عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.
ربنا آتنا من لدنك رحمةً وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.
هذا هو الدرس التاسع والخمسون في شرح “صحيح مسلمٍ”، في هذا اليوم الثلاثاء، السابع عشر من شهر صفرٍ من عام (1444 هـ).
وكنا قد وصلنا إلى: كتاب الرقاق.
والرقاق: جمع رقيقةٍ، وسميت بذلك؛ لأن فيها أحاديث ترقق القلوب، وتُحدِث في القلوب رقةً، فجَرَت عادة المصنفين أن يَجمعوا هذه الأحاديث التي ترقق القلوب، ويسمونها بباب أو كتاب الرقاق، وهذا كما هو في “صحيح مسلمٍ”، في “صحيح البخاري”، وفي كتب السنن والمسانيد، يذكرون هذا الباب أو الكتاب، ويسمونه: كتاب الرقاق.
ونبدأ بكلام الإمام مسلمٍ في “صحيحه” رحمه الله عن الحديث الأول من هذا الكتاب:
القارئ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا والحاضرين والمستمعين والمسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء
قال المؤلف رحمنا الله وإياه:
كتاب الرقاق
باب أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء، وبيان الفتنة بالنساء
حدثنا هدَّاب بن خالدٍ: حدثنا حماد بن سلمة، ح، وحدثني زهير بن حربٍ، حدثنا معاذ بن معاذٍ العنبري، ح، وحدثنا محمد بن عبدالأعلى: حدثنا المعتمر، ح، وحدثنا إسحاق بن إبراهيم: أخبرنا جَريرٌ، كلهم عن سليمان التَّيمي، ح، وحدثنا أبو كاملٍ فُضيل بن حسينٍ -واللفظ له- حدثنا يزيد بن زُرَيْعٍ: حدثنا التيمي، عن أبي عثمان، عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله : قمت على باب الجنة؛ فإذا عامة من دخلها المساكين، وإذا أصحاب الجَدِّ محبوسون، إلا أصحاب النار فقد أُمِر بهم إلى النار، وقمت على باب النار؛ فإذا عامة من دخلها النساء [1].
حدثنا زهير بن حربٍ: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن أبي رجاءٍ العُطَارِدي.
الشرح:
طيب حسبك، في هذا الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: قمت على باب الجنة، والجنة والنار مخلوقتان الآن، ويزيد الله تعالى غراس الجنة؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: من قال سبحان الله وبحمده؛ غرست له نخلةٌ في الجنة [2].
قال: قمت على باب الجنة، يعني متى هذا والمؤمنون يدخلون الجنة يوم القيامة؟ فكيف قام النبي على بابها ورأى فيها المساكين والأغنياء؟
وأجاب عن هذا العلماء، قالوا: إن هذا كان ليلة المعراج، أو أنه كان منامًا، ورؤيا الأنبياء حقٌّ، لكن الذي رآه النبي أوصاف صورٍ صورت له، وإلا فإن دخول المؤمنين الجنة إنما يكون بعد البعث وبعد الحساب، وبعد أيضًا ورود النار: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا [مريم:71-72].
وهذا لم يحصل بعد، لكن هذه أوصافٌ صُوِّرَت للنبي ، وأنها تكون كذلك، والله تعالى هو القابض الباسط، قد يقبض الله تعالى الزمان، فيرى نبيه أشياء ستكون في المستقبل، فلله تعالى الحكمة في ذلك.
قال : قمتُ على باب الجنة؛ فإذا عامة من دخلها المساكين، يعني: والفقراء، إذا أطلق المسكين شمل الفقير، وإذا أطلق الفقير شمل المسكين.
وإذا أصحاب الجد الجد معناه: الغنى والحظ، يعني: وإذا الأغنياء محبوسون عند باب الجنة، ورجح بعض العلماء: أنه عند القنطرة التي تكون بين الجنة والنار، إلا أصحاب النار فقد أمر بهم إلى النار، وقمت على باب النار؛ فإذا عامة من دخلها النساء.
وهذا الحديث يدل على أن الفقراء يسبقون الأغنياء في دخول الجنة.
