عناصر المادة
وصلنا إلى الشروط في البيع، نستمع أولًا لعبارة المصنف رحمه الله تعالى.
القارئ: أحسن الله إليكم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
أنواع الشروط في البيع
قال المصنف رحمه الله تعالى:
والشروط فيه نوعان: صحيح، وفاسد مبطلٌ للبيع.
فالصحيح؛ كشرط تأجيل الثمن، أو بعضه، أو شرطِ صفةٍ في المَبيع، فإِن وُجِد المشروط لزم البيع، وإِلا فللمشتري الفسخ أو الأرش.
والفاسدُ؛ كشرط بيع آخرَ، أَو سلفٍ، أو قرضٍ، أو نحو ذلك.
ومَن اشترى مَكِيلًا ونحوه لزم بالعقد. ولم يَجُزْ تصرُّف مشترٍ فيه إِلا بكَيْلٍ ونحوه مع حضورِ مشترٍ أو نائبه، فإِن تَلِفَ قبل ذلك فعلى المشتري.
الشيخ: نعم، الشروط في البيع هي إلزامُ أحدِ المتعاقدين الآخَرَ بسبب العقد ما له فيه مصلحة. والفرق بينها وبين شروط البيع: أن شروط البيع هي الشروط السبعة السابقة التي تكلمنا عنها في الدرس السابق، منها: الرضا، وكون المبيع له نفع مباح بلا حاجة، إلى آخر الشروط.
الفرق بين شروط البيع والشروط في البيع
وأما الشروط في البيع فهي: أن يشترط البائع أو المشتري ما له مصلحة في العقد. ويظهر الفرق بين شروط البيع والشروط في البيع من وجوه:
- الوجه الأول: أن شروط البيع كلها صحيحة معتبرة. أما الشروط في البيع فمنها ما هو صحيح، ومنها ما هو فاسد.
- ثانيًا: أن شروط البيع من وضع الشارع، بينما الشروط في البيع من وضع المتعاقدين.
- ثالثًا: أن شروط البيع لا يمكن إسقاطها، بينما الشروط في البيع فيمكن لمن اشترطها أن يُسقطها.
- رابعًا: شروط البيع لا يصح البيع بدونها، أما الشروط في البيع فيصح البيع بدونها؛ فلو تبايعا من غير أن يكون في هذا البيع شروطٌ بينهما صح.
هذه هي الفروق الأربعة بين شروط البيع والشروط في البيع.
من يُعيدها لنا مرة أخرى؟
شروط البيع صحيحة، والشروط في البيع منها ما هو صحيح ومنها ما هو فاسد.
الفرق الثاني: شروط البيع من وضع الشارع، والشروط في البيع من المتعاقدين.
الفرق الثالث: شروط البيع لا يمكن إسقاطها، والشروط في البيع يمكن إسقاطها ممن شَرَطها.
الفرق الرابع: شروط البيع لا يصح العقد إلا بها، والشروط في البيع يصح بدونها.
قال المصنف رحمه الله: (والشروط فيه نوعان: صحيح، وفاسد مبطلٌ للمبيع)؛ قسَّم المؤلف الشروط في البيع إلى: شروط صحيحة، وشروط فاسدة.
أمثلة على الشروط الصحيحة في البيع
ابتدأ أولًا بالشروط الصحيحة، ومثَّل لها بأمثلة، قال: (فالصحيح كشرط تأجيل الثمن أو بعضه)؛ يشترط المشتري على البائع تأجيل الثمن، يقول مثلًا: أشتري منك هذه السيارة بمائة ألف، لكن بشرط أن يكون الدفع مؤجَّلًا أو مقسَّطًا؛ فهذا شرط صحيح، أو بعض الثمن.
(أو شَرْطِ صفةٍ في المبيع)، يشترط صفةً في المبيع: بشرط أن يكون هذا المبيع كذا.
(فإن وُجِد المشروط لزم البيع، وإلا فللمشتري الفسخ أو الأرش)؛ فمثلًا: لو اشترط في السيارة أن تكون السيارة هيكلها أو ماكينتها من نوع كذا، أو رقمًا -مثلًا- معينًا، رقم -مثلًا- أربعة، أو ستة، أو ثمانية، مثلًا اشترط هذا الشرط، ويرى أن له فيه مصلحة، ثم بعد ذلك لمَّا أخذ السيارة وجدها لم يتحقق فيها هذا الشرط؛ فهنا له الخيار في الفسخ، أو أن يستمر ويأخذ الأرش، وهو الفرق ما بين قيمة السلعة مع الشروط وبدون الشرط.
والقسم الثاني: الشرط الفاسد؛ قال: (والفاسدُ؛ كشرط بيع آخرَ، أَو سلفٍ، أو قرضٍ، أو نحو ذلك)؛ يعني: شَرْط عقدٍ في عقد، فيقول: لا أبيعك إلا بشرط أن تبيعني، أو يشترط مثلًا أن يُؤجِّرَه: لا أبيعك سيارتي إلا بشرط أن تُؤجِّرني بيتك، أو لا أبيعك إلا بشرط أن تُشركني معك في محلك، أو لا أبيعك إلا بشرط أن تُقرضني.
فيقول المؤلف: إن هذه الشروط كلها شروط فاسدة. والقول الثاني في المسألة: إنه إذا شرط في البيع عقدًا آخر؛ فإن البيع صحيح والشرط صحيح؛ لأن الأصل في المعاملات الحل، والأصل في الشروط الصحة. ويُستثنى من ذلك مسألتان فقط:
- المسألة الأولى: أن يجمع بين قرض وبيع، فهذا محرم؛ لقول النبي : لا يحِلُّ سلفٌ وبيعٌ[1].
- والمسألة الثانية: أن يكون ذلك حيلة على الربا؛ كامرأة أتت تُريد أن تشتري حُليًّا جديدًا بدل حُلِيٍّ مستعمل، فقال لها صاحب المحل: لا أشتري منك الحُلِيَّ المستعمل إلا بشرط أن تشتري مني الحُلِيَّ الجديد. هذا الشرط حيلة على الربا، إنما تبيع الحلي القديم بدراهم، فإذا قبضت الدراهم فهي بالخيار: إن أرادت أن تشتري من صاحب المحل، أو من غيره.
وهذا القول الثاني هو القول الراجح: إنه إذا شرط في البيع عقدًا آخر؛ فإن البيع صحيح والشرط صحيح، إلا في مسألتين:
- المسألة الأولى: أن يجمع بين سلف وبيع.
- والمسألة الثانية: أن يكون ذلك حيلة على الربا.
وعلى ذلك، فعلى القول الراجح: إذا قال: لا أبيعك إلا بشرط أن تبيعني، يصح أو لا يصح؟ يصح، ما المانع من هذا؟ ما المانع؟ الأصل في المعاملات الحل، ليس في هذا ربًا، ولا جهالة، ولا غرر، ولا ميسر، ولا أكلُ مالٍ بالباطل، ما المانع من أن يقول: لا أبيعك هذه السلعة إلا بشرط أن تبيعني السلعة التي عندك؟ ليس هناك مانع، أو لا أبيعك إلا بشرط أن تُؤجِّرني.
لكن، لو قال: لا أبيعك إلا بشرط أن تُقرضني؛ فهذا لا يجوز لأنه ورد فيه النص: لا يحِلُّ سلفٌ وبيعٌ، لا يجوز أن يجمع بين السلف عن القرض وعقد من عقود المعاوضة؛ لأن القرض عقدُ إرفاق لا يجوز أن يجمع بينه وبين عقد من عقود المعاوضة: لا يحِلُّ سلفٌ وبيعٌ[2].
بيعتان في بيعة
طيب، بيعتان في بيعة، ورد النهي عنها.
واختلف العلماء في المراد بـ”بيعتين في بيعة”: هل المقصود أن يجمع بين عقدين في عقد، أو ماذا؟
وأحسن من تكلم عن هذه المسألة الإمام ابن القيم رحمه الله، وبعدما ذكر الأقوال والأدلة والآثار في بحث طويل، انتهى إلى ترجيح أن المقصود بـ”بيعتين في بيعة” ماذا؟ بيع العِينة، المقصود بـ”بيعتين في بيعة”: بيع العِينة، وأنه لو جمع عقدين، قال: لا أبيعك إلا بشرط أن تبيعني، لا يدخل هذا في بيعتين في بيعة أصلًا، فالمقصود بالنهي عن بيعتين في بيعة: بيع العِينة.
حكم تصرف المشتري في المبيع قبل قبضه
قال المصنف رحمه الله: (ومَن اشترى مَكِيلًا ونحوه لزم بالعقد. ولم يَجُزْ تصرُّف مشترٍ فيه إِلا بكيْلٍ ونحوه).
أما كونه يلزم بالعقد فهذا شأنُ عقد البيع، فإنَّ عقدَ البيع عقدٌ لازمٌ، ويلزم بمجرد التفرُّق بالأبدان من مكان التبايُع. لكن مراد المصنف بهذا أن يُشير للمسألة التي بعدها، وهي: تصرُّف المشتري فيه قبل القبض؛ فعند الحنابلة: أن من اشترى مَكِيلًا لا يجوز أن يتصرف فيه قبل أن يقبضه. وقال بعض الفقهاء: إن هذا خاصٌّ بالطعام. وهذا مذهب المالكية: من اشترى طعامًا ليس له أن يبيعه حتى يقبضه، ولا يشمل ذلك بقية الأشياء.
والقول الثالث: إنه يشمل جميع الأشياء وجميع السلع، فلا يجوز بيعها قبل قبضها. وهذا هو القول الراجح.
ولهذا؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما، لما قال: سمعت النبي يقول: مَن ابتاع شيئًا فلا يبعه حتى يقبضه، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ولا أحسب كُلَّ شيءٍ إلا مثله؛ لأنه قال: من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه[3]، وفي لفظ: حتى يستوفيه[4]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ولا أحسبُ كُلَّ شيءٍ إلا مثله[5]. يعني: إلا مثل الطعام.
وظاهر هذا: أن ابن عباس رضي الله عنهما يرى أن هذا يعُمُّ السلع كلها، وأنه لا يجوز بيعها قبل قبضها. بل جاء في بعض الروايات: من ابتاع شيئًا فلا يبعه حتى يقبضه[6]. بلفظ “شيئًا” وليس “طعامًا”، وإنما “شيئًا”.
وفي حديث زيد بن ثابت : أن النبي نهى عن بيع السلع حيث تُبتاع، حتى يحوزها التجار إلى رحالهم[7].
وبعض هذه الأحاديث في سندها مقال، لكن يشدُّ بعضها بعضًا؛ ولهذا اختار جمعٌ من المحققين من أهل العلم؛ كابن تيمية وابن القيم، وكذلك من مشايخنا ابن باز وابن عثيمين، رحمة الله تعالى على الجميع: أن هذا الحكم شاملٌ لجميع السلع، وليس خاصًّا بالطعام، وليس خاصًّا بالمكيل؛ مَن اشترى شيئًا فلا يجوز له أن يبيعه حتى يقبضه، لا يتصرف فيه حتى يقبضه. هذا هو القول الراجح في المسألة.
وأما قول المصنف: (من اشترى مكيلًا) فالمصنِّف خصَّه بالكيل؛ لأنه جرى على ما هو المشهور من مذهب الحنابلة.
قال: (مع حضور مشترٍ أو نائبه)؛ يعني: أن يقبضه المشتري أو وكيله أو نائبه، فإن تلف قبل ذلك وهو عند المشتري، فيكون من ضمان المشتري؛ لأن الغُنْمَ بالغُرْمِ إذا كان في حوزة المشتري.
أما إذا لم يكن في حوزة المشتري ولا يزال عند البائع، فهل يكون الضمان على المشتري أو على البائع؟
هذه مسألة خلافية، وظاهر كلام المصنف في قوله (فإن تلف قبل ذلك فعلى المشتري) أنه يكون على المشتري، ولكن المشتري لم يقبضه، فكيف يضمن هو ولم يقبض؟! ولهذا؛ القول الثاني في المسألة: إنه يكون الضمان على البائع؛ لأنه لم يدخل بعدُ في حوزة المشتري.
صفة القبض
وأما صفة القبض: فقبض كل شيء بحسبه، والمرجع في ذلك للعرف؛ فقبض الذهب يختلف عن قبض الأغنام، ويختلف عن قبض الأخشاب، يختلف عن قبض السيارات، قبضُ كل شيء بحسبه. والمرجع في ذلك إلى أهل العرف، لأهل الصنعة، فيُسألون عن عرفهم في القبض.
فعلى سبيل المثال: قبض السيارة، ما هو عرف أصحاب السيارات الآن في القبض؟ الملكية ما تُشترط، الملكية مجرد توثيق. هناك شيء غير الملكية: البطاقة الجمركية الأصلية، المعروف عند أهل السيارات: أن قبض السيارة يكون بحيازة البطاقة الجمركية الأصلية، إذا حازها فقد قبضها؛ ولذلك إذا تلفت تكون من ضمان المشتري، فإن لم توجد فيكون قبض المفاتيح والأوراق الثبوتية.
ولا يُشترط أن ينقل السيارة من مكانها؛ لأن نقلها من مكانها فيه ضرر أيضًا، لو أن المشتري اشترى السيارة وأخرجها من المعرض تنقص قيمتها، فهو يريد أن يبيعها وهي في مكانها بعد أن يقبضها، وبعض الفتاوى تقول: إنك تُقدِّم السيارة وتُؤخِّرها، هذا أشبه بالعبث! ما الفائدة من أن تُقدِّمها أو تُؤخِّرها؟ وإنما المعروف عند أهل السيارات: أن القبض يكون بحيازة البطاقة الجمركية الأصلية، يكفي هذا في القبض.
إذن؛ قبضُ كُلِّ شيءٍ بحسبه.
عند بيع المعادن: الآن بعض البنوك تُعطي تمويلًا بالتورُّق في معادن، فالمعادن تكون سلعًا دولية ويصعب نقلها، فقبضها يكون بحيازة بطاقة الشحن أو التخزين، يسمونها “بطاقة التخزين” أو “الشحن”، يُكتب فيها المعدن، ومكانه، ورقمه التسلسلي هذا أهم شيءٍ، بحيث يكون محجوزًا لك.
كان هذا يسمى “قبضًا حكميًّا”، يُعتبر -إذا حُزْتَ شهادة التخزين هذه- قد قبضت هذا المعدن؛ ولذلك أنت حُرٌّ فيه: تريد أن تُبقيه، تريد أن تطلبه وتتحمل مصاريف الشحن، تريد أن تبيعه على جهة أخرى. والبنك يُقدِّم خدمة لك مجانية، يقول: تريد أن تُوكِّلني في بيعه، أنا أبيعه لك على طرف ثالث. فهذا لا بأس به، لكن بشرط أن تقبض وتحوز شهادة تخزين.
انتبِه لهذا! فإذا قبضت شهادة التخزين، سلَّمها لك البنك، هنا أصبحَتْ ملكًا لك وقد قبضتها، هذه شهادة اسمها “شهادة تخزين”.
باب الخيار
ننتقل بعد ذلك لـ”باب الخيار”.
طبعًا المسائل يا مشايخ، الشرح طويل، لكن نحن نريد أن نتوافق مع زمن الدورة، فنكتفي بشرح عبارة المؤلف، وذِكر القول الراجح إن كان الراجح خلاف ما يذكره المؤلف، وإلا في كل بابٍ مسائل كثيرة وشرح أطول، لكن الشرح لا بد أن يكون متوافقًا مع زمن الدورة، وهو شرح متوسط. ومن أراد هذه المسائل بتفاصيلها في كتابي “السلسبيل في شرح الدليل” في ثمانية مجلدات، فيه تفاصيل أوسع لهذه المسائل ولغيرها.
قال رحمه الله تعالى:
هو ثمانيةُ أنواعٍ:
– خيار المجلس للمتعاقدين من حين العقد إلى أن يتفرَّقا بأبدانهما عرفًا.
– وخيارُ الشرط: بأن يشترطا أو أحدهما الخيار إلى مدةٍ معلومةٍ؛ وإِن طالت.
– وخيارُ الغَبْنِ: الذي يَخْرُج عن العادة لنَجَشٍ أو غيره.
– الرابع: خيار التدليس: بأن يُدلس على المشتري ما يزيد الثمن؛ كَتَسْوِيدِ شعر الجارية، وَتَصْرِيَةِ اللبن.
