةٍ إذا كان معتكفًا.

ولكن مع اتفاق العلماء على اشتراط المسجد لصحة الاعتكاف؛ إلا أنهم اختلفوا في ضابطه للرجل وللمرأة.

ما الضابط في المسجد الذي يصح فيه الاعتكاف؟

المؤلف يرى أن الضابط، قال:

ويزاد في حق من تلزمه الجماعة أن يكون المسجد مما تقام فيه.

المؤلف يرى أن الضابط في ذلك: أن يكون المسجد تقام فيه الجماعة، وهذا هو أحد الأقوال في المسألة، وقاله أبو العباس ابن تيمية، وهو قول عامة التابعين، يعني: أن يكون الاعتكاف في مسجدٍ يقام فيه الجماعة، قال: وهو قول عامة التابعين، ولم ينقل عن صحابيٍّ خلافه، إلا قول من خَص الاعتكاف بالمساجد الثلاثة أو مسجد نبيٍّ، وسيأتي الكلام عن ذلك، وهذا القول هو مذهب الحنفية والحنابلة.

القول الثاني: أنه يصح الاعتكاف في كل مسجدٍ، وهو مذهب الشافعية والمالكية، إلا أن المالكية يرون أنه إذا نوى الاعتكاف مدةً يتخللها جمعةً؛ فلا يصح إلا في المسجد الجامع.

القول الثالث: أنه لا يصح الاعتكاف إلا في مسجدٍ جامعٍ، وهذا رُوي عن الزهري والحَكَم وحمادٍ، وهو مذهب المالكية، إذا كانت مدة الاعتكاف أسبوعًا فأكثر.

والقول الرابع: أنه لا يصح الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي ، والمسجد الأقصى، وقد رُوي عن حذيفة .

أما أصحاب القول الأول: فاستدلوا بعموم الآية: وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، قالوا: فقول الله تعالى: فِي الْمَسَاجِدِ، يشمل جميع المساجد، لكنه يُخَص بالمسجد الذي تقام فيه الجماعة؛ لأن الجماعة واجبةٌ، واعتكاف الرجل في مسجدٍ لا تقام فيه الجماعة يفضي إما إلى ترك الجماعة الواجبة، وإما إلى خروجه فيتكرر ذلك منه كثيرًا مع إمكان التحرز منه، وذلك منافٍ للاعتكاف.

وأيضًا استدلوا بقول عائشة رضي الله عنها: “السنة في المعتكف ألا يعود مريضًا، ولا يشهد جنازةً، ولا يمس امرأةً ولا يباشرها، ولا يخرج إلا لما لا بد منه، ولا اعتكاف إلا بصومٍ، ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعةٍ [14]، وهذا قد أخرجه البيهقي والدارقطني، وأخرجه أيضًا بنحوه أبو داود في “سننه”، إلا أنه قال: “ولا اعتكاف إلا في مسجدٍ جامعٍ”، بدل: “مسجد جماعةٍ”، وموضع الشاهد قولها: “ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعةٍ”، وصدَّرت قولها بـ”السُّنة”، وهي تنصرف عند الإطلاق لسنة النبي ، لكن بعض المحدثين يرون أن هذا مدرجٌ من كلام الزهري، وليس من كلام عائشة رضي الله عنها، وممن ذكر ذلك: الدارقطني، قال الدارقطني رحمه الله: إن قولها: “وإن السنة للمعتكف..” إلخ، ليس من قول النبي ، وليس من قول عائشة، ومن أدرجه في الحديث فقد وهم.

ونقل ابن القيم كلام الدارقطني في “تهذيب السنن”، قال: ولهذا -والله أعلم- ذكر صاحب “الصحيح” أوله وأعرض عن هذه الزيادة، مراده بأوله: قول عائشة رضي الله عنها: “كان رسول الله يعتكف العشر الأواخر حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده، والسنة للمعتكف.. ” إلخ.

إذنْ الصحيح: أن هذه اللفظة مدرجةٌ من كلام الزهري، أو غيره من الرواة، وليس من قول عائشة رضي الله عنها، فلا يستقيم الاستدلال بها.

ثم إن هذا القول هو المأثور عن الصحابة ؛ نقلنا عن أبي العباس ابن تيمية رحمه الله أنه قال: إنه لم ينقل عن صحابيٍّ خلافه.

أما أصحاب القول الثاني الذين قالوا: إنه يصح الاعتكاف في كل مسجدٍ حتى وإن لم تُقَم فيه الجماعة: فاستدلوا بعموم الآية: وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، لكن يجاب عن ذلك بأن لفظ الآية وإن كان عامًّا، إلا أنه يُخصَّص بالمساجد التي تقام فيها الجماعات؛ لأن اعتكاف الرجل في مسجدٍ لا تقام فيه الجماعة، يُفضي إلى ترك الجماعة الواجبة، أو إلى خروجه المتكرر الذي يمكن الاحتراز منه، والخروج المتكرر ينافي الاعتكاف، واستدلوا بحديث حذيفة ، قال: سمعت رسول الله يقول: كل مسجدٍ له مؤذنٌ وإمامٌ فالاعتكاف فيه يصلح [15]، ولكن هذا الحديث حديثٌ ضعيفٌ جدًّا، لا تقوم به الحجة، وأخرجه الدارقطني وابن حزمٍ.

طيب الدارقطني -لو استطردنا قليلًا- محققٌ وإمامٌ، وهو ينقد غيره، أو ينقد الأحاديث الضعيفة، تعرفون تتبع “صحيح مسلمٍ”، فكيف يخرج في “سننه” أحاديث ضعيفةً كثيرةً؟

نحن قلنا: هذا الحديث ضَعْفُه شديدٌ، ومع ذلك أخرجه الدارقطني، نعم تفضل.

الطالب:

الشيخ: طيب، أحدكم، نعم تفضل.

الطالب:

الشيخ: إي نعم، أحسنت، بارك الله فيك! نعم هذا منهجه، منهج الدارقطني، منهجه: أنه أراد أن يجمع الأحاديث الغريبة والضعيفة في “السنن”؛ ولذلك الأحاديث التي انفرد بها فالغالب عليها الضعف، فهو أراد أن يجمع هذه الأحاديث الضعيفة في “السنن”، ولم يقصد بذلك جمع الأحاديث الصحيحة، وإلا لو قصد؛ لحصَّل ما أراد، وهو إمامٌ في هذا الفن.

الطالب:

الشيخ: الفرق أن القول الأول: أنها تكون في مسجدٍ تقام فيه الجماعة، الثاني: مسجدٍ وإن لم تقم فيه الجماعة، حتى وإن كان مسجد مهجور يعني، بعض المساجد التي على الطرقات مثلًا، أو مساجد ما تقام فيها الجماعة.

الطالب:

الشيخ: أي نعم، الجمعة سيأتي الكلام عنها الآن.

القول الثالث: وهم أصحاب هذا القول، القائلون بأنه لا يصح الاعتكاف إلا في مسجدٍ جامعٍ، فاستدلوا بقول عائشة رضي الله عنها: “السنة في المعتكف ألا يعود مريضًا، و..”، إلى قولها: “ولا اعتكاف إلا في مسجدٍ جامعٍ” وسبق أن قلنا: إن هذا ضعيفٌ، وأنه مدرجٌ من كلام الزهري، وليس من كلام عائشة رضي الله عنها، فلا تقوم به حجةٌ، وقالوا: إن الاعتكاف في غير المسجد الجامع يفضي إلى خروج المعتكف من معتكفه لأداء صلاة الجمعة، وهذا الخروج يمكن التحرز منه لو اعتكف في المسجد الجامع، لكن اعترض على ذلك بأن هذا خروجٌ مأذونٌ له فيه؛ لأن الجمعة لا تتكرر، فهي مرةٌ واحدةٌ في الأسبوع.

وأما أصحاب القول الرابع: الحقيقةَ القول الرابع قولٌ ضعيفٌ، أنه لا يصح الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة، لكن تبنى هذا القول الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله وطلابه من بعده، فأحيوا هذا القول، وإلا فكان قولًا مهجورًا، فأصحاب هذا القول استدلوا بحديث حذيفة  أن النبي قال: لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة [16]، فقوله : لا اعتكاف، يُحمل على الصحة، يعني: لا يصح الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة، قالوا: والأصل في النفي أنه يحمل على نفي الصحة، وهذا الحديث أخرجه البيهقي وابن حزمٍ في “المحلى”، والطحاوي في “مشكل الآثار”، واعتُرض عليه بأنه حديثٌ ضعيفٌ لا يثبت مرفوعًا إلى النبي ، فقد أخرجه ابن حزمٍ من طريق سعيد بن منصورٍ، عن سفيان بن عيينة، عن جامع بن أبي راشدٍ، عن شقيق بن سلمة، عن حذيفة ، وقال ابن حزمٍ: شك حذيفة -أو من دونه- هل قال: إلا المساجد الثلاثة، أو قال: إلا مسجد جماعةٍ، وقال ابن حزمٍ: ولا يُقطع على رسول الله بشكٍّ، وأخرجه البيهقي من طريقٍ أخرى.

فبعض العلماء صححه بمجموع طرقه، ومنهم الألباني، لكنْ كثيرٌ من أهل العلم يضعفه، يقول: إنه لا يصح ولا يثبت، لكن على تقدير صحته، فالمعنى: لا اعتكاف كاملٌ، ولا شك أن الاعتكاف في المساجد الثلاثة أكمل من الاعتكاف في غيرها، ثم إنه لو كان هذا الحديث ثابتًا مرفوعًا؛ لاشتهر بين الصحابة ؛ لأنه مما تتوافر الدواعي لنقله واشتهاره، وقد كان أكابر الصحابة يفتون بخلافه، وقد أفتى علي بن أبي طالبٍ وعائشة وابن عباسٍ  بأن الاعتكاف يكون في كل مسجدٍ تقام فيه الجماعة، ولم يثبت عن أحدٍ من الصحابة مخالفٌ، بل كان العمل مشهورًا بينهم في كل الأمصار دون نكيرٍ، إلا ما روي عن حذيفة  في هذا.

ثم أيضًا لو كان لا يصح الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة؛ لكان حمل الآية الكريمة: وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، على النادر، وهذا من معايب الاستدلال، فإن الاعتكاف في المساجد الثلاثة نادرٌ وقليلٌ بالنسبة للاعتكاف في سائر المساجد.

لكن في مساجد المسلمين ربما بالآلاف، أو ربما تصل إلى الملايين، فكيف تحمل الآية على المساجد الثلاثة، وتترك هذه المساجد من غيرها، فحمله على النادر هذا من معايب الاستدلال.

والقول الراجح: هو القول الأول، وهو القول الذي مشى عليه المؤلف، وهو أن الضابط في المسجد الذي يشرع الاعتكاف فيه: أن يكون المسجد تقام فيه الجماعة، ولا يشترط أن تقام فيه الجمعة، وقلنا: إن هذا القول هو الذي عليه أكابر الصحابة ، وكما نقل ذلك أبو العباس ابن تيمية هذا القول عن عامة التابعين، قال: ولم يثبت عن صحابيٍّ خلافه، إلا ما نُقل عن حذيفة في هذا.

فإذنْ الصواب: أن الاعتكاف إنما يكون في المسجد الذي تقام فيه الجماعة بالنسبة للرجل.

وأما المرأة: فمعلومٌ أن المرأة لا تجب عليها الجماعة؛ ولهذا اختلف العلماء في ضابط المسجد الذي يشرع للمرأة الاعتكاف فيه على قولين:

  • القول الأول: أنه يشترط لصحة اعتكاف المرأة أن تعتكف في أي مسجدٍ، أن تعتكف المرأة في أي مسجدٍ، وإن لم تُقَم فيه الجماعة، وليس لها أن تعتكف في مسجد بيتها، ما معنى “مسجد بيتها”؟ يعني: مصلاها الذي تصلي فيه في البيت، فإن بعض النساء تتخذ لها مكانًا تصلي فيه، هذا يسميه الفقهاء “مسجد بيتها”، فأصحاب القول الأول يقولون: إنه لا يصح الاعتكاف في مسجد بيتها، بل لا بد أن يكون في أي مسجدٍ، حتى وإن لم تُقَم فيه الجماعة، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة.
  • والقول الثاني: أنه يصح أن تعتكف المرأة في مسجد بيتها، وهذا هو المشهور من مذهب الحنفية.

