logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(34) باب صلاة العيدين- من قوله: “وهي فرض كفاية..”

(34) باب صلاة العيدين- من قوله: “وهي فرض كفاية..”

مشاهدة من الموقع

ننتقل بعد ذلك إلى درس “دليل الطالب”، وكنا قد وصلنا إلى:

باب صلاة العيدين

باب صلاة العيدين

تعريف العيدين

العيدان: تثنية عيدٍ، وسمي بهذا الاسم؛ لأنه يعود ويتكرر، أو من باب التفاؤل؛ ليعود ثانيةً.

والمراد بالعيدين: عيد الفطر وعيد الأضحى، كلاهما يقع بمناسبةٍ شرعيةٍ.

مناسبة عيدي الفطر والأضحى

أما مناسبة عيد الفطر: فهي انقضاء شهر رمضان بعد تعبُّد المسلمين فيه لله تعالى بالصيام والقيام وفعل ما تيسر من صالح الأعمال.

وأما عيد الأضحى فمناسبته: اختتام عشر ذي الحجة التي قال عنها النبي : ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر [1].

وهناك عيدٌ ثالثٌ للمسلمين، ما هو هذا العيد؟ الجمعة، الجمعة هي عيد الأسبوع، وقد ورد في بعض الروايات تسميتها عيدًا [2]، فهي العيد الثالث.

هذه أعياد المسلمين، ولا يجوز اتخاذ غيرها من الأعياد، لا يجوز اتخاذ غيرها عيدًا، واتخاذ غيرها عيدًا من البدع المُحدَثة في الدين.

وأول عيدٍ شُرع في السنة الثانية من الهجرة، وكان عيد فطرٍ؛ وذلك أن النبي لما قدم المدينة؛ وَجد أن لهم يومين يلعبون فيهما، فقال: قد أبدلكم الله تعالى خيرًا منهما: عيد الفطر وعيد الأضحى [3]، أخرجه أبو داود والترمذي، وقال الحافظ في “البلوغ”: “بإسنادٍ صحيحٍ”، وهذا يدل على أنه لا بأس بإظهار الفرح والسرور يوم العيد، بل ربما نقول: إن إظهار الفرح والسرور يوم العيد مشروعٌ؛ ولهذا كان النبي  يتجمل فيهما، يلبس فيهما أحسن ثيابه [4].

قال الحافظ ابن حجرٍ رحمه الله، قال معلِّقًا على حديث عائشة رضي الله عنها لما دخل عليها النبي وعندها جاريتان تضربان بالدُّف، ودخل أبو بكرٍ وقال: أمزمور الشيطان في بيت رسول الله ؟! فقال: دعهما يا أبا بكرٍ؛ فإنها أيام عيدٍ، وإن لكل قومٍ عيدًا وهذا عيدنا [5]، قال الحافظ ابن حجرٍ: “فيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين”.

طيب، يُذكر عن بعض العُبَّاد أنه مرَّ بقومٍ يفرحون بيوم العيد فقال: إن هؤلاء قد ‌أَخطَئوا، فإن كان لم يُتقبل منهم؛ فليس هذا فعل الخائفين، وإن كان قد تُقبل منهم؛ فليس هذا بفعل الشاكرين، كيف نجيب عن هذا؟ يعني هو أنكر على هؤلاء الذين يفرحون يوم العيد، وقال: إن كان هؤلاء لم يتقبل منهم؛ فليس هذا فعل الخائفين، وإن كان قد تقبل؛ فليس هذا فعل الشاكرين، نعم، تفضل يا أخي.

مداخلة:

الشيخ: طيب، من يوضح أكثر؟ تفضل.

مداخلة:

الشيخ: طيب، نعم.

مداخلة:

الشيخ: نعم، هو لم يَرِد أنهم كانوا يلعبون بمنكراتٍ، وإنما مجرد إظهار فرحٍ وسرورٍ، لكن قالوا: إن هذا اجتهادٌ منه، وهذا ليس من العلماء، وإنما عابدٌ من العُبَّاد، هذا اجتهادٌ منه، وهو خلاف هدي النبي ، فإنه عليه الصلاة والسلام قد أباح لأمته في أيام العيد من الفرح والانطلاق والانشراح الذي لا يُخِلُّ بالدين، لكن الفرح المنضبط بالضوابط الشرعية، وكما أنه أباح عند الحزن الإحداد وترك الزينة والطيب لثلاثة أيامٍ على غير الزوج، وللزوج أربعة أشهرٍ وعشرٌ، هذا من باب مراعاة الشريعة لأحوال النفوس؛ وهذا يدل على عظمة هذه الشريعة؛ ولهذا ما يُرى من بعض الناس إذا كان يوم العيد يكون حزينًا أو نحو ذلك: هذا خلاف هدي النبي ، المطلوب هو أن يكون الإنسان مسرورًا فرحًا بنعمة الله تعالى عليه، مثلًا: بإتمام الصيام والقيام وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة، وكذلك في عشر ذي الحجة، فعل ما تيسر من الأعمال الصالحة فيها، فكما نقلنا عن الحافظ ابن حجرٍ: أن الفرح والسرور يوم العيد من شعار الدين، لكن الفرح المنضبط بالضوابط الشرعية، لا الفرح الذي يكون فيه انفلاتٌ؛ بأن يكون معه مثلًا مزامير ومعازف ونحو ذلك، هذا لا يجوز، لكن الفرح المنضبط بالضوابط الشرعية، نقول: إن هذا أمرٌ لا بأس به، بل هو أمرٌ مشروعٌ، وكما نقلنا: هو من شعار الدين؛ ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يلبس في العيدين أحسن ثيابه [6].

مداخلة:

الشيخ: نعم، تذكير الناس بمآسي المسلمين، ما هو الهدف منه؟

مداخلة:

الشيخ: إذا كان لأجل الدعاء لهم؛ لا بأس، هذا اغتنامٌ لاجتماع المسلمين والدعاء لهم، هذا لا بأس به، أما أن تُذكر هذه المآسي على سبيل إظهار الحزن ونحو ذلك؛ فهذا غير مشروعٍ، كما ينبغي أن يُحث الناس على ما ينفعهم في أمور دينهم، ويدعو لإخوانه المسلمين، والنبي عليه الصلاة والسلام في وقته لم تخلُ سنةٌ من السنين من وقائع ومن أحداثٍ عظيمةٍ، ومع ذلك لم يُنقل عن النبي عليه الصلاة والسلام مثل هذا، إذا فعل هذا بصفةٍ عارضةٍ أحيانًا؛ لا بأس، لكن تكون دَيْدنًا لبعض الخطباء، بحيث لا تنفك عنها خطبة العيد: هذا أرى أنه غير مشروعٍ مثل هذا الأمر.

حكم صلاة العيدين

قال:

وهي فرض كفايةٍ.

يعني أفاد المؤلف بأن حكم صلاة العيد: أنها “فرض كفايةٍ”، وقد اختلف العلماء في حكم صلاة العيد على ثلاثة أقوالٍ:

  • القول الأول: أنها فرض كفايةٍ كما قال المؤلف، وهذا هو الصحيح من مذهب الحنابلة.
  • القول الثاني: أنها سنةٌ، وهذا هو مذهب المالكية والشافعية.
  • والقول الثالث: أنها فرض عينٍ، وهذا هو مذهب الحنفية.

نأتي بالأدلة:

استدل من قال: إنها فرض كفايةٍ، بالأدلة الدالة على مشروعيتها، وأن النبي كان من هديه أنه يخرج لصلاة العيدين، وقالوا: لكنها فرض كفايةٍ وليست فرض عينٍ؛ لأن المقصود منها: إظهار شعار الإسلام بالمبالغة، يعني مما ورد في هذا قبل أن نأتي للتوجيه: حديث أم عطية رضي الله عنها أن النبي أمر بإخراج العواتق والحُيَّض وذوات الخُدور [7]، وهذا أمرٌ، والأمر يقتضي الوجوب، لكن حمله الحنابلة على أنه فرض كفايةٍ؛ قالوا: لأن المقصود من صلاة العيدين: هو إظهار شعار الإسلام بالمبالغة في الاجتماع؛ ولذلك أمر النبي بإخراج الحُيَّض؛ لشهود جماعة المسلمين مع اعتزالهن المصلى، والصلاة لا تصح منهن، وإذا كان هذا هو المقصود؛ فإذا قام به بعض من يكفي؛ سقط الإثم عن الباقين.

وأما من قال: إن صلاة العيد سنةٌ وليست واجبةً، فاستدلوا بأدلةٍ سابقةٍ؛ ومنها: حديث أم عطية بأمر النبي إخراج العواتق والحيض وذوات الخدور، لكنهم حملوا ذلك على السُّنية، قالوا: والصارف للوجوب أدلةٌ أخرى؛ ومنها: حديث الأعرابي الذي أتى النبي يسأله عن شرائع الإسلام، وجاء فيه أنه سأله عن الصلاة فقال: خمس صلواتٍ في اليوم والليلة، قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوَّع [8]، فلو كانت صلاة العيد واجبةً؛ لبيَّن هذا النبي ؛ لأن المقام مقام بيانٍ وإجابةٍ لسؤالٍ.

أما أصحاب القول الثالث -وهم الحنفية- فقالوا: إنها فرض عين، واستدلوا بظاهر حديث أم عطية، قالوا: فأمرُ النبي للحُيَّض وذوات الخدور والعواتق بالخروج؛ يدل على تأكد هذه الصلاة، وذلك لا يكون إلا في فروض الأعيان، واستدلوا أيضًا بالآية الكريمة: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2]، على تفسير مَن فسر الصلاة بأنها صلاة العيد؛ فتكون مأمورًا بها.

والأقرب -والله أعلم- في هذه المسألة: هو القول الأول، وهو أنها فرض كفايةٍ، وإن كان القول بأنها فرض عينٍ قولًا قويًّا، لكن الأقرب هو القول الأول.