– الخامس: خيارُ العيب: وهو ما ينقص قيمة المَبيع؛ كمرضٍ ونحوه، فإِذا علم به المشتري خُيِّر بين إمساكٍ مع أرْشٍ، أو رَدٍّ.
– السادس: خيارٌ في البيع بتَخْبيرِ الثمن متى بان أقلَّ أو أكثر مما أخبر به. ويَثْبُتُ في التَّوْلِيَة، والشركة، والمرابحة، والمُوَاضَعَةِ، ولا بد في جميعها من معرفة المشتري رأسَ المال.
– السابع: خيارُ الخُلْفِ في قَدْر الثمن: بأن قال بائِعٌ: “بعْتُكَهُ بمائةٍ”، وقال مشترٍ: “بل بثمانين”، فيحلف كُلٌّ منهما على دعواه ويَتَفَاسَخَان.
– الثامن: خيارُ الخُلف في الصفة: إذا وجد المشتري المَبيعَ متغيِّرًا عما وُصِف له، أو عن رؤيته السابقة؛ فله الفسخُ ويحلف.
تعريف الخيار
الخيار في اللغة: اسم مصدر مِن اختار يختار. المصدر ما هو؟ “اختيارًا”، اسم المصدر: خيارًا.
ما الفرق بين المصدر، واسم المصدر؟ من يُبيِّن لنا الفرق؟
مداخلة: ……
الشيخ: أحسنت. المصدر: هو ما تضمَّن معنى الفعل بحروفه. واسم المصدر: ما تضمن معنى الفعل بدون حروفه.
فمثلًا: توضأ؛ المصدر “تَوَضُّؤٌ”، اسم المصدر “وُضُوءٌ”. اغتسل؛ المصدر “اغتسالٌ”، اسم المصدر “غسلٌ”. تسحَّر؛ المصدر “تسحُّرٌ”، اسم المصدر “سحورٌ”.
هنا “اختار”؛ المصدر “اختيارٌ”، اسم المصدر “خيارٌ”.
خذ هذه الفائدة اللغوية، فائدة نفيسة تمُرُّ معك في أبواب كثيرة، في مسائل كثيرة.
فإذن؛ اسم المصدر: هو ما تضمن معنى الفعل دون حروفه. فـ”الخيار” إذن اسم مصدر مِن “اختار”؛ أي: طلب خيرَ الأمرين: مِن الإمضاء أو الفسخ.
أنواع الخيار
وهنا قال المصنف: (هو ثمانية أنواع)، ومشى في هذا على ما مشى عليه بعض الفقهاء، ومنهم صاحب “الزاد”؛ جعلها ثمانية أقسام، بينما -مثلًا- صاحب “دليل الطالب” جعلها سبعة أقسام ولم يعتبر السادس -الذي هو “الخيار بتخبير الثمن”- قسمًا. وهذا سنذكر الخلاف فيه، وسنُبيِّن هل الراجح اعتباره قسمًا من أقسام الخيار أم لا؟ فإذا اعتبرناه تكون ثمانية أقسام، وإذا لم نعتبره تكون سبعة أقسام.
الأول: خيار المجلس للمتعاقدين من حين العقد إلى أن يتفرقا بأبدانهما
خيار المجلس:
المقصود بـ”المجلس: مكان التبايُع، وليس المقصود بالمجلس: المكان المُعَدِّ لاستقبال الضيوف، إنما المقصود به مكان التبايُع.
فحتى لو تبايعا في طائرة، أو في سيارة، أو في بَرِّيَّة، أو في أيِّ مكان؛ يسمى هذا “مجلسًا”، فيثبُت خيار المجلس للبائع وللمشتري ما داما في مكان التبايُع حتى يتفرقا بأبدانهما؛ لقول النبي : البَيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا[8]؛ وذلك لأن عقد البيع يقع بغتة، فالإنسان يحتاج إلى وقت للتروي والتأمل؛ ولأن الشيء الذي ليس في يد الإنسان تكون نفسه متعلقة به، فإذا أصبح في يده ففي الغالب تقل رغبته فيه.
فبعض الناس يتعلق بسلعة، فإذا قال هذا: بِعتُك. قال: اشتريت. بدأ يُفكِّر وربما يتراجع؛ فجعل له فرصة للتراجع ما دام في مكان التبايُع.
والقول بإثبات خيار المجلس هو المذهب عند الحنابلة والشافعية، وخالف في ذلك الحنفية والمالكية فلم يُثبتوه.
لكن العجيب أن حديث: البَيِّعان بالخيار قد رواه الإمام مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما في السلسلة الذهبية، فكيف خالف مالكٌ ظاهر الحديث؟! مع أن الإمام مالكًا صاحب سُنة؛ ولهذا قال الإمام الشافعي: “لا أدري هل اتَّهَم مالكٌ نافعًا، أو اتهم نفسه، وأعظم أن أقول: اتَّهَم ابنَ عمر رضي الله عنهما!”.
لكن الجواب أن نقول: إنه بشر، والإمام مالكٌ نفسه هو القائل: “كُلٌّ يُؤخذ من قوله ويُرَدُّ، إلا رسول الله “.
ولذلك؛ بعض أقرانه مثل ابن أبي ذئب حمل عليه، وقال: يُستتاب الإمام مالك في هذا؛ كيف يروي الحديث ويُخالفه؟! لكن الإمام مالكًا لم يتعمَّد مخالفة الحديث، وإنما تأوله؛ فتأوَّل التفرُّق بالتفرُّق بالكلام. وهذا بعيد.
وهذا يدل -أيها الإخوة- على أن الإنسان مهما كان عليه من القوة العلمية والإمامة يبقى بشرًا، يَرِد عليه ما يَرِد على البشر؛ فالعصمة للأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، أما غيرهم فكُلٌّ يُؤخذ من قوله ويُرَدُّ.
والقول بعدم ثبوت خيار المجلس قولٌ ضعيفٌ، والصواب: هو القول بظاهر الحديث وإثبات خيار المجلس.
قال: (من حين العقد إلى أن يتفرَّقا بأبدانهما عرفًا)؛ إلى أن يحصل التفرُّق بالأبدان من مكان التبايُع عرفًا، فمثلًا: إذا كانا في غرفة: بالخروج من الغرفة، وإذا كانا في مكان واسع: فبأن يستدبر أحدهما عن الآخر خطوات. ونحو ذلك.
طيب، بالنسبة الآن إذا أُجري البيع عبر وسائل الاتصال الحديثة، عبر وسائل التقنية الحديثة، فإذا كان البيع عن طريق الهاتف أو الجوال: كيف يكون التفرُّق؟ بانتهاء المكالمة، إذا انتهت المكالمة وقال: بعتك، فقال: اشتريت، وانتهت المكالمة؛ لزم البيع.
طيب، لو كان عن طريق الإنترنت؟ بالخروج من الصفحة، ولا يلزم الخروج من النت، الخروج من الصفحة يُعتبر تفرقًا.
فإذن؛ المرجع في ذلك للعرف.
القسم الثاني: خيار الشرط
قال: (بأن يشترطا -أو أحدهما- الخيار إلى مدة معلومة؛ وإن طالت)؛ ويدلُّ لذلك قول النبي : المسلمون على شروطهم[9]، فإذا اشترط أحدهما الخيار مدة أسبوع أو أقل أو أكثر، أو اشترطا جميعًا الخيار؛ هذا شرطٌ صحيحٌ، يسمى “خيار الشرط”.
ماذا لو أطلقا المدة ولم يُحدِّداها؟ قال البائع مثلًا: بعتك بشرط أن لي الخيار. لكن لم يُحدِّدا مدة؛ فالجمهور على أنه لا يصح خيار الشرط في هذه الحال.
والقول الثاني: إنه يصح، ويتحدَّد بثلاثة أيام، وإلى هذا ذهب الإمام ابن تيمية رحمه الله، وهو القول الراجح؛ لحديث حِبَّان بن مُنقِذ بن عمرو، وفيه أن النبي قال: ثم أنت بالخيار ثلاثةَ أيام[10]؛ كان رجلًا يُغلَب في البيوع، فقال له عليه الصلاة والسلام: إذا بايعتَ فقل: لا خِلابة[11]، وكان في لسانه لَثْغَةٌ، فكان يقول: لا خِيابة[12]، قال: ثم أنت بالخيار لمدة ثلاثة أيام[13]. فحدَّد النبي عليه الصلاة والسلام المدة بثلاثة أيام.
وعلى ذلك؛ إذا أُطلقت المدة ولم تتحدَّد فتُحمَل على التحديد بثلاثة أيام؛ لأنه الوارد في هذا الحديث. هذا هو القول الراجح في هذه المسألة.
القسم الثالث: خيار الغبن
وفسره المصنف بقوله: (الذي يخرج عن العادة لنَجْشٍ أو غيره)؛ الغَبْنُ ورد ذكره في القرآن في سورة (التغابن)، سميت سورة (التغابن) باسم ذكر الغبن: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ [التغابن:9].
والتغابن: هو يوم القيامة، يوم التغابن هو يوم القيامة؛ لأن الغَبْنَ فيه غَبْنٌ حقيقيٌّ، غَبْنٌ عظيم؛ عندما يأتي الإنسان يوم القيامة ويرى أناسًا معهم حسناتٌ أمثالُ الجبال وقد ضاع عمره في لهوٍ وغفلةٍ يُصاب بالغَبْنِ: كيف ضاع عمري في لهوٍ وغفلةٍ! وهؤلاء اغتَنَمُوا أوقاتهم وأتوا بهذه الحسنات العظيمة؟! كيف فرَّطتُ في عمري؟! فيُصاب بالغَبْنِ. هذا هو الغَبْنُ الحقيقي.
ولكن، هنا الفقهاء يذكرون الغَبْنَ في البيع والشراء؛ ويكون الغَبْنُ في البيع بأن يبيع السلعة بأقل من ثمنها بكثير، وفي الشراء أن يشتري السلعة بأكثر من ثمنها بكثير؛ يعني: سلعة قيمتها مائة وباعها بعشرة، فهذا غَبْنٌ؛ يثبُت له خيارَ الغَبْنِ. أو قيمتها عشرة واشتراها بمائة؛ يثبُت له خيار الغَبْنِ.
وهنا: هل هناك حَدٌّ لهذا الغَبْنِ؟
من الفقهاء من حدَّده بالثُّلث وهم المالكية؛ قالوا: لأن النبي جعل الثُّلُثَ الفرقَ بين القليل والكثير، قال: الثلث، والثلث كثير[14].
ولكن الصحيح أنه لا يتحدَّد بالثلث؛ لأنه ليس هناك دليل على التحديد.
ولهذا؛ ذهب الجمهور إلى أن المرجع في ذلك للعرف. وهذا هو الذي مشى عليه المؤلف؛ ولهذا قال: (الذي يخرج عن العادة لنَجَشٍ أو غيره)، سواء كان لسبب نَجَشٍ -ومعنى النَّجَش: أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها- أو لغير ذلك. وعلى هذا؛ فالمرجع هو العرف.
فإذا كان مثلًا ادَّعى الغَبْنَ في عقار -في شراء عقار- يسأل أهل العقار: هل هذا فيه غَبْنٌ في عرفكم؟ إن قالوا: “نعم، فيه غَبْنٌ”؛ فيثبت له الخيار، إن قالوا: “لا، هذا شيءٌ معتاد”؛ لا يثبُت له الخيار. إن كان في سيارة يُسأل أهل السيارات، إن كان في أغنام مثلًا أو مواشي يُسأل أرباب الماشية. فالمرجع إذن في تحديد الغَبْنِ إلى العرف.
طيب، في الحديث الذي ذكرناه في درس الفجر، عُرْوة بن الجعد اشترى شاة، أعطاه النبي عليه الصلاة والسلام دينارًا، فاشترى به شاتين، ثم باع إحدى الشاتين بدينار[15]؛ يعني نسبة الربح 100% في البيع والشراء. طيب، هل اعتبره النبي غَبْنًا؟ لم يعتبره غَبْنًا، يظهر أن هذا كان دارجًا لديهم.
فإذن؛ المرجع في ذلك للعرف، وهذا يختلف باختلاف الزمان والمكان والعرض والطلب ونحو ذلك.
القسم الرابع: خيار التدليس
“التدليس” مأخوذ من الدُّلْسَة: وهي الظلمة، فكأن المُدَلِّس قد جعل المشتري في ظُلْمة. وفسره المصنف قال: (بأن يُدلِّس على المشتري ما يزيد الثمن)؛ يعني: يُدَلِّس في السلعة ويُغرِّر بالمشتري بحيث يزيد المشتري في الثمن.
ومثَّل المؤلف بأمثلةٍ من زمنه، ونحن سنُمَثِّل بأمثلة من واقعنا، قال: (كتَسْوِيدِ شعر الجارية)؛ يعني: الرَّقيقة الأَمَة؛ لأنها إذا ظهر فيها الشيب تقلُّ الرغبة فيها، وإذا كان شعرها أسودًا تزيد الرغبة فيها؛ لأنه يعتقد أنها ما زالت صغيرة. فهذا يُعتبر تدليسًا.
(وتصرية اللبن) وذلك بأن يُحبَس اللبن في الضرع، فيظن المشتري أن لبن هذه الدابة كثير. هذا يُعتبر نوعًا من التدليس.
ومن أمثلة ذلك في وقتنا الحاضر، مَن يذكر لنا مثالًا؟ السيارة إذا كان فيها صدمة، ودَلَّس، أصلحَ السيارة ولم يُخبِر المشتري بأنه قد سبق أن حصل حادثٌ وأن فيها صدمة، وأنها قد تعرَّضت لسمكرة، فإذا اكتشف ذلك المشتري فيكون له الخيار؛ لأن البائع قد دَلَّس عليه.
ومثل ذلك عداد السرعة إذا أنقصه، يعني: السيارة -مثلًا- مشت مائتي كيلو، فأنقصه بحيث جعل يظهر للمشتري أنها ما مشت إلا خمسين كيلو مثلًا؛ فهذا يُعتبر تدليسًا، فإذا ثبت ذلك للمشتري -يعني: إذا اكتشف ذلك المشتري- فيثبُت له خيار التدليس.
وقد جاء في “صحيح مسلم” وغيره: أن النبي دخل السوق فوجد رجلًا يبيع طعامًا، فأدخل يده فأصابت يده بللًا، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟!، قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟! من غشَّ فليس منَّا[16].
القسم الخامس: خيار العيب
ووضع المؤلف ضابطًا للعيب الذي يثبُت به الخيار: (وهو ما يُنقص قيمة المبيع)، إذا وُجِد في السلعة عيب تنقُص به قيمة السلعة، فيثبُت للمشتري الخيار. أما إذا كان هذا العيب لا تنقص به قيمة السلعة فلا يثبت به الخيار. أحيانًا تكون عيوبٌ يسيرة لا تُؤثِّر على قيمة السلعة؛ فلا يثبُت بها الخيار، لكن إذا كان هذا العيب تنقص به قيمة السلعة فيثبت به خيار العيب.
قال: (كمرض) يعني: مرض في -مثلًا- الدابة إذا بِيعت (ونحوه، فإذا علم به المشتري خُيِّر بين إمساكٍ مع أَرْشٍ، أو رَدٍّ)؛ إذا علم المشتري بهذا العيب يُخيَّر بين أن يرُدَّ السلعة ويفسخ العقد، أو أن يُمسِكها ويأخذ الأرْش. والأرْش: هو الفرق ما بين قيمة السلعة مَعيبةً وقيمتها صحيحة.
والقول الثاني في المسألة: إن المشتري ليس له إلا الإمساك أو الرد، وليس له الأرْش؛ لأن الأصل صحة العقد، والمشتري جُعل له الخيار؛ ولأنه ليس هناك دليلٌ يدلُّ على إثبات الأرْش، إلا إذا تعذر الرد فيكون له الأرْش.
يعني مثلًا: اكتشف هذا العيب فأراد أن يرُدَّ السيارة، لكن السيارة في الطريق احترقت وتلفت، ما استطاع أن يردها؛ هنا يثبُت له الأرش. لكن إذا لم يتعذر الرد؛ فهو مخيَّر بين الإمساك أو الرد، وليس له خيارُ الإمساك مع الأرش. واختار هذا القول الإمام ابن تيمية رحمه الله، وهو القول الراجح؛ لأن إجبار البائع بأن يُعطي المشتري الأرش قد لا يرضى به البائع، البائع يقول: إما أن تأخذ السلعة بحالها أو ترُدَّها عليَّ، لكن لماذا تُلزمونني بأن أدفع له الأرْش؟
القسم السادس: خيار التخبير بالثمن
القسم السادس وهو الذي وقع فيه الخلاف: (خيار في البيع بتخبير الثمن متى بان أقل أو أكثر مما أخبر به)؛ يعني أن البائع يكذب في الإخبار بالثمن. (ويثبُت) ذلك في أربعة أمور:
- الأول (في التَّوْلية)؛ ومعنى التولية: البيع برأس المال، بأن يقول: أبيع عليك هذه السلعة برأس مالها، ورأس مالها عشرة آلاف. ثم يتبين أنه كاذب، وأن رأس مالها تسعة آلاف مثلًا؛ فيثبت للمشتري الخيار.
