عناصر المادة
- باب: نُزُل أهل الجنة
- حديث: لو تابعني عشرةٌ من اليهود ..
- باب: سؤال اليهود النبي عن الروح
- سبب نزول قوله تعالى: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا ..
- بابٌ في قوله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ
- باب قوله: إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى
- باب: الدخان
- ما يُستفاد من الحديث
- حديث: خمسٌ قد مَضَين ..
- قوله : وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى ..
- الأسئلة
تأملوا -أيها الإخوة- هذا الحديث العظيم: مَن يُرد الله به خيرًا يُفقهه في الدين [1] يعني: إذا رأيتَ من نفسك الحرص على التَّفقه في دين الله فهذه أمارةٌ -إن شاء الله- على أنه أُريد بك الخير.
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه واتَّبع سُنته إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.
ربنا آتنا من لدنك رحمةً، وهيِّئ لنا من أمرنا رشدًا.
هذا هو الدرس التاسع والستون في شرح “صحيح مسلم” في هذا اليوم الثلاثاء السادس والعشرين من شهر جمادى الأولى من عام 1444 للهجرة.
وكنا قد وصلنا إلى باب: نُزُل أهل الجنة.
القارئ: الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
باب: نُزُل أهل الجنة
قال المُصنف رحمه الله تعالى:
باب: نُزُل أهل الجنة.
قال: حدثنا عبدالملك بن شُعيب بن الليث، قال: حدثني أبي، عن جدِّي قال: حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيدٍ الخدري ، عن رسول الله قال: تكون الأرض يوم القيامة خُبزةً واحدةً يَكْفَؤُها الجبار بيده كما يَكْفَأ أحدكم خُبزته في السفر؛ نُزُلًا لأهل الجنة، قال: فأتى رجلٌ من اليهود فقال: بارك الرحمن عليك أبا القاسم، ألا أُخبرك بِنُزُل أهل الجنة يوم القيامة؟ قال: بلى، قال: تكون الأرض خُبزةً واحدةً. كما قال رسول الله ، قال: فنظر إلينا رسول الله ثم ضحك حتى بَدَتْ نواجذه، قال: ألا أُخبرك بإدامهم؟ قال: بلى، قال: إدامهم بَالَام ونُون. قالوا: وما هذا؟ قال: ثورٌ ونون، يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفًا [2].
الشرح:
سبق أن ذكرنا أن نعيم أهل الجنة نعيمٌ عظيمٌ، وأن ما أعدَّه الله لأهل الجنة من النعيم فوق ما يتخيله العقل البشري، فالعقل البشري لا يستطيع أن يتخيله مجرد تخيلٍ، كما قال الله تعالى: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17]، وقال عليه الصلاة والسلام في نعيم أهل الجنة: فيها ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خطر على قلب بشرٍ [3].
ولا خطر على قلب بشرٍ يعني: أن نعيم الجنة فوق مستوى خيال العقل البشري، فلا يخطر ببالك هذا النعيم: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف:71]، لا نَصَبَ فيها ولا تَعَبَ، ولا همَّ، ولا غَمَّ، ولا مرض، ولا هَرَم، نعيمٌ دائمٌ، ومع ذلك لا يبغون عنها حِوَلًا، لا يَمَلُّون ولا يَسْأَمون من هذا النعيم.
في هذا الحديث ذكر النبي نُزُل أهل الجنة، والنُّزُل معناه: ما يُعدّ للضيف بعد نزوله، فعندما يدخل أهلُ الجنةِ الجنةَ -نُزُلهم- يجعل الربُّ سبحانه هذه الأرض العظيمة التي نعيش عليها خُبزةً واحدةً لأهل الجنة.
سبحان الله!
يَكْفَؤُها الجبار بيده يعني: يُميلها بيده كما يَكْفَأ أحدكم خُبزته في السفر، انظر إلى عظيم قُدرة الربِّ سبحانه، كيف أنه يجعل هذه الأرض خُبزةً، ويَتَكَفَّؤها بيمينه كما يَتَكَفَّأ أحدكم خُبزته في السفر.
أرأيتَ الخبَّاز عندما يَتَكَفَّأ خُبزته هكذا؟ فالرب -ولله المثل الأعلى- يجعل هذه الأرض العظيمة خُبزةً واحدةً نُزُلًا لأهل الجنة، وهذا يدل على عظيم قُدرته سبحانه، وأنه إذا أراد شيئًا فإنما يقول له: كن، فيكون .
لو شاء لأذهب هذا الكون كله بكلمة: كُنْ، ولأنشأ مثله كونًا آخر بكلمة: كُنْ، إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا [المائدة:17]، لو أراد بكلمة: كُنْ، فهو سبحانه لا يُعجزه شيءٌ.
انظر إلى عظيم القُدرة وطلاقة القُدرة عند الربِّ العظيم جلَّ وعلا.
ثم انظر إلى هذا النعيم العظيم لأهل الجنة: أن الله يجعل لهم هذه الأرض خُبزةً نُزُلًا لهم.
وكان عليه الصلاة والسلام يُخبر بهذا صحابته، فدخل عليه يهوديٌّ وقال: “بارك الرحمن عليك أبا القاسم، ألا أُخبرك بِنُزُل أهل الجنة؟” يعني: أتى مُصادفةً من غير ترتيبٍ، فضحك النبي عليه الصلاة والسلام حتى بَدَتْ نواجذه، قال: بلى، قال: “تكون الأرض خُبزةً، كما قال رسول الله “، يظهر أن هذا كان موجودًا عندهم في التوراة.
ثم قال: “ألا أُخبرك بإدامهم؟ قال: بلى، قال: إدامهم بالام” يعني: هذه كلمةٌ عبرانيةٌ، “ونون”، النون هو الحوت، وذو النون يعني: الحوت، قالوا: “وما هذا؟” ما معنى: بالام؟ قال: ثورٌ ونون، بالام معناه: ثورٌ باللغة العبرية، يأكل من زائدة كبدهما يعني: من الثور والحوت سبعون ألفًا.
وهذا الحديث يدل -أولًا- على عجيب صُنع الله ، حيث يجعل الأرض التي نُشاهدها خُبزةً يأكل أهل الجنة منها.
ثانيًا: إكرام الله للمؤمنين، حيث يُعِدُّ لهم نُزُلًا كما يُعَدُّ للضيوف؛ ولهذا ينبغي أن يحرص المسلم على طلب هذه الدار؛ دار النعيم في حياة الخلود، وأن يستعدَّ لها بالأعمال الصالحة.
وهنا فيما ذكره اليهودي: أن إدامهم مع هذه الخُبزة، الأرض تكون خُبزةً، والخُبز يحتاج إلى إدامٍ، والإدام ثورٌ وحوتٌ، زائدة كبدهما فقط -زائدة الكبد- يأكل منها سبعون ألفًا، فما بالك بحجم هذا الثور وحجم هذا الحوت؟!
إذا كانت زائدة الكبد تكفي سبعين ألفًا، فكيف سيكون حجم هذا الثور وهذا الحوت؟!
قيل: إن السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حسابٍ ولا عذابٍ هم الذين يختصون بها، لكن هذا ليس عليه دليلٌ.
وقيل: إن السبعين ألفًا تعبيرٌ عن العدد الكثير، ولا يُقصد هذا العدد بعينه.
من فوائد هذا الحديث: قبول ما يقوله أهل الكتاب مما هو مُوافقٌ لشرعنا، فما يأتي به أهل الكتاب مما هو مُوافقٌ لشرعنا فإننا نقبله؛ ولذلك قَبِلَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام من هذا اليهودي هذه المقولة، وضحك تصديقًا له.
أيضًا من فوائد هذا الحديث: مشروعية أخذ الحقِّ ممن قال به، حتى وإن كان كافرًا، بل حتى وإن كان شيطانًا، فالنبي قال لأبي هريرة عن الشيطان: صدقك، وهو كذوبٌ، لما قال له الشيطان: “إذا أويتَ إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنه لن يزال عليك من الله حافظٌ، ولا يقربك شيطانٌ حتى تُصبح”، قال النبي لأبي هريرة : صدقك، وهو كذوبٌ [4]، فأمره أن يأخذ الحقَّ من هذا الشيطان، حتى وإن كان شيطانًا.
وهنا تتجلى عظمة الشريعة الإسلامية في أن المسلم مطلوبٌ منه أن يأخذ الحقَّ ممن جاء به، حتى ولو جاء به شيطانٌ؛ لأن الحقَّ ضالة المؤمن، أنَّى وجدها فهو أحقُّ بها؛ ولهذا نجد أن العلماء من قديمٍ يأخذون الحقَّ ممن جاء به، فمثلًا: بعض كتب التفسير تجد أن في عقائد بعض المُفسرين بعض الإشكالات، لكن ما زال العلماء يستفيدون من كتبهم، فيُؤخذ الحق ممن أتى به، وإلا لو قلنا: إنه لا يُؤخذ إلا ممن كان كاملًا؛ لم نجد إلا القِلة من العلماء.
إذن منهج أهل السنة والجماعة: أن الحقَّ يُؤخذ ممن أتى به، وهذا الحديث دلالته ظاهرةٌ على ذلك.
حديث: لو تابعني عشرةٌ من اليهود ..
القارئ: أحسن الله إليكم.
قال رحمه الله:
حدثنا يحيى بن حبيبٍ الحارثي، قال: حدثنا خالد بن الحارث، قال: حدثنا قُرة، قال: حدثنا محمدٌ، عن أبي هريرة قال: قال النبي : لو تابعني عشرةٌ من اليهود لم يَبْقَ على ظهرها يهوديٌّ إلا أسلم [5].
