logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح أبواب من مختصر خوقير/(3) كتاب البيوع- من قوله: “‌‌فصلٌ: تصح الحوالة على دَينٍ مُستقرٍّ ..”

(3) كتاب البيوع- من قوله: “‌‌فصلٌ: تصح الحوالة على دَينٍ مُستقرٍّ ..”

مشاهدة من الموقع

عناصر المادة

باب الحوالة

تصح الحَوَالَة على دَينٍ مُستقرٍّ، وليس من شرطها استقرار مُحَالٍ به.
ولا بد من اتفاق الدَّيْنَيْن في الجنس، والوصف، والوقت، والقَدْر.
ومتى صحَّتْ نقلت الحقَّ إلى ذِمَّة مُحَالٍ عليه، وبَرِئَ مُحِيلٌ.
ويُعتبر رضا مُحِيلٍ، لا مُحْتَالٍ، على مَلِيءٍ، ولا مُحَالٍ عليه.

الحوالة مُشتقةٌ من التَّحول، وهو: الانتقال من موضعٍ إلى موضعٍ، ومنه قول الله تعالى: لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا [الكهف:108]، أي: تحوُّلًا وانتقالًا، ذلك أن نعيم الجنة نعيمٌ عظيمٌ دائمٌ، لا يَمَلُّ منه الإنسان، بخلاف نعيم الدنيا -مهما كان- يَمَلّ منه، فنعيم الجنة لا يبغون عنه حِوَلًا.

تعريف الحوالة

معنى الحوالة اصطلاحًا: نقلُ الحقِّ وتحويله من ذِمَّة المُحِيل إلى ذِمَّة المُحال عليه.

مثال ذلك: رجلٌ يُطالبك بدَينٍ، فلما أتى إليك يتقاضى دَيْنَه قلتَ له: أنا أطلب فلانًا بدَينٍ، وأُحيلك عليه تستوفي منه الدَّين الذي لك.

شروط الحوالة

قال: “تصح الحوالة على دَينٍ مُستقرٍّ” هنا ذكر المؤلف شروط صحة الحوالة:

الشرط الأول: أن تكون الحوالة على دَينٍ مُستقرٍّ

أي: ثابت في ذِمَّة المُحال عليه، فإن كانت على دَينٍ غير مُستقرٍّ لم تصح: كالحوالة على الصداق قبل الدخول؛ لأن الصداق قبل الدخول عُرضةٌ للسقوط، أو ثمن سلعةٍ مدة الخيار، وهو كذلك عُرْضَةٌ للسقوط.

قال: “وليس من شرطها استقرار مُحَالٍ به” المُحَال به لا يُشترط استقراره.

مثال ذلك: لو أن شخصًا اشترى سيارةً، وأحال البائع بثمن المبيع في مدة الخيار على دَينٍ مُستقرٍّ له في ذِمَّة شخصٍ آخر، فإن هذا يصح.

إذن الذي يُشترط استقراره: الدَّين الذي على المُحال عليه، وليس الدَّين المُحال به.

الشرط الثاني: اتِّفاق الدَّينين في الجنس، والصفة، والحلول، والتَّأجيل

الشرط الثاني: قال: “ولا بد من اتِّفاق الدَّيْنين” يعني: المُحال به والمُحال عليه “في الجنس، والوصف، والوقت، والقَدْر”.

“في الجنس” كذهبٍ بذهبٍ، ريالاتٍ بريالاتٍ، ونحو ذلك.

“والوصف” هذا يقصدون به: صفة الدراهم والدنانير؛ تكون مضروبةً أو غير مضروبةٍ، أو مغشوشة؛ لأن هذه غير موجودةٍ في وقتنا الحاضر.

“والوقت” المقصود به: الحُلُول والتَّأجيل، فتكون الحوالة دَينًا حالًّا على دَينٍ حالٍّ، ولا تكون على دَينٍ مُؤجَّلٍ.

“والقَدْر” يعني: يكون بقَدْر الدَّين المُحال به، عشرة آلافٍ بعشرة آلافٍ، لكن لو أَحَلْتَه تسعة آلافٍ بعشرة آلافٍ لم يصح إلا إذا أبرأه من القَدْر الزائد.

قال: “ومتى صحَّتْ نقلت الحقَّ إلى ذِمَّة مُحَالٍ عليه، وبَرِئَ مُحِيلٌ” إذا صحَّت الحوالة واكتملتْ شروطها انتقل الحقُّ من ذِمَّة المُحِيل إلى ذِمَّة المُحال عليه، وبرئتْ ذِمَّة المُحِيل.

الشرط الثالث: أن يُحيل برضاه، ولا يُعتبر رضا المُحال عليه

الشرط الثالث: قال: “ويُعتبر رضا مُحِيلٍ”؛ لأن الحقَّ في ذِمَّته، ولا يلزمه سداد الدَّين عن طريق الحوالة.

“لا مُحتال” يعني: مُحال، فالمُحالُ لا يُعتبر رضاه.

أتى يطلب دَينه، قلتَ: أُحيلك على فلانٍ. ليس له أن يعترض؛ لأنه سيحصل على حقِّه مني أو من فلانٍ.

“على مَلِيءٍ” بشرط: أن يكون المُحال عليه مَلِيئًا، أما إذا كان المُحال عليه غير مَلِيءٍ فلا يلزمه قبول الحوالة؛ لقول النبي : إذا أُحِيلَ أحدكم على مَلِيءٍ فَلْيَحْتَل [1].

والمقصود بالمَلِيء فسَّره الإمام أحمد قال: “المَلِيءُ بماله وقوله وبدنه”.

“المَلِيءُ بماله” بأن يكون قادرًا على الوفاء، ولا يكون فقيرًا، أو مُعْسِرًا.

“وقوله” بأن يكون غير مُماطلٍ.

بعض الناس عنده قُدرةٌ على الوفاء، لكنه مُماطلٌ، كل يومٍ تُطالبه بالدَّين يأتي لك بعذرٍ، كل يومٍ يخرج لك بعذرٍ، فهذا مُماطلٌ.

“وبدنه” يعني: يمكن إحضاره إلى مجلس الحكم.

بعض الناس -مثلًا- لِوَجَاهته يتعذَّر إحضاره.

إذن المَلِيءُ يكون بماله وقوله وبدنه.

“ولا مُحالٍ عليه” يعني: لا يُعتبر رضا المُحال عليه؛ لأن للمُحِيل أن يستوفي الحقَّ بنفسه أو بوكيله، وقد أقام المُحَالَ مقام نفسه في القبض.

الحوالات البنكية

لو أردنا تطبيقًا مُعاصرًا على الحوالة: الحوالات البنكية، هل هي حوالة بالمعنى الفقهي؟

عندما تذهب -مثلًا- للبنك وتقول: اعملوا لي حوالةً على فلانٍ في البلد الفلاني. فهل هي حوالةٌ بالمعنى الفقهي؟ هل هذا الكلام الذي نقرأه في كتب الفقه ينطبق عليها؟

إذا قلت: نعم، ما الدليل الذي تطلبه من البنك؟

أنت تُعطي البنك مالًا، وتقول: انقله إلى فلانٍ.

أنت تأتي بمبلغٍ نقديٍّ، تأتي -مثلًا- بعشرة آلاف ريالٍ، وتقول: حوِّل لي عشرة آلاف ريالٍ إلى فلانٍ في مكة، مثلًا.

فهي -في الحقيقة- ليست حوالةً بالمعنى الفقهي؛ ولذلك تكييفها الفقهي: أنها أجرةٌ على نقل النقود، تطلب من البنك أن ينقل لك النقد إلى فلانٍ المُقيم في بلد كذا، وتُعطيه أجرةً؛ لأنك تأتي له بمالٍ، وتقول: خُذْ هذه عشرة آلاف ريالٍ انقلها لفلانٍ في بلد كذا. فليست حوالةً.

لستَ الآن تطلب من البنك دَيْنًا وتقول: أُحيل فلانًا على هذا الدَّين. فلستُ أطلب من البنك أصلًا دَيْنًا وأقول: سَدِّد يا بنك لفلانٍ. فليست حوالةً بالمعنى الفقهي؛ ولذلك توصيفها الفقهي الصحيح: أنها أجرةٌ على نقل النقود، فالبنك يأخذ أجرةً، يقول: أعطني أجرةً. فتُعطيه -مثلًا- مبلغًا مُعينًا، وينقل لك النقود إلى فلانٍ في البلد الفلاني، فتوصيفها الفقهي أنها ليست حوالةً بالمعنى الفقهي، وإن سُميتْ: حوالةً، لكنها أجرةٌ على نقل النقود.

باب الصُّلْح

قال رحمه الله تعالى:

باب الصُّلْح:
إذا أقرَّ لإنسانٍ بِدَينٍ أو عينٍ، فَوَهَبَ أو أسقط البعض؛ صحَّ إن لم يشترطاه.
وإن صالح عن مُؤجَّلٍ ببعضه حالًّا أو بالعكس لم يصح.
ومَن ادُّعِيَ عليه بِدَيْنٍ أو عينٍ فأنكر أو سكت، ثم صالح بمالٍ؛ صحَّ.
والصُّلْح في حقِّ المُدَّعِي بيعٌ، يُرَدُّ مَعِيبه، ويُؤخذ بالشُّفْعَة، وفي حقِّ الآخر إبراءٌ، فلا رَدَّ، ولا شُفْعَة.
ولا يصح بِعِوَضٍ عن حَدِّ سرقةٍ وقذفٍ، ولا حقِّ شُفْعَةٍ، وترك شهادةٍ.
ويجوز في الدَّرْب النَّافذ فتحُ الأبواب، ولا يفعل ذلك في مِلْكِ جارٍ ودَرْبٍ مُشتركٍ بلا إذن المُستحقِّ، وليس له وضع خشبه على حائط جاره إلا عند الضَّرورة.

تعريف الصُّلْح

الصُّلْح معناه في اللغة: قطع المُنازعة.

واصطلاحًا: مُعاقدةٌ يتوصل بها إلى الإصلاح بين المُختلفين.

والصُّلْح بين المُتخاصمين درجته عظيمةٌ، وأجره كبيرٌ، واسمعوا إلى هذا الحديث العظيم -حديث أبي الدرداء الذي أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي بسندٍ صحيحٍ- يقول فيه النبي : ألا أُخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟.

سبحان الله!

ما العمل الذي درجته أعظم من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟

قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إصلاح ذات البين [2].

ومصداق ذلك قول الله ​​​​​​​: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114]، فالأجر المُرتَّب على إصلاح ذات البين أجره عظيمٌ، بل درجته أعظم من درجة الصلاة والصيام والصدقة.

أقسام الصلح

يُقسم العلماء الصُّلْح إلى خمسة أقسامٍ:

  • القسم الأول: الإصلاح بين المسلمين وأهل الحرب، وهذا يتكلمون عنه في “كتاب الجهاد”.
  • والقسم الثاني: بين أهل العدل وأهل البغي، ويتكلم عنه الفقهاء في “باب البغي”.
  • والإصلاح بين الزوجين إذا خِيفَ الشِّقاق.
  • والإصلاح بين المُتخاصمين في غير المال.
  • والإصلاح بين المُتخاصمين في المال، وهو المقصود في هذا الباب.

فهي خمسة أقسامٍ: إصلاحٌ بين المسلمين وأهل الحرب، وإصلاحٌ بين أهل العدل وأهل البغي، وإصلاحٌ بين الزوجين، وإصلاحٌ بين المُتخاصمين في غير المال، وإصلاحٌ بين المُتخاصمين في المال.

قال: “إذا أَقَرَّ لإنسانٍ بِدَينٍ”.