أما الجمهور فاستدلوا بعموم الآية: وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، قالوا: والمراد بالمساجد: المواضع التي بنيت للصلاة فيها، وموضع صلاتها في بيتها ليس بمسجدٍ؛ لأنه لم يُبْنَ للصلاة فيه، ولا تثبت له أحكام المسجد الحقيقية حتى وإن سمي مسجدًا، فهو كقول النبي : جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا [17].

واستدلوا كذلك ثانيًا: أن أزواج النبي استأذنَّه في الاعتكاف في المسجد فأذن لهن، ولو لم يكن موضعًا لاعتكافهن؛ لما أذن لهن، ولو كان الاعتكاف في غيره أفضل لدلهن عليه، ولنبههن إليه.

ولو كان الاعتكاف في البيت يصح لأرشد النبي نساءه إلى الاعتكاف في البيت؛ لأن ذلك أيسر للمرأة، وأستر لها، وقالوا أيضًا: والاعتكاف عبادةٌ وقربةٌ يشترط لها المسجد في حق الرجل، فيشترط لها المسجد في حق المرأة؛ كالطواف.

وقالوا: إن مسجد بيت المرأة وإن سمي مسجدًا لغةً؛ إلا أنه ليس بمسجدٍ شرعًا، ولا تترتب عليه أحكام المساجد؛ بدليل جواز تغييره، وجواز مكث الجنب فيه.

طيب، لو استطردنا قليلًا، ما الضابط في المسجد؟ ما الفرق بين المسجد والمصلى؟

نعم؟

الطالب:…

الشيخ: أي نعم، أحسنت، المسجد أرضه موقوفةٌ، بينما المصلى أرضه مملوكةٌ، هذا من أوضح الفروق، فإذا كان أرضًا مملوكةً مثلًا لشخصٍ، أو مملوكةً لدائرةٍ حكوميةٍ أو مملوكةٍ؛ فهذا ليس مسجدًا، وأما إذا كانت موقوفةً، خرجت من ملك صاحبها لله ؛ فهذا مسجدٌ.

فمثلًا: مصليات الدوائر الحكومية، ومصليات المدارس، هذه مصلياتٌ، لا تسمى مساجد؛ لأنها ليست موقوفةً، اللهم إلا أن يخرجوا المسجد مثلًا وتكون أرضه موقوفةً، حتى لو قُدِّر تغيير المدرسة يبقى المسجد؛ فهذا مسجدٌ، فهذا من أوضح الفروق.

وأيضًا من الفروق: أن أرضه موقوفةٌ، ويصلى فيه غالبًا، ولا يشترط أن تصلى فيه الصلوات الخمس، وإنما غالبًا يصلى فيه، فهذا من أوضح الفروق.

طيب والضابط الثاني يُخرج مصلى العيد، مصلى العيد ليس بمسجدٍ، وقد تكون أرضه موقوفةً، لكنه ليس بمسجدٍ؛ لأنه لا يصلى فيه إلا صلاة العيد والاستسقاء فقط، ولا يصلى فيه غالبًا الصلوات الخمس؛ فإذنْ هو مصلى، فإذا أتيت لمسجد العيد، هل تأتي بركعتين أو تجلس؟ تجلس من غير تحية المسجد؛ لأنه ليس مسجدًا، لكن لو أنك صليت الاستسقاء في مسجدٍ؛ فلا بد أن تأتي بتحية المسجد، وهكذا لو صليت الاستسقاء كذلك، صليت العيد في مسجدٍ فلا بد أن تأتي بتحية المسجد، على أن الاستسقاء ليس لها وقتٌ، كما نقل الموفق بن قدامة، يعني تصلى في أي وقتٍ، لو أردت أن تصليها بعد صلاة الظهر، يصح أو لا يصح؟ يصح، ليس لها وقتٌ محددٌ، كما ذكر ذلك الموفق.

وكذلك أيضًا لا تختص بالاثنين والخميس، وأيضًا لا يشترط لها إذْنُ ولي الأمر، لكن في الأمصار ينبغي ألا يحصل الاجتماع في صلاة الاستسقاء إلا بأمر أو إذن ولي الأمر؛ تحصيلًا للجماعة، وابتعادًا عن الفرقة، لكن لو كان جماعةٌ في برٍّ مثلًا، وأرادوا أن يصلُّوا صلاة الاستسقاء؛ لا مانع من ذلك في قول عامة أهل العلم، لكن في المساجد -كما ذكرت- هي مرتبطةٌ بتنظيماتٍ وترتيباتٍ؛ ولذلك فلا بد من اتباع هذه التنظيمات، لكن لو أن جماعةً في سفرٍ أو في برٍّ، وأرادوا أن يصلوا صلاة الاستسقاء، فليس هناك ما يمنع في قول عامة الفقهاء، لا أعرف أن أحدًا من أهل العلم منع من ذلك.

طيب، إذنْ هذا هو القول الأول.

القول الثاني: وهو مذهب الحنفية، الحنفية يرون أن المرأة يصح أن تعتكف في مسجد بيتها، واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله كان يعتكف في العشر الأواخر، فاستأذنته عائشة فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب؛ أمرت ببناءٍ فبني لها، فقال النبي : آلبِرَّ تردن؟ ما أنا بمعتكِفٍ، فرجع، فلما أفطر؛ اعتكف عشرًا من شوالٍ، هذا الحديث أشرنا له قبل قليلٍ، وقلنا: إنه في “الصحيحين”، ووجه الدلالة: أن النبي ترك الاعتكاف في المسجد لمَّا رأى أبنية أزواجه فيه، وقال: آلبر تردن؟؛ فدل ذلك على أن المرأة ممنوعةٌ من الاعتكاف في المسجد، وحيث إن الاعتكاف مشروعٌ للمرأة كما هو مشروعٌ للرجل؛ فتكون مشروعيته في مسجد بيتها، لكن هذا الاستدلال استدلالٌ ضعيفٌ، فلا نسلم بأن ترك النبي الاعتكاف لما رأى أبنية أزواجه فيه، وكراهية الاعتكاف فيه؛ لأجل أن المرأة ممنوعةٌ من الاعتكاف في المسجد؛ إذ لو كان الأمر كذلك؛ لما أذن لهن أصلًا، ولكن كراهيته عليه الصلاة والسلام إنما كانت؛ لِمَا رأى من تنافسهن الذي يخشى معه سوء القصد والنية؛ ولذلك أمر بنزع الأخبية، ولم يأمرهن بالاعتكاف في بيوتهن؛ ولهذا قال الموفق بن قدامة كلامًا قريبًا من ذلك؛ ولهذا فالصواب في هذه المسألة: هو قول الجمهور، وهو أن الاعتكاف يشترط له المسجد، وأن المرأة ليس لها أن تعتكف في مسجد بيتها.

هناك أدلةٌ أخرى للحنفية، وهي مذكورةٌ في البحث، ومناقشةٌ، فنحيلكم على البحث، ولا نطيل الحديث في الكلام عنه ومناقشته؛ لأن هذا القول قولٌ ضعيفٌ، والأقوال الضعيفة لا نقف معها كثيرًا.

فالصواب إذن: هو قول الجمهور، وهو أنه يشترط لصحة اعتكاف المرأة: أن تعتكف في المسجد، وإلا لا تعتكف؛ لأن الاعتكاف عبادةٌ، فإذا تيسر لها أن تعتكف في المسجد؛ فلها ذلك، فإن لم يتيسر لها؛ فإنها لا تعتكف، لكن يشترط لاعتكاف المرأة أيضًا أمن الفتنة، فإن كانت الفتنة لا تؤمن؛ فليس لها أن تعتكف؛ لأن الاعتكاف سنةٌ، وترك ما لا يُؤمن معه الفتنة واجبٌ، وليس لها أن تأتي بسنةٍ مقابل الإخلال بالواجب؛ ولذلك لا بد أن يكون المسجد مثلًا فيه مكانٌ مخصصٌ للنساء، ويكون مأمونًا معه الفتنة، وأما إذا كان لا يؤمن معه الفتنة، وربما يقع ما لا يحمد عقباه فيحصل الافتتان من المرأة وبها، فنقول: ليس لها حينئذٍ أن تعتكف في المسجد، وإنما تبقى في بيتها من غير اعتكافٍ، تأتي بما تيسر من العبادة في بيتها من غير اعتكافٍ، أو تبحث عن مسجدٍ آخر تعتكف فيه، تؤمن معه معها الفتنة.

حكم ما زِيد في المسجد

نعود لكلام المؤلف رحمه الله، قال:

ومن المسجد ما زيد فيه.

ما زيد في المسجد يأخذ حكم المسجد؛ ولهذا فإن الزيادة في المسجد الحرام تأخذ حكم المسجد الحرام؛ فمثلًا: المسجد الحرام في عهد النبي كان هو الفناء المحيط بالكعبة فقط، ولم يكن هناك جدران أصلًا، كان مجرد فناءٍ محيطٍ بالكعبة، وفي عهد عمر وَضع عليه جدارًا، وَضع عليه سرجًا، جدارًا قصيرًا، ثم بعد ذلك توسع عمران المسجد الحرام إلى الوضع الذي ترونه الآن، فالزيادة تأخذ حكم المزيد؛ ولذلك فكله يعتبر من المسجد الحرام، وهكذا أيضًا مسجد النبي زيد فيه كثيرًا، والزيادة تأخذ حكم المزيد، هكذا أيضًا لو وُسِّع أي مسجدٍ من المساجد؛ فإن التوسعة تأخذ حكم المسجد.

قال:

ومنه سطحه.

فسطح المسجد يأخذ حكم المسجد؛ لعموم قول الله تعالى: وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187].

قال:

ورحبته المحوطة.

“رحبته”، وهو ما يسميه بعض العامة بـ”الصرح”، صرحة المسجد، يعني المناطق التي حول المسجد، فإن كانت محوطةً بسور المسجد، فإنها تأخذ حكم المسجد، وأما رحبته غير المحوطة بسور المسجد فإنها لا تأخذ حكم المسجد، فلو كان هناك ساحةٌ خارجيةٌ للمسجد، لكنها غير محوطةٍ بسور المسجد، هذه لا تأخذ حكم المسجد، ولا يصح الاعتكاف فيها.

أما لو كانت مسورةً ومحاطةً بسور المسجد؛ فإنها تأخذ حكم المسجد.

طيب الغرف التي تكون بجوانب المسجد، نفس الحكم إذا كانت محوطةً بسور المسجد، وأبوابها مفتوحةٌ على المسجد من الداخل، فتأخذ حكم المسجد، وأما إذا كانت أبوابها تفتح على الخارج على الطريق، أو أنها ليست محوطةً بسور المسجد؛ فإنها لا تأخذ حكم المسجد؛ فمثلًا: الغرف الموجودة هنا في الجهة الجنوبية لهذا المسجد أبوابها على الشارع، وليس لها أبوابٌ على داخل المسجد، فهذه لا تأخذ حكم المسجد؛ ولذلك من دخلها لا يلزمه أن يؤدي تحية المسجد.

الطالب: الغرفة هذه..

الشيخ: وأما هذه فمفتوحةٌ على المسجد، فتأخذ حكم المسجد؛ ولذلك بعض المعتكفين تُشكِل عليه هذه المسألة، فنقول: الغرف المحاطة بسور المسجد، والتي أبوابها مفتوحةٌ على المسجد، فإنها تأخذ حكم المسجد.

