عناصر المادة
طيب، ننتقل بعد ذلك إلى درسنا، وكنا قد انتهينا من كتاب الحج، ووعدنا بأن نعود إلى كتاب الصيام، وأيضًا أكملنا كتاب الزكاة في الدرسين الماضيين، ووقفنا عند كتاب الصيام.
تعريف الصيام
أولًا: نبدأ بتعريف الصيام:
الصيام لغةً: مجرد الإمساك؛ ومنه قول الله تعالى عن مريم عليها السلام، قالت: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا [مريم:26]؛ فقولها: صَوْمًا يعني: إمساكًا عن الكلام؛ يقال: “صام النهار” إذا وقف سير الشمس؛ ومنه قول الشاعر:
خَيْلٌ صِيَامٌ وخَيْلٌ غيرُ صائمةٍ | تحت العِجَاج وأخرى تَعْلُكُ اللُّجُمَ |
“خَيْلٌ صِيَامٌ”؛ يعني: مُمسِكة عن الصَّهِيل.
تعريفه شرعًا: التعبد لله تعالى بالإمساك عن الأكل والشرب وسائر المُفَطِّرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
مراحل فرضية الصيام
وقد فُرض صيام شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وصام رسول الله تسع رمضانات؛ وكان فرضُ الصيام على مراحل:
- المرحلة الأولى: فرضُ صيام عاشوراء -كما أشرنا لهذه-.
- المرحلة الثانية: فرضُ صيام رمضان مع التخيير بين الصيام والإطعام؛ كما في قول الله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ [البقرة:184].
- المرحلة الثالثة: فرضُ صيام رمضان على التعيين؛ لقول الله تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185].
متى يجب صيام رمضان؟
قال:
يجب صوم رمضان برؤية هلاله على جميع الناس.
وهذا بإجماع المسلمين؛ لقول الله تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]، ولقول النبي : صوموا لرؤيته، وأفطِروا لرؤيته[1]. فيجب إذَن صيام رمضان برؤية هلال شهر رمضان ليلة الثلاثين من شعبان، فإن لم يُرَ هلال شهر رمضان فتُكمَل العِدة ثلاثين من شعبان.
حُكم صوم يوم الشك
ولكن المؤلف له تفصيل في هذه المسألة؛ قال:
وعلى مَن حال دونهم ودون مَطْلَعِه غَيْمٌ أو قَتَرٌ ليلةَ الثلاثين من شعبان؛ احتياطًا بنية رمضان.
“وعلى” يعني: يَجِب.
“وعلى مَن حال دونهم ودون مَطْلَعِه غَيْمٌ أو قَتَرٌ ليلةَ الثلاثين من شعبان؛ احتياطًا” يعني: يَجِب عليهم الصومُ احتياطًا بنية رمضان.
وهذه المسألة من أغرب مسائل الفقه؛ وذلك لأن الأقوال فيها متقابلة، فهنا المؤلف يقول: وجوب صيام ليلة الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غَيْمٌ أو قَتَرٌ؛ وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة عند المتأخرين.
وقوله: “غَيْمٌ أو قَتَرٌ”؛ الغَيْم: يعني السحاب، والقَتَر: جمع قَتَرة، وهي الغبار، ومنه قول الله تعالى: تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ [عبس:41]؛ والفرق بين الغَبَرة والقَتَرة: أن القَتَرة ما ارتفع من الغبار فلحق بالسماء، والغَبَرة ما كان في أسفل الأرض -وإن كان المقصود بها في الآية الظُّلمة-.
هذا هو المذهب عند الأصحاب، ونصروه وصنَّفوا فيه التصانيف، واستدلوا بقول النبي : إنما الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى ترَوْه، ولا تفطروا حتى ترَوْه؛ فإن أُغْمِي عليكم فاقْدُرُوا له[2] متفق عليه. قال نافع: كان عبدالله بن عمر رضي الله عنهما إذا مضى من الشهر تسعة وعشرون، يبعث مَن ينظر له الهلال، فإن رُئي فذاك، وإن لم يُرَ ولم يَحُلْ دون منظره سحابٌ ولا قَتَرٌ أصبح مُفطِرًا، وإن حال دون منظره سحابٌ أو قَتَرٌ أصبح صائمًا[3].
قالوا: فمعنى قوله: فاقْدُرُوا له يعني: ضيِّقوا عليه، وذلك بأن يُجعل شعبان تسعة وعشرين يومًا، قالوا: وقد فسَّره ابن عمر رضي الله عنهما بهذا، وهو الراوي، وهو أعلم بما روى، فيجب الرجوع إلى تفسيره. ولكن هذا الاستدلال محل نظر؛ فإن معنى قوله: فاقْدُرُوا له؛ يعني: احسِبوا له قَدْرَه، فهو من التقدير، احسِبوا له قَدْرَه، وذلك ثلاثون يومًا. ومما يدل لذلك: الرواية الأخرى عن ابن عمر رضي الله عنهما: فإن غُمَّ عليكم فأكمِلوا العِدة ثلاثين[4] وهو في صحيح البخاري، وفي لفظ مسلم: فإن أُغْمِي عليكم فاقْدُرُوا له ثلاثين[5].
وفِعل ابن عمر رضي الله عنهما اجتهادٌ منه، بل خالفه غيره من الصحابة ، ثم إن ابن عمر رضي الله عنهما لم يفعل ذلك على سبيل الوجوب؛ ومما يدل لذلك أنه لم يأمر أهله بهذا، ولو كان يرى الوجوب لَأَمَر أهله. وابن عمر رضي الله عنهما كان له أفعال لم يتابعه عليها بقية الصحابة ؛ فكان يتتبَّع آثارَ النبي ، وكان يغسل داخل عينيه عند غسل وجهه في الوضوء؛ حتى عَمِيَ في آخر حياته، ولم يتابعه الصحابة على هذا. المقصود: أن له اجتهادات لم يوافقه عليها بقية الصحابة .
القول الثاني في المسألة: إنه إذا حال دون رؤية الهلال غَيْمٌ أو قَتَرٌ فهذا هو يوم الشك، وعند الحنابلة: أن يوم الشك هو ليلة الثلاثين من شعبان إذا كان الجو صَحْوًا. ولكن القول الراجح: إن يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا لم يكن الجو صَحْوًا؛ لأنه إذا كان الجو صَحْوًا لم يكن هناك شك، إنما الشك يقع إذا كان الجو ليس بصَحْوٍ؛ فهذا هو الأقرب في تحرير المقصود بيوم الشك.
وعلى هذا يجري الخلاف في حُكم صيام يوم الشك؛ فمن العلماء مَن قال: إنه مكروه، ومنهم مَن قال: إنه مُحرَّم، ومنهم مَن قال: إنه جائزٌ؛ وقد ورد فيه عدة أحاديث عن النبي ، منها: حديث أبي هريرة أن النبي قال: لا تَقَدَّموا رمضانَ بصومِ يومٍ ولا يومين، إلا رجلٌ كان يصوم صومًا فَلْيَصُمْه[6] متفق عليه.
وقول عمار بن ياسر : “مَن صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم “[7] رواه البخاري مُعلَّقًا بصيغة الجزم. وقد رُوي عن بعض الصحابة أنهم كانوا يصومون يوم الشك على سبيل الاحتياط[8]؛ فمِن أهل العلم مَن قال: إنه يجوز صومه ويجوز فطره، ذكر هذا أبو العباس ابن تيمية رحمه الله.
ولكن إذا نظرنا إلى النصوص الواردة؛ فإن الأقرب -والله أعلم- أنه يَحرُم صومه، لأنه في حديث أبي هريرة ورد النهي: لا تَقَدَّموا رمضانَ بصومِ يومٍ ولا يومين…[9] وهو في الصحيحين، وقول عمار : “مَن صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم “[10]؛ وهذا إنما يقتضي التحريم. أما مَن فَعَله من الصحابة فلعله لم يبلغهم النهي في ذلك؛ هذا هو الأظهر والأقرب -والله أعلم-.
وعلى هذا؛ فتكون ليلةُ الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غَيْمٌ أو قَتَرٌ، تكون هذه هي يوم الشك، وعلى المذهب يجب صومُه، وعلى القول الراجح يحرم صومه. وهذا الذي أقول من أغرب المسائل؛ أن قولًا يجب صومه، وقول آخر يحرم صومه!
الطالب: …
الشيخ: وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حقَّق أن الإمام أحمد لم يَقُل بوجوب الصوم، وأن المذهب الصحيح من مذهب أحمد أنه لا يَجب صومُه، وأن هذا إنما قال به المتأخرون من الحنابلة.
لكن على كل حال؛ سواءٌ ثبت أو لم يَثبُت، فالعبرة بالدليل من الكتاب والسنة؛ والله تعالى يقول: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]؛ فإذا ردَدْنا هذه المسألة إلى الكتاب والسنة نجد أن الأحاديثَ ظاهرةُ الدلالة في المنع؛ لا تَقَدَّموا رمضان بصومِ يومٍ ولا يومين…[11]، إذا انتصف شعبان فلا تصوموا[12]، “مَن صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم “[13]. لكن شيخ الإسلام يقول في مجموع الفتاوى: “إن الاحتياط للعبادة ليس منهيًّا عنه”، لكن هذا في غير هذه المسألة، هذه المسألة وردت فيها نصوصٌ خاصة؛ فالأقرب -والله أعلم- هو المنع.