الصُّلْح على إقرارٍ

يُقسم الفقهاء الصُّلح على المال إلى قسمين:

  1. صُلْحٌ على إقرارٍ.
  2. وصُلْحٌ على إنكارٍ.

وابتدأ المؤلف بالقسم الأول: الصُّلْح على إقرارٍ.

قال: “إذا أَقَرَّ لإنسانٍ بِدَينٍ أو عينٍ، فَوَهَبَ أو أسقط البعض؛ صحَّ إن لم يشترطاه”

إنسانٌ يُطالب آخر بِدَينٍ، فأقَرَّ له بالدَّين، وقال: أنا أُسدِّد لك الدَّين، لكن أطلب منك أن تُسقط عني بعض الدَّين. فَرَضِيَ، فلا بأس، هذا يُسمى: صُلْحٌ على إقرارٍ.

يُطالبه بعشرة آلاف ريالٍ، فقال: سامحني في ألفٍ، وأُسدِّد لك تسعة آلافٍ. يجوز، وهذا يُسمى: الصُّلح على إقرارٍ.

وقول المؤلف: “إن لم يشترطاه” يعني: إن لم يقل له: لن أُقِرَّ لك إلا إذا أسقطتَ عني. هذا لا يجوز؛ لأن هذا فيه أكلٌ للمال بالباطل.

مسألة “ضَعْ وتَعَجَّل”

“وإن صالح عن مُؤجَّلٍ ببعضه حالًّا أو بالعكس لم يصح”.

المُصالحة عن الدَّين المُؤجل ببعضه حالًّا هذه المسألة تُسمى مسألة “ضَعْ وتَعَجَّل”، وتُسمى مسألة “الحطيطة”، وذلك بأن يُطالب إنسانٌ آخرَ بِدَينٍ مُؤجَّلٍ -مثلًا- يَحِلُّ بعد سنةٍ، نفترض أنه يُطالبه بمئة ألف ريالٍ تَحِلُّ بعد سنةٍ، ثم إنه بعد مُضِيِّ ستة أشهرٍ أتى الدائن للمدين وقال: يا فلان، أنا أُطالبك بِدَينٍ، ولا يَحِلُّ إلا بعد سنةٍ، والآن مضتْ ستة أشهرٍ، فأنت سدِّد لي تسعين ألفًا الآن، وأُسقط عنك عشرة آلافٍ.

هذه تُسمى “ضَعْ وتَعَجَّل”، فالدائن يضع بعض الدَّين، والمدين يُعَجِّل السداد.

ما حكمها؟

المؤلف يقول: إنها لا تجوز. والمذاهب الأربعة كلها على عدم الجواز: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، واستدلوا بحديث المقداد : أنه كان يُطالب آخر بِدَينٍ، فقال: عَجِّلْ لي وأضع عنك. فقال له النبي : أكلتَ ربًا يا مقداد وأطعمتَه [3]، لكن هذا الحديث حديثٌ ضعيفٌ لا يصح.

والقول الثاني: أنها تصح مسألة “ضَعْ وتَعَجَّل” وتجوز.

وهذا روايةٌ عن الإمام أحمد، واختارها ابن تيمية وابن القيم، ويُفتي به عامة مشايخنا على هذا القول، وهو القول الراجح.

ويدل له حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن النبي لما أمر بإجلاء يهود بني النَّضير، قالوا: يا محمد، إنَّ لنا ديونًا لم تَحِلَّ. قال: ضَعُوا وتَعَجَّلوا [4]. وهذا الحديث له طرقٌ يَشُدُّ بعضها بعضًا.

وأيضًا -كما قال ابن القيم- إنه ليس هناك مانعٌ يمنع من صحة هذه المعاملة، وهذه المعاملة ضد الربا عكسًا ومعنًى؛ فإن الربا فيه زيادة الدَّين مع زيادة الأجل، أما هذه ففيها إسقاطٌ للدَّين مع إسقاط بعض الأجل، فزيادة الدَّين مع زيادة الأجل فيها إشغالٌ للذمة، وأما هذه المسألة ففيها إبراءٌ للذمة، وفيها مصلحةٌ للناس، وليس فيها ضررٌ، وليس فيها ظلمٌ، وفيها مصلحةٌ للدائن، ومصلحةٌ للمدين؛ فالدائن مصلحته: أن يُعَجَّل له الدَّين، والمدين مصلحته: أن يُسْقَط عنه بعض الدَّين.

فالقول الراجح هو: جواز مسألة “ضَعْ وتَعَجَّل”.

وهذا يدل على أنه ليس بالضرورة أن كل قولٍ تتفق عليه المذاهب الأربعة يكون هو الراجح، فبعض الأقوال يكون الراجح في خلاف ما هو مشهورٌ من المذاهب الأربعة، مثل هذه المسألة، ومثل مسألة “الطلاق المُعلَّق”، إذا قال: عليه الطلاق أن تأكل ذبيحته، أو عليه الطلاق أن تفعل كذا. المذاهب الأربعة على وقوع الطلاق.

والقول الثاني قول ابن تيمية، وهو الذي عليه الفُتْيَا في العالم الإسلامي كله: أنه إذا لم يقصد الطلاق، وإنما قصد حثًّا أو منعًا أو تصديقًا أو تكذيبًا فلا يقع الطلاق، وتكون فيه كفارة يمينٍ.

الصُّلْح على إنكارٍ

قال: “ومَن ادُّعِيَ عليه بِدَيْنٍ أو عينٍ فأنكر” انتقل المؤلف للكلام على القسم الثاني من أقسام الصُّلح وهو: الصُّلح على إنكارٍ.

“ومَن ادُّعِيَ عليه بِدَيْنٍ أو عينٍ فأنكر أو سكت، ثم صالح بمالٍ؛ صحَّ”.

الصُّلْح على إنكارٍ: يأتي إنسانٌ ويدَّعي عليك أنه يُطالبك بعشرة آلاف ريالٍ، فتقول: يا فلان، أنا ما أذكر أنك تُطالبني، فهل عندك بينةٌ؟ قال: لا، أنا أُطالبك بعشرة آلافٍ، فإما أن تُسدِّد وإلا سوف أرفع فيك شكايةً. والرجل تريد أن تَسْلَم من شَرِّه، وكل يومٍ يُجَرْجِرُك إلى المحكمة، وكل يومٍ يُسَبِّب لك مشاكل؛ فتقول: أُعطيك ألفي ريالٍ وتسحب الشكوى. يقول: نعم. فتُعطيه ألفي ريالٍ صُلْحًا.

فهذا يُسمى “صُلْح على إنكارٍ”، وهذا يصح عند الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة، خلافًا للشافعية، فالشافعية قالوا: لا يصح؛ لأن فيه أكلًا للمال بالباطل.

والصواب هو قول الجمهور، وهو: أنه يصح الصُّلح على إنكارٍ؛ لأن فيه فائدةً كبيرةً، ففيه قطعٌ للمُنازعة، وفيه أيضًا افتداءٌ لِيَمِينه؛ لأنه لو أن هذا المُدَّعي اشتكى للقاضي سيحضر المُدَّعى عليه، وسيُطلب منه الحلف، وبعض الناس لا يريد أن يحلف حتى لو كان صادقًا، فهو يريد أن يفتدي ليمينه، فيقول: كم تريد؟ خُذْ ألفين واسحب الشكوى.

وفيه أيضًا فائدةٌ أخرى: وهي صيانة نفسه عن الابتذال في المُخاصمات، فإن ذوي النفوس الرفيعة يأنفون حضور مجلس الحكم: إنسانٌ طالب علمٍ، أو إنسانٌ -مثلًا- من ذوي المُروءة ولا يريد أن يذهب للمحكمة، وهذا يعرف أن دعواه باطلةٌ، لكن يقول: أنا أُعطيك مبلغًا ماليًّا وتسحب الشكوى. هذا يُسميه الفقهاء: الصُّلح على إنكارٍ، وهو جائزٌ ولا بأس به.

في حين أن هذا المُدَّعي إن كان قد ادَّعى بباطلٍ فهذا المال لا يَحِلُّ له، ما يأخذه من صاحبه حرامٌ عليه.

أيضًا المُدَّعى عليه إن كان يعلم أن المُدَّعي له حقٌّ لا يجوز أن يجحده.

قال: “والصُّلح في حقِّ المُدَّعِي بيعٌ، يُرَدُّ مَعِيبه، ويُؤخذ بالشُّفْعَة، وفي حقِّ الآخر إبراءٌ، فلا رَدَّ، ولا شُفْعَة”.

يعتبرون الصُّلح في حقِّ المُدَّعي أنه بيعٌ، وتجري عليه أحكام البيع: من رَدِّ المَعِيب، والأخذ بالشُّفْعَة، ونحو ذلك، أما في حقِّ الآخر فهو إبراءٌ، مجرد إبراءٍ؛ ولذلك لا تترتب عليه أحكام البيع.

حكم الصُّلح في الحدود

“ولا يصح بِعِوَضٍ عن حَدِّ سرقةٍ” وذلك لأن حَدَّ السرقة حقٌّ لله ؛ ولأنها إذا بلغت السلطان فلا تجوز الشفاعة فيها.

“وقذفٍ” يعني: لا يصح الصُّلح عن حَدِّ قذفٍ.

والقول الثاني: أنه يصح الصلح عن حَدِّ قذفٍ؛ لأن حَدَّ القذف حقٌّ لآدميٍّ، وليس حقًّا لله ، وما دام أنه حقٌّ لآدميٍّ فيصح الصُّلح عنه، وهذا هو القول الراجح.

مثال ذلك: إنسانٌ قذف آخر، والمقذوف اشتكى، فأتى القاذف للمقذوف وقال: أنا أُعطيك عشرة آلاف ريالٍ وتسحب الشكوى. صُلْحًا، فعلى كلام المؤلف: أنه لا يصح، لكن على القول الراجح: أنه يصح، وفيها مصلحةٌ للطرفين، وليس هناك ما يمنع من صحة الصُّلح عن حَدِّ القذف.

“ولا حقِّ شُفْعَةٍ” يقول: لا يصح الصُّلح عن حقِّ الشُّفْعَة؛ لأن حقَّ الشُّفْعَة إنما شُرِعَ للنظر في الأحظِّ، ولم يُشرع لأجل الاسترباح.

والقول الثاني: أنه يصح الصُّلح عن حقِّ الشُفْعة، وهذا هو القول الراجح، واختاره الشيخ عبدالرحمن بن سعدي ونَصَرَه.

يعني: أنت لك حقُّ الشُّفْعَة، وأتى إليك مَن يخشى أن تشفع عليه، وقال: يا فلان، أنت تريد أن تشفع، وأنا سأُرضيك وأُعطيك مبلغًا ماليًّا ولا تُطالب بالشُّفْعَة. فالقول الراجح: أنه لا بأس بذلك.

“وترك شهادةٍ” لا يجوز الصُّلح على ترك شهادةٍ؛ لأن الشهادة لا يجوز كتمانها، ويحرم كتمان الشهادة: وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة:283]، مهما أعطاه من المال لا يجوز له أن يكتم الشهادة وإلا كان هذا رشوةً.

الصُّلح على مجهولٍ

بقيتْ مسألةٌ لم يذكرها المؤلف: وهي الصُّلح على مجهولٍ، والصُّلح على مجهولٍ يصح، وقد جاء عند أبي داود بسندٍ صحيحٍ: أن رجلين اختصما في مواريث دَرَسَتْ بينهما، فقال لهما النبي : إنكم تختصمون إليَّ، ولعلَّ بعضكم أن يكون أَلْحَن بحُجَّته من بعضٍ، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمَن قضيتُ له من حقِّ أخيه شيئًا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعةً من النار، فبكيا جميعًا، وأصبح كلٌّ منهما يقول: حقِّي لأخي. فقال النبي : أما إذ قلتُما، فاذهبا فاقتسما، ثم تَوَخَّيَا الحقَّ، ثم اسْتَهِمَا، ثم ليُحلل كل واحدٍ منكما صاحبه [5]. وهذا الحديث أصلٌ في الصُّلح على المجهول.