- (والشركة)؛ بأن يريد أن يشترك معه في هذه السلعة، فيقول: اشترك معي فيها وهي عليَّ بكذا. ثم يتبين أنه كاذب.
- (والمرابحة)؛ يقول: أبيع عليك هذه السلعة برأس مالها وربحِ كذا. ثم يتبين أنه كاذب.
- (والمواضعة)، وبعضهم يسميها “الوضيعة”؛ يعني: البيع مع خسارة، أبيع عليك هذه السلعة برأس مالها وخسارة كذا. ثم يثبُت كذبه.
فالجامع بين هذه الأمور الأربعة هو كذب البائع؛ فإذا ثبت كذب البائع يثبُت للمشتري الخيار.
قال: (ولا بد في جميعها من معرفة المشتري رأسَ المال)، وقال بعض العلماء: إنه لا يثبت للمشتري الخيار، وإنما يجب على البائع أن يُعطيه الناقص، أن يعطيه ما نقص، فإذا قال مثلًا: أبيعك برأس مالها. ورأسُ مالها عشرة، ثم تبين أنه تسعة؛ يُجبَر البائع بأن يُعطيه ألفًا.
القول الثاني: إنه لا يثبت للمشتري الخيار، وإنما يُلزَم البائع بدفع الفرق ودفع ما نقص. وهذا القول رواية عند الحنابلة، واختارها ابن تيمية رحمه الله وابن عثيمين وجمع من المحققين من أهل العلم، وهو القول الراجح: إنه لا يثبت الخيار؛ وذلك لأن الأصل في البيع اللزوم: البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا[17].
فما دمنا يمكن أن نُعالج هذا الإشكال بدون الفسخ، فلماذا نلجأ للفسخ ونُعطي المشتري حق الفسخ؟ فنقول: أنت أيها المشتري ليس عليك ضرر، هو كذب عليك؛ يُعطيك الفرق الذي كذب فيه. لكن، لماذا نجعل له حق الخيار في الفسخ؟
كما ترون قوة هذه الحجة؛ وعلى هذا فالقول الراجح هو عدم اعتبار هذا القسم من أقسام الخيار؛ فتكون أقسام الخيار إذن على القول الراجح سبعة، كما ذكر ذلك صاحب “دليل الطالب”.
القسم السابع: خيار الخُلْف في قدر الثمن
يعني: إذا اختلف المتبايعان في قَدْر الثمن؛ بأن قال بائعٌ: “بعتكه بمائة”، وقال مُشترٍ: “بل بثمانين”، ولا بينة، فيحلف كلٌّ منهما على دعواه ويتفاسخان؛ إن وُجدت بينة فالقول قول صاحب البينة، أما إن لم توجد بينة فالمذهب -كما قال المصنف- أنهما يتحالفان ويتفاسخان.
والقول الثاني: إن القولَ قولُ البائع؛ لحديث ابن مسعود أن النبي قال: إذا اختلف البيِّعان، فالقول ما قال البائع، أو يترادَّان[18]. أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، وهو حديث لا بأس بإسناده.
والموفق ابن قدامة قال: يُحتمل أن معنى القولين واحد، لماذا؟ لأن قول الحنابلة: “يتحالفان ويتفاسخان” مؤدَّاه إلى أن يكون القولُ قولَ البائع، السلعة تعود للبائع والثمن يعود للمشتري. فالحقيقة أن مؤدَّى هذين القولين واحد، فإذا اختلفا في الثمن إذن نقول: القولُ قولُ البائع، كلٌّ منهما يحلف، والسلعة ترجع للبائع، والثمن يرجع للمشتري.
القسم الثامن: خيار الخُلْف في الصفة
إذا وجد المشتري المبيع متغيِّرًا عما وُصِفَ له، أو عن رؤيته السابقة؛ فله الفسخ. هذا فيما إذا اشترى بالصفة.
سبق أن ذكرنا في الدرس السابق: أنه يجوز البيع برؤيةٍ أو صفةٍ؛ فمثلًا: صاحبٌ لك قال: أنا عندي سيارة، مواصفاتها كذا. وذكر لك صفاتها، ذكر مثلًا: أن موديل السيارة (2021)، فلما أُحضرت لك السيارة وجدت أن موديلها (2020)، فما الحكم؟ يكون لك الخيار في إمضاء البيع أو فسخه؛ لأن هذه الصفة مؤثِّرة في قيمة السلعة، فنقول: أنت بالخيار؛ إن شئت أبقيت السيارة عندك، وإن شئت فسخت العقد. هذا يسميه الفقهاء “خيار الخُلْف في الصفة”.
وبهذا نكون قد انتهينا من الكلام عن أحكام الخيار، وأنها على القول الراجح سبعة أقسام، إذا استبعدنا خيار التخبير بالثمن.
باب الربا والصرف
قال رحمه الله تعالى:
هو قسمان: ربا فَضْلٍ، وربا نَسِيئَةٍ.
فيحرم ربا الفضل في كُلِّ مَكِيلٍ وموزونٍ بِيعَ بجنسه متفاضلًا ولو يسيرًا، ويجب فيه الحُلُول والقبض.
ولا يُباع مكيلٌ بجنسه إِلا كيلًا، ولا موزونٌ بجنسه إِلا وزنًا، ولا بعضه ببعضٍ جُزَافًا، فإِن اختلف الجنس جازت الثلاثة.
والجنس: ما له اسم خاصٌّ يشمل أنواعًا؛ كَبُرٍّ ونحوه. وفروعُ الأجناسِ أجناسٌ.
واللحم أجناسٌ باختلاف أصوله، ولا يصح بيع لحمٍ بحيوانٍ من جنسه.
ويحرُم ربا النَّسِيئة في بيعِ كُلِّ جنسين اتفقا في علَّة ربا الفضل؛ كالمكيلين، والموزونين، وإِن تفرَّقا قبل القبض بطل.
وإِن باع مكيلًا بموزونٍ جاز التفرُّق قبل القبض، والنَّسْأ. ولا يجوز بيع الدَّين بالدين.
قال: فصل.
يصح صرفُ الذهب بالذهب والفضة بالفضة مِثْلًا بِمِثْلٍ في الوزن، وصرف أحدهما بالآخر، وأن يُعَوَّض أحدُ النقدين عن الآخر بسعر يومه بشرط القبض قبل التفرُّق فيهما.
(باب: الربا والصرف).
معنى الربا
“الربا” معناه في اللغة: الزيادة، ومنه قول الله تعالى: فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ [فصلت:39]؛ أي: زادت وعَلَت.
ومعناه شرعًا: الزيادة في أشياء مخصوصة.
والربا من كبائر الذنوب ومن الموبقات، ومحرم في جميع الشرائع السماوية، وإثمه عظيم، ذكر أبو عبدالله القرطبي في “الجامع لأحكام القرآن”: أن رجلًا أتى للإمام مالك يستفتيه، يقول: إني رأيت البارحة رجلًا سكرانَ يتعاقر، يريد أن يصطاد القمر. يعني: من شدة سُكْرِه يقفز يريد أن يصطاد القمر، قال: فحلفت بالطلاق أنه ليس هناك شيءٌ يدخل جوف ابن آدم أخبث من الخمر. يعني: من شدة تأثُّره من الموقف.
فالإمام مالك استعظم هذا السؤال، وقال: ائتِ من الغد. فأتى من الغد. فقال: ائتِ من الغد. فأتى من الغد، قال: ائت من الغد. لما أتى بعد ثلاثة أيام قال الإمام مالك: امرأتك طالق، إني تأملت كتاب الله فلم أرَ شيئًا يدخل جوف ابن آدم أخبث ولا أعظم من الربا؛ إن الله قد أذن فيه بالحرب.
فأفتاه بوقوع طلاق امرأته؛ لأنه قال: إن امرأته طالق إن كان هناك شيء أخبث من الخمر، قال الإمام مالك: لا. يوجد شيء أخبث من الخمر، وهو الربا.
فالربا أمره عظيم؛ ولذلك لعن النبي آكل الربا ومؤكله، وأيضًا كُلَّ من أعان عليه، وكاتبه وشاهديه، ويكفينا قول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا[البقرة:278-279]، أكمل الآية: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279]؛ يعني: من أصَرَّ على الربا فقد فتح جبهة حربٍ مع الله، معنى ذلك: أنه يتوقع أن تأتيه المصائب بأيَّة طريقة، مصائب في صحته، مصائب في أهله، مصائب في ماله، مصائب في أيِّ شيءٍ بسبب الربا.
الربا شؤمٌ؛ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا [البقرة:276]، عندما يقول رب العالمين في كتابه العظيم الذي يقرؤه الناس جيلًا بعد جيل وقرنًا بعد قرن: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا [البقرة:276]؛ لا بد أن يتحقَّق المَحْقُ.
والمَحْقُ معناه: الذهاب شيئًا فشيئًا من حيث لا يشعر الإنسان، شيئًا فشيئًا، ومنه المحاق الذي هو الهلال في آخر الشهر، القمر في آخر الشهر يسمى محاقًا؛ لأنه يذهب نور القمر شيئًا فشيئًا حتى يصل إلى المحاق ثم بعد ذلك يبدو هلالًا.
فعندما يقول رب العالمين: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا [البقرة:276]، لا بد أن يتحقَّق المَحق؛ إما بذهاب المال حِسًّا، وإما بذهاب بركته؛ ولذلك تجد بعض الناس عنده ثروةٌ لكنه محرومٌ منها، مجرد حارس يحرسها للورثة من بعده، حتى إذا مات انتقلت غنيمةً باردةً للورثة عليه حسابها ولهم غُنْمُها، أليس هذا حرمانًا؟ هذا نوعٌ من الحرمان، من أشد ما يكون من الحرمان!
وبعض الناس قد يكون المَحْقُ في صحته بسبب الربا، وقد يكون المَحْقُ في أولاده، وقد يكون المَحْقُ في زوجته، قد يكون المَحْقُ في حريته، قد يكون المَحْقُ بأيَّة صورة من الصور، عندما قال رب العالمين: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا [البقرة:276] لا بد أن يتحقق المَحْقُ، فالربا شؤمٌ على الإنسان؛ ولذلك فالربا أمره عظيم جدًّا عند الله : يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276].
أقسام الربا
قال المصنف رحمه الله: هو قسمان: (ربا فضل، وربا نَسِيئة)، وبعض الفقهاء يُضيف قسمًا ثالثًا: وهو ربا الديون. وبعضهم يجعل ربا الديون راجعًا لربا النَّسيئة أو الفضل، ولا مشاحة في الاصطلاح.
قال: (فيحرم ربا الفضل في كُلِّ مكيلٍ وموزونٍ بِيعَ بجنسه متفاضلًا ولو يسيرًا).
ضابط ما يجري فيه الربا
هذا يقودنا إلى معرفة علة الربا، وبعبارة أخرى: ضابط ما يجري فيه الربا وما لا يجري فيه الربا.
لو بعت قلمًا بقلمين، فيه ربا؟ طيب، سيارة بسيارتين؟
إذن؛ نحتاج إلى ضابط، ما هو الضابط؟ الضابط اختلف فيه الفقهاء اختلافًا كثيرًا؛ المصنف يقول: إن الضابط هو الكيل أو الوزن، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، فما كان مكيلًا أو موزونًا فيجري فيه الربا، وما ليس بمكيلٍ ولا موزونٍ لا يجري فيه الربا؛ ولهذا قال المصنف: (يحرم ربا الفضل في كُلِّ مكيلٍ وموزونٍ بِيعَ بجنسه متفاضلًا ولو يسيرًا، ويجب فيه الحُلُول والقبض).
والقول الثاني: إن علة الربا في النقدين هي الثمَنِيَّة، وفي غير النقدين كونه مطعومًا ومدَّخَرًا للناس. وهذا هو القول الراجح.
أما في النقدين فالعلة الثمَنِيَّة؛ يعني: بأن يكون أثمانًا، يكون هذا في الذهب وفي الفضة والأوراق النقدية. وأما في غيرها فأن يكون مطعومًا؛ يعني: يتخذه الناس طعامًا، وليس المقصود أن فيه طعمًا، وإنما يتخذه الناس طعامًا ويدَّخرونه.
وعلى ذلك؛ ما كان غير مطعوم، لا يُطعم لا يُؤكل ولا يُشرب: هل يجري فيه الربا؟
لا يجري فيه الربا إلا أن يكون من النقدين أو الأوراق النقدية؛ فبيع قلم بقلمين جائز لأنه ليس مطعومًا، بيع سيارة بسيارتين جائز، بيع جوال بجوالين جائز.
لكن، إذا كان مطعومًا ومدخرًا هنا يجري فيه الربا؛ مثل مثلًا التمر، التمر يدخره الناس وهو طعام، البر، الشعير، الملح، الأرز، هذه كلها يجري فيها الربا، والنبي يقول: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُرُّ بالبُرِّ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مِثْلًا بِمِثلٍ، هاء وهاء، سواءً بسواءٍ، فمن زاد أو استزاد فقد أرْبى[19]، فذكر النبي ستة أصناف، ويُقاس عليها ما كان مثلها في العلة.
فإذن؛ يكون الصواب في علة الربا أنها في النقدين: الثمَنِيَّة، وفي غير النقدين: يكون مطعومًا مدَّخرًا.
قال: (ولا يُباع مكيلٌ بجنسه إلا كيلًا، ولا موزونٌ بجنسه إلا وزنًا، ولا بعضه ببعض جُزَافًا، فإذا اختلف الجنس جازت الثلاثة)؛ المؤلف يُفرِّع الآن على العلة التي قررها: وهي الكيل والوزن، ثم فسر المؤلف المقصود بالجنس قال: (ما له اسمٌ خاصٌّ يشمل أنواعًا؛ كَبُرٍّ ونحوه).
“الجنس” مثل التمر مثلًا، التمر أنواع، يوجد تمر صفري، تمر خلاص، وتمر سكري، فهو أنواع. (وفروع الأجناس)، أجناس؛ يعني مثلًا: دقيق البُرِّ غيرُ دقيق الشعير، هذا جنس وهذا جنس.
عندنا إذا اتحدت: اتحاد العلة والجنس، واتحاد العلة واختلاف الجنس، واختلاف العلة.
إذا اتحدت العلة والجنس، مثل ماذا؟ التمر بالتمر، البُرُّ بالتمر، الشعير بالشعير، الذهب بالذهب، الفضة بالفضة، فيُشترط شرطان: التقابض والتماثل.
انتبِه لهذه الضوابط! إذا ضبطتها ضبطتَ باب الربا.
يُشترط التقابض والتماثل، عند اتحاد العلة والجنس يُشترط التقابض والتماثل.
إذا اتحدت العلة واختلف الجنس مثل ماذا؟
تَمْرٌ بِبُرِّ، ذهبٌ بفضة، ورَقٌ نقديٌّ بذهبٍ، ورَقٌ نقديٌّ بفضةٍ، شعيرٌ بتمرٍ؛ فهنا يُشترط شرطٌ واحدٌ: وهو التقابض؛ لقول النبي : فإذا اختلفت الأجناس، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد[20].
القسم الثالث: إذا اختلفت العلة، من يُمثِّل لنا اختلاف العلة؟
مداخلة: ……
الشيخ: الذهب والبُرُّ، أحسنت. أو بيع -مثلًا- بُرٍّ بورق نقدي، أو تمر بورق نقدي، ذهبت تريد أن تشتري تمرًا، وقلت: كم قيمة التمر؟ قال: ألف ريال، قلت: أنا آخذه إن شاء الله، وآتي لك غدًا بالمبلغ، يجوز أم لا ما يجوز؟ يجوز؛ إذا اختلفت العلة لا يُشترط التقابض ولا التماثل.
فنُعيد هذه القاعدة مرة أخرى، نقول: إذا اتحدت العلة والجنس، مثل: بُرٍّ بِبُرٍّ، ذهبٍ بذهبٍ، فضةٍ بفضةٍ، تمرٍ بتمرٍ؛ يُشترط شرطان: التقابض والتماثل.