طيب إذا كان لها بابان: بابٌ مفتوحٌ على الطريق، وبابٌ مفتوحٌ على المسجد، فأيضًا تأخذ حكم المسجد.

طيب، ولذلك بعض مصليات النساء تكون خارج أسوار المسجد، وأبوابها تفتح على الطريق على الشارع، ولا تفتح على المسجد، هذه في الحقيقة خارج المسجد، وهذه لا تصح صلاة النساء فيها مقتدياتٍ بالإمام، إلا إذا اتصلت الصفوف، فهذه في الحقيقة فيها إشكالٌ؛ ولذلك ينبغي ملاحظة هذا عند بناء المسجد، ينبغي أن تكون محاطةً بسور المسجد، وتكون أبوابها أيضًا مفتوحةً على المسجد، وإلا لو قلنا بأن هذه الغرف التي هي ليست محاطةً بسور المسجد، وأبوابها على الشارع، لو قلنا: إنه يصح أنها من المسجد، وأنه يصح الاعتكاف فيها، ويصح صلاة النساء فيها؛ لقلنا: أيضًا جيران المسجد، هذا إذنْ يأخذ حكم المسجد، ولم يقل بذلك أحدٌ من أهل العلم.

ولهذا أيضًا العمائر القريبة من المسجد الحرام لا يصح الصلاة فيها، والاقتداء بإمام الحرم، إلا إذا كانت الصفوف متصلةً، وأما إذا كانت غير متصلةٍ؛ فلا يصح في أظهر قولي العلماء، وهو اختيار شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله، وإن كانت المسألة فيها خلافٌ، وفيها بحثٌ موجودٌ في الموقع، هي في زاوية: “أبحاث ودراسات”، يعني هذه المسألة فيها بحثٌ، وفيها ذكرٌ لأقوال العلماء في المسألة ومناقشةٌ لها.

لكن الأظهر والله أعلم: هو أن من كان خارج المسجد؛ فلا يصح اقتداؤه بالإمام، إلا إذا كانت الصفوف متصلةً؛ لأنه لو لم تكن متصلةً، لو لم نشترط هذا الشرط؛ فإنه يلزم منه أن نقول بجواز اقتداء جيران المسجد بإمام المسجد وهم في بيوتهم، فجيران المسجد يصلون مع الإمام وهم في بيوتهم، هذا من لوازم هذا القول، وأي فرقٍ بين العمائر القريبة من الحرم، وبين البيوت القريبة من المساجد في غير الحرم؟ لا فرق في الحقيقة.

أما داخل المسجد: فلا يشترط اتصال الصفوف، ونقل النووي الإجماع على ذلك، يعني: لو كان أحدٌ بعيدًا في الصف الأخير؛ يصح اقتداؤه بالإمام بشرط ألا يكون منفردًا، وقد نقل النووي الإجماع على ذلك، لكن الإشكال فيما إذا كان خارج المسجد.

الطالب:

الشيخ: طيب، بيت الإمام والمؤذن، وإذا كان له بيتٌ فيه بابٌ يفتح على المسجد، لكن هل هو محاطٌ بسور المسجد؟ الواقع أنه منفصلٌ عن المسجد؛ ولذلك لا يسمى مسجدًا، لا يؤتى فيه بتحية المسجد، لا يأخذ حكم المسجد، فحتى وإن كان يفتح على المسجد، لكنه ليس محاطًا بسور المسجد، فلا بد إذنْ أن يفتح الباب على المسجد، وأن يكون محاطًا بسور المسجد، فلا بد من الأمرين جميعًا، فإذا خلا من أحدهما؛ فإنه لا يأخذ حكم المسجد.

الطالب:

الشيخ: طيب، سؤالٌ جيدٌ، يقول: بناءً على هذا: هل يدخل المسعى في المسجد الحرام؟

المسعى لا يدخل في المسجد الحرام، وصدر في هذا قرار من “المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي”، يقول: المسعى مشعرٌ مستقلٌّ، فهو ليس من المسجد الحرام باعتباره مشعرًا مستقلًّا، وإلا لو قد طبقنا القاعدة؛ لقلنا بدخوله، وقال به بعض العلماء المعاصرين؛ قالوا: لأنه محاطٌ بسور المسجد الحرام.

لكن رأى كثيرٌ من العلماء أنه مشعرٌ مستقلٌّ، فاعتبروه استثناءً من هذه القاعدة، أنه خارج المسجد الحرام، باعتباره مشعرًا مستقلًّا، هذا هو الأظهر، وإن كانت المسألة محل خلافٍ أيضًا.

الطالب:

الشيخ: ما دام أنه في سورٍ خارجيٍّ، فيصح الاعتكاف فيه، لا إشكال؛ ولذلك لاحِظ قول المؤلف، وهو أيضًا ينصاع للفقهاء: “ورحبته المحوطة”، فعندهم أنه إذا كان محوطًا بسور المسجد؛ فيأخذ حكم المسجد.

طيب، قال:

ومنارته التي هي أو بابها فيه.

إذا كانت المنارة في المسجد، أو بابها في المسجد؛ فإنها تأخذ حكم المسجد؛ لأنها في حكمه، وتابعةٌ له، لكن إذا كانت مثل كثيرٍ من المنائر في الوقت الحاضر خارج المسجد، لا تأخذ حكم المسجد، فيبدو أنها في زمن المؤلف كانت المنائر داخل المسجد، لكن في وقتنا الحاضر أكثر المنائر خارج المسجد؛ فلا تأخذ حكم المسجد، إلا إذا كانت محاطةً بسور المسجد وتفتح عليه.

حكم من عيَّن الاعتكاف بمسجدٍ غير المساجد الثلاثة

قال:

ومن عيَّن الاعتكاف بمسجدٍ غير الثلاثة؛ لم يتعين.

ولو بلا شد رحلٍ؛ وذلك لأن الله لم يعين لعبادته مكانًا غير المساجد الثلاثة؛ كمن نذر صلاةً بغير المساجد الثلاثة، فإنه لا يلزمه أن يفي بالنذر، يعني فإنه لا يتعين النذر فيما عينه، فله أن يعتكف في أي مسجدٍ، إلا أن ينذر الاعتكاف في المساجد الثلاثة فإنه يتعين.

لكن لو نذر أن يعتكف في المسجد النبوي، أو في المسجد الأقصى، فهل له أن يعتكف في المسجد الحرام؟

نعم؛ لأنه ينتقل من مفضولٍ إلى فاضلٍ، فمن نذر أن يعتكف في المسجد النبوي، أو في المسجد الأقصى؛ فله أن يعتكف في المسجد الحرام، ومن باب أولى من نذر أن يعتكف في أي مسجدٍ، فله أن يعتكف في المسجد الحرام.

وكذلك أيضًا لو نذر أن يعتكف في المسجد الأقصى، فهل له أن يعتكف في المسجد النبوي؟

نعم؛ لأنه ينتقل من المفضول إلى الفاضل، والأصل في هذا ما جاء في “سنن أبي داود”: أن رجلًا أتى النبي فقال: يا رسول الله، إني نذرت إن فتح الله عليك أن أصلي في بيت المقدس ركعتين، فقال النبي : صل ها هنا، فأعادها عليه، قال: صل ها هنا، فأعادها عليه، قال: صل ها هنا، فأعادها عليه، قال: شأنك إذنْ [18]، وهذا حديثٌ صحيحٌ، فأمره النبي بأن يصلي في المسجد الحرام، مع أنه نذر أن يصلي في بيت المقدس؛ وذلك لأن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في المسجد الأقصى.

ولذلك نقول كما قال المؤلف وقرر هذه المسألة وهذه القاعدة: وهو أن من عَيَّن الاعتكاف في مسجدٍ غير الثلاثة؛ لم يتعين؛ لأن الله لم يعين لعبادته مكانًا غير الحج، وكذلك أيضًا غير المساجد الثلاثة، فإن المساجد الثلاثة تُشد إليها الرحال، والصلاة فيها لها فضلٌ.

مبطلات الاعتكاف

ثم انتقل المؤلف للكلام عن مبطلات الاعتكاف فقال:

ويبطل الاعتكاف بالخروج من المسجد لغير عذرٍ.

الخروج من المسجد لغير عذرٍ يَبطل معه الاعتكاف، وقد اتفق العلماء على ذلك، على أن خروج المعتكف من المسجد لغير الحاجة يُبطل الاعتكاف، ونَقَل الاتفاق على ذلك ابن رشدٍ وغيره.

ومن أمثلة الخروج لغير حاجةٍ: الخروج للبيع والشراء والتكسب والنزهة، طيب هل من ذلك: الخروج للوظيفة؟ بعض الناس مثلًا يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، لكنه موظفٌ، ومعلومٌ أن الدوائر الحكومية عندنا هنا في المملكة لا ينتهي الدوام فيها إلا في الرابع والعشرين من رمضان، فهل له أن يخرج لوظيفته صباحًا ويعود بعد الظهر إلى معتكفه؟

ليس له ذلك في الحقيقة؛ لأن خروجه ينافي الاعتكاف، ولكن نقول: الحل في مثل هذا هو أنه يعتكف إلى وقت خروجه، ثم بعد ذلك ينوي إنهاء معتكفه ويخرج لوظيفته، ثم بعد رجوعه من وظيفته يبدأ اعتكافًا جديدًا، يستأنف اعتكافًا جديدًا، وهكذا، وهذا لا بأس به، هو يحقق المقصود من الاعتكاف؛ لأن المقصود من الاعتكاف هو التفرغ للعبادة، فهو في الحقيقة متفرغٌ للعبادة، ثم الاعتكاف سنةٌ، ليس واجبًا أيضًا؛ لذلك نقول: إن خروجه للوظيفة يبطل الاعتكاف، لكن لا يمنع ذلك من أن يعتكف الإنسان، فإذا أراد أن يخرج لوظيفته يُنهي اعتكافه ثم يخرج لوظيفته، فإذا رجع؛ جدد أو استأنف اعتكافه من جديدٍ.

الطالب:

الشيخ: الاشتراط سيأتي الكلام عنه.

الطالب:

الشيخ: طيب، هو المؤلف لم يُشِر في الحقيقة إلى أقل الاعتكاف؛ ولذلك من المناسب أن نشير له، لكن بعدما ننتهي من مبطلات الاعتكاف.

قال:

وبنية الخروج ولو لم يخرج.

يعني: بمجرد أنه ينوي الخروج؛ يبطل اعتكافه؛ لأن هذه النية تنافي الاعتكاف؛ ولقول النبي : إنما الأعمال بالنيات [19].

وبالوطء في الفرج.

وهذا بالإجماع وبالنص؛ لقول الله تعالى: وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، وإذا حرم الوطء في العبادة أفسدها؛ كالصوم والحج، ولا كفارة في ذلك، لكن يفسد اعتكافه.

وبالإنزال بالمباشرة دون الفرج.

بنص الآية، أو لعموم الآية: وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187].

وبالردة.

لقول الله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65]، فلو تكلم بكلمةٍ كفريةٍ وانطبقت عليه شروط الردة؛ بطل اعتكافه.

وبالسُّكْر.

لخروج السكران عن كونه من أهل المسجد.

قال:

وحيث بطل الاعتكاف؛ وجب استئناف النذر المتتابع غير المقيد بزمنٍ ولا كفارةٍ.

إذا بطل الاعتكاف بمبطلٍ من المبطلات السابقة؛ وجب استئناف النذر المتتابع؛ يعني كأن يكون قد نذر أن يعتكف عشرة أيامٍ، فإذا بطل الاعتكاف بأي مبطلٍ؛ فيستأنف هذا النذر من جديدٍ، يعني يستأنف الاعتكاف من جديدٍ، ما دام أنه قد اشترط فيه التتابع، ولم يقيده بزمنٍ معينٍ.

“ولا كفارة” في ذلك؛ لأنه أمكنه الإتيان بالمنذور على صفته فلزمه؛ كما لو كان ابتداءً.