وأما استدلال الحنفية بالآية الكريمة فهو محل نظرٍ؛ فإنها قد فُسِّرت بغير ذلك، قال ابن جريرٍ الطبري رحمه الله: “أولى الأقوال بالصواب في تفسير الآية: قول مَن قال: فاجعل صلاتك كلها لربك خالصًا دون من سواه من الأنداد والآلهة، وكذلك نَحْرُك، اجعله له دون الأوثان؛ شكرًا له على ما أعطاك”، فهو أمرٌ بإخلاص الصلاة والنحر، وليس فيه ذكرٌ لصلاة العيد.

وأما استدلالهم بحديث أم عطية، فقد قال الحافظ ابن حجرٍ: “الاستدلال بهذا الحديث على وجوب صلاة العيد محل نظرٍ؛ لأن مِن جملة مَن أُمر بذلك: مَن ليس بمكلفٍ، فظهر أن القصد منه إظهار شعار الإسلام بالمبالغة في الاجتماع”.

لأن مِن جملة مَن أُمر بذلك مَن ليس بمكلفٍ”، ماذا يقصد؟

مداخلة:

الشيخ: لا، الحُيَّض مكلفةٌ.

مداخلة:

الشيخ: ذوات الخُدور: الأبكار، لكن التي يكُنُّ في خِدرهن، مَن بقي؟ العواتق، معنى العواتق: هُنَّ الجواري الصغيرات، العواتق: جمع عاتقٍ وهي الجارية القريبة من البلوغ، وهذه غير مكلفةٍ، فكونه قد أمر بذلك مَن ليس بمكلفٍ، قال: “فظهر أن القصد منه: إظهار شعار الإسلام بالمبالغة في الاجتماع”.

وأما استدلال أصحاب القول الثاني بذلك على السنية، فنقول: إن النبي عظَّم شأن صلاة العيدين، ويلزم من قولهم بأن الناس لو تركوا صلاة العيدين؛ لم يأثموا بهذا، وهذا خلاف هدي النبي ، وخلاف ما تدل له الشريعة من تعظيم هذه الصلاة ومن تأكيد إظهار شعائر الإسلام في ذلك اليوم؛ ولهذا فالأقرب -والله أعلم- هو أن صلاة العيدين من فروض الكفاية، إذا قام بها بعض من يكفي؛ سقط الإثم عن الباقين، هذا هو الأظهر، وهو المذهب عند الحنابلة.

شروط صلاة العيدين

قال:

وشروطها كالجمعة ما عدا الخطبتين.

وشروط الجمعة سبق أن تكلمنا عنها بالتفصيل؛ فلا حاجة إلى أن نعيدها، لكن قال المؤلف: “ما عدا الخطبتين”، أفادنا المؤلف بأن خطبة العيد ليست واجبةً، وهذه مسألةٌ اختلف فيها العلماء، اختلف العلماء في هذه المسألة؛ فمن أهل العلم من قال بوجوبها، ولكن جمهور أهل العلم على الاستحباب، وعلى أنها ليست بواجبةٍ؛ وذلك لحديث عبدالله بن السائب قال: شهدت العيد مع النبي ، فلما قضى الصلاة قال: أيها الناس، إنا نخطب، فمن أحب أن يجلس للخطبة؛ فليجلس، ومن أحب أن يذهب؛ فليذهب [9]، وهذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه، ولكن الصحيح: أنه مرسلٌ، ولا يصح مرفوعًا إلي النبي ، فهو مرسلٌ، وبعض أهل العلم يُصحِّحه، لكن ليس هناك دليلٌ ظاهرٌ يدل على وجوب الاستماع لخطبة العيد؛ ولهذا فإن من أهل العلم من قال بالوجوب، ومنهم من قال بالاستحباب، وهم الجمهور، ومنهم قال بأنها فرض كفايةٍ، وهذا هو الأقرب: أن الاستماع للخطبة -خطبة العيد- فرض كفايةٍ؛ لأنه يترتب على القول بالاستحباب أن الناس كلهم لو انصرفوا؛ لم يكن في هذا بأسٌ، فهذا لا شك أنه خلاف السُّنة، وهديُ النبي وهدي أصحابه : أنه عليه الصلاة والسلام كان يخطب، وكان يستمع للخطبة من يستمع من الصحابة ؛ لهذا فنُقيِّد ذلك بأن يبقى من الناس من يستمع للخطبة؛ فيكون الأقرب في استماع خطبة العيدين: أن ذلك من فروض الكفاية.

تُسَنُّ صلاة العيد في الصحراء

قال:

وتُسن في الصحراء.

السُّنة أن تؤدى صلاة العيد في الصحراء قريبًا من البنيان، هذا هو هدي النبي وهدي خلفائه الراشدين من بعده، قال ابن القيم رحمه الله: “وكان يصلي العيدين في المصلى [10]، ولم يُصلِّ العيد بمسجده إلا مرةً واحدةً، أصابهم مطرٌ فصلى بهم العيد في المسجد [11] إن ثبت الحديث”، وابن القيم تعرفون كتب “زاد المعاد” في السَّفر، ولم يستحضر الكلام عنه، ولكن هذا الحديث لم يثبت، الحديث الذي أشار إليه ابن القيم لم يثبت، رواه أبو داود وابن ماجه، وفي سنده رجلان مجهولان؛ فهو ضعيفٌ، ولذلك نقول: إنه لم يثبت عن النبي أنه صلى صلاة العيد في المسجد ولا مرةً واحدةً؛ ولهذا فالسُّنة أن تصلَّى صلاة العيد في المصلى، يحرص المسلم على هذا قدر الإمكان، ولا تستوي الصلاة في المسجد مع الصلاة في المصلى.

طيب، مصلى العيد في عهد النبي هو محلٌّ معروفٌ بالمدينة، قال عمرو بن شبَّة في “أخبار المدينة”: “إن بينه وبين مسجد النبي ألف ذراعٍ”، والذراع يُعادل: (48 سم) تقريبًا، فإذا أردنا أن نعرف كم المسافة من المسجد…

مداخلة:

الشيخ: نعم، ألف ذراعٍ، والذراع: (48 سم).

مداخلة:

الشيخ: تقريبًا نصف كيلو (500 مترٍ)، في هذه الحدود.

حكم النفل قبلها وبعدها

ويُكره النفل قبلها وبعدها قبل مفارقة المصلَّى.

ويُكره النفل قبلها وبعدها؛ وذلك لما جاء في “الصحيحين” عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن النبي صلى يوم العيد ركعتين لم يُصلِّ قبلهما ولا بعدهما [12]، وفي روايةٍ عنه: “بلا أذانٍ ولا إقامةٍ” [13]، لكن جاء في حديث أبي سعيدٍ ، وهو من أحاديث “البلوغ”، قال: “كان النبي لا يُصلي قبل العيد شيئًا، فإذا رجع إلى منزله؛ صلى ركعتين” [14]، قال الحافظ في “البلوغ”: “رواه ابن ماجه بإسنادٍ حسنٍ”، وقال البوصيري في الزوائد: “إسناده حسنٌ”، ويُجمع بينه وبين ما قبله على أن حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما -كما جاء في معناه- محمولٌ على أنه لا يُصلِّي في المصلى شيئًا، لا قبل العيد ولا بعده، ولا يلزم من ذلك أنه لا يُصلِّي في البيت بعد رجوعه من المصلَّى؛ كما دل على ذلك حديث أبي سعيدٍ .

لهذا نقول: إن السُّنة للإنسان -إذا رجع إلى منزله بعد العيد- أن يُصلِّي ركعتين، هذه من السنن التي يغفل عنها أكثر الناس، وهذه قد وردت في حديث أبي سعيدٍ ، وقلنا: إن إسناده ثابتٌ.

مداخلة:

الشيخ: فرض كفايةٍ، نعم ليست بواجبةٍ، يعني: لو إنسانٌ ما استمع الخطبة؛ لا يأثم، بخلاف صلاة الجمعة.

مداخلة:

الشيخ: الجمعة واجبةٌ، فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9]، في العيد كون الإمام يخطب..

مداخلة:

الشيخ: الخطبة لا بد منها في العيدين، لكنها أيضًا ليست في التأكُّد كخطبة الجمعة.

وقت صلاة العيد

ووقتها كصلاة الضحى.

وصلاة الضحى مرَّ معنا متى يبتدئ وقتها؟ بعد طلوع الشمس وارتفاعها قِيدَ رمحٍ، حدود عشر دقائق تقريبًا إلى قُبيل الزوال، إلى وقت النهي، قُبيل الظهر بحدود عشر دقائق أيضًا، تقريبًا هذا هو وقت صلاة العيدين.

قضاء صلاة العيد

فإن لم يُعلم بالعيد إلا بعد الزوال؛ صلوا من الغد قضاءً.

لحديث أبي عُميس بن أنس بن مالكٍ عن عمومةٍ له من الصحابة، وكانوا جاءوا فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم النبي أن يُفطروا، وإذا أصبحوا؛ يغدوا إلى مصلاهم [15]، قال الحافظ ابن حجرٍ في “البلوغ”: “رواه أحمد وأبو داود -وهذا لفظه- وإسناده صحيحٌ”.

وقد كان الناس يحتاجون لهذه المسألة لما لم تكن وسائل الاتصالات والمواصلات السريعة موجودةً، فكان أحيانًا لا يعلمون برؤية الهلال إلا منتصف النهار، وربما آخر النهار، وهنا صلوا العيد من اليوم التالي، هذا إذا لم يعلموا إلا بعد الزوال، أما إذا علموا قبل الزوال؛ فيُبادرون بأداء صلاة العيد مباشرةً.

تبكير المأموم وتأخر الإمام إلى وقت الصلاة

قال:

وسُنَّ تبكير المأموم وتأخر الإمام إلى وقت الصلاة.