وهذا السبق -سبق الفقراء الأغنياء في دخول الجنة- إذا تساوى الغني والفقير في التقوى، وأما إذا تفاوتا في التقوى، فإن الأتقى يسبق غيره في دخول الجنة، هذا هو الذي يدل له عموم النصوص ومقتضى عدل الله .
ونوضح هذا أكثر: لو أن رجلًا غنيًّا، لكنه من العُبَّاد؛ يقوم الليل، ويصوم النهار، ويكثر من تلاوة القرآن ومن الذكر ومن الإحسان، فهو من العُبَّاد ومن الصالحين، وهناك إنسانٌ فقيرٌ، يحافظ فقط على الواجبات والفرائض، فهل يقال: إن هذا الفقير الذي ليس عنده سوى الفرائض والواجبات يسبق هذا الغني العابد الصوام القوام؟
الجواب: لا، الأتقى هو الذي يسبق لدخول الجنة، ولكن هذا مقيدٌ عند أهل العلم في حال تساوي الفقير والغني في التقوى، فإن الفقراء يسبقون الأغنياء.
والسبب في هذا، قيل: إن السبب: أن الفقراء ليس لهم أموالٌ يحاسبون عليها، والإنسان يوم القيامة يحاسب عن أمواله، ويسأل عن ماله سؤالين: السؤال الأول: من أين اكتسبه؟ والسؤال الثاني: أين أنفقه؟ فيحاسب على كل درهمٍ وكل دينارٍ كان عنده، فهذا الحساب يؤخِّر دخول الأغنياء الجنة عن الفقراء.
وقيل: إن السبب في سبق دخول الفقراء الجنة قبل الأغنياء: أن الله تعالى يجبر هذا الفقير الذي لم يتنعم في الدنيا بما تنعم به الغني، فيقدمه على الغني في دخول الجنة، والذي يظهر أن كلا المعنيين صحيحٌ، أن الأغنياء يتأخرون في دخول الجنة عن الفقراء؛ لأنهم يحاسبون على أموالهم، وأيضًا جبرًا لهذا الفقير، الذي لم يتنعم بنعيم الدنيا، ولكن هذا كما ذكرنا مقيدٌ في حال تساوي الغني والفقير في التقوى، أما إذا تفاوتا في التقوى، فالأتقى يسبق غيره في دخول الجنة، استدلالًا بعموم النصوص الدالة لذلك.
وقد جاء في “صحيح مسلمٍ” عن أبي سعيدٍ أن النبي قال: إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفًا [3]، يعني: بأربعين عامًا، لكن جاء عند الترمذي وأحمد بسندٍ صحيحٍ عن أبي هريرة أن النبي قال: فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمسمئة سنةٍ [4]، قال الترمذي: هذا حديثٌ صحيحٌ، وفي روايةٍ: فقراء المسلمين [5]
فكيف نجمع بين الحديثين: حديث أبي سعيدٍ فيه: أن الفقراء يسبقون الأغنياء بأربعين عامًا، بينما حديث أبي هريرة فيه: أن الفقراء يسبقون الأغنياء بخمسمئة عامٍ؟
من أحسن وجوه الجمع: ما ذكره القرطبي رحمه الله، قال: إن الفقراء والأغنياء يتفاوتون في قوة إيمانهم وتقواهم تفاوتًا كبيرًا، فتكون هذه المدة، خمسمئة عامٍ، من أول دخول الفقراء إلى آخر دخول الأغنياء خمسمئة عامٍ، وأما مِن آخر الفقراء دخولًا الجنة، وأول الأغنياء دخولًا الجنة أربعون عامًا، فهذا هو وجه الجمع.
يعني: المدة الزمنية من أول فقيرٍ يدخل إلى آخر غنيٍّ: خمسمئة عامٍ، لكن من آخر فقيرٍ يدخل الجنة إلى أول غنيٍّ يدخل الجنة: أربعون عامًا، وهذا جمعٌ حسنٌ بين الحديثين.