وإن كان مقيدًا بزمنٍ معينٍ استأنفه، وعليه كفارة يمينٍ؛ لفوات المحل.

يعني: إن كان قد نذر، قال: لله عليَّ نذرٌ أن أعتكف العشر الأواخر من رمضان، ثم إنه لما اعتكف أربعة أيامٍ؛ بطل اعتكافه بأي مبطلٍ من المبطلات السابقة، فهنا يستأنف الاعتكاف من جديدٍ، ينوي استئنافه من جديدٍ، ويكون عليه كفارة يمينٍ؛ نظرًا لأنه لم يفِ بنذره.

طيب، قال:

ولا يبطل الاعتكاف إن خرج من المسجد لبولٍ أو غائطٍ أو طهارةٍ واجبةٍ، أو لإزالة نجاسةٍ، أو لجمعةٍ تلزمه، ولا إن خرج للإتيان بمأكلٍ ومشربٍ لعدم خادمٍ، وله المشي على عادته.

أقل الاعتكاف

ذكر هذه الأمور خروج المعتكف، تكلم المؤلف عن خروج المعتكف، وهذه سنقف معها، لكن قبل ذلك أشير للمسألة التي وعدنا بالكلام عنها، وهي أقل الاعتكاف، وقد اختلف العلماء في أقل الاعتكاف.

فمنهم من قال: إن أقل الاعتكاف يومٌ وليلةٌ، وأنه لا يصح الاعتكاف بأقل من يومٍ وليلةٍ، ويَرِد على هذا الحديث السابق حديث عمر ، قلت لرسول الله : إني نذرت أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام، فقال: أوف بنذرك [20]، وهذا في “الصحيحين”، فقوله: “أن أعتكف ليلةً”، دليلٌ على صحة الاعتكاف أقل من يومٍ وليلةٍ؛ لأن عمر نذر أن يعتكف ليلةً واحدةً.

والقول الثاني في المسألة: أنه لا حد لأقل الاعتكاف، بل يصح الاعتكاف بكل ما يسمى اعتكافًا عرفًا، وهذا هو القول الراجح؛ إذ إنه لا دليل يدل على أقل حدٍّ للاعتكاف، ومن حدده بحدٍّ معينٍ، فعليه الدليل، ولا دليل يدل لذلك، وهذا هو القول الراجح في المسألة، وهو أنه لا حد لأقل الاعتكاف، لكن لا بد أن يمكث مدةً تسمى اعتكافًا عرفًا؛ فمثلًا: خمس دقائق، هل تسمى اعتكافًا عرفًا؟ عشر دقائق؟ لا تسمى، ربع ساعةٍ؟ لا تسمى، حتى نصف ساعةٍ لا تسمى، فلا بد أن تكون في عرف الناس ساعاتٍ، لا بد أن تكون ساعاتٍ، وأما مجرد خمس دقائق، عشر دقائق، وربع ساعةٍ، أو نصف ساعةٍ، هذه لا تسمى اعتكافًا عرفًا، فلا بد أن تكون ساعاتٍ، هذا هو الأظهر والله أعلم؛ لأنه لا بد أيضًا أن يسمى في عرف الناس أنه معتكفٌ؛ لأن الاعتكاف من العكوف، والعكوف هو الإقامة على الشيء، فنحن لم نحدده بحدٍّ معينٍ، لكن نقول: لا بد أن يسمى اعتكافًا عرفًا.

وبناءً على هذا نقول: بعض الناس لا يتيسر له أن يعتكف جميع العشر الأواخر من رمضان لظروفه أو لارتباطاته، فنقول: لا أقل من أن تعتكف الليالي، فإن لم يتيسر؛ فلا أقل من أن تعتكف الوتر، فإن لم يتيسر؛ فلا أقل من أن تعتكف أرجى الليالي (الوتر).

فبعض الناس يَحرم نفسه من الاعتكاف، يقول: أنا ظروفي لا تسمح، أو عندي ارتباطاتٌ، طيب لا يشترط أن تعتكف جميع العشر، اعتكف ما تيسر، بناءً على القول الصحيح: أنه لا حد لأقل الاعتكاف، فلك أن تعتكف بعض الليالي التي مثلًا تتيسر فيها أمورك، وربما أيضًا تختار الليالي التي يرجى أن تكون موافقةً لليلة القدر؛ لأن هذا يحقق المقصود من الاعتكاف، المقصود من الاعتكاف هو الانقطاع عن الدنيا والتفرغ للعبادة.

الطالب:

الشيخ: لا، هو انتظار الصلاة بعد الصلاة، هو لا يسمى اعتكافًا، المقصود أنه إذا صلى صلاةً؛ انتظَر الصلاة التي بعدها، فهذا خاصٌّ بانتظار الصلاة بعد الصلاة، لكن ليس لها علاقةٌ بموضوع الاعتكاف، لكن لو أنه انتظر صلاةً بعد صلاةٍ ونوى الاعتكاف؛ صح ذلك.

خروج المعتكف

طيب دعونا -يا إخوان- نتكلم عن مسألة خروج المعتكف الذي تكلم عنها المؤلف، ونحب أن نقرأها من البحث، هي مسألة خروج المعتكف، ومسألة أيضًا الاشتراط في الاعتكاف، وهاتان المسألتان مذكورتان بالتفصيل في البحث، وأحيلكم على البحث الموجود في الموقع، وهو موجودٌ الآن على الموقع.

ولذلك نقرأ خلاصة آراء العلماء في هذه المسألة -الحقيقةَ- المهمة، والتي يكثر سؤال الناس عنها، عن أحكام خروج المعتكف، ونجد أن بعض الناس يشدد في هذه المسائل، وبعضهم يتساهل، والصواب هو الاعتدال في هذه المسائل، فنريد أن نقرأ كلام أهل العلم حول مسألة خروج المعتكف من المسجد.

الطالب: المبحث الثالث خروج المعتكف من المسجد، سبق القول بأنه يشترط لصحة الاعتكاف… على الخلاف بين العلماء بضابط المسجد الذي يشترط الاعتكاف فيه والأصل مَقام المعتكف في المسجد..

الشيخ: مُقام المعتكف.

الطالب: والأصل مُقام المعتكف في المسجد، وعدم خروجه منه؛ إذ إن هذه هي حقيقة الاعتكاف، لكن هناك أحوالٌ يباح للمعتكف الخروج معها من المسجد، والأحوال التي يباح معها الخروج من المسجد، والأحوال التي لا يباح معها الخروج من المسجد، بمعنى أنها تضر بالاعتكاف، ويمكن حصرها في الأقسام الثلاثة:

القسم الأول: الخروج لأمرٍ لا بد منه طبعًا أو شرعًا.

الشيخ: “الخروج لأمرٍ لا بد منه طبعًا أو شرعًا”، طبعًا؛ كالخروج للغائط والبول، وشرعًا؛ الاغتسال مثلًا للجنابة.

الطالب: القسم الثاني: الخروج لغير حاجةٍ، أو لأمرٍ ينافي الاعتكاف.

الشيخ: الخروج لغير حاجةٍ تكلمنا عنه.

الطالب: القسم الثالث: الخروج لأجل طاعةٍ لا تجب عليه، وفيما يأتي بيان لهذه الأقسام:

القسم الأول: الخروج لأمرٍ لا بد منه طبعًا أو شرعًا: يجوز للمعتكف أن يخرج لأمرٍ لا بد منه، وهذا أمرٌ متفقٌ عليه بين أهل العلم في الجملة، قال الموفق بن قدامة رحمه الله: لا خلاف في أنه له الخروج فيما لا بد منه، ومن أمثلة لا بد منه طبعًا: أن يخرج لقضاء حاجة البول والغائط، وقد اتفق العلماء على ذلك، قال ابن المنذر رحمه الله: أجمعوا على أن للمعتكف أن يخرج من معتكفه للغائط والبول.

وقال ابن القطان رحمه الله: أجمعوا أن للمعتكف أن يخرج من معتكفه للغائط والبول، وقال الماوردي: خروج المعتكف للبول والغائط جائزٌ إجماعًا، وكذلك نقل الإجماع على ذلك غيرهم، ومستند هذا الإجماع هو ما جاء في “الصحيحين” عن عائشة رضي الله عنها قالت: “وإن كان رسول الله يدخل رأسه وهو في المسجد وأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجةٍ إذا كان معتكفًا” [21].

الشيخ: نعم، إذنْ هذا محل إجماعٍ، خروجه للبول أو الغائط هذا يجوز بإجماع العلماء.

الطالب: ولفظ مسلمٍ: “وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان”، قال الحافظ ابن حجرٍ رحمه الله: وفسرها الزهري بالبول والغائط، وقد اتفقوا على استثنائهما، واختلفوا في غيرهما من الحاجات؛ ولأن البول والغائط مما لا بد للإنسان منهما، ولا يجوز فعلهما في المسجد…

وفي معناهما: الحاجة للمأكول والمشروب إذا لم يكن له من يأتيه بهما.

الشيخ: كذلك أيضًا مما يحتاج له طبعًا: الحاجة إلى المأكول والمشروب، إذا لم يوجد من يأتيه بهما، فيجوز له أن يخرج ويأتي بالمأكول والمشروب من البيت مثلًا، أو يشتريه من المطعم، أو من بقالةٍ.

الطالب:… أما إذا وُجد من يأتيه بهما فهل له الخروج من المسجد إلى منزله للأكل؟

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: ليس له الخروج من المسجد في هذه الحال، فإن خرج بطل اعتكافه، وإليه ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة.

الشيخ: هذا إنسانٌ له من يأتي له بالطعام والشراب، فهل له أن يذهب ويأتي هو بالطعام والشراب أم لا؟ الجمهور يمنعون من ذلك.

الطالب: وهو وجه عند الشافعية.

القول الثاني: له الخروج من المسجد إلى منزله للأكل وإن أمكنه ذلك في المسجد، وهذا هو الصحيح من مذهب الشافعية، وقولٌ عند الحنابلة.

الشيخ: الشافعية يقولون: له أن يذهب ويتغدى ويتعشى ويفطر مثلًا في بيته إذا لم يكن صائمًا، أما إذا كان صائمًا له أن يذهب ويفطر في منزله، ويتسحر في منزله، ولا يلزم أن يبقى في المسجد يذهب لبيته ويرجع.

الطالب: الأدلة:

أدلة القول الأول: استدل الجمهور لقولهم…

الشيخ: طيب، ربما البحث طويلٌ، نتجاوز هذه النقطة، الأدلة في هذا كثيرةٌ، لكن رجحت قول الجمهور، وهو أنه ليس له الخروج للأكل في منزله، ما دام أنه يمكن ذلك في المسجد، وأن خروجه لأن يفطر في بيته ويتسحر في بيته، مع أنه يتيسر له ذلك في المسجد، أن هذا منافٍ للاعتكاف، وهكذا خروج المعتكف من المسجد لشرب الماء من منزله مع إمكان ذلك في المسجد لا يجوز في قول أكثر الفقهاء، لكن الخروج إذا كان بقرب المسجد (سِقَايةٌ)، أو ما يسمى في وقتنا الحاضر (دورات المياه)، فهل له الخروج إلى منزله للوضوء، وغسل الجنابة أم لا؟

هذه مسألةٌ مهمةٌ، يعني: الآن في كل مسجدٍ عندنا ملحق دورات المياه، فبعض الناس يحتشم من الوضوء في دورات مياه المسجد، خاصةً الاغتسال، فيقول: أنا أريد أن أذهب لدورة مياه بيتي، أتوضأ فيها، أو أغتسل فيها، فهل هذا ممنوعٌ منه، أو نقول له: لا بد أن يكون وضوؤك في دورة مياه المسجد، ولا بد أن يكون اغتسالك في دورة مياه المسجد؟ فهذه محل خلافٍ بين أهل العلم، نسمع كلام الفقهاء فيها.