أما تبكير المأموم: فهو سُنةٌ في صلاة العيد وفي غيرها، وفي صلاة الجمعة وفي صلاة الجماعة يُسَنُّ تبكير المأموم، وقد جاء في “الصحيحين” من حديث أبي هريرة أن النبي قال: لو يعلم الناس ما في التهجير؛ لاستبقوا إليه [16]، والتهجير: هو التبكير، وورد في التبكير في صلاة الجمعة فضلٌ خاصٌّ سبق أن أشرنا إليه: مَن راح إلى الجمعة في الساعة الأولى؛ فكأنما قرَّب بَدَنة.. الحديث [17]، هكذا أيضًا صلاة العيدين، السنة التبكير؛ لأجل أن يُؤجر على انتظار الصلاة، وليحصل له الدنو من الإمام.

وأما بالنسبة للإمام: فالسنة له التأخر إلى وقت الصلاة؛ لقول أبي سعيدٍ : “كان رسول الله يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلَّى، فأول شيءٍ يبدأ به: الصلاة” [18]، رواه مسلمٌ.

طيب، وفي غير العيد، في الجمعة، هل السنة للإمام التأخر إلى الخطبة؟

مداخلة:

الشيخ: نعم، السنة له التأخر، كذلك لا يأتي إلا مع الخطبة.

الشيخ: طيب، بالنسبة لصلاة الجماعة؟ كذلك كلها، بابها واحدٌ، الإمام يختلف عن المأموم، الإمام لا يأتي إلا وقت إقامة الصلاة، وأما ما ورد في التبكير فهذا في حق المأموم خاصةً، وليس في حق الإمام، ولا فرق بين صلاة الجماعة أو الجمعة أو العيدين؛ كلها بابها واحدٌ، المأموم يُحَث على التبكير، وأما الإمام فلا يأتي إلا وقت الصلاة أو وقت الخطبة.

مداخلة:

الشيخ: على كل حالٍ نحن نتكلم عن الأفضلية، لو بكَّر الإمام لا بأس، لكن نتكلم عن الأفضلية؛ لأن هذا هو هدي النبي ، لكن الفقهاء ينصون عليه في العيدين وفي الجمعة، وربما لا يذكرونه في صلاة الجماعة لكن الحكم واحدٌ، ولو أن الإمام أراد أن يُبكِّر مثلًا؛ لا بأس، لا نقول: إن هذا لا يجوز، لكن نقول: كلامنا عن الأفضل، الأفضل ألا يأتي إلا وقت الخطبة، وقت صلاة العيد، وكذلك وقت إقامة الصلاة.

مداخلة:

الشيخ: ولو بكَّر بالنسبة لصلاة الجمعة والعيدين، نعم، خالف السُّنة، أما صلاة الجماعة فنقول: إنه خلاف الأولى.

مخالفة الطريق يوم العيد

فإذا مضى في طريقٍ رجع في أخرى، وكذا الجمعة.

إذنْ السُّنة لمن ذهب لصلاة العيد: أن يخالف الطريق، فيذهب في طريقٍ ويرجع في طريقٍ آخر؛ لما جاء في “صحيح البخاري” عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: “كان النبي إذا كان يوم العيد؛ خالف الطريق” [19]، والحكمة في ذلك:

  • قيل: ليُسلِّم على أهل الطريقين وينال بركته الفريقان.
  • وقيل: ليقضي حاجة من له حاجةٌ في كلٍّ من الطريقين.
  • وقيل: ليُظهر شعار الإسلام في سائر الفجاج والطرق.
  • وقيل: ليغيظ المنافقين برؤيتهم عزة الإسلام وأهله وقيام شعائره.
  • وقيل: لتَكْثُر شهادة البقاع، فإن الذاهب إلى المسجد والمصلَّى إحدى خطوتيه يُرفع له بها درجةٌ، والأخرى يُحَطُّ عنه بها خطيئةٌ.

قال ابن القيم: “وقيل -وهو الأصح- إنه لذلك كله ولغيره من الحكم”، هذا هو الأقرب، كل هذه داخلةٌ في الحكمة، كل هذه التي ذكرنا كلها صحيحةٌ، هذا هو الأقرب كما قرره ابن القيم رحمه الله.

لكن قال المؤلف: “وكذا الجمعة”، يعني: يذهب للجمعة من طريقٍ ويعود من طريقٍ آخر؛ قياسًا على العيدين، ولكن هذا محل نظرٍ، أولًا قياس العبادات لا يتجه؛ فالعبادات مبناها على التوقيف، ولم يرد عن النبي مثل هذا، إنما ورد عنه في صلاة العيدين؛ ولهذا فالأقرب -والله أعلم- أن هذا خاصٌّ بصلاة العيد، ولا يشمل ذلك غيرها من الصلوات، لا الجمعة ولا الجماعة.

صفة صلاة العيد

وصلاة العيد ركعتان، يُكبِّر في الأولى.

صلاة العيد ركعتان بالإجماع.

قال:

يُكبِّر في الأولى بعد تكبيرة الإحرام وقبل التعوُّذ ستًّا.

التكبيرات التي تكون بعد تكبيرة الإحرام، هل تكون بعد دعاء الاستفتاح أو قبل دعاء الاستفتاح؟ ظاهر كلام المؤلف أنها تكون بعد دعاء الاستفتاح وقبل التعوذ.

وقال الموفَّق بن قدامة: السُّنة أن يستفتح بعد تكبيرة الإحرام، ثم يُكبِّر تكبيرات العيد، ثم يتعوَّذ، ثم يقرأ، وهذا هو المشهور في المذهب، يعني عند الحنابلة، ومذهب الشافعي.

والقول الثاني: هو ما ذكره المؤلف: أنه يُكبِّر ويستفتح، ثم يأتي بالتكبيرات، فهما قولان: قولٌ بأن الاستفتاح بعد التكبيرات، والقول الثاني: أن الاستفتاح قبل التكبيرات.

قال الموفَّق: “وأيما فعل -أي من الأمرين- كان جائزًا”؛ لأن الأمر في هذا واسعٌ، سواءٌ جعل التكبيرات قبل دعاء الاستفتاح أو بعده، فالأمر في ذلك واسعٌ والحمد لله.

التكبيرات قال: في الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام ستًّا، يعني: ست تكبيراتٍ، فتكون مع تكبيرة الإحرام كم تكبيرةً؟ سبع تكبيراتٍ.

وفي الثانية قبل القراءة خمسًا.

يعني خمس تكبيراتٍ في الثانية سوى تكبيرة القيام؛ فتكون مع تكبيرة القيام ستَّ تكبيراتٍ؛ لحديث عبدالله بن عمرٍو رضي الله عنهما أن النبي كبَّر ثنتي عشرة تكبيرةً: سبعًا في الأولى، وخمسًا في الثانية [20]، رواه أحمد.

قال:

ويرفع يديه مع كل تكبيرةٍ.

رُوي هذا عن عمر -كما عند البيهقي- لكن في سنده ضعفٌ، لكن يُغني عنه حديث وائل بن حُجرٍ أن النبي كان يرفع يديه مع التكبير [21]، أخرجه أحمد، وقال الإمام أحمد: “أرى أن يدخل فيه هذا كله”، يعني: يقصد بذلك صلاة العيد وصلاة الجنازة، كلها تدخل في هذا، فالسُّنة إذنْ: رفعُ اليدين مع كل تكبيرةٍ. 

قال:

ويقول بينهما: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا، وصلى الله على محمدٍ النبي وآله وسلم تسليمًا.

هذا قد رُوي عن ابن مسعودٍ ، ولم يرد عن النبي ، على أن في ثبوت ذلك عن ابن مسعودٍ مقالٌ، فبعض أهل العلم أيضًا، لا يُصحِّح نسبة ذلك إلى ابن مسعودٍ.

قال ابن القيم: “ولم يُحفظ عن النبي ذكرٌ معينٌ بين التكبيرات”.

والأقرب -والله أعلم- أنه لا يُشرع أن يقال شيءٌ بين التكبيرات؛ لعدم وُرود ذلك عن النبي ؛ إذ لو كان مشروعًا؛ لفعله النبي ولنُقل، وأما ما رُوي عن ابن مسعودٍ فهذا أولًا: قد قيل بأنه ضعيفٌ لا يصح عنه، وثانيًا -على تقدير ثبوته- اجتهادٌ منه ، فلا يمكن أن نقول: إن هذا هو السُّنة، وهو لم يثبت عن النبي ، ولم يثبت عن أحدٍ من الخلفاء الراشدين من بعده أنه كان يأتي بهذا الذكر.

قال:

ثم يستعيذ، ثم يقرأ جهرًا الفاتحة، ثم (سَبِّح) في الأولى، والغاشية في الثانية.

وهذا قد ورد فيه حديث سَمُرة [22]، وقد كان النبي يُكثر من قراءة هاتين السورتين: سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى [الأعلى:1]، وهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1]، حتى إنه إذا وافق العيدُ الجمعةَ؛ قرأ بهما في صلاة العيد وفي صلاة الجمعة [23]، السُّنة أن يحرص الخطيب على قراءة هاتين السورتين في صلاة العيد وفي صلاة الجمعة.

وهناك سنةٌ أخرى: وهي قراءة سورة قٓ، واقْتَرَبَتِ، قٓ [ق:1]، في الركعة الأولى بعد الفاتحة، واقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1]، في الركعة الثانية، كل هذا قد وردت به السنة [24]، والأفضل أن ينوِّع؛ يأتي بهذا تارةً وبهذا تارةً.

خطبة العيد

فإذا سلَّم؛ خطب خطبتين، وأحكامهما كخطبتي الجمعة.

وقد سبق الكلام عن أحكام خطبتي الجمعة بالتفصيل في درس سابق.

لكن يُسن أن يستفتح الأولى بتسع تكبيراتٍ، والثانية بسبعٍ.