هل يستدل بهذا الحديث على أن الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر، أو لا يستدل به؟
استدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر، وقال بعض العلماء: إن الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر، والقول الراجح -والله أعلم- في هذه المسألة، في مسألة: أيهما أفضل الغني الشاكر أم الفقير الصابر؟
القول الراجح في هذه المسألة: هو ما اختاره ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى، وهو أن الأفضل أتقاهما، فلا يقال: إن الغني الشاكر أفضل، ولا الفقير الصابر أفضل، بل أتقاهما أفضل؛ وذلك لأن الله لم يجعل معيارًا للتفاضل بين الناس سوى التقوى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، فلم يجعل الله تعالى معيارًا آخر؛ لا النسب، ولا الحسب، ولا الجاه، ولا المال، ولا الغنى، ولا الفقر، ولا أي معيارٍ آخر، إنما التقوى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].
ومما يبين هذا: أننا لو افترضنا أن رجلًا غنيًّا عابدًا، صوامًا قوامًا، كثير الذكر، كثير التلاوة، كثير العبادة، وأن فقيرًا صابرًا يقوم بالواجبات والفرائض، هل نقول: إن هذا الفقير أفضل من هذا الغني، وهذا الغني شاكرٌ، وهذا الفقير صابرٌ، فهل نقول: إن هذا الفقير الصابر، أفضل من الغني الشاكر؟
الجواب: لا؛ لأن هذا الغنيَّ الشاكر إنسانٌ عابدٌ، كثير العبادة، كثير الشكر لله ، فكيف نقول: إن هذا الفقير الذي لا يحافظ إلا على الفرائض والواجبات أفضل من هذا الغني الشاكر كثير العبادة؟! فمجموع الأدلة يمنع من هذا؛ ولهذا فالصواب في المفاضلة بين الغني الشاكر، وبين الفقير الصابر: أن أفضلهما أتقاهما لله ، فإن استويا في التقوى؛ تساويا في الدرجة؛ ويدل لذلك: أن الله ذكر في سورة (ص) نَبِيَّيْنِ أحدهما مثالٌ للغني الشاكر، والآخر مثالٌ للفقير الصابر.
من الأول الذي هو مثالٌ للغني الشاكر؟
الطالب:…
الشيخ: نعم، سليمان عليه الصلاة والسلام، وقال الله تعالى عنه: نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:30].
ثم ذكر أيوب ، وأيوب مثالٌ للفقير الصابر: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:44]، فأثنى الله تعالى عليهما ثناءً واحدًا، بقوله: نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ، أثنى الله تعالى عليهما في نفس السورة بثناءٍ واحدٍ، قال عن سليمان : نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ، وقال عن أيوب : نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:44].
وهذا يدل على أن الغني الشاكر مثل الفقير الصابر، ويدل لذلك أيضًا: ما جاء في “صحيح البخاري”، قال البخاري رحمه الله: “باب الطاعم الشاكر، مثل الصائم الصابر، فيه: عن أبي هريرة عن النبي ” أي: أن هذا الحديث من الأحاديث المعلقة عند البخاري، لكنها معلقةٌ بصيغة الجزم.
ولكن هذا الحديث وصله ابن خزيمة وابن حبان، وهو حديثٌ صحيحٌ، وهو كالنص في المسألة، يقول فيه عليه الصلاة والسلام: الطاعم الشاكر، مثل الصائم الصابر [6].
فإذنْ نقول في المفاضلة بين الغني الشاكر والفقير الصابر: إن أفضلهما أتقاهما لله تعالى، فإن استويا في الدرجة؛ استويا في الفضل، فالغني الشاكر مثل الفقير الصابر في الفضل، فلا يُفضَّل أحدهما على الآخر، هذا هو القول الراجح عند المحققين من أهل العلم.
ثم بعد ذلك قال عليه الصلاة والسلام: وقمت على باب النار؛ فإذا عامة من دخلها النساء، وأورد المصنف رحمه الله أحاديث في هذا المعنى.
حديث: اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء..
حدثنا زُهير بن حربٍ: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن أبي رجاءٍ العُطَارِدي قال: سمعت ابن عباسٍ، يقول: قال محمدٌ : اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء [7].