الشرح:
لو تابعني عشرةٌ من اليهود لم يَبْقَ على ظهرها يهوديٌّ إلا أسلم، وكان هؤلاء العشرة رؤساء اليهود في زمنه عليه الصلاة والسلام، وكان بقية اليهود تبعًا لهم، ولم يُسلم منهم إلا القليل كعبدالله بن سلام.
العجيب أن الله تعالى ذكر عن هؤلاء اليهود: أنهم يعرفون أن النبيَّ نبيٌّ من عند الله كما يعرفون أبناءهم، قيل لعبدالله بن سلام بعدما أسلم: هل كنتَ تعرف أنه رسول الله كما تعرف ابنك؟ قال: نعم، وأكثر.
لكن الجحود والاستكبار والحسد؛ لأنهم كانوا يظنون أن النبي عليه الصلاة والسلام سيكون منهم، فلما أتى من العرب حسدوهم، وإلا فهم يعرفون أنه نبي الله، وأنه مُرسلٌ من عند الله ، وبَشَّرَتْ به الكتب السماوية السابقة: التوراة والإنجيل، فهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، لكن حملهم على التَّكذيب: الجحود والاستكبار والحسد.
فكان هؤلاء العشرة رؤساء في اليهود، لو أسلموا لأسلم جميع اليهود؛ لأن البقية تبعٌ، وهذا يدل على تبعية الناس لكُبَرائهم وأسيادهم، مع أن المسؤولية يوم القيامة مسؤوليةٌ فرديةٌ، فكل إنسانٍ مسؤولٌ عن نفسه؛ ولهذا يتبرأ هؤلاء الأسياد والمتبوعين ممن اتَّبعهم يوم القيامة: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة:166]، يتبرؤون منهم.
فأنت مسؤولٌ عن نفسك، لا تُقلد غيرك، أنت يوم القيامة تأتي فردًا، ولكن من قديم الزمان الناس يتبعون كُبَراءهم ورُؤساءهم.
فكان رؤساء اليهود هؤلاء العشرة، لو أسلموا لأسلم اليهود كلهم في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، كانت القبيلة من العرب يُسلم رئيس القبيلة فتُسلم القبيلة كلها، وربما تكون بالألوف، ولكن هذه التَّبعية لا تُعْفِي الإنسان، فهو مسؤولٌ مسؤوليةٌ فرديةٌ، أعطاه الله تعالى عقلًا يُميز به بين الحقِّ والباطل، وبين الخير والشر، فكونه يُسلم عقلَه لغيره ويتبع غيره، فهو مُؤاخذٌ بهذا، حتى ولو كان مجرد مُقِرٍّ فقط فإنه مُؤاخذٌ.
ولذلك فإن الأمم التي كذَّبت الأنبياء والرسل كان المُكذِّبون هم المَلَأ، الأسياد، والبقية تَبَعٌ، لكن عُوقِبَ الجميع، العقوبة شملت الجميع، فكان ينبغي لمَن كان مع هؤلاء المتبوعين أن يتبرأ منهم، وأن يتبع الأنبياء والرسل.
قوم لوطٍ نصفهم نساء، لا يفعلن اللواط، ولا يُفْعَل بهنَّ، ومع ذلك شملتهنَّ العقوبة؛ لإقرارهن لهذه الفعلة الشَّنيعة، فالمُقِرُّ كالفاعل، والمسؤولية يوم القيامة فرديةٌ.
فأنت أعطاك الله عقلًا، فلا تُسلم عقلك لغيرك، أنت مسؤولٌ أمام الله ، لن تُسأل عن فلانٍ أو علانٍ، أنت مسؤولٌ عن نفسك، ولكن هذا موجودٌ في البشر إلى الآن، تجد بعض الناس يُسلم عقله لغيره؛ ولذلك تجد بعض الطوائف المُنحرفة يقتنع بعض أصحابها بالدليل وبالحق، لكنهم يبقون في تبعيتهم لتلك الطوائف المُنحرفة؛ لأنهم يُسلمون لهم عقولهم، وهذا لا يُعفيهم من المسؤولية يوم القيامة.
باب: سؤال اليهود النبي عن الروح
القارئ: أحسن الله إليكم.
قال رحمه الله:
باب: سؤال اليهود النبي عن الروح، وقوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ .. الآية [الإسراء:85].
قال: حدثنا عمر بن حفص بن غِيَاث، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا الأعمش، قال: حدثني إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله قال: بينما أنا أمشي مع النبي في حَرْثٍ، وهو مُتَّكئٌ على عَسِيبٍ، إذ مَرَّ بنفرٍ من اليهود، فقال بعضُهم لبعضٍ: سَلُوه عن الروح. فقالوا: ما رَابَكُم إليه؟ لا يستقبلكم بشيءٍ تكرهونه. فقالوا: سَلُوه. فقام إليه بعضهم فسأله عن الروح، قال: فَأَسْكَتَ النبيُّ فلم يردّ عليه شيئًا، فعلمتُ أنه يُوحى إليه، قال: فقمتُ مكاني، فلما نزل الوحي قال: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85] [6].
الشرح:
الرواية التي بعدها.
القارئ:
قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو سعيدٍ الأشج، قالا: حدثنا وكيعٌ. ح، قال: وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، وعلي بن خَشْرَم، قالا: أخبرنا عيسى بن يونس، كلاهما عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله قال: كنتُ أمشي مع النبي في حَرْثٍ بالمدينة. بنحو حديث حفصٍ، غير أن في حديث وكيعٍ: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا، وفي حديث عيسى بن يونس: “وما أُوتوا”، من رواية ابن خَشْرَم [7].
قال: حدثنا أبو سعيدٍ الأشج، قال: سمعتُ عبدالله بن إدريس يقول: سمعتُ الأعمش يرويه عن عبدالله بن مُرَّة، عن مسروقٍ، عن عبدالله قال: كان النبي في نخلٍ يتوكأ على عَسِيبٍ. ثم ذكر نحو حديثهم عن الأعمش، وقال في روايته: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [8].
الشرح:
هذا الحديث ذكر فيه عبدالله ..
إذا قيل: عبدالله، المقصود به مَن؟
عبدالله بن مسعودٍ ، فدائمًا في كتب السنة إذا قيل: قال عبدالله، المقصود: عبدالله بن مسعودٍ .
عن عبدالله قال: “بينما أنا أمشي مع النبي في حَرْثٍ” يعني: في مزرعةٍ، “وهو مُتَّكئٌ على عَسِيبٍ” يعني: مُعتمدًا على عَسِيبٍ، والعَسِيب هو: جريدة النخل، “إذ مَرَّ بنفرٍ من اليهود”، واليهود كانوا في المدينة، كانت ثلاث قبائل: بنو قَيْنُقَاع وبنو النَّضير وبنو قُريظة، وعاهدهم النبي عليه الصلاة والسلام، وكلهم نقضوا العهد -كل القبائل الثلاث- فبنو قُريظة أمر النبيُّ عليه الصلاة والسلام بقتل رجالهم، وأما بنو قَيْنُقَاع وبنو النَّضير فأجلاهم النبي عليه الصلاة والسلام من المدينة.
قال: “فقال بعضهم لبعضٍ: سَلُوه عن الروح” يعني: سلوا النبي عن الروح، فقالوا: “ما رَابَكُم إليه؟ لا يستقبلكم بشيءٍ تكرهونه” يعني: يمكن أن تسألوه، ثم يأتيكم بجوابٍ تكرهونه.
فقالوا: “سَلُوه، فقام إليه بعضهم فسأله عن الروح، فَأَسْكَتَ” يعني: سكت، وبالهمزة لغة، يُقال: سَكَتَ وأَسْكَتَ، فهي لغةٌ.
“فَأَسْكَتَ النبيُّ فلم يردّ عليه شيئًا، فعلمتُ أنه يُوحى إليه، قال: فقمتُ مكاني، فلما نزل الوحي قال: وَيَسْأَلُونَكَ” يعني: هؤلاء اليهود “عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا“، فأنزل الله هذه الآية.
وهذا يدل على أن الروح مما استأثر اللهُ بعلمه، ولا يعرفها البشر: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي يعني: مما استأثر اللهُ بعلمها، ليست من عالم المادة الذي يعرفه البشر، وإنما من عالمٍ آخر لا تعرفونه أنتم أيها البشر؛ ولذلك لا داعي لهذا السؤال؛ ولهذا قال سبحانه: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا.
وابن القيم رحمه الله له كتابٌ عن الروح، وذكر تعريفاتٍ لبعض العلماء للروح من أجل تقريب معناها للفهم، وإلا فالروح كما ذكر ربنا: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي.
فلما ذكر ابن القيم عدة تعريفاتٍ انتهى إلى تعريف الروح بأنها: “جسمٌ نورانيٌّ علويٌّ، خفيفٌ، حيٌّ، مُتحركٌ، يَسْرِي في الأعضاء سريان الماء في الورد، والدهن في الزيتون”.
لاحظ هذا التعريف: “جسمٌ نورانيٌّ علويٌّ، خفيفٌ، حيٌّ، مُتحركٌ، يَسْرِي في الأعضاء سريان الماء في الورد، والدهن في الزيتون، فما دامت هذه الأعضاء صالحةً لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف بقي ذلك الجسم اللطيف مُشابكًا لهذه الأعضاء”.
وآثار هذا الجسم اللطيف: الحركة والحسّ.
الحسّ والحركة الإرادية، من آثار هذا الجسم اللطيف: الحسّ والحركة الإرادية، “وإذا فسدتْ هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها، وخرجتْ عن قبول تلك الآثار؛ فارق الروحُ البدنَ، وانفصل إلى عالم الأرواح”.