القسم الثاني: اتحدت العلة واختلف الجنس؛ مثل ذهب بفضة، بُرٍّ بشعير، تمرٍ بِبُرٍّ، يُشترط شرط واحد وهو التقابض، ولا يُشترط التماثل.
القسم الثالث: اختلفت العلة، مثل مثلًا: ذهبٍ بتمرٍ، أو ورقٍ نقديٍّ بِبُرٍّ؛ فهنا لا يُشترطُ لا تقابضٌ ولا تماثلٌ.
العملات: كلُّ جهةِ إصدارٍ تُعتبر جنسًا، فالريال السعودي جنس، والجنيه المصري جنس، والدولار جنس، واليورو جنس، والليرة جنس، فإذا أردت أن تبيع مثلًا ريالًا بدولارٍ؛ لا يُشترط التماثل، وإنما يُشترط التقابض فقط. فعند بيع العملات لا يُشترط إلا شرط واحد، وهو التقابض.
بيع اللحم بالحيوان
قال: (واللحم أجناس باختلاف أصوله)؛ يعني: لحم الإبل جنس، لحم البقر جنس، لحم الغنم جنس، (ولا يصح بيع لحمٍ بحيوان من جنسه) كلحمِ ضأنٍ بضأنٍ، أو لحمِ إبلٍ بإبلٍ؛ لما ورد في الحديث من نهي النبي عن بيع الحيوان باللحم[21].
والقول الثاني في المسألة: يُنظر لقصد المشتري للحيوان: فإن قصد المشتري اللحم فلا يجوز بيع اللحم بالحيوان. أما إذا كان قصد المشتري بالحيوان غير الأكل، مقصوده بالحيوان مثلًا الركوب أو الحرث، أو يريد أن يشرب من لبنه أو نحو ذلك؛ فيجوز بيع اللحم بالحيوان، وهذا هو القول الراجح، وقد اختاره ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى.
فإذن حكم بيع اللحم بالحيوان نقول: المذهب لا يجوز مطلقًا. والقول الراجح: ننظر لمقصود المشتري: إن كان قصدُه اللحم فلا يجوز بيع اللحم بالحيوان، وإن كان قصده غير الأكل فيجوز بيع اللحم بالحيوان.
ربا النسيئة
قال: (ويحرُم ربا النَّسِيئة)؛ النَّسِيئة معناها: التأجيل والتأخير (في بيع كُلِّ جنسين اتفقا في علة ربا الفضل)، هذا -كما ذكرنا- إذا اتفقا في العلة فهنا يجب التقابض، سواء اتحد الجنس أو اختلف؛ (كالمكيلين والموزونين)، هذا بناءً على المذهب وهو أن العلة الكيل والوزن. (وإن تفرَّقا قبل القبض بطل)؛ لأنه يُشترط التقابض.
(وإن باع مكيلًا بموزون؛ جاز التفرق قبل القبض والنَّسْأ)؛ يعني: إذا اختلفت العلة كما ذكرنا عند اختلاف العلة؛ فلا يُشترط لا التقابض ولا التماثل.
بيع الرطب بالتمر مع التقابض والتماثل هل يجوز؟ بيع كيلو تمر بكيلو رطب مع التقابض؟ فمن يجيب عن هذا السؤال؟
مداخلة: ……
الشيخ: لماذا؟ هذا كيلو وهذا كيلو، أين الاختلاف؟
مداخلة: ……
الشيخ: أحسنت. النبي كما في حديث سعد بن أبي وقاص عند أصحاب السنن بسند صحيح: سُئل عن بيع الرُّطَب بالتمر؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أينقُصُ الرطب إذا يَبِسَ؟. قالوا: نعم. قال: فلا إِذَنْ[22].
يعني: هنا النبي عليه الصلاة والسلام منع من بيع الرطب بالتمر ولو مع التقابض، ولو مع التماثل، لماذا؟ لأن الرُّطَب سينقص إذا يَبِسَ.
وهذا يدل على تشديد الشريعة في مسائل الربا، وعلى سَدِّ الشريعة للذرائع الموصلة للربا ولو من وجه بعيد، يعني: كم النقص؟ نقصٌ يسيرٌ، ومع ذلك منع النبي من بيع الرطب بالتمر.
“بيعُ خالصِ رِبَوِيٍّ بمَشُوبِه”؛ يقول الفقهاء: إنه لا يجوز بيعُ خالصِ ربويٍّ بمَشُوبِه.
مثال ذلك: لو أردت أن تبيع جرام ذهب عيار (24) بجرام ذهب عيار (21) مع التقابض، هل يجوز؟ عيار (24) معنى ذلك أنه ذهب خالص، عيار (21) ليس ذهبًا خالصًا، مخلوطٌ بغيره، مخلوطٌ بنُحَاس وغيره، فهل يجوز بيع جرام ذهب (21) بجرام ذهب (24) مع التقابض؟
لا يجوز؛ لعدم تحقق التماثل. طيب، ما هو المخرج؟ تبيع جرام (21) بدراهم، وتشتري بالدراهم جرام (24): بِعِ الجَمْعَ بالدراهم، واشترِ بالدراهم جَنِيبًا[23]. هذا معنى قول الفقهاء: ولا يجوز بيعُ خالصِ رِبَوِيٍّ بمَشُوبِه.
بيع الدين بالدين
قال: (ولا يجوز بيع الدَّين بالدين)؛ يعني: يريد المؤلف أن يشير إلى ربا الديون؛ كانوا في الجاهلية إذا حَلَّ الدين على المدين، يقول الدائن للمدين: إما أن تقضي وإما أن تُربي. فأنزل الله تعالى قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130].
وربا الديون الآن هو الربا المنتشر، إذا حَلَّ الدين على المدين لا يجوز الزيادة عليه، بل يجب إنظاره إذا كان معسرًا، ويُجبَر على السداد إن كان موسرًا. أما الزيادة على المدين بسبب التأخُّر في السداد: هذا هو ربا الجاهلية، وهذا هو ربا الديون.
حكم البطاقات الائتمانية
ومثل ذلك في بطاقات الائتمان لدى البنوك التقليدية، يُعطونك فترة سماح مجانية للسداد، إذا تأخرت يُحسب عليك غرامة تأخير، غرامة التأخير هذه هي فائدة ربوية، فلا تجوز.
ولذلك؛ المصارف الإسلامية عند التأخر عن السداد في البطاقات الائتمانية لا يحسبون غرامة تأخير، فالبطاقات الائتمانية في المصارف الإسلامية تجوز؛ لأنه لا يوجد فيها هذا الشرط، بينما في البنوك التقليدية التي تشترط هذا الشرط لا تجوز؛ لأجل هذا الشرط.
حكم الشرط الجزائي
الشرط الجزائي في الديون محرم؛ لأن الشرط الجزائي يقول: إذا تأخرت عن السداد يحسب عليك غرامة تأخير.
أما الشرط الجزائي في غير الديون فجائز، مثل مثلًا: تتفق مع مقاول أن يبني لك بيتًا خلال سنة، وتقول: إذا تأخرت عن البناء عن هذه المدة أحسب عليك -مثلًا- غرامة، أو أُنقِص من الأجرة، هذا لا بأس به؛ لأنه ليس مقابل دَين، وإنما مقابل عمل يقوم به هذا الشخص، إذا تأخرت تُعاقبه بهذا الشرط الجزائي.
فإذن؛ الشرط الجزائي في غير الديون جائز، وصدر فيه قرارٌ من هيئة كبار العلماء بالجواز. أما الشرط الجزائي في الديون فلا يجوز بالإجماع.
وبيع الدَّين بالدَّين لا يجوز، وقد ورد في ذلك حديث: نهى النبي عن بيع الكالئ بالكالئ[24]. لكنه حديث ضعيف من جهة الإسناد، لكن الأُمَّة على العمل به في الجملة؛ أنه لا يجوز بيع الدَّين بالدَّين.
قال: (فصل: يصح صرفُ الذهب بالذهب والفضة بالفضة مِثْلًا بِمِثْلٍ في الوزن)، الذهب بالذهب إذا كان مِثْلًا بِمِثْلٍ فلا بأس، ومقصود المؤلف بـ”الصرف” هنا: الدراهم والدنانير، فالدراهم تكون من الفضة والدنانير من الذهب، الآن حلَّت محلَّها الأوراق النقدية.
(وصرف أحدهما بالآخر) فعند صرف العملات النقدية يُشترط شرطٌ واحدٌ: وهو التقابض إذا اختلفت العملات، أما إذا اتحدت العملات يُشترط التماثل والتقابض.
(وأن يُعَوَّض أحدُ النقدين عن الآخر بسعر يومه بشرط القبض قبل التفرق)؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نبيع الإبل بالدراهم، فنأخذ عنها الدنانير، فسألنا النبي فقال: لا بأس بسعر يومها، ما لم تتفرَّقا وبينكما شيءٌ[25].
مثلًا: تطلب شخصًا عشرة آلاف ريال، لما حَلَّ موعد الدين قال: بدل أن تُعطيني عشرة آلاف ريال، أعطني بدلًا منها دولارات، يجوز أو لا يجوز؟ يجوز بسعر يومها، بسعر الصرف اليوم، كم سعر الريال بالدولار؟ لكن ما تجعله بغير سعر يومها، يجوز بسعر يومها، ويحصل التقابض قبل التفرُّق.
باب بيع الأصول والثمار
يشمل البيع في أرضٍ وَدُورٍ، ونحوها ما يدخل في مسمَّاها؛ من البناء والفناء والسلالم والرُّفُوف والأبواب والخَوَابِي المدفونة، وكُلِّ متصلٍ بها. ولا يشمل ما هو مُودَعٌ فيها ولا منفصلٌ؛ كحبل، ودَلْوٍ، وبكَرةٍ، وقُفلٍ، ومفتاحٍ.
وكذا يشمل ما في الأرض من غرسٍ -لا زرعٍ- كَبُرٍّ، فلبائِعٍ مُبْقًى.
وما يُجَزُّ، أو يُلقَطُ مرارًا فأصوله للمشتري، والجَزَّة واللَّقَطَة الظاهرتان للبائع، إِلا أن يَشْرُط المشتري ذلك.
وكذا ثمر نخل تشقَّق طلعُه فيبقى للبائع إِلى جُذاذِه. وكذا كلُّ شجر فيه ثمرٌ بادٍ، أو نَوْرُهُ ظاهر، أو خرج من أكمامه، وما قبل ذلك، والورق فلمشترٍ.
ولا يصح بيع ثمرٍ قبل بُدُوِّ صلاحه، ولا زرعٍ قبل اشتداد حبِّه لغير مالك الأصل.
وصلاحُ بعضِ الشجر صلاحٌ لباقيه، وصلاحُ ثمرِ نخلٍ احمرارٌ أو اصفرارٌ، وصلاحُ عنبٍ جريان الماء الحلو فيه، وصلاح بقية الثمر به والنُّضْجِ وطِيبِ الأكل.
الأشياء التي يشملها البيع
(باب: بيع الأصول والثمار)؛ الأصول: هي الدُّور والأراضي والأشجار.
عند بيع الأصول والثمار؛ إن كان هناك شرطٌ فيُعمل به. أما إن لم يكن هناك شرط فوضع الفقهاء قواعد، ما الذي يكون للبائع، وما الذي يكون للمشتري؟
قال: (يشمل البيع في أرضٍ ودُورٍ، ونحوها ما يدخل في مسماها من البناء)؛ يعني مراد المؤلف: أن البيع يشمل الأشياء المتصلة، ولا يشمل الأشياء المنفصلة. هذا خلاصة كلام المؤلف كله؛ أن في البيع إذا وُجد شرطٌ فيُعمل بالشرط، إذا لم يوجد شرطٌ فيشمل البيع الأشياء المتصلة ولا يشمل الأشياء المنفصلة، الأشياء المتصلة تكون للمشتري، تنتقل للمشتري، الأشياء المنفصلة تبقى للبائع.
ولهذا وضح المؤلف هذا المعنى؛ قال: (يشمل البيع في أرضٍ، وَدُورٍ، ونحوها ما يدخل في مسمَّاها من البناء والفناء، والسلالم، والرُّفُوف، والأبواب، والخَوَابِي المدفونة، وكُلِّ متصلٍ بها)؛ يعني: يشمل جميع الأشياء المتصلة، يعني في وقتنا الحاضر مثلًا: الأبواب متصلة؛ يشملها البيع، لكن المكيفات يشملها البيع أو لا يشمل؟ إذا وُجد شرطٌ فيُعمل به، إذا لم يوجد شرطٌ يشملها أو لا؟
طيب، ما هو العرف؟ هل المكيفات متصلة أو منفصلة؟ المكيفات أنواع، فمكيف الشباك هذا منفصل لا يشمله البيع، لكن المكيف المركزي متصلٌ يشمله. فإذن؛ إذا كان المكيف متصلًا كالمكيف المركزي فيشمله، إذا كان منفصلًا مثل مكيف الشباك فلا يشمله. إذا كان المكيف “إسبليت”؛ منفصل أو متصل؟ منفصل، لا يشمله.
فإذن؛ إذا وُجِد شرطٌ يُعمل به، إذا لم يوجد شرطٌ فيُعمل بالقاعدة: “الأشياء المتصلة يشملها البيع، الأشياء المنفصلة لا يشملها”.
قال: (ولا يشمل ما هو مُودَعٌ فيها)؛ يعني: الأشياء المنفصلة (ما هو مُودَع فيها، ولا منفصلٌ؛ كحبل، ودَلْوٍ، وبكَرةٍ، وقُفلٍ، ومفتاحٍ).
طبعًا المفاتيح تأخذ حكم الأشياء المتصلة، المفاتيح تكون للمشتري، لكن المؤلف يتكلم عن مفاتيح موجودة في زمنه تختلف عن مفاتيحنا، وأيضًا ذكر أمثلة لما هو موجود في زمنه.
نريد الآن أشياء منفصلة لا يشملها البيع؟ مثل الأثاث، ومثل -مثلًا- ألعاب الأطفال، ومثل الغاز؛ يشمله أو لا يشمله؟ إذا كانت دبات الغاز هذه منفصلة لا يشملها، لكن إذا كان غازًا مركزيًّا فيشمله؛ لأنه متصل.
فإذن؛ أنت خذ القاعدة وطبِّقها على كل شيء.
قال: (وكذا يشمل ما في الأرض من غرسٍ -لا زرعٍ- كبُرٍّ، فللبائع مُبْقًى)؛ ما كان في الأرض من غرس يشمله، و(لا زرعٍ؛ كبُرٍّ)؛ فهذا يكون للبائع.
(وما يُجَزُّ، أو يُلقَطُ مرارًا) هذا فيه تفصيل: (أصوله للمشتري، والجَزَّة واللَّقَطَة الظاهرتان للبائع إلا أن يشترط المشتري ذلك)؛ فإذن الجَزَّة واللَّقطة الظاهرة هذه للبائع، لكن أصوله تكون للمشتري.
(وكذا ثمر نخل تشقَّق طلعُه فيبقى للبائع إِلى جُذاذِه)؛ ثمر النخل هل يدخل في البيع؟ إنسانٌ باع نخله، فهل ثمر النخل يكون للبائع أو يكون للمشتري؟ ورد في هذا قول النبي : من باع نخلًا قد أُبِّر فثمرته للبائع، إلا أن يشترطه المُبتَاع. وهو في الصحيحين[26].
فإذا كان النخل قد أُبِّر فثمرته للبائع، لكن المصنف هنا لم يُعبِّر بالتأبير -التأبير معناه: التلقيح- وإنما عبَّر المؤلف بتشقُّق الطلع. وهذا هو المذهب عند الحنابلة؛ فيجعلون المناط هو تشقُّق الطلع، فإذا باع نخلًا قد تشقَّق طلعه فيقولون: إنه للبائع.
والقول الثاني: إن مناط الحكم هو التأبير وليس تشقُّق الطلع. وهذا هو القول الراجح؛ لأنه هو الوارد في الحديث في قول النبي : من باع نخلًا قد أُبِّر ولم يقل: قد تشقَّق طلعه.
وأيهما أسبق: تشقُّق الطلع أو التأبير؟ تشقُّق الطلع أسبق، والحديث نصَّ على التأبير؛ يعني التلقيح. فالقول الراجح: إن مناط الحكم هو التأبير، وليس تشقُّق الطلع.