وحدثناه إسحاق بن إبراهيم: أخبرنا الثقفي: حدثنا أيوب، بهذا الإسناد.
وحدثنا شيبان بن فَرُّوخ: حدثنا أبو الأشهب: حدثنا أبو رجاءٍ، عن ابن عباس أن النبي اطلع في النار، فذكر بمثل حديث أيوب.
حدثنا أبو كُريبٍ: حدثنا أبو أسامة، عن سعيد بن أبي عَرُوبة، سمع أبا رجاءٍ، عن ابن عباسٍ قال: قال رسول الله ، فذكر بمثله.
حدثنا عُبيدالله بن معاذٍ: حدثنا أبي: حدثنا شعبة، عن أبي التَّيَّاح قال: كان لمُطَرِّف بن عبدالله امرأتان، فجاء من عند إحداهما، فقالت الأخرى: جئت من عند فلانة؟ قال: جئت من عند عمران بن حصينٍ، فحدثنا أن رسول الله قال: إن أقل ساكني الجنة النساء [8].
نعم، يقول عليه الصلاة والسلام: اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، وإنما كان الفقراء أكثر أهل الجنة؛ لأن الغِنَى يُطغِي الإنسان في الغالب؛ كما قال الله تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7]، والذي يكون غنيًّا وثريًّا ولا يطغى قليلٌ، قليلٌ من الأغنياء، فالإنسان ضعيفٌ، فإذا أتاه ثروةٌ أو أتاه غنًى؛ فإن الغالب عليه الطغيان، إلا من عصم الله تعالى فكان غنيًّا شاكرًا؛ فلهذا قال عليه الصلاة والسلام: اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء.
وهذا يستدعي الحذر من فتنة الغنى، فإنها فتنةٌ عظيمةٌ، تجعل الإنسان ينهمك في الحياة المادية، وفي جمع حطام الدنيا، ويغفل عن الآخرة.
ولكن ليس الغِنَى مذمومًا لذاته؛ فإن الغِنَى إذا استعمله المسلم في طاعة الله ؛ كان خيرًا؛ ولهذا سمى الله تعالى المال خيرًا وقال: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات:8]، وقال: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [البقرة:180]، فقال: إِنْ تَرَكَ خَيْرًا، يعني: مالًا، الخير: هو المال الكثير، فسمى الله المال خيرًا.
ونجد العشرة المبشرين بالجنة نصفهم أو أكثر من النصف من الأغنياء، فالغِنَى ليس مذمومًا لذاته، وإنما محل الذم إذا تسبب هذا الغنى في الطغيان، بأن طغى هذا الغَنِي، وترك ما أوجبه الله عليه، وتجرأ على حرمات الله ، وإلا فالغِنَى بحد ذاته إذا استعمله المسلم في طاعة الله ؛ كان خيرًا له؛ ولهذا لمَّا جاء فقراء الصحابة إلى النبي يشتكون، قالوا: يا رسول الله، إن الأغنياء يفضلوننا؛ يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل أموال يتصدقون منها، ويحجون ويعتمرون ويجاهدون، فقال عليه الصلاة والسلام: أفلا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه سبقتموهم؟ تسبحون الله دبر كل صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين، وتحمدونه ثلاثًا وثلاثين، وتكبرونه ثلاثًا وثلاثين، وتقولون تمام المئة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، فعلم بذلك الأغنياء ففعلوا مثل ما فعل الفقراء، فأتى الفقراء مرةً أخرى للنبي عليه الصلاة والسلام، وقالوا: يا رسول الله، إنك أخبرتنا بهذا، وإن إخواننا الأغنياء علموا به فعملوا مثل ما عملنا، فقال عليه الصلاة والسلام: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء [9]، فالغني إذا استَعمل المال في طاعة الله ؛ كان خيرًا له.
وكذلك أيضًا الفقر له فتنةٌ، فإن الفقير قد يفتن بسبب فقره، قد يقع في المعاصي، يقع في السرقة، ربما يقع أيضًا في الفواحش، وربما يقع في أمورٍ محرمةٍ؛ ولهذا كان النبي يستعيذ بالله من شر فتنة الفقر ومن شر فتنة الغنى، كان عليه الصلاة والسلام يقول: اللهم إني أعوذ بك من شر فتنة الفقر، ومن شر فتنة الغنى [10].