هذا أحسن ما قيل في معنى: الروح، فالروح هي هذا الجسم النوراني العُلوي اللطيف الذي يَسْرِي في البدن سريان الماء في النبات؛ ولذلك تجد أن الروح ما دامت باقيةً فالإنسان يستطيع أن يتحرك ويتكلم ويمشي ويذهب ويُبصر ويسمع، فعندما تُفارق الروحُ البدنَ يُصبح جثةً هامدةً، لا يبقى إلا الجسم، وهذا الجسم مع مرور الوقت يبدأ في العَطَب، بل إنه مع شدة الحرِّ تبدأ رائحته تتغير؛ ولذلك يُوضع في الثلاجة؛ لأنه يُصبح جثةً هامدةً كالجماد تمامًا.
سبحان الله!
فالسر في هذه الروح، هذا الجسم اللطيف، أين موقعه من الجسد؟
لا ندري؛ ولذلك لو قُطعتْ يدا إنسانٍ ورِجْلَاه تبقى روحه فيه.
طيب، أين موقع هذه الروح؟
هذه الروح عندما تُفارق البدنَ تكون الوفاة، وما دامت الروح في البدن يكون الإنسان حيًّا، مهما كانت به من أمراضٍ.
ولذلك الروح متى تحلّ بالبدن؟
بيَّن النبي عليه الصلاة والسلام -وهذه لا نعرفها إلا عن طريق الوحي- أن هذا يكون بعد أربعة أشهرٍ من عمر الجنين: إن أحدكم يُجْمَع خَلْقُه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مُضْغَةً مثل ذلك، ثم يُرْسَل المَلَكُ فينفخ فيه الروح [9].
قبل المئة والعشرين ليس إنسانًا، مجرد نُطْفَةٍ، أو علقةٍ، أو مُضْغَةٍ، متى يُصبح إنسانًا؟
إذا حلَّتْ فيه الروح أصبح مُكونًا من جسدٍ وروحٍ؛ ولذلك إذا أصبح عمر الجنين أربعة أشهرٍ لا يجوز إسقاطه بأي حالٍ من الأحوال؛ لأن إسقاطه في هذه الحال يُعتبر قتل نفسٍ.
فسبحان الله!
انظر إلى عظمة الخالق جلَّ وعلا.
ومع تقدم التكنولوجيا الآن، وهذه الثورة الصناعية التي نعيشها لم يستطع البشر أن يتقدَّموا خطوةً واحدةً في معرفة هذه الروح، ولا حتى شعرة؛ لأنها ليست من عالم المادة، لا يعرفها البشر، وهذا يدل على عظمة الخالق جلَّ وعلا.
وهذا يدل على ضعف الإنسان، وأنه إذا لم يعرف حقيقة نفسه، ولم يعرف حقيقة الروح التي بين جنبيه، كان عجزه عن إدراك حقيقة خالقه من باب أولى، فالإنسان ضعيفٌ، وروحك التي بين جنبيك لا تعرف حقيقتها ولا كُنْهَهَا، ليست عند البشر معلوماتٌ عنها: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء:85].
والعجيب أن هذا الإنسان الذي لا يعرف حقيقة روحه التي بين جنبيه يعترض على ربِّه وخالقه، خالق هذه الروح، وخالق الكون، وخالق الخلق!
فلا بد أن يعرف الإنسان قدر نفسه، فأنت لا تعرف حقيقة روحك التي بين جنبيك، فكيف تعترض على خالق هذا الكون جلَّ وعلا؟!
والعجيب من هذا المُلحد الذي يُنكر وجود الله بحجة: أنه لم يَرَ الله، ويُثبت روحه التي بين جنبيه وهو لم يَرَ روحه، فإذا قلتَ لهذا المُلحد: هل تعتقد أن لك روحًا؟ يقول: نعم. طيب، كيف عرفتَ أن لك روحًا وأنت لم تَرَ هذه الروح؟ يقول: بآثارها.
طيب، الخالق لهذا الكون له في كل شيءٍ آيةٌ تدل على أنه الخالق، وعلى وحدانيته، فكيف لا تعترف بوجود الخالق؟!
فهذا من التناقضات؛ ولذلك فإن الإلحاد في البشر قليلٌ، وليس كثيرًا، وتستطيع أن تهزم أي مُلحدٍ بسؤاله عن الخلق.
يأتي طفلٌ: مَن الذي خلقك؟ هل أنت خلقتَ نفسك؟ سيقول: لا. طيب، مَن الذي خلقك؟ كيف أتيتَ لهذه الدنيا؟ ما يستطيع أن يُجيب.
مَن الذي خلقك؟
الذي خلقك هو خالق هذا الكون، هو الله.
فقضية الخلق تستطيع أن تُبطل بها كلام أي مُلحدٍ؛ ولذلك فإن حُجج المُلحدين ضعيفةٌ جدًّا وتافهةٌ، يستطيع أي إنسانٍ أن ينقضها في الحال.
اطرح عليه فقط قضية الخلق، ومباشرةً تسقط قناعته؛ ولذلك تجد أن المُلحدين يتحاشون أن يُنَاقَشُوا في قضية الخلق؛ ولهذا في الأمم السابقة لا تجد أحدًا أنكر وجود الله أبدًا، يعني: قوم نوحٍ، وعاد، وثمود، والأمم السابقة كلها، هل هناك أحدٌ منهم أنكر وجود الله؟ لا يوجد: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87]، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25].
أين المشكلة عندهم؟
المشكلة عندهم: انحرافٌ في العقيدة فقط؛ جعلوا بينهم وبين الله وسائط، وهي هذه الأصنام التي يعبدونها من دون الله.
فالتفكر -سبحان الله!- في حقيقة الروح يُعطي الإنسان عِبَرًا:
أولًا: عظمة الخالق جلَّ وعلا، وكيف أن هذه الروح، هذا الجسم النوراني العلوي الخفيف يلتصق بهذا البدن، فيُصبح حيًّا، مُتحركًا، له إرادةٌ، يُبصر ويسمع ويتكلم، ويضحك ويبكي، وإذا فارق هذا الجسمُ -الذي هو الروح- البدنَ أصبح جثةً هامدةً.
وأيضًا يُري الإنسان ضعفه؛ لأنه ضعيفٌ، فروحه التي بين جنبيه ما يعرف عن حقيقتها ولا عن كُنْهِهَا شيئًا: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85].
وهذا يدل أيضًا على أن بعض المعلومات مما استأثر الله تعالى بها، وأن الإنسان لا يعلم كل شيءٍ، فهناك أشياء لا يستطيع الإنسان أن يصل فيها إلى شيءٍ، فالعقل البشري له حدودٌ.
أنت الآن هل تستطيع أن تنظر إلى شيءٍ على بعد كيلو، أو تسمع صوتًا على بعد كيلو؟
لا تستطيع، فالبصر له حدٌّ، والسمع له حدٌّ، وكذلك العقل البشري له حدٌّ ينتهي إليه؛ ولذلك فإن محاولة بعض الناس إدراك أمورٍ لا يستطيع العقل البشري الوصول إليها ضلالٌ، فبعض الأشياء فوق مستوى العقل البشري، مثل: حقيقة الروح، فلا يمكن للعقل البشري أن يصل فيها إلى شيءٍ، كما ذكرتُ لكم: ما تقدَّم فيها البشر شعرةً؛ لأنها ليست من عالم المادة، ولا يستطيعون أن يعرفوا عنها شيئًا، ومسائل القضاء والقدر، هذه فوق مستوى العقل البشري، ولكن نحن نؤمن بها كما وردتْ في النصوص فقط؛ ولذلك نهى السلفُ عن التَّعمق فيها.
فالعقل البشري محدودٌ، والنبي لما سُئل عن الروح أنزل الله تعالى هذه الآية: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85].
سبب نزول قوله تعالى: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا ..
القارئ: أحسن الله إليكم.
قال رحمه الله:
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعبدالله بن سعيدٍ الأشجّ -واللفظ لعبدالله- قالا: حدثنا وكيع، قال: حدثنا الأعمش، عن أبي الضُّحى، عن مسروقٍ، عن خبَّاب قال: كان لي على العاص بن وائل دَينٌ، فأتيتُه أتقاضاه، فقال لي: لن أقضيك حتى تكفر بمحمدٍ. قال: فقلتُ له: إني لن أكفر بمحمدٍ حتى تموت ثم تُبعث. قال: وإني لمبعوثٌ من بعد الموت! فسوف أقضيك إذا رجعتُ إلى مالٍ وولدٍ.
قال وكيع: كذا قال الأعمش. قال: فنزلتْ هذه الآية: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا إلى قوله: وَيَأْتِينَا فَرْدًا [مريم:77- 80] [10].
قال: حدثنا أبو كُريبٍ، قال: حدثنا أبو معاوية. ح، قال: وحدثنا ابن نُميرٍ، قال: حدثنا أبي. ح، قال: وحدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا جرير. ح، قال: وحدثنا ابن أبي عمر، قال: حدثنا سفيان. كلهم عن الأعمش بهذا الإسناد نحو حديث وكيعٍ، وفي حديث جريرٍ قال: كنتُ قَيْنًا في الجاهلية، فعملتُ للعاص بن وائل عملًا، فأتيتُه أتقاضاه [11].
الشرح:
هذه القصة حصلت لخبَّاب بن الأَرَتّ ، فكان يعمل قَيْنًا -يعني: حدادًا- عند العاص بن وائل، والعاص هو والد عمرو بن العاص، عمرو بن العاص بن وائل، فالعاص بن وائل هو والد عمرو بن العاص الصحابي الجليل.