وهذا قد رُوي فيه حديثٌ عن النبي ، ولكن هذا الحديث ضعيفٌ لا يصح، ولم يثبت عن النبي أنه كان يستفتح صلاة العيد بالتكبير، وإنما كانت جميع خطب النبي يستفتحها بالحمد؛ ولهذا فالصحيح: أنه لا يشرع افتتاح الخطبتين بالتكبير؛ لأنه لم يرد في ذلك دليلٌ صحيحٌ، والحديث المروي في ذلك ضعيفٌ؛ ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، رحمهما الله تعالى: “لم يصح عن النبي أنه افتتح خطبتي العيدين بالتكبير، وإنما كان يفتتح جميع خطبه بـ: الحمد لله”، يعني بحمد الله ، هذه هي السنة، وهذا هو الذي عليه كثيرٌ من المحققين من أهل العلم.

والحديث الذي أشرتُ إليه هو حديث سعدٍ المؤذن: “كان النبي يُكثر التكبير في خطبة العيدين” [25]، رواه ابن ماجه، والذي ورد أنه يُكثر من التكبير لكنه أيضًا حديث ضعيف ولو صح فليس صريحًا؛ لأنه قال: يُكثِر من التكبير، ولم يقل: يفتتح الخطبتين بالتكبير.

قال:

وإذا صلى العيد كالنافلة؛ صح.

وعلَّل ذلك المؤلف:

لأن التكبيرات والزوائد والذكر بينهما والخطبتين سنةٌ.

قال الموفَّق ابن قدامة: “لا أعلم فيه خلافًا”، فلو أنه صلى ركعتين كالنافلة؛ فإن ذلك يصح، التكبيرات والزوائد كلها سنةٌ، والذكر بينهما -على القول بمشروعيته أيضًا- ليس واجبًا، والخطبتان إما أنهما سُنةٌ، أو فرض كفايةٍ، وكما قال الموفَّق: “لا أعلم في هذا خلافًا”.

قضاء صلاة العيد ولو بعد الزوال

قال:

وسُن لمن فاتته: قضاؤها ولو بعد الزوال.

يعني: من فاتته صلاة العيد، يقول المؤلف: يقضيها ولو بعد الزوال، وهذا هو المذهب عند الحنابلة: أن صلاة العيد تُقضى على صفتها؛ لعموم قول النبي : من نام عن صلاةٍ أو نسيها؛ فليصلها إذا ذكرها [26]، قالوا: ويدخل في ذلك صلاة العيد.

والقول الثاني في المسألة: أنها لا تُقضى إذا فاتت، وهذا قولٌ عند الحنابلة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، رحمهما الله تعالى، وهو أيضًا الذي يُرجحه الشيخ محمد بن عثيمين رحمة الله عليه؛ وذلك لعدم وروده؛ ولأنها صلاةٌ ذات اجتماعٍ معينٍ، فلا تُشرع إلا على هذا الوجه، وقياسًا على الجمعة؛ فإن الجمعة إذا فاتت؛ لا تُقضى، وإنما يُصلَّى فرض الوقت، وهو الظهر، وأما العيد فليس لهذا الوقت فرضٌ؛ فلا تُقضى.

وأما استدلال أصحاب القول الأول بقول النبي : من نام عن صلاةٍ أو نَسِيَها؛ فليصلها إذا ذكرها، فالمراد بذلك: صلاة الفريضة، وأما صلاة العيد: فهي مشروعةٌ على صفةٍ معينةٍ على وجه الاجتماع؛ فلا تُقضى.

وبناءً على هذا القول لا تُشرع صلاة العيد في البيوت؛ ولهذا أمر النبي الناس أن يخرجوا إليه، وأمر النساء بالخروج، وأمر العواتق والحُيَّض وذوات الخدور أن يشهدن الخير ودعوة المسلمين [27]، ولم يقل: من تخلَّف؛ فليصلِّ في بيته، هكذا نعرف أن بعض النساء اللاتي مثلًا يصلين صلاة العيد في بيوتهن: أن هذا غير مشروعٍ، صلاة العيد وردت على صفةٍ معينةٍ باجتماعٍ خاصٍّ، فإما أن تصلَّى على هذه الكيفية وهذه الطريقة، وإما ألا تصلَّى، هذا هو الأقرب -والله أعلم- في هذه المسألة.

التكبير المطلق

ثم قال المؤلف:

فصلٌ
يُسن التكبير المطلق والجهر به في ليلتي العيدين إلى فراغ الخطبة، وفي كل عشر ذي الحجة.

أفاد المؤلف بأن التكبير ينقسم إلى قسمين:

  1. تكبيرٌ مطلقٌ.
  2. وتكبيرٌ مقيدٌ.

ويُشرع في ليلتي العيدين؛ لقول الله تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185]، وقد قال الإمام أحمد: “إن التكبير ليلة عيد الفطر آكد”، لماذا؟ لأن الله تعالى ذكره، فإن قوله تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، بعد آية الصيام، فهو آكد، تكبير ليلة عيد الفطر آكد من التكبير ليلة عيد الأضحى.

التكبير المقيد

والتكبير المقيد

هو الذي قال:

عقب كل فريضةٍ صلاها في جماعةٍ.

والتكبير المطلق والمقيد لم يثبت فيه شيءٌ عن النبي ، إنما ورد في الآية الكريمة: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185]، لكن ورد فيه آثارٌ كثيرةٌ عن السلف، ولهذا فيُعمل بما ورد في ذلك من آثارٍ عن الصحابة وعن السلف، فالتكبير المطلق ليلتي العيدين وفي كل عشر ذي الحجة، يعني: من دخول عشر ذي الحجة يبدأ التكبير المطلق.

أما التكبير المقيد قال:

من صلاة فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، إلا المُحرِم فيُكبِّر من صلاة ظهر يوم النحر.

والذي ورد في ذلك هو حديث جابرٍ : أن النبي صلَّى الصبح يوم عرفة ثم أقبل علينا، فقال : الله أكبر، ومدَّ التكبير إلى آخر أيام التشريق [28]، وهذا الحديث رواه الدارقطني لكنه حديثٌ ضعيفٌ لا يصح؛ لذلك أنا قلت: إنه لم يصح عن النبي في هذا شيءٌ.

وظاهر كلام المؤلف: أن التكبير المطلق إنما ينتهي بنهاية آخر ذي الحجة، فإنه قال: “ليلتي العيدين إلى فراغ الخطبة، وفي كلِّ عشر ذي الحجة”.

والقول الثاني في المسألة: أن التكبير المطلق ينتهي بغروب شمس آخر أيام التشريق، وهذا هو القول الراجح، فيكون التكبير المطلق ليلتي العيدين من دخول عشر ذي الحجة إلى غروب شمس آخر أيام التشريق.

وأما التكبير المقيد لغير الحاج: من صلاة فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق.

قال: “إلا المحرم فيكبر من صلاة ظهر يوم النحر”؛ وذلك لأن التلبية تنقطع برمي جمرة العقبة إلى عصر آخر أيام التشريق.

صفة التكبير

قال: ويُكبِّر الإمام مستقبِل الناس.

يعني: إذا صلى صلاة الجماعة؛ فإنه يستقبل الناس ويُكبِّر، ويُكبِّر الناس معه.

وصفته شفعًا: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

لحديث جابرٍ السابق، ولكنه قلنا: حديثٌ ضعيفٌ، لكن قال الإمام أحمد: “أختار تكبير ابن مسعودٍ، وذكر مثله”.

وهناك صفةٌ أخرى مأثورةٌ عن بعض السلف: تثليث التكبير، يعني يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد، كل هذا مما أُثِر عن السلف في هذا، وكما قلت لكم:  لا يُحفظ في هذا سنةٌ ثابتةٌ عن النبي ، لكن كل هذا إنما مداره على الآثار الواردة عن السلف.

قال:

ولا بأس بقوله لغيره: تقبل الله منا ومنك.

يعني: يقول ذلك يوم العيد، وهذا هو أحسن ما ورد من الصيغ في ذلك، وهذا لم يرد عن النبي ، لكنه رُوي عن بعض الصحابة، رُوي عن أبي أُمامة وواثلة بن الأسقع، أنه يقول: “تقبل الله منا ومنك”؛ وذلك لأن يوم العيد يكون بعد مناسبةٍ شرعيةٍ، فعيد الفطر يكون بعد شهر رمضان، وعيد الأضحى يكون بعد عشر ذي الحجة، فيدعو الله تعالى بالقبول، قبول الأعمال الصالحة في هذا الزمان الفاضل، هذا مأثورٌ عن السلف، ولا بأس أن يأتي بأي صيغةٍ، فلو قال: عيدٌ مباركٌ، أو كل عامٍ وأنتم بخيرٍ، أو نحو ذلك؛ فلا بأس؛ لأن التهنئة من باب العادات أو العبادات؟ من باب العادات، وما كان من باب العادات؛ فالأصل فيه الإباحة؛ ولذلك لا بأس بالتهنئة بالعيدين، وردُّ التهنئة بعض أهل العلم يرى أنه متأكِّدٌ، الشيخ عبدالرحمن السعدي يرى أنه يجب رد التهنئة؛ لعموم قول الله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]، ولأن ترك رد التهنئة يُحدِث مفسدةً، يُحدِث القطيعة والهجر؛ ولهذا لو أن إنسانًا سلم على آخر وهنَّأه بالعيد فلم يرد عليه؛ لا شك أن هذا يُحدث وحشةً بينه وبينه، وربما يحصل قطيعةٌ وكراهيةٌ.

مداخلة:

الشيخ: كذلك رسائل الجوال، نقول: لا بأس بها، الأصل في التهنئة الحِل والإباحة.

الشيخ: طيب، التهنئة بدخول شهر رمضان؟

مداخلة:

الشيخ: لا بأس بها، نحن وضعنا قاعدةً: الأصل في التهنئة أنه من باب العادات، والعادات الأصل فيها الحِل والإباحة، فنقول: لا بأس بها، القاعدة: ما كان يُؤدي إلى المودة والمحبة بين المسلمين فالشريعة تدعو إليه؛ لذلك لا بأس بالتهنئة برمضان.

التهنئة برأس السنة الهجرية..

مداخلة:

الشيخ: ما هو التشبه؟

مداخلة:

الشيخ: طيب، نعم.