قال:
ويجزئ إن ظهر منه.
معنى هذا الكلام: أي يجزئ إن ظهر أن الثلاثين من شعبان أنه من رمضان، بأن ثَبَتَت الرؤية بموضعٍ آخر؛ وذلك لأن صومه قد وقع بنية رمضان. قال الأثرم: قلت لأحمد: يُعتَدُّ به؟ قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما يَعتَدُّ به.
وتُصلَّى التراويح.
يعني: تلك الليلة؛ أعني: ليلة الثلاثين من شعبان، إذا حال دون رؤية الهلال غَيْمٌ أو قَتَر؛ لحديث: مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تَقَدَّم مِن ذنبه[14]، ولا يتحقق قيامه كله إلا بذلك.
ولا تَثبُت بقية الأحكام كوقوع الطلاق، والعتق، وحلول الأجل.
بقية الأحكام لا تَثبُت كوقوع الطلاق، والعتق، وحلول الأجل المُعلَّق؛ يعني لو قال لزوجته: إذا دخل رمضان فأنتِ طالق، أو قال لمملوكه: إذا دخل رمضان فأنت حُرٌّ، أو قال للمَدين: إذا دخل رمضان فقد حلَّ الدين؛ فيقول المؤلف: إنه لا تَثبُت هذه الأحكام ليلةَ الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غَيْمٌ أو قَتَر؛ عملًا بالأصل، وهو أن الأصل أنه مُتمِّمٌ لشعبان، وإنما قيل بالصوم احتياطًا للعبادة.
وهذا في الحقيقة مما يُضعِف هذا القول، وقد ذكرتُ لكم فيما سبق قاعدةً: أن من علامة القول المرجوح عدمَ اطِّرادِه، وكثرةَ الاستثناءات الواردة عليه، ومن علامة القول الراجح اطِّراده.
لاحِظ أنه لما قالوا بوجوب الصوم رجعوا واستثنوا هذه المسائل؛ فهذا مما يُبيِّن ضَعْفَ هذا القول.
بم تَثبُت رؤية الهلال؟
قال:
وتَثبُت رؤيةُ هلالِه بخبرِ مسلمٍ مُكلَّفٍ عدلٍ، ولو عبدًا أو أنثى.
انتقل المؤلف للكلام عن رؤية الهلال، وأفادنا المؤلف بأنه تَثبُت رؤية هلال شهر رمضان بشهادة شاهدٍ واحدٍ، ثم ذكر أوصافه.
وهذه المسألة اختلف فيها العلماء: هل يَثبُت دخولُ شهر رمضان بشهادة شاهدٍ واحدٍ، أو أنه لا بد من أكثر من شاهد؟
القول الأول: إنه يكفي في دخول شهر رمضان شاهدٌ واحدٌ، وهذا هو المذهب عند الشافعية والحنابلة؛ واستدلوا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: “تراءى الناسُ الهلالَ، فأخبرتُ النبيَّ أني رأيتُه، فصام وأمر الناس بصيامه”[15] رواه أبو داود، وهو حديثٌ صحيحٌ.
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: جاء أعرابي إلى النبي فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله؟، أو قال: أتشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله؟، قال: نعم، قال: يا بلال، أذِّن في الناس فَلْيصوموا غدًا[16] رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ولكن هذا الحديث ضعيف من جهة الإسناد، فالصحيح أنه مُرسَل عن سِمَاك، فهذا الحديث لا يصح، وفي مَتْنِه أيضًا شيءٌ من النَّكَارة، كيف النَّكَارة؟ مَن يُبيِّن؟ هو من جهة الإسناد ضعيف، وأيضًا فيه نَكَارة في المتن.
الطالب: …
الشيخ: يعني كون النبي عليه الصلاة والسلام يعتمد على شهادة أعرابي لا تُعرَف عدالته، ويدَّعِي هذا الأعرابيُّ الرؤيةَ، وبقية الصحابة لا يرونه؛ فهذا أيضًا فيه نَكَارة، على أنه لا يَثبُت سندًا، فهو منكر سندًا ومتنًا وإن كان مشتهرًا.
الطالب: …
الشيخ: على كل حال؛ هو لا يَثبُت، ولا تَثبُت هذه القصة، لكن لا شك أن العدول الثقات إذا لم يروا الهلال وأتى إنسانٌ غير معروف؛ فإن هذا يستدعي الشك في صحة رؤيته.
القول الثاني في المسألة: إنه يُكتفَى برؤية شاهدٍ واحدٍ إذا كان في موضعٍ لا يُعتَنى فيه برؤية الهلال، وإلا فلا بد من اثنين؛ يعني: وإلا إذا كان في موضع يُعتنَى فيه برؤية الهلال فلا بد من شاهدين فأكثر، وهذا هو المذهب عند المالكية.
واستدلوا بعموم حديث عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب أن النبي قال: فإن شهد شاهدان مسلمان؛ فصوموا وأفطِروا[17] رواه النسائي وأحمد، وهو حديثٌ صحيحٌ، وهذا يشمل رمضان وغيره.
القول الثالث في المسألة: إنه يُكتفَى برؤية الواحد إذا كان في السماء علة، فإن كانت صَحْوًا فلا بد من جمعٍ عظيمٍ يغلب على الظن صِدقُهم، وهذا هو مذهب الحنفية؛ قالوا: لأنه إذا كانت السماء صَحْوًا فتفرُّد الشاهد الواحد يُورِث الشك في صحة شهادته، بخلاف ما إذا كانت السماء بها علة، فتقوى شهادة الشاهد الواحد، فيؤخذ بها. وبعض الحنفية يُقيِّدون بعشَرةٍ فأكثر، لكن الصحيح من مذهب الحنفية أنه جمعٌ يغلب على الظن صِدقُهم.
والأقرب -والله أعلم- في هذه المسألة هو القول الثاني، وهو مذهب المالكية: إنه يُكتفَى بواحدٍ إذا كان في موضعٍ لا يُعتنَى فيه برؤية الهلال، أما إذا كان في موضع يُعتنَى فيه برؤية الهلال فلا بد من اثنين؛ وذلك لحديث عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب ، وهو حديث صحيح صريح: فإن شهد شاهدان مسلمان؛ فصوموا وأفطِروا[18]؛ فهذا يشمل رمضان وغير رمضان.
وأما حديث الأعرابي؛ فقلنا: إنه ضعيف لا يَثبُت.
وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما، واكتفاء النبي عليه الصلاة والسلام بشهادته:
أولًا: لم يُنقَل أن النبي اكتفى بشهادة ابن عمر رضي الله عنهما، فيَحتمل أنه شهد معه غيرُه.
ثانيًا: على تقدير أنه اكتفى بشهادته؛ فإنما اكتفى بشهادته لأن ابن عمر رضي الله عنهما معروفٌ بضبطه وورعه الشديد وتَحَرِّيه وتقواه وصدقه، فمثله يُكتفى بشهادته، كما اكتفى النبيُّ بشهادة خزيمة بن ثابت -وهو واحد- عن شهادة اثنين[19]؛ هذا هو الأقرب.
أما إذا كان في موضع يُعتنَى فيه برؤية الهلال، ويأتي إنسان ويتفرد برؤية الهلال، وتُصوَّم أمَّة بأكملها لرؤية هذا الشاهد؛ فهذا محل نظر، خاصةً في وقتنا الحاضر الذي كَثُرت فيه الأوهام من الشهود، وكَثُرت أيضًا فيه العوالق في الأفق، فأصبحت الآن توجد أقمار صناعية وطائرات وأشياء كثيرة في الجو، فربما تَوهَّم الشاهد. ولذلك؛ فإذا كان في موضع يُعتنَى فيه برؤية الهلال كالمملكة مثلًا، لذلك لا بد من شهادة شاهدَين فأكثر، وتتطابَق شهادتهما. هذا هو الأظهر والأقرب -والله أعلم- في هذه المسألة؛ لأن القاعدة في الشريعة: أنه لا بد من شاهدَين، كذلك القصاص والحدود وسائر الشهادات لا بد فيها من شاهدَين، وحديث عبدالرحمن بن زيد يقول: فإن شهد شاهدان مسلمان…[20].
وأما قضايا العِيَان التي أشرنا إليها: حديث الأعرابي ضعيف، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما واقعة عين، وابن عمر معروف بكمال تَحَرِّيه وكمال ضبطه وكمال إتقانه، أَعطِنا ربعًا من ابن عمر نكتفي بشهادته؛ فلا يُستدل بهذا الحديث. ولذلك؛ فالأقرب -والله أعلم- هو مذهب المالكية.
الطالب: …
الشيخ: سيأتي الكلام عن الحساب.
على كل حال؛ مثلًا المملكة يُعتنَى فيها برؤية الهلال، وفي بعض البلدان الناسُ لا يعتنون برؤية الهلال؛ فلو قُدِّر أنه شهد شاهد واحد يُكتفَى بشهادته.