قال: (وكذا كُلُّ شجر فيه ثمرٌ بادٍ)؛ يعني يكون للبائع.
(أو نَوْرُهُ ظاهر)؛ النَّوْر معناه: الزهر، وليس المقصود النُّور؛ ولذا تُنطق “نَوْرُه” وليس نُوره.
(أو خرج من أكمامه)؛ يعني: من غلافه، (وما قبل ذلك والورق فلمشترٍ)، أيضًا هذا تنطبق عليه القاعدة، وهي: أن الشجر الذي فيه ثمر ظاهر، أو الزهر قد بدا وانعقد، انعقد الزهر أو خرج من غلافه ومن أكمامه؛ فهذا يكون للبائع، وما قبل ذلك يكون للمشتري.
بيع الثمر قبل بُدُوِّ صلاحه
قال: (ولا يصح بيعُ ثمرٍ قبل بُدُوِّ صلاحه)؛ قد نهى النبي عن بيع الثمر قبل بُدُوِّ صلاحه، نهى البائع والمبتاع[27]؛ وذلك لأن الثمر قبل بُدُوِّ صلاحه مُعرَّضٌ للعاهات، فيكون مظنة للنزاع والخصومة، والشريعة الإسلامية تمنع كُلَّ ما أدَّى للنزاع والخصومة بين المسلمين.
بيعُ الثمر بعد بُدُوِّ صلاحه يجوز، أليس معرَّضًا كذلك للعاهات؟ معرض. طيب، لماذا؟ لماذا قلنا: بعد بُدُوِّ صلاحه يجوز، وقبل بُدُوِّ صلاحه لا يجوز؟ مع أنه قبل بُدُوِّ صلاحه وبعد بُدُوِّ الصلاح معرَّضٌ للعاهات والآفات؟
يعني: نهي النبي عليه الصلاة والسلام عن بيع الثمر قبل بُدُوِّ صلاحه؛ علَّل ذلك الفقهاء قالوا: لأنه عُرضة للآفات والعاهات. طيب، أيضًا بعد بُدُوِّ الصلاح هو عرضة للآفات والعاهات؟
مداخلة: …..
الشيخ: نعم، أحسنت.
قبل بُدُوِّ الصلاح يغلب عليه حصول العاهة والآفة، أما بعد بُدُوِّ الصلاح تقل العاهة والآفة؛ فاعتبر الشرع الغلبة هنا، إذا بَدَا فيه الصلاح فالغالب أنه يسلم من العاهة، قبل بُدُوِّ الصلاح لا زال ضعيفًا عرضة للعاهة والآفة؛ فلذلك نهى النبي عن بيع الثمر قبل بُدُوِّ صلاحه لأنه تكثر فيه العاهات والآفات قبل بُدُوِّ الصلاح، وتقل بعد بُدُوِّ الصلاح.
(ولا زرعٍ قبل اشتداد حبِّه)، كذلك ما قلناه في بيع الثمر يقال هنا في الحَبِّ. لكن المؤلف استثنى؛ قال: (لغير مالك الأصل) فيجوز بيع الثمر عليه قبل بُدُوِّ صلاحه، ويجوز بيع الحَبِّ عليه قبل اشتداده.
وأيضًا يستثنون من ذلك كذلك: البيع بشرط القطع في الحال، وهذا هو الاستثناء الثاني، رقم (2): البيع بشرط القطع في الحال يجوز؛ لأنه إذا شرط القطع في الحال أَمِنَّا حصول العاهة والآفة.
والاستثناء الثالث: أن يُباع الثمر قبل بُدُوِّ صلاحه تبعًا للأصل، كما لو باع المزرعة بأكملها وفيها ثمر لم يَبْدُ صلاحه، أو حَبٌّ لم يشتد؛ فيجوز لأنه تابع.
فإذن؛ يُستثنى من النهي عن بيع الثمر قبل بُدُوِّ صلاحه ثلاثة أمور:
- الأمر الأول: أن يُباع على مالك الأصل؛ فيجوز.
- الأمر الثاني: أن يُباع بشرط القطع في الحال؛ فيجوز.
- الأمر الثالث: أن يُباع تبعًا للأصل؛ فيجوز.
أما بشرط القطع في الحال وتبعًا للأصل فهذا جائز في قول عامة الفقهاء، لكن الاستثناء الأول أن يُباع على مالك الأصل؛ هذا محل نظر؛ ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجوز بيع الثمر قبل بُدُوِّ صلاحه والحَبِّ قبل اشتداده على مالك الأصل؛ وذلك لعموم النهي، فما الذي يدل على استثناء مالك الأصل؟ ليس هناك دليل، فمالك الأصل كغيره، لا يجوز أن يُباع عليه الثمر قبل بُدُوِّ صلاحه، ولا الحَبُّ قبل اشتداده. وهذا هو القول الراجح: إنه لا يجوز بيع الثمر قبل بُدُوِّ صلاحه على مالك الأصل.
وعلى هذا فيكون الاستثناء فقط في الحالة الثانية والثالثة.
قال: (وصلاحُ بعض الشجر صلاحٌ لباقيه)، إذا بدا الصلاح في بعض الشجر يكفي؛ يعني مثلًا: هذه مزرعة نخيل من نوع “خلاص”، بَدَا الصلاح في بعضها؛ يكفي، يجوز بيعها كلها؛ لأنها تكون متقاربة في بُدُوِّ الصلاح.
(وصلاحُ ثمرِ نخلٍ احمرارٌ أو اصفرارٌ) وهذا قد ورد النص عليه: أن تحمرَّ أو تصفرَّ[28]. وفي لفظ: تَحْمَارُّ أو تَصْفَارُّ[29].
(وصلاحُ عنبٍ جريانُ الماء الحلو فيه)، ويُعبِّر عنه بعضهم بأن يتموَّه حلوًا؛ لأن العنب أول ما يخرج يكون حامضًا، فإذا تَمَوَّه حلوًا هذه علامة بُدُوِّ الصلاح فيه.
(وصلاح بقيةِ الثمر به، والنُّضج، وطِيب الأكل)؛ (وصلاح بقية الثمر به) يعني: جريان الماء الحلو فيه، (والنضج) بأن يطيب للأكل وينضج ويصبح صالحًا للأكل؛ فهذه علامة بُدُوِّ الصلاح.
قال رحمه الله تعالى:
باب السَّلَم
هو عقدٌ على موصوفٍ في الذمة مؤجلٍ، بثمنٍ مقبوضٍ في المجلس.
ويصح بلفظ البيع، والسَّلَم، والسلف.
بشروطٍ سبعةٍ: أن يكون فيما يمكن ضبط صفاته؛ كمكيل ونحوه.
وذِكْرُ جنسٍ، ونوعٍ، ووصفٍ يختلف به الثمن.
وذِكْرُ قدْره بكيل معلومٍ، ونحوه.
وتأجيله بأجَلٍ معلومٍ، له وقعٌ في الثمن.
ووجوده غالبًا في محِلِّه.
وقبضُ الثمن تامًّا قبل التفرُّق.
وأن يُسْلِمَ في الذمة؛ فلا يصح في عين، ولا ثمرةِ شجرةٍ معينة.
ولا يصح بيع مُسْلَمٍ فيه قبل قبضه.
تعريف السلم
“السَّلَمُ”: من التسليم والإسلام، ويقال له: السلف، وقال بعضهم: إن “السَّلَم” هو لغةُ أهلِ الحجاز، و”السلف” بالفاء لغة أهل العراق. ولكن هذا محل نظر؛ إذ إنه قد ورد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي قدم المدينة فوجد أهلها يُسلِفون في الثمارِ السنةَ والسنتين، فقال: من أسلف في شيءٍ؛ فليُسلِف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم[30].
فهنا عبَّر النبي عليه الصلاة والسلام بالسلف، فكيف يقال: إنه لغة أهل العراق، والنبي عليه الصلاة والسلام يتكلم بلغة الحجازيين؟ ولهذا؛ فالصواب: أن السَّلَم والسلف كلاهما لغة أهل الحجاز.
وتعريفه اصطلاحًا؛ عرفه المصنف قال: (عقدٌ على موصوفٍ في الذمة، مؤجلٍ، بثمنٍ مقبوضٍ في المجلس).
(عقدٌ على موصوفٍ في الذمة) لا بد أن يكون على شيءٍ موصوف في الذمة، لا يكون على شيءٍ معين، لو كان على معين كان بيعًا، لكن على موصوف في الذمة (مؤجل)؛ فلا بد من أن يكون -أيضًا- له أجل. (بثمن مقبوض) في مجلس العقد.
نوضح هذا بالمثال: أتيت رجلًا وأعطيته عشرة آلاف ريال، وقلت: على أن تُسْلِمَ لي العام القادم في شهر ذي القعدة ألف كيلو رُطَبًا من النوع السكري؛ هذا يُعتبر سَلَمًا.
فـ(عقدٌ على موصوفٍ في الذمة)، موصوف في الذمة: ألف كيلو رطب من نوع السكري. (عقدٌ على موصوف في الذمة، مؤجلٍ)؛ أجَّلته أحد عشر شهرًا. (بثمن مقبوض في مجلس العقد)؛ سلمت له عشرة آلاف الآن.
فهذه صورة السَّلَم، وكان معمولًا به في عهد النبي عليه الصلاة والسلام؛ كانوا يُسلِفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث. وهو جائز بالإجماع، ويسمى “بيع المحاويج”؛ لأنه لا يلجأ له في الغالب إلا المحتاج.
حكم بيع السلم
وأجمع العلماء عليه على مشروعيته؛ قال: (ويصح بلفظ البيع والسلم والسلف)، يصح بكُلِّ ما دَلَّ عليه من قول أو فعل؛ كأن يقول: أسلمتُ لك، سلفتك، أسلفتك، أو بعتك ويُريد بذلك صورة السَّلَم.
شروط صحة بيع السلم
(بشروط سبعة):
الشرط الأول: (أن يكون فيما يمكن ضبط صفاته؛ كمكيلٍ ونحوه)؛ إذن الشرط الأول: أن يكون فيما يمكن ضَبْط صفاته. أما ما لا يمكن ضبط صفاته فلا يصح السلم فيه، لا بد أن يكون في شيءٍ يمكن أن ينضبط بالصفة. وفي وقتنا الحاضر مع تقدُّم الصناعة أصبحت معظم الأشياء يمكن ضبطها بالصفة.
ولذلك؛ تجد مثلًا أن الفقهاء يمنعون السلم في القُدُور؛ لأنه لا يمكن ضبطها بالصفة. وفي وقتنا الحاضر أصبح يمكن ضبطها بدقة متناهية؛ ولذلك تجد بعض الأمثلة التي كان الفقهاء السابقون يمنعون السلم فيها، الآن يصح السلم فيها؛ لأن الحكم يدور مع عِلَّته.
الشرط الثاني: قال: (ذكْرٌ جنسٍ ونوعٍ ووصفٍ يختلف به الثمن)؛ ذكر جنسٍ مثل التمر، مثلًا: أُسْلِفُكَ في تمر. (ونوع) أن يكون هذا التمر مثلًا “خلاص” أو “سكري”. (ووصف يختلف به الثمن).
طيب، “خلاص” أو “سكري” من أين؟ من الأحساء مثلًا؟ من القصيم؟ من الخرج؟ من أيِّ بلد؟ هذا مؤثِّرٌ في الثمن.
الشرط الثالث: (وذِكْرُ قدره بكيل معلوم ونحوه)؛ لقول النبي فليُسلف في كيل معلوم ووزن معلوم[31]. فلا بد من معرفة القَدْر؛ مثلًا مائة كيلو، ألف كيلو، أو أكثر أو أقل.
وعبارة “الدليل” أجود؛ قال: “معرفة قدْره بمعياره الشرعي”، أحسن مِن أن نُقيِّده بالكيل؛ قد يكون بغير الكيل بالمعيار الشرعي ونسكت أفضل.
الشرط الرابع: (وتأجيله بأجل معلوم له وقعٌ في الثمن)؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: من أسلف في شيءٍ فليُسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم[32]، فلا يكون سَلَمًا إلا إذا كان له أجل. وهذا هو المذهب عند الحنفية والمالكية والحنابلة، وقال الشافعية: إنه لا يشترط الأجل في السلم، ويصح السلم في الحالِّ، يصح السلم الحالُّ. ما معنى السلم الحال؟
السلم الحال: مثالنا السابق، أتيت شخصًا وأعطيته عشرة آلاف ريال على أن يأتي لك بتمر بمواصفات معينة؛ مثلًا: ألف كيلو تمر “خلاص”، لكن تقول: تُحضره لي الآن.
فالشافعية يعتبرون السلم حالًّا، والجمهور يقولون: لا، هذا ما يعتبر سَلَمًا، هذا بيعُ ما لا يملك. وذهب ابن تيمية إلى قول وسط؛ فقال: إنه يصح السلم حالًّا إذا كان موجودًا في مِلكه، وإلا فلا، وهذا هو القول الراجح؛ يصح السلم حالًّا إذا كان موجودًا في ملكه.
إنسان صاحب مزارع؛ له مزارع في الرياض، ومزارع -مثلًا- في المنطقة الشرقية، ومزارع في المنطقة الغربية، فقلتَ له: خذ هذه عشرة آلاف ريال الآن على أن تأتيني الآن أو تأتيني غدًا بألف كيلو تمر سكري. وهو يملك التمر، له مزارع وعنده محلات؛ هنا لا بأس. أما إذا كان لا يملك فلا يجوز؛ لأنه يكون قد باع ما لا يملك.
الشرط الخامس: قال: (ووجوده غالبًا في مَحِلِّه)؛ وجوده في محله يعني: في وقت حلوله؛ فلذلك قالوا: ليس له أن يُسْلِم -مثلًا- في التمر في الشتاء، التمر لا يكون إلا في الصيف، لا يكون في الشتاء.
الشرط السادس: (وقبضُ الثمن تامًّا قبل التفرُّق)، وهذا من أهم الشروط بل هو أهم شرط؛ قبض الثمن قبل التفرُّق، لا بد أن يُسلِّم جميع الثمن قبل التفرُّق؛ ولذلك السلم هو من الصيغ التي يمكن أن يتعامل بها الناس خاصة في عقود التوريد ونحوها، لكنهم يفرون من السلم لأجل عدم تحقيق هذا الشرط.
فمثلًا: صاحب المحل يتفق مع المورِّد، يقول: أريد منك أن تُورِّد لي سلعًا بمواصفات معينة. إذا اعتبرناه سَلَمًا، نقول لصاحب المحل: يجب عليك أن تُسلِّم الثمن الآن، تنقد للمورد الثمن الآن حتى يكون سَلَمًا، لكن هو يقول: ليس عندي استعداد أن أُسلِّم له الثمن كاملًا، أُعطيه جزءًا من الثمن. نقول: لا يجوز، لا بد أن تُسلم الثمن كاملًا. فإذا قال: يريده سَلَمًا؛ لا بد من تسليم الثمن كاملًا في مجلس العقد، وإلا ابحث له عن صيغة أخرى غير السلم.
لكن يمكن أن يُستفاد من السلم في التجارة الإلكترونية؛ أحد الإخوة اتصل بي يقول: إنني أتعامل بالتجارة الإلكترونية؟ فقلت: عندك صيغة السلم، طبِّقها. قال: كيف؟ قلت: خذ الثمن مقدَّمًا من الزبون، وقل: ماذا تريد؟ قال: أريد سلعة بمواصفات معينة، صفاتها كذا وكذا وكذا، فيقول: أنا أحضر لك هذه السلعة بعد شهر، أو بعد شهرين، أو بعد ثلاثة أشهر. ويستوردها بهذه الصفات. فهذا يُعتبر سَلَمًا.
ولذلك؛ هو من الصيغ التي يمكن أن تُطبَّق في التجارة الإلكترونية، لكن بشرط أن يستلم رأس المال كاملًا، يستلم الثمن كاملًا في مجلس العقد.
مجمع الفقه لما ذكر السلم أخذ برأي المالكية: وهو أنه يجوز التأخُّر لمدة يوم أو يومين أو ثلاثة، قالوا: إنه أحيانًا قد لا يتيسر لكثير من الناس تسليم رأس المال في مجلس العقد، فالمالكية أجازوا التأخير إلى ثلاثة أيام، وأخذ بهذا مجمع الفقه.