فأتى خبَّاب بن الأَرَتّ يتقاضاه هذا الدَّين، فقال العاص لخبابٍ: “لن أقضيك حتى تكفر بمحمدٍ. فقال خبَّاب: لن أكفر بمحمدٍ حتى تموت ثم تُبعث”. فقال العاص ساخرًا: “وإني لمبعوثٌ من بعد الموت! فسوف أقضيك إذا رجعتُ إلى مالٍ وولدٍ”؛ استهزاءً وسُخريةً.
فأنزل الله قوله: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا يعني: العاص بن وائل وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا قال لخبَّاب بن الأَرَتّ: لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا أَطَّلَعَ الْغَيْبَ يعني: كيف يقول: إنني إذا بُعثتُ سأُعْطَى مالًا وولدًا؟! أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا [مريم:77- 80].
وهذا يدل على خطورة الاستهزاء والسخرية، وأن الكلمة التي يستهزئ بها الإنسان قد يكتب الله تعالى بسببها سخطه إلى يوم القيامة، ألا ترى الوعيد العظيم لهذا الرجل على استهزائه؟ توعده الله تعالى بقوله: كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا، كل ذلك بسبب هذه السخرية والاستهزاء في هذا الكلام الذي قاله لخبَّاب.
فهذا يدل على خطورة السخرية والاستهزاء بأمور الدين، وكما قال عليه الصلاة والسلام: إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغتْ؛ فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه [12].
فما يتكلم به الإنسان مسؤولٌ عنه أمام الله ، فانظر إلى هذا الرجل ألقى هذه الكلمة، وربما لم يُلْقِ لها بالًا، ولكن الله توعده في كتابه الكريم بهذا الوعيد العظيم، نقل كلامه: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا يعني: العاص بن وائل وَقَالَ قال لخبَّاب: لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا أَطَّلَعَ الْغَيْبَ، كيف يقول: لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا بعدما أُبعث؟ أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا.
بابٌ في قوله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ
القارئ: أحسن الله إليكم.
قال رحمه الله:
بابٌ في قوله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ .. الآية [الأنفال:33].
قال: حدثنا عبيدالله بن معاذ العنبري، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا شعبة، عن عبدالحميد الزيادي: أنه سمع أنس بن مالكٍ يقول: قال أبو جهل: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [الأنفال:32]، فنزلت: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ .. إلى آخر الآية [الأنفال:33- 34] [13].
الشرح:
قال أبو جهلٍ رأس الكفر: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، فنزلت هذه الآية، وقال سبحانه: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فذكر في هذه الآية ما يَقِي من العذاب، وذكر الله تعالى أمرين:
- الأمر الأول: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ، فوجود النبي بين أظهرهم وقايةٌ من العذاب.
- الأمر الثاني: وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال بعض العلماء: المقصود يستغفر المسلمون الذين بين أظهرهم؛ ولذلك لما خرجوا يوم بدرٍ وتميزوا عن المسلمين عذَّبهم الله في غزوة بدرٍ: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى [الدخان:16] التي هي غزوة بدرٍ.
وقيل: إن المقصود استغفار المشركين أنفسهم هو الذي دفع عنهم العذاب.
وهذا يدل على عظيم شأن الاستغفار، وأن الاستغفار سببٌ لدفع عقوبة الدنيا، حتى من الكفار، فقد أخَّر الله تعالى عن المشركين العذاب مع كفرهم حيث استغفروه، فكيف بالمؤمنين؟!
قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: “أنزل الله تعالى أمانين من العذاب: أما أحدهما فقد قُبِضَ بموت النبي “، يعني: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ، “وأما الآخر فَبَاقٍ إلى قيام الساعة”، يعني: وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، فهذا الأمان الثاني بَاقٍ إلى قيام الساعة.
وهذا يدل على أن الاستغفار سببٌ لدفع العذاب، ولدفع عقوبة الله عن الفرد والمجتمع؛ ولذلك ينبغي أن يكثر الاستغفار في الأُمة لدفع العقوبات ولدفع العذاب.
والإنسان أيضًا بالنسبة له إذا أكثر من الاستغفار فإن هذا -بإذن الله- يكون أمانًا له من نزول العقوبة؛ لأن المصائب والعقوبات هي كما قال ربنا سبحانه: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]، فإذا أكثر المسلم من الاستغفار فهذا الاستغفار يدفع نزول هذه المصيبة، أو هذا العذاب، أو هذه العقوبة.
وهذا معنًى دقيقٌ لا ينتبه إليه كثيرٌ من الناس؛ ولهذا ينبغي أن يُخصص المسلم كل يومٍ وقتًا للاستغفار، أَكْثِرْ من الاستغفار، فهذا بإذن الله:
- أولًا: يقيك من نزول العذاب والعقوبة.
- ثانيًا: يُقربك من الله .
- ثالثًا: يكون سببًا لمغفرة ذنوبك؛ ولهذا كان يُحفظ عن النبي في المجلس الواحد: ربِّ اغفر لي وتُبْ عليَّ، إنك أنت التواب الغفور مئة مرةٍ [14]، وهو قد غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخَّر، فينبغي أن يحرص المسلم على كثرة الاستغفار.
وأبرز صيغ الاستغفار أن تقول: “أستغفر الله وأتوب إليه”، فتُكثر من الاستغفار، وأفضل أوقات الاستغفار ما هي؟
السَّحَر، فقد ذكر الله تعالى خصوصية هذا الوقت في موضعين من كتابه الكريم: في سورة آل عمران في قوله سبحانه: وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ [آل عمران:17]، وفي سورة الذاريات في قوله: وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:18]، وهذا يدل على أن أفضل وقتٍ يستغفر فيه المسلم وقت السَّحَر، أي: آخر الليل قبيل طلوع الفجر، فهذا الوقت ينبغي أن تشتغل فيه بالاستغفار؛ حتى تكون مع هؤلاء الذين أثنى الله عليهم: وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، والاستغفار مطلوبٌ في كل وقتٍ، لكن أفضل ما يكون في هذا الوقت، في وقت السَّحَر.
باب قوله: إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى
القارئ: أحسن الله إليكم.
قال رحمه الله:
باب قوله: إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6- 7].
قال: حدثنا عبيدالله بن معاذ، ومحمد بن عبدالأعلى القيسي، قالا: حدثنا المُعتمر، عن أبيه قال: حدثني نُعيم بن أبي هند، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال أبو جهل: هل يُعَفِّر محمدٌ وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم. فقال: واللَّات والعُزَّى لئن رأيتُه يفعل ذلك لأَطَأَنَّ على رقبته، أو لأُعَفِّرَنَّ وجهه في التراب. قال: فأتى رسول الله وهو يُصلي، زعم ليَطَأَ على رقبته. قال: فما فَجِأَهم منه إلا وهو يَنْكُص على عقبيه ويتَّقي بيديه. قال: فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه لخَنْدَقًا من نارٍ وهولًا وأجنحةً. فقال رسول الله : لو دنا مني لَاخْتَطَفَتْهُ الملائكة عضوًا عضوًا، قال: فأنزل الله -لا ندري في حديث أبي هريرة أو شيءٌ بلغه-: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ كَلَّا لَا تُطِعْهُ [العلق:6- 19]. زاد عبيدالله في حديثه قال: وأمره بما أمره به. وزاد ابن عبدالأعلى: فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ يعني: قومه [15].
الشرح:
هذا الحديث رواه أبو هريرة ، عن أبي حازم، عن أبي هريرة ، ومعلومٌ أن أبا هريرة إنما أسلم في السنة السابعة من الهجرة، وهذه القصة حصلتْ في مكة قبل غزوة بدرٍ، فأبو جهل قُتِلَ في غزوة بدرٍ، وهذه حصلتْ -يعني- قبل الهجرة، هذه حصلتْ في مكة قبل الهجرة، لكن يُقال عن هذا الحديث: إنه مُرسلٌ؛ لأن أبا هريرة سمعه من أحد الصحابة.
وما حكم مراسيل الصحابة؟
طالب: …….
الشيخ: نعم، صحيحةٌ ومقبولةٌ.
حكم مراسيل الصحابة حكم الموصولات؛ لأن جميع الصحابة عدولٌ بتعديل الله لهم، فلا يضر مُرسل الصحابي؛ ولهذا أكثر الأحاديث التي رواها ابن عباسٍ هي من هذا القبيل؛ لأن ابن عباسٍ كان صغيرًا، تُوفي النبي عليه الصلاة والسلام وعمره ثلاث عشرة سنةً، فمعظم الأحاديث التي رواها رواها عن غيره من الصحابة.
أبو هريرة أيضًا ما أسلم إلا في السنة السابعة، فبعض الأحاديث رواها عن غيره من الصحابة كهذا الحديث.
قال: “قال أبو جهل” الحكم بن هشام، وكان من أبرز أعداء النبي عليه الصلاة والسلام، “هل يُعَفِّر محمدٌ وجهه بين أظهركم؟” يريد: هل يسجد؟ لكن عبَّر عن السجود بالتَّعفير تعنُّتًا وتحقيرًا، يعني: هل يستطيع أن يسجد محمدٌ ويُعَفِّر وجهه بالتراب بين أظهركم؟
“قيل: نعم. قال: واللَّات والعُزَّى” كان يحلف باللَّات والعُزَّى، “لئن رأيتُه يفعل ذلك لأَطَأَنَّ على رقبته، أو لأُعَفِّرَنَّ وجهه في التراب”.
قال: “فأتى رسول الله وهو يُصلي”، فأتى أبو جهل يريد أن يطأ على رقبته، وصناديد قريشٍ ينظرون، قال: “فما فَجِأَهم” يعني: فاجأهم، فجأ فجأةً، “إلا وهو يَنْكُص على عقبيه” يعني: يمشي إلى ورائه، “ويتَّقي بيديه”، قيل له: “ما لك؟ قال: إن بيني وبينه لخَنْدَقًا من نارٍ وهولًا وأجنحةً”.