الطالب:

الشيخ: الصوت واضحٌ يا أخوان؟

الطالب:… اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوالٍ:

القول الأول: ليس له الخروج إلى منزله في هذه الحال، ويلزمه التطهر في سِقاية المسجد (دورات مياه المسجد)..، إذا كان بعد قضاء الحاجة.

الشيخ: إذنْ القول الأول: أنه لا بد أن يتوضأ وأن يغتسل في دورات مياه المسجد، وليس له أن يذهب إلى بيته، وهذا قول الحنفية والشافعية.

الطالب: القول الثاني: له الخروج إلى منزله في هذه الحال..، وإليه ذهب المالكية.

الشيخ: نعم، القول الثاني: أن له الخروج، يذهب ويتوضأ في بيته ويغتسل في بيته، هذا مذهب المالكية.

الطالب: القول الثالث: التفصيل؛ فإن كان لا يحتشم من دخول سقاية المسجد (دورات المياه)، فليس له الخروج إلى منزله، أو إن كان يحتشم من دخولها؛ فله الخروج إلى منزله والتطهر فيه، وإليه ذهب الحنابلة.

الشيخ: الحنابلة عندهم تفصيلٌ؛ يقولون: إن كان هذا المعتكف لا يحتشم من دخول دورات مياه المسجد، يعني تستوي عنده دورة مياه المسجد ودورة مياه بيته، هنا ليس له الخروج، نقول: توضأ في المسجد، واغتسل في دورة مياه المسجد.

أما إذا كان يحتشم ويشق عليه، بل بعض الناس يترك الاعتكاف لأجل هذه المسألة، فنقول: اذهب لبيتك وتوضأ فيه واغتسل فيه، هذا هو مذهب الحنابلة، القول بالتفصيل.

على كل حالٍ: الأدلة، ذكرنا أدلة القول الأول، هي مجرد تعليلاتٍ، القول الأول: عللوا بأنه ما دام أنه يمكنه ذلك في المسجد؛ فخروجه منافٍ للاعتكاف، وأما المالكية الذين أجازوا ذلك قالوا: إن هذه حاجةٌ، وتعتبر في حاجة المعتكف.

والقول الثالث: عللوا لقولهم بـ: إن كان المعتكف لا يحتشم من دخول سقاية المسجد؛ فليس له الخروج؛ فإنه لا حاجة لخروجه في هذه الحال، والأصل في المعتكف لزومه المسجد، وعدم خروجه إلا لحاجةٍ.

أما إذا كان يحتشم من دخول المسجد؛ فله الخروج إلى منزله، والموفق بن قدامة رحمه الله نقل كلامًا قريبًا من هذا، قال: إن كان يحتشم من دخولها، أو فيه نقيصةٌ عليه، أو مخالفةٌ لعادته، أو لا يمكنه التنظف فيها؛ فله أن يمضي إلى منزله؛ لما عليه من المشقة في ترك المروءة.

قال المروزي: سألت أبا عبدالله -يعني الإمام أحمد- عن الاعتكاف في المسجد الكبير أعجب إليك، أو مسجد الحي؟ قال: المسجد الكبير، وأرخص أن أعتكف في غيره، قلت: يتوضأ الرجل في المسجد؟ قال: لا يعجبني أن يتوضأ في المسجد.

والقول الراجح -والله أعلم- هو القول الثالث، وهو مذهب الحنابلة: وهو أن المعتكف إذا كان يحتشم من دخول دورات مياه المسجد؛ فله الخروج إلى بيته، يذهب إلى بيته ويتوضأ ويرجع، أو يغتسل في بيته ويرجع، أما إذا كان لا يحتشم؛ فليس له الذهاب إلى منزله، هذا هو الأقرب والأظهر في هذه المسألة، والله أعلم.

أما أن نلزم المعتكف نقول: لا، ما تغتسل إلا في دورة مياه المسجد، ربما يحتاج لبعض المنظفات، ربما أنه يحتشم أيضًا، ربما أنه يشق عليه أن يغتسل، أو أن يتوضأ في دورة مياه المسجد، فنقول: لا بأس أن تذهب لبيتك وتغتسل فيه وتتوضأ فيه؛ ما دام أنه يشق عليك ذلك في دورات مياه المسجد.

التفصيل موجود في البحث، طيب هناك أيضًا مسألةٌ أخرى، طبعًا القسم الثاني خروجه لغير حاجةٍ تكلمنا عنه.

حكم اشتراط المعتكف

خروجه لأمر طاعةٍ، هذا يرجع لمسألة اشتراط المعتكف، هل يصح الاشتراط أو لا يصح؟

اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين، طبعًا كلام البحث طويلٌ، لكن ألخص الكلام فيه:

  • القول الأول: جواز الاشتراط وصحته، وهذا هو قول الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة.
  • والقول الثاني: عدم جواز الاشتراط، وعدم صحته، وهذا هو مذهب المالكية.

أما الجمهور: فاستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي دخل على ضُبَاعة بنت الزبير وهي شاكيةٌ فقال: حُجي واشترطي: أن محلي حيث حبسْتَني [22]، فقالوا: إن الإحرام أَلْزَمُ العبادات بالشروع، ويجوز مخالفته بالشرط، فالاعتكاف من باب أولى، وهذه هي وجهة من قال بالاشتراط، الحقيقةَ: أن هذا الاستدلال حاصله قياس الاشتراط في الاعتكاف على الاشتراط في الحج، والاشتراط في الحج إنما هو في حق من حصل له مانع من إتمام الحج فقط؛ ولهذا لا يصح أن يشترط في الحج شروطًا أخرى؛ كأن يشترط ترك بعض الواجبات، أو يشترط فعل بعض المحظورات، فالقياس إذنْ قياسٌ مع الفارق، وإلا على هذا القياس ينبغي أن يقتصر المعتكف في شرطه على المانع الذي يمنعه من إتمام الاعتكاف، هذا مؤدَّى القياس الصحيح؛ ولذلك فإن هذا القياس قياسٌ لا يصح، قياسٌ مع الفارق، المشترط في الحج يشترط أنه إذا حصل له مانعٌ فله التحلل، بينما المشترط في الاعتكاف لا يشترط أنه إن حصل له مانعٌ؛ فله الخروج، وإنما يشترط أمرًا ينافي الاعتكاف، وهو الخروج؛ فإذنْ هو قياسٌ مع الفارق.

واستدلوا بحديث عمرو بن العاص : المسلمون على شروطهم [23].
لكن يعني: اعترض على ذلك بأنه أولًا هذا إنما ورد في غير العبادات مما يقبل الاشتراط، وأما العبادات فلا يصح فيها الاشتراط، إلا في الحج، إذا حصل له مانعٌ، في حق من حصل له مانعٌ يمنعه من الإتمام.

والقول الثاني في المسألة: هو قول المالكية، وهو عدم جواز الاعتكاف، وعدم مشروعيته أصلًا؛ ولهذا قال الإمام مالكٌ: لم أسمع أحدًا من أهل العلم يذكر في الاعتكاف شرطًا، وإنما الاعتكاف عمل من الأعمال، مثل الصلاة والصيام والحج وما أشبه ذلك من الأعمال، فمن دخل في شيءٍ من ذلك فإنما يعمل فيه بما مضى من السُّنة في ذلك، وليس له أن يُحدث في غير ذلك غير ما مضى عليه الأمر بشرطٍ يشترطه، أو بأمرٍ يبتدعه، وإنما الأعمال في هذه الأشياء بما مضى فيها من السنة، وقد اعتكف رسول الله ، وعرف المسلمون سنة الاعتكاف.

فالإمام مالكٌ يرى أن الاشتراط بدعةٌ، الإمام مالكٌ يرى أن الاشتراط في الاعتكاف بدعةٌ، ويقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف، ولم يرد دليلٌ يدل على مشروعية الاشتراط في الاعتكاف؛ ولأن موجب الاعتكاف لزوم المسجد واللبث فيه، والاشتراط ينافي هذا المعنى؛ فلم يصح.

وقد رجحتُ في البحث قول الإمام مالكٍ؛ وذلك لأن الاعتكاف عبادةٌ، والأصل في العبادات الحظر والمنع، إلا ما ورد الدليل بمشروعيته، ولم يرد دليلٌ من الكتاب ولا من السنة يدل على صحة الاشتراط في الاعتكاف، وهكذا أيضًا لم يرد آثارٌ عن الصحابة  تدل على صحة الاشتراط في الاعتكاف؛ ولهذا فالصواب أن الاشتراط في الاعتكاف أصلًا غير مشروعٍ.

وفائدة الاشتراط عند القائلين به -إذا كان الاعتكاف مستحبًّا- فائدته عدم بطلانه بالخروج لأجل الشرط، أما إذا كان واجبًا بالنذر؛ ففائدته تكون بالاعتكاف المتتابع، فلا يلزمه تدارك ما فاته.

وبناءً على ذلك: الخروج لأمر طاعةٍ لا تجب عليه، أو لأمرٍ مباحٍ مما لا ينافي الاعتكاف، فمن أهل العلم من يجيزه بشرطٍ وبدون بشرطٍ، ومنهم من يجيزه بشرطٍ، ولا يجيزه بدون شرطٍ، وحيث إنه ترجح القول بعدم صحة الاشتراط في الاعتكاف؛ فلا يجوز خروج المعتكف بشرطٍ، يعني: الشرط أصلًا قلنا: إنه غير مشروعٍ أصلًا.

طيب خروج المعتكف لأمر طاعةٍ بدون شرطٍ؛ يعني: خروجه مثلًا لعيادة المريض، لتشييع الجنازة، يعني لأمر طاعةٍ؟

الصحيح في هذه المسألة: اختلف العلماء في هذه المسألة، إذا كان لأمر طاعةٍ لا تجب عليك؛ كعيادة المريض، وشهود جنازة، فهل له الخروج؟

طبعًا إذا كان اعتكافه تطوعًا؛ يجوز له الخروج، لكن إذا كان اعتكافه واجبًا بالنذر، فهل يجوز له الخروج لقربةٍ لا تجب عليه؛ كعيادة المريض، وشهود الجنازة؟

  • القول الأول: أنه لا يجوز له الخروج مطلقًا إذا لم يشترط، وهذا قول الجمهور.
  • والقول الثاني: له الخروج من غير اشتراط، ولا يبطل اعتكافه.
  • والقول الثالث: التفصيل؛ فإن كان للمريض أو للميت على الإنسان حقٌّ متأكدٌ، إن كان للمريض أو للميت حقٌّ متأكد على المعتكف؛ فله الخروج، وإلا فلا، وهذا هو قول الشافعية، إن كان للمريض أو للميت حقٌّ متأكدٌّ؛ كأن يكون مات أبوه مثلًا، أو مرض والده أو والدته أو أخوه أو ابنه؛ فله الخروج، أما إذا لم يكن له حقٌّ متأكدٌ؛ فليس له الخروج، وهذا هو القول الراجح في المسألة والله أعلم، هذا هو القول الراجح، وأن المعتكف يجوز له الخروج لعيادة المريض وشهود الجنازة؛ إذا كان للمريض أو الميت حقٌّ عليه من غير اشتراطٍ، ولا يجوز ذلك إذا لم يكن له عليه حقٌّ؛ وذلك لأن هذا هو الذي تجتمع به الآثار المروية في هذه المسألة، ومنها الأثر المروي عن عليٍّ ، حيث قال: المعتكف يعود المريض، ويشهد الجنازة، ويشهد الجمعة، وعمرو بن حُريثٍ قال: المعتكف يشهد الجمعة، ويعود المريض، ويمشي مع الجنازة.