الشرط السابع: (أن يُسْلِمَ في الذمة؛ فلا يصح في عينٍ، ولا ثمرةِ شجرةٍ معينة)؛ السلم لا بد أن يكون في الذمة؛ ولهذا جاء في الحديث: أما حائط بني فلان فلا[33]، وإن كان ضعيفًا من جهة الإسناد إلا أن العمل عليه عند أهل العلم.
فلا يصح أن تقول مثلًا: خذ هذه عشرة آلاف ريال على أن تُحضر لي ألف كيلو تمر “سكري” من مزرعتك التي في القصيم؛ هذا لا يصح. وإنما: خذ هذه عشرة آلاف ريال على أن تُحضر لي ألف كيلو تمر بعد -مثلًا- ستة أشهر، من أيِّ مكان. لا تُحدِّد، لا تقل: المكان الفلاني، أو المزرعة الفلانية؛ فلا بد أن يكون في الذمة، أما لو كان من بستان معين أو ثمرة معينة أو شجرة معينة؛ فهذا لا يصح.
الشرط السابع: نعم هذا الشرط السابع: (أن يُسْلِمَ في الذمة).
- إذن الأول: أن يكون فيما يمكن ضبط صفاته.
- الثاني: ذكْرُ جنسٍ ونوعٍ ووصفٍ يختلف به الثمن.
- الثالث: ذكْرُ قدرٍ معلومٍ، أو معرفة مقداره بمعياره الشرعي.
- الرابع: تأجيله بأجلٍ معلومٍ له وقعٌ في الثمن.
- الخامس: وجوده غالبًا في مَحِله.
- السادس: قبض الثمن قبل التفرُّق.
- السابع: أن يُسْلِم في الذمة.
حكم بيع المُسلَم فيه قبل قبضه
قال: (ولا يصح بيع مُسْلَمٍ فيه قبل قبضه)، المُسْلَم فيه لا يصح بيعه قبل قبضه، بل لا بد من قبضه أولًا عند جمهور الفقهاء. فإن تعذَّر وجود المُسلَم فيه أو بعضه عند حلول أجله؟
في مثالنا السابق: أعطيت زيدًا من الناس عشرة آلاف ريال على أن يُحضر لك -مثلًا- في شهر ذي القعدة ألف كيلو تمر “سكري”، فلما أتى الموعد تعذَّر، قال: والله ما وجدت التمر بالمواصفات التي تريد. فنقول: يُخيَّر المشتري بين الصبر إلى حين وجوده، أو فسخ السلم وأخذ رأس مال السلم، نقول: أنت بالخيار؛ إما أن تصبر وتنتظر حتى يجد لك هذه البضاعة بهذه المواصفات، أو أنه يفسخ العقد ويُرجع لك الثمن.
الاستصناع
قبل أن ننتقل للقرض، هناك ملحق بالسلم وهو الاستصناع.
“الاستصناع” معناه: أن يطلب إنسانٌ من آخر شيئًا لم يُصنَّع؛ ليُصنَّع له طبقًا لمواصفات محددة، بمواد من الصانع، مقابل عوض محدد.
يعني مثلًا: تذهب للخياط، تطلب منه أن يخيط لك ثوبًا، يفصِّل لك ثوبًا، والقماش من الخياط؛ هذا يسمى “استصناعًا”.
هذا عند الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة يقولون: يجري مجرى السلم، إذا قلنا: يجري مجرى السلم؛ معنى ذلك: يجب عليك أن تُسلم، تنقُدَ ثمن الثوب للخياط قبل أن يُفصِّل وإلا لم يَجُزْ. وهذا القول سيفرح به الخياطون؛ لأنه يشترط أن تُسلِّم جميع الثمن، ليس بعضه، جميع الثمن. وهكذا أيضًا عند بناء بيت؛ إذا أردت أن تتفق مع مقاول على أن تكون المواد من المقاول -كما يقولون: على المفتاح- لا بد أن تنقد له الثمن كاملًا في البداية.
وهذا القول فيه عسرٌ في تطبيقه؛ ولهذا اتجهت الأمة من قديم الزمان إلى قول الحنفية: وهو أن الاستصناع عقدٌ مستقلٌّ بذاته ولا يأخذ أحكام السلم. وهُجِرَ قول الجمهور، هل تجدون أحدًا الآن يُفتي بقول الجمهور في الاستصناع؟ لا أعلم عالمًا الآن في العالم الإسلامي يُفتي به؛ لأن في تطبيقه عسرًا، إذا ذهبت للخياط لا بد أن تنقد الثمن مقدَّمًا، عند بناء البيت تنقُدُ الثمن مقدَّمًا، هذا صعب.
بعض الأقوال -أحيانًا- التي فيها عسر تجد أن الأمة تهجرها، تتجه للقول الآخر، بل إن الآن قول الحنفية -وهو جواز الاستصناع مطلقًا، وأنه لا يأخذ أحكام السلم، وأنه يجوز في تأجيل الثمن- يُشبه أن يكون إجماعًا عمليًّا من الأُمَّة عليه كما ذكرت لكم، الآن ما نجد عالمًا يُفتي بقول الجمهور، مع أن هذا قول الجمهور: المالكية والشافعية والحنابلة، قول الأكثر، ومع ذلك هُجِرَ هذا القول واتجهت الأمة لقول الحنفية.
لو أنك أتيت بالقماش للخياط، وقلت له: فصِّل لي ثوبًا بهذا القماش، هل هذا استصناع؟ لا، هذا إجارة، إذا كانت المواد ليست من الصانع؛ هذه إجارة. أما إذا كانت المواد من الصانع فهذا استصناع.
مثلًا: المقاول، إذا كانت المواد ليست من المقاول، وإنما أنت الذي تُحضر له المواد وهو يبني، هل هذا استصناع؟ هذا إجارة.
فهذا هو الفرق بين الإجارة والاستصناع: أن الاستصناع المواد من الصانع، والإجارة المواد من المستصنع؛ يعني: من الطالب، هو لا يكون استصناعًا إذا كانت المواد منك، لا يكون استصناعًا، لا بد أن تكون المواد من الصانع.
فإذن الاستصناع -كما ذكرنا- عملُ المسلمين عليه من قديم الزمان، يمكن أن يستفاد من الاستصناع الآن في التجارة الإلكترونية، في عقود التوريد، في البنوك، مثلًا: إذا كان شيئًا يُستصنع، تتفق مع شخص على تصنيع سلعة معينة، ولك أن تعطيه جزءًا من الثمن، أو لا تعطيه، أو تؤجل، على أن يُورِّد لك هذه السلعة، لكن بشرط أن تكون مما يُستصنع، فيكون عقد استصناع.
أو تجارة إلكترونية مثلًا، تقول: نحن سنصنع لك ما تريد، تريد ماذا؟ نحن سنصنع لك هذا الشيء الذي تريده طبقًا لمواصفات معينة؛ هنا لا يلزم تسليم جميع الثمن، يجوز تأجيله كله أو بعضه؛ بناءً على القول الراجح، وهو مذهب الحنفية، وهو أن الاستصناع عقدٌ مستقلٌّ، وليس نوعًا من السلم.
باب القرض
قال رحمه الله تعالى:
كلُّ ما صح بيعه صح قرضه؛ إِلا الآدمي.
ويجب رَدُّ مثل الفُلُوس، والمكيل، والموزون. فإن تعذر المِثْلُ فالقيمة.
وكلُّ قرضٍ جَرَّ نفعًا فهو ربًا، وإذا وَفَاه أحسن منه بلا شرط فلا بأس، وكذا لو أهدى له هدية بعد الوفاء بلا شرط.
وإن اقترض سِكَّةً من أحد النقدين فمنع السلطان المعاملة بها فله القيمة وقت القرض.
تعريف القرض
القرض معناه في اللغة: القطع.
واصطلاحًا: “دفع مال لمن ينتفع به ويرُدُّ بدله”. انتبه لهذا التعريف: “دفع مال لمن ينتفع به ويرُدُّ بدله”. ويسميه الناس “السلف”، وأيضًا سماه النبي “سلفًا” في بعض الأحاديث؛ قال: لا يحل سلف وبيع[34]؛ يعني: قرضٌ وبيعٌ. فيُسمى “قرضًا” ويسمى “سلفًا”، تقول لصاحبك: أسلفني مثلًا خمسة آلاف ريال، أو سلِّفني خمسة آلاف ريال؛ يعني: أقرضني، فيُسمى “سلفًا”.
وبهذا نعرف الفرق بين القرض وبين التمويل.
الآن كثير من الناس يقول: أخذت من البنك قرضًا، وهو يقصد تمويلًا بطريق التورُّق، بطريق المرابحة، بطريق التأجير مع الوعد بالتمليك، بطريق المشاركة، لكن يسميه “قرضًا”.
وهذه التسمية غير صحيحة، وربما تُوهم أحيانًا، أنا سمعت مرة فتوى لأحد المشايخ؛ يقول المستفتي: أخذت قرضًا من بنك كذا بفائدةٍ، ما حكمه؟ قال: هذا ربا، وهذا محرم، وعليك التوبة.
أنا أعرف أصلًا أن البنك هذا ما يُعطي قروضًا ربوية، بنك إسلامي، ما يُعطي قروضًا ربوية، لكن المستفتي مقصوده: أخذت تمويلًا بربح، فعبَّر فقال: قرضٌ بفائدة. المفتي أخذ بظاهر لفظ المستفتي فقال: هذا ربا.
فلذلك؛ لا بد من تحرير المصطلحات، بعض الناس يسمونه قرضًا وهو ليس قرضًا، هو تمويل؛ ولذلك فالأحسن في العبارة أن تقول: أخذت من البنك تمويلًا، ولا تقل: أخذت قرضًا؛ لأن القرض هو السلف، وهذا ليس بخُلُقِ البنوك، البنوك ما تُسلِف، ما تُقرِض لوجه الله، البنوك مؤسسات ربحية، ليست جمعيات خيرية، فالقرض ليس بخُلُقٍ أصلًا للبنوك، إلا القرض بفائدة هذا قرضٌ ربويٌّ، كلامنا فيما -يعني- بدون فائدة. فإذن؛ الصواب أن تقول: أخذت من البنك تمويلًا، ولا تقل: أخذت قرضًا.
الفرق بين القاعدة والضابط
قال: (كُلُّ ما صح بيعه؛ صح قرضه)، هذا يصلح أن يكون ضابطًا، (كُلُّ ما صح بيعه صح قرضه، إلا الآدمي)، هل نقول: يصلح أن يكون ضابطًا؟ أو نقول: يصلح أن يكون قاعدة؟ ما الفرق بين القاعدة والضابط؟
الضابط في الباب المعين، في باب معين تقول ضابطًا، في جميع الأبواب يقال قاعدة.
كل ما صح بيعه صح قرضه
فهذا يصلح أن يكون ضابطًا في القرض، (كل ما صح بيعه صح قرضه، إلا الآدمي) يقصد بذلك طبعًا الرقيق، الرقيق يصح بيعه ولا يصح قرضه.
(ويجب رَدُّ) مثل القرض (مثل الفلوس والمكيل والموزون)؛ يعني: مثله، (فإن تعذَّر المِثْل فالقيمة)، هذا أيضًا يصلح أن يكون ضابطًا آخر.
كل قرض جر نفعًا فهو ربًا
(وكُلُّ قرضٍ جَرَّ نفعًا فهو ربًا)؛ هذا قد رُوي فيه حديثٌ عن النبي لكنه ضعيف لا يصح، لكن العمل عليه عند أهل العلم: (وكُلُّ قرضٍ جَرَّ نفعًا فهو ربًا).
يقول أبو محمد ابن حزم: “ليس هناك قرض في العالم إلا وله منفعة”، فمعنى ذلك: إذا أخذنا بهذا على ظاهره منعنا القرض كله؛ ولذلك لا بد من معرفة ضابط المنفعة المحرمة في القرض.
وضابط المنفعة المحرمة في القرض: هي المنفعة التي يختص بها المقرض دون المقترض، هذه هي المنفعة المحرمة. أما التي تكون للمقترض هذه ليست محرمة، أو يشترك فيها المقرض والمقترض فهذه ليست محرمة. إذن المنفعة المحرمة في القرض هي التي يختص بها المقرض دون المقترض.
عندنا في كلية الشريعة رسالة ماجستير “المنفعة المحرمة في القرض”، خلاصتها هذا الكلام: أن ضابط المنفعة المحرمة في القرض: المنفعة التي يختص بها المقرض دون المقترض، أما التي يختص بها المقترض دون المقرض فليست محرمة، وما يشترك فيه المقرض والمقترض أيضًا ليست محرمة.
لماذا كان كُلُّ قرضٍ جَرَّ نفعًا فهو ربًا على الضابط الذي ذكرنا؟
انتبه لهذه الفائدة التي قد لا تجدها في كتاب؛ لأن صورة القرض في الأصل هي صورة ربوية، عندما -مثلًا- أُقرضك عشرة آلاف ريال، وتردها لي بعد سنة عشرة آلاف ريال، لم يتحقق التقابض نقدًا بنقدٍ، مع عدم التقابض فهي في الأصل صورة ربوية، لكن الشريعة الإسلامية استثنت هذه الصورة وأجازتها؛ تشجيعًا للناس على الإرفاق والتعاون والتكافل فيما بينهم، فإذا أصبح القرض لا يُراد به الإرفاق والإحسان وإنما أصبح يُراد به المعاوضة والربحية؛ رجع القرض لصورته في الأصل: وهي الصورة الممنوعة، وهذا معنى قولهم: “كُلُّ قرضٍ جَرَّ نفعًا فهو ربًا”.
قال: (وإذا وَفَاه أحسن منه بلا شرط فلا بأس، وكذا لو أهدى له هدية بعد الوفاء بلا شرط)؛ إذا اشترط عليه الزيادة في وفاء القرض فهذا محرم؛ كأن يقول: أُقرضك عشرة آلاف بشرط أن تردها عليَّ أحد عشر ألفًا؛ هذا ربا بالإجماع، لكن إذا وفاه بزيادة من غير شرط؛ صاحبٌ لك أقرضك عشرة آلاف ريال، فلما أردت أن ترُدَّ القرض قلت: يا فلان، هذه عشرة آلاف ريال، وهذه ألف ريال زيادة من عندي. رددتَ عليه أحد عشر ألفًا من غير شرط؛ هذا لا بأس به. أو أنك رددت عليه عشرة آلاف ريال، وأعطيته معها هدية؛ لا بأس.
والدليل لذلك ما جاء في الصحيحين: أن النبي استقرض من رجل بَكْرًا، فأتى الرجل يتقاضى بَكْرَه، فقالوا: يا رسول الله، لم نجد إلا خِيارًا رَبَاعيًا. قال: أعطوه؛ فإن خير الناس أحسنهم قضاءً[35]. فإذا وفاه بأحسن من القرض أو بزيادة من غير شرط فلا بأس، أما مع الشرط فلا يجوز.
قال: (وإن اقترض سِكَّةً من أحد النقدين، فمنع السلطان المعاملة بها؛ فله القيمة وقت القرض)؛ يعني: عملة مثلًا من العملات اقترض بها، ثم هذه العملة مُنعت من الدولة، فيقول المؤلف: إن له القيمة وقت القرض؛ لأن السلطان منع المعاملة بها كالعيب، فتُرَدُّ بقيمتها.
بَابُ الرَّهْنِ
قال رحمه الله تعالى:
كُلُّ ما جاز بيعه جاز رهنُه.
وشروط صحته خمسةٌ: كونه مُنْجَزًا.
وكونه مع الدَّين، أو بعده.
وكونه ممن يصح تصرفه.
وكون الرهن ملكًا له، أو مأذونًا له فيه.
وكونه معلومًا.
فإن أَذِنَ الراهن للمرتهن في بيعه؛ باعه إذا حَلَّ الأجلُ ووفَى الدين. فإن امتنع أجبره الحاكم على الوفاء أو بيع الرهن، فإن لم يفعل باعه الحاكم وقضى الدين. وغائبٌ كممتنِعٍ.
تعريف الرهن
الرهن معناه في اللغة: الثبوت والدوام، يقال: ماءٌ راهنٌ؛ يعني: راكد.
ومعناه اصطلاحًا: “توثقةُ دينٍ بعينٍ يمكن استيفاؤه منها أو من ثمنها”.
وهو مشروع بالإجماع، وقد ذكره الله تعالى في آية الدَّين: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283]، ونوع عقد الرهن: أنه لازمٌ في حق الراهن -يعني: الذي عليه الحق- جائزٌ في حقِّ المرتهن: الذي له الحق.