الطالب: …
الشيخ: الصحيح أنه لا يُكتفَى، إلا إذا كان في موضع لا يُعتنَى فيه برؤية الهلال.
الطالب: …
الشيخ: لا، الراجح أنه لا يُكتفَى؛ لأن الغالب عليه الوهمُ إذا انفرد من بين سائر الناس في موضع يُعتنَى فيه برؤية الهلال، فالناس كلهم يبحثون عن الهلال ولم يَرَوْه، ويأتي إنسان يقول: رأيتُه؛ فالغالب على مثل هذا الوهمُ.
طيب، نكمل عبارة المؤلف، ثم نعود للكلام عن الأخذ بحُكم الحساب.
شروط مَن تُقبَل شهادته برؤية الهلال
وهنا ذكر المؤلف شروطًا لمَن تُقبَل شهادته برؤية الهلال:
- الشرط الأول: أن يكون مسلمًا؛ وهذا متفق عليه.
- الشرط الثاني: أن يكون مُكلَّفًا؛ يعني: بالغًا عاقلًا؛ وهو كذلك محل اتفاق.
- الشرط الثالث: أن يكون عدلًا؛ والمقصود بالعدل: مَن قام بالواجبات ولم يفعل كبيرة، وكذلك أيضًا أن يكون غير معروف بالوهم، فإذا كان معروفًا بالوهم والنسيان والخطأ فلا تُقبَل شهادته.
قال: “ولو عبدًا”؛ أي: تُقبل شهادة العبد إذا جمع هذه الأوصاف؛ لأنه إنسان مسلم بالغ عاقل عدل.
“أو أنثى”؛ تُقبل شهادة المرأة كذلك لعموم الأدلة، فلو أن امرأة شهدت برؤية الهلال، فتُقبل شهادتها.
قال:
يعني: إذا ثَبَتَت رؤية الهلال؛ ثَبَتَت بقية الأحكام التي سبقت الإشارة إليها.
قال:
ولا يُقبَل في بقية الشهور إلا رجلان عدلان.
للحديث السابق، وهو حديث عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب ؛ وفيه أن النبي قال: فإن شهد شاهدان مسلمان؛ فصوموا وأفطِروا[21]؛ هذا في غير رمضان، وعلى القول الراجح: في رمضان إذا كان في موضع لا يُعتنَى فيه برؤية الهلال.
حُكم الاعتماد على الحساب الفلكي
من المسائل التي يكثر السؤال عنها: حُكم الاعتماد على الحساب الفلكي في دخول الشهر؛ هذه المسألة تحتاج إلى تحرير.
أولًا: الاعتماد على الحساب الفلكي في الإثبات.
ثانيًا: الاعتماد على الحساب الفلكي في النفي.
المسألة الأولى: الاعتماد على الحساب الفلكي في الإثبات، ومعنى الإثبات؛ أي أن يقدِّر الفلكيون أن الشهر يُمكِن أن يُرَى، فلو لم يتقدم شاهدٌ برؤيته فهل يَثبُت الشهر بموجب الحسابات الفلكية؟ الصحيح أنه لا يَثبُت الشهر بالحساب في هذه الحال؛ إذَن لا يَثبُت الشهر بالحساب الفلكي في الإثبات، وهذا قول عامة العلماء. فمثلًا لو أن الحسابات الفلكية دلَّت على أن شهر شعبان مثلًا سيكون تسعة وعشرين يومًا، ولم يتقدم شاهدٌ يشهد برؤية الهلال، فلا يَثبُت دخول شهر رمضان، ويؤمر الناس بأن يُكمِلوا شعبان ثلاثين يومًا.
المسألة الثانية: الاعتماد على الحساب الفلكي في النفي، ومعنى النفي؛ أي إذا دلَّت الحسابات الفلكية على استحالة رؤية الهلال، فتَقدَّم شهود يشهدون برؤيته؛ فهل تُقبَل شهادتهم، أو تُرَد لأجل نفي الحسابِ إمكانيةَ رؤيته؟
هذه المسألة هي موضع اجتهاد ونظر، وحصل فيها كلام كثير، خاصةً في السنوات الأخيرة، وخاصةً مع تقدُّمِ عِلم الفلك ودقة الحسابات الفلكية في الوقت الحاضر أكثر من أيِّ وقتٍ مضى. أما الفقهاء السابقون؛ فجمهورهم يرون عدم الاعتماد على الحسابات الفلكية مطلقًا، ولكن الفلك في السابق كان مُختلِطًا بالتنجيم، وكان الفَلَكي هو المُنَجِّم؛ ولذلك وقف الفقهاء موقفًا ممَّن يتعامل بالفلك وبالتنجيم، وإن كان هناك أيضًا بعض الفقهاء الذين لهم عناية بمسائل الفلك؛ ومنهم الإمام مالك وله رسالة في منازل النجوم، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية له عناية بالفلك، وابن القيم كذلك، وابن السبكي.
وقد أُثِر عن مُطرِّف من التابعين، وأُثِر عن ابن السبكي، وبعض فقهاء الشافعية أنهم قالوا: يُعتمَد على الحساب الفلكي في النفي دون الإثبات. وحدَّثني مَن أثق به من أكثر من شخص من طلاب الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى أنه يقول بهذا القول، لكن لم أجد هذا في كتبه، لكن اتصلت بأحد خواصِّ طلابه؛ فقال: “سمعتُه أكثر من مرة يُقرِّر هذا القول (أنه يُعتمَد على الحساب الفلكي في النفي دون الإثبات)، وسألتُ أيضًا تلميذًا آخر من تلاميذه، فأكَّد ذلك.
وأيضًا ممَّن قال به: الشيخ أحمد شاكر، وله رسالة معروفة في هذا.
والذي يظهر -والله أعلم-: أن الحساب الفلكي منه ما هو قطعيٌّ، ومنه ما هو دون ذلك؛ فما لم يكن قطعيًّا لا يُعتمَد عليه مطلقًا، وأما ما كان قطعيًّا فالذي يظهر أنه يُعتمَد عليه في النفي دون الإثبات. ومن ذلك مسألة شروق وغروب القمر؛ فشروق وغروب القمر يُحسَب الآن بدقة، وحسابه قطعيٌّ كحساب غروب وشروق الشمس. وقد تابعتُ عدةَ سنوات شروق وغروب القمر، ولم أرَ خطأً فيه مرةً من المرات -ولو دقيقة واحدة-، وهذا مما يؤكد قطعيَّته، بل إنني سألتُ المختصين في هذا؛ فقالوا: “إن معادلة حساب غروب وشروق القمر هي نفسها معادلة حساب شروق وغروب الشمس”. ونحن نرى أن معادلة شروق وغروب الشمس صحيحة إذا كان الأفق واسعًا؛ يعني لم يكن المسألة فيها ارتفاع، فكذلك أيضًا غروب وشروق القمر؛ فالذي يظهر -والله أعلم- هو أن ما كان منه قطعيًّا يُعتمَد عليه في النفي دون الإثبات.
ولك أن تتأكد من صحة هذه المعلومة؛ بأن تأخذ جهازًا من أجهزة الإحداثيات مثل “مَاجِلَّان”، حيث يوجد فيه حساب شروق وغروب الشمس وشروق وغروب القمر في أي مكان في العالم، وطبِّق هذا التطبيق. يعني مثلًا اليوم ستجد فيه شروق وغروب القمر؛ اذهب جهة الغرب وانظر، هل تجد خطأً؟ لا تجد -ولو دقيقة واحدة-.
فإذا كان مثلًا في الحسابات الفلكية: أن القمر غَرَب قبل الشمس بربع ساعة مثلًا، ثم أتى شاهد أو شاهدان وقالا: رأينا الهلال بعد غروب الشمس بدقيقة أو دقيقتين أو خمس دقائق، أو أكثر أو أقل؛ فهنا لا شك أن شهادتهما تطرَّق إليها الوهم.
وكما ذكرتُ أن العوالق التي في الجو -في الوقت الحاضر- كثيرة. وأذكر أنه في سنة من السنوات -قبل سنتين أو ثلاث تقريبًا-؛ شهد شاهدان برؤية هلال شهر ذي الحجة، وكان القمر قد غرب قبل الشمس بنصف ساعة، وكنتُ متيقنًا من عدم صحة شهادتهما، وعُمل بشهادتهما وأُعلن عن دخول شهر ذي الحجة، فبحثتُ عن رقم الشاهدَين، فتيسَّر لي أن أتَّصل بأحدهما، فلما سألتُه تبيَّن لي أنه واهم، وأنه لم يَرَ الهلال، وإنما رأى شيئًا يشبهه؛ وقال: إنه غير متأكد، وإنما شهد بما ظهر له.
فيتطرَّق لمثل هذه الشهادات الوهمُ؛ ولذلك فالذي يظهر هو القول الذي ذكرتُه (أن ما كان قطعيًّا من الحساب فيُعتمد عليه في النفي دون الإثبات)؛ هذا هو الأقرب -والله أعلم- في هذه المسألة.
