logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(43) فصل: يحرم على مَن لا عُذر له الفطر برمضان

(43) فصل: يحرم على مَن لا عُذر له الفطر برمضان

مشاهدة من الموقع

ننتقل بعد ذلك إلى درس الفقه، وكنا قد وصلنا إلى قول المصنف رحمه الله:

مَن يحرم عليهم الفطر

فصلٌ:

ويَحْرُم على مَن لا عُذْرَ له الفِطْرُ برمضان، ويجب الفطر على الحائض والنُّفَسَاء.

قال: “ويَحْرُم على مَن لا عُذْرَ له الفِطْرُ برمضان” وهذا بالإجماع: أن مَن لا عُذْرَ له يَحْرُم عليه أن يُفْطِر بنهار رمضان، وعند بعض أهل العلم: أن هذا من الكبائر؛ وذلك لأنه ترك فريضةً من غير عُذْرٍ، ويجب عليه إمساك بقية يومه؛ لأنه أُمِرَ بالصوم جميع النهار، فمُخالفته في بعضه لا تُبيح المُخالفة في الباقي، ويلزمه القضاء؛ لقول النبي : مَن ذَرَعَه القيء فليس عليه قضاء، ومَن استَقَاء فَلْيَقْضِ، أخرجه الترمذي، وهو حديثٌ صحيحٌ [1].

فقوله: ومَن استَقَاء فَلْيَقْضِ دليلٌ على أنَّ مَن أفطر مُتعمدًا يلزمه القضاء.

قال: “ويجب الفطر على الحائض والنُّفَسَاء” وهذا يدل على أن الحائض والنُّفَساء إذا صامتا أَثِمَتا بهذا، فيجب عليهما الفطر؛ لقول النبي : أليس إذا حاضتْ لم تُصَلِّ ولم تَصُمْ؟ كما في الصحيحين [2].

لكن لو أن المرأة نَوَتِ الفِطْرَ، لكنها لم تأكل ولم تشرب، كما يحصل من بعض الفتيات: أنها تخجل من أهلها، ولا تأكل، ولا تشرب، لكنها لم تَنْوِ الصومَ؛ فلا حرج عليها، فالممنوع أن تنوي الصوم وهي حائض أو نُفَساء، فإنها تأثم بذلك.

قال:

وعلى مَن يحتاجه لإنقاذ معصومٍ من مَهْلَكَةٍ.

يعني: يجب الفطر “على مَن يحتاجه لإنقاذ معصومٍ”، والعِصْمَة تكون بالإسلام، وتكون بالذمة والعهد؛ أما بالإسلام فظاهرٌ، وأما بالذمة كأن يكون ذِمِّيًّا بأن يكون قد عُقِدَ له عقد ذِمَّةٍ، ويعيش في بلاد المسلمين، ويُقَرّ على دِينِه، ويُحْمَى نظير بَذْلِه الجزية، فهذا معصومٌ، وكذلك أيضًا المُعاهَد، وهو الذي بينه وبين المسلمين عهدٌ.

فهؤلاء معصومُو الدم والمال والعِرْض، فيجب إنقاذهم كالمسلم من مَهْلَكَةٍ.

وهنا يجب الفطر على مَن يحتاج إلى الفطر؛ لإنقاذ معصومٍ من مَهْلَكَةٍ، كما لو غرق -مثلًا- معصومٌ واحتاج إلى مَن يُنقذه، وهذا صائمٌ، ولو أفطر لتقوَّى على إنقاذه، فيجب عليه أن يُفطر، كما يحصل أحيانًا لبعض رجال الدفاع المدني -مثلًا- عندما يُحتاج إليهم في إنقاذ بعض الناس، ويكونون صائمين، فنقول لهم: أفطروا لأجل أن تتقوَّوا على إنقاذ هؤلاء المعصومين.

مَن يُسَنُّ لهم الفطر

قال:

ويُسَنُّ لمُسافرٍ يُباح له القَصْرُ.

الصوم للمسافر والفِطْر

ذَكَرَ الله تعالى حُكْمَه في قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ۝ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:183-184].

فالمسافر يُسَنُّ له الفطر، ولكن له ثلاث حالاتٍ:

  • الحالة الأولى: يَحْرُم عليه الصوم، وذلك فيما إذا شَقَّ عليه الصوم مشقةً شديدةً؛ لأن النبي كان في سفرٍ فأفطر وأمر بالفطر، فقيل له: إن بعض الناس قد صام. فقال: أولئك العُصاة، أولئك العُصاة [3]، والمعصية لا تكون إلا على ارتكابهم لمُحَرَّمٍ.
  • والحالة الثانية: أنه يَشُقُّ عليه مشقةً غير شديدةٍ، والفطر أرفق له؛ فَيُكْرَه في حقِّه الصوم، ويُسنُّ له الفطر؛ لقول النبي : ليس من البرِّ الصوم في السفر [4]؛ ولقوله في حديث حمزة بن عمرو الأسلمي  لما قال: يا رسول الله، أجد بي قوةً على الصيام في السفر، فهل عليَّ جناحٌ؟ فقال: هي رخصةٌ من الله، فَمَنْ أخذ بها فَحَسَنٌ، ومَن أحبَّ أن يصوم فلا جناح عليه. رواه مسلم [5]، فهذا دليلٌ على أن الفطر أفضل من الصوم، لكن إذا كان الفطر أرفق به.
  • الحالة الثالثة: أن يتساوى عنده الأمران، فيختار الأيسر؛ لقول الله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ [البقرة:185]، فإن تساوى عنده الأمران في اليُسْر فالصوم أفضل؛ لأن النبي كان يومًا مع أصحابه في سفرٍ، يقول الراوي: وما فينا صائمٌ إلا رسول الله وعبدالله بن رواحة [6]؛ ولأنه أسرع في إبراء الذمة.

قال:

ولِمَريضٍ يخاف الضَّرَر.

أي: يُباح له الفطر.

طالب: …….

الشيخ: حديثُ ماذا؟

طالب: …….

الشيخ: يعني: النبي عليه الصلاة والسلام صام في السفر، فهذا يدل على أن الصوم في السفر في هذه الحالة أفضل.

طالب: …….

الشيخ: نعم، يبدو أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يشقُّ عليه الصوم؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان الصحابة يقومون بشؤونه.

طالب: …….

الشيخ: أما إذا كانت فيه مشقةٌ فهنا يتأكَّد الفطر، لكن إذا كان بعضُ الناس يُسافر، ولا يجد أدنى مشقةٍ، ويرى أنه أسرع في إبراء الذمة؛ فيصوم، فالصوم أفضل في هذه الحالة.

طالب: …….

الشيخ: على كل حالٍ، الأقرب هو التَّفصيل؛ لأن في بعض الأحاديث: أن النبي عليه الصلاة والسلام صام، وفي بعضها: أنه أفطر، فالجمع بين النصوص أولى.

قال: “ولِمَريضٍ يخاف الضَّرر” أي: أن المريض الذي يخاف الضَّرر بِصَوْمِه يُسَنُّ له الفطر؛ لقول الله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184].

والضابط في هذا المرض أشار إليه المؤلف بأن يخاف الضَّرر: إما بزيادة المرض، أو بتأخُّر البُرْء، لكن مَن الذي يُقرِّر هذا؟

الطبيب المُختص، ولا يُقرر الإنسانُ بنفسه.

تجد بعض العامة يُفْتِي نفسه بنفسه في أمور العبادة، وهذا ليس له، فيرجع للمُختص.

بعض الناس تجد أنه يُصلي جالسًا، فتقول: يا فلان، أنت -ما شاء الله- نشيطٌ. فيقول: أنا عاجزٌ. لكن في أمور الدنيا لا تجد أنشط منه!

فنقول: إن هذا أخطأ؛ لأنه أَخَلَّ بركنٍ من أركان الصلاة.

إذا قال له الطبيب: صَلِّ جالسًا. فيُصلي جالسًا، وإذا قال: إنه يلحقه الضَّرر؛ إما بزيادة المرض، أو بتأخر البُرْء، أو أنه يشقُّ عليه القيام مشقةً شديدةً يفوت بسببها الخشوع، فنقول: نعم.

ومثل ذلك أيضًا بالنسبة للمريض، فالمريض إنما يُفْطِر في نهار رمضان إذا قال له وأخبره، يعني: قال له وأمره الطبيب الثقة بذلك، أما إذا قال الطبيب الثقة: إن الصوم لا يضرك، لا بتأخُّر بُرْءٍ، ولا بزيادة مرضٍ؛ فالأصل أنه يصوم.