مداخلة:

الشيخ: هي ليس فيها تشبهٌ؛ ولذلك نقول: إنها جائزةٌ، لكن لا نقول: إنها سنةٌ، جائزةٌ، لا ننكر عليه؛ لأن هذا من باب العادات، التشبه قيل: إن النصارى أخذوها من المسلمين، يعني: ما الذي يُثبت أن المسلمين أخذوها من النصارى؟ التشبُّه يكون في أمرٍ يختص به الكفار، ومثل هذه التهاني لا يختص بها الكفار، ولكن بعض أهل العلم لا يَستحب ابتداء التهنئة ببداية السنة، لكن يقول: من هنَّأك فرُدَّ عليه، من هنَّأك تردُّ عليه بهذا، الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في مخاطباته لبعض العلماء كان يُهنِّئهم بالسنة، بداية السنة الهجرية، الأصل في هذا أنها من باب العادات، والعادات الأصل فيها الحِل والإباحة، فالذي يظهر أن هذا لا بأس به، لكن لا نقول باستحبابه، لكن لو هنأك أحدٌ؛ فيتأكد أن ترد عليه، كل هذا لا بأس به، نحن لا نقول: احتفالٌ، الاحتفال بدعةٌ، لكن كلامنا في التهنئة، لو أن أحدًا هنَّأك، يعني: لا يُنكَر عليه ذلك؛ لأن هذا من قبيل العادات.

مداخلة:

الشيخ: أحسنت، هذا سؤالٌ جيدٌ، الخطبة الواحدة في صلاة العيد، إذا تأملنا سنة النبي ؛ نجد أن ظاهر السنة أن النبي إنما كان يخطب العيد خطبةً واحدةً، ولم يرد أنه كان يخطب خطبتين، ولكن كان يعظ النساء باعتبار أنهن بعيداتٌ، فبعض الرواة نقلوها، فظن بعض العلماء أنه كان يخطب خطبتين، وكان الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله في آخر حياته يخطب خطبةً واحدةً، هذا هو ظاهر السُّنة: أن العيد خطبةٌ واحدةٌ، لكن مَن كان في بلدٍ ولو خطب خطبةً واحدةً؛ لأحدث فتنةً؛ فينبغي ألا يفعل هذا، إنما يفعل هذا العالم الكبير الذي يُقتدى به؛ مثل الشيخ محمد رحمه الله، والذي لو فعل ذلك؛ عرف الناس السنة، هذا هو الذي يفعل هذا؛ لأن كونها خطبتين ليس منكرًا، هو جائزٌ، وهو قول أكثر أهل العلم، لكن إذا حقَّقنا؛ فالتحقيق: أن ظاهر السنة أن النبي كان يخطب العيد خطبةً واحدةً كالاستسقاء؛ لأنه ليس هناك دليلٌ ظاهرٌ يدل على أن العيد له خطبتان.

مداخلة:

الشيخ: لا، “جمعةٌ مباركةٌ” تختلف، “جمعة مباركة” إذا كان يقولها بصفةٍ دائمةٍ؛ فهذا غير مشروعٍ؛ لأنها لم ترد، ولم يُؤثَر مثل هذا، ولو كان مشروعًا؛ لنُقل، لكن إذا قالها بصفةٍ عارضةٍ؛ فلا بأس؛ لأن هذا يدخل في العادات، بصفة عارضةٍ أرجو ألا يكون في هذا بأسٌ، فرقٌ بين الشيء الذي يُفعل بصفةٍ عارضةٍ، والشيء الذي يُفعل بصفةٍ دائمةٍ.

باب صلاة الكسوف

باب صلاة الكسوف

إذنْ نأخذ الكسوف، حتى في الدرس القادم نأخذ الاستسقاء، وجزءًا من الجنائز، ثم نكمل الدرس الذي بعده الجنائز، ونتوقف عند كتاب الزكاة إن شاء الله.

قال:

باب صلاة الكسوف
وهي سنةٌ من غير خطبةٍ.

يعني صلاة الكسوف، أولًا: نُريد أن نعرف صلاة الكسوف، ما معنى الكسوف؟

تعريف الكسوف

الكسوف: يُعرِّفه كثيرٌ من الفقهاء بأنه: “ذهاب ضوء أحد النَّيِّرين أو بعضه”، ولكن التعبير بالذهاب محل نظرٍ؛ لأنه لا يذهب ضوء الشمس وضوء القمر، لا يذهب وإنما يُحجب؛ ولهذا فالصواب في التعريف أن يقال: “انحجاب ضوء أحد النَّيِّرين أو بعضه”.

“انحجاب ضوء أحد النَّيِّرين” يعني: الشمس أو القمر، وهو ما يسمى بـ”الكسوف الكلي، والخسوف الكلي”، “أو بعضه”: وهو ما يسمى بـ”الخسوف الجزئي، والكسوف الجزئي”، ويقال: كَسَفت الشمس وخَسَفت، وكَسَف القمر وخَسَف، وقال بعضهم: إن الكسوف للشمس، والخسوف للقمر؛ أما القمر: فإن الله تعالى قال: وَخَسَفَ الْقَمَرُ [القيامة:8]، وأما الشمس: فقد جاء في “صحيح مسلمٍ” عن عُروة بن الزبير قال: “لا تقولوا: كسفت الشمس، ولكن قولوا: خسفت” [29]، لكن هذا من قول عروة، لكن الأحاديث الصحيحة جاءت باستعمال لفظ “الكسوف” للشمس، فهذا هو المشهور من استعمال الفقهاء: أن “الكسوف” للشمس، و”الخسوف” للقمر، وقد ذكر الجوهري أن هذا هو الأفصح، الجوهري صاحب كتاب “الصحاح” من المتقدمين، صاحب كتاب “الصحاح”، كتاب جيدٌ، ويُروى أنه لما ألَّف هذا الكتاب؛ أعجبه هذا الكتاب، فأراد أن يُقدِّم شيئًا آخر؛ ففكر في الطيران، ويبدو أنه نجح في معرفة كيف يطير، ولكن ربما حصل عنده خطأٌ، فجمع الناس وقال: إني صنفت كتابًا لم يُصنِّف قبلي أحدٌ مثله: وهو “الصحاح”، وأُريد أن أفعل عملًا الآن لم يعمل أحدٌ قبلي مثله، فصعد على جبلٍ وقد ركَّب جناحين، لكنه سقط ومات.

طيب لأن الجوهري رحمه الله قال: “إن هذا هو الأفصح”، ولأجل هذا الاختلاف؛ قال البخاري في “صحيحه”: “باب: هل يقول: كسفت الشمس أو خسفت؟”.

الكسوف والخسوف بمعنًى واحدٍ، وورد إطلاق: كسوف الشمس وخسوف الشمس، وخسوف القمر وكسوف القمر، لكن الأفصح أن يقال: كسفت الشمس، وخسف القمر.

وقد كسفت الشمس في عهد النبي في السنة العاشرة من الهجرة، وكان من قَدَر الله أنها كسفت في اليوم الذي مات فيه إبراهيم ابن النبي ، فقال الناس: إنها كسفت لموت إبراهيم، كانوا يعتقدون في الجاهلية أنها إنما تنكَسِف لموت عظيمٍ أو لولادة عظيمٍ، ففزع النبي وأخطأ بدرع بعض أهل البيت فأخذه، حتى أُدرِك بردائه [30].

جاء في حديث أبي موسى عند مسلمٍ: فقام فزعًا يخشى أن تكون الساعة قد قامت [31].

طيب، كيف يكون النبي عليه الصلاة والسلام يخشى أن تكون الساعة قد قامت ولم تظهر أشراط الساعة الكبرى؟

مداخلة:

الشيخ: من يُجيب عن هذا الإشكال؟

مداخلة:

الشيخ: نعم، هذا اجتهادٌ من الراوي؛ لما رأى شدة فزع النبي ؛ قال هذه المقولة، وإلا فالنبي يعلم بأن الساعة لا تقوم حتى تظهر أشراطها الكبرى؛ من الدجال، وطلوع الشمس من مغربها، وغير ذلك.

حكم صلاة الكسوف

قال:

وهي سنةٌ من غير خطبةٍ.

أفادنا المؤلف بأن حكم صلاة الكسوف أنها سُنةٌ مؤكدةٌ، وهذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم؛ لأن النبي أمر بها وخرج إليها، وصلى صلاةً طويلةً لا نظير لها [32].

وقال بعض العلماء: إنها واجبةٌ؛ لأمر النبي بها، والأصل في الأمر أنه يقتضي الوجوب، وقد قال ابن القيم: إن هذا القول قولٌ قويٌّ، القول بالوجوب قولٌ قويٌّ؛ لأن من لوازم القول باستحباب صلاة الكسوف أن الشمس تنكسف، والقمر يخسف، والناس لا يُصلُّون، فالقول بالوجوب قولٌ قويٌّ.

قال: “من غير خطبةٍ”، أفادنا المؤلف بأن صلاة الكسوف ليس لها خطبةٌ، وهذا هو قول الجمهور: أنه لا يُشرع خطبةٌ لصلاة الكسوف؛ وذلك لأن النبي أمرهم عند الكسوف بالصلاة والدعاء والصدقة، ولم يأمرهم بخطبةٍ، ولو كانت مشروعةً؛ لأمرهم بها.

وذهب الشافعية إلى أنه يُشرع أن يخطب الإمام بعد صلاة الكسوف خطبةً يذكِّر الناس فيها بما ينبغي تذكيره بهذا المقام؛ لأن النبي خطب الناس بعدما صلى بهم صلاة الكسوف.