وكلام ابن تيمية رحمه الله في الأخذ بالحساب؛ فإن الحساب سابقًا يختلف عن الحساب الآن -كما ذكرتُ-، الحساب سابقًا كان مَن يحسب أكثرهم من المُنجِّمين، وكانوا يَحسِبون أحيانًا حسابًا غير دقيق وغير منضبط؛ فيحصل الوهم ويحصل الخطأ، بينما في الوقت الحاضر أصبح أكثر دقةً، أصبح الآن عن طريق برامج حاسوبية تَحسِب ما شئتَ من السنين اللاحقة والسابقة؛ فالحساب الآن في الوقت الحاضر يختلف عن الحساب فيما مضى.
الطالب: …
الشيخ: نعم؛ لأن الأدلة إنما وردت بالرؤية: صوموا لرؤيته، وأفطِروا لرؤيته[22]، هذا هو الأصل: أنه يُعتمَد على الرؤية لا على الحساب. لكن في النفي إذا أتى الشاهد وشَهِد، والحسابات تدل على أنه لا يُمكِن أن يُرى؛ فمعنى ذلك أن الشهادة قد ارتبطت بما يُكذِّبها (لم تنفك عما يُكذِّبها)، ومن شروط صحة الشهادة أن تنفك عما يُكذِّبها؛ ولذلك لا يمكن أن تجد شهادة صحيحة مع نفي الحساب. فلو أتى شاهد وشَهِد، مع أن الحساب ينفي صحة الكذب في الرؤية، فإذا حقَّقتَ معه ستجد أن شهادته فيها وَهْم.
لكن هنا أنبِّه على مسألة تُرِيح المسلم: وهي أن الشهر من الاشتهار، والهلال من الاستهلال (يعني: من الإعلان)، هذه ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية، فإذا أُعلن عن الشهر وأُعلن عن الهلال كان هلالًا شرعًا وإن لم يكن قد هَلَّ في حقيقة الأمر، وإذا لم يُعلَن عن الهلال (يعني إذا قيل: إن غدًا ثلاثون) لم يكن هلالًا شرعًا وإن كان قد هَلَّ في حقيقة الأمر.
فالعبرة إذَن بالإعلان، هذه قاعدة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهي تُرِيح المسلم -كما ذكرتُ-؛ لأن بعض الناس قد يَشُكِّك ويقول: يُمكِن أننا صمنا خطأً، يُمكِن أننا أفطرنا خطأً؛ فهذه قاعدة تُرِيح المسلم.
فالعبرة إذَن بالإعلان، العبرة بما يظهر للناس، وليست العبرة بحقيقة الأمر؛ فمثلًا إذا قالوا: “إن غدًا الثلاثون من شعبان” فشرعًا يكون الثلاثين من شعبان، حتى وإن كان قد طلع الهلال ولم يَرَه الناس. وإذا قيل: “إن غدًا الأول من رمضان” فيكون من رمضان وإن كان الشهودُ واهمين. وهذا يدل على يُسْر هذه الشريعة، وعلى أن هذا الدِّين ليس فيه حَرَج، وأن العِبرة بما يظهر لنا؛ ولذلك فلا داعي لتشكيك الناس، فإذا أَعلَن وليُّ الأمر عن دخول الشهر فيُعتمَد هذا، ولا داعي لتشكيك الناس. ولذلك نقل أبو العباس ابن تيمية رحمه الله الإجماعَ على أن الناس إذا وقفوا بعرفة خطأً؛ أجزأهم ذلك.
الطالب: …
الشيخ: لا، لا يقضون إلا إذا صاموا ثمانيةً وعشرين يومًا ثم رُئي الهلال، مثلما حصل في سَنةٍ، مَن يَذْكُر لنا السَّنة؟
ألف وأربعمئة وأربعة، ليلة تسع وعشرين؛ أذكر أننا صلينا التراويح، وصلينا صلاة التهجد، ثم قُبيل الفجر بساعة أُعلِن أن غدًا عيد، وقد أتى مجلس القضاء شهاداتٌ كثيرة، فتبيَّن خطأٌ في إثبات دخول شهر رمضان، فأُمِر الناس بقضاء يوم واحد. ففي هذه الحالة يُقضَى يوم واحد، وما عداها لا يُقضَى.
الطالب: …
الشيخ: مسألة الولادة لا ندخل فيها؛ لأن فيها إشكالات، لكن إذا قرروا استحالة الرؤية مثلًا؛ لأن كون القمر يغرب قبل الشمس، مع أن شهادة هذا الشاهد قد اقترنت بما يُكذِّبها؛ لو حقَّقتَ مع هذا الشاهد ستجد أن شهادته غير صحيحة. وكما ذكرتُ لكم؛ قبل سنوات أنا ذهبتُ وسألتُ الشاهد الذي شَهِد، وقد غرب القمر قبل الشمس حسابيًّا بنصف ساعة، فتبيَّن لي أنه واهمٌ، وشهادته غير صحيحة.
الطالب: …
الشيخ: تكون شهادته وهمًا. العام الماضي (عام ألف وأربعمئة وثلاثين)؛ تقدَّم شاهدان إلى المحكمة العليا برؤية هلال رمضان، لكن لم يطمئنوا لشهادتهما؛ فرُدَّت شهادتهما.
الطالب: …
الشيخ: عند الاتفاق نعم، أصلًا المسائل الحسابية اتفاق، الخلاف في المصطلح فقط.
الطالب: …
الشيخ: يعني كما ذكرتُ لكم: الشيء القطعي؛ القطعي مثلًا: غربت الشمس قبل القمر، هذا باتفاق الفلكيين لا يُمكِن أن يُرَى، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “إن عقلاء بني آدم لا يتفقون إلا على ما كان حقًّا”؛ هذه قاعدة، لا يتفقون إلا على ما كان حقًّا. فلو أتيتَ بالفلكيين من الصين، أو من أمريكا، أو من أوروبا، أو من اليابان، أو من البلاد العربية، أو من أي مكان في العالم؛ لا يختلفون في شروق وغروب القمر أبدًا، فهذا دليل على أنه قطعي.
والذي يُمكِن أن يحصل فيه الخلاف: إذا غرب القمر بعد الشمس؛ فهنا كم يكفي من الوقت لرؤية الهلال؟
نقول: ما دام أنه غرب بعد الشمس، فإذا تقدَّم لنا أيُّ شاهد نقبل شهادته؛ أما قول بعضهم: إنه لا بد من أن يمضي ربع ساعة، وبعضهم يقول: نصف ساعة، وبعضهم…؛ فهذه كلها اجتهاداتٌ ولا يُعوَّل عليها.
ولذلك؛ فتقويم أم القرى بالنسبة لدخول الأشهر دقيقٌ، ومن ألف وأربعمئة وعشرين أُعيد إعداده وضبطه على هذه المعايير: إذا غرب القمر بعد الشمس في مكة اعتبروا الشهر تسعةً وعشرين، وإذا غرب القمر قبل الشمس في مكة اعتبروا الشهر ثلاثين؛ فتقويم أم القرى بالنسبة لدخول الأشهر دقيق جدًّا، واعتَمد على هذه المعايير.
شرط وجوب الصوم
ثم قال المؤلف رحمه الله:
فصل:
وشرط وجوب الصوم أربعة أشياء.
المؤلف قسَّم شروط الصوم إلى: شروطِ وجوبٍ، وشروطِ صحةٍ.
وابتدأ أولًا بشروط الوجوب.
الشرط الأول:
الإسلام.
وهو شرطٌ لجميع العبادات، فلا يجب الصوم على الكافر؛ وذلك لأن الصوم تُشترَط له النية، والنية لا تصح من الكافر.
والشرط الثاني:
البلوغ.
فلا يجب الصوم على غير البالغ؛ لقول النبي : رُفع القلم عن ثلاثة…، وذَكَر منهم: الصبي حتى يَبلُغ[23].
والشرط الثالث:
العقل.
فلا يجب الصوم على المجنون؛ للحديث السابق: رُفع القلم عن ثلاثة…، وذَكَر منهم: المجنون حتى يُفيق[24].
والشرط الرابع:
القدرة عليه.
أي: أن يكون قادرًا على الصوم.
ثم وضَّح المؤلف هذا الشرط؛ قال:
فمَن عجز عنه.
يعني: عجز عن الصوم.
لكِبَرٍ، أو مرضٍ لا يُرجَى زواله؛ أفطرَ وأطعمَ عن كل يوم مسكينًا.
فإذَن؛ من شروط الوجوب أن يكون قادرًا على الصوم، أما إذا لم يكن قادرًا فإنه لا يجب عليه، لكن إذا كان عجزه لكِبَرٍ أو مرضٍ لا يُرجَى بُرْؤُه أطعمَ عن كل يوم مسكينًا، وإذا كان عجزه لمرضٍ يُرجَى بُرْؤُه قضى؛ لقول الله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184].
كيفية الإطعام
وهنا حدد المؤلف الإطعام؛ قال:
وأطعَم عن كل يوم مسكينًا مُدَّ بُرٍّ أو نصفَ صاعٍ من غيره.