فإذا كان هذا المريض أو الميت له حقٌّ متأكدٌ؛ كأن يكون أباه، أو يكون أخاه، أو يكون ذا رحمٍ حقه متأكدٌ عليه؛ فيجوز له الخروج لعيادته إذا كان مريضًا؛ ولتشييع جنازته إذا مات، أما إذا لم يكن له حقٌّ متأكدٌ؛ فليس له الخروج؛ كأن يقول مثلًا: أريد أن أذهب لجامع…، أو جامع الراجحي أصلي على الجنائز وأنا معتكفٌ، نقول: هذا الخروج ينافي الاعتكاف، لا يصح مطلقًا.

ونحن قلنا: إن الاشتراط أصلًا لا أصل له، فخروجه في هذه الحال ينافي الاعتكاف، لكن إذا ذهب لقريبٍ له، له عليه حقٌّ متأكدٌ؛ فلا بأس بذلك إن شاء الله.

وتفصيل الكلام في هذه المسألة، وأدلة كل قولٍ مذكورةٌ في البحث المشار إليه، نعود بعد ذلك لعبارة المؤلف، قال:

وينبغي لمن قصد المسجد أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه فيه، لا سيما إن كان صائمًا.

وهذا ينص عليه فقهاء الحنابلة، يقولون: إذا دخلتَ المسجد؛ انو الاعتكاف إلى أن تخرج منه؛ ولهذا تجد في بعض المساجد في بعض الدول يكتب على باب المسجد، أو لوحةٍ عند باب المسجد: نويت أن أعتكف في هذا المسجد ما دمت فيه، يلقنونها الناس، وهذا وإن كان قال به بعض الفقهاء، وهو المذهب عند الحنابلة، إلا أن الصحيح: أن ذلك لا يشرع، كما اختار ذلك أبو العباس ابن تيمية رحمه الله؛ لأن ذلك لم يرد، ولأن الأصل في العبادات التوقيف، وإن كنا قد أجزنا للمعتكف أن يعتكف أقل ما يسمى اعتكافًا عرفًا، إلا أن جعل الاعتكاف بهذه الطريقة، كلما دخل المسجد؛ نوى الاعتكاف حتى يخرج منه، هذا يحتاج إلى دليلٍ؛ لأن الأصل في العبادات التوقيف، ولم يرد دليلٌ يدل على هذا، ولم يرد شيءٌ عن الصحابة والتابعين وتابعيهم ما يدل على مشروعية ذلك؛ ولهذا فالصواب: أن ذلك غير مشروعٍ، وأن ذلك من البدع المحدثة، إذا كان ذلك بصفةٍ مستمرةٍ، أما لو كان بصفةٍ عارضةٍ؛ كأن يكون مثلًا إذا أتى لصلاة التراويح؛ نوى الاعتكاف حتى يخرج من المسجد؛ فهذا لا بأس به، أما إذا كان بصفةٍ مستمرةٍ، كلما دخل المسجد؛ نوى الاعتكاف؛ فإن هذا غير مشروعٍ.

وبقية تفاصيل الكلام عن خروج المعتكف وأحوال المعتكف في البحث المشار إليه، ونكتفي بهذا القدر، وأُذَكِّر بأنه إن شاء الله بما قلته سابقًا: أن هذا الدرس سيتوقف، وسيستأنف -إن شاء الله تعالى- مع أول اثنينٍ من بداية الدراسة في الفصل الدراسي الثاني إن شاء الله تعالى.

الأسئلة

الطالب:

الشيخ: نعم، يسأل عن المطاعم التي توصل الطلبات، إذا كان المطعم يوصل له الطلب، فحينئذٍ يكون قد تيسر له من يأتيه بالطعام والشراب، فليس له أن يخرج، إلا إذا كان يمكنه أن يأتي بالطعام من بيته؛ فله أن يذهب للبيت ويأتي بالطعام منه، ولا نلزمه بأن يشتري من المطعم.

الطالب: لا يلزمه دفع المال.

الشيخ: نعم، لا يلزمه دفع المال؛ لأن في هذا إثقالًا عليه، واشقاقًا به.

الطالب:

الشيخ: البيع والشراء، نعم، هذه المسألة يكثر السؤال عنها، المعتكف إذا أراد أن يكلم صاحب المطعم؛ فهل يدخل هذا في البيع والشراء أم لا؟

طيب، حتى تتبين المسألة، لو افترضنا أن صاحب المطعم في الطريق عرض له عارضٌ فتلف الطعام، فهل يضمنه الذي طلب الطعام، المعتكف الذي طلب الطعام هل هو ضامنٌ له؟

الطالب: ما يضمن.

الشيخ: لا يضمن، معنى ذلك: أنه لم يقع العقد، يعني لم يحصل التعاقد، فهو مجرد وعدٍ، متى يحصل العقد؟

إذا أتى بالطعام ودفع له المبلغ؛ ولذلك فبمجرد أنه يتصل بالمطعم، هذا لا يعتبر بيعًا ولا شراءً، مجرد طلبٍ، لكن عندما يريد أن ينقد له الثمن، فهنا يخرج من المسجد، وهذا خروجٌ لحاجةٍ، ويعطيه الثمن خارج المسجد، ويستلم الطعام.

الطالب:

الشيخ: كيف لو أنه..

الطالب:

الشيخ: لا، هو إذا أعطاه الطعام؛ هنا وقع التعاقد، فعندما تقول: ائتني بكذا، أنت طلبت طلبًا، لكن لم يَحصل عقدٌ إلا بعدما يأتي به، فإذا سلم لك الطعام، هنا وقع التعاقد بينك وبينه، حصل الآن الإيجاب والقبول، فهنا وقع العقد؛ ولذلك ثبت في ذمتك مبلغ هذا الطعام، فإما تسلمه الآن، أو يثبت في ذمتك، تسلمه فيما بعد، لكن حصل التعاقد بينك وبينه، أما قبل فلا؛ ولذلك لو لم يأت صاحب الطعام بالطعام، فأيضًا ليس لك أن تلومه، هو حتى الآن لم يكن بينك وبينه عقدٌ، مجرد طلبٍ فقط.

الطالب:

الشيخ: يبيع ويشتري في الأسهم وهو معتكفٌ، نعم حكم البيع والشراء من المعتكف، هو الإشكال ليس لكونه معتكفًا، الإشكال في كونه في المسجد؛ لكونه في المسجد، والبيع والشراء في المسجد لا يجوز.

لكن هل يخرج لأجل أن يبيع ويشتري، هذا خروجٌ لغير حاجةٍ؛ ولذلك يتفرغ في العشر الأواخر، فيترك الأسهم في هذه العشر الأواخر، يتفرغ للعبادة.

الطالب:

الشيخ: البحث موجودٌ في الموقع، وَضَعَه الأخ فهدٌ على الموقع، هو موجودٌ، بإمكانك أن تطبعه من الموقع مباشرةً.

الطالب:

الشيخ: نعم. هو موجودٌ في المجلة “مجلة البحوث الفقهية المعاصرة”، العدد الثاني والثمانون، “مجلة البحوث الفقهية المعاصرة” هذه توجد في بعض المكتبات، لكن من أراد أن يطبعه موجودٌ في الموقع، تباع في بعض المكتبات، التدمرية، موجودةٌ فيها، أظن في بعض المكتبات الموجودة الآن، لكن التدمرية موجودةٌ فيها.

الطالب:

الشيخ: بالنسبة للمعتكف.. يحضرونها، يعني ما فهمت..

الطالب:

الشيخ: لا حرج في ذلك، لا حرج إذا لم يكن في ذلك ضررٌ على المسجد، وعلى أهل المسجد، لا إشكال في هذا، طيب هل للمعتكف أن يستخدم كهرباء المسجد في شحن الجوال؟

هذه مسألةٌ أيضًا ترد ويكثر السؤال عنها، والذي يظهر: أن ذلك يجوز، أولًا: لأنه يسيرٌ جدًّا، والشريعة تتسامح في الشيء اليسير، بدليل أن اللقطة إذا كان الملتقط مما لا تلتفت له همة أوساط الناس؛ جاز أخذه والتقاطه بلا تعريفٍ، وحكي الإجماع على ذلك، فالشريعة تتسامح في الشيء اليسير، ثم أيضًا المساجد هي الكهرباء على الدولة، فيكون هذا من بيت مال المسلمين، وبيت مال المسلمين يصرف في مصالح المسلمين، وهذا من مصالح المسلمين، أن يكون المعتكف يشحن هاتفه الجوال يدخل ذلك في المصالح، ثم إنه لا يكلف أيضًا كثيرًا، وشيءٌ يسيرٌ، يكون بِهَلَلَاتٍ، فالذي يظهر: أن هذا لا بأس به.

الطالب:

الشيخ: إي نعم، الصائم المتطوع أمير نفسه؛ إن شاء صام، وإن شاء أفطر، الكلام طويلٌ، أم صفحةٌ واحدةٌ؟ طيب صفحةٌ واحدةٌ، نقرؤها، نقرؤها الآن.

الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم

حديث أم هانئٍ مرفوعًا: الصائم المتطوع أمير نفسه؛ إن شاء صام، وإن شاء أفطر [24]، وفي روايةٍ: أمين نفسه [25]، وهذا الحديث رواه أحمد والترمذي والنسائي في “الكبرى” وغيرها، وقال العيني: وهذا الحديث فيه اضطرابٌ متنًا وسندًا، ثم ذكر هذا الاضطراب، وذكر الزيلعي أن في سنده ولفظه اختلافًا، وقد حسنه العراقي والنووي، وصححه الحاكم والألباني.

الشيخ: أين ذَكَرَ هذا العيني يا شيخ علي؟

الطالب: في “شرح البخاري”.

الشيخ: في “شرح البخاري”، نعم.

الطالب: وقد ضعفه كبار النقاد؛ كالبخاري والترمذي والنسائي، وقد قال البخاري: فيه نظرٌ، وقال الترمذي: في إسناده مقالٌ، وقال الدارقطني: اختُلف على سِمَاكٍ فيه، وإنما سمعه سماكٌ من ابن أم هانئٍ، عن أبي صالحٍ عن أم هانئٍ.

الشيخ: بالمناسبة، البخاري كان في عباراته احترازٌ شديدٌ، حتى إنه إذا أراد أن يضعف بعض الرواة قال: فيه نظرٌ، فيه كذا؛ ولذلك يقول أحد السلف: إن البخاري أرجو أن يلقى الله تعالى ولا يحاسبه أنه اغتاب أحدًا، انظر المنقبة، عنده احترازٌ شديدٌ من الكلام في الآخرين، حتى في النقد يأتي بعباراتٍ فيها احترازٌ شديدٌ، تجده يقول: فيه نظرٌ، فيه كذا، فانظر إلى هذا الورع الشديد من البخاري رحمه الله!

الطالب:… في هذا الحديث:

أولًا: الاضطراب في سنده ومتنه…

ثانيًا: جهالة… كما أشار إلى ذلك البخاري.

ثالثًا: ضعف أبو صالحٍ واسمه باذان… كما في “التقريب”.

رابعًا: الانقطاع كما أشار إلى ذلك النسائي.

قال ابن بازٍ: حديث أم هانئٍ، وإن كان في إسناده مقالٌ، إلا أنه يغني عنه حديث عائشة رضي الله عنها في “مسلمٍ”، وجويرية رضي الله عنها في “البخاري”، قلت: وحديث جابرٍ  في “مسلمٍ”: إذا دُعي أحدكم إلى طعامٍ فليُجب؛ فإن شاء طعم، وإن شاء ترك [26].

الشيخ: طيب، حديث عائشة ما هو الذي في “مسلمٍ”؟

الطالب:

الشيخ: لقد أصبحت صائمًا [27]، نعم.

الطالب:

الشيخ: إذنْ الأقرب أن هذا الحديث غير ثابتٍ، الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر، أنه غير ثابتٍ، ولكنها عبارةٌ مشهورةٌ من كلام الفقهاء: أن الصائم المتطوع أمير نفسه؛ فإن شاء صام، وإن شاء أفطر، نعم، جزاك الله خيرًا.

الطالب:… رواه الترمذي وأحمد، وصححه الألباني.