أحيانًا تختلط الحقوق، ولا يعرف كُلُّ واحدٍ من الشريكين نصيبه، فهذه ليس لها حَلٌّ إلا الاصطلاح فيما بينهما.

اثنان شريكان، ثم لم يعرف كلٌّ منهما ما الذي له، وما الذي عليه، واختلفا، فيصطلحان؛ يَتَوَخَّيان ويتحرَّيان الحقَّ، ثم بعد ذلك يُحلل كُلٌّ منهما الآخر، وهذا يُسمى “الصُّلح على مجهولٍ”، وهذا يكون في الأشياء غير الواضحة، الأشياء المجهولة، أو الأشياء المُتداخلة، فهذه ليس لها حَلٌّ إلا الصُّلح، ثم يُحلل كلٌّ منهما الآخر.

أحكام الجوار

قال: “ويجوز في الدَّرْب النَّافذ فتحُ الأبواب”.

الفقهاء يذكرون بعد باب الصُّلح: أحكام الجوار، فانتقل المؤلف للكلام عن أحكام الجوار.

“ويجوز في الدَّرْب” الدَّرْب معناه: الطريق “النَّافذ فتح الأبواب” يعني: الطريق إذا لم يكن طريقًا مُغلقًا، وإنما نافذًا، فيجوز فيه فتح الأبواب.

“ولا يفعل ذلك في مِلْكِ جارٍ ودَرْبٍ مُشتركٍ بلا إذن المُستحقِّ” بالنسبة لجاره لا يفتح عليه الأبواب إلا بإذنه، وهكذا أيضًا في الطريق المُشترك.

حكم وَضْع الخشب على جدار الجار

“وليس له وضع خشبه على حائط جاره إلا عند الضَّرورة”؛ لقول النبي : لا يمنع جارٌ جارَه أن يَغْرِز خشبه في جداره، ثم قال أبو هريرة : “ما لي أراكم عنها مُعرضين؟! والله لأرمينَّ بها بين أكتافكم” [6]. وكان أبو هريرة والي المدينة، يعني: لأقضينَّ بها.

فيجوز أن يضع خشبه على جدار جاره بشرطين:

  • الشرط الأول أشار إليه المؤلف: عند الضَّرورة أو الحاجة المُلِحَّة.
  • والشرط الثاني: ألا يضرَّ ذلك بجدار جاره.

وهذه المسألة الآن لا نحتاج إليها، لكن لها مسائل، يعني: لها نظائر، ومن هذه النَّظائر -مثلًا-: الإفادة من شبكة (الإنترنت)، فجارك عنده شبكة (واي فاي)، وتريد أن تستفيد منها، فهل نُخرِّجها على هذه المسألة؟

نقول: تجوز بشرطين:

  • الشرط الأول: أن تكون مُحتاجًا لذلك، ليس عندك (إنترنت)، وجارك عنده (إنترنت) مثلًا، وأنت مُحتاجٌ لأمورٍ تعليميةٍ، أو غير ذلك.
  • والشرط الثاني: ألا يضرَّ ذلك بشبكة جارك.

فالذي يظهر أن هذا التَّخريج صحيحٌ بهذين الشرطين:

  • إذا كان جارك لا يتضرر.
  • وأيضًا أن تكون أنت مُحتاجًا، فلا بأس بذلك.

ومما يُؤيِّد هذا: أن الجار لو أراد ألا تستفيد من هذه الشبكة لقام بتشفيرها، والتَّشفير معروفٌ عند كل مَن يستخدم (الإنترنت)، فكونه يتركها مفتوحةً هو كالإذن لك بأن تستخدمها.

باب الحَجْر

قال رحمه الله تعالى:

باب الحَجْر:
هو منعُ مالكٍ من التَّصرف في ماله: إما لِحَقِّ غيره، وإما لِحَظِّ نفسه.
فالأول: كالحَجْر على مُفْلِسٍ، وراهِنٍ، ومريضٍ، وقِنٍّ، ومُرتدٍّ.
والثاني: كالحَجْر على صغيرٍ، ومجنونٍ، وسَفِيهٍ.
ولا يصح تصرُّف المَحْجُور عليه في ماله بعد الحَجْر.
ومَن وجد عينَ ماله فهو أحقُّ به إن جهل الحَجْر عليه، بشرط: أن يكون المُفْلِس حيًّا، وأن يكون عِوَضُ العين كله باقيًا في ذِمَّته، وأن تكون كلها في ملكه، وأن تكون بحالها ولم تتغير صِفَتُها بما يُزِيل اسمها، ولم تَزِدْ زيادةً متصلةً، ولم تختلط بغير مُتميِّزٍ، ولم يتعلَّق بها حَقٌّ للغير.
ويلزم الحاكم قَسْم ماله على غُرَمَائه بقَدْر ديونهم.
ولا يَحِلُّ مُؤجَّلٌ بِفَلَسٍ ولا بموتٍ إن وثَّق الورثة برهنٍ أو كفيلٍ مَلِيءٍ.
وإن ظهر غريمٌ بعد القَسْم رجع على الغُرماء بقسطه.
ويَنْفَكُّ الحَجْر على الصغير، والمجنون، والسَّفيه: بالبلوغ، والعقل، والرُّشد، وهو إصلاحٌ في المال، وعدم بذله في مُحرمٍ أو غير مُفيدٍ.
ووليُّهم حال الحَجْر أبٌ، ثم وصيُّه، ثم الحاكم، ولا يتصرف لهم إلا بالأَحَظِّ.

تعريف الحَجْر

“الحَجْر” معناه في اللغة: المنع والتَّضييق، ومنه سُمِّيَ الحَرَامُ: حِجْرًا: وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا [الفرقان:22]، أي: حرامًا مُحرمًا، هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ [الفجر:5]، يعني: لذي عقلٍ، وسُمِّيَ العقل: حِجْرًا؛ لأنه يمنع صاحبه مما يُشِين.

ومعنى “الحَجْر” اصطلاحًا، عرَّفه المُصنف فقال: “هو منع مالكٍ من التَّصرف في ماله”.

هذا هو تعريف الحَجْر اصطلاحًا.

أنواع الحَجْر

ثم قسَّم المؤلف الحَجْر إلى قسمين:

  • حَجْرٌ لِحَظِّ نفسه.
  • وحَجْرٌ لِحَظِّ غيره.

قال: “فالأول” وهو الحَجْر لِحَقِّ غيره.

يعني: المؤلف قال: إما حَجْرٌ لِحَقِّ غيره، أو لِحَظِّ نفسه.

فالأول” يعني: الحَجْر لِحَقِّ غيره “كالحَجْر على مُفْلِسٍ، وراهِنٍ، ومريضٍ، وقِنٍّ، ومُرتدٍّ”.

“الحَجْر على مُفْلِس” المُفْلِس هو مَن دَيْنه أكثر من ماله، فهذا يُحْجَر عليه لِحَقِّ الغُرَمَاء.

“وراهِن” يُحْجَر على الراهن في العين المرهونة، فلا يتصرف فيها حتى يُسدِّد الدَّين.

“ومريض” يعني: مرض الموت، فالمريض مرض الموت محجورٌ عليه في التَّصرف في ماله إلا في الثلث.

“وقِنٍّ” يعني: رقيقًا محجورًا عليه في التَّصرف في المال؛ لأن هذا المال لسيده.

“ومُرتدٍّ” المُرتدُّ أيضًا محجورٌ عليه في التَّصرف في ماله لِحَقِّ المسلمين؛ لأن تركة المُرتدِّ تُعتبر فَيْئًا يُصرف لبيت المال.

والقسم الثاني: الحَجْر عليه لِحَظِّ نفسه، قال: “كالحَجْر على صغيرٍ، ومجنونٍ، وسَفِيهٍ”، وسيأتي الكلام عن ذلك.

فائدة الحَجْر

ثم قال: “ولا يصح تصرُّف المحجور عليه في ماله بعد الحَجْر” يعني: هذه فائدة الحَجْر: أن المحجور عليه يُمنع من التَّصرف في ماله بعد الحَجْر.

“ومَن وجد عين ماله فهو أحقُّ به” هذا قد ورد في حديثٍ صحيحٍ أخرجه البخاري ومسلم: أن النبي قال: مَن أدرك ماله بعينه عند رجلٍ قد أفلس فهو أحقُّ به من غيره [7].

شروط الحَجْر على المُفْلِس

اشترط المؤلف لذلك ثمانية شروطٍ:

  • الشرط الأول قال: “إن جهل الحَجْر عليه” تعامل معه وهو يجهل الحَجْر عليه، أما إن كان لا يجهل فليس أحقّ.
  • الثاني: “أن يكون المُفْلِس حيًّا”.
  • الثالث: “أن يكون عِوَضُ العين كله باقيًا في ذِمَّته” فلم يُسدِّد منه شيئًا، أما إذا سدَّد منه شيئًا فلا يكون أحقّ.
  • الرابع: “وأن تكون كلها في ملكه” تكون العين كلها في ماله، فلا يكون قد أخذ جزءًا منها مثلًا.
  • الخامس: “وأن تكون بحالها ولم تتغير صفتها بما يُزيل اسمها”؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: مَن أدرك ماله بعينه، فقوله: بعينه إشارةٌ لهذا الشرط، وهو: أن تكون العين بحالها لم تتغير صفتها.
  • السادس: “ولم تَزِدْ زيادةً متصلةً”؛ للحديث السابق: أدرك ماله بعينه؛ لأنه لو زاد لم يكن أدركه بعينه.
  • السابع: “ولم تختلط بغير مُتميزٍ”؛ لأنه إذا اختلط بغير مُتميزٍ لا يكون أدرك ماله بعينه.
  • الثامن: “ولم يتعلَّق بها حقٌّ للغير” كأن يكون المُفْلِس قد رَهَنَها في دَينٍ آخر.

فإذا تحققتْ هذه الشروط يكون صاحب هذه العين أحقَّ بها من بقية الغُرماء، ويُعطى إياها قبل قسمة المال على الغُرماء.

قال: “ويلزم الحاكم قَسْم ماله على غُرَمائه بقَدْر ديونهم” يعني: بعد الحَجْر على المُفْلِس يقسم الحاكم ماله.

طبعًا يُستثنى من ذلك حوائجه الأساسية، وحاجة مَن تلزمه نفقته، وأما بقية المال فيُقْسم على الغُرَمَاء بحسب ديونهم، بحسب حصصهم.

“ولا يَحِلُّ مُؤجَّلٌ بِفَلَسٍ ولا بموتٍ إن وثَّق الورثة برهنٍ أو كفيلٍ مَلِيءٍ”.

هذا إنسانٌ تُطالبه بدَيْنٍ يَحِلُّ بعد سنةٍ، ثم بعد شهرٍ تُوفِّي المدين، فما الحكم؟ هل تنتظر سنةً؟

إذا انتظرتَ سنةً قُسِّمَت التركة، وأخذ الورثة التركة، وما بقي لك شيءٌ.

فالجمهور قالوا: إن الذِّمة تكون قد خربتْ -ذِمَّة الميت- فَيَحِلُّ الدَّين المُؤجل مُباشرةً، فيأتي الدائن للورثة ويقول: أعطوني الدَّين.

طيب، مُؤجَّلٌ بعد سنةٍ، هو مُؤجَّلٌ، لكن المدين مات، أو أن المدين أَفْلَسَ.