لآثارٍ وردت عن بعض الصحابة في هذا، والصحيح أن الإطعام يكون بكل ما يُسمَّى إطعامًا عُرفًا، كما حقق ذلك أبو العباس ابن تيمية رحمه الله؛ وذلك لعموم النصوص.
والتحديد بمُدِّ بُرٍّ أو نصفِ صاعٍ ليس عليه دليلٌ، وإنما وردت الأدلة بمجرد الإطعام، فيَرجِع ذلك إلى العُرف، فما عدَّه الناس في عُرفهم إطعامًا كان إطعامًا. وعلى هذا، فلو أطعم المساكين فغدَّاهم أو عشَّاهم؛ أجزأ.
وقد كان أنس بن مالك بعدما تقدمت به السن، كان يُفطر ويجمع المساكين فيُغدِّيهم أو يعشِّيهم[25]؛ لأن أنسًا أتتْ به أمُّه (أمُّ سُلَيْم) إلى النبي وعمره عشر سنوات؛ أتَتْ به بعدما هاجر من مكة إلى المدينة، فوهبَتْه للنبي عليه الصلاة والسلام ليخدمه؛ قالت: يا رسول الله، هذا أنسٌ، غلامٌ يخدمك. [كانت امرأةً عاقلةً حصيفةً تقيةً]، قالت: ادعُ اللهَ له. قال أنسٌ : فدعا لي بثلاث دعوات، رأيتُ منها اثنتين في الدنيا، وأنا أرجو الثالثة في الآخرة[26] القصة في صحيح البخاري. قال : فقال عليه الصلاة والسلام: اللهم أَكثِر ماله وولده، وأَطِل عمره، واغفر ذنبه. قال : فأكثَر الله مالي حتى كنتُ أكثرَ الأنصار مالًا، وكان لي بستان يُثمِر في السنة مرتين. والعادة أن الثمار تكون في السنة مرةً واحدةً، إلا بستان أنس يُثمِر مرتين. وأكثَر الله أولاده، حتى أصبح من كثرتهم لا يحصيهم[27].
قال : وحدثتني ابنتي أميمة سنةَ الحَجَّاج أنه دُفِن لِصُلْبي -لاحِظ: لِصُلْبي- بضع وعشرون ومئة من الولد[28].
ويبدو أن عنده أربع نساء وعنده إماء أيضًا؛ لأن أربع نساء لا يُمكِن أن يُنجِبْنَ له هذا العدد الكثير، فيظهر أن عنده إماء كثيرة؛ لأن كثيرًا من الصحابة -خاصةً بعدما اتسعت الفتوحات الإسلامية- كان عندهم إماء كثيرة.
وأطال اللهُ عمره حتى جاوز مئة عام؛ قال: “وأنا أرجو الثالثة في الآخرة”[29] وهي مغفرة الذنوب.
فهذه دعوة عظيمة؛ ولذلك لا بأس أن يدعو بها المسلم؛ لأن طول العمر مع الطاعة نعمةٌ عظيمةٌ يكسب بها المسلم أعمالًا صالحةً، لكن طول العمر مع المعاصي نقمةٌ يكسب بها ذنوبًا وأوزارًا. ولذلك؛ لا بأس بأن تقول: “أطال الله في عمرك على طاعته”، ينبغي أن تُقيِّد ذلك بـ”على طاعته”.
فأنس كان يجمع المساكين فيغدِّيهم أو يعشِّيهم؛ فإذَن ذلك يكفي في الإطعام.
شروط صحة الصيام
قال:
وشروط صحته.
انتقل المؤلف بعد ذلك لشروط الصحة؛ وشروطُ الصحة هي التي إذا تخلَّف شرطٌ منها لم يصح الصوم، بينما شروط الوجوب إذا تخلَّف شرطٌ منها لم يجب الصوم -كما مرَّت معنا في الحج-.
وشروط صحته ستة: الإسلام.
لِمَا سبق أن الصوم يحتاج إلى نية، والنية لا تصح من كافر.
ثانيًا:
وانقطاع دم الحيض والنفاس.
وهذا بالإجماع؛ لقول النبي : أليس إذا حاضت لم تُصَلِّ ولم تَصُم[30]. وهذا هو الشرط الثاني والثالث؛ انقطاع دم الحيض هو الشرط الثاني، وانقطاع دم النفاس هو الشرط الثالث.
الشرط:
الرابع: التمييز.
فهنا ذكره المؤلف من شروط الصحة، ولم يذكره من شروط الوجوب، فالصوم يصح من المُميِّز لكنه لا يجب عليه؛ وذلك لأنه مرفوع عنه القلم، لكن يصح منه لأنه يعقل النية، فيصح الصوم كما تصح الصلاة.
لكن هل يجب على وليِّه أن يأمره بالصوم؟
قال المؤلف:
فيجب على وليِّ المُميِّز المُطيق للصوم أَمْرُه به وضَرْبُه عليه؛ ليعتاده.
وذلك قياسًا على الصلاة؛ لقول النبي : مُرُوا أبناءكم بالصلاة لسبعٍ، واضربوهم عليها لعشرٍ[31].
والمؤلف يرى أن ذلك يجب على الولي؛ وبناءً عليه: لو أن الولي لم يأمره فإنه يأثم.
والقول الثاني في المسألة: إنه يُستحب للولي أن يأمر الصبي المُميِّز بالصوم، ولا يجب؛ وهذا هو قول الجمهور، وهو القول الراجح -والله أعلم-؛ لأن القولَ بإيجابه على الولي -والصومُ غير واجب على المُميِّز- محلُّ نظر.
فالأقرب -والله أعلم- أنه يُستحب استحبابًا مُؤكَّدًا على الولي أن يأمره بالصوم، لكن ذلك لا يجب عليه.
الخامس: العقل.
فلا يصح الصوم من المجنون باتفاق العلماء؛ لأن الصومَ إمساكٌ بنية، والنية لا تصح من المجنون.
وهكذا أيضًا المُغمَى عليه جميعَ النهار -انتبه هذه المسألة يكثر السؤال عنها-؛ المُغمَى عليه جميعَ النهار لا يصح الصوم منه للتعليل السابق؛ لأن الصوم إمساك بنية، والنية لا تكون من المُغمَى عليه جميعَ النهار.
قال:
لكن لو نوى ليلًا ثم جُنَّ أو أُغمي عليه جميعَ النهار وأفاق منه قليلًا؛ صحَّ.
لو نوى ليلًا وصام ثم جُنَّ أو صُرِع مثلًا، أو أنه أُغمي عليه جميعَ النهار وأفاق منه قليلًا، أو أفاق ثم أُغمي عليه؛ فيصح صومه؛ لأنه يصح إضافة الإمساك إليه في ذلك الوقت، ولوجود الإمساك بنيةٍ منه في الجملة، فيصح أن يقال: إنه أمسك بنية.
حُكم مَن أُغمي عليه جميعَ النهار
أما المُغمَى عليه جميعَ النهار، أو المُغمَى عليه أيامًا؛ فقلنا: إنه لا يصح صومه. لكن هل يلزمه القضاء؟ نعم، يلزمه القضاء؛ قال المُوفَّق ابن قدامة: لا نعلم خلافًا في وجوب القضاء على المُغمَى عليه؛ لأن مدته لا تطول غالبًا، ولا تَثبُت الولاية على صاحبه، فلم يَزُل به التكليف كالنوم.
تجد بعض المرضى يكون مُغمًى عليه بالمستشفى، بعضهم يبقى شهرًا، وبعضهم شهورًا، فإذا أفاق بعد الإغماء نأمره بقضاء صيام شهر رمضان؟ نعم، نأمره.
طيب، هل نأمره بقضاء الصلاة؟ مرَّت معنا هذه المسألة: إنسان مثلًا أصيب بحادثة سيارة، وأُغمي عليه شهرين، كان من ضمنهما شهر رمضان؛ فنحن قلنا: بالنسبة للصوم يُؤمَر بالقضاء، حكى المُوفَّق الاتفاق، لكن بالنسبة لقضاء الصلاة؟
الطالب: …
الشيخ: نعم، إذا كانت المدة يسيرةً -في حدود ثلاثة أيام فأقل- فيُؤمَر بالقضاء، أما إذا كانت طويلةً -أكثر من ثلاثة أيام- فلا يُؤمَر بالقضاء.
فإن قال قائل: لماذا فرَّقتم بين الصوم والصلاة؟
نقول: الشريعة تُفرِّق بين الصوم والصلاة؛ ولذلك فالحائض تُؤمَر بقضاء الصوم ولا تُؤمَر بقضاء الصلاة؛ لأن الصلاة تتكرر فيشُق قضاؤها، بينما الصوم لا يشُق قضاؤه -في الغالب-؛ ولذلك فالمُغمَى عليه مأمور بقضاء الصوم -عند عامة أهل العلم-، وأما الصلاة فلا يُؤمَر بقضائها -عند جمهور العلماء- إلا الشيء اليسير -في حدود ثلاثة أيام فأقل-، على أن المذهب أنه يُؤمَر بقضاء الصلاة، لكن الصحيح قول الجمهور -كما مرَّت معنا هذه المسألة سابقًا-، الصحيح أن المدة إذا كانت أكثر من ثلاثة أيام فإنه لا يُؤمَر بقضاء الصلاة.