مَن يُباح لهم الفطر

قال:

ويُباح لحاضرٍ سافر في أثناء النهار.

“ويُباح” يعني: يُباح الفطر “لحاضرٍ سافر في أثناء النهار”؛ وذلك لعموم الأدلة الدالة على أن المسافر له الفطر، ومنها قول الله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، وهذا مُسافرٌ.

ولحديث أبي بَصْرَة الغِفَاري : أنه ركب سفينةً من الفسطاط، ثم قُرِّبَ إليه غداؤه، فقيل له: ألستَ ترى البيوت؟ قال: أترغب عن سُنة رسول الله ؟! رواه أبو داود [7].

فهذا دليلٌ على أن المسافر إذا أنشأ السفر جاز له الفطر، وجمهور العلماء على أنه ليس له الفطر حتى يُفارِق العمران، ومن العلماء مَن رَخَّصَ في أن يُفطر وهو لم يُفارق العمران، والصحيح هو قول الجمهور.

وقصة أبي بَصْرَة محمولةٌ على أنه فارق العمران لكنه يراه، يعني: أنشأ السفر فأفطر في أول سفره، وهكذا أيضًا ما رُوِيَ عن أنسٍ في هذا، فَيُحْمَل على ذلك.

قال:

ولحاملٍ ومُرْضِعٍ خافتا على أنفسهما، أو على الولد.

يعني: فيُباح لهما الفطر.

لكن لو أفطرتا للخوف على الولد فقط لزم وَلِيَّه إطعامُ مسكينٍ لكل يومٍ.

حكم الحامل والمُرضع إذا أفطرتا

الحامل والمُرضع يجوز لهما الفطر في نهار رمضان، ولكن ما الذي يترتب على ذلك؟

المُؤلف فصَّل في هذا: فإذا خافتا على أنفسهما فعليهما القضاء فقط، أما إذا خافتا على الولد فقط فالقضاء والإطعام، وإذا خافتا على أنفسهما وعلى الولد ففيه خلافٌ في المذهب: هل يلزم القضاء، أو القضاء والإطعام؟

والقول الثاني في المسألة: أن الحامل والمُرضع كالمريض، عليهما القضاء فقط، وهذا هو القول الراجح في المسألة.

أما أصحاب القول الأول فقد استدلوا بأثرٍ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنه قال: “وعلى الحامل والمُرضع إذا خافتا على أنفسهما وولديهما أن تُطْعِمَا عن كل يومٍ مسكينًا”، لكن الصواب هو القول الثاني، وهو أن عليهما القضاء؛ قياسًا على المسافر والمريض؛ ولأن إلزامهما بالإطعام يحتاج إلى دليلٍ ظاهرٍ، وليس هناك دليلٌ، وما رُوِيَ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما اجتهادٌ منه.

على أن المَرْوِيَّ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنهما تُطعمان فقط، ولم يذكر القضاء.

ومن هنا فإن بعض العلماء ذهب إلى أن الواجب عليهما الإطعام من غير قضاء، وممن ذهب إلى هذا الشيخ الألباني رحمه الله، ولكن يظهر أن هذا قولٌ ضعيفٌ؛ لأن ابن عباسٍ رضي الله عنهما لم يذكر القضاء؛ لأنه معلومٌ أنه يَلزم كلَّ مَن أفطر القضاء.

فالصواب أن الحامل والمُرضع تُفطران وتقضيان فقط، سواء خافتا على أنفسهما، أو على ولديهما، أو على أنفسهما وولديهما، يعني: بإطلاقٍ.

وهذا اختيار شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله: أن الواجب عليهما القضاء فقط دون الإطعام.

حكم الإمساك على مَن حلَّ لهم الإفطار أول النهار

قال:

وإن أسلم الكافر، وطهرت الحائض، وبَرِئ المريض، وقَدِمَ المسافر، وبلغ الصغير، وعَقِلَ المجنون في أثناء النهار وهم مُفطرون؛ لزمهم الإمساك والقضاء.

أما لزوم الإمساك فلزوال المانع: زوال الكفر، وكذلك الحيض، والمرض، والسفر، والصِّغَر، والجنون.

وأما وجوب القضاء فلأنهم لم يُنْشِؤُوا نية الصيام من أول النهار، فلزمهم القضاء.

ومن أهل العلم مَن ذهب إلى أنه لا يلزمهم الإمساك في هذه الحالة؛ لقول ابن مسعودٍ : “مَن أفطر في أول النهار فليأكل في آخره”؛ ولأنهم لا يستفيدون من الإمساك شيئًا.

وهذا قولٌ للشافعية، والجمهور يرون وجوب الإمساك، والصحيح هو قول الجمهور: أنه يجب عليهم الإمساك، كما لو قامت البينة في أثناء النهار فيلزمهم الإمساك.

قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: “لا أعلم في هذا خلافًا” أنه إذا قامت البينة في أثناء النهار لزمهم الإمساك، فكذلك أيضًا إذا أسلم الكافر، أو طهرت الحائض، أو بَرِئ المريض، أو قَدِمَ المسافر، أو بلغ الصغير، أو عقل المجنون؛ فيلزمهم الإمساك.

والقول بأنهم لا يستفيدون شيئًا غيرُ مُسلَّمٍ، بل يُؤْجَرون ويُثابُون على الإمساك، لكن يلزمهم القضاء.

وهذه من المسائل التي اختلف فيها الشيخان: الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ محمد بن عثيمين رحمهما الله تعالى؛ فالشيخ عبدالعزيز بن باز يرى وجوب الإمساك، وكان الشيخ محمد بن عثيمين يرى عدم وجوب الإمساك.

والأقرب -والله أعلم- هو وجوب الإمساك؛ لقوة أدلته، كما لو قامت البينة في أثناء النهار.

أما أن نقول لهذا الإنسان: تأكل وتشرب، ويُجامع أهله بحجة أنه قَدِمَ مُفطرًا، فهذا غيرُ مُسلَّمٍ.

وهكذا أيضًا لو طهرت الحائض، يعني: تبقى بقية النهار وهي تأكل وتشرب! فهنا تُمْسِك احترامًا للزمان، وهي مأجورةٌ على هذا الإمساك.

طالب: …….

الشيخ: لا، إذا طهرت قبل طلوع الفجر.

طالب: …….

الشيخ: يعني: قصدك ممكن، هو يصح نفلًا في غير رمضان، أما في رمضان فلا، وسيأتي هذا في كلام المؤلف، ففي غير رمضان يمكن أن تَرِد هذه المسألة، أما في رمضان فلا، وستأتي في آخر الفصل الإشارة لهذه المسألة التي بين أيدينا.

قال:

وليس لمَن جاز له الفطر برمضان أن يصوم غيره فيه.

هذه المسألة: “وليس لمَن جاز له الفطر برمضان أن يصوم غيره فيه” يعني: ليس لمَن جاز له أن يُفطر في نهار رمضان -كمريضٍ أو مُسافرٍ أو صغيرٍ- أن يصوم غيره فيه، أي: في رمضان؛ وذلك لأنه لا يَسَعُ غير ما فُرِضَ فيه، ولا يصلح لسواه.

مثال ذلك: رجلٌ مُسافرٌ، وعليه صيام كفارةٍ شهرين متتابعين، فقال: إذن أصوم رمضان وشوال، أو شعبان ورمضان.

نقول: لا، لا يصلح صيام رمضان إلا لرمضان فقط، فلا يصلح أن يصوم غيرَه فيه.

فصلٌ في المُفَطِّرات

ثم قال المؤلف رحمه الله:

فصلٌ في المُفَطِّرات.

يعني: مُفْسِدات الصوم التي تُفطر الصائم وتُفسد الصيام.

والمؤلف توسَّع فيها، وفصَّل الكلام فيها.

قال:

وهي اثنا عشر: خروجُ دَمِ الحيض.

لما سبق؛ لقول النبي : أليس إذا حاضتْ لم تُصَلِّ ولم تَصُمْ؟ [8]، وهكذا خروجُ دمٍ.

والنِّفاسُ، والموتُ.

يعني: الموت؛ لأن الإنسان إذا مات انقطع عمله؛ لقول النبي : إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنْتَفَع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له [9]، فالإنسان ينقطع عمله بالموت.

والرِّدَّة.