والقول الثاني هو مذهب الحنابلة الذي ذكره المؤلف: أنه لا يَحِلُّ الدَّين المُؤجَّل بِفَلَسٍ ولا موتٍ، بشرط: أن يُوثِّق الورثة الدَّين إما برهنٍ أو بكفيلٍ مَلِيءٍ.

فالدائن يأتي للورثة ويقول لهم: المدين أبوكم -مثلًا- مات، فإما أن تُسدِّدوا لي الدَّين، أو وَثِّقوا لي الدَّين إما برهنٍ أو كفيلٍ مَلِيءٍ.

وهذا هو القول الراجح، فإذا وثَّق الورثة الدَّين برهنٍ أو كفيلٍ مَلِيءٍ يبقى الدَّين على أجله ولا يَحِلُّ، لكن لو رفض الورثة وقالوا: لا، ما نُوثِّق دَيْنك، لا برهنٍ، ولا بكفيلٍ مَلِيءٍ. فَيَحِلُّ الدَّين.

والغالب أن الورثة لا يفعلون؛ لأن كلَّ واحدٍ يُلقي المسؤولية على الآخر، فما يوجد أحدٌ مُستعدٌّ أنه يُوثِّق هذا الدَّين برهنٍ أو كفيلٍ مَلِيءٍ، فإذا لم يفعلوا ذلك يَحِلُّ الدَّين، لكن لو أنهم قالوا: لا، هذا الدَّين ما زال مُؤجَّلًا، نُوثِّقُه برهنٍ أو كفيلٍ مَلِيءٍ. فلا يَحِلُّ هذا الدَّين.

“وإن ظهر غريمٌ بعد القَسْم رجع على الغُرماء بقسطه”.

نفترض -مثلًا- أن القاضي لما قسم المال -بعد الحَجْر- على الغُرَمَاء، أحد الدَّائنين لم يعلم، وأتى وقال: أنا -والله- ما دَرَيْتُ أن فلانًا حُجِرَ عليه، وأنه قُسِمَ المال بين الغُرَماء. فما الحكم؟

يقول المؤلف: الحكم أنه يرجع على الغُرَماء بمقدار حصته؛ لأنه لو كان حاضرًا عند قسمة المال على الغُرَماء لقاسمهم، وكذلك إذا لم يعلم إلا مُتأخرًا يرجع على الغُرَماء.

الحَجْر على الصغير والمجنون والسَّفيه

قال: “ويَنْفَكُّ الحَجْر على الصغير” انتقل المؤلف للكلام عن الحَجْر على الإنسان لِحَظِّ نفسه.

“ويَنْفَكُّ الحَجْر على الصغير، والمجنون، والسَّفيه: بالبلوغ” بالنسبة للصغير، والبلوغ يكون بإحدى ثلاث علاماتٍ:

  1. إما بإنزال المني يقظةً أو منامًا.
  2. أو بنبات الشعر الخشن حول الفرج.
  3. أو ببلوغ تمام خمس عشرة سنةً.

لاحظ: تمام خمس عشرة سنةً، يعني: أتمَّ خمس عشرة سنةً ودخل في السادسة عشرة.

وتزيد الأنثى علامةً رابعةً وهي: خروج دم الحيض، أن المرأة تبدأ معها الدورة الشهرية، وهي أسرع العلامات.

فَيَنْفَك الحَجْر على الصغير بالبلوغ، وعلى المجنون بالعقل؛ بأن يعود إليه عقله، والسَّفيه بالرُّشد.

السَّفيه هو: مَن لا يُحْسِن التَّصرف في المال، وقد يكون إنسانًا صالحًا، قد يكون مُستقيمًا في دينه، مُحافظًا على الصلاة، ومن أرباب الجمعة والنوافل، لكن ما يُحْسِن التَّصرف في المال، فهذا يُعتبر سفيهًا يُحْجَر عليه، لا يُفْسِد ماله، ويزول الحَجْر على السَّفيه بالرُّشد.

نفترض أن هذا السَّفيه لما حُجِر عليه أصبح هذا درسًا قاسيًا له، فعاد إلى رُشْدِه، هنا يَنْفَك عنه الحَجْر.

طيب، ما الرشد؟

عرَّف المؤلف الرُّشد فقال: “وهو إصلاحٌ في المال، وعدم بذله في مُحرمٍ أو غير مُفيدٍ”.

“إصلاحٌ في المال” يتعامل في ماله، يعني: يُدبِّر ماله تدبيرًا حسنًا، فلا يشتري -مثلًا- السلعة بأكثر من ثمنها بكثيرٍ، أو يبيعها بأقلّ من ثمنها بكثيرٍ، ويعرف كيف يتصرف، وكيف يبيع، وكيف يشتري، وكيف يَسُوم، وكيف يُفاوض البائع.

وكذلك أيضًا: ألا يبذل ماله في مُحرمٍ، ولا يبذل ماله في شيءٍ لا فائدة فيه، فيزول عنه الحَجْر.

والناس بفطرتهم يُفَرِّقون بين السَّفيه والرَّشيد، فالسَّفيه تجده يُبَدِّد ماله في الحرام، يُبَدِّد ماله في شيءٍ لا فائدة فيه، ولا يُحْسِن التَّصرف في المال، هذا سفيهٌ، لكن إذا كان يُحْسِن التَّصرف في المال، ولا يبذل ماله في حرامٍ، ولا يبذله في غير مفيدٍ، فهذا رشيدٌ.

والله تعالى يقول: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6]، فذكر الله شرطين لإعطاء اليتيم ماله:

  • الشرط الأول: حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ البلوغ.
  • الشرط الثاني: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا الرشد.

فلا بد من الشرطين جميعًا، لا يكفي البلوغ، ولا بد أن ينضم معه الرشد.

“ووليُّهم حال الحَجْر أبٌ” وليُّ الصغير والمجنون والسَّفيه هو الأب، “ثم وَصِيُّه” وَصِيُّ الأب، “ثم الحاكم” أي: القاضي.

“ولا يتصرف لهم إلا بالأَحَظِّ” لا يتصرف وليُّهم لهم إلا بالأَحَظِّ.

وهناك قاعدةٌ هي: أن كلَّ مَن وَلِيَ مال غيره لا يجوز له أن يتصرف فيه إلا بالأَحَظِّ، فحاله كحال وليِّ اليتيم: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام:152].

وبذلك نعرف خطأ بعض الناس، خاصةً أكثر ما يكون عند الأب أو الأم مع تقدُّم السنِّ وضعف الضبط، يقول: نُريد أن نتصدق عنه من ماله. هذا لا يجوز؛ لأن هذا ليس من التَّصرف بالأحظ.

إذا أردتَ أن تتصدق عنه تصدق عنه من مالك أنت، أما من ماله هو لا يجوز، بل يجب أن يُحْفَظ له ماله ويُنْفَق عليه منه، وعلى مَن تلزمه نفقته، لكن لا يجوز أن يُصْرَف منه: لا في صدقةٍ، ولا في هبةٍ، ولا في قرضٍ، ولا في تبرعٍ، ومَن فعل ذلك فإنه يغرم.

باب الوكالة

قال رحمه الله تعالى:

باب الوكالة:
وهي اسْتِنَابَةُ جائز التَّصرف مِثْلَه فيما تدخله النيابة من حقِّ الله أو الآدميِّ، لا في مِثْل صلاةٍ، وصومٍ، وظِهَارٍ، ولِعَانٍ، وأيمانٍ.
وتصحُّ مُنْجَزَةً ومُعلَّقةً ومُؤقَّتةً بكل قولٍ يدلُّ على الإذن.
ويصح القبول على الفور والتَّراخي بكل قولٍ أو فعلٍ دَلَّ عليه.
والوكيل أمينٌ لا يضمن إلا بالتَّعدي أو التَّفريط، ويُقْبَل قوله بِيَمِينِهِ في خسارةٍ وفي نفي التَّعدي والتَّفريط.
وهي عقدٌ جائزٌ.
ولا يصحُّ بلا إذنٍ بيعُ وكيلٍ لنفسه ولا شراؤه منها لمُوكِّله وولده ووالده، ومُكاتِبُه كنفسه.
وإن باع بدون ثمن مِثْلٍ أو اشترى بأكثر منه صَحَّ، وضمن زيادةً ونَقْصًا.

تعريف الوكالة

الوكالة: اسم مصدرٍ من وَكَّل يُوكِّل، والمصدر ما هو؟

توكيلًا، واسم المصدر: وكالةً، وهو من التوكيل، وهو التَّفويض والاعتماد على الغير، ومنه قولك: “وكَّلتُ أمري إلى الله” يعني: فَوَّضْتُ أمري إلى الله.

واصطلاحًا عرَّفها المؤلف فقال: “هي اسْتِنَابَةُ جائز التَّصرف”، جائز التَّصرف هو: الحُرُّ المُكلَّف الرَّشيد، “مِثْلَه فيما تدخله النيابة من حقِّ الله أو الآدميِّ“، من حقِّ الله تعالى مثل: توزيع الصدقة، أو توزيع الزكاة أو الكفارات، ونحو ذلك، أو حقٍّ لآدميٍّ بأن يُوكِّل إنسانٌ آخر في بيع سيارته، أو في الشراء، أو في التَّعقيب، ونحو ذلك.

“لا في مِثْل صلاةٍ، وصومٍ، وظِهَارٍ، ولِعَانٍ، وأيمانٍ” هذه لا تدخلها الوكالة، فليس لأحدٍ أن يُوكِّل غيره في أن يُصلِّي عنه، أو يصوم عنه، ولا تدخل الوكالة أيضًا الظِّهار واللِّعان والأيمان، فهذه تختص بصاحبها كما هو ظاهرٌ.

تَصِحُّ مُنْجَزَةً وَمُعَلَّقةً ومُؤقَّتَةً بكل قولٍ يدل على الإذن

“وتصحُّ مُنْجَزَةً ومُعلَّقةً ومُؤقَّتةً” فالوكالة وإن كانت عقدًا إلا أنهم أجازوا أن تكون مُعلَّقةً ومُؤقَّتةً ومُنْجَزَةً، وهذا يُؤكِّد رُجْحَان القول بصحة تعليق العقود، وإلا ما الفرق بين تعليق الوكالة وتعليق البيع؟

إذن القول الراجح: صحة تعليق العقود جميعها.

“بكل قولٍ يدلُّ على الإذن” الوكالة تصح بكل ما دلَّ عليها.

يصح القبول على الفور والتَّراخي بكل قولٍ أو فعلٍ دَلَّ عليه

“ويصح القبول على الفور والتَّراخي بكل قولٍ أو فعلٍ دَلَّ عليه” القبول يصح على الفور: وكَّلتُك في كذا. تقول: قبلتُ. أو على التَّراخي، تُوكِّل اليوم إنسانًا، ولا يقبل إلا بعد أسبوعٍ، فهذا يصح أيضًا.

ولا يُشترط حضور الوكيل؛ ولذلك الآن الذي عليه العمل: أن المُوكِّل يُوكِّل، ولا يشترطون حضور الوكيل؛ ولأن الوكالة يصح أن تكون على التَّراخي، وهي أيضًا عقدٌ جائزٌ، وللوكيل أن يرفض أو يقبل.

الوكيل أمينٌ لا يضمن إلا بالتَّعدي أو التَّفريط

“والوكيل أمينٌ” الوكالة من عقود الأمانة، فالوكيل أمينٌ.

ومعنى كونه أمينًا: لا يضمن، قال: “لا يضمن إلا بالتَّعدي أو التَّفريط”.

ومعنى التَّفريط: ترك ما يجب.

والتَّعدي: فعل ما لا يجوز.