سبحان الله!
لأن الله قال: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:67].
قال رسول الله : لو دنا مني لَاخْتَطَفَتْهُ الملائكة عضوًا عضوًا، فأنزل الله : كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى [العلق:6- 8].
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى يعني: ليطغى إن رأى نفسه مُستغنيًا، فالغالب على الإنسان أنه إذا استغنى فهذا الغِنَى يجرُّه للطغيان إلا مَن عصمه الله .
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى الذي هو أبو جهل عَبْدًا إِذَا صَلَّى الذي هو النبي عليه الصلاة والسلام أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى يعني: أبا جهل الذي فعل ذلك، أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى يعني: أبا جهل أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ولو اقترب من النبي عليه الصلاة والسلام لأخذت الملائكة بناصيته، واختطفته عضوًا عضوًا.
وهذا الحديث يدل على جرأة المشركين على النبي ، وعلى شدة أذيتهم له، بل لا يُوجد نبيٌّ من الأنبياء أُوذي كما أُوذي نبينا محمدٌ عليه الصلاة والسلام -سبحان الله!- مع أنه أعظم البشر، وأفضل البشر، وأكرم البشر على الله، ومع ذلك أشد مَن أُوذي من البشر هو رسول الله ، حتى وُضِعَ سَلَا الجَزُور على ظهره وهو ساجدٌ [16]، ولكن لله تعالى الحكمة في هذا، وقد قال عليه الصلاة والسلام: أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل [17]، إن كان في دينه صلابةٌ زِيدَ في بلائه [18]، وصبر عليه الصلاة والسلام، وكانت العاقبة له، لكن هذا الذي أراد أن يفعله أبو جهل يدل على جرأة المشركين، وعلى تجبُّرهم وأذيتهم الشديدة لرسول الله .
أيضًا من الفوائد: أن في هذا معجزةً للنبي عليه الصلاة والسلام، وكيف أن الله تعالى حماه من هذا المُشرك الطاغية، وجعل بينه وبينه خندقًا من نارٍ وهولًا وأجنحةً، ولما نزل قول الله تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:67] لا أحد يستطيع أن يتعدى على النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله تكفَّل بعصمته من الناس.
أيضًا من الفوائد: أن الآيات لا تُغني شيئًا للكفار المُعاندين، فهذا أبو جهل يرى خندقًا من نارٍ وهولًا وأجنحةً تحجبه عن النبي عليه الصلاة والسلام، يرى آيةً كونيةً حسيةً أمامه، ومع ذلك لم يُسلم: وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ [يونس:101]، وهذا يدل على شدة الكفر والطغيان، كيف يرى هذا ومع ذلك لا يحدث في نفسه أي أثرٍ؟!
ولهذا ذكر الله تعالى عن المشركين قال: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ [الأنعام:28] إذا رأوا النار قالوا: يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا [الأنعام:27]، ثم قال سبحانه: بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام:28]، حتى لو رأى هؤلاء المُكذِّبون النار، ثم رُدُّوا إلى الدنيا سيعودون للكفر والتَّكذيب؛ لأن نفوسهم خبيثةٌ لا تريد الحقَّ، حتى لو رأى النار أمامه، لو رُدَّ للدنيا لرجع لما فيه من الكفر والتَّكذيب.
وهذا يدل على تأصل الإجرام والخُبْث والشر لدى بعض البشر، وإلا كيف يرى أبو جهل هذه الأهوال العظيمة أمامه: يرى أن الله يعصم نبيه، ويرى بينه وبينه خندقًا من نارٍ وهولًا وأجنحةً وملائكةً، ولا يحدث في نفسه أي تأثيرٍ، ويبقى على كفره وشركه؟!
فهذا يدل على شدة الطغيان والكفر عند بعض البشر، وعلى أن المسألة ليست مسألة جهلٍ بالحق، فهم يعرفون الحقَّ، لكن المانع هو ما يمنع الآن كثيرًا من البشر في الوقت الحاضر؛ من إيثار الدنيا على الآخرة، والجحود والاستكبار، ونحو ذلك.
فهذا يدل إذن على طُغيان العقل البشري لدى بعض الناس، حتى لو رأى الآيات: وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا [الأنعام:25]، كل آيةٍ، وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ [يونس:101]، فهؤلاء الإجرام مُتأصلٌ في نفوسهم؛ ولذلك مأواهم النار، فهؤلاء لا يستحقون أن يُطَهَّروا، وأن يدخلوا الجنة؛ لأن الإجرام والخُبْث والشرَّ مُتأصلٌ في نفوسهم.
باب: الدخان
القارئ: أحسن الله إليكم.
قال رحمه الله:
باب: الدخان.
قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن أبي الضُّحى، عن مسروقٍ قال: كنا عند عبدالله جلوسًا، وهو مُضطجعٌ بيننا، فأتاه رجلٌ فقال: يا أبا عبدالرحمن، إن قاصًّا عند أبواب كندة يقصُّ ويزعم أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام.
فقال عبدالله -وجلس وهو غضبان-: يا أيها الناس، اتَّقوا الله، مَن علم منكم شيئًا فَلْيَقُل بما يعلم، ومَن لم يعلم فَلْيَقُل: الله أعلم، فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، فإن الله قال لنبيه : قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص:86]، إن رسول الله لما رأى من الناس إدبارًا، فقال: اللهم سبعٌ كسبع يوسف، قال: فأخذتهم سَنَةٌ حَصَّتْ كل شيءٍ، حتى أكلوا الجلود والميتة من الجوع، وينظر إلى السماء أحدهم فيرى كهيئة الدخان، فأتاه أبو سفيان فقال: يا محمد، إنك جئتَ تأمر بطاعة الله وبصِلَة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فَادْعُ الله لهم. قال الله : فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ إلى قوله: إِنَّكُمْ عَائِدُونَ [الدخان:10- 15]، قال: أَفَيُكْشَف عذاب الآخرة؟ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [الدخان:16]، فالبطشة: يوم بدرٍ، وقد مضتُ آية الدخان والبطشة واللِّزام وآية الروم [19].
قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو معاوية ووكيع. ح، قال: وحدثني أبو سعيدٍ الأشج، قال: أخبرنا وكيعٌ. ح، قال: وحدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا جريرٌ. كلهم عن الأعمش. ح، قال: وحدثنا يحيى بن يحيى وأبو كُرَيب -واللفظ ليحيى- قالا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم بن صُبَيحٍ، عن مسروقٍ قال: جاء إلى عبدالله رجلٌ، فقال: تركتُ في المسجد رجلًا يُفسر القرآن برأيه، يُفسر هذه الآية: يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ [الدخان:10]، قال: يأتي الناسَ يوم القيامة دُخانٌ، فيأخذ بأنفاسهم حتى يأخذهم منه كهيئة الزكام.
فقال عبدالله: مَن علم علمًا فَلْيَقُل به، ومَن لم يعلم فَلْيَقُل: الله أعلم، فإن من فقه الرجل أن يقول لما لا علم له به: الله أعلم، إنما كان هذا أن قريشًا لما استعصتْ على النبي دعا عليهم بسنين كَسِنِي يوسف، فأصابهم قحطٌ وجهدٌ، حتى جعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، وحتى أكلوا العظام، فأتى النبيَّ رجلٌ فقال: يا رسول الله، استغفر الله لِمُضَر، فإنهم قد هلكوا. فقال: لِمُضَر! إنك لجريءٌ، قال: فدعا الله لهم، فأنزل الله : إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ [الدخان:15]، قال: فَمُطِروا، فلما أصابتهم الرفاهية قال: عادوا إلى ما كانوا عليه، قال: فأنزل الله : فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [الدخان:10- 11]، يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [الدخان:16]، قال: يعني: يوم بدرٍ [20].
الشرح:
في هذا الحديث قال: “كنا عند عبدالله” يعني: ابن مسعودٍ “جلوسًا، وهو مُضطجعٌ بيننا، فأتاه رجلٌ فقال: يا أبا عبدالرحمن، إن قاصًّا” يعني: من القَصَّاصين، كانوا يُسمون بعض الوعاظ بالقَصَّاصين.
“إن قاصًّا عند أبواب كندة” وهو باب الكوفة، يُسمى: باب كندة، “ويزعم أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام” يعني: أن هذا يكون من أشراط الساعة.
قال عبدالله -وجلس وهو غضبان-: “يا أيها الناس، اتَّقوا الله، مَن علم منكم شيئًا فَلْيَقُل بما يعلم، ومَن لم يعلم فَلْيَقُل: الله أعلم” يعني: مُنكرًا، قال مُنكرًا على هذا القاصِّ مقولته هذه: “فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، فإن الله قال لنبيه : قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص:86]”.
ثم ذكر ابن مسعودٍ تفسير الآية: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ [الدخان:10]، قال: “إن رسول الله لما رأى من الناس إدبارًا” دعا عليهم، قال: اللهم سبعٌ كسبع يوسف التي هي السَّبع العِجَاف، “فأخذتهم سَنَةٌ”، والمقصود بالسَّنَة يعني: القحط والجَدْب، “حَصَّتْ كل شيءٍ، حتى أكلوا الجلود والميتة من الجوع، وينظر إلى السماء أحدهم فيرى كهيئة الدخان” يعني: من شدة الجوع والقَحْط والجَدْب الذي أصابهم.