والأقرب -والله أعلم- هو قول الجمهور: وهو أنه لا خطبة لصلاة الكسوف، وخطبة النبي إنما كانت لبيان أمورٍ يحتاج لها الناس، وتحتاج لها الأمة، خاصةً أن الكسوف حصل، والظاهر أنه حصل لأول مرةٍ في عهده عليه الصلاة والسلام، وكان من قدَر الله أنه وافق موت إبراهيم ابن النبي ، والناس في الجاهلية يعتقدون أن الشمس والقمر إنما ينكسفان لموت عظيمٍ أو ولادة عظيمٍ، فأراد عليه الصلاة والسلام أن يُبطل هذا المعنى، ثم إنه عليه الصلاة والسلام أُريَ في صلاته الجنة والنار، وأراد أن يصف للناس ما رأى، ثم أيضًا مما يُؤيد هذا أن الصحابة سألوه عن سبب تقدُّمه وعن سبب تأخُّره فبيَّن لهم، ولو كانت خطبةً كخطبة الجمعة؛ لما سألوه إلا بعد انقضائها، فالأقرب -والله أعلم- أنه لا خطبة لصلاة الكسوف، لكن مع ذلك ينبغي للإمام أن يُلقي كلمةً بعد صلاة الكسوف، يذكِّر الناس فيها بما ينبغي تذكيرهم به في هذا المقام، هذا في الحقيقة متأكِّدٌ في حق الإمام؛ لأن النفوس متهيِّئةٌ، واقتداءً بالنبي في هذا.

وقت صلاة الكسوف

قال:

ووقتها: من ابتداء الكسوف إلى ذهابه.

يعني: وقت صلاة الكسوف: من ابتداء الكسوف، وابتداء الكسوف برؤية الكسوف بالعين المجردة، ولا يُعتمد في ذلك على الحسابات الفلكية؛ لقول النبي : إذا رأيتم ذلك؛ فصلُّوا [33]، فعلَّق النبي الصلاة على الرؤية، وليس معنى هذا: أن الحسابات الفلكية غير دقيقةٍ، هي دقيقةٌ جدًّا، وتُحدِّد الكسوف والخسوف بدقةٍ؛ لأنها تعتمد على معادلةٍ رياضيةٍ، الكسوف والخسوف يتكرر كل ثماني عشرة سنةً وبضعة أشهرٍ، وكذا الساعة، وكذا الدقيقة، بإمكانك إذا أخذت آلةً حاسبةً أن تحسب آلاف الكسوف والخسوف في السنوات اللاحقة والسنوات الماضية؛ لأنه يجري وفق سنن الله ، كل ثماني عشرة سنةً وبضعة أشهرٍ وكذا ساعةً يتكرر الكسوف، بإمكانك إذا تكرر الكسوف تقول: بعد ثماني عشرة سنةً، يعني: هذه المدة سوف يأتي كسوفٌ آخر، ثم بعد هذا يأتي كسوفٌ آخر، وهكذا، يعني: معرفته من الأمور السهلة جدًّا، وقد كان الناس من قديم الزمان يعرفون وقته، وقد قيل: إن الفراعنة كانوا يعرفون وقت الكسوف والخسوف، ولكن لا يعتمد على الحسابات الفلكية؛ لأن الشارع إنما أناط ذلك بالرؤية: إذا رأيتم ذلك؛ فصلوا؛ وبناءً على هذا: لو كان الجو غائمًا، وأخبر الفلكيون بأن الشمس سوف تكسف، فهل تشرع صلاة الكسوف مع الغيم؟ لا تشرع؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام علَّق ذلك بالرؤية: إذا رأيتم ذلك فصلوا، ونظير ذلك خسوف شبه الظل، فإن خسوف شبه الظل يدخل القمر منطقة شبه ظل الأرض؛ فلا ينخسف خسوفًا حقيقيًّا، بل يحدث ما يُسميه الفلكيون بالاحتراق، هذا الخسوف -شبه الظل- لا تراه العين المجردة، والفلكيون يُسمونه خسوفًا، لكنه شرعًا ليس بخسوفٍ؛ ولذلك لا تُشرع الصلاة عنده، حدث هذا العام الماضي، العام الماضي أُعلن بأنه سيكون هناك خسوفٌ للقمر، شبه ظلٍّ، ونبهتُ في حينها في الموقع أنه لا تشرع الصلاة لهذا الخسوف؛ لكونه لا يُرى بالعين المجردة، ترى القمر أمامك كاملًا ليس فيه انحجاب للضوء، فهنا لا تشرع الصلاة لهذا الخسوف، وإنما سماه الفلكيون خسوفًا، فانتبه لهذه المسألة.

وأذكر أنه قبل نحو ثلاث عشرة سنةً، أظن في عام (1417) حصل شيءٌ من هذا، خسوف شبه ظلٍّ، فقام عددٌ من أئمة المساجد بالصلاة وصلَّوا، ولم يكلِّفوا أنفسهم بالنظر إلى القمر، فأصدر سماحة الشيخ عبدالعزيز بن بازٍ رحمه الله بيانًا أنكر فيه على هؤلاء، بيَّن أن الصلاة لا تُشرع إلا إذا رُئي القمر خاسفًا؛ لهذا ينبغي لإمام المسجد أن يتأكد أولًا من الخسوف، لا يعتمد على مجرد خبرٍ في الجريدة، قد يكون المقصود: خسوف شبه ظلٍّ، وهذا لا تُشرع الصلاة عنده.

صلاة الكسوف لا تقضى إن فاتت

قال:

ولا تُقضى إن فاتت.

“لا تُقضى إن فاتت”؛ وذلك لأن ذلك لم يَرِد، والأصل في العبادات التوقيف، ولقول النبي : إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة حتى تنجلي [34]، متفقٌ عليه، فجعل الانجلاء غايةً للصلاة، ولأن كل عبادةٍ مقرونةٍ بسببٍ إذا زال السبب؛ زالت مشروعيتها.

أما إذا تجلَّى الكسوف وهو في الصلاة؛ أتمها خفيفةً؛ لأن كسوف الشمس -الكُلِّي بالذات على وجه الخصوص- لا تزيد مدته على سبع دقائق، فإذا تجلَّى الكسوف وهو في الصلاة؛ أتمها خفيفةً؛ لقول النبي : صلُّوا حتى ينكشف ما بكم [35]، وفي روايةٍ: حتى تنجلي [36].

ولا يُشرع إعادتها، يعني: لو صلى ركعتين؛ فلا يُشرع أن يعيدها؛ لأن ذلك أيضًا لم يرد.

صفة صلاة الكسوف

قال:

وهى ركعتان، يقرأ في الأولى جهرًا: الفاتحة وسورةً طويلةً، ثم يركع طويلًا، ثم يرفع فيُسمِّع ويُحمِّد، ولا يسجد بل يقرأ: الفاتحة وسورةً طويلةً، ثم يركع، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين طويلتين، ثم يُصلِّي الثانية كالأولى، ثم يتشهَّد ويُسلِّم.

وهذه هي الصفة الواردة في حديث عائشة رضي الله عنها في “الصحيحين”، وقد وردت صلاة الكسوف على عدة صفاتٍ، وجاء في “صحيح مسلمٍ” عدة رواياتٍ، جاء أنه صلاها في كل ركعةٍ ثلاث ركوعاتٍ، وورد أربع ركوعاتٍ، وورد في غير “مسلمٍ” خمس ركوعاتٍ، ومن هنا اختلف العلماء: هل تعدَّد الكسوف في عهد النبي ، أو أنه وقع مرةً واحدةً؟ فالجمهور يقولون: إنه لم يقع إلا مرةً واحدةً، وأنه لا بد أن نسلُك مسلَك الترجيح بين هذه الروايات، وبعض العلماء يقول: إنها تعددت؛ لأن الكسوف يتكرر في كل سنةٍ، لا تَقِلُّ السنة عن خمسة كسوفاتٍ وخسوفاتٍ، فيقولون: في عهد النبي عليه الصلاة والسلام بالحسابات الفلكية وقع مرارًا، فالله تعالى أعلم.

لكن الصفة المشهورة هي الواردة في حديث عائشة رضي الله عنها التي ذكرها المؤلف: أنه يقرأ الفاتحة، ثم يقرأ سورةً طويلةً، جاء في بعض الروايات: نحوًا من سورة البقرة، ثم يركع، ثم يرفع فيُسمِّع ويُحمِّد، يعني: يقول: “سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد”، ولا يسجد، ثم يقرأ: الفاتحة وسورةً طويلةً، لكنها أقصر من السورة التي قرأها بعد الركوع الأول، ثم يركع، يعني: هذا في الركعة الأولى، ثم يركع، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين طويلتين، ثم يصلي الثانية كالأولى، هذا ورد في حديث عائشة رضي الله عنها، وقالت: فاستكمل أربع ركعاتٍ في أربع سجداتٍ، وانجلت الشمس قبل أن ينصرف [37].

قال:

فإن أتى في كل ركعةٍ بثلاث ركوعاتٍ أو أربعٍ أو خمسٍ؛ فلا بأس.

أما ثلاث ركوعاتٍ، فهذا جاء في “صحيح مسلمٍ” [38]، وكذا أربع ركوعاتٍ جاء في “صحيح مسلمٍ” [39]، وأما خمس ركوعاتٍ فجاء عند أبي داود [40].

فهنا قالوا: إن هذا قد ورد في رواياتٍ صحيحةٍ؛ ولذلك لا بأس أن يأتي بها، ولكن الأقرب: هو أن يأتي بالصفة المشهورة التي اتفق عليها البخاري ومسلمٌ: وهي الواردة في حديث عائشة رضي الله عنها.

قال:

وما بعد الأول.

يعني: وما بعد الركوع الأول،

سُنةٌ لا تُدرك به الركعة.