“ويُقْبَل قوله بِيَمِينِهِ في خسارةٍ وفي نفي التَّعدي والتَّفريط” يترتب على كونه أمينًا قبول قوله إذا لم توجد بيِّنةٌ، فإذا قال الوكيل: إنني قد فعلتُ كذا وخسرتُ. يُقْبَل قوله، وإذا قال: أنا لم أَتَعَدَّ ولم أُفَرِّط. يُقْبَل قوله.

“وهي عقدٌ جائزٌ” نوع الوكالة: أنها عقدٌ جائزٌ، ومعنى كونها عقدًا جائزًا: أن لكلٍّ من المُوكِّل والوكيل الفسخ ولو بغير رضا الطرف الآخر.

“ولا يصحُّ بلا إذنٍ بيعُ وكيلٍ لنفسه” يعني: لا يتولَّى الوكيل طرفي العقد، فلا يكون هو البائع وهو المُشتري؛ لما في ذلك من التُّهمة والمُحاباة.

“ولا شراؤه منها لمُوكِّله” لا يتولى أيضًا طرفي العقد في البيع، ولا في الشراء، ولا أيضًا: “وولده ووالده، ومُكاتِبُه كنفسه”، كذلك أيضًا الوكيل لا يستغلّ الوكالة ويبيع لولده، أو يبيع لوالده، أو لرقيقه، أو نحو ذلك مما يكون مظنَّةً للتُّهمة.

“وإن باع بدون ثمن مِثْلٍ” فإنه يضمن الفرق.

قال: بِعْ لي هذه السيارة بثمن المِثْل. وثمن المِثْل: أربعون ألفًا، فباعها بثلاثين، يضمن عشرة آلافٍ.

“أو اشترى بأكثر منه” هذه السيارة ثمن المِثْل: أربعون، فاشتراها بخمسين، يضمن الزيادة: “وضمن زيادةً ونَقْصًا”.

الوكالة هل تصح في النكاح بأن يُوكِّل الولي غيره في عقد النكاح؟

نعم، تصح.

طيب، هل تصح في القبول؟ يُوكِّل الزوجُ غيرَه في قبول النكاح.

نعم، كذلك تصح، فهي تصح في الولي، فيصح أن يُوكِّل، وكذلك الزوج يصح أن يُوكِّل.

طيب، هل تصح في الطلاق؟

نعم، تصح، لو وكَّل زوجته في تطليق نفسها.

هذا رجلٌ زوجته تُطالبه وتُلِحُّ عليه بالطلاق، وكل يومٍ تطلب الطلاق، فقال: وكَّلتُكِ في تطليقك لنفسك متى أردتِ. يصح أم لا يصح؟

يصح أن يُوكِّل المرأة في تطليق نفسها.

باب الشركة

قال رحمه الله تعالى:

باب الشركة:
وهي جائزةٌ ممن يجوز تصرُّفه في خمسة أنواعٍ:
الأول: شركة العِنَان: وهي أن يشترك اثنان في مالهما المعلوم ولو مُتفاوتًا؛ ليعملا فيه بِبَدَنَيْهما على جزءٍ معلومٍ من الربح.
الثاني: شركة المُضاربة: وهي إعطاء مالٍ معلومٍ لمَن يَتَّجِرُ فيه بجزءٍ معلومٍ من الربح لأحدهما.
الثالث: شركة الوُجُوه: وهي أن يشترك اثنان في ربح ما يشتريان في ذِمَّتَيْهما بجاههما، وكلُّ واحدٍ منهما كفيلٌ عن صاحبه بالثمن ووكيلٌ عنه، ويكون الربح والملك بينهما كما شرطا، والخسارة على قَدْر الملك.
الرابع: شركة الأبدان: وهي أن يشتركا فيما يمتلكانه بأبدانهما من المباح: كالاصطياد والاحتشاش، أو يشتركا فيما يتقبَّلان في ذِمَّتَيْهما من عملٍ: كخياطةٍ ونَسْجٍ.
الخامس: شركة المُفاوضة: وهي أن يُفوِّض كلٌّ منهما إلى صاحبه كلَّ تَصَرُّفٍ ماليٍّ وبدنيٍّ من أنواع الشركة، ويشتركا في كلِّ ما يَثْبُت لهما وعليهما.

تعريف الشركة وأنواعها

الشركة في اللغة معناها: المُخالطة.

ومعناها اصطلاحًا: الاجتماع في استحقاقٍ أو تصرفٍ.

وتنقسم إلى قسمين:

  1. شركة أملاكٍ.
  2. وشركة عقودٍ.

أما شركة الأملاك فهي: “أن يكون بين شخصين فأكثر اشتراكٌ في استحقاقٍ ماليٍّ كإِرْثٍ” مجموعة ورثةٍ مُشتركين في التركة، فهذه تُسمى: شركة أملاكٍ، “أو شراءٍ” مجموعة أشخاصٍ يمتلكون عقارًا “أو هبةٍ، ونحو ذلك”.

هذه تُسمى: شركة أملاكٍ، وليست المقصودة هنا، إنما المقصود هنا القسم الثاني، وهو شركة العقود، وهي التي قسَّمها المؤلف إلى خمسة أنواعٍ.

أنواع شركة العقود

قال: “وهي جائزةٌ ممن يجوز تصرُّفه”، وهو الحُرُّ المُكلَّف الرَّشيد.

“وهي” يعني: شركة العقود “خمسة أنواعٍ”:

  • الأول: “شركة العِنَان” بكسر العين، ويُخْطِئ بعض الطلبة فيقول: “العَنَان”، وهذا خطأٌ، هي “شركة العِنَان” بكسر العين من عِنَان الفرس.
    “وهي: أن يشترك اثنان في مالهما المعلوم ولو مُتفاوتًا؛ ليعملا فيه بِبَدَنَيْهما على جزءٍ معلومٍ من الربح” يعني: كُلًّا منهما منه مالٌ ومنه عملٌ، ويتَّفقان على الربح.
    مثال ذلك: اتَّفق اثنان على فتح محل خضارٍ -مثلًا- أو محل بيع جوالات، وهذا دفع مئة ألفٍ، وهذا دفع مئة ألفٍ، واتَّفقا على أن أحدهما يعمل في النهار والآخر في الليل -مثلًا- أو هذا الثماني الساعات الأولى، وهذا الثماني الساعات الأخرى، ويقتسمان الربح بينهما، فهذه تُسمى: شركة عِنَان، ولا بأس بها.
  • الثاني: “شركة المُضاربة: وهي إعطاء مالٍ معلومٍ لمَن يَتَّجِرُ فيه بجزءٍ معلومٍ من الربح لأحدهما”، يكون من أحدهما المال، ومن الآخر العمل.
    تُعطي شخصًا وتقول: هذه مئة ألفٍ، خُذْهَا ضارب بها، تاجر فيها، ويكون لي -مثلًا- 60% من الربح، ولك 40%، أو على حسب ما يتَّفقان عليه، فهذه تُسمى: شركة مُضاربة، وهذه لا بأس بها بالإجماع.
  • الثالث: “شركة الوُجُوه: وهي أن يشترك اثنان في ربح ما يشتريان في ذِمَّتَيْهما بجاههما”.
    اثنان ليس عندهما شيءٌ يشتركان في الاقتراض من الناس بجاههما وحُسن السُّمعة ونحو ذلك، فيجمعان رأس مالٍ، “وكلُّ واحدٍ منهما كفيلٌ عن صاحبه بالثمن ووكيلٌ عنه”، كلٌّ منهما يكفل صاحبه بالثمن، وأيضًا وكيلٌ عنه في التَّصرف، “ويكون الربح والملك بينهما كما شرطا” على حسب ما اشترطا بينهما، “والخسارة على قَدْر الملك”.
  • الرابع: “شركة الأبدان: وهي أن يشتركا فيما يمتلكانه بأبدانهما من المُباح” يعني: اثنان يحترفان حرفةً وقالا: بدل أن يكون كلُّ واحدٍ منا له محلّ، نتفق أنا وأنت على أن نجعله محلًّا واحدًا ونقتسم ما يأتي من المال.
    “كالاصطياد والاحتشاش” أو مثلًا: اثنان يَمْتَهِنَان النِّجارة، هذا عنده محل نجارةٍ، وهذا عنده محل نجارةٍ، وقال أحدهما للآخر: يا فلان، لماذا لا نجعل المحلين محلًّا واحدًا، وكلٌّ منَّا ما يأتي به يضعه في هذا الصندوق ونقتسمه فيما بيننا؟ أو حتى ليس بشرط أن يقتسما، فمثلًا: هذا مُعلِّمٌ، وهذا ليس كذلك، فهذا له -مثلًا- 70%، وهذا له 30%، على حسب ما يتفقان عليه، فهذه تُسمى: شركة أبدان، وهي أيضًا جائزةٌ.
    “أو يشتركا فيما يتقبَّلان في ذِمَّتَيْهما من عملٍ: كخياطةٍ ونَسْجٍ” أو مثلًا: نجارة، أو نحو ذلك من المهن.
  • الخامس: “شركة المُفاوضة: وهي أن يُفوِّض كلٌّ منهما إلى صاحبه كلَّ تَصَرُّفٍ ماليٍّ وبدنيٍّ من أنواع الشركة”، تكون بينهما تعاملاتٌ، وكلٌّ منهما يُفوِّض الآخر، “ويشتركا في كلِّ ما يَثْبُت لهما وعليهما”، يشتركان فيما يثبت لهما من أرباحٍ، وما عليهما من الديون، هذه تُسمى: شركة المُفاوضة.

شركة المُساهمة

من الشركات المعاصرة: شركة المُساهمة، تكون مُساهمةً في عملٍ مُباحٍ، مثلًا: في قطاعٍ زراعيٍّ، أو قطاعٍ صناعيٍّ، أو في اتصالاتٍ، فتُطرح أسهم هذه الشركة، تُطرح -مثلًا- عشرة ملايين سهم، والسهم -مثلًا- بعشرة ريالاتٍ، فهذا يمتلك مئة سهمٍ، وهذا ألف سهمٍ، وهذا خمسين سهمًا، وهذه الأسهم كلها تُشَكِّل رأس مال هذه الشركة، وهذه الشركة يُجْعَل لها مجلس إدارةٍ، ومجلس الإدارة يُعيِّن إدارةً تنفيذيةً تعمل بأجرٍ، والأرباح تُوزَّع على المُساهمين، والخسارة تكون عليهم، فهذه لا بأس بها، وهي تُسمى: شركة مُساهمة.

وتداول أسهم هذه الشركات لا يخلو من ثلاثة أقسامٍ:

  1. القسم الأول: أن تكون الشركات المُساهمة تعمل في مجالٍ مُحرمٍ كالخمور، فهذه لا يجوز تداول أسهمها بالإجماع.
  2. القسم الثاني: أن تكون هذه الشركات المُساهمة تتعامل في أمرٍ مُباحٍ، وليست عندها قروضٌ ربويةٌ، ولا إيراداتٌ مُحرمةٌ، فهذه يُسمِّيها بعضهم: الشركات النَّقية، وهذه لا بأس بتداول أسهمها.
  3. القسم الثالث: أن يكون أصل نشاط الشركة مُباحًا، لكن تكون عندها تعاملاتٌ مُحرمةٌ بقروضٍ ربويةٍ، أو إيراداتٌ مُحرمةٌ، فهذه تُسمى: الشركات المُختلطة، وهذه فيها خلافٌ بين المعاصرين على قسمين:
  • فمن العلماء مَن يقول: إنه لا يجوز الدخول فيها، ولا تداول أسهمها مطلقًا. وهذا قول الأكثر.
  • والقول الثاني: أنه يجوز بشرط التَّطهير، يعني: تطهير القَدْر المُحرم للسهم، وتضربه في عدد الأسهم التي تمتلكها، وتتصدق بهذا المبلغ بالتَّطهير في وجوه البِرِّ بنية التَّخلص، لا بنية التَّقرُّب.