“فأتاه أبو سفيان فقال: يا محمد، إنك جئتَ تأمر بطاعة الله وبصِلَة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فَادْعُ الله لهم. قال الله : فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [الدخان:10- 11]، قال: أَفَيُكْشَف عذاب الآخرة؟” يريد ابن مسعودٍ أن هذا الذي قاله هذا القاصُّ غير صحيحٍ؛ لأن الله قال: إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ [الدخان:15] فكيف يُكْشَف عذاب الآخرة؟
يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى يعني: غزوة بدرٍ إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [الدخان:16]، قال: “فالبطشة: يوم بدرٍ، وقد مضتُ آية الدخان والبَطْشَة واللِّزام وآية الروم”، ومقصوده باللِّزام يعني: المذكور في قول الله تعالى: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا [الفرقان:77]، فاللِّزام قيل: هو العذاب الدائم. وقيل -وهو الأقرب-: هو القتل بالسيف والتصاق بعضهم ببعضٍ، وكان ذلك في غزوة بدرٍ، وهذا ما ذهب إليه ابن مسعودٍ ، وهو قول الأكثر.
“وآية الروم” يعني: انتصار الروم على فارس حينما قال: غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ [الروم:2- 4]، وغلبت الرومُ فارسًا.
فكأنه يقول: هذه الأشراط كلها قد مرَّت: الدخان والبَطْشَة -يعني: غزوة بدرٍ- واللِّزام أيضًا -القتل بالسيف في غزوة بدرٍ- وآية الروم.
ثم ذكر حديثًا من روايةٍ أخرى، وفيها: أن رجلًا قال: “استغفر الله لِمُضَر”، ومُضر قبيلةٌ من قبائل العرب، وكانوا كفَّارًا مُكذِّبين، وإنما قال: “لِمُضَر”؛ لأن غالبهم كانوا بالقُرب من مياه الحجاز، وكان الدعاء بالقَحْط على قريشٍ، وهم سكان مكة، فَسَرَى القَحْط إلى مَن حولهم، فطلب هذا الرجل الدعاء لِمُضَر، ولم يطلب الدعاء لقريشٍ؛ لئلا يذكرهم فيذكر جريمتهم ويذكر جُرْمَهم، فقال: ادعُ لِمُضَر، فإذا سُقيت مُضَر أتت السُّقيا أيضًا لقريشٍ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لِمُضَر! إنك لجريءٌ يعني: كيف استسقي لِمُضَر مع ما هم عليه من المعصية والشرك؟!
ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام دعا لهم، فأنزل الله تعالى فَمُطِروا، وأنزل الله تعالى: إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ [الدخان:15]، قال: فَمُطِروا، يعني: وزال عنهم القَحْط، فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى ما كانوا عليه، فأنزل الله تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [الدخان:10- 11]، ففسر ابن مسعودٍ الدخان بأنه هذا الذي يراه الإنسان في تلك السَّنَة -سَنَة الجَدْب والقَحْط- عندما يرفع رأسه إلى السماء كأنه يرى دخانًا في السماء من شدة الجوع.
يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى يعني: غزوة بدرٍ، البطشة الكبرى هي غزوة بدرٍ، إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [الدخان:16].
ما يُستفاد من الحديث
وهذا الحديث فيه فوائد، منها:
أولًا: قول ابن مسعودٍ : “فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم”.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “تمييز المعلوم من المجهول نوعٌ من العلم”، وهو مُناسبٌ لما اشتهر من أن “لا أدري” نصف العلم؛ ولأن القول فيما لا يعلم الإنسان نوعٌ من التَّكلف، والله تعالى يقول: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص:86]؛ ولهذا قال ابن مسعودٍ كما في الرواية الأخرى: “إن من فقه الرجل أن يقول لما لا علم له به: الله أعلم”.
فإذا كان الإنسان لا يعلم فلا يتكلم، وإنما يقول: الله أعلم، أو يقول: لا أعلم، فكون الإنسان يتكلم ويأتي بكلامٍ غير صحيحٍ في أمورٍ لا يُحْسِنها ولا يعلمها هذا من الجهل، ومن العلم تمييز المعلوم من المجهول، يعني: وأن يُحْسِن الإنسان التَّعبير عن نفسه؛ لأنه لا يعلم، إذا كان لا يعلم هذا الشيء حقيقةً.
بعض الناس عندما يُسأل عن الشيء وهو لا يعلمه يتكلم بكلامٍ مبنيٍّ على الظنِّ والخَرْص، وهذا خطأٌ، إنما إذا سُئلتَ عن شيءٍ لا تعلمه فلا تتكلم فيه، قل: لا أعلم، أو الله أعلم.
أيضًا من فوائد هذا الحديث: أن ابن مسعودٍ فسَّر الدخان في قول الله تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ [الدخان:10] أن المقصود به: هذا الذي حصل لقريشٍ من الجَدْب والقَحْط حتى أكلوا الجلود والميتة، وأصبح أحدهم ينظر إلى السماء فيرى كهيئة الدخان.
قال القرطبي: “تسمية ما ذكره ابن مسعودٍ دخانًا تجوُّزٌ، وحقيقة الدخان هي ما ذُكر في حديث أبي سعيدٍ”، وأنه من أشراط الساعة، وأيضًا في حديث حذيفة بن أَسِيد، وذكر أشراطًا للساعة، ومنها الدخان.
وأما قول ابن مسعودٍ : “أَفَيُكْشَف عذاب الآخرة؟” فلا دليل له على ما ذكر؛ لأن حديث أبي سعيدٍ إنما دلَّ على أن ذلك الدخان يكون من أشراط الساعة قبل أن تقوم القيامة، فيجوز انكشافه، كما تنكشف فتن الدجال ويأجوج ومأجوج.
وعلى هذا فالأقرب -والله أعلم- أن المراد بالدخان في الآية في قول الله تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ أنه يُحمل على قضيتين:
القضية الأولى: ما ذكره ابن مسعودٍ من أن قريشًا أصابها قَحْطٌ وجَدْبٌ حتى أكلوا جلود الميتة، فأصبح أحدهم يرفع رأسه إلى السماء فيرى كهيئة الدخان.
والقضية الثانية: أن من أشراط الساعة الدخان.
فقضيةٌ وقعتْ وهي ما حصل لقريشٍ، وقضيةٌ ستقع وستكون من أشراط الساعة كما أخبر بذلك النبي .
وعلى ذلك فما ذكره هذا الرجل القاصُّ صحيحٌ، وهذا اجتهادٌ من ابن مسعودٍ في الإنكار عليه، وما ذكره ابن مسعودٍ حقٌّ، وما ذكره ذلك الرجل حقٌّ.
فهما قضيتان: الأولى وقعتْ، وهي ما أشار إليه ابن مسعودٍ ، والثانية لم تقع، وهي ما سيكون من أشراط الساعة، هذا هو الذي عليه كثيرٌ من المُحققين من أهل العلم في المراد بالدخان في الآية: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ؛ لأنه كما قال القرطبي، يعني: كون الإنسان الجائع إذا رفع رأسه إلى السماء أنه يرى كأنها دخانٌ، يعني: هذا فيه تجوزٌ، فهو ليس دخانًا حقيقةً، والله تعالى يقول: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ، لكن باعتبار أن هذا ورد عن الصحابة : كابن مسعودٍ، وورد مثله عن ابن عباسٍ؛ فنقول: إنهما قضيتان؛ قضيةٌ وقعتْ، وهي التي أشار إليها ابن مسعودٍ ، ودخانٌ حقيقيٌّ من أشراط الساعة سيقع قُبيل قيام الساعة.
هذا معنى الآية عند المُحققين من أهل العلم، وابن مسعودٍ مُجتهدٌ، اجتهد في هذا، وأنكر هذا الإنكار؛ لأنه حمل الدخان على هذا الذي قد حصل، لكن الحقَّ أن ما ذكره هذا الرجل صحيحٌ، وأن دخانًا سيكون بين يدي الساعة، وأنه من أشراط الساعة، وهذا لم يقع.
أيضًا من فوائد هذا الحديث: جواز الاستسقاء للغير.
من أين أخذنا هذه الفائدة؟
استسقاء النبي لِمُضَر؛ ولذلك لو نزل المطر وقد طُلِبَ من الناس صلاة الاستسقاء فلا بأس أن يذهبوا ويُصلوا صلاة الاستسقاء، ويستسقون لغيرهم، كما استسقى النبي لِمُضَر.
وعلى هذا نقول: إن الدخان المذكور في الآية هو ما ذكره ابن مسعودٍ ، وأيضًا دخانٌ يأخذ بأنفاس الناس كهيئة الزكام، كما ذكر ذلك الرجل، فيأخذ بأنفاس الكفار، يعني: تقبض أرواحهم، ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام.
حديث: خمسٌ قد مَضَين ..
القارئ: أحسن الله إليكم.
قال رحمه الله:
حدثنا قتيبة بن سعيدٍ، قال: حدثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن أبي الضُّحى، عن مسروقٍ، عن عبدالله قال: خمسٌ قد مَضَين: الدخان، واللِّزام، والروم، والبَطْشَة، والقمر [21].
الشرح:
“خمسٌ قد مَضَين” يعني: من أشراط الساعة، “الدخان” هو الذي تكلمنا عنه، “واللِّزام” أشرنا له أيضًا، وهو المذكور في قول الله تعالى: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا [الفرقان:77]، قلنا: اللِّزام محل خلافٍ في معناه، والراجح أن المقصود به: القتل بالسيف يوم بدرٍ.
“والروم” يعني: أن الروم ستغلب فارسًا، وهذا قد وقع: غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ [الروم:2- 4]، وقد تحقق هذا، غلبت الرومُ فارسًا في بضع سنين.