فدل هذا على أن صلاة الكسوف إنما تُدرك بإدراك الركوع الأول، انتبهوا لهذه المسألة، كثيرٌ من العامة يجهل هذه المسألة، صلاة الكسوف إنما تُدرك بإدراك الركوع الأول، أما الركوع الثاني فلا تُدرك به الركعة، وعلى هذا لو دخل المسبوق مع الإمام بعدما رفع رأسه من الركوع الأول، فقد فاتته هذه الركعة، وعليه أن يقضيها بعد سلام إمامه؛ ولهذا ينبغي للإمام من حين أن يُسلِّم أن يُنبِّه الناس على هذه المسألة؛ لأن كثيرًا من العامة يجهلون هذه المسألة، تجد أنه يُدرك الإمام في الركوع الثاني، ويظن أنه أدرك الركعة، فينبغي تنبيه الناس على هذه المسألة، وأن الذي تُدرك به الركعة لصلاة الكسوف إنما هو الركوع الأول، لا الركوع الثاني، لكن لو دخل مسبوقٌ مع الإمام بعدما فرغ الإمام؛ فإنه يُصلِّيها وحده على الصفة السابقة؛ لأن صلاة الكسوف تُشرع جماعةً، وتُشرع فُرادى، وفعلها جماعةً أفضل.

يصح أن يصليها كالنافلة

ويصح أن يصليها كالنافلة.

يعني: لو صلاها ركعتين بركوعين؛ فلا بأس؛ لأن الركوع الثاني -كما قلنا- سنةٌ وليس واجبًا، فلو صلاها بركوعٍ واحدٍ؛ فلا بأس، ولأن ذلك قد ورد في بعض الروايات أيضًا.

هل يصلَّى عند حدوث الآيات الكونية الأخرى؟

وبقي معنا مسألةٌ في باب صلاة الكسوف: وهي هل تُشرع صلاة الكسوف للآيات العظيمة غير الكسوف والخسوف، مثلما يحصل الآن في الزلازل بمنطقة المدينة؟ هل يُشرع أن يُصلُّوا صلاة الكسوف أم لا؟

هذه المسألة اختلف فيها العلماء:

  • من أهل العلم من ذهب إلى أنه لا تُشرع صلاة الكسوف إلا للكسوف والخسوف خاصةً، ولا تُشرع لغير ذلك من الآيات، فلا يُصلَّى إلا للكسوف -لكسوف الشمس وخسوف القمر- فقط، وهذا هو مذهب المالكية والشافعية.
  • والقول الثاني في المسألة: أنه لا يُصلَّى لشيءٍ من سائر الآيات غير الكسوف والخسوف إلا الزلزلة خاصةً، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة.
  • والقول الثالث في المسألة: إنه يُصلَّى لكل آيةٍ عظيمةٍ، وهذا هو مذهب الحنفية، وروايةٌ عن الإمام أحمد.

فالأقوال في المسألة ثلاثةٌ، إذنْ نُعيدها مرةً ثانيةً:

  • القول الأول: لا يُصلَّى إلا للكسوف والخسوف فقط، هذا مذهب المالكية والشافعية.
  • القول الثاني: لا يُصلَّى إلا للكسوف والخسوف والزلزلة فقط، دون غيرها من الآيات، وهذا مذهب الحنابلة.
  • القول الثالث: أنه يُصلَّى لكل آيةٍ عظيمةٍ، وهذا مذهب الحنفية، وروايةٌ عن أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهذا هو القول الراجح؛ وذلك لعموم قول النبي إنهما آيتان من آيات الله يُخوِّف الله بهما عباده [41]، فكل آيةٍ يكون فيها التخويف يُصلَّى لها، وقد رُوي عن علي بن أبي طالبٍ وابن عباسٍ ، رُوي ذلك؛ وبناءً على ذلك: تُشرع الصلاة عند الزلازل، يُشرع مثلًا لأهل تلك المنطقة أن يُصلُّوا صلاة الكسوف، حتى تذهب هذه الزلازل، يُشرع لهم ذلك، ينبغي تنبيههم لهذا؛ لأن هذا مشروعٌ على القول الراجح، ويأتون بصلاة الكسوف على صفتها، وكذلك أيضًا تُشرع صلاة الكسوف للأعاصير، عند وجود الأعاصير المدمِّرة، أو عند وجود البراكين ونحو ذلك، كل آيةٍ عظيمةٍ تُشرع لها صلاة الكسوف على صفة صلاة الكسوف.

بهذا نكون قد انتهينا من كتاب صلاة الكسوف، ونقف عند باب: صلاة الاستسقاء.

طيب نأخذ ما تيسر من الأسئلة:

الأسئلة

السؤال:…..؟

الشيخ: أما إذا أتيت وقد فرغ الإمام من صلاة العيد، فعلى المذهب أنك تُصلِّي صلاة العيد؛ لأن عندهم أنها تُقضى، وبناءً على القول الذي رجحناه: فإنك إذا كان في المسجد؛ تُصلِّي تحية المسجد، وإذا كان في المُصلَّى؛ فإنك تجلس وتستمع للخطبة؛ تكون قد فاتتك صلاة العيد.

السؤال:…..؟

الجواب: نعم، الحكم: أنهم إذا صلُّوا صلاة الكسوف؛ يشتغلون بالذكر وبالدعاء وبالصدقة والاستغفار وتلاوة القرآن، فينبغي للإمام أن يُوجِّههم لهذا حتى تنجلي، لكن لا يُشرع إعادة الصلاة؛ لأن هذا لم يرد.

السؤال:…..؟

الجواب:رُوي هذا، نعم رُوي هذا عن عمر ، منطقة المدينة عمومًا مشهورةٌ، حصل بركانٌ عظيمٌ فيها في سنة (654)، أضاءت له أعناق الإبل بِبُصْرَى، وَصَفَه ابن كثيرٍ وغيره، ولعله تحقَّق ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: لا تقوم الساعة حتى تخرج نارٌ من أرض الحجاز تُضيء لها أعناق الإبل بِبُصرى [42]، قالوا: لعله حدث في تلك السنة، والذي خرج هو بركانٌ عظيمٌ من المدينة أضاءت له أعناق الإبل بِبُصرى في الشام.

السؤال: أحسن الله إليكم، هل تُشرع صلاة الكسوف والخسوف في وقت النهي؟

الجواب: نعم، الصحيح أنها تُشرع؛ لأنها من ذوات الأسباب؛ ولذلك لو كسفت الشمس مثلًا بعد العصر؛ فتُشرع صلاة الكسوف، ولو كان ذلك وقت نهيٍ على القول الراجح.

السؤال: أحسن الله إليكم، هل يصح أن الكسوف والخسوف دليلٌ على غضب الله جل وعلا؟

الجواب:هو جاء في خطبة النبي أنه قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يُخوِّف الله تعالى بهما عباده [43]، يا أمة محمد، إنه لا أحد أَغْيَرُ من الله تعالى أن يزني عبده أو تزني أمته [44]، هنا: يُخوِّف الله بهما عباده.

شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: “التخويف للعباد لا يكون إلا بالشيء الذي يخافون منه، أما الشيء الذي لا يخافون منه؛ لا يكون فيه التخويف”؛ ولذلك يقترن بالكسوف والخسوف غالبًا يقترن به أحداثٌ، أنت لو تأملت الآن أي كسوفٍ وخسوفٍ، استمع الأخبار بعد ذلك؛ تجد أنه يقترن به حدثٌ في الأرض، ويحدث معه شيءٌ يخاف العباد منه، فيحصل التخويف؛ ولهذا قال شيخ الإسلام: “إنه لا يكون التخويف إلا بما يخاف العباد منه”، وأيضا قوله: إنه لا أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، دليلٌ أيضًا على أنه عند كثرة الزنا؛ تكثر الكسوفات والخسوفات، وهو إن كان السبب الحسِّي معلومًا بالنسبة للكسوف والخسوف، إلا أن السبب الشرعي: هو تخويف الله تعالى عباده، فإذنْ نحن نقول: إن الكسوف والخسوف يُخوِّف الله تعالى بهما عباده.

السؤال: أحسن الله إليكم، ما الحكم إذا اجتمع العيد والجمعة، فهل نصلي العيد والجمعة؟ ومن لم يُصلِّ العيد، ولم يكن في بلده مسجد يصلِّي الجمعة؟

الجواب: الحكم في ذلك ورد في السنة: أنه إذا اجتمع العيد والجمعة؛ فإنه يكفي أحدهما، يعني: من صلى العيد؛ لا تلزمه الجمعة، ومن لم يُصلِّ العيد؛ لزمته الجمعة، لكن ليس معنى ذلك -أنه لا تلزمه الجمعة- أنه لا يُصلِّيها ظهرًا، بعض العامة يظن أنه لا يُصلِّيها ظهرًا، هذا خطأٌ، لا بد أن يُصلِّيها ظهرًا، وأما بالنسبة للإمام: فإنه يلزمه أن يقيم الجمعة، وليس له ألا يقيم الجمعة في المسجد، العلماء قالوا: إن الخطيب يجب عليه أن يقيم الجمعة، وإنما المأموم هو الذي يُخيَّر، والأفضل أن يصلِّي العيد والجمعة، لكنه إذا صلى العيد؛ سقط عنه فرض الجمعة ويصلِّيها ظهرًا.

السؤال:…..؟

الجواب: جاء في حديث عائشة رضي الله عنها الذي أشرت إليه: أن جاريتين كانتا تضربان بالدُّف عند رسول الله في بيت عائشة، فدخل أبو بكرٍ -وكان ذلك يوم عيدٍ- فقال: أمزمور الشيطان في بيت رسول الله ؟ قال : دعهما يا أبا بكرٍ؛ فإن لكل أمةٍ عيدًا، وهذا عيدنا [45]، هنا النبي أقر أبا بكرٍ أولًا على أن الدُّف من مزامير الشيطان.

نريد أن نؤصل المسألة، هذا يدل على أن الأصل في الدُّف الحل أو المنع؟ المنع؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أقرَّ أبا بكرٍ على هذا الفهم، فالأصل في الدُّف أنه من المزامير، الأصل فيه المنع؛ ولذلك نَعرف خطأ من قال من الناس: إن الأصل هو الحِل غير صحيحٍ، لكن النبي استثنى هذه الحالة: وهي كونه عيدًا؛ لأنه علَّل بهذا التعليل؛ فدلَّ ذلك على أنه يجوز ضرب الدُّف يوم العيد، وبعض العلماء اختصه بالجواري، ولكن الأقرب أنه للجميع؛ لأن النبي علَّل بعِلَّةٍ تصلح للجميع: إن لكل أمةٍ عيدًا، وهذا عيدنا، فضربُ الدُّفوف يوم العيد لا بأس به؛ لهذا الحديث وهو نصٌّ في المسألة.