الشيخ: إذا وجدت ضعفه الألباني في الغالب أنه يعني ما بعده شيءٌ، يليه التحسين، التصحيح والتحسين يحتاج إلى الرجوع لكلام العلماء والأئمة.

يعني: عنده رحمه الله شيءٌ من التساهل، وعنده منهجٌ يسيرٌ عليه في هذا، وهي مسألة الاعتماد على جمع الطرق في هذا، كما هو طريقة كثيرٍ من المتأخرين في هذا؛ ولذلك صحح كثيرًا من الأحاديث التي هي معلولةٌ عند كبار أهل العلم؛ ولذلك أُوصِي بالرجوع لرأي كبار الأئمة الذين أخذ عنهم الشيخ الألباني وغيره؛ كالإمام أحمد وابن معينٍ والبخاري، هؤلاء الأئمة الكبار ينبغي أن نرجع إلى رأيهم في التصحيح والتضعيف وبيان درجة الحديث.

الطالب:

الشيخ: نعم، دورات المياه يجوز بكل حالٍ، سواءٌ كان داخل المسجد أو خارج المسجد، ما دام أنه احتاج لقضاء الحاجة؛ فبالإجماع أن له الخروج، ولا نسأل هل هي داخل المسجد أو خارج المسجد، يعني مفتوحةٌ على المسجد أو أنها مفتوحةٌ على الطريق؛ لأنه لا بد من قضاء الحاجة، لكن الإشكال هل له أن يخرج لبيته أم لا؟

ذكرنا الخلاف وقلنا: الراجح إن كان يحتشم من دخول دورات مياه المسجد؛ فله الخروج إلى بيته، ويتطهر في بيته ويغتسل في بيته، أما إذا كان مثله لا يحتشم؛ فإنه يغتسل ويتوضأ في دورات مياه المسجد، هذا هو الأظهر في هذه المسألة.

الطالب:

الشيخ: هو لا شك، يعني لو لم يكن فيها إلا إن في ذلك خروجًا من الخلاف، لكن أنا أعرف بعض الناس الذين تركوا الاعتكاف لأجل هذه المسألة، فيشق عليه جدًّا خاصةً الاغتسال، يغتسل في دورة مياه المسجد، قد لا تكن متهيئةً بالنسبة له، قد يكون أيضًا وافق رمضان مثلًا زمان الشتاء أو البرد، ولا يتيسر أيضًا في بعض المساجد المياه مثلًا المسخنة، فيشق ذلك على بعض الناس، فقول الحنابلة في هذه المسألة قولٌ وسطٌ.

طيب، نعم تفضل.

الطالب:

الشيخ: لا، هو لا يقال: دورة مياه يعني داخل المسجد، لكن هو لمصلحة المسجد، يعني دورة المياه لمصلحة المسجد، فإذا وضعت في أي مكانٍ؛ لا حرج في ذلك.

الأسئلة المكتوبة:

السؤال: أحسن الله إليكم وبارك فيكم يقول: الاعتكاف في القبو مع أنه…؟

الجواب: القبو مثل السطح يأخذ حكم المسجد، القبو والسطح يأخذان حكم المسجد بغض النظر عن مسألة الباب، فهو يأخذ حكم المسجد.

السؤال: أحسن الله إليكم يقول: إذا قلنا: إن المسعى خارج المسجد…؟

الجواب: أولًا: لا يعتكف فيه، ثانيًا: الصلاة فيه ليست بمئة ألف صلاةٍ، إلا إذا اتصلت الصفوف، والغالب هو اتصال الصفوف الغالب، لكن أحيانًا بعض أيام السنة قد لا تتصل الصفوف، فلا تكون الصلاة فيه بمئة ألف صلاةٍ؛ لأن القول الصحيح: أن الفضل الوارد -وهو أن تضعيف الصلاة بمئة ألف صلاةٍ- خاصٌّ بالمسجد؛ لقول النبي : صلاةٌ في مسجدي هذا تعدل ألف صلاةٍ فيما سواه، إلا مسجد الكعبة [28]، فسماه مسجد الكعبة، دليلٌ على اختصاص الفضل بمسجد الكعبة.

السؤال: أحسن الله إليكم يقول: يسأل عن حكم…؟

الجواب: “شركة هرفي” اطلعت على قوائمها، وليس فيها إشكالٌ، إلا القرض الذي أخذته من “بنك التنمية الصناعي”، وهذا على رأي كثيرٍ من العلماء المعاصرين يجيزونه، وفي نفسي منه شيءٌ، ولم أتحقق منه بعد؛ لأن الإشكال أنهم يأخذون عمولةً على قدر القرض؛ ولذلك لم أشأ أن أكتب فتوى في هذا لهذا السبب، وأن العادة في مثل هذه الشركات أن نضع فيها فتوى في الموقع، لكن في نفسي شيءٌ من جهة القرض المأخوذ من “بنك التنمية الصناعي”؛ ولذلك هو يظهر أنه من حيث الورع ترك الاكتتاب، لكن من حيث الحكم، فالأصل هو جواز الاكتتاب بناءً على فتوى كثيرٍ من المعاصرين بجواز هذا القرض، ولعلي -إن شاء الله تعالى- أحقق الكلام حول هذه المسألة، مسألة حكم الاقتراض من “بنك التنمية الصناعي” -إن شاء الله تعالى- وأفيدكم بحاصل هذا في درسٍ قادمٍ.

لكن من حيث الأصل، الأصل هو جواز الاكتتاب في مثل هذه الشركة؛ لأنها بَنَت الأمر على فتوى بجواز الاقتراض؛ ولذلك نجد أن بقية أمورها كلها في التورق، وفي معاملاتٍ مباحةٍ شرعًا، فهي بَنَت الأمر على فتوى من أفتى بالجواز؛ ولذلك فلا بأس بالاكتتاب فيها فيما يظهر.

السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: بعضنا يعتكف في مسجدٍ غير مسجده للتراويح، فيصلي التراويح في مسجده، ثم يرجع للمعتكف، فما الحكم في ذلك؟

الجواب: نعم، يعني بعض الأئمة، وبعض الناس أيضًا يصلي مثلًا في مسجدٍ ويعتكف في مسجدٍ آخر، فهل هذا يصح أم لا؟

الذي يظهر -والله أعلم- هو أن ذلك يصح؛ لأن المقصود من الاعتكاف هو التفرغ للعبادة، والانقطاع عن الدنيا، وهذا المقصود حاصلٌ، وكونه يصلي في مسجده هذه تعتبر في الحقيقة حاجةٌ، إذا كان إمامًا، فكونه يصلي بمسجده، لا شك أن هذه حاجةٌ، بل هذا أمرٌ واجبٌ عليه، ومطلوبٌ منه، فالأقرب أن مثل هذا يجوز، وأما إذا كان غير إمامٍ، فنقول: ليس لك ذلك، أن تصلي في مسجدٍ وتعتكف في مسجدٍ آخر، فتصلي في المسجد الذي تعتكف فيه.

السؤال: أحسن الله إليكم وبارك فيكم، يقول: ما رأي فضيلتكم في الاعتكاف في عشر ذي الحجة إذا قصد الإنسان التفرغ للعبادة…؟

الجواب: هذا يجري على الخلاف الذي ذكرناه، وهو أن بعض العلماء يرى أن الاعتكاف في غير رمضان غير مشروعٍ، ورجحنا أنه مشروعٌ، وذكرنا الدليل لذلك، وهو اعتكاف النبي في العشر الأول من شوالٍ، وبناءً على ترجيح هذا القول، نقول: لا بأس بالاعتكاف في عشر ذي الحجة.

السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: ما الفائدة من جمع الدارقطني الأحاديث الضعيفة؟

الجواب: للتنبيه على ضعفها؛ لأنه إمامٌ، وهو الذي ينبري لمثل هذا العمل العظيم، فيجمعها ليبين ضعفها، فلا شك في هذا فائدةٌ عظيمةٌ.

السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: في “صحيح مسلمٍ” في شرح النووي… قال أصحابنا…، وهذا مذهبنا، ما المقصود بهما؟

الجواب: المقصود بهما الشافعية؛ لأن النووي شافعي، إذا قال: مذهبنا يعني مذهب الشافعية، إذا قال: قال أصحابنا، يقصد الشافعية، لكن أحيانًا يرجح على ما يقتضيه الدليل، وإن كان الغالب أنه يذكر مذهب الشافعي، ويحقق مذهب الشافعي، لكن أحيانًا يرجح ما يقتضيه الدليل.

وعندنا في قسم الفقه في “كلية الشريعة” مشروع رسائل علميةٍ؛ ماجستير ودكتوراه في اختيارات النووي الفقهية، وسجلت تقريبًا معظم أبواب الفقه، اختيارات النووي الفقيه، والمقصود بـ”الاختيارات”: على ما يقتضيه الدليل.

السؤال: أحسن الله إليكم، يقول: إذا اعتكفت في مسجدٍ وحَضَرَت جنازةٌ، فهل له أن يصلي عليها… إلى السيارة… إلى المقبرة… إذا كانت قريبةً؟

الجواب: على القول الراجح إذا كانت هذه الجنازة جنازة إنسانٍ له عليك حقٌّ، كوالدك أو والدتك، أو قريبٍ ذي رحمٍ، فلك أن تذهب للمقبرة، وتشيع هذه الجنازة، وأما إذا لم يكن له عليك حقٌّ؛ فليس لك الخروج من المسجد، وخروجك من المسجد يبطل الاعتكاف.

السؤال: هذا يسأل عن إلقاء دروس العلم في الاعتكاف؟

الجواب: هذا الأصل أن مثل هذا غير مشروعٍ؛ لأن المقصود من الاعتكاف التفرغ للعبادة، وليس المقصود التفرغ للعلم، وإنما التفرغ للعبادة؛ ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام ينقطع للعبادة، وكان الصحابة من بعده، وكما يقول ابن القيم: عكوف القلب على العبادة، ومناجاة الله ؛ لأن الإنسان مع مرور الوقت ربما يقسو قلبه، وربما يغفل، وربما يذهل، فكونه يشتغل بالعلم، يعني يجعل الغالب عليه العلم، هذا في الحقيقة خروجه عن المقصود من فائدة الاعتكاف.

لكن لو كان قاصدًا التباحث في المسائل العلمية، ولم يكن الوقت كثيرًا، فهذا لا بأس به؛ لأنه إذا جاز التحدث مع الزائر؛ فيجوز التباحث في المسائل العلمية من باب أولى، والنبي عليه الصلاة والسلام تحدث مع زوجه صفية رضي الله عنها ساعةً من ليلٍ [29]، فمثل هذا لا بأس به، لكن لا يكون هو الغالب على المعتكف، فلا يكون الغالب على المعتكف إلقاء الدروس، أو الغالب عليه التفرغ لمسائل العلم؛ لأن هذا يحرف الاعتكاف عن المقصود الأساس منه، لكن لو فعل ذلك أحيانًا، تباحث مع بعض زملائه في مسائل علميةٍ، أو قرءوا كتابًا، أو نحو ذلك؛ فلا بأس به إن شاء الله.

السؤال: أحسن الله إليكم، هل يجوز للمعتكف حجز الأماكن في الصفوف الأولى أو خلف الإمام؟

الجواب: من سبق إلى مكانٍ فهو أحق به، هذه هي القاعدة، أما حجز الأماكن فهذا لا يخول لهذا الذي يحجز المكان الحق في ذلك المكان؛ ولهذا لمن أتى أن يزيل هذا الشيء الذي قد حجزه، وقد أفتى بهذا مشايخنا، وأصبح يعمل به في المسجد الحرام، أصبح يزيلون السجادات التي يضعها أصحابها.