فإذنْ الغِنَى له فتنةٌ، والفقر له فتنةٌ، ولكن الغالب على الناس أن الإنسان إذا اغتنى؛ طغى، كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7]، وهناك من إذا اغتنى؛ لا يطغى، وهم قلةٌ مقارنةً بأعداد الأغنياء، وهذا يستدعي الحذر من الغَنِي في أن يطغى وأن يفتتن بماله.
قال عليه الصلاة والسلام: واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء، وأيضًا جاء في “الصحيحين” من حديث أبي سعيدٍ أن النبي لما صلى بالناس صلاة العيد، ثم خطب خطبة العيد؛ ذهب إلى النساء ووعظهن، وقال: تصدقن؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار، قلن: لم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، لو أحسن الزوج إلى إحداكن الدهر كله، ثم رأت منه سوءًا؛ قالت: ما رأيت منك خيرًا قط [11]، فذكر النبي سببين من أسباب دخول النار:
- السبب الأول: الإكثار من اللعن، واللعن من كبائر الذنوب؛ وهذا يدل على أن الإكثار من اللعن من أسباب دخول النار.
- والسبب الثاني: كفران العشير، كون المرأة تجحد زوجها، وتنكر فضله، وتسيء إليه، فهذا أيضًا من أسباب دخول النار، كفران العشير، وجحد المعروف، وهذا ليس خاصًّا بالزوجة، يشمل أي إنسانٍ يجحد فضل ومعروف غيره، لكن هذا يغلب على الزوجة مع زوجها، إلا إذا اتقت الله .
وأيضًا من أسباب كثرة دخول النساء النار، قال القرطبي رحمه الله: من أسباب ذلك: ما يغلب على النساء من الهوى والميل إلى عاجل زينة الدنيا، والإعراض عن الآخرة، يعني: غلبة الهوى، وغلبة التعلق بالدنيا، وبالأمور المادية، والغفلة والإعراض عن الآخرة.
فهذا خبرٌ من النبي بأن أكثر أهل النار النساء، وفي حديث عمران بن حصينٍ : إن أقل ساكني الجنة النساء، وهذا بالنسبة لنساء الدنيا، لكن لو نظرنا لساكني الجنة من نساء الدنيا، ومن الحور العين، فيكون أكثر أهل الجنة أيضًا النساء.
وعلى هذا نقول: إن أكثر أهل الجنة النساء، وأكثر أهل النار النساء أيضًا، هذا هو الذي تجتمع به النصوص الواردة في هذه المسألة.
حديث: اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك..
حدثني عبيدالله بن عبدالكريم أبو زُرعة: حدثنا ابن بُكيرٍ: حدثني يعقوب بن عبدالرحمن، عن موسى بن عقبة، عن عبدالله بن دينارٍ، عن عبدالله بن عمر قال: كان من دعاء رسول الله : اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك [12].
وحدثنا محمد بن الوليد بن عبدالحميد: حدثنا محمد بن جعفرٍ، حدثنا شعبة، عن أبي التَّيَّاح قال: سمعت مُطَرِّفًا يحدث أنه كانت له امرأتان، بمعنى حديث معاذٍ.
نعم، هذا الحديث حديث ابن عمر رضي الله عنهما كان من دعاء النبي : اللهم إني أعوذ بك من زوال نعتمك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.
هذا الدعاء دعاءٌ عظيمٌ، يشمل هذه المعاني؛ ولذلك ينبغي أن يحرص عليه المسلم، كان النبي يستعيذ بالله تعالى في هذا الدعاء:
أولًا: من زوال نعمتك، والمراد بالنعمة: يعني جنس النعم، فيشمل هذا النعم الظاهرة والباطنة، وزوال النعم يعني: ذهاب النعم.