لقول الله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65]، فالردة تُحْبِط العمل، لكن يُشْتَرَط لحبوط العمل بالردة شرطٌ مَرَّ معنا في دروسٍ سابقةٍ، فما هذا الشرط؟

يُشترط لحبوط العمل بالردة شرطٌ.

طالب: …….

الشيخ: نعم، أحسنتَ: أن يموت على الردة.

مَن يذكر لنا الدليل؟ في سورة البقرة.

طالب: …….

الشيخ: أحسنتَ: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217]، أول الآية: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ.

قال: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ، فَشَرَط اللهُ تعالى لحبوط العمل: فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ، فاشترط الله تعالى لحبوط العمل: أن يموت على الردة.

ولذلك لو أن رجلًا حجَّ، ثم ارتدَّ، ثم تاب، فهل يُؤْمَر بأن يحجَّ مرةً ثانيةً؟

لا، نقول: حجُّه الأول صحيحٌ؛ لأن الرِّدَّة لا تُحْبِطُ العمل إلا إذا مات عليها بنصِّ الآية.

قال:

والعَزْمُ على الفِطْر.

وذلك لأن الصومَ إمساكٌ بنيةٍ، فإذا عَزَمَ على الفطر فقد قطع نيَّتَه، كما لو قطع نية الصلاة؛ ولذلك عند الفقهاء قاعدة هي: أنَّ مَن نوى الإفطار أفطر.

حكم التَّردد في نية الفطر

قال:

والتَّردُّد فيه.

يعني: التَّردد في النية، في نية الفطر، كإنسانٍ -مثلًا- مُسافرٍ تردَّد: هل يُفطر أو لا يُفطر؟ فهل يَفْسُد صومه أم لا؟

فيه قولان لأهل العلم:

  • القول الأول -وهو القول الذي مشى عليه المؤلف-: أن التَّردُّد يُفْسِد الصومَ؛ ولهذا نَقَل الأثرمُ عن الإمام أحمد أنه قال: “لا يُجزئه عن الواجب حتى يكون عازمًا على الصوم يومه كله”.
  • والقول الثاني في المسألة -وهو وجهٌ في المذهب-: أن التَّردُّد لا يُفْسِد صومه؛ لأنه لم يَجْزِم بنية الفطر.

والقول الأول أقرب: أن التَّردُّد يُفْسِد الصوم، وقد قال المِرْدَاوي في “الإنصاف”: “وهذا الصواب”؛ وذلك لأن النية ركنٌ في الصيام، فإن الصيامَ حقيقتَه إمساكٌ بنيةٍ، فإذا أَخَلَّ بهذا الركن فسد صومُه ولو كان بترددٍ، فلا بد أن تكون النية جازمةً، يعني: النية في الصيام لها شأنٌ أكثر من غيره من العبادات.

قال: “وإن نوى أنه سيُفطر ساعةً أخرى” يعني قال: إن شاء الله أنا سأُفطر بعد ساعةٍ، أو بعد ساعتين، أو بعدما أصل إلى المكان الفلاني، أو -مثلًا- وهو في سفرٍ يقول: إذا ذهبتُ إلى فندقٍ أو نحوه فأنا سأُفطر.

مَن نوى أنه سيُفطر، قال ابن عقيل -من الحنابلة-: “هو كَنِيَّة الفطر في وقته”، إذا قال: “سأُفطر” معنى ذلك: أنه قد أَخَلَّ بالنية؛ فيفسد صومه كذلك.

وكما ذكرتُ: النية في الصوم لها شأنٌ، فهي ركنٌ في الصوم؛ ولذلك فإن التَّردُّد -مجرد التَّردد- فيها يُفْسِد الصوم.

قال:

والقَيْءُ عمدًا.

لقول النبي كما في حديث أبي هريرة : مَن ذَرَعَه القَيْءُ فليس عليه قضاء، ومَن استَقَاء فَلْيَقْضِ. رواه الترمذي وغيره، وهو حديثٌ صحيحٌ [10].

والاحتقان من الدُّبُرِ.

الاحتقان معناه: وَضْع الحقنة من الدُّبر، ولا يزال على هذا عَمَلُ بعض الناس بما يُسمَّى بالتَّحاميل، فهذه على المذهب تُفْسِد الصوم؛ لأنها عندهم في معنى الأكل والشرب، ويجد الصائم لها أثرًا.

والقول الثاني في المسألة: أن الاحتقان لا يُفْسِد الصوم؛ لأنه ليس أكلًا ولا شربًا، ولا بمعنى الأكل والشرب، ولا دليل يدل على أنه يُفْسِد الصيام، وهذا هو اختيار أبي العباس ابن تيمية رحمه الله، وهو الأقرب والأظهر.

وبناءً على ذلك وَضْعُ التَّحاميل في الدُّبر لا يُفْسِد الصوم، فالصوم معها صحيحٌ.

قال:

وبَلْعُ النُّخَامَة إذا وَصَلَتْ إلى الفَمِ.

“بَلْعُ النُّخَامَة إذا وصلتْ إلى الفم” يقول: إنها تُفْسِد الصوم، أما إذا لم تصل إلى الفم بأن لم تَبْرُز؛ فإنها لا تُفْسِد الصوم.

هل بلع النُّخامة يُفْسِد الصوم؟

هذه المسألة اختلف فيها العلماء: هل بَلْعُ النُّخَامَة يُفْسِد الصوم أم لا؟

على قولين:

  • القول الأول: أنَّ بَلْعَ النُّخَامَة يُفْسِد الصوم، وهو القول الذي مشى عليه المؤلف رحمه الله؛ وذلك لأنه قد أدخل شيئًا إلى جوفه، أشبه ما لو أدخل مأكولًا أو مشروبًا.
  • والقول الثاني: أن بَلْعَ النُّخَامَة لا يُفْسِد الصوم؛ لأنها ليست أكلًا ولا شربًا، ولا بمعنى الأكل والشرب؛ ولأن الغالب أن الإنسان إنما يحصل معه ذلك بغير اختياره، وهذا هو الأقرب -والله أعلم-: أن بَلْعَ النُّخامة لا يُفْسِد الصوم.

وبَلْعُ الرِّيق سيأتي الكلام عنه من كلام المؤلف.

هل الحجامة تُفْسِد الصوم؟

قال:

التاسع: الحِجَامة خاصةً، حاجمًا كان أو محجومًا.

“الحجامة خاصةً” يعني: دون غيرها، يعني: دون فَصْلٍ ونحوه؛ لقول النبي : أفطر الحاجم والمحجوم [11]، وهذا الحديث صحَّحه البخاري وابن المَدِيني وجمعٌ من أهل العلم، فالحديث من جهة الإسناد صحيحٌ، وهو من قول النبي .

والقول بأن الحجامة تُفَطِّر الصائمَ هو من المُفردات.

والقول الثاني قول الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية وروايةٌ عند الحنابلة: أن الحجامة لا تُفَطِّر الصائم، واستدلوا بما جاء في “صحيح البخاري”: أن النبي احتجم وهو صائمٌ مُحْرِمٌ [12].

والأقرب -والله أعلم- هو القول الأول، وهو: أن الحجامة تُفَطِّر الصائمَ.

نعم، الجمهور قالوا: إن حديث: أفطر الحاجم والمحجوم منسوخٌ.

والراجح -والله أعلم- هو القول الأول، وهو: أن الحجامة تُفَطِّر الصائم؛ وذلك لأن الحديث الوارد في ذلك حديثٌ صحيحٌ صريحٌ، ودعوى النَّسخ غير صحيحةٍ، وغير مُسلَّمٍ بها.

وأما حديث: أن النبيَّ احتجم وهو صائمٌ مُحرمٌ، فهذا وإن كان في “صحيح البخاري” إلا أن المحفوظ من روايته: أنه احتجم وهو مُحْرِمٌ [13]، وهذا القدر من الرواية هو الذي اتَّفق عليه البخاري ومسلمٌ، فإن مسلمًا أخرج هذا الحديث بلفظ: أن النبي احتجم وهو مُحرمٌ، ولم يقل: وهو صائمٌ، أما رواية: “وهو صائمٌ” فهي غير محفوظةٍ.

ثم على تقدير صحة الرواية، فكما ذكر ابن القيم رحمه الله: أن هذا يحتمل أمورًا:

  • يحتمل أن النبي فعل ذلك في السفر، وكان من هَدْيه عليه الصلاة والسلام أنه غالبًا يُفْطِر في أسفاره.
  • ويحتمل أنه فعل ذلك لمرضٍ -مثلًا- والمريض يجوز له الفطر.