“والبَطْشَة” أي: البَطْشَة الكبرى التي هي غزوة بدرٍ، وهذه قد وقعتْ، وعلى هذا يكون معنى “البَطْشَة واللِّزام” واحدًا.
“وانشقاق القمر” وهذا سيأتي الكلام عنه.
قوله : وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى ..
القارئ: أحسن الله إليكم.
قال:
حدثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، قال: حدثنا وكيعٌ، قال: حدثنا الأعمش، بهذا الإسناد مثله [22].
قال: حدثنا محمد بن المُثنى، ومحمد بن بشار، قالا: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة. ح، قال: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة -واللفظ له- قال: حدثنا غُنْدَرٌ، عن شعبة، عن قتادة، عن عَزْرَة، عن الحسن العُرَنِي، عن يحيى بن الجزار، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن أُبَي بن كعبٍ في قوله : وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ [السجدة:21]، قال: مصائب الدنيا، والروم، والبَطْشَة، أو الدخان. شعبة الشَّاك في: البَطْشَة أو الدخان [23].
الشرح:
هذا تفسير أُبَي بن كعبٍ لقول الله تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ المقصود بالعذاب الأكبر يعني: عذاب يوم القيامة، لكن الله تعالى توعدهم بالعذاب الأدنى، فسَّرها أُبَي بمصائب الدنيا والروم، يعني: أن الروم غلبتْ فارسًا، والبَطْشَة الكُبرى التي هي غزوة بدرٍ والدخان.
وقال ابن جريرٍ الطبري رحمه الله: “أولى الأقوال أن يُقال: إن الله وعد هؤلاء الفَسَقَة المُكذِّبين بوعيده في الدنيا بالعذاب الأدنى .. وهو ما كان من بلاءٍ أصابهم، إما شدةٌ من مجاعةٍ، أو قتلٍ، أو مصائب يُصابون بها .. ولم يُخصص الله تعالى بذلك شيئًا .. وقد عذَّبهم بكل ذلك في الدنيا: بالقتل، والجوع، والشدائد، والمصائب في الأموال”.
فقوله سبحانه: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى يعني: بمصائب.
الصواب -كما قال ابن جريرٍ الطبري- أن هذا لا يتحدد بشيءٍ معينٍ، وإنما بمصائب يُنزلها الله تعالى عليهم بسبب كُفرهم وتكذيبهم، فالله تعالى قد يُعاقب الكافر ومَن يعصيه، يُعاقبه بعذابٍ قبل العذاب يوم القيامة، وهو العذاب الأدنى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ، فقد يُعاقب الله تعالى الكفار على كفرهم بعذابٍ أدنى، وهذا العذاب الأدنى يكون بحسب ما تقتضيه حكمة الله .
ونكتفي بهذا القدر، وبقية الوقت نُجيب فيه عما تيسر من الأسئلة.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.
الأسئلة
السؤال: يقول: هناك مقاطع مُتداولةٌ بأن هناك أشخاصًا دخلوا الغيبوبة، فرأوا أهوال يوم القيامة، حتى إنهم يدَّعون أنهم رأوا ملائكة العذاب، والخروج من القبور، والذهاب للصراط، فهل أمور الغيب يراها أحدٌ في غيبوبته؟
الجواب: هذا الكلام غير صحيحٍ، فيوم القيامة لم يأتِ بعد، ولكن هؤلاء رأوا في منامهم أشياء، لكن ليستْ هي يوم القيامة، قد يرى الإنسان في منامه أمورًا، لكن قد يرى أن القيامة قد قامتْ، لكن ليست هي حقيقة يوم القيامة.
يوم القيامة يومٌ عظيمٌ، يَشِيب من هوله الوِلْدَان، لكن الإنسان قد يرى في منامه أن القيامة قد قامتْ، وما يراه هو صورةٌ، وليس هو حقيقة يوم القيامة؛ ولذلك ينبغي اعتقاد ذلك، وأن هذا الذي يراه الإنسان في منامه، أو حتى ما ذكره الأخ السائل في غيبوبته -ولا أدري ماذا يقصد بالغيبوبة هنا؟- أن هذا ليس هو يوم القيامة قطعًا، فيوم القيامة ما أتى بعد، وتسبق يوم القيامة أشراطٌ، وأشراط الساعة الكبرى، وإنما هذه منامات، وقد يرى الإنسان في منامه أشياء، وأن القيامة قامتْ، ونحو ذلك، وقد يكون فيها إنذارٌ له، وقد تكون فيها بشارةٌ أو نذارةٌ.
السؤال: إمامٌ يُصلي بالناس، وإذا كان هو والمُؤذن خفَّف صلاته وقراءته، وإذا حضر جماعةٌ كثيرون أطال، فهل هذا قدحٌ في النية؟
الجواب: ينبغي أن تكون صلاته واحدةً، سواء كان معه شخصٌ أو شخصان أو أكثر، أما كونه يُطيل إذا حضر جماعةٌ آخرون فهذا ربما يكون مُؤثرًا في النية؛ ولذلك ينبغي أن تكون صلاته واحدةً.
السؤال: مَن كان مَقَرُّ عمله مسافة قصرٍ، فهل يقصر؟
الجواب: هذه مسألةٌ، وهي: أن الإنسان يكون مُقيمًا في بلدٍ، ويكون عمله في بلدٍ آخر، فإن كان يتردد -يذهب ويرجع- فننظر للمسافة: إن زادتْ على ثمانين كيلو مترًا من مُفارقة العمران للبلد الذي هو فيه فهو مسافرٌ، ومعنى ذلك: أنه يُسافر كل يومٍ ويرجع، ويترخص بِرُخَص السفر.
مثال ذلك: رجلٌ مُقيمٌ في الرياض، وكل يومٍ يُداوم في بلدةٍ تبعد عن الرياض -مثلًا- مئةً وخمسين كيلو، ويرجع، فهذا يُعتبر مُسافرًا ويترخص بِرُخَص السفر.
أما إذا كان مُقيمًا في الرياض، وله إقامةٌ في بلدٍ آخر يعمل فيه، فيبقى -مثلًا- في الرياض ثلاثة أيامٍ، وفي البلد الآخر الذي فيه مَقَرُّ عمله يبقى أربعة أيامٍ، فهذا يُعتبر صاحب إقامتين، فلا يترخص هنا ولا هناك، وإنما يترخص في الطريق إذا كانت المسافة أكثر من ثمانين كيلو مترًا.
السؤال: هل التَّورك يكون في صلاة الفرض أم السنة؟
الجواب: التَّورك لا يكون إلا في صلاة الفرض، وفي الصلاة الثلاثية أو الرباعية فقط، وعلى هذا يكون التَّورك في التَّشهد الأخير من صلاة المغرب، والتَّشهد الأخير من صلاة الظهر والعصر والعشاء فقط، ولا يكون في صلاة الفجر، ولا يكون في صلاة النافلة أيضًا، إنما يكون في التَّشهد الأخير من صلاة الفريضة الثلاثية أو الرباعية.
السؤال: ما حكم قول: “لا إله إلا الله” بعد انتهاء المُؤذن من الإقامة؟
الجواب: لا بأس بذلك، الأمر في هذا واسعٌ، ومَن يقولها من الناس لا يقصدون بذلك: أن قولها في هذا الموضع سُنةٌ، وإنما سمعوا هذا الرجل يذكر الله فذكروا الله تعالى، فقالوا: لا إله إلا الله، من غير اعتقاد أن ذلك سنةٌ، فلا بأس بذلك.
السؤال: كيف أتعامل مع قريبٍ يُؤذيني وينتقصني؟
الجواب: أولًا: إذا كان هذا القريب ممن تجب صِلته فعليك بالصبر؛ لأن صِلته واجبةٌ، وعليك أيضًا أن تُقلل الاحتكاك به، يعني: تكتفي بالقدر الواجب من الصِّلة.
وقد جاء رجلٌ للنبي فقال: يا رسول الله، إن لي قرابةً أصلهم ويقطعوني، وأُحْسِن إليهم ويُسيؤون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ. فقال عليه الصلاة والسلام: لئن كنتَ كما قلتَ فكأنما تُسِفُّهم المَلَّ يعني: الرماد الحار، ولا يزال معك من الله ظهيرٌ عليهم ما دُمْتَ على ذلك [24].
فالمطلوب هو الصبر، قد يُبتلى الإنسان بقريبٍ، بل قد يُبتلى أحيانًا بأحد الوالدين، أو الأبناء، أو البنات، أو أحد الأقارب الذين تجب صِلتهم بأن تكون في خُلُقه شدةٌ، وأن تكون في شخصيته حِدَّةٌ، وهنا الواجب هو الصبر، وأن يحرص على أن يبتعد عن الاحتكاك به في الأشياء التي تحصل منها الأذية.
السؤال: شخصٌ كان يُداوم على الصلوات، ثم بعد فترةٍ أصبح لا يُصلي في الأسبوع إلا مرةً أو مرتين؟
الجواب: هذا على خطرٍ عظيمٍ، فالصلاة هي عمود دين الإسلام، وهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين؛ ولهذا كتب عمر إلى ولاته قال: “إن أهمّ أمركم عندي الصلاة، فإن مَن حافظ عليها وحفظها حفظ دينه، ومَن ضيَّعها فهو لما سواها أضيع”.
وبعض أهل العلم يرى أن مَن ترك صلاةً واحدةً فإنه يكفر، وهذا قول شيخنا ابن باز رحمه الله، وإن كان جمهور العلماء يرون أن الكفر الأكبر لا يكون إلا إذا ترك الصلاة بالكلية، لكن هذا يدل على خطورة المسألة.