وتحول عافيتك أي: تبدل العافية، والتبدل يكون بالبلاء، تتبدل العافية بالبلاء؛ كأن تتبدل الصحة بالمرض، وأن يتبدل الغِنَى بالفقر، ونحو ذلك، والفرق بين الزوال والتبدل: أن الزوال ذهاب الشيء بالكلية، وأما التبدل تحوله من حالٍ إلى حالٍ، فكان عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله تعالى من زوال النعمة، وتحول العافية.
وفجاءة نقمتك يعني: سخطك، وهذا يكون عندما يقع الإنسان فيما يسخط الله ، فينقم الله تعالى عليه، وربما يؤاخذه بالعقوبة العاجلة، وربما أيضًا يهلكه بسبب سخطه عليه.
وكما جاء في الحديث: موت الفجأة أخذة أسفٍ [13]، يعني: غضبٍ، وهذا محمولٌ عند العلماء على غير المسلم.
وجميع سخطك، كان يستعيذ النبي بالله تعالى من جميع سخطه، يعني: جميع ما يسخط الله .
فوائد من حديث: اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك..
فوائد الحديث:
أولًا: دل هذا الحديث على مشروعية الاستعاذة بالله تعالى من زوال النعمة؛ وذلك لأن زوال النعمة إنما يكون عند عدم شكرها، فعندما لا تشكر النعمة؛ فإنها تزول؛ كما قال الله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7]، فالنعمة إذا شكرت؛ قرَّت وزادت، وإذا كُفرت؛ فرَّت وزالت.
أيضًا من فوائد هذا الحديث:
ثانيًا: استعاذ النبي بالله تعالى من تحول عافيته؛ وذلك لأن من اختصه الله تعالى بعافيته؛ فاز بخيري الدارين، فإن العافية في الدِّين، تعني سلامة دينه من الفتن، والعافية في الدنيا تكون بسلامة دنياه من التبدل والتحول إلى ضدها، فإن تحولت العافية؛ أصيب بشر الدارين، والعافية يكون بها صلاح الدنيا والآخرة، والعافية هي من أعظم ما يدعو به العبد ربه؛ ولهذا قال العباس : يا رسول الله، علمني دعاء أدعو الله تعالى به، فقال عليه الصلاة والسلام: يا عم، سل الله العافية [14] وجاء في بعض الروايات: فإنه ما أُعطي عبدٌ عطاءً خيرًا من العافية [15] فالعافية في الدين والدنيا من أعظم النعم.
ولهذا كان عليه الصلاة والسلام في أذكار الصباح والمساء يقول: اللهم إني أسألك العافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي [16]، فهذا من أذكار الصباح والمساء: اللهم إني أسألك العافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، فينبغي أن يحرص المسلم على سؤال الله تعالى العافية.
أيضًا في هذا الحديث: الاستعاذة بالله تعالى من فجاءة نقمته وجميع سخطه، أن يستعيذ بالله تعالى مما يسخطه، وكان عليه الصلاة والسلام يدعو الله تعالى ويقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك [17].
أيضًا من فوائد هذا الحديث: دل هذا الحديث على فضل الدعاء بهذا الوارد عن النبي : اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك، وأن هذا الدعاء دعاءٌ عظيمٌ، يجمع للمسلم خيري الدنيا والآخرة؛ وذلك لأنه إذا استعاذ بالله تعالى من زوال النعمة، وتحول العافية، وفجاءة النقمة، وجميع السخط؛ يكون قد حاز صلاح الدنيا والآخرة؛ ولهذا ينبغي أن يحرص المسلم على هذا الدعاء، وأن يكثر منه، بل ينبغي أن تجعله مع أذكار الصباح والمساء، أن تحرص على أن تدعو الله بهذا الدعاء كل يومٍ مع أذكار الصباح والمساء، حتى لا تنسى؛ اجعله مع أذكار الصباح والمساء.