وتَرِدُ على ذلك عدة احتمالاتٍ، ومن المعلوم أنه إذا تَعَارَضَتْ دلالة القول والفعل فإن القول مُقدَّمٌ على الفعل.

هل سحب الدم يُفسد الصوم؟

يُقاس على الحجامة: سحب الدم الكثير الذي هو في معنى دم الحجامة، ومن ذلك: التَّبرع بالدم، ومن ذلك: تحليل الدم إذا كان دَمًا كثيرًا في معنى دم الحجامة.

أما إذا كان الدم المأخوذ للتَّحليل يسيرًا فلا يُفَطِّر الصائم، فأحيانًا عندما يُؤخذ دمٌ للتَّحليل يكون دمًا يسيرًا، فهذا لا يُفَطِّر الصائم، كما لو أرادوا تحليل الدم في قياس مستوى السكر في الدم -مثلًا- فهذا يُؤخذ فيه دمٌ يسيرٌ، وهذا لا يُفَطِّر الصائم، لكن أحيانًا يُؤخذ من بعض الناس دمٌ كثيرٌ، فأحيانًا يُؤخذ أربعة براويز أو خمسة، ولا شكَّ أن هذا دمٌ كثيرٌ، يعني: في معنى الحجامة، فهنا يفسد الصوم.

فإذا احتاج الإنسان للتحليل في هذا الوقت فإنه يفعل ويقضي، أما إذا لم يحتج أو أمكنه تأجيل ذلك إلى الليل تعيَّن عليه ذلك.

أما خروجُ الدم بغير اختيار الإنسان فإنه لا يُفَطِّر الصائم، كما لو رَعَفَ فخرج منه دمٌ كثيرٌ، أو أُصيب في حادث سيارةٍ فخرج منه دمٌ، فخروج الدم بغير اختيار الإنسان لا يُفَطِّر الصائم، إنما يُفَطِّر الصائم خروجُ الدم باختياره إذا كان كثيرًا في معنى دَمِ الحجامة.

والحِكْمَة من ذلك بالنسبة للمحجوم هي: الضعف، كما ورد في بعض الروايات: أن المحجوم يُصيبه الضعف، فالإنسان إذا سُحِبَ منه الدم يَضْعُف.

وأما الحاجم: فقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: “إن الحاجم عندما يَمُصُّ الدمَ تَنْفُذ أجزاء لطيفةٌ من الدم إلى جوفه”، فإن الحاجم عندما يَمُصُّ الدم يَمُصُّه بقوةٍ؛ فينفذ شيءٌ من أجزاء الدم إلى الجوف.

وبناءً على ذلك لو كانت الحجامة بغير مَصٍّ، لو كانت الحجامة بالآلات الموجودة الآن، فإن الحاجِمَ لا يَفْسُد صومه، إنما يَفْسُد صومه إذا كانت الحجامة بالطريقة الموجودة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، والتي يَمُصُّ فيها الحاجم دَمَ المحجوم.

طالب: …….

الشيخ: لا، هذه عِلةٌ، يعني: الحكم يدور مع عِلَّته وجودًا وعدمًا، فالعِلة هي هذا.

قال:

العاشر: إنزال المني.

لاحظ: أن المؤلف فرَّق بين خروج المني وإنزال المني هنا، يعني: بين العاشر والحادي عشر.

فالعاشر قال:

إنزال المني بتكرار النظر.

فإذا أنزل المَنِيَّ بتكرار النظر يكون قد استَمْنَى، فيفسد صومه؛ لأنه فَعَلَ ذلك باختياره.

لا بنظرةٍ.

يعني: بنظرةٍ واحدةٍ، فلو أنزل بنظرةٍ واحدةٍ فإن صومه لا يفسد؛ لأن النظرة الأولى مَعْفُوٌّ عنها؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة [14].

فالنظرة الأولى التي تقع من الإنسان من غير قصدٍ هذه معفوٌّ عنها، فلو نظر إنسانٌ إلى امرأةٍ أجنبيةٍ النظرة الأولى من غير قصدٍ فأنزل، فإن هذا بغير اختياره؛ فلا يفسد صومه.

ولا بالتَّفكر.

يعني: لو تفكَّر وأنزل فلا يَفْسُد صومه؛ لأن التَّفكُّرَ معفوٌّ عنه؛ لقول النبي : إن الله تجاوز لأُمتي ما حدَّثَتْ به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم [15].

والاحتلام.

الاحتلام لا يُفْسِد الصوم، وحُكِيَ اتِّفاقًا؛ وذلك لأن خروج المني حال الاحتلام بغير اختياره.

ولا بالمَذْي.

لاحظ: المُؤلف فَصَلَ فيه بين الحادي عشر والعاشر.

ما معنى قوله: “ولا بالمَذْي” هنا؟

هل المعنى: أن المؤلف يرى أن المَذْي لا يُفْسِد الصوم؟

نريد فهمًا لكلام المؤلف.

طالب: …….

الشيخ: نعم، أحسنتَ، يعني: مقصود المؤلف بهذه العبارة قال: “ولا بالمَذْي” أي: لا يَفْسُد الصوم بالمَذْي إذا كان بتكرار النظر، لا يَفْسُد الصوم بخروج المَذْي إذا كان بتكرار النظر أو بالتَّفكر، هذا معنى كلام المؤلف؛ لأنه ليس بمُباشرةٍ.

والقاعدة في هذا: أن خروج المني إذا كان بغير اختيار الإنسان فإنه لا يُفْسِد صومه.

وأنا أذكر أن سائلًا اتَّصل بي وقال: إنه مُبْتَلًى بِمَسٍّ. أو يذكر عن غيره، لا أدري، هل هو بالنسبة له أو عن غيره؟ لكنه يسأل: أنه مُبْتَلًى بِمَسٍّ، وأن جِنِّيَّةً تُجامعه كل يومٍ في نهار رمضان. فقلتُ: لعلك مُتوهِّمٌ، لعله كذا. قال -يعني-: كما يُجَامِع الإنسية، وأنه يَخْرُج منه المنيُّ بغير اختياره.

فإذا أردنا أن نُقرِّر هذا على كلام الفقهاء نجد أن الفقهاء يُقرِّرون أن خروج المنيِّ بغير اختيار الإنسان لا يُفْسِد الصوم.

وبناءً على ذلك نقول: إن صومَه صحيحٌ؛ لأن هذا الإنسان مُبْتَلًى.

يقول: إنه يوميًّا في نهار رمضان يَحْصُل معه هذا، وهذا نوعٌ من أنواع الابتلاء.

ثم انتقل المؤلف بعد ذلك .. يعني: التَّشقيق بهذه الطريقة، والحقيقة أنه غير مناسبٍ، فلو أن المؤلف جمع الكلام عن المَذْي والمنيِّ في موضعٍ واحدٍ لكان أحسن، لكن هذا هو منهج المؤلف: التَّفصيل بهذه الطريقة.

الحادي عشر: خروج المني أو المَذْي بتقبيلٍ أو لَمْسٍ أو استمناءٍ أو مُباشَرَةٍ دون الفرج.

“خروج المني” يعني: كأنه قال: عمدًا، خروج المني عمدًا، والذي هو الاستمناء: إما “بتقبيلٍ” قَبَّلَ فأنزل، “أو لمسٍ” لَمَسَ فأنزل، أو بأن استمنى فأنزل، “أو مُباشَرَةٍ دون الفرج” فأنزل، فهذا يَفْسُد صومُه باتِّفاق العلماء؛ لقول النبي : قال الله ​​​​​​​: كلُّ عمل ابن آدم له يُضَاعَف: الحسنة عشرة أمثالها إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به، يَدَعُ شهوته وطعامه من أجلي [16].

فقوله: يَدَعُ شهوته دليلٌ على أنه إذا لم يَدَعْ شهوته فإنه يُفْسِد صومه، فالاستمناء بتعمُّد إخراج المني مُفْسِدٌ للصوم.