أما ضرب الطبول، ما الفرق بين الدُّف والطَّبل؟

مداخلة:

الشيخ: الطبل يكون من جهتين، والدُّف يكون من جهةٍ واحدةٍ، ولا شك أن وقع الطبل أشد من وقع الدُّف، والأصوات لها تأثيرٌ في النفوس، لها تأثيرٌ بليغٌ؛ لهذا قال عليه الصلاة والسلام لما رأى أنجشة يحدو: رفقًا بالقوارير [46]، يعني: خشي أن يفتن النساء؛ لأن صوته كان حسنًا، كان يحدو ويُلحِّن الشعر، فالأصوات لها أثرٌ، ما بالك إذا كانت مع طبولٍ؟! لكن إذا كان الضرب خفيفًا؛ كأن يكون بدُفٍّ؛ فهذا يُرخَّص فيه في يوم العيد، والرخصة تكون بقدرها، وبناءً على هذا نقول: إن الطبل لا يجوز، الطبول لا تجوز، وقد جاء عند أبي داود وغيره بإسنادٍ صحيحٍ أن النبي قال: إن الله حرم الخمر والميسر والكُوبَة [47]، والكُوبة: هي الطبل، في أشهر التعريفات أنه هو الطبل؛ وبناءً على هذا نقول: إنه لا يجوز ضرب الطبل؛ لأن له وقعًا أشد، وإنما يُتسامح في الدُّف ونحوه يوم العيد خاصةً، وكذلك في العرس بالنسبة للنساء، وعند قدوم الغائب، في هذه الأحوال الثلاثة، هذه التي ورد استثناؤها من الأصل -وهو النهي- ما عدا ذلك يبقى الدُّف على الأصل؛ ولذلك بعض الأناشيد التي يكون معها دفوفٌ لا تجوز؛ لأن الأصل في هذا المنع.

مداخلة:… 

الشيخ: إذا كانت مرتبطةً بعرسٍ.

مداخلة:

الشيخ: المهم إذا كانت مرتبطةً بعرسٍ؛ لا بأس بضرب الدُّف، بغض النظر عن أن يكون… هذه مسألةٌ أخرى، لكن ضرب الدُّف في العرس لا بأس به، بل بعض العلماء يقول: إنه سُنةٌ؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر به، وأقل ما يُفيد الأمر: الاستحباب.

مداخلة:

الشيخ: العرضات إذا كانت بالدفوف في العيد؛ لا بأس بها، أما إذا كانت بالطبول؛ فإنها لا تجوز.

في الأعراس إذا كان للنساء، ضربُ الدفوف للنساء لا بأس به، لكن قصدك ضرب الدف للرجال في الأعراس؟ هذه الخلاف فيها قويٌّ، يعني: هل يجوز ضرب الدف في العرس للرجال أو لا يجوز؟ من العلماء من قال: إنه إذا جاز للنساء؛ فيجوز للرجال كذلك، وقال آخرون: إن ضرب الدُّف ليس من شأن الرجال؛ ولذلك لم يرد عن الصحابة  أنهم كانوا يضربون الدفوف، وهذا هو القول الراجح: أنه لا يجوز ضرب الدُّف للرجال، لكن وردت آثارٌ عن السلف أنهم كانوا يتسامحون في سماع صوت الدُّف في العرس، وذكر هذه الآثار الحافظ ابن رجبٍ في “فتح الباري” وغيره، فالآثار عن السلف في هذا من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يتسامحون في سماع صوت الدُّف، لا في ضربه؛ وبناءً على هذا: فالأقرب أنه لا يجوز ضرب الدف للرجال، لكن سماعه يُتسامح فيه، لا يُشدد فيه.

مداخلة:

الشيخ: إذا كان للنساء، وفي عرس، وبالدُّف؛ لا بأس به.

مداخلة:

الشيخ: إذا كان لا يستخدمه إلا نساءٌ، وفي العرس، يعني: منضبطةٌ بالضوابط؛ لا بأس.

السؤال الأخير: أحسن الله إليكم، الموظف الذي يتقاضى راتبًا آخر الشهر على عدد ساعاتٍ معينةٍ، ولكنه يغيب في هذا الشهر أسبوعًا أو أكثر، ومع ذلك يتقاضى راتبًا كاملًا آخر الشهر، ولاسيما إذا كان هذا مؤذِّنا أو إمامًا؟ وكيف يبرِّئ ذمته أمام الله تعالى؟

الجواب: هناك فرقٌ بين الموظف، وبين الإمام والمؤذِّن، الموظف هو الذي يكون له عقدٌ بوظيفةٍ، هذا لا بد أن يقوم بالعمل كاملًا، فإذا تأخر مثلًا أو نحو ذلك؛ يُعوِّض بساعاتٍ أخرى، وإذا ما تيسَّر هذا ولا ذاك؛ فيتصدق بالقدر الذي أخذه من غير عملٍ.

أما بالنسبة للإمام والمؤذن: فهذا ليس راتبًا، ليس أُجرةً على الأذان والإمامة، وإنما هو رزقٌ من بيت المال، من باب التشجيع للإمام والمؤذن على الارتباط بالمسجد؛ ولذلك ليس محسوبًا على كل صلاةٍ هذا يأخذ أجرًا، وعلى كل يومٍ يأخذ أجرًا، لو كان هذا المقصود؛ لم يجُز، لكن هذه مكافأةٌ تشجيعيةٌ تُصرف من بيت مال المسلمين؛ لأجل ارتباطه بالمسجد؛ ولهذا لا يُنظر لها بهذا المنظار، وإنما إذا كان حضوره أغلب من غيابه؛ فإنه لا بأس بذلك، خاصةً إذا كان غيابه لعذرٍ؛ لأن الإمام والمؤذن يرتبطان بالمسجد خمس مراتٍ في اليوم والليلة، فإذا كان غيابه بعذرٍ، وحضوره أكثر من غيابه؛ فلا بأس؛ لأنه -كما ذكرنا- هذه تُخرج من بيت المال من باب التشجيع على الارتباط بالمسجد، وليست أجرةً على الصلاة ولا على الأذان.

طيب، ربما الإخوة ما سجلوا، يعني هناك إخوةٌ حقيقةً يتابعون الدرس من داخل المملكة وخارجها، ويتعبون كثيرًا..

مداخلة:

الشيخ: نعم سُجِّل..، إي نعم، جزاكم الله خيرًا؛ لأن هناك إخوةً حقيقةً يتابعون الدرس، ويتابعون ويسألون أسئلةً، ونُريد أيضًا أن نخصهم ونُفرد جزءًا من الوقت للإجابة على أسئلتهم من داخل المملكة ومن خارجها أيضًا، فنقول لهم -إن كانوا يسمعوننا الآن- نقول لهم: إذا كان لهم أسئلةٌ واستفساراتٌ؛ يمكن أن يبعثوا بها، ونخصِّص جزءًا من وقت الأسئلة للإجابة عن أسئلتهم.

نسأل الله ​​​​​​ للجميع الفقه في الدين والعلم النافع، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 969، بنحوه.
^2 رواه البخاري: 5572.
^3 رواه أبو داود: 1143، والنسائي: 1556، وأحمد: 12006، بنحوه.
^4 رواه ابن خزيمة: 1766، وابن عدي في الكامل: 7/ 249، والبيهقي: 6052.
^5 رواه البخاري: 852، ومسلم: 892، بنحوه.
^6 سبق تخريجه.
^7 رواه البخاري: 351، ومسلم: 890.
^8 رواه البخاري: 2678، ومسلم: 11.
^9 رواه أبو داود: 1155، والنسائي: 1571، وابن ماجه: 1290.
^10 رواه البخاري: 956.
^11 رواه أبو داود: 1160، وابن ماجه: 1313.
^12 رواه البخاري: 964، ومسلم: 884.
^13 رواه أبو داود: 1147، وأحمد: 2171.
^14 رواه ابن ماجه: 1293، وأحمد: 11226.
^15 رواه أبو داود: 1157، وأحمد: 18844، بنحوه.
^16 أخرجه البخاري: 615، ومسلم: 437.
^17 رواه البخاري: 881، ومسلم: 850.
^18 رواه البخاري: 659، ومسلم: 889.
^19 رواه البخاري: 986.
^20 رواه ابن ماجه: 1278، وأحمد: 6688، بنحوه.
^21 رواه مسلم: 401، وأحمد: 18848.
^22 رواه أحمد: 20080، والنسائي في السنن الكبرى: 1787.
^23 رواه مسلم: 878.
^24 رواه مسلم: 891.
^25 رواه ابن ماجه: 1287.
^26 رواه البخاري: 597، ومسلم:684، بنحوه.
^27 رواه البخاري: 324.
^28 رواه الدارقطني: 1737.
^29 رواه مسلم: 905.
^30 رواه مسلم: 906.
^31 رواه البخاري: 1059، ومسلم: 912.
^32 رواه البخاري: 745.
^33 رواه مسلم: 904.
^34 رواه البخاري: 1046، ومسلم: 904.
^35 رواه البخاري: 1040.
^36, ^38 رواه مسلم: 904.
^37 رواه البخاري: 1046، ومسلم: 901.
^39 رواه مسلم: 908.
^40 رواه أبو داود: 1182.
^41, ^43 رواه البخاري: 1041، ومسلم: 911.
^42 رواه مسلم: 2902.
^44 رواه البخاري: 1044، ومسلم: 901.
^45 رواه البخاري: 952، ومسلم: 892.
^46 رواه البخاري: 6149، ومسلم: 2323.
^47 رواه أبو داود: 3696، وأحمد: 2476.
zh