(كُلُّ ما جاز بيعه جاز رهنه)، هذا يصلح أن يكون ضابطًا في هذا الباب: “كل ما جاز بيعه جاز رهنه”.
شروط صحة الرهن
وشروط صحته خمسة:
أولًا: (كونه منجزًا) وهذا بناءً على المذهب وقول الجمهور: وهو عدم صحة تعليق العقود، وسبق أن ذكرنا في الدرس السابق: أن القول الراجح هو القول بصحة تعليق العقود، وعلى هذا فالأقرب عدم اعتبار هذا الشرط.
ثانيًا: (وكونه مع الدين أو بعده)؛ يعني: يكون الرهن مع الدين مقارنًا له، أو بعد الدين، ولا يكون قبله.
“مع الدين” مثلًا: أبيعك هذه السيارة بثمن مؤجل أو مقسط بشرط أن ترهنني كذا، “أو بعده” بعته هذه السيارة ثم بعد ذلك خشيت أنه ما يُسدِّد، وقلت: يا فلان، أنا أريد رهنًا. فاتفقت أنت وإياه على أن يرهنك سلعًا معينة بعد البيع بيوم أو يومين أو أسبوع، أو أكثر أو أقل؛ لا بأس بذلك.
لكن إذا كان الرهن قبل الدين فالمذهب أنه لا يصح، تقول مثلًا: خذ هذه إن شاء الله رهنًا على البيع الذي سنتبايعه بعد يومين. يقول هنا: المذهب أنه لا يصح؛ لأنه تابعٌ للحق، فلا يسبقه.
والقول الثاني: يصح أن يكون الرهن قبل الدين، وهذا هو مذهب الحنفية والمالكية، وهو القول الراجح؛ لأن الغرض هو توثقة الحق، فجاز عقده قبل وجوبه كالضمان. وهذا هو القول الراجح، فلا مانع من أن يكون الرهن قبل الدين، أو مع الدين، أو بعد الدين؛ هو توثقةٌ لهذا الدين، ووقته الأمر فيه واسع، حسب ما يتفقان عليه، فأيضًا الصواب: عدم اعتبار هذا الشرط.
الثالث: (كونه ممن يصح تصرفه) وهو: الحُرُّ المكلف الرشيد؛ وذلك لكونه نوعًا من التصرف في المال، فلا بد أن يكون ممن يصح تصرفه.
الرابع: (كون الرهن ملكًا له أو مأذونًا له فيه)؛ لأن ما لا يملكه ولم يُؤذَن له فيه لا يصح بيعه، وما لا يصح بيعه لا يصح رهنه.
(وكونه معلومًا جنسه وقدره وصفته)؛ وذلك لأن الرهن عقد مالي، فاشتُرط العلم به كالعين المبيعة.
قال: (فإن أذن الراهن للمرتهن في بيعه، باعه إذا حَلَّ الأجل ووفَى الدين)؛ يعني: عند حلول أجل الدين، قال: يا فلان، سَدِّد. قال: ما عندي شيء. قال: طيب اسمح لي أن أبيع العين المرهونة. أَذِن له، قال: بِعْها. فيصح هنا أن يبيع العين المرهونة ويستوفي دينه.
(فإن امتنع)؛ يعني: حَلَّ الدينُ وقال: ائْذَن لي أن أبيع العين المرهونة. قال: لا، أبدًا، ما تبيعها. رفض، ما الحكم؟ أجبره الحاكم على الوفاء، أجبره القاضي، يقول القاضي له: سَدِّد الدين. فإن أبى يقول: بِعِ العين المرهونة، أو بع الرهن.
فإن رَفَض إنسان، رَفَض، لا عنده استعداد أن يسدد الدين، ولا عنده استعداد أيضًا يسمح ببيع العين المرهونة، ماذا يفعل؟ فإن لم يفعل باعه الحاكم، والحاكم هو الذي يتولى بيع العين المرهونة وقضاء الدين، ويبيع القاضي العين المرهونة ويُسَدِّد دين الدائن.
(وغائبٌ كممتنع) إذا كان الراهن غائبًا تواصلوا معه، اتصلوا به، فإن لم يتوصَّلوا إليه يعتبر كالممتنع، تنطبق عليه الأحكام السابقة.
هل يشترط للزوم الرهن القبض؟
هنا مسألة مهمة من أبرز مسائل الرهن لم يذكرها المؤلف، ونحتاج أن نُشير إليها، وهي: هل يُشترطُ لِلُزُومِ الرهنِ القبضُ أو لا يشترط؟ يعني: عندما -مثلًا- تبيع آخرَ سلعةً بثمنٍ مؤجَّل، وتطلب منه رهنًا، ويُعطيك رهنًا، يقول: سيارتي رهنٌ. طيب إذا قال: سيارتي رهن، هل يجب أن تقبض السيارة عندك حتى يكون الرهن لازمًا؟ أو يمكن أن يصح الرهن والسيارة مع المدين يستعملها وينتفع بها؟ هذا فيه خلافٌ بين الفقهاء على قولين:
- القول الأول، قول الجمهور: وهو أنه يُشترط القبضُ لِلُزُومِ الرهن؛ واستدلوا بقول الله تعالى: فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283]، قالوا: فالله تعالى نصَّ على القبض في الآية.
- القول الثاني: أنه لا يُشترط القبض للزوم الرهن، بل يكون الرهن لازمًا بمجرد عقده ولو لم يُقبَض، وهذا هو مذهب المالكية.
وهذا هو القول الراجح: إنه لا يُشترط لِلُزومِ الرهنِ القبضُ؛ لأن الرهن للتوثيق، وهو عقدٌ، فبمجرد عقده يكون لازمًا كالبيع. وأما الآية الكريمة، وهي قول الله تعالى: فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283]، ففيها إشارةٌ إلى كمال التوثقة، كمال التوثقة أن تكون الرهان مقبوضة؛ ولذلك في آية الدين أرشد الله تعالى إلى كمال التوثقة: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ [البقرة:282]، فذكر الله تعالى كمال التوثقة، لكن لا تدل على أنه إذا لم يقبض الرهن أنه لا يكون لازمًا. وعمل الناس من قديمٍ على هذا القول، على لُزُوم الرهن من غير اشتراط قبضه.
فمثلًا؛ في مثالنا السابق: اشتريت سلعة بثمن مؤجل، قال: ارهني. قلت: سيارتي رهنٌ. وكتبتما وثيقة بأن السيارة رهنٌ؛ لا يجوز لهذا المدين أن يبيع السيارة، ولا يتصرف فيها، تبقى عنده يستعملها، لكن هي مرهونة.
لكن، على قول الجمهور: له أن يتصرف فيها؛ لأنك لم تقبضها، أنت أيها المرتهن الدائن إذا أردت أن يكون الرهن لازمًا اقبض السيارة، اجعلها عندك.
لكن، على قول المالكية: لا يُشترط لِلُزُوم الرهن القبض. والقول الراجح: إنه لا يشترط للزوم الرهن القبض.
قال رحمه الله تعالى:
ويكون الرهن عند المرتهن، أو عند من يتفق عليه مع الراهن.
ولا يجوز تصرف كُلٍّ منهما فيه بغير إذن الآخر؛ إِلا عتقَ الراهن.
ويُقبل قول الراهن في قَدْره، وصفته، وردِّه، وكذا في قدْر الدَّين.
وللمرتهن ركوب ما يُركَب، وحَلبُ ما يُحلَب بقدْر نفقته بلا إذنٍ.
ولا يرجع بما أنفقه على الرهن إِلا مع إذن الراهن، أو عدم إمكانه.
ولو عَمَّرَ ما خَرِب فيه بلا إذنٍ رجع بآلته فقط.
ولا يصح شرط الراهن عدم بيعِ الرهن إذا حَلَّ الدَّين، ولا شرطُ أن الرهن للمرتهن إن لم يأتِ بحقِّه في وقت كذا.
(ويكون الرهن عند المرتهن، أو عند من يَتَّفِق عليه مع الراهن)؛ هذا بناءً على القول بأنه يُشترط لِلُزُوم الرهن القبض، فتكون العين المرهونة عند المرتهن، أو عند شخص يتفقان عليه.
(ولا يجوز تصرُّف كُلٍّ منهما)؛ يعني: كل من الراهن والمرتهن (فيه)؛ يعني: في العين المرهونة بغير إذن الراهن؛ فالمرتهن لا يجوز أن يتصرف في العين المرهونة لأنها ليست ملكًا له، والراهن ليس له أن يتصرف في العين المرهونة أيضًا لأنها مرهونة للدائن.
قال: (إلا عتقَ الراهن)؛ يعني: إذا كانت العين المرهونة رقيقًا وأعتق الراهن الرهن، فيسري العتق، ويكون عليه قيمته، تكون مكانه.
والقول الثاني: إنه لا يصح عتق الرقيق المرهون، يبطل هذا العتق، يقال: العتق غير صحيح؛ لأن فيه إسقاطًا لحَقِّ المرتهن؛ ولأن العقد لا ينفُذ إذا ترتَّب عليه إبطال حقِّ شخصٍ آخر.
وقد جاء في حديث جابر قال: أعتقَ رجلٌ عبدًا له عن دُبُر -ما معنى: “عن دُبُر”؟ يعني: التدبير هو: تعليق العتق بالموت- فبلغ ذلك رسول الله ، فقال له: ألك غيره؟. قال: لا. قال: من يشتريه مني؟. فاشتراه نعيم بن عبدالله بثمانمائة درهم، فأخذها النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: ابدأ بنفسك فتصدَّق عليها، فإن فضل شيءٌ فلأهلك، فإن فضل شيءٌ فلقرابتك، فإن فضل شيءٌ فهكذا وهكذا. وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم[36]. هنا أبطل النبي العتق؛ لكونه كان في غير محلِّه.
وجاء في “صحيح مسلم” عن عِمران بن حُصين : أن رجلًا أعتق ستة أَعْبُدٍ له -يعني: ستة عبيد- فدعاه النبي فأعتق اثنين وأَرَقَّ أربعة، وقال له قولًا شديدًا[37].
لماذا أعتق اثنين وأرَقَّ أربعة؟ لأن اثنين تُعادل الثلث، وهو ليس عنده مال إلا هؤلاء الأَعْبُد الستة، فأعتقهم، فأعتق النبي عليه الصلاة والسلام اثنين وأرَقَّ أربعة، وقال له قولًا شديدًا.
فهذا يدل على أن العتق إذا لم يُصادف محله فلا ينفذ. فالقول الراجح إذن عدم استثناء العتق هنا.
قال: (ويُقبل قول الراهن في قَدْره وصفته وردِّه، وكذا في قَدْر الدين)؛ يعني: عند اختلاف المرتهن والراهن، فإن وُجِدت بيِّنة فالقول قول صاحب البيِّنة، إن لم توجد فيُرَجَّح قول الراهن؛ لأنه هو الذي عليه الحق.
(وللمرتهن ركوب ما يُركَب، وحَلبُ ما يُحلَب، بقدْر نفقته بلا إذنٍ)؛ يعني: لو أن المرتهن أخذ العين المرهونة، وكانت العين المرهونة مثلًا بقرة، أو كانت مثلًا شاة، أو كانت مثلًا ناقة، فله ركوب ما يُركب، ينتفع بالركوب، وينتفع بالحلب أيضًا، مقابل علف هذا الحيوان وسقيه.
قال: (ولا يرجع بما أنفقه على الرهن، إلا مع إذن الراهن أو عدم إمكانه)، المرتهن إذا أنفق على الرهن؛ فإن كان قد استأذن من الراهن فيرجع عليه، إن كان لم يستأذن لا يرجع؛ لأنه يُعَدُّ متبرِّعًا بذلك.
قال: (ولو عَمَّرَ ما خرِب فيه بلا إذنٍ رجع بآلته فقط)، لو أن المرتهن عمَّر ما خَرِب في العين المرهونة بلا إذنٍ من الراهنِ صاحبِ المال؛ فليس له شيءٌ مقابل هذا التعمير، إلا الآلة التي له؛ لأنها ملك له، وما عدا ذلك يقال: أنت الذي تبرَّعت، لماذا لم تستأذن من المالك الراهن؟
(ولا يصح شرطُ الراهنِ عدمَ بيع الرهن إذا حَلَّ الدين)؛ لمنافاته لحقيقة الرهن، فيفسد هذا الشرط.
(ولا شرطُ أن الرهن للمرتهن إن لم يأتِ بحقِّه في وقت كذا)؛ لأن هذا في معنى إغلاق الرهن، ولا يُغلَق الرهن من صاحبه الذي رَهَنَه؛ له غُنْمُه وعليه غُرْمُه، كما جاء ذلك في الحديث.
وقد كان إغلاق الرهن موجودًا في الجاهلية.
ما معنى إغلاق الرهن؟
إغلاق الرهن: كانوا في الجاهلية إذا حَلَّ الدَّين يأتي المرتهن ويستولي على العين المرهونة كلها، حتى لو كانت أكثر من الدين. وهذا فيه ظلمٌ للمدين؛ يُفترض أنك ما تأخذ من العين المرهونة إلا بقدر الدين الذي لك، لكن كانوا في الجاهلية يستولون على الرهن كله.
فهذا إغلاقُ الرهن، أبطلته الشريعة؛ فقال عليه الصلاة والسلام: لا يَغْلَق الرهن من صاحبه الذي رَهَنَهُ؛ له غُنْمُه وعليه غُرْمُه[38].
لكن، لو كانت قيمة الرهن تُعادل الدَّين أو أقل، وأذِنَ الراهن في بيعه إن لم يأته بحقِّه؛ فيجوز، والأحسن عن طريق الحاكم.
مثال ذلك: هذا رجلٌ بِعْتَ عليه سلعةً بثمن مؤجَّل، وقلت: أعطني رهنًا. قال الراهن: هذه السيارة. قلت: اكتب لي أنني إذا لم أُسدِّد الدين في وقت كذا فلك الحق في أن تبيع سيارتي. فكتب لك وثيقة وأشهدتم عليها شاهدين؛ فإن لم يُسدِّد تبيع السيارة وتأخذ الدين الذي لك، والأحسن أن يكون عن طريق الحاكم، لكن من حيث الحكم: الأصل أنه يجوز.
باب الضَّمان
قال رحمه الله تعالى:
يصح ممن يجوز تصرُّفه.
ولِرَبِّ الحقِّ مطالبةُ مَن شاء منهما في حياته، وموته.
وتبرأُ ذمَّة ضامنٍ ببراءة ذمَّةِ مضمونٍ عنه، لا عكسه.
ويُعتبر رضا ضامن.
ويصح ضمانُ مجهولٍ يَؤُول إلى العلم، وَعَوَارٍ، ومغصوبٍ، وعُهْدةِ مَبيعٍ، لا أمانات.
تعريف الضمان
“الضمان” مصدر: ضمن يضمن؛ أي: الْتزم. مشتقٌ من الضِّمْن؛ لأن ذمة الضامن تصير في ذمة المضمون.
ومعناه اصطلاحًا: “ضمُّ ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق، فيثبت في ذمتهما جميعًا”.
الفرق بين الضمان والكفالة
ويختلف الضمان عن الكفالة:
الكفالة: هي أن يلتزم بإحضار بدنِ مَن عليه حقٌّ مالي إلى صاحب الحق.
والضمان، يسمى بلغة العصر “كفالة غرامية” أو “غرمية”. والكفالة تسمى “كفالة حضورية”.
فعندهم في مراكز الشرطة وغيرها: “كفيل غرم” أو “كفيل إحضار”، فالكفالة الغرامية أو الغرمية هذا هو الضمان، والكفالة الحضورية هذه هي الكفالة.
قال: (يجوز ممن يجوز تصرفه)، وهو: الحُرُّ المكلف الرشيد.
هل يُطالب الضامن مع عدم تعذر مطالبة المضمون عنه؟
(ولِرَبِّ الحقِّ مطالبةُ من شاء منهما)؛ يعني: مِن الضامن أو المضمون عنه، في حياته وموته. هل له أن يُطالب الضامن -يعني: الكفيل- ولو مع عدم تعذُّر مطالبة المضمون عنه؟
يعني: إنسانٌ يطلب آخر دَينًا، وكَفَلَهُ إنسان، يعني: ضَمِنه إنسان، ولمَّا حَلَّ الدَّين يذهب الدائن للكفيل مباشرة ويقول: سَدِّد لي، هل يصح؟ أو أنه يذهب أولًا للمدين ويقول: سَدِّد لي، فإن تعذَّر فيرجع على الضامن؟
المؤلف يقول: صاحب الحق بالخيار؛ إن شاء طالب الضامن، وإن شاء طالب المضمون عنه. وهذا أيضًا هو مذهب الحنفية والشافعية؛ يقولون: صاحب الحق بالخيار؛ إن شاء طالب الضامن، وإن شاء طالب المضمون عنه، ولو مع عدم تعذُّر مطالبة المضمون عنه.