هل خروج المَذْي يُفْسِد الصوم؟

أما المَذْي فقد اختلف العلماء فيه: هل يُفْسِد الصوم أم لا؟

على قولين مشهورين:

  • القول الأول -وهو المشهور من مذهب الحنابلة وهو أيضًا قول الشافعية-: أن الصومَ يَفْسُد بخروج المَذْي -المَذْي بالذال- قياسًا على المني؛ ولحديث: يَدَعُ شهوته وطعامه من أجلي قالوا: وهذا لم يَدَعْ شهوته.
  • والقول الثاني في المسألة: أن خروج المَذْي لا يُفْسِد الصوم، وهذا مذهب الحنفية والمالكية، قالوا: لأنه لا دليل يدل على أن المَذْي يُفْسِد الصوم، والأصل صحة الصوم؛ ولما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي كان يُقَبِّل وهو صائمٌ، ويُبَاشِر وهو صائمٌ [17]، والتَّقبيل والمُباشرة مَظِنةٌ لخروج المَذْي.

واختار هذا القول أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى، وهذا هو القول الراجح -والله أعلم-: أن المَذْي لا يُفْسِد الصوم.

وأما حديث: يَدَعُ شهوته فالمقصود بذلك الجِمَاع وما يتعلق به؛ ولأن تقبيل النبي ومُباشرته دليلٌ على أن خروج المَذْي لا يُفْسِد الصوم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام فَعَلَه، ونقله أزواجُه للأمة، وهذا يدل على جواز القُبْلَة من الصائم، والمُباشَرة كذلك لمَن كان يَمْلِك إِرْبَه ويَأْمَن من أن يقع في المُحرَّم من الجِمَاع أو الإنزال.

ومعلومٌ أن القُبْلَة والمُباشَرة مَظِنَّةٌ لخروج المَذْي، فلو كان خروج المَذْي يُفْسِد الصوم لَبَيَّنَ ذلك النبيُّ للأمة بيانًا واضحًا؛ ولهذا فالصواب أن خروج المَذْي -بالذال- لا يُفْسِد الصوم.

وقياس المَذْي على المني قياسٌ مع الفارق؛ لأن بينهما فرقًا كبيرًا، فإن خروج المني مُوجِبٌ للغُسْل، بينما خروج المَذْي لا يُوجب الغُسْل، والمني طاهرٌ، والمَذْي نجسٌ، وإن كانت نجاسته مُخفَّفةً، فبينهما فرقٌ كبيرٌ؛ ولذلك لا يصح قياس المَذْي على المني.

قال:

الثاني عشر: كل ما وصل إلى الجوف أو الحَلْق أو الدماغ من مائعٍ وغيره.

فيشمل ذلك الأكل والشرب، وهذا بالإجماع؛ لقول الله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187].

وكذلك أيضًا: كل ما وصل إلى الجوف أو الحَلْق أو الدماغ من غير الأكل والشرب.

أما بالنسبة لما وصل إلى الحَلْق فلحديث لَقِيط بن صَبِرَة : أن النبيَّ قال: وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا [18]، فدلَّ هذا الحديث على أن وصول الماء إلى الحَلْق عن طريق الأنف يُفْسِد الصوم؛ ولهذا نُهِيَ الصائم عن المُبالغة في الاستنشاق.

وعلى هذا فقطرة الأنف إذا وصلتْ إلى الحَلْق فَحُكْمُها أنها تُفْسِد الصوم.

قطرة الأنف إذا كان ماء القطرة يصل إلى الحَلْق فإنها تُفْسِد الصوم؛ لأنه لا فرق بين وصول ماء الوضوء أو قطرة الأنف، هذا إذا وصل إلى الحَلْق عن طريق الفم أو الأنف.

هل قطرة العين وقطرة الأذن تُفْسِدَان الصوم؟

أما إذا وصل إلى الحَلْق عن طريق العين أو الأذن، ومن ذلك: قطرة العين وقطرة الأذن، فهل تُفْسِد الصوم أم لا؟

المذهب عند الحنابلة أنها تُفْسِد الصوم.

والقول الثاني في المسألة: أنها لا تُفْسِد الصوم، حتى لو وَجَدَ طعمَها في حَلْقِه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الأقرب؛ وذلك لأن العين والأذن ليستا منفذًا مُعتادًا للأكل والشرب، بينما الأنف منفذٌ للأكل والشرب؛ ولذلك فالمريض عندما يتعذَّر إعطاؤه الطعام عن طريق فمه، فإنه يُعْطَى عن طريق أنفه.

ولهذا في الوقت الحاضر عندما تُوضَع مُغَذِّيَاتٌ على المريض، ولم يكن من الممكن أن يُعْطَى الطعام عن طريق الفم، فإنه يُعْطَى عن طريق أنفه، فالأنف مَنْفَذٌ للجوف، ويُمكن أن يُعْطَى الطعام أو الشراب عن طريق أنفه، بينما العين والأذن ليستا منفذًا مُعتادًا للجوف.

فإن قال قائلٌ: إن الإنسان أحيانًا يضع القطرة في عينه فيجد طعمَها في حَلْقِه؟

فنحن نقول: هذا صحيحٌ، لكنها ليست بمنفذٍ مُعتادٍ؛ ولذلك فإنها لا تُفَطِّر الصائم، وإن كان الأحوط بلا شكٍّ هو تأجيلها إلى الليل.

ثم فصَّل المؤلف بعد ذلك في هذا فقال:

فَيُفْطِر إن قَطَّر في أذنه ما وصل إلى دماغه.

يعني: المؤلف يرى أن قَطْرَة الأذن تُفَطِّر الصائم إذا وصلتْ إلى الدماغ، وكذلك إذا وصلتْ إلى الحَلْق من باب أولى.

أو داوى الجائفة.

والجائفة هي الطعنة التي تنفذ إلى الجوف، فإذا وُضِعَ فيها دواءٌ وهي تنفذ إلى الجوف فَتُفَطِّر الصائم إذا وصلتْ إلى جوفه؛ ولهذا قال:

أو داوى الجائفة فوصل إلى جوفه.

والقول الثاني في المسألة: أن هذا لا يُفَطِّر الصائم؛ لأنه ليس أكلًا ولا شُربًا، ولا بمعنى الأكل والشرب، حتى وإن وصل إلى الجوف عن طريق الجائفة، فالجائفة طعنةٌ، إذا طعنه فوصلت الطعنة إلى الجوف فهي تُسَمَّى: جائفةً، وكانوا في السابق يضعون الدواء فيها مُباشرةً.

هل الكحل يُفْسِد الصوم؟

قال:

أو اكتحل بما عَلِمَ وصوله إلى حَلْقِه.

فإذا اكتحل ووصل طَعْمُ الكُحْل إلى الجوف فالمذهب عند الحنابلة أنه يُفَطِّر الصائم.

وقد رُوِيَتْ في الكُحْل عدة أحاديث عن النبي ؛ فَرُوِيَ أنه عليه الصلاة والسلام أمر بالإثمد المُرَوَّح، وقال: لِيَتَّقِهِ الصائم [19]، وأيضًا رُوِيَ نَهْيُ النبي عن الكُحْل للصائم [20]، لكن جميع الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفةٌ؛ ولهذا قال الترمذي: “لا يصح في هذا الباب شيءٌ”.

ولهذا فالصواب: أن الكحل لا يُفْسِد الصوم، حتى لو وَجَدَ طَعْمَه في حَلْقه، ولكن الأولى إذا كان الكحل له نفوذٌ أن يجتنبه الصائم؛ ولهذا قال الإمام أحمد: حدثني إنسانٌ أنه اكتحل بالليل فَتَنَخَّعَه بالنهار.

وهذا دليلٌ على أن الكحل أحيانًا يكون له نفوذٌ قويٌّ إلى الحَلْق؛ ولهذا لو تَنَخَّعَه ما يضر، لكن لو أنه اكتحل ثم وصل الكحل إلى جوفه فالصحيح أنه لا يُفْسِد الصوم، لكن الأولى إذا كان الكحل له نفوذٌ ألا يفعل ذلك وهو صائمٌ.

أو مَضَغَ عِلْكًا، أو ذاق طعامًا ووجد الطعم بِحَلْقِه.

أما إذا لم يجد الطعم في حلقه فإن ذلك لا يُفْسِد صومه، لكن لو وجد الطعم بحلقه: “مَضَغَ عِلْكًا أو ذاق طعامًا” فوجد الطعم بحلقه، وكان ذلك باختياره؛ فإنه يفسد صومه.

أما لو أنه ذاق الطعام ثم لَفَظَه، لكنه وجد بعد ذلك أثر الطعم في حلقه، فإن صومه صحيحٌ، وهذا القدر معفوٌّ عنه، فهو أشبه بمُلُوحة الماء التي يجدها الصائم بعدما يتمضمض، فإن الصائم إذا تمضمض يبقى لملوحة الماء أثرٌ في فمه، فتختلط ملوحة الماء بالريق، فيبتلعه الصائم، فهذا معفوٌّ عنه بالإجماع.