طيب، هل يُقاس النائم؟ مَن نام جميعَ النهار، إنسانٌ نام من الفجر إلى غروب الشمس، وهذا نجده من بعض الشباب، مع أن هذا طبعًا خطأ؛ لأنه تفوته صلاة الظهر والعصر ويخرج وقتهما، ولا يصلي مع الجماعة؛ فهل يصح صوم مَن نام جميعَ النهار (أي: مَن نام من الفجر إلى غروب الشمس)؟ نعم، يصح صومه؛ لأن النوم لا يزول به الإحساس بالكلية، فإنه إذا نُبِّه انتبه، بخلاف المُغمَى عليه.
طيب؛ نريد أن نُلخِّص المسائل السابقة لأنها مهمة وتكثر فيها الأسئلة:
- المُغمَى عليه جميعَ النهار؛ يصح صومه أو لا يصح؟ لا يصح.
- هل يُؤمَر بالقضاء؟ نعم، يُؤمَر.
- فإذا أُغمي عليه أكثرَ النهار وليس جميعَ النهار، وأفاق جزءًا من النهار؟ يصح صومه.
- والنائم جميعَ النهار؟ يصح صومه.
- والمجنون إذا جُنَّ جميعَ النهار؟ لا يصح صومه.
- إذا جُنَّ أكثرَ النهار وأفاق؟ صح صومه.
وعلى ذلك؛ فمَن تأتيه نوبات الصرع فهذا يصح صومه، إذا كان أفاق جزءًا من النهار.
الطالب: …
الشيخ: إذا جُنَّ جميعَ النهار لا يصح صومه، لكن هل يُؤمَر بالقضاء أم لا؟ ننظر: إذا كان يأتيه الجنون المُطبِق أحيانًا ويُفيق أحيانًا فإنه لا يُؤمَر بالقضاء، أما إذا كان مجرد نوبات صَرَع فقط فيُؤمَر بالقضاء.
الطالب: إذا لم ينوِ من الليل.
الشيخ: هنا، إذا لم ينوِ من الليل لا يصح صومه، سواء أُغمي عليه أو لم يُغْمَ عليه، وسواء أفاق أو لم يُفِقْ -وسيأتينا الكلام عن هذه المسألة-.
الطالب: …
الشيخ: ستأتي مسألة النية الآن.
قال:
السادس: النية من الليل لكل يومٍ واجبٍ.
وذلك لحديث حفصة رضي الله عنها أن النبي قال: مَن لم يُجْمِع الصيام قبل الفجر؛ فلا صيام له[32] وهذا الحديث من جهة الإسناد حديثٌ صحيحٌ، أخرجه أبو داود وغيره. والحكمة من اشتراط تبييت النية من الليل في الصوم الواجب؛ حتى يكون جميع النهار مشمولًا بنية الصوم؛ لأن الصوم إمساكٌ بنية؛ ولذلك لا يُشترَط هذا الشرط في صوم النافلة، لكنه شرطٌ لحصول الثواب في صوم النافلة المُعيَّن كصيام الست من شوال -وسيأتي إن شاء الله بحث هذه المسألة في صيام التطوع-.
إذَن؛ “النية من الليل لكل يومٍ واجبٍ” فيجب تبييت النية من الليل.
الطالب: …
الشيخ: نعم، قوله: “النية من الليل لكل يومٍ واجبٍ” هذه المسألة محل خلاف بين العلماء؛ فالمذهب: أنه لا بد من نية لكل يوم، والقول الصحيح: إنه لا يُشترَط النية لكل يوم، وإنما يكفي أن ينوي أول الشهر، إلا إذا قَطَع الصومَ لعذر فإنه لا بد من تجديد النية؛ كأن يسافر مثلًا أو يفطر لمرض أو نحو ذلك، ثم بعد ذلك يريد أن يكمل الصوم، فهنا لا بد من تجديد النية، أما إذا لم يقطع الصوم فتكفي نية أول شهر رمضان.
ثم وضَّح المؤلفُ المقصودَ بتبييت النية؛ قال:
فمَن خطر بقلبه ليلًا أنه صائم؛ فقد نوى.
إذا خطر بقلبه أنه صائم فإنه قد نوى، وإذا علم أن غدًا من رمضان فهو قد نوى؛ وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن النية تَتْبَع العِلم.
قال:
وكذا الأكل والشرب بنية الصوم.
فيكفي الأكل والشرب بنية الصوم؛ قال شيخ الإسلام رحمه الله: وهو حين يتعشى عشاءَ مَن يريد الصوم؛ ولهذا يُفرَّق بين عشاء ليلة العيد وعشاء ليالي رمضان.
فبعض الناس عندهم وسوسة فيما يتعلق بالنية؛ نقول: النية تَتْبع العِلم، يكفي أن تعلم أن غدًا من رمضان، هذا كافٍ في النية؛ ولذلك قال بعض العلماء: لو كُلِّفنا بترك النية لكان هذا من التكليف بما لا يطاق؛ لأن النية تَتْبع العِلم. ولذلك؛ يكفي أن تعلم أن غدًا من رمضان، هذا كافٍ في تحقيق النية.
قال:
ولا يَضُرُّ إن أتى بعد النية بمُنافٍ للصوم.
يعني مثلًا: لو نوى بعد صلاة التراويح أنه سيصوم غدًا، ثم إنه أكل أو شرب بعد ذلك، فهذا لا يضر؛ لأن الله تعالى أباح الأكل والشرب إلى آخر الليل.
أو قال: “إن شاء الله”، غير مُتردِّد.
إذا قال: “سأصوم غدًا إن شاء الله” تبرُّكًا لا تردُّدًا، فلا يضر ذلك، أما إذا قالها مُتردِّدًا فإن الصوم لا يصح؛ لأنه لا بد من النية الجازمة.
وكذا لو قال ليلة الثلاثين من رمضان.
لاحِظ “من رمضان”، وليس من شعبان.
إن كان غدًا من رمضان فَفَرْضي، وإلا فأنا مُفطِر.
يعني: فلا يضر؛ وذلك لأنه بُنِي على أصل لم يَثبُت، والأصل بقاء الشهر “إن كان غدًا من رمضان فَفَرْضي”، فالأصل هو بقاء الشهر. ولذلك يقولون: لو قال هذا صح صومه، مع أن فيه تردُّدًا. لكن قالوا: إن الأصل هو بقاء الشهر، والأصل هو الصوم؛ ولذلك فلا يضره لو قال ذلك. أما إذا قال: وإلا فمُفطِر؛ يعني إذا قال ليلة الثلاثين من شعبان: إن كان غدًا من رمضان فأنا صائم، وإلا فأنا مُفطِر.
قال:
ويضر إن قاله في أوله.
فعندهم؛ إذا قال ليلة الثلاثين من شعبان: “إن كان غدًا من رمضان فأنا صائم، وإلا فأنا مُفطِر”؛ فإنه لا يصح صومه.
ففرَّقوا بين المسألتين؛ قالوا: لأنه قد تردَّد في النية، والنية لا بد فيها من الجزم؛ وإنما فرَّقوا بين أن يقول ذلك ليلة الثلاثين من رمضان، وأن يقول ذلك ليلة الثلاثين من شعبان؛ قالوا: لأنه لو قال ذلك ليلة الثلاثين من رمضان فالأصل هو الصوم، والأصل هو بقاء الشهر، فلا يضر؛ أما لو قال ذلك ليلة الثلاثين من شعبان فالأصل هو الفطر، والأصل هو بقاء شعبان، فيضر؛ هذا وجه التفريق.
والقول الثاني في المسألة: إنه حتى لو قال ذلك ليلة الثلاثين من شعبان فصومه صحيح ولا يضر؛ وذلك لأن تردُّده ليس تردُّدًا في النية، وإنما هو تردُّد في ثبوت الشهر؛ وهذا هو القول الراجح -والله أعلم-.
فمثلًا: لو أن رجلًا بعدما صلى العشاء ليلة الثلاثين من شعبان -والناس يتحرَّون أن يُعلَن- نام مبكرًا، وقال: “إن كان غدًا من رمضان فأنا صائم”، ولم يستيقظ إلا مع طلوع الفجر أو قُبيل إقامة صلاة الفجر؛ فعلى المذهب: صومه غير صحيح، ويُؤمَر بالقضاء؛ وعلى القول الراجح: صومه صحيح.
فالصحيح إذَن؛ أنه لو قال: “إن كان غدًا من رمضان فأنا صائم، وإلا فأنا مُفطِر” أن صومه صحيح، كما لو قال ذلك ليلة الثلاثين من رمضان.
قال:
وفَرْضُه: الإمساك عن المُفطِّرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.
وإنما قال المؤلف ذلك احترازًا من السنن، ففَرْض الصوم هو الإمساك عن المُفطِّرات -وسيأتي إن شاء الله تعالى بيانُه في الدرس القادم-.
“من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس”؛ لقول الله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187]؛ ولحديث سَمُرة بن جُنْدُب أن النبي قال: لا يَمْنَعَنَّكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير في الأفق[33] رواه مسلم.