وجاء في تفسير قول الله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4- 5] أنهم يُصلونها أحيانًا، ويتركونها أحيانًا، فتوعدهم الله بالويل.
فهذا الذي يترك الصلاة، ولا يُصلي في الأسبوع إلا مرةً أو مرتين على خطرٍ عظيمٍ.
فنقول للأخ السائل: لعلك أن تبذل له النصيحة، وأن تُبين له خطورة المسألة، وأن من العلماء مَن يرى كفره في هذه الحال، خاصةً أنه كان مُحافظًا على الصلوات، فعليه أن يستمر على ذلك، وأن يسأل الله الثبات.
السؤال: ما حكم قول: “إن شاء الله” بعد الدعاء؟
الجواب: هذا قد ورد النَّهي عنه، يقول عليه الصلاة والسلام: لا يقولنَّ أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئتَ، اللهم ارحمني إن شئتَ، ليعزم المسألة، فإنه لا مُكره له [25]، فلا يجوز للداعي أن يقرن الدعاء بالمشيئة، لا يقل: “اللهم اغفر لي إن شئتَ، اللهم اهدني إن شئتَ، اللهم ارحمني إن شئتَ”، وإنما المطلوب منه أن يعزم المسألة، يدعو الله تعالى من غير تعليق ذلك بالمشيئة.
والمطلوب من الداعي الإلحاح على الله تعالى في الدعاء، وهذا لا يتناسب مع ذكر المشيئة، فإذا قلتَ: “اللهم اغفر لي إن شئتَ” فكأنك تقول: “يا ربِّ، إن شئتَ اغفر لي، وإن شئتَ لا تغفر لي”، فالمطلوب من المسلم أن يُلِحَّ على الله تعالى في مطلب المغفرة، وفي الدعاء عمومًا.
إذن الدعاء لا يجوز ربطه بالمشيئة، أو اقترانه بالمشيئة، وإنما ليعزم المسألة، فإن الله لا مُكره له.
السؤال: هل يجب الوضوء على مَن شرب من مَرَق لحم الحاشي؟
الجواب: لا يجب الوضوء عليه؛ لأن الذي ينقض الوضوء هو أكل لحم الإبل، أما شُرب مَرَقها، أو شُرب لبنها، فهذا لا ينقض الوضوء، لم يقل بأن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء إلا الحنابلة، وقولهم هو الراجح في هذه المسألة؛ لدلالة السنة لذلك، لكن الحنابلة أنفسهم يرون أن شُرب مَرَق الإبل وحليبها لا ينقض الوضوء.
طالب: ……
الشيخ: وأكل لحم الإبل الذي ينقض الوضوء هو جميع أجزاء الإبل على القول الراجح، ولا يختص ذلك باللحم أو الهَبْر، لا يختص ذلك باللحم الذي يُسمى: الهَبْر، وإنما يشمل الكبد، ويشمل الكرش، ويشمل الأمعاء، ويشمل جميع الأجزاء.
السؤال: ورد أن النبي كان يفتتح قيام الليل بركعتين خفيفتين [26]، هل المقصود أنه يجعل أول ركعتين من قيامه خفيفتين، أم يُصلي ركعتين خفيفتين قبل قيام الليل؟
الجواب: هذا مُحتملٌ.
ورد أن النبي يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين، فهل الركعتان الخفيفتان معدودتان من إحدى عشرة ركعةً، أو أنهما ليستا منها؟
يحتمل ذلك، ويحتمل أنهما ليستا منها، بدليل أنه في بعض الروايات -كما في حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما- صلَّى عليه الصلاة والسلام ثلاث عشرة ركعةً [27]، فيحتمل أنه صلَّى ركعتين، ثم إحدى عشرة ركعةً، لكن ما الذي تريده عائشة رضي الله عنها في قولها: “كان النبي يُصلي إحدى عشرة ركعةً” [28]؟ هل معها الركعتان الخفيفتان أم لا؟
هذا محتملٌ، والأقرب أن الركعتين الخفيفتين لا تدخل فيها؛ لأنه ورد في حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن ذلك ثلاث عشرة ركعةً، ويظهر أن ابن عباسٍ رضي الله عنهما حسب معها هاتين الركعتين، وعائشة رضي الله عنها لم تحسبهما.
السؤال: عندي أرضٌ كنتُ مُترددًا في بيعها أو بنائها، وبعد عدة سنوات بعتُها، وزكيتُ عن سنةٍ واحدةٍ، فهل فعلي هذا صحيحٌ؟
الجواب: هذه الأرض لا تجب فيها الزكاة؛ لأنه يُشترط لوجوب الزكاة: الجزم بنية البيع بقصد التَّربح، أما إذا كنتَ مُترددًا بين البيع والبناء فهذه لا زكاة فيها.
ونقول للأخ الكريم: تنوي هذه الزكاة التي دفعتَها عن سنةٍ واحدةٍ تنويها صدقةً، وأنت مأجورٌ ومُثَابٌ عليها، إن شاء الله.
السؤال: مَن قرأ في صلاته بسورةٍ في آخرها سجدة، ثم رفع من السجدة وانتصب قائمًا، هل يلزمه أن يقرأ بشيءٍ من القرآن أم هو بالخيار؟
الجواب: هو بالخيار، يعني مثلًا: لو قرأتَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق] ثم سجدتَ سجود التلاوة، ثم رفعتَ، بعض الناس يعتقد أنه لا بد أن تقرأ سورةً بعدها، وهذا غير صحيحٍ، فأنت بالخيار: إن شئتَ قرأتَ سورةً، وإن شئتَ كبَّرتَ للركوع مباشرةً.
السؤال: ما حكم المُداومة على صلاة الضُّحى؟
الجواب: القول الراجح أنه تُستحب المُداومة على صلاة الضُّحى؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قال: يُصبح على كل سُلَامَى يعني: على كل مفصلٍ من مفاصل الإنسان صدقةٌ، والإنسان له ثلاثمئةٍ وستون مفصلًا؛ ولهذا ذكر عليه الصلاة والسلام أنواعًا من الصدقات، قال: فكل تسبيحةٍ صدقةٌ، وكل تهليلةٍ صدقةٌ، وكل تكبيرةٍ صدقةٌ، وأمرٌ بالمعروف صدقةٌ، ونهيٌ عن المنكر صدقةٌ، ثم قال: ويُجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضُّحى [29] أي: يُجزئ عن الثلاثمئة والستين صدقة ركعتا الضُّحى، وهذا يدل على استحباب المُداومة على صلاة الضُّحى، وهذا هو أرجح أقوال العلماء في المسألة.
وأما مَن قال من العلماء: إنه يُستحب عدم المُداومة عليها؛ لأن النبي لم يكن يُداوم عليها.
فالجواب: إن قول النبي مُقدَّمٌ على فعله، وهذا مُقررٌ عند الأصوليين: أن دلالة القول أقوى وأصرح من دلالة الفعل، فقد يحثُّ النبي على الشيء ولا يفعله؛ لانشغاله بما مصلحته أرجح.
فمثلًا: أخبر أن أفضل الصيام صيام داود ، كان يصوم يومًا، ويُفطر يومًا [30]، ونعلم من هدي النبي أنه لم يكن يفعل ذلك، بل كان كما تقول عائشة: “يصوم حتى نقول: لا يُفطر، ويُفطر حتى نقول: لا يصوم” [31]؛ وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام مُنشغلٌ بأمورٍ مصالحها أرجح.
فدلالة قوله أقوى وأصرح من دلالة فعله، فقوله: يُصبح على كل سُلَامَى من أحدكم صدقةٌ، ثم قال في آخر الحديث: ويُجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضُّحى، وقول أبي هريرة : “أوصاني خليلي بثلاثٍ”، وذكر منها ركعتي الضُّحى [32]، هذا يدل على مشروعية المُداومة على صلاة الضُّحى.
وهذا اختيار شيخنا عبدالعزيز بن باز، والشيخ محمد بن عثيمين رحمهما الله تعالى: أنه تُستحب المُداومة على صلاة الضُّحى.
هذا هو القول الراجح في هذه المسألة.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحاشية السفلية
^1 | رواه البخاري: 71، ومسلم: 1037. |
---|---|
^2 | رواه مسلم: 2792. |
^3 | رواه مسلم: 2825. |
^4 | رواه البخاري: 2311. |
^5 | رواه مسلم: 2793. |
^6, ^7, ^8 | رواه مسلم: 2794. |
^9 | رواه البخاري: 3208، ومسلم: 2643. |
^10, ^11 | رواه مسلم: 2795. |
^12 | رواه الترمذي: 2319 وقال: حسنٌ صحيحٌ، وابن ماجه: 3969، وأحمد: 15852. |
^13 | رواه مسلم: 2796. |
^14 | رواه الترمذي: 3434 وقال: حسنٌ صحيحٌ، وأحمد: 4726. |
^15 | رواه مسلم: 2797. |
^16 | رواه البخاري: 240، ومسلم: 1794. |
^17 | رواه النسائي في “السنن الكبرى”: 7440. |
^18 | رواه أحمد: 1481. |
^19, ^20, ^21, ^22 | رواه مسلم: 2798. |
^23 | رواه مسلم: 2799. |
^24 | رواه مسلم: 2558. |
^25 | رواه البخاري: 6339، ومسلم: 2679. |
^26 | رواه مسلم: 767. |
^27 | رواه البخاري: 698، ومسلم: 763. |
^28 | رواه البخاري: 994، ومسلم: 736. |
^29 | رواه مسلم: 720. |
^30 | رواه البخاري: 3420، ومسلم: 1159. |
^31 | رواه البخاري: 1969، ومسلم: 1156. |
^32 | رواه البخاري: 1178، ومسلم: 721. |