والأظهر هو القول الأول، وهو الذي أقره مجمع الفقه الإسلامي بالرابطة، ولكن مَن أخذ بالقول الثاني وهو: الدخول في الشركات المُختلطة، فلا بد من التَّطهير.

القاعدة في الشركة: أن الربح يكون بحسب ما اتَّفق عليه الشريكان، والخسارة تكون على ربِّ المال، وليست على المُضارب، فالمُضارب خسر جهده، وأما الربح فبحسب ما اتفقا عليه، حتى لو اتَّفقا على أن الربح 90% لهذا، وهذا له 10%، لا بأس، وأما الخسارة فتكون على ربِّ المال.

ولا يجوز ضمان عدم الخسارة، ولا ضمان الربح؛ لأن هذا يُحوِّلها من كونها شركةً إلى قرضٍ بفائدةٍ، فالشركة المشروعة لا يجوز فيها ضمان الربح، ولا ضمان عدم الخسارة، بل تكون قابلةً للربح والخسارة.

باب المُساقاة والمُزارعة

قال رحمه الله تعالى:

باب المُساقاة والمُزارعة:
المُساقاة: دفعُ شجرٍ لمَن يقوم بمصالحه بجزءٍ من ثمره، بشرط: كون الشجر معلومًا، وأن يكون له ثمرٌ يُؤْكَل، وأن يكون الجزء للعامل من ثمره معلومًا.
والمُزارعة: دفعُ الأرض والحبِّ لمَن يقوم بمصالحه بجزءٍ معلومٍ مما يخرج من الأرض لِرَبِّها، بشرط: علم جنس بِذْرِه وقَدْره.
وهي والمُساقاة عقدٌ جائزٌ، فإن فسخ المالك قبل ظهور الثمر فللعامل أُجرته، وإن كان الفسخ من العامل فلا شيء له، ويلزم العامل كل ما فيه صلاح الثَّمر والزرع.

تعريف المُساقاة

المُساقاة عرَّفها المُصنف فقال: “دفعُ شجرٍ لمَن يقوم بمصالحه بجزءٍ من ثمره” يُعطيه شجرًا ويقوم بسقيه والقيام على شؤونه بجزءٍ من الثمر، مثلًا: نصف الثمرة، أو الثلث، أو الربع، أو أكثر، أو أقلّ، ولا بأس بها، وقد عامل النبيُّ أهلَ خيبر بنصف ما يخرج منها من زرعٍ أو ثمرٍ.

شروط المُساقاة

“بشرط: كون الشجر معلومًا” لا بد أن يكون الشجر معلومًا: إما برؤيةٍ أو صفةٍ.

“وأن يكون له ثمرٌ يُؤْكَل”؛ لأنه سيتفق مع العامل بجزءٍ من الثمر، فلا بد أن يكون الشجر مما يُثْمِر.

“وأن يكون الجزء للعامل من ثمره معلومًا” بجزءٍ مشاعٍ: إما الربع -مثلًا- أو الثلث أو بنسبةٍ مئويةٍ 10%، 20%، ونحو ذلك، لكن لا يكون مقطوعًا؛ لأنه قد لا يُثْمِر، وإنما يكون بنسبةٍ مشاعةٍ.

تعريف المُزارعة وحكمها

قال: “والمُزارعة: دفعُ الأرض والحبِّ لمَن يقوم بمصالحه بجزءٍ معلومٍ مما يخرج من الأرض لِرَبِّها” يدفع الأرض، يُعطيه الأرض، ويُعطيه الحَبَّ، وهذا يقوم بِبَذْر الحَبِّ وسقيه والقيام على شؤونه بجزءٍ مما يخرج من الأرض.

ويُشترط لذلك قال: “بشرط: علم جنس بِذْرِه وقَدْره” لا بد أن تكون هذه كلها معلومةً، فلا تكون فيها جهالةٌ.

“وهي” يعني: المُزارعة “والمُساقاة عقدٌ جائزٌ” لكلٍّ من الطرفين الفسخ ولو بغير رضا الطرف الآخر، “فإن فسخ المالك قبل ظهور الثمر فللعامل أُجرته” إذا فسخ المالك للأرض أو الشجر قبل ظهور الثمر فنعتبر هذا العامل أجيرًا، ويُعطى مقدار أُجرته، “وإن كان الفسخ من العامل فلا شيء له”، إن كان العامل هو الذي فسخ العقد فلا شيء له.

“ويلزم العامل كل ما فيه صلاح الثَّمر والزرع” يلزم العامل أن يقوم بكل ما فيه صلاحٌ وإصلاحٌ للثمر والزرع عُرْفًا مما تعارف عليه أرباب الزرع والثَّمر.

باب الإجارة

قال رحمه الله تعالى:

باب الإجارة:
هي عقدٌ لازمٌ، تصح بشروطٍ ثلاثةٍ: معرفة المنفعة، وكونها مُباحةً، ومعرفة الأُجْرة إلا أجيرًا وظِئْرًا بطعامهما وكسوتهما.
وهي ضربان:
إجارة عينٍ.
وعقدٌ على منفعةٍ في الذِّمة في شيءٍ معينٍ أو موصوفٍ.
ويُشترط في الأول: معرفتها، وقُدرةٌ على تسليمها، وكون المُؤجِّر يملك نفعها ولو بالإذن، واشتمالها على النَّفع.
ويُشترط في الثاني: تقديرها بعملٍ أو مدةٍ أو معرفة ذلك وضبطه.
وتجب الأجرة بالعقد إن لم تُؤجَّل، وتُستحقُّ بتسليم العمل الذي في الذِّمة.
ومَن تسلَّم عينًا بإجارةٍ فاسدةٍ وفرغت المدة لزمه أُجرة المِثْل.
ولا يضمن أجيرٌ خاصٌّ ما جَنَتْ يدُه خطأً، ولا نحو حَجَّامٍ وطبيبٍ وبَيْطَارٍ عُرِفَ حِذْقُهم، إن أَذِنَ فيه مُكَلَّفٌ أو وليُّ غيره، ولم تَجْنِ أيديهم، ولا رَاعٍ ما لم يتعدَّ أو يُفرِّط.
ويضمن مُشْتَرَكٌ ما تلف بفعله، لا من حِرْزِه، ولا أُجرةَ له.

تعريف الإجارة

الإجارة مأخوذةٌ من الأجر، وهو العِوَض والجزاء على العمل: قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا [الكهف:77].

واصطلاحًا: هي عقدٌ على منفعةٍ مُباحةٍ معلومةٍ من عينٍ معينةٍ أو موصوفةٍ بالذمة مدةً معلومةً، أو على عملٍ معلومٍ بِعِوَضٍ معلومٍ.

فهي إما أن تكون على منفعةٍ من عينٍ، أو تكون على عملٍ.

لزوم الإجارة

قال: “هي عقدٌ لازمٌ”؛ لأنه بيع منافع، والبيع سبق أن قلنا: إنه من العقود اللازمة، ومعنى كونه لازمًا: أنه ليس له الفسخ إلا برضا الطرف الآخر.

مثال ذلك: ذهبتَ للمكتب العقاري، وقلتَ: عندك بيتٌ؟ قال: نعم. قلتَ: كم الإيجار؟ قال: عشرون ألفًا. فاستأجرتَ هذا البيت، وأعطاك المفتاح، وسلَّمتَ له عربونًا، ثم بعد ساعةٍ أو ساعتين أردتَ أن تتراجع، هل تملك؟

ما تملك، فأنت خرجتَ من مكان التَّأجير، وحصل التَّفرق بالأبدان؛ فلزم العقد وأصبح عقدًا لازمًا، ولا تملك أن تتراجع إلا إذا أقالك صاحب العقار، والإقالة مُستحبةٌ، وليست واجبةً.

شروط الإجارة

قال: “تصح بشروطٍ ثلاثةٍ”:

  1. “معرفة المنفعة” لا بد أن تكون منفعة العين معلومةً.
  2. “وكونها مُباحةً” فلا يصح أن تكون الإجارة في منفعةٍ مُحرمةٍ.
  3. “ومعرفة الأجرة” لا بد أيضًا من معرفة قَدْر الأُجْرة.

“إلا أجيرًا وظِئْرًا بطعامهما وكسوتهما” الظِّئْر: المُرْضِع، فالأجير والمُرْضِع بطعامه وكسوته يصح ذلك، مع أن الطعام والكسوة غير مُحدَّدين، وفيهما جهالةٌ، لكنها جهالةٌ تؤول للعلم.

الإجارة نوعان

قال: “وهي” يعني: الإجارة “ضربان: إجارة عينٍ، وعقدٌ على منفعةٍ في الذمة في شيءٍ معينٍ أو موصوفٍ”، إما أن تكون الإجارة: إجارة عينٍ، أو تكون عقدًا على منفعةٍ في الذمة، يعني: عملًا معلومًا “في شيءٍ معينٍ أو موصوفٍ”، وهذه ستتضح بتقرير المؤلف الآن.

قال: “ويُشترط في الأول” يعني: إجارة العين “معرفتها” يعني مثلًا: تُريد أن تُؤجِّر هذا البيت، أو تُريد أن تُؤجِّر هذا العقار، يُشترط معرفتها، لا بد أن تعرف هذا البيت برؤيةٍ أو صفةٍ.

“وقُدرةٌ على تسليمها”؛ لأنها -كما ذكرنا- بيع منافع.

“وكون المُؤجِّر يملك نفعها ولو بالإذن” لا بد أن يكون مالكًا للمنفعة.

وهنا لم يقل المؤلف: يملك عينها، وإنما “يملك نفعها”، لماذا؟

لأنه لا يُشترط ملك العين، وإنما ملك المنفعة، فأنت لو كنت مُستأجِرًا هل يجوز أن تُؤجِّر؟

يجوز؛ لأنك تملك المنفعة.

“ولو بالإذن” كالوكيل، أو المكتب العقاري، ونحو ذلك.

“واشتمالها على النَّفع”وهذا -كما قلنا- في البيع، فلا بد أن تكون في شيءٍ له منفعةٌ.

“ويُشترط في الثاني” يعني: في العقد على المنفعة في الذمة “تقديرها بعملٍ أو مُدَّةٍ، ومعرفة ذلك وضبطه”، تقديرها بعملٍ، مثلًا: تستأجر سيارة أُجرة، تقول: أوصلني إلى المطار. فالعمل هنا مُحددٌ، معروفٌ من هنا، من هذا الجامع إلى المطار، “أو مدة” تستأجر هذه السيارة مدة يومٍ، أو يومين، أو ثلاثة أيامٍ، أو أكثر.

قال: “وتجب الأجرة بالعقد إن لم تُؤجَّل، وتُستحقُّ بتسليم العمل الذي في الذِّمة” تجب بمجرد العقد، تجب الأجرة، وتستحق إذا سلَّم العاملُ العملَ المطلوبَ منه.

“ومَن تسلَّم عينًا بإجارةٍ فاسدةٍ وفرغت المدة لزمه أُجرة المِثْل” يعني: إذا فسدت الإجارة يرجع إلى أجرة المِثْل.

الأجير الخاص والأجير المُشترك

ثم انتقل المؤلف للكلام عن الأجير الخاص والأجير المُشترك.

الأجير الخاص: هو مَن قُدِّر نفعه بالزمن.

والأجير المُشترك: مَن قُدِّر نفعه بالعمل.

الأجير الخاص: مَن قُدِّر نفعه بالزمن. مَن يُمثِّل لنا بمثالٍ؟

طالب: …….

الشيخ: السائق -مثلًا- أو الخادم، هذا أجيرٌ خاصٌّ قُدِّر نفعه بالزمن، يعني: سواء كان عندك شغلٌ أو ليس عندك شغلٌ تُعطيه الراتب.