ما الفرق بين الفجر المستطيل والفجر المستطير؟
الطالب: …
الشيخ: المستطيل هو الفجر الكاذب، والمستطير هو الفجر الصادق. فالفجر فجران؛ فجر كاذب: وهو الذي يكون عموديًّا من الشرق إلى الغرب، فمن الشرق إلى الغرب هذا هو الفجر الكاذب، يعني يكون على شكل هرم، وضَوْؤه ضعيف، يعني ليس مثل إضاءة الفجر الصادق، ولذلك فمع إضاءة القمر لا يتبين ولا يتضح. هذا الفجر الكاذب لا يُعوَّل عليه في الأحكام الشرعية، ولكن أحيانًا في بعض الليالي قد يكون له سطوع قوي، فيَغُرّ مَن لا يعرفه؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: كلوا واشربوا ولا يَغُرَّنَّكم الساطع المُصعِد، وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر[34].
أما المستطير فيعني المنتشر؛ وهو الفجر الصادق المعترض من الشمال إلى الجنوب، يكون معترضًا هكذا، ويكون واضحًا ويزداد نوره، فهو ينفجر، هذا هو الفجر الصادق، وهو الذي يكون الإمساك عنده، وصلاة الفجر تكون بعد طلوعه.
سنن الصيام
قال:
وسننه ستة.
انتقل المؤلف بعد ذلك إلى السنن.
الأول؛ قال:
تعجيل الفطر وتأخير السحور.
الفرق بين السَّحور والسُّحور: “السَّحور” هو ما يُتسحر به، و”السُّحور” هو الفعل نفسه.
والدليل لقوله: “تعجيل الفطر” هو حديث سهل بن سعد أن النبي قال: لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر[35] رواه البخاري ومسلم. وجاء في رواية عند أحمد: وأخَّروا السُّحور[36] لكنها ضعيفة لا تَثبُت.
ولهذا؛ فالمحفوظ من الحديث: لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر، وصاحب “منار السبيل” ذكر: ما عجَّلوا الفطر وأخَّروا السُّحور، لكن هذا اللفظ لا يَثبُت، والرواية المحفوظة هي رواية الصحيحين: لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر فقط.
فهذا دليل على أن السنة تعجيل الفطر، ويكون ذلك بعد غروب قُرْص الشمس، فإذا سقط قُرْص الشمس فقد حلَّ الإفطار للصائم.
وأما تأخير السُّحور فإنه أيضًا يُستحب؛ لأن هذا هو هدي النبي وهدي أصحابه ؛ ويدل لذلك ما جاء في صحيح البخاري من حديث أنس عن زيد بن ثابت رضي الله عنهما، قال: تسحَّرنا مع النبي ، ثم قمنا إلى الصلاة، فقلت: كم بينهما؟ قال: قَدْر قراءة خمسين آيةً[37].
و”قَدْر قراءة خمسين آيةً”؛ يعني: ما بين أذان الفجر والإقامة قَدْرُ قراءة خمسين آيةً.
وجاء في رواية الطبراني: أنه قَدْرُ قراءة سورة “الحاقة”. وسورة “الحاقة” كم آيةً؟ ثنتان وخمسون آيةً.
وقدَّرها الحافظ ابن حجر في “فتح الباري”؛ قال: “وذلك يعادل ثُلُث خُمُسِ ساعةٍ”، والساعة عندهم من قديمٍ، وهي ستون دقيقةً، يسمونها “ستين درجةً”. “ثُلُث خُمُسِ ساعةٍ” يعني: اقسم ستين على خمسة، كم؟ اثنا عشر. ثم اقسم اثني عشر على ثلاثة، كم؟ أربعة؛ يعني “ثُلُث خُمُسِ ساعةٍ” تكون أربعَ دقائق. ووضَّح ابن حجر ذلك فقال: “وذلك بمقدار ما يتوضأ الرجل”؛ يعني في الغالب أنه في حدود أربع دقائق، إذا كان بطيئًا فيكون في حدود أربع دقائق، وإلا فبعض الناس -ما شاء الله- يتوضأ في أقل من هذا.
فإذَن؛ لم يكن في عهد النبي عليه الصلاة والسلام هذه المدة الطويلة بين الأذان والإقامة، كان في حدود أربع أو خمس دقائق، وفي الكثير سبع دقائق، أما أنه يُجعَل نصف ساعة، ويُجعَل أيضًا الظهر والعصر والمغرب ثلث ساعة، هذا -في الحقيقة- فيه تطويل على الناس، خاصةً العمال المرتبطين بأعمالهم؛ فخير الهدي هديُ النبي .
ولذلك؛ لو قُلِّصَت المدة إلى عشر دقائق أو أقل لكان هذا أحسن، لكن بالنسبة للفجر تنفع فيه هذه المسألة، حتى تكون الصلاة في وقتها؛ لأن التقاويم الموجودة في العالم الإسلامي معظمها فيها تقديم، والغريب أن هذا التقديم موجود من قديم الزمان؛ ذكره القرافي في “الفروق” وأنكره؛ قال: “إنه بدعة منكرة”. وذكره الحَطَّاب في “مواهب الجليل” وأنكره؛ قال: “إن الناس يقدمون أذان الفجر وهو ليل، ولا يُرَى أيُّ أثر للفجر”. وذكره الحافظ ابن حجر في “فتح الباري”، والغريب أن الحافظ ابن حجر حدد ذلك بثلث ساعة؛ قال: “إن المؤذنين يتقدمون بثلث ساعة” فأنكر ذلك؛ فالغريب أن هذه الإشكالية موجودة من قديم.
والنبي عليه الصلاة والسلام حذَّر من هذا؛ قال: كلوا واشربوا ولا يَغُرَّنَّكم الساطع المُصعِد، وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر[38]؛ فتبيُّن الفجر قد يكون فيه صعوبة؛ يعني طلوع الفجر قد يكون فيه صعوبة؛ ولذلك أناط الله الحُكم بالتبيُّن وليس بالطلوع؛ فقال: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187].
وكان مؤذن النبي رجلًا أعمى، لا يُؤذِّن حتى يقال له: أصبحتَ أصبحتَ[39].
فإذَن؛ السنة تأخير السُّحور، ولذلك كان في عهد النبي عليه الصلاة والسلام يُؤذَّن الأذان الأول حتى يستعد الناس لصلاة الفجر، هذه هي الحكمة من الأذان الأول، فإذا لم يكن هناك أذان أول، لكان إذا أذَّن المؤذن للفجر ما تمكَّن الناس من الوضوء والإتيان للمسجد في حدود أربع أو خمس دقائق؛ فكان يُؤذَّن الأذان الأول قبل أذان الفجر في حدود عشر دقائق إلى ربع ساعة، فيقوم الناس ويتوضؤون، ويتسحَّر مَن يريد التسحُّر، ثم يجتمعون في المسجد، فيُؤذَّن الأذان الثاني، فيأتون بالسُّنة الراتبة، ثم تقام الصلاة؛ هذا هو الذي عليه العمل في عهد النبي عليه الصلاة والسلام.
وحدثني أحد كبار السن؛ يقول: كنا هكذا قبل خمسين عامًا؛ كان يُؤذَّن الأذان الأول، ويجتمع الناس في المسجد، ثم يقوم ويصعد المؤذن على المنارة، فإذا تبيَّن له الفجرُ أذَّن، ثم أدى الناس السُّنة الراتبة، ثم صلينا الفجر مباشرةً.
فهذا هو الذي كان عليه الأمر في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، أما الآن فكما ترون، الإشكال في تقديم الفجر أدى إلى أن تكون المدة طويلة، يعني أحيانًا تبقى نصف ساعة ومع ذلك لا ترى أيَّ أثرٍ للفجر، هذا يدل على وجود الإشكالية؛ لأن الفجر من الانفجار، ينفجر بسرعة، ويزداد نوره بسرعة.
فإذَن؛ جميع الأوقات في عهد النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن الفاصل بين الأذان والإقامة كثيرًا، وإنما كان في حدود أربع أو خمس دقائق، وأحيانًا قد يصل إلى سبع دقائق في هذه الحدود، وبالكثير لا يزيد على عشر.
الطالب: …
الشيخ: إي نعم، التقويم هو تقويم أربعمئة وخمس وثلاثين، وأربعمئة وخمس وثلاثين كان فيه تعديل في حدود ثلاث دقائق تقريبًا؛ يعني أُخِّر الأذانُ في حدود ثلاث دقائق، لكنها غير كافية، وإن كانت الساعات الموجودة ما زالت على الوضع السابق، مثل هذه الساعة ما زالت على الوضع السابق. ولذلك؛ المؤذن يؤذن على التقويم، ويحتاط بالنسبة للصلاة، ويؤذن على التقويم المطبوع؛ لأن الساعات اليدوية والساعات الموجودة الحائطية ما زالت على الوضع السابق.
طيب، قال:
والزيادة في أعمال الخير.
يعني: يُستحَب أن يزيد المسلم ويُضاعِف من أعمال الخير؛ لأن العبادة كما تَشرُف بشرف المكان، تَشرُف أيضًا بشرف الزمان.