فكذلك أيضًا إذا ذاق طعامًا ثم لَفَظَه، وبقي أثرُه في فَمِه؛ فإن ذلك لا يضر، لكن لو أنه تعمَّد بَلْعَه فوجد طعمه في حلقه فسد صومه.

وهكذا أيضًا إذا مَضَغَ عِلْكًا ووجد طَعْمَه في حَلْقِه مُتعمِّدًا مُختارًا فسد صومه.

أو بَلَعَ رِيقَه بعد أن وصل إلى بين شفتيه.

 بَلْعُ الرِّيق فصَّل فيه المُؤلف الكلامَ؛ ولذلك نُؤجِّل الكلامَ عن هذه المسألة إلى آخر فصلٍ، وسيأتي الكلام عن بَلْع الرِّيق.

قال:

ولا يُفْطِر إن فعل شيئًا من جميع المُفَطِّرات ناسيًا أو مُكْرَهًا.

وذلك لحديث أبي هريرة : أن النبي قال: مَن نسي وهو صائمٌ فأكل أو شرب فَلْيُتِمَّ صومَه، فإنما أطعمه اللهُ وسقاه متفقٌ عليه [21]، وفي رواية الحاكم: فلا قضاء عليه ولا كفَّارة [22]، فَنَصَّ على الأكل والشرب، وقِيسَ عليه الباقي.

وأما المُكْرَه فيُقاس على مَن ذَرَعَه القيء المذكور في قول النبي : مَن ذَرَعَه القيء فليس عليه قضاء، ومَن استَقَاء فَلْيَقْضِ [23]، ومعلومٌ أن مَن ذَرَعَه القيء هو في حُكْم المُكْرَه، فكذلك أيضًا مَن أُكْرِهَ على فِعْل مُفَطِّرٍ من هذه المُفَطِّرات، فإن صومَه صحيحٌ.

ولا إن دخل الغُبار حَلْقَه أو الذُّباب بغير قَصْدِه.

أي: فصومه صحيحٌ؛ وذلك لأنه لا يُمكن التَّحرز منه، ولا يدخل تحت الوُسْع، ولا يُكلِّف اللهُ نفسًا إلا وُسْعَها، فالشيء الذي يكون بغير اختيار الإنسان لا يُفْسِد الصومَ، فصومه صحيحٌ.

ولا إن جَمَعَ رِيقَه فابتلعه.

أولًا: بَلْعُ الرِّيق لا يُفَطِّر الصائم، وقد حُكِيَ إجماعًا، لكن قالوا: يُكْرَه أن يجمع رِيقَه فيبتلعه، يُكْرَه، مُجرد كراهةٍ.

هل بَلْع الرِّيق يُفْسِد الصوم؟

نعود للمسألة التي أجَّلنا الكلامَ عنها:

بعض العلماء يرون أنه إذا بَلَعَ رِيقَه بعد أن وصل إلى ما بين شفتيه فإنه يَفْسُد صومُه، والصحيح في هذا كلِّه أنَّ بَلْعَ الرِّيق لا يُفْسِد الصومَ؛ لأنه لا دليل يدل على ذلك؛ ولأن العلماء قد أجمعوا على أن بَلْعَ الرِّيق لا يُفْسِد الصومَ حتى لو تعمَّد بَلْعَه، فغاية ما فيه أنه مكروهٌ.

ولكن المسألة التي اختلفوا فيها: إذا وصل الرِّيق إلى ما بين شفتيه ثم ابتلعه، فالصحيح أنه لا يفسد صومه؛ لأن ذلك ليس أكلًا ولا شُربًا، ولا بمعنى الأكل والشرب.

مناط التَّفطير ما هو؟ هل هو الوصول إلى الجوف؟

ناقش هذه المسألةَ شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وبيَّن أن الضابط في التَّفطير ليس الوصول إلى الجوف، فليس كلُّ ما وصل إلى الجوف يكون مُفْسِدًا للصوم، وأن المناطَ أو الحكم في التَّفطير هو المنصوص عليه وما في معناه.

فأصول المُفَطِّرات هي: الأكل، والشُّرب، والجِمَاع، وخروج الدَّمِ: خروج دم الحيض والنفاس، وخروج الدم بالحجامة، وما في معناها -في معنى هذه الأمور المنصوص عليها- وما عدا ذلك مما يذكر بعض الفقهاء أنه يُفَطِّر فالأصل عدم التَّفطير، والأصل هو صحة الصيام؛ ولذلك إذا اختلف العلماء في: هل هذا مُفَطِّرٌ أم لا؟ نرجع للأصل، فالأصل هو صحة الصوم، ومَن قال: إنه مُفَطِّرٌ، فعليه الدليل، فإن أتى بدليلٍ يدل على التَّفطير وإلا فنرجع للأصل، فالأصل هو صحة الصيام، والأصل هو تصحيح عبادة المسلمين ما أمكن.

يعني: هذا من حيث التَّأصيل في المسألة؛ ولذلك لو اختلف اثنان في مُفَطِّرٍ، فقال أحدهما: إن هذا يُفَطِّر. والآخر قال: إنه لا يُفَطِّر. فالذي يُطالب بالدليل الذي قال: إنه يُفَطِّر؛ لأن الأصل صحة الصيام، فهذا المسلم قد أمسك بنية الصوم، فالأصل أن صومه صحيحٌ، ودعوى أن هذا مُفَطِّرٌ تحتاج إلى دليلٍ، فلا بد أن يكون منصوصًا عليه، أو في معنى المنصوص عليه.

حكم استعمال بَخَّاخ الربو للصائم

استعمال بَخَّاخ الربو هل يُفطر الصائم أم لا؟

طالب: …….

الشيخ: نعم، بَخَّاخ الربو الصحيح أنه لا يُفطر الصائم؛ لأن -أولًا- معظمه يذهب إلى الرئة، ولا يذهب إلى المعدة، وإن كان يذهب إلى المعدة شيءٌ يسيرٌ، فالقدر الذي يذهب إلى المعدة شيءٌ يسيرٌ جدًّا، هو أقلُّ مما يذهب إلى المعدة من ملوحة الماء التي تبقى بعد المضمضة في الوضوء، فالشيء اليسير جدًّا معفوٌّ عنه، كما ذكرنا في ملوحة الماء في المضمضة في الوضوء: أنه معفوٌّ عنه بالإجماع.

فكذلك أيضًا هذا الشيء اليسير الذي يذهب إلى المعدة من بَخَّاخ الربو معفوٌّ عنه؛ ولذلك نقول في بَخَّاخ الربو: لا يُفطر الصائم، والصوم معه صحيحٌ، لكن هناك أنواعٌ، يعني: استجدَّتْ أنواعٌ أخرى من أنواع علاج الربو، فبعض ما يُعالَج به الربو يكون على شكل كبسولاتٍ تُوضع في الفم، ثم تنفجر ويختلط الدقيق بالريق، ثم يبلعه؛ فهذا يُفطر الصائم، لكن الكلام في البَخَّاخ المعروف الذي له مجرد هواء أو رذاذ، فهذا لا يُفطر الصائم.

أما الأقراص التي تكون تحت اللسان، والتي يستعملها المُصابون بالأزمات القلبية، فهل تُفطر الصائم؟

طالب: …….

الشيخ: نعم؛ لماذا؟

على أصول المذهب عند الحنابلة: أنها تُفطر، لكن على قاعدة شيخ الإسلام: لا تُفَطِّر؛ لأنها ليست أكلًا، ولا شُربًا، ولا بمعنى الأكل والشرب، فهي أشبه بالحُقَن التي تُؤخذ عن طريق الدُّبر -مثلًا- فهذه الصحيح أنها لا تُفطِّر، كما ذكرنا: الأصل صحة الصوم؛ ولذلك فالصواب أنها لا تُفطِّر.

أما لاصقات (النيكوتين) فالمُدمنون على شُرب التدخين لا يستطيعون الإقلاع عنه مرةً واحدةً، وإنما يكون ذلك بالتَّدريج، فيستخدمون معه لاصقات (النيكوتين) يعني: مادةً فيها (النيكوتين) تُوضَع على الجلد؛ لأجل أن يُقلع عن التدخين شيئًا فشيئًا، وهذه اللاصقات فيها (النيكوتين) يعني: مادةً مُركزةً، ويمتصها الجلد، فهل هذه تُفطر؟

طالب: …….