والأدعية ليست توقيفيةً، لكن الأفضل أن يدعو المسلم بالأدعية المأثورة، ومن ذلك هذا الدعاء، وأيضًا حتى وقتها إذا لم يعتقد المسلم استحباب أن يؤتى بهذا الدعاء في هذا الوقت، فالأمر واسعٌ، فعندما تأتي بأذكار الصباح والمساء، لا بأس أن تضيف عليها أذكارًا وأدعيةً، بشرط: ألا تعتقد سُنِّيَّة الإتيان بها في هذا الوقت، فأنت تقول: أنا سآتي الآن بأذكار الصباح، لكن حتى لا أنسى، وحتى أحافظ على هذه الأدعية كل يومٍ، سأضيف لها دعاء كذا، ودعاء كذا، ودعاء كذا، فهذا لا بأس به.
فمن الأدعية العظيمة التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم: هذا الدعاء العظيم، وحتى لا تنسى أن تدعو الله تعالى به؛ ينبغي أن تجعله مع أذكار الصباح والمساء.
حديث: ما تركت بعدي فتنةً هي أضر على الرجال من النساء
حدثنا سعيد بن منصورٍ، حدثنا سفيان، ومعتمر بن سليمان، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن أسامة بن زيدٍ قال: قال رسول الله : ما تركت بعدي فتنةً هي أضر على الرجال من النساء [18].
حدثنا عبيدالله بن معاذٍ العنبري وسويد بن سعيدٍ ومحمد بن عبدالأعلى، جميعًا، عن المعتمر -قال ابن معاذٍ: حدثنا المعتمر بن سليمان- قال: قال أبي: حدثنا أبو عثمان، عن أسامة بن زيد بن حارثة، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيلٍ، أنهما حدثا عن رسول الله أنه قال: ما تركت بعدي في الناس فتنةً أضر على الرجال من النساء [19].
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نُميرٍ، قالا: حدثنا أبو خالدٍ الأحمر، ح، وحدثنا يحيى بن يحيى: أخبرنا هشيمٌ، ح، وحدثنا إسحاق بن إبراهيم: أخبرنا جَريرٌ، كلهم عن سليمان التيمي، بهذا الإسناد مثله.
نعم، هذا الحديث يقول فيه النبي : ما تركت بعدي فتنةً هي أضر على الرجال من النساء؛ وذلك لأن فتنة النساء فتنةٌ عظيمةٌ؛ فإن الرجل يضعف كثيرًا أمام المرأة، ويفتتن بها؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودينٍ أذهبَ لِلُبِّ الرجل الحازم من إحداكن [20]، فالمرأة إذا افتتن بها الرجل؛ قد تذهب لُبَّه، يعني: عقله، وإن كان عاقلًا حكيمًا حازمًا، ففتنة المرأة فتنةٌ عظيمةٌ؛ ولهذا على المسلم أن يحذر هذه الفتنة: أن يفتتن بالمرأة، وأعظم ما تكون الفتنة بالمرأة: الفتنة بالزوجة؛ ولهذا قال العلماء: إن أكثرهن فتنةً: الزوجات، فأحيانًا يفتتن الرجل بزوجته من جهة أنها تأمره بمعصية الله؛ كأن تأمره بعقوق الوالدين، أو أن تأمره بقطيعة الرحم، أو أن تأمره بارتكاب معصيةٍ من المعاصي، أو أنها تنهاه عن طاعة الله ، تهوِّن عليه مثلًا شأن الصلاة، أو نحو ذلك.
ومثل ذلك أيضًا: فتنة المرأة بالرجل؛ كأن يهون عليها مثلًا شأن الحجاب، أو ينهاها عن طاعة الله، أو يحثها على معصية الله، فالفتنة واردةٌ من الرجال بالنساء، ومن النساء بالرجال، لكنها فتنةٌ عظيمةٌ.
ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ما تركت بعدي في الناس فتنةً أضر على الرجال من النساء، وسيأتي في الحديث الآتي: أن أول فتنة بني إسرائيل إنما كانت في النساء.
حديث: إن الدنيا حُلوةٌ خَضِرةٌ..
حدثنا محمد بن المُثَنَّى ومحمد بن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفرٍ: حدثنا شعبة، عن أبي مسلمة، قال: سمعت أبا نضرة يحدث عن أبي سعيدٍ الخدري، عن النبي قال: إن الدنيا حُلوةٌ خَضِرةٌ، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، وفي حديث ابن بشارٍ