قال:
وقوله جهرًا إذا شُتِم: “إني صائم”.
إذا شُتم؛ لقول النبي : إذا كان يومُ صوم أحدكم؛ فلا يَرفُثْ، ولا يَجْهَل، وفي رواية: ولا يَصْخَب، فإن امرؤ قاتَله أو شاتَمه؛ فليقل: إني امرؤ صائم[40] متفق عليه.
وهنا قال: “وقوله جهرًا”؛ يعني: يُستحب أن يقول ذلك جهرًا.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة:
- القول الأول: إنه يقول ذلك جهرًا بلسانه في الفرض وفي النفل؛ وذلك لِيَسمعَه مَن سابَّه فَيَنْزَجِر.
- القول الثاني: إنه يقول ذلك في نفسه؛ أي لا يُسمِع صاحبه خوفًا من الرياء.
- القول الثالث: إنه يُفرَّق بين صوم الفرض وصوم النفل؛ ففي صوم الفرض يجهر به بلسانه، وفي صوم النفل يقوله في نفسه خشيةَ الرياء.
وقد اختار أبو العباس ابن تيمية رحمه الله القول الأول (وهو أنه يقول ذلك جهرًا بلسانه في الفرض وفي النفل)، وكذلك ابن القيم، وهو الأظهر -والله أعلم- لعموم الحديث؛ فإن النبي لم يفرِّق بين صوم الفرض والنفل، ولأن القول المطلق لا يكون إلا باللسان. ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “الصحيح أنه يقوله بلسانه كما دل عليه الحديث؛ فإن القول المطلق لا يكون إلا باللسان، وأما في النفس فمُقيَّد؛ كقوله : إن الله تعالى تجاوَزَ لأمتي عما حدَّثَتْ به أَنفُسَها، ثم قال: ما لم تَعملْ أو تَكَلَّمْ به[41]؛ فالكلام المطلق إنما هو الكلام المسموع، وإذا قال بلسانه: إني صائمٌ، بيَّن عُذرَه في إمساكه عن الرد، وكان أزجرَ لمَن بدأه بالعدوان”.
فالصحيح إذَن أنه يقول ذلك بلسانه جهرًا في الفرض وفي النفل؛ فيقول لمَن سابَّه أو شاتَمه: “اللهم إني صائم”، أو يقول: “إني امرؤ صائم”، يقول ذلك جهرًا؛ هذا هو الأظهر في هذه المسألة.
وقوله عند فِطره: “اللهم لك صُمْتُ، وعلى رِزقك أفطرتُ، سبحانك وبحمدك، اللهم تقبل مني، إنك أنت السميع العليم”.
وهذا قد رُوي في حديثٍ مرفوعٍ إلى النبي أنه يقول عند فِطره: اللهم لك صُمْتُ، وعلى رِزقك أفطرتُ، فتقبَّل مني إنك أنت السميع العليم[42]. لكن هذا الحديث ضعيف لا يصح، جميع طرقه ضعيفة بل شديدة الضعف؛ ولهذا قال ابن القيم في “زاد المعاد”: إنه ضعيف. وكذلك ضعَّفه الحافظ ابن حجر في “التلخيص”، وجميع طرقه معلولة؛ ولذلك لا يصح.
وقد جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي كان إذا أفطر قال: ذهب الظَّمَأ، وابتلَّت العروق، وثَبَتَ الأجرُ إن شاء الله[43] رواه أبو داود والنسائي والدارقطني والحاكم، وهو حديثٌ حسنٌ بمجموع الطرق.
ولكن إذا لم يكن قد ظَمِئَ -كما في أيام الشتاء مثلًا-؛ هل يقول: ذهب الظَّمَأ؟ يعني هل يقول: ذهب الظَّمَأ كلما أفطر من أيِّ صيامٍ، أو أنه لا يقول ذلك إلا إذا ظَمِئَ بالفعل؟
الطالب: …
الشيخ: الصحيح أنه إذا ظَمِئَ بالفعل، أما إذا لم يظمأ فإنه إذا قال: ذهب الظمأ يكون قد قال قولًا غير صادق فيه؛ ولذلك فهذا مُقيَّد بما إذا ظَمِئَ فيقول: ذهب الظَّمَأ، وابتلَّت العروق، وثَبَتَ الأجرُ إن شاء الله.
وقد جاء في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي قال: إن للصائم عند فِطره دعوةً لا تُرَدُّ[44] أخرجه ابن ماجه، وضعَّفه الألباني في “إرواء الغليل”، لكن الصحيح أنه ثابت. ولذلك قال البوصيري في “الزوائد”: إن إسناده صحيح، ورجاله ثقات. وأيضًا صاحب كتاب “تنبيه القاري” نبَّه على أنه صحيح، وذَكَرَ طرقه؛ ويُقوِّيه حديث: ثلاث دعوات لا تُرَدُّ…، منها: دعوة الصائم حتى يُفطِر[45]؛ فالحديث بمجموع طرقه ثابت، إما حسنٌ أو صحيحٌ.
لهذا؛ ينبغي أن يغتنم المسلم هذا الوقت بالدعاء عندما يريد أن يُفطِر، فإن الدعاء عند الفطر حَرِيٌّ بالإجابة، لكن لا يتقيد بـاللهم لك صُمْتُ لأنه -كما قلنا- حديث ضعيف، لكن يدعو بما يحضره من خَيْرَي الدنيا والآخرة.
قال:
وفِطْره على رُطَب، فإن عُدِم فتمر، فإن عُدِم فماء.
ويدل لذلك حديثُ سلمان بن عامر أن النبي قال: إذا أفطر أحدكم فَلْيُفْطِر على تمر، فإن لم يجد فَلْيُفْطِر على ماء فإنه طَهور[46] رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، وهو حديثٌ حسنٌ.
ولحديث أنس : “أن النبي كان يُفطِر على رُطَبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رُطَبات فعلى تَمَرات، فإن لم تكن حَسَا حَسَوَاتٍ من ماء”[47] رواه أبو داود والترمذي.
فالسنة إذَن؛ أن يكون الإفطار على رُطَب، فإن عُدِمَ فتمر، فإن عُدِمَ فماء.
طيب، ولعلنا نكتفي بهذا القدر، وإن شاء الله تعالى سيكون الصيام في الدرس القادم والذي بعده، ثم ننتهي من كتاب الصيام.
نكتفي بهذا القدر، ونقف عند الفصل: “يحرم على مَن لا عُذْرَ له الفطر في رمضان”، إلى آخره.
الحاشية السفلية
^1 | رواه البخاري: 1909، ومسلم: 1081. |
---|---|
^2 | رواه البخاري: 1906، ومسلم: 1080. |
^3 | رواه أحمد: 4488. |
^4 | رواه البخاري: 1907. |
^5 | رواه مسلم: 1080. |
^6 | رواه البخاري: 1914، ومسلم: 1082. |
^7 | رواه البخاري قبل حديث: 1906، وأبو داود: 2334، والترمذي: 686، وابن ماجه: 1645. |
^8, ^9, ^10, ^11, ^13, ^18, ^20, ^21, ^22, ^38 | سبق تخريجه. |
^12 | رواه أبو داود: 2337، والترمذي: 738، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. |
^14 | رواه البخاري: 2009، ومسلم: 759. |
^15 | رواه أبو داود: 2342. |
^16 | رواه أبو داود: 2340، والترمذي: 691، وابن ماجه: 1652. |
^17 | رواه أحمد: 18895. |
^19 | رواه البخاري: 2807. |
^23 | رواه أحمد: 939، وأبو داود: 4402. |
^24 | رواه أحمد: 24694، والنسائي: 3432. |
^25 | رواه البخاري: 4504. |
^26 | رواه البخاري: 1982، ومسلم: 2481. |
^27, ^29 | رواه مسلم: 2481. |
^28 | رواه البخاري: 1982. |
^30 | رواه البخاري: 304. |
^31 | رواه أحمد: 6756. |
^32 | رواه أحمد: 26457، وأبو داود: 2454، والترمذي: 730. |
^33 | رواه مسلم بنحوه: 1094. |
^34 | رواه ابن خزيمة: 1930، والدارقطني: 2188. |
^35 | رواه البخاري: 1957، ومسلم: 1098. |
^36 | رواه أحمد: 21312. |
^37 | رواه البخاري: 1921، ومسلم: 1097. |
^39 | رواه البخاري: 617. |
^40 | رواه البخاري: 1904، ومسلم: 1151. |
^41 | رواه البخاري: 2528، ومسلم: 127. |
^42 | رواه الطبراني في الكبير: 12720. |
^43 | رواه أبو داود: 2357، والنسائي: 3315، والدارقطني: 2279، والحاكم: 1536. |
^44 | رواه ابن ماجه: 1753. |
^45 | رواه الترمذي: 2526. |
^46 | رواه أحمد: 16228، وأبو داود: 2355، والترمذي: 658، والنسائي: 3302، وابن ماجه: 1699. |
^47 | رواه أحمد: 12676، وأبو داود: 2356، والترمذي: 696. |