الشيخ: نعم، هي فيها الخلاف الذي أشرنا إليه: على أصول المذهب أنها تُفطِّر، وعلى قاعدة شيخ الإسلام: أنها لا تُفطر.

واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أصدرتْ فتوى بأنها تُفطر، قالوا: لأن الدم يمتصها، يعني: عن طريق الجلد وتذهب للدم.

لكن على القاعدة التي قررها شيخ الإسلام: لا تُفطر، وهذا هو الصحيح؛ لأنها ليست أكلًا، ولا شُربًا، ولا بمعنى الأكل والشرب، فالصواب إذن أنها لا تُفطر.

هل بقيتْ أشياء من المُفَطِّرات المُعاصرة؟

حكم غسيل الكُلَى للصائم

غسيل الكُلَى على نوعين:

  • غسيل الكُلَى المعتاد الذي يكون معه استخراج الدم وتنقيته ثم إعادته للجسم، وهي الطريقة المشهورة المعروفة، وهذه تُفطر الصائم، وتُفسد الصوم، وصدرتْ فيها فتوى من اللجنة الدائمة برئاسة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله؛ وذلك لأنه عندما يُراد غسيل الدم تُضاف له سُكريات وأملاح ونحو ذلك؛ ولذلك نجد أن من تُغْسَل كُلْيَتَاه يرتفع عنده مستوى السكر، ويجد نشاطًا وخِفَّةً، فهو إذن يُفطر الصائم.
  • القسم الثاني: الغسيل (البريتوني)، وهو نوعٌ من الغسيل عن طريق غشاء البطن، حيث يُوضع مُرَشِّحٌ عن طريق غشاء البطن، ويمتص ما في الدم من شوائب، وله طريقةٌ يعرفها أهل الاختصاص.
    الغسيل (البريتوني) اختلف فيه العلماء المعاصرون: هل يُفطر أم لا؟
    فمنهم مَن قال: إنه لا يُفطر؛ لأنه ليس في معنى الغسيل العادي بالأجهزة المعروفة.
    ومنهم مَن قال: إنه يُفطر.
    والحقيقة أننا إذا وجدنا أن الذي يغسل غسيلًا (بريتونيًّا) يجد خِفَّةً ونشاطًا، ويرتفع عنده مستوى السكر، فنجد أن له أثرًا عليه، وهذا دليلٌ على أنه قد استفاد من هذا الغسيل، وربما تنفذ إليه فيتامينات وسُكريات وأملاح عن طريق هذا الغسيل.
    ولهذا فالأقرب أيضًا أنه يُفطر الصائم، وأنه يفسد به الصوم؛ ولذلك فمَن احتاج للغسيل بنوعيه فإنه يفعل ولا حرج عليه، ويقضي بعد رمضان إن استطاع أن يقضي، فإن لم يستطع فيلزمه القضاء.

هل البخور يُفْسِد الصوم؟

أما بالنسبة للبخور، فهل يُفطر الصائم؟

البخور لا يُفطر الصائم، لكن بعض أهل العلم كَرِهَ أن يتعمَّد الصائم استنشاق البخور، قال: يُخْشَى أن يكون له جُرْمٌ فيذهب للمعدة، لكنه ليس أكلًا، ولا شُربًا، ولا بمعنى الأكل والشرب؛ ولأن القدر الذي يذهب إلى المعدة قليلٌ.

أما شُرب الدخان نفسه -يعني: هذا المُزَوَّد بـ(النيكوتين)- فالذي يظهر أنه يُفطر الصائم؛ وذلك لأن نسبة (النيكوتين) فيه مُركَّزةٌ، وهو كثيرٌ، وله جُرْمٌ؛ ولذلك يكون له أثرٌ على الجوف والمعدة، فالأقرب -والله أعلم- أن شُرب الدخان يُفطر الصائم.

وقد يقول قائلٌ: لماذا فرَّقتم بين شُرب الدخان والبخور؟

نقول: لأن شُرب الدخان مُركَّزٌ تركيزًا ظاهرًا، ويشتمل على مادة (النيكوتين)، وربما مواد أخرى، بينما البخور مجرد دخانٍ، فهو ليس مُركَّزًا، ليس مادةً مُركَّزةً يستنشقها الصائم، وإنما هو دخانٌ؛ فلذلك الأصل صحة الصوم؛ ولذلك فإنه لا يفسد صومه بذلك.

طالب: …….

الشيخ: وهي.

طالب: …….

الشيخ: يغلب.

طالب: …….

الشيخ: تحتاج إلى تأملٍ، لكن الأحسن هو ما قاله شيخ الإسلام: أنها المنصوص عليها وما في معناها. هذه قاعدةٌ مُطَّردةٌ: المنصوص عليه وما في معناه. فالأكل وما في معناه، والشرب وما في معناه، والحجامة وما في معناها. يعني: كل ما كان منصوصًا عليه، وما كان في معناه، فهذا هو الأقرب، أما ما ذكرتَ فيحتاج إلى تأملٍ ونظرٍ.

طالب: …….

الشيخ: أما بالنسبة للإبر، فإن كانت مُغذيةً فلا شكَّ أنها تُفطر الصائم؛ لأنها تقوم مقام الطعام والشراب، أما إذا كانت غير مُغذيةٍ فإنها لا تُفطر الصائم؛ لأنها ليست بأكلٍ، ولا شربٍ، ولا بمعنى الأكل والشرب، لكن على قياس المذهب.

طالب: تُفطر.

الشيخ: تُفطر الصائم؛ لأن كلَّ ما نفذ إلى الجوف يُفطِّر الصائم، لكن على القول الراجح على قاعدة شيخ الإسلام: أنها لا تُفطِّر الصائم.

طالب: …….

الشيخ: أما بالنسبة لبخار (الأوكسجين) فهو كبَخَّاخ الربو لا يُفطِّر الصائم؛ للعلة التي ذكرناها في بَخَّاخ الربو.

وأما المنظار: فالمنظار لا يُفطِّر الصائم إلا إذا كان قد دُهِنَ بدهنٍ ونحوه فإنه يُفطِّر الصائم؛ لأنه أحيانًا المناظير تُدْهَن بدهونٍ، وعندما تنفذ إلى الجوف يَعْلَق هذا الدهن بالجوف، فهنا يحصل التَّفطير بهذا الدّهن، لكن لو كانت من غير دهنٍ فلا تُفطِّر الصائم.

طالب: …….

الشيخ: ليس أكلًا، ولا شربًا، ولا بمعنى الأكل والشرب، على القاعدة التي رجَّحناها.

طالب: …….

الشيخ: لا يُفطر الصائم إلا إذا كان دهنًا، فإذا كان دهنًا فهذا بمعنى الأكل، غايته لو تناول دهنًا ألا يُفْطِر؟ فهذه مثلها.

طالب: …….

الشيخ: تسبَّب في القيء، يعني: هو إذا كان تسبَّب وهو لم يعلم به من قبل فلا يفسد صومه، أما إذا كان يعلم بأن استخدام هذا المنظار سوف يحصل له معه قَيْءٌ فهنا يفسد صومه، وعليه القضاء، لكن إذا احتاج إلى المنظار فَعَلَه، وعليه القضاء.

طالب: …….

الشيخ: نعم، لكن البَخَّاخ هذا يذهب للرئة، ولا يذهب للمعدة، وقد يذهب للمعدة شيءٌ، لكنه شيءٌ يسيرٌ جدًّا يُعْفَى عنه.

طالب: …….

الشيخ: هل الصحيح أيش؟

طالب: …….

الشيخ: الصحيح أنه لا يُفطر؛ ولذلك لو قلنا: وطأ حنظلةً فوجد طعمها في دماغه، فإنه لا يُفطر، فلا يُفطر إلا بالمنصوص الذي ذكرناه وما كان في معناه.

هل بقي شيءٌ من المُفَطِّرات المُعاصرة لم نذكره؟

الذي عنده شيءٌ يذكره الآن.

طالب: المقصود بالعِلْك.

الشيخ: طبعًا العِلْك الذي يتكلم عنه الفقهاء غير العِلْك الموجود الآن، هو الذي يُسمونه: اللبان بدون طَعْمٍ، فإذا كان مجرد عِلْكٍ ولا يجد طَعْمَه في حَلْقِه، فغاية ما فيه أنه مكروهٌ، لكن لو استخدم عِلْكًا له طَعْمٌ، فوجد طعمه في حلقه؛ فيفسد به الصوم، فهو إذن على هذا التَّفصيل.