لكن هناك مسألةٌ: من يأتي للمسجد مبكرًا، فيعرض له عارضٌ، إنسانٌ أتى للمسجد مبكرًا، وأراد أن يذهب لدورة المياه، فهنا لا بأس أن يحجز مكانه؛ لأنه أتى مبكرًا، فلا بأس أن يحجز مكانه يضع في مكانه شيئًا، ويذهب لدروة المياه يتوضأ ثم يعود إلى مكانه، لكن الذي ننكره هو أن الإنسان لا يأتي إلا متأخرًا، لكن يحجز أو يعطي غيره ليحجز له مكانًا، إما مثلًا في المسجد الحرام، أو يوم الجمعة، فهنا ليس له الحق في حجز ذلك المكان، ولمن أتى أن يزيل ذلك الشيء الذي حجزه به وأن يجلس في مكانه.

السؤال: أحسن الله إليكم، يقول:… لما جعلناه ليس من المسجد، وهو يعتبر من بنائه، ويأخذ أحكامه… أحسن الله إليكم الدليل…؟

الجواب: نعم، أولًا ما كان محاطًا بسور المسجد فلا شك أنه يأخذ حكم المسجد، لكن إذا كان محاطًا بسور المسجد وأبوابه مفتوحةٌ على خارج المسجد، فهنا في عرف الناس أن هذا ليس من المسجد، فمثلًا هذه الغرف، مثلًا غرفة العامل، مثلًا الحارس، محاطةٌ بسور المسجد، هل نقول: إنها جزءٌ من المسجد، إذا دخلها العامل كل مرةٍ يأتي بتحية المسجد، أو مثلًا المكتبة هنا، فهذا في عرف الناس، يعني المرجع في ذلك أيضًا.. العرف هنا أن هذا لا يعتبر مسجدًا، ولا يسمى مسجدًا، ولا يأخذ حكم المسجد، ولا يصلَّى فيه إذا ضاق المسجد، فلذلك كيف يأخذ حكم المسجد؟! فهذه أمورٌ معلومةٌ بالضرورة أن مثل هذه المساكن التي تكون محاطةً بسور المسجد وأبوابها مفتوحةٌ للخارج أنها ليست من المسجد، فهذا هو الدليل لذلك، وإلا لو قلنا: إنها من المسجد؛ لحصل مشقةٌ عظيمةٌ على من يسكن في مثل هذه الغرف، وهذه المساكن.

السؤال: السؤال الأخير…؟

الجواب: في هذه المسألة، نعم..

الطالب:

الجواب: إي نعم، وهذا دليلٌ لهذه المسألة، يعني غرف النبي عليه الصلاة والسلام هي ليست من المسجد قطعًا، وأيضًا أبوابها مفتوحةٌ على المسجد، ويظهر أن لها أبوابًا على غير المسجد أيضًا، لكنها مساكن، فما كان مسكنًا يسكن فيه الإنسان؛ كغرفة مثلًا عامل النظافة ونحوه، فهو ليس من المسجد، وإن كانت محاطةً بسور المسجد، فإن غرف النبي عليه الصلاة والسلام الظاهر أنها كانت محاطةً بسور المسجد، ومع ذلك هي ليست من المسجد قطعًا.

السؤال: السؤال الأخير -أحسن الله إليكم- يقول: تعرفون -حفظكم الله- أن صلاة الكسوف للشمس يوم الجمعة صباحًا، فكيف يكون ذلك، وهل تؤدى في المساجد في هذا اليوم من يوم الجمعة؟

الجواب: نعم، هو المتوقع -بإذن الله تعالى- أن يحصل الكسوف، وهنا في الرياض الجزء المنكسف كبيرٌ نسبيًّا، قرابة (21%)، وسيكون بشكلٍ واضحٍ، وكما ذكر الشيخ أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: أن الكسوف يمكن أن يعرف بسهولةٍ، وأن معرفته كمعرفة أن اليوم الأول سيهل الهلال؛ ولأن الله تعالى أجرى سنته في الكسوف، بل إن الكسوف يتكرر كل ثماني عشرة سنةً وكذا شهرًا، وكذا ساعةً، يعني معروفٌ بعمليةٍ حسابيةٍ تستطيع أن تحسب الكسوف لآلاف السنين المقبلة، أو لآلاف السنين الماضية بهذه العملية، بعمليةٍ حسابيةٍ، يعني من عرفها استطاع أن يعرف يحسب الكسوف، فهو يجري على وفق سنن الله .

ولذلك العلم به من الأمور القطعية، ولمن يعرف ذلك؛ لأنها كالإخبار بأن الشمس تطلع غدًا، كما حقق ذلك أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، كان الناس يعرفون وقت الكسوف والخسوف من عهد الفراعنة، يعرفونه من قديم الزمان، لكن لا يترتب على العلم حكمٌ، المعول عليه هو الرؤية؛ لأن النبي قال: إذا رأيتموها فصلوا [30]، ولهذا خسوف القمر الذي حصل منتصف هذا الشهر، كان الجو في الرياض أو في بداية الخسوف كان غائمًا، فاتصل بعض الناس قال: هل نصلي؟ قلت: لا، لا تصلوا حتى تروا القمر خاسفًا، فلما لما تجلى القمر، وذهب الغيم، ورئي خاسفًا؛ قلنا: حينئذٍ الصلاة مشروعةٌ، وهكذا لو قدر أن يوم الجمعة كان الجو غائمًا، فلا تشرع صلاة الخسوف، لا بد أن تُرى الشمس كاسفةً، لا بد؛ لأن النبي علق ذلك بالرؤية، فمسألة الكسوف والخسوف هي كمسألة الهلال، فالهلال النبي علق ذلك بالرؤية: إذا رأيتموه فصوموا [31]، ولم يعلق ذلك بالحساب؛ ولذلك لو دلت الحسابات على إمكانية رؤية الهلال ولم يُرَ؛ فإنه يُكمَل الشهر، كذلك أيضًا في الكسوف، وهذه قاعدةٌ مطردةٌ.

فالمعول عليه رؤية القمر خاسفًا، والشمس كاسفةً، فإذا كان مثلًا يوم الجمعة ورأينا الشمس كاسفةً؛ هنا تشرع الصلاة، والمتوقع أن يكون في الساعة الثامنة صباحًا، فهناك وقتٌ كافٍ قبل خطبة الجمعة، لكن لو قُدِّر أن في سنةٍ من السنوات أتى وقت الكسوف وقت خطبة الجمعة، فبأيهما يبدأ؟

الطالب: الكسوف.

الشيخ: الكسوف وقته يفوت، بينما الجمعة وقتها واسعٌ، الجمعة يمتد وقتها إلى العصر؛ ولذلك يُبدأ بصلاة الكسوف، ثم خطبة الجمعة، لكن يوم الجمعة القادم الساعة الثامنة، يعني هناك مجالٌ، وهناك وقتٌ متسعٌ، لكن نؤكد على ما ذكرت، لا بد أن تُرى الشمس كاسفةً، لو كان هناك غيمٌ أو سحابٌ؛ فلا تشرع صلاة الكسوف.

الطالب:

الشيخ: لا حرج كله يصلي… والجمعة، لا إشكال في ذلك.

الطالب:

الشيخ: أولًا الكسوف له..، سنة الله : أنه لا يزيد على سبع مراتٍ منذ أن خلق الله الأرض، ما يزيد على سبع مراتٍ في السنة الواحدة، ولا يقل عن مرتين، لكن في الوقت الحاضر باعتبار وسائل الاتصالات وكذا، أصبحنا نسمع به كثيرًا، فالقول بأنه في وقتنا الحاضر كثر الكسوف والخسوف، هذه مقولةٌ غير صحيحةٍ، الكسوف والخسوف يجري على سنة الله ، سنةٌ من سنن الله ، وهما آيتان يخوف الله تعالى بهما عباده، فهذه المقولة غير دقيقةٍ: أن الكسوف الآن في وقتنا أكثر من الأزمنة السابقة، أو أكثر منه في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، هذه المقولة غير دقيقةٍ؛ لأنه كما ذكرت يجري على سننٍ، يجري على سنة الله ، لكن ربطه بالذنوب والمعاصي..، هو جاء في حديث الكسوف الطويل أن النبي قال: يا أُمَّة محمدٍ، إنه لا أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته [32]، فبعض أهل العلم يقول: إن الكسوف والخسوف يكون مصاحبًا لكثرة الزنا، لكن هذا -وإن كان- ليس صريحًا في المسألة، لكن نقول كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، الأحسن أن نقول: آيتان يخوف الله بهما عباده [33]، ولا نربط ذلك بالذنوب والمعاصي؛ لأن أيضًا دلالة هذه غير صريحةٍ، دلالة: ما من عبدٍ أغير من الله..، دلالته ليست صريحةً؛ ولذلك الأحسن: أن نستخدم الألفاظ الشرعية، فنقول: هما آيتان يخوف الله بهما عباده، وهنا قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: إنه يصاحب الكسوف والخسوف في الغالب عذابٌ أو عقابٌ في جزءٍ من الأرض، لماذا؟ قال: لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: يخوف الله بهما عباده، والتخويف لا يكون إلا بما يخافون منه، وإلا لم يكن تخويفًا، لا يكون تخويفًا إلا بما يخاف منه الناس، وإلا لم يكن تخويفًا.

ولذلك يقولون: إن وقت الكسوف والخسوف تكون الشمس والقمر على خطٍّ واحدٍ، وتكون الجاذبية قويةً، الشمس والقمر والأرض، فتكون الجاذبية قويةً، ويكون ذلك مظنةً لحصول زلازل أو براكين أو غيرها؛ ولذلك يهرع العباد إلى الصلاة، مخافة أن يقع عذابٌ، أو يقع شيءٌ، فهذا هو الأولى، الأولى أن نعبر إذنْ بما ورد في الحديث، أن نقول لهما: آيتان يخوف الله تعالى بهما عباده، وأن نفزع إلى الصلاة، ونفزع إلى الذكر، ونفزع للاستغفار، ونفزع للصدقة؛ كما أمر بذلك النبي .

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 2028، واللفظ له، ومسلم: 297.
^2 رواه البخاري: 2018، ومسلم: 1167.
^3 رواه البخاري: 2026، ومسلم: 1172.
^4 رواه ابن طهمان في مشيخته: 207.
^5 رواه مسلم: 1167.
^6 رواه البخاري: 2016، ومسلم: 1167.
^7 رواه البخاري: 2033، ومسلم: 1172.
^8 رواه مسلم: 746.
^9 رواه البخاري: 2043.
^10 رواه البخاري: 3281، ومسلم: 2175.
^11 رواه البخاري: 1، ومسلم: 1907.
^12 رواه أبو داود: 232.
^13 رواه البخاري: 2028-2029، ومسلم: 297.
^14 رواه أبو داود: 2473، والدارقطني: 2363، والبيهقي في السنن الكبرى: 8594.
^15 رواه الدارقطني: 2357.
^16 رواه البيهقي في السنن الكبرى: 8574، والطحاوي في شرح مشكل الآثار: 2771، وابن حزم في المحلى بالآثار: 3/ 431.
^17 رواه البخاري: 335، ومسلم: 521.
^18 رواه أبو داود: 3305.
^19, ^20 سبق تخريجه.
^21 رواه البخاري: 2029، ومسلم: 297.
^22 رواه البخاري: 5089، ومسلم: 1207.
^23 رواه أبو داود: 3594، والترمذي: 1352، وقال: حسن صحيح.
^24 رواه الترمذي: 732، والنسائي في السنن الكبرى: 3295، وأحمد: 26893.
^25 رواه الترمذي: 732.
^26 رواه مسلم: 1430.
^27 رواه مسلم: 1154.
^28 رواه مسلم: 1396.
^29 رواه البخاري: 2035، ومسلم: 2175.
^30 رواه البخاري: 1042، ومسلم: 911.
^31 رواه البخاري: 1900، ومسلم: 1080.
^32 رواه البخاري: 1044، ومسلم: 901.
^33 رواه البخاري: 1048، من حديث أبي بكرة ، ومسلم: 911، من حديث أبي مسعود الأنصاري .
مواد ذات صلة
zh