الأجير المُشترك: مَن قُدِّر نفعه بالعمل، مثل ماذا؟

مثل: الخيَّاط، الطبَّاخ إذا كان يطبخ لك ولغيرك.

مثلًا: السبَّاك، الكهربائي، هذا يُسمى: أجيرًا مُشتركًا.

يقول: “ولا يضمن أجيرٌ خاصٌّ ما جَنَتْ يدُه خطأً” يعني مثلًا: السائق أو الخادم لا يضمن ما جَنَتْ يده بطريق الخطأ إن لم يحصل منه تَعَدٍّ ولا تفريطٌ.

“ولا نحو حَجَّامٍ وطبيبٍ وبَيْطَارٍ عُرِفَ حِذْقُهم” الأصل أن يدهم يد أمانةٍ، فلا يضمنون إلا بالتَّعدي أو التَّفريط.

“إن أَذِنَ فيه مُكَلَّفٌ أو وليُّ غيره” يعني: إذا حصل الإذنُ له.

“ولم تَجْنِ أيديهم” لم يحصل منهم تَعَدٍّ ولا تفريطٌ، “ولا رَاعٍ ما لم يتعدَّ أو يُفرِّط“.

إذن انتهينا من الأجير الخاص.

الأجير الخاص:

  • مَن قُدِّر نفعه بالزمن.
  • يده يد أمانةٍ.
  • لا يضمن إلا إذا تعدَّى أو فرَّط.

خادمٌ -مثلًا- سقط منه صَحْنٌ وانكسر، هل يضمن؟

ما يضمن إلا إذا تعدَّى -أسرع في المشي مثلًا- أو فرَّط، أما إذا لم يتعدَّ ولم يُفرِّط لا يجوز أن يضمن.

لذلك بعض الناس يُخطؤون على بعض الخدم أو بعض السائقين: يُضمِّنونهم مع أنهم لم يحصل منهم خطأٌ، لا تَعَدٍّ، ولا تفريط، فَيَدُ السائق ويَدُ الخادم وكذلك يَدُ الأجير الخاص عمومًا يد أمانةٍ، لا يضمن إلا إذا تعدَّى أو فرَّط.

أما الأجير المُشترك مثل: الخيَّاط، والغَسَّال، والطبَّاخ، ونحو ذلك، قال: “ويضمن مُشْتَرَكٌ” يعني: الأجير المُشترك “ما تلف بفعله” يعني مثلًا: الثوب عند الخيَّاط، أو الثوب عند الغَسَّال تلف، فيضمن مُطلقًا، حتى لو كان بغير تَعَدٍّ ولا تفريط.

“لا من حِرْزِه” يعني: لا إن سرق -مثلًا- وهو وضعه في الحِرْزِ فلا يضمن، “ولا أُجرة له”.

والقول الثاني في المسألة: أن الأجير المُشترك كالأجير الخاص لا يضمن إلا إذا تعدَّى أو فرَّط، وهذا هو مذهب الشافعية، وعلَّلوا لذلك قالوا: إن الأجير المُشترك يده يد أمانةٍ، وإذا كانت يده يد أمانةٍ فلا يضمن إلا إذا تعدَّى أو فرَّط. وهذا هو القول الراجح.

قال المرداوي في “الإنصاف”: “والنفس تميل إليه”.

لا وجه للتفريق بين الأجير الخاص والأجير المُشترك، لكن الجمهور الذين قالوا: “إن الأجير المُشترك يضمن” استدلوا بأثرٍ، وهذا الأثر أيضًا يحتاج للتأكد من صحة سنده، لكنه أثرٌ مشهورٌ يذكره الفقهاء: عن عليٍّ أنه كان يُضَمِّن الصُّنَّاع، ويقول: “لا يصلح الناس إلا على هذا”، ولكن من حيث القواعد لا فرق بين الأجير الخاص والأجير المُشترك؛ فَيَدُه يد أمانةٍ، لكن نقل عِبْء الإثبات هذه مسألةٌ تكلم عنها بعض المعاصرين، يعني: إثبات التَّعدي والتَّفريط، مَن الذي يُثْبِت؟

مجمع الفقه يرى أن في الوقت الحاضر مثل المؤسسات الكبيرة والبنوك لا بد أن تُثْبِت عدم التَّعدي أو التَّفريط؛ لأنها من السهل أن تُثْبِت ذلك؛ لما لديها من مُوظفين ومُحاسبين وأجهزة وإمكانات تُسهل عليها أن تُثْبِت عدم التَّعدي أو التَّفريط، وأما الأفراد فالأصل في الأمين أنه لا يضمن إلا إذا تعدَّى أو فرَّط.

الإجارة مع الوعد بالتَّمليك

طيب، بقيت مسألةٌ في الإجارة، وهي: الإجارة مع الوعد بالتَّمليك.

هذا العقد أول ما خرج حصل فيه خلافٌ شديدٌ بين العلماء، وعُرِضَ على هيئة كبار العلماء، وفي وقت الشيخ ابن باز وابن عثيمين صدر قرارٌ من هيئة كبار العلماء بتحريمه، لكن الصورة التي صدر قرار هيئة كبار العلماء بتحريمها: إذا وقع البيع والإجارة على عقدٍ واحدٍ في زمنٍ واحدٍ.

وهذه الصورة غير موجودةٍ الآن في السوق، ولا تُريدها البنوك ولا الشركات، ومجمع الفقه ذكر الصورة الجائزة والصورة الممنوعة.

ضابط الصورة الممنوعة: أن يجتمع البيع والإجارة في عقدٍ واحدٍ في زمنٍ واحدٍ.

أما الصورة الجائزة: فهي أن يكون العقد عقد إجارةٍ حقيقيٍّ، تترتب عليه آثار عقد الإجارة، مع وعدٍ بالتَّمليك: إما بطريق الهبة، أو بطريق البيع -مثلًا- بسعرٍ مُخَفَّضٍ، وهو ما يُسمى “الدفعة الأخيرة”، فهذا لا بأس به، وهذه هي الصورة الموجودة الآن في السوق.

فالصورة الموجودة في السوق هي الصورة الجائزة: التَّأجير مع الوعد بالتَّمليك، لكن بشرط: ألا تتضمن شرط غرامة التَّأخير؛ لأني رأيتُ بعض العقود وفيها شرط غرامة تأخيرٍ، فإذا تأخر المُستأجر عن دفع الدفعة الإيجارية تُحْسَب عليه غرامة تأخيرٍ، هذا لا يجوز، لكن إذا لم يوجد فيها شرط غرامة تأخيرٍ فهو عقدٌ صحيحٌ، عقد تأجيرٍ حقيقيٍّ مع وعدٍ بالتَّمليك.

باب السَّبَق

قال رحمه الله تعالى:

باب السَّبَق:
يصح على أقدامٍ، وسائر الحيوانات، وسُفُنٍ، وَمَزَارِيق.
ولا يصحُّ بِعِوَضٍ إلا على إبلٍ، وخيلٍ، وسِهَامٍ.
ويُشترط تعيين المركُوبَيْن واتِّحادهما، وتعيين رُمَاةٍ، وتحديد مسافةٍ، وعلمٌ بالعِوَض وإباحته، وخروجٌ من شُبْهَة قمارٍ.
وتصح المُناضلة من مُعَيَّنين يُحْسِنون الرَّمْي.

السَّبَق: هو العِوَض والجُعْل الذي يتراهن عليه المُتسابقون.

وتنقسم المُسابقات إلى ثلاثة أقسامٍ:

  • القسم الأول أشار إليه المصنف بقوله: “يصح على أقدامٍ، وسائر الحيوانات، وسُفُنٍ، وَمَزَارِيق”.
    ما يجوز بدون عِوَضٍ، ولا يجوز بِعِوَضٍ؛ كأن يكون على الحيوانات والسفن والمزاريق والأقدام ونحو ذلك.
  • القسم الثاني قال: “ولا يصحُّ بِعِوَضٍ إلا على إبلٍ، وخيلٍ، وسِهَامٍ”.
    ما يجوز بِعِوَضٍ وبدون عِوَضٍ: وهي المُسابقة على الخيل والإبل والسِّهام؛ لقول النبي : لا سَبَقَ إلا في خُفٍّ، أو نَصْلٍ، أو حافرٍ [8].
  • هناك قسمٌ ثالثٌ لم يذكره المؤلف: وهو ما لا يجوز مطلقًا، لا بِعِوَضٍ، ولا بدون عِوَضٍ، وهو كلُّ ما أدخل في مُحرمٍ، أو أَلْهَى عن واجبٍ.

قال: “ويُشترط” يعني: في المُسابقة على الخيل والإبل والسِّهام:

  • “تعيين المَرْكُوبَيْن” لا بد من تعيين المَرْكُوبَيْن، مثلًا: اثنين من الإبل، أو من الخيل.
  • “واتِّحادهما” فيكون -مثلًا- فرسٌ عربيٌّ مع فرسٍ عربيٍّ، ولا يكون مع فرسٍ هَجِينٍ.
  • “وتعيين رُمَاةٍ” في المُسابقة بالسِّهام لا بد من تعيين الرماة.
  • “وتحديد مسافةٍ” مسافة الرمي.
  • “وعلمٌ بالعِوَض” كم مقدار العِوَض؟
  • “وإباحته” أن يكون العِوَض مُباحًا.
  • “وخروجٌ من شُبْهَة قمارٍ” بأن يكون العِوَض من واحدٍ، فإن أخرجا معًا، قالوا: لم يَجُزْ إلا بِمُحَلِّلٍ لا يُخرج شيئًا، يُكافئ فرسه فرسيهما، ومَرْكُوبه مَرْكُوبَيْهما.

والقول بالمُحلِّل هو قول الجمهور.

القول الثاني: أنه لا يُشترط المُحلِّل، وأن المُسابقة بالخيل والإبل والسهام تجوز مطلقًا بِعِوَضٍ وبدون عِوَضٍ، ولا يجب إدخال المُحلِّل.

ونصر هذا ابن تيمية وابن القيم، بل قال ابن تيمية رحمه الله: “ما علمتُ بين الصحابة خلافًا في عدم اشتراط المُحلِّل”.

وذكر ابن القيم أن أول مَن قال بالمُحلِّل هو سعيد بن المسيب، وأخذه عنه كثيرٌ من الفقهاء، وإلا لم يكن هذا معروفًا عن الصحابة .

وعلى هذا فالقول الراجح: عدم اشتراط المُحلل.

قال: “وتصح المُناضَلة من مُعَيَّنين يُحْسِنون الرمي” يعني: تجوز المُسابقة في السِّهام وفي الرمي عمومًا: لا سَبَقَ إلا في خُفٍّ أو نَصْلٍ أو حافرٍ.

المُسابقات الحديثة

المُسابقات الحديثة ضابط الجواز فيها: أنه يجوز الدخول في أيِّ مُسابقةٍ أو مُغالبةٍ يكون الداخل فيها مُتردِّدًا بين الغُنْم والسلامة؛ بأن تكون إما غانم، وإما سالم، هذه تجوز.

ضابط المُسابقة المُحرمة: أن يكون الداخل في المُسابقة أو في المُغالبة مُتردِّدًا بين الغُنْم والغُرْم، هذه لا تجوز.

فمثلًا: بطاقات الفنادق، وبطاقات التموينات والمحلات التجارية ومحطات البنزين التي تُعطي نقاطًا مجانيةً، هذه لا بأس بها؛ لأنك إما غانمٌ، وإما سالمٌ، بل هي تخفيضٌ بطريقٍ غير مباشرٍ، لكن التي تُشترط للدخول فيها الرسوم هذه محل الإشكال، هذه لا تجوز؛ لأنك إما غانمٌ، وإما غارمٌ.