والقول الثاني في المسألة: إنه ليس للدائن مطالبة الضامن إلا إذا تعذَّرت مطالبة المضمون عنه؛ لأن الضامن فرعٌ والمضمون عنه أصلٌ، فلا يُصار للفرع إلا عند تعذُّر الأصل. ولأن الضمان توثقةٌ للحقِّ، فيجري مجرى الرهنِ، والرهنُ لا يُستوفى منه إلا عند تعذُّر الاستيفاء من الرهن. وهذا القول رجحه ابن القيم -القول الثاني قول المالكية- وقال: “إن الناس بفطرتهم يستقبحون مطالبة الضامن مع عدم تعذُّر مطالبة المضمون عنه” [39].
لكن الذي عليه العمل الآن في المحاكم: أن الدائن له مطالبة من شاء منهما.
ولذلك؛ هناك من كَفَل غيره، ضمن غيره، فأتى الدائن وطالبه بالدين، قال: طيب، ارجع للمدين. قال: لا، أنا ما أعرف المدين، أنا ما تعاملت معه إلا لأجل ضمانك أنت. فسُجن هذا الضامن، والمدين حُرٌّ طليقٌ، فكما قال ابن القيم: “الناس يستقبحون هذا بفطرتهم”.
طالِبْ أنت أولًا المَدِين؛ فإن تعذَّرت مطالبة المدين ارجع للضامن، لكن تُطالب الضامنَ والمدينُ موجود؟! وربما يُحبس هذا الضامن الكفيل والمدين حُرٌّ طليقٌ؟!
ولهذا؛ الصواب: هو القول الثاني، وهو قول المالكية: إنه ليس لِرَبِّ الحق مطالبة من شاء منهما، بل يُطالب المدين؛ فإن تعذَّرت مطالبته يرجع للضامن. هذا هو القول الراجح في المسألة، وقد نصره الإمام ابن القيم وجماعة من أهل العلم.
لكن الذي عليه العمل هو ما أقرَّه المصنف: أن له -أن لِرَبِّ الحقِّ- مطالبة من شاء منهما.
قال: (وتبرأ ذمة الضامن ببراءة ذمةِ مضمونٍ عنه)، إذا أَبْرَأ المضمونُ عنه المَدِين؛ بَرِئت ذمة الضامن مباشرةً؛ لأنه يتبع المضمون عنه في المطالبة.
(لا عكسه)؛ يعني: لا يبرأ المدين ببراءة الضامن، لو أن الدائن قال: أيها الضامن أنت مُحسِن وأنا أبرأتك، هل يبرأ المدين؟ ما يبرأ، هذا معنى قوله: (ولا عكسه).
(ويُعتبر رضا ضامن) وهذا مُجمَعٌ عليه؛ يعني: لا يمكن للإنسان أن يضمن بغير رضاه، لا بد من رضاه.
(ويصح ضمانُ مجهولٍ يؤُولُ للعلم”، وهذه عبارة “زاد المستقنع”: “يصح ضمان مجهول يؤول للعلم”؛ كأن يقول: أنا ضامن لك ما على فلان؛ يعني: إنسان مثلًا فتح له محل، وقريب له يريد أن يُشجِّعه، فقال: خذ مداينات من فلان. وقال لفلان وفلان: أنا أضمن لك فلانًا، أيُّ دينٍ لك على فلانٍ أنا ضامنٌ له؛ فهذا يصح لأنه ضمان مجهولٍ يؤولُ إلى العلم.
(وعَوَارٍ) ما معنى عَوَارٍ؟ عارية؛ يعني: ضمان العارية. ومراد المصنف: أنه يصح ضمان العارية.
(ومغصوب)، يصح ضمان المغصوب؛ إنسانٌ غصب من آخر شيئًا، فأراد المغصوب أن يرفع فيه شكاية، فأتى أحد الناس وقال: أنا أضمن لك، إذا ما رَدَّها عليك أنا الضامن؛ فيصح.
(وعهدةِ مبيعٍ)، “العهدة” في الأصل هي الكتاب الذي تُكتب فيه وثيقة البيع ويُذكر فيه الثمن، ثم أصبح يُعبَّر بالعهدة عن الثمن، فعهدةُ المَبيع معناها: ثمن المَبيع. مِن صور ذلك في وقتنا الحاضر مثلًا: الشيك، باع شخصٌ آخرَ سلعة، وأعطاه شيكًا غير مُصدَّق، قال: والله ربما هذا الشيك من دون رصيد. فقال: أنا أضمن لك هذا الشيك. هذا مثل ما ذكر الفقهاء من ضمان عهدة المَبيع.
(لا أمانات)؛ يعني: ما كان من باب الأمانة -مثل: الوديعة- فلا يصح ضمانه؛ قالوا: لأن الأصل في الأمانات أنها لا تُضمن إلا بالتعدِّي أو التفريط.
الكفالة
قال رحمه الله تعالى:
وتصح الكفالة ببدَنِ مَن عليه دينٌ -لا حَدٌّ ولا قصاصٌ-، وبكُلِّ عينٍ مضمونة.
فإِن مات مَكْفُولٌ، أو سلَّم نفسه، أو تلِفَت العينُ بفعل الله تعالى؛ بَرِئَ الكفيل.
تُسمى الكفالة -يعني: في الوقت الحاضر- “كفالة حضورية”، وهي خاصة بالبدن؛ ولهذا قال المصنف: (تصح ببدَنِ مَن عليه دينٌ، لا حَدٌّ ولا قصاصٌ) يُستثنى من ذلك: إذا كان قد ثبت عليه إقامةُ الحَدِّ أو القصاص، فهذا لا تصح كفالته، تكون الكفالة بإحضار بدنٍ، لكن مَن ليس عليه حدٌّ ولا قصاص.
(وبكُلِّ عينٍ مضمونة) تصح الكفالة فيها، الكفالة التي هي “كفالة حضورية”.
مبطلات الكفالة
ثم ذكر المصنف مبطلات الكفالة: (فإن مات مَكْفُولٌ)؛ إذا مات المكفول بطلت الكفالة.
المبطل الثاني: (أو سَلَّم نفسه)، المكفول سَلَّم نفسه؛ إما للدائن، أو للشرطة؛ فيَبْرَأُ الكفيل مباشرة.
(أو تلفت العين)، العين التي هي السبب في الكفالة، تلفت العين (بفعل الله تعالى)؛ فيَبْرَأُ الكفيل.
طيب، إذا تعذَّر على الكفيل إحضار المكفول؛ فإن الكفالة تنقلب إلى ضمان، إذا تعذَّر على الكفيل إحضار المكفول انقلبت الكفالة إلى ضمان، فالكفالة الحضورية تنقلب إلى كفالة غرامية، إلا إذا اشترط الكفيل البراءة من الدين عند تعذُّر إحضار المكفول؛ فلا يلزمه الضمان.
فمثلًا: لو أردت أن تكفل شخصًا كفالة حضورية، لو افترضنا مثلًا أنه قيل: يا فلان، أنت كفلت فلانًا، أحضِره لنا، بحثنا عنه، ما وجدناه. بحثت أنت عنه، لم تجده؛ فتضمن الدَّين المترتِّب في ذمَّته؛ فتنقلب الكفالة إلى ضمان.
لكن إذا اشترطت، قلت: أنا أكفله كفالة حضورية، بشرط أني ما أضمن أيَّ شيءٍ ماليٍّ مترتبٍ عليه. فلك شرطك؛ فلا تنقلب الكفالة إلى ضمان.
ونقف عند “باب الحوالة”، نفتتح به الدرس بعد المغرب إن شاء الله، وإذا كان هناك أسئلة نُجيب عما تيسر من الأسئلة.
هناك جائزتان، نضع أسئلة، وجائزة ثالثة للنساء.
الأسئلة
السؤال: ما هي علة الربا على القول الراجح؟
مداخلة: ……
الشيخ: طيب، في الذهب والفضة والأوراق النقدية: الثمنية. أحسنت، تفضل.
طيب، الاستصناع؟ مَن الذي قال به من المذاهب؟ ومن الذي منع منه؟
مداخلة: ……
الشيخ: قال به الحنابلة، والذي منع منه مَن هم؟ الجمهور؟
مداخلة: ……
الشيخ: والراجح؟
مداخلة: ……
الشيخ: تفضل.
طيب، الأخوات النساء: ما الفرق بين شروط البيع والشروط في البيع؟ الفروق الأربعة التي ذكرناها، فروقٌ بين شروط البيع والشروط في البيع؟ هذا سؤال للأخوات، للنساء، يرسلن الإجابة عبر رابط الجامع.
السؤال: لو اتفقت مع صديق لي على أن أشتري له جوالًا معينًا، وأبيعه منه بسعر الأقساط، ويكون السعر متفقًا عليه قبل الشراء، فنذهب معًا وأشتري له الجوال من مالي بسعر الكاش، وأبيعه عليه بالتقسيط؟
الجواب: لا بأس بذلك، هذه هي المرابحة للآمر بالشراء، لكن لا تبعه الجوال حتى تشتريه وتملكه، ثم تبيعه عليه مقسطًا؛ لا بأس بذلك.
السؤال: هل التسويق الإلكتروني يدخل في بيع ما لا يَمْلِك؟
الجواب: هذا يختلف، يعني: التسويق الإلكتروني له عدة صور، ما الذي يُريده الأخ السائل؟ المهم؛ لا بد من تحقُّق الضوابط، وهي: ألا يبيع ما لا يملك، لا بد عندما يريد أن يبيع شيئًا أن يملكه، ويكون البيع لأمر مباح.
السؤال: كيف نجمع بين حديث: من قتل قتيلًا فله سَلَبُه[40]، وبين تحريم الغُلُول في الغنائم؟
الجواب: يكون له السلب بإذن الإمام، بإذن الإمام أو قائد الجيش، أما الغُلُول فيأخذه بغير علمه، يأخذ من الغنيمة قبل قسمتها بغير علم الجميع، كأنه اختلاسٌ من الغنيمة، فبينهما فرق.
السؤال: هل كُلُّ معاملة مالية فيها شرط غرامة تأخير تعتبر معاملة محرمة؟
الجواب: إذا كان شرط غرامة التأخير مقابل التأخُّر في سداد الدين فهذه محرمة، وإن كان بعض المعاصرين يقول: إذا كانت غرامة التأخير سوف تُصرَف في وجوه البِرِّ فهي جائزة. ولكن هذا قول مرجوحٌ، ما دام هناك غرامة تأخير مقابل التأخُّر في سداد الدين فهي محرمة. لكن الشرط الجزائي في غير الدين جائز.
السؤال: ما حكم بطاقات التوفير في الأسواق الكبيرة؛ حيث يحسبون للزبون نقاطًا مع كل شراء؟
الجواب: إذا كنت تأخذ هذه البطاقة منهم مجانًا فلا بأس، أما إذا كانت برسم فلا يجوز.
فبعض أنواع البطاقات تُمنح، والغالب في البطاقات والنقاط أنها تكون مجانية، فإذا كانت مجانية فلا بأس أن تستفيد منها، تشترك معهم أو تأخذ بطاقة وتستفيد من ذلك؛ يعني: هي في الحقيقة تخفيضٌ بطريقٍ غير مباشر، كأن صاحب المحل يقول: أريد أن أُخفِّض بشروط وضوابط معينة. فوَضَعَ هذه البطاقة وهذه النقاط؛ فلا بأس بذلك.
فإذا كنت متردِّدًا بين الغُرْم والسلامة؛ يعني: إما غانم أو سالم، لا بأس. أما إذا كنت متردِّدًا بين الغُنْمِ والغُرْمِ فلا يجوز؛ هذه هي القاعدة.
السؤال: هل البطاقات الائتمانية التي فيها الشرط الجزائي عند التأخير لا تجوز حتى لو لم يحصل تأخير؟
الجواب: هذا سؤال جيد، لو صاحب البطاقة الائتمانية قال: أنا عازمٌ على أن أُسدِّد خلال فترة السماح المجانية ولن أتأخر، فهل يجوز لي أن آخذ هذه البطاقة؟
نقول: عند الحاجة، مثل مثلًا: من يكونون في الخارج ولا يجدون مصارف إسلامية تمنح بطاقات ائتمانية؛ فلا بأس بشرط أن يضع آليةً تضمن أن يُسدِّد من غير أن يلجأ لدفع غرامة التأخير. أما عند عدم الحاجة كما هو الوضع عندنا في المملكة؛ فليس للإنسان أن يلجأ لهذا النوع من البطاقات. وهذا هو الذي أقرَّه مجمع الفقه؛ لماذا؟
أولًا: لأن الإنسان لا يدري ما يَعْرض له، وأذكر أن رجلًا قال: إني أخذت بطاقة ائتمانية على أنني سأُسَدِّد خلال فترة السماح المجانية، يقول: حصلت لي ظروف، وأنا الآن مضطرٌّ لدفع الغرامة؟ قلت: أنت الذي ألجأت نفسك.
والأمر الثاني: أنك عندما تُوقِّع، كأنك تُوقِّع على قبول الربا، أنك عند تأخُّر السداد أنك ستدفع ربًا، فعند عدم الحاجة نقول: لا تأخذ هذا النوع من البطاقات، لكن عند الحاجة لا يُشَدَّد في ذلك، بشرط أن تضع آليةً لضمان سداد الدين من غير أن تلجأ لدفع غرامة التأخير.
وبقية الأسئلة إن شاء الله نُجيب عنها في الدرس القادم.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الحاشية السفلية
^1 | رواه أحمد: 6671، وأبو داود: 3504، والترمذي: 1234، والنسائي: 4611. |
---|---|
^2, ^13, ^17, ^31, ^32 | سبق تخريجه. |
^3 | رواه البخاري: 2133، ومسلم: 1526. |
^4 | رواه البخاري: 2126، ومسلم: 1526. |
^5 | رواه البخاري: 2135، ومسلم: 1525. |
^6 | رواه الترمذي: 1291. |
^7 | رواه أبو داود: 3499. |
^8 | رواه البخاري: 2079، ومسلم: 1532. |
^9 | رواه أبو داود: 3594، والترمذي: 1352. |
^10 | رواه ابن ماجه: 2355. |
^11 | رواه البخاري: 2117، ومسلم: 1533. |
^12 | رواه مسلم: 1533. |
^14 | رواه البخاري: 2743، ومسلم: 1629. |
^15 | رواه البخاري: 3642. |
^16 | رواه مسلم: 102. |
^18 | رواه مالك: 80، وأحمد: 4445، وأبو داود: 3511، والترمذي: 1270، والنسائي: 4481، وابن ماجه: 2186. |
^19 | رواه البخاري: 2134، ومسلم: 1587. |
^20 | رواه مسلم: 1587. |
^21 | رواه مالك: 64. |
^22 | رواه مالك: 22، وأحمد: 1515، وأبو داود: 3359، والترمذي: 1225، والنسائي: 4545، وابن ماجه: 2264. |
^23 | رواه البخاري: 2201، ومسلم: 1593. |
^24 | رواه الطحاوي في “شرح معاني الآثار”: 5554، والدارقطني في “سننه”: 3060، والحاكم: 2342. |
^25 | رواه أحمد: 6239، وأبو داود: 3354، والترمذي: 1242، والنسائي: 4582، وابن ماجه: 2262. |
^26 | رواه البخاري: 2204، ومسلم: 1543. |
^27 | رواه البخاري: 2183، ومسلم: 1534. |
^28 | رواه البخاري: 2198، ومسلم: 1555. |
^29 | رواه البخاري: 1488، ومسلم: 1536. |
^30 | رواه البخاري: 2239، ومسلم: 1604. |
^33 | “إتحاف الخيرة المهرة” للبوصيري: 3/ 345. |
^34 | رواه أحمد: 6671، وأبو داود: 3504، والترمذي: 1234. |
^35 | رواه البخاري: 2606، ومسلم: 1601. |
^36 | رواه البخاري: 6716، ومسلم: 997. |
^37 | رواه مسلم: 1668. |
^38 | رواه ابن ماجه: 2441. |
^39 | “أعلام الموقعين” لابن القيم: 5/ 392 |
^40 | رواه البخاري: 3142، ومسلم: 1751. |