طالب: …….

الشيخ: فرشاة الأسنان لا تُفطِّر الصائم، حتى لو استخدم المعجون، لكن يجب عليه أن يلفظ المعجون بعد استخدامه، فهو أشبه بالمضمضة، والمضمضة للصائم لا تُفطر الصائم بالإجماع.

طالب: …….

الشيخ: خلع السنِّ أيضًا لا يُفطر الصائم، لكن مع ملاحظة: أن ما يخرج منه من الدم ونحوه يجب عليه أن يَلْفِظَه، فإذا كان يلفظ ما يخرج منه مما يُصاحب القَلْعَ فصومه صحيحٌ، الأصل أن صومه صحيحٌ، والدم الذي يخرج مع قَلْع الضّرس الغالب أنه دمٌ يسيرٌ لا يضرّ، وكما ذكرنا في القاعدة: أن الدم اليسير لا يُفسد الصوم، إنما الذي يُفْسِد الصومَ الدمُ الكثير الذي في معنى دَمِ الحجامة.

نريد -يا إخوان- أولّ شيءٍ أن نُركز على هذا: هل هناك مُفَطِّرات مُعاصرة لم نذكرها؟

طالب: …….

الشيخ: كيف؟

طالب: …….

الشيخ: اللاصقات، لاصقات منع الحمل ليس لها أثرٌ أو علاقةٌ بالصوم، لكن أثرها بالنسبة للطهارة، وأيضًا أثرها بالنسبة للغُسْل: الغُسْل من الحيض، أو الغُسْل من الجنابة، فهنا يأتي الإشكال.

هذه اللاصقات يقولون: إنها لو نُزِعَتْ أثناء الغُسْل بطل مفعولها، فلا بد أن تستمرَّ.

والذي يظهر -والله أعلم- أن حكمها حكم الجبيرة، وأنه يجوز استخدامها، وتَمْسَح عليها المرأةُ أثناء الغُسْل.

طيب، يا إخوة، حتى ننتهي من الدرس، هل بقي شيءٌ من المُفَطِّرات المعاصرة؟

طالب: (البنج).

الشيخ: (البنج) لا يُفَطِّر الصائم إلا إذا أُغمي عليه، وتكلمنا عن مسألة الإغماء في الدرس السابق، فماذا قلنا بالنسبة لأثر الإغماء على الصوم؟

نريد أن نستذكر ما قلناه في الدرس السابق، الذي كان معنا، ما أثر الإغماء على الصوم؟

طالب: …….

الشيخ: لكن هل الإغماء يُفْسِد الصوم أو لا يُفسده؟

فصَّلنا الكلام فيه.

طالب: …….

الشيخ: نعم، إن أُغمي عليه جميع النهار ولم يُفِقْ جزءًا منه يلزمه القضاء، وإن أفاق جزءًا من النهار؟

طالب: …….

الشيخ: نعم، أحسنتَ، إن أفاق جزءًا من النهار ولو كان شيئًا يسيرًا فإن صومه صحيحٌ، ومثل ذلك يُقال بالنسبة لمسألة (البنج).

هل بقي شيءٌ من المُفَطِّرات المعاصرة؟

طالب: السواك المُعطَّر.

الشيخ: السواك المُعطَّر فيه إشكالٌ في الحقيقة؛ لأن السواك المُعطَّر إذا كان سَيَلْفِظُ رِيقَه بعد سواكه فلا حرج عليه، فهو كالمعجون -كمعجون الأسنان- أما إذا كان سيبتلع الريق بعد تنظيف الأسنان بالسواك المُعطَّر فهنا يفسد صومه؛ لأن هذا العطر مادةٌ لها طعمٌ، وتُشبه بعض المأكولات أو المشروبات من بعض الوجوه؛ ولذلك فإنه يَفْسُد الصوم به؛ ولهذا فمَن أراد أن يَسْتَاكَ فَلْيَسْتَكْ بالسواك غير المُعطَّر، أو يَسْتَاك بالسواك المُعطَّر مع لَفْظِ رِيقِه وعدم ابتلاعه.

طيب، هل بقي شيءٌ؟

طالب: …….

الشيخ: بَخَّاخ تغيير رائحة الفم لا حرج فيه؛ لأنه مجرد رذاذ، فهو أشبه بِبَخَّاخ الربو، والذي يظهر أنه لا شيء فيه، وإن كان الأولى اجتنابه، لكن نحن نتكلم عن حكم المسألة: أنه لا يفسد الصوم.

طالب: …….

الشيخ: لا، خَلُّونا أول شيءٍ ننتهي من المُفَطِّرات المُعاصرة، هل بقي منها شيءٌ؟

طالب: …….

الشيخ: إبر (الأنسولين) على القاعدة التي ذكرناها ماذا نقول فيها؟

نحن قلنا: الإبر إذا كانت مُغذيةً فإنها تُفْسِد الصوم، وإذا كانت غير مُغذيةٍ فإنها لا تُفْسِد الصوم.

فعلى قياس المذهب: تُفْسِد الصوم، وعلى قاعدة شيخ الإسلام: الصوم معها صحيحٌ، والراجح هو القول الثاني.

وبناءً على ذلك نقول: لا حرج في استعمالها، إن شاء الله.

طيب، هل بقي شيءٌ من المُفَطِّرات؟

طالب: حقن الدم.

الشيخ: حقن الدم، نعم، تُفْسِد الصوم؛ لأن الدم هو غاية الغذاء؛ ولذلك فإن حقن الدم تُفْسِد الصوم.

فلو افترضنا -مثلًا- أن أحدًا احتاج إلى أن يُحْقَن بدمٍ، فَيُحْقَن بدمٍ، لكنه يقضي ذلك اليوم.

هل بقي شيءٌ من المُفَطِّرات؟

طالب: …….

الشيخ: لكن بَخَّاخ تغيير رائحة الفم -يعني- هل تُوافقون زميلكم؛ يقول: فيه طعمٌ؟

طالب: …….

الشيخ: نعم، إذا كان فيه طعمٌ فعلى القاعدة إذن: لا بد أن يَلْفِظَه، فيستخدمه ويَلْفِظ الرِّيق، فإنَّ بَلْعَه يُفَطِّر الصائم، وهو كالمعجون، وأيضًا كالسواك المُعطَّر، فهو على القاعدة، فعلينا أن نضبط الأصول والقواعد، وإذا ضبطنا الأصول والقواعد نستطيع أن نعرف حُكْمَ أيِّ مسألةٍ.

هل بقي شيءٌ من المُفَطِّرات؟

طالب: …….

الشيخ: الإبر ذكرنا فيها قاعدةً: جميع الإبر لا تُفَطِّر إلا الإبر المُغذية، على القاعدة التي رجَّحناها: جميع الإبر غير المُغذية إلا الإبر المُغذية.

نكتفي بهذا القدر، ونُجيب عما تيسر من الأسئلة.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1, ^10, ^23 رواه الترمذي: 720، وأحمد: 10463.
^2, ^8 رواه البخاري: 304، ومسلم: 80.
^3 رواه مسلم: 1114.
^4 رواه البخاري: 1946، ومسلم: 1115.
^5 رواه مسلم: 1121.
^6 رواه البخاري: 1945، ومسلم: 1122.
^7 رواه أبو داود: 2412، وأحمد: 27233.
^9 رواه مسلم: 1631.
^11 رواه أبو داود: 2367، وابن ماجه: 1680، وأحمد: 22371.
^12 رواه البخاري: 1938.
^13 رواه البخاري: 5700، ومسلم: 1202.
^14 رواه أبو داود: 2149، والترمذي: 2777، وأحمد: 22991.
^15 رواه البخاري: 5269، ومسلم: 127.
^16 رواه البخاري: 5927، ومسلم: 1151.
^17 رواه البخاري: 1927، ومسلم: 1106.
^18 رواه أبو داود: 142، والترمذي: 788 وقال: حسنٌ صحيحٌ.
^19 رواه أبو داود: 2377.
^20 رواه الدارمي في “مسنده”: 1774، والبيهقي في “السنن الكبرى”: 8260.
^21 رواه البخاري: 1933، ومسلم: 1155.
^22 رواه الحاكم في “المستدرك”: 1569.
zh