باب العاريَّة

قال رحمه الله تعالى:

باب العاريَّة:
وهي إباحة نفع عينٍ تبقى بعد استيفائه.
وتنعقد بكلِّ فعلٍ أو قولٍ يدلُّ عليها.
ويصح إعارة كلِّ ذي نفعٍ مُباحٍ إلا البُضْع، وعبدًا مسلمًا لكافرٍ، أو صيدًا لِمُحْرِمٍ.
وتُضْمَن العاريَّة بقيمتها يوم تلفها.
وعلى المُسْتَعِير مَؤُونَة رَدِّها، وليس له أن يُعِيرها أو يُؤجِّرها إلا بإذن المالك.
وللمُعِير الرجوع في عاريَّته أيَّ وقتٍ شاء ما لم يضرّ بالمُسْتَعِير.

تعريف العاريَّة

العاريَّة من عار الشيء إذا ذهب وجاء، ومنه قيل للبَطَّال: عيَّارًا؛ لِتَرَدُّده في البطالة.

ومعناها اصطلاحًا: عرَّفها المؤلف فقال: “هي إباحة نفع عينٍ تبقى بعد استيفائه”، كأن تُعِير كتابًا -مثلًا- ونحو ذلك.

والفرق بين الإعارة والإجارة: أن المُستأجر يملك المنفعة، بينما المُسْتَعِير لا يملك المنفعة، وإنما أُذِنَ له في التَّصرف فيها.

قال: “وتنعقد بكلِّ فعلٍ أو قولٍ يدلُّ عليها”.

حكم العاريَّة

مُستحبةٌ عند الجمهور، وقال بعض أهل العلم: إنها تجب في حال غَنَاء المالك وحاجة المُسْتَعِير، وهذا هو القول الراجح، والدليل قول الله : وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:7]، وفُسِّر الْمَاعُونَ بمنع الزكاة، وبمنع العاريَّة، واستحسن ابن كثيرٍ وغيره من المُفسرين: أن المعنى يشمل الأمرين جميعًا.

وأيضًا جاء في “صحيح مسلم”: أن النبي قال: ما من صاحب إبلٍ ولا بقرٍ ولا غنمٍ لا يُؤدِّي منها حقَّها إلا بُطِحَ لها بقاعٍ قَرْقَرٍ، إلى أن قالوا: يا رسول الله، وما حقُّها؟ قال: إعارة دلوها، ومنيحتها، وحلبها على الماء .. إلى آخر الحديث [9].

فهنا ذكر النبي وعيدًا على ترك العاريَّة.

وهذا اختاره ابن تيمية وابن القيم وجمعٌ من المُحققين من أهل العلم: أن العاريَّة تجب في حال غَنَاء المالك وحاجة المُسْتَعِير.

إنسانٌ -مثلًا- احتاج إلى أن يستعير منك كتابًا، وهذا الكتاب هو مُحتاجٌ له حاجةً مُلِحَّةً، يكون -مثلًا- فيه اختبارٌ، أو فيه كذا، وأنت مُسْتَغْنٍ عنه، فيجب عليك أن تُعِيره، أو احتاج إلى أن يستعير سيارتك للضرورة، مثلًا: يريد أن يذهب بها للمستشفى، وما وجد -مثلًا- سيارة أُجرة، وأنت مُسْتَغْنٍ عن السيارة؛ يجب عليك أن تُعِيره، فالعاريَّة تجب مع غَنَاء المالك وحاجة المُسْتَعِير.

قال: “ويصح إعارة كلِّ ذي نفعٍ مُباحٍ” هذا هو الضابط: إعارة كلِّ ذي نفعٍ مُباحٍ “إلا البُضْع” بالنسبة للأَمَة، فلا تجوز إعارة الأَمَة والاستمتاع بها.

وأيضًا “وعبدًا مسلمًا لكافرٍ”؛ لأن الإسلام يعلو ولا يُعْلَى عليه، فلا يُعَار العبد المسلم لكافرٍ؛ لما فيه من إذلاله.

“أو صيدًا لِمُحْرِمٍ”؛ لما فيه من الإعانة على أن يأكل المُحْرِمُ هذا الصيد، وإذا صِيدَ لأجله لم يَجُزْ له أن يأكله.

هل العاريَّة مضمونةٌ أو غير مضمونةٍ؟

“وتُضْمَن العارية بقيمتها يوم تلفها” هل العاريَّة مضمونةٌ أو غير مضمونةٍ؟

المذهب عند الحنابلة هو ضمان العاريَّة، أنها مضمونةٌ على كلِّ حالٍ.

والقول الثاني: أنها أمانةٌ لا تُضْمَن إلا بالتَّعدي أو التَّفريط، وهو مذهب الحنفية والمالكية.

وأصحاب القول الأول والثاني استدلوا جميعًا بحديثٍ واحدٍ وهو: أن النبي استعار أَدْرُعًا من صفوان بن أُمية يوم حُنَينٍ، فقال: أَغَصْبًا يا محمد؟ قال: لا، بل عاريَّةٌ مضمونةٌ [10].

فهل قوله: بل عاريَّةٌ مضمونةٌ صفةٌ كاشفةٌ أو صفةٌ مُقيدةٌ؟

صفةٌ كاشفةٌ يعني: أن يقول: عاريَّة، والأصل في العاريَّة الضمان، أو أن المراد: أنها عاريَّةٌ، والأصل في العاريَّة أنها لا تُضْمَن، لكنني سأشترط على نفسي الضمان، أي: صفة مُقيدة للمعنى.

الثاني هو الأظهر؛ ولهذا فالقول الراجح: أن العاريَّة لا تُضْمَن إلا عند التَّعدي أو التَّفريط، هذا هو القول الراجح في المسألة.

قال: “وعلى المُسْتَعِير مَؤُونَة رَدِّها” إذا كان رَدُّها يحتاج إلى مَؤُونةٍ وكُلْفَةٍ يتحمل ذلك المُسْتَعِير، والمُعِير مُحْسِنٌ، وما على المُحْسِنين من سبيلٍ.

“وليس له أن يُعِيرها أو يُؤجِّرها إلا بإذن المالك”؛ لأن المالك أَذِنَ له في الانتفاع بها، ولم يأذن له في تأجيرها، أو في إعارتها.

“وللمُعِير الرجوع في عاريَّته أيَّ وقتٍ شاء ما لم يضرّ بالمُسْتَعِير” للمُعِير أن يتراجع في عاريَّته ويستردها في أيِّ وقتٍ؛ لأنها مِلْكٌ له، لكن بشرط: ألا يكون في ذلك إضرارٌ بالمُسْتَعِير.

باب الغَصْب

قال رحمه الله تعالى:

باب الغَصْب:
هو الاستيلاء على حقِّ الغير عدوانًا.
ويجب رَدُّ المغصوب بِنَمَائِه ولو كَلَّفَه أضعاف قيمته.
وإن زرع الغاصِب أرضًا فليس لصاحبها بعد الحصاد إلا الأجرة.
وإن غَرَسَ أو بَنَى في الأرض أُلْزِمَ بِقَلْع غَرْسِه أو بنائه.
وعلى الغاصب أَرْشُ النَّقْص في المغصوب، وأُجرة مدة إقامته بيده.
وإن تلف المغصوب المِثْلِيُّ ضَمِنَ مِثْلَه، وإلا قيمته يوم تلفه.

الغَصْب عرَّفه المؤلف فقال: “هو الاستيلاء على حقِّ الغير عدوانًا”، وهو مُحرَّمٌ ومن كبائر الذنوب.

وقد جاء في “صحيح مسلم” عن أبي أُمامة : أن النبي قال: مَن اقتطع حقَّ امرئٍ مسلمٍ بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرَّم عليه الجنة، فقال له رجلٌ: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: وإن قَضِيبًا من أَرَاكٍ [11]، حتى لو كان عُودَ سِوَاكٍ.

وهذا يدل على عظيم شأن حقوق العباد، وأن أمرها عند الله عظيمٌ جدًّا، وعلى أن الشيء وإن كان يسيرًا يجب ردُّه إلى صاحبه.

وهذه المسألة ربما تلتبس على بعض الإخوة: مسألة اللُّقَطَة، ومسألة المال المعروف صاحبه.

المال المعروف صاحبه يجب أن تردَّه على صاحبه، حتى لو كان قلمًا بنصف ريالٍ لا يجوز أن تأخذه، ولو كان قَضِيبًا من أَرَاكٍ، لكن اللُّقطة التي لا يُعرف صاحبها إذا كانت لا تلتفت لها همَّة أوساط الناس يجوز أن تأخذها كما سيأتي.

قال: “ويجب رَدُّ المغصوب بِنَمَائِه” يجب رَدُّ المغصوب، يجب على الغاصب أن يَرُدَّ المغصوب بِنَمَائِه المُتَّصل والمُنْفَصل، “ولو كَلَّفَه أضعاف قيمته” يجب عليه أن يَرُدَّه؛ لأنه مُتَعَدٍّ بالغَصْب.

“وإن زرع الغاصِبُ أرضًا فليس لصاحبها بعد الحصاد إلا الأجرة” ويكون الزرع للغاصب، وأما صاحبها فليس له حقٌّ في الزرع، وإنما له الأجرة كما سيأتي.

“وإن غَرَسَ أو بَنَى في الأرض أُلْزِمَ بِقَلْع غَرْسِه أو بنائه” يُلْزَم الغاصب بأن يَقْلَع غَرْسَه وبناءه؛ لأنه مُتَعَدٍّ بهذا الغَرْس والبناء.

“وعلى الغاصب أَرْشُ النَّقْص في المغصوب وأُجرة مدة إقامته بيده”، وعلى هذا فالغاصب يُطَالَب بثلاثة أمورٍ:

  • الأمر الأول: رَدُّ العين المغصوبة بنمائها.
  • الأمر الثاني: أَرْشُ النَّقْص في قيمة المغصوب إن حصل نَقْصٌ.
  • الأمر الثالث: أُجرة المِثْل إذا كان المغصوب مما يُؤجَّر عادةً.

إذن يُطالب الغاصب بثلاثة أمورٍ:

الأمر الأول: رَدُّ العين المغصوبة بنمائها.

الأمر الثاني: أَرْشُ النَّقْص.

والأمر الثالث: أُجرة المِثْل.

“وإن تلف المغصوب المِثْلِيُّ ضَمِنَ مِثْلَه، وإلا قيمته يوم تلفه” المِثْلِي عند الحنابلة يُعرِّفونه بأنه: كلُّ مَكِيلٍ أو موزونٍ يصح فيه السَّلَم، وليس فيه صناعةٌ مُباحةٌ.

لكن القول الراجح في المِثْلِي: أنه ما له مثيلٌ أو شبيهٌ.

والكلام عن تفسير المِثْلِي والخلاف فيه يطول، لكنه موجودٌ بالتَّفصيل في “السلسبيل”.

فإذا تلف المغصوب المِثْلِي ضمن مثله، أما إذا لم يكن مِثْلِيًّا فيضمن قيمته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البيهقي في “السنن الكبرى”: 11389.
^2 رواه أبو داود: 4919، والترمذي: 2509 وقال: حسنٌ صحيحٌ، وأحمد: 27508.
^3 رواه البيهقي في “السنن الكبرى”: 11141.
^4 رواه الطبراني في “المعجم الأوسط”: 817، والحاكم في “المستدرك”: 2325.
^5 رواه أبو داود: 3584، وأحمد: 26717.
^6 رواه البخاري: 2463، ومسلم: 1609.
^7 رواه البخاري: 2402، ومسلم: 1559.
^8 رواه أبو داود: 2574، والترمذي: 1700.
^9 رواه مسلم: 988.
^10 رواه أبو داود: 3562، وأحمد: 15302.
^11 رواه مسلم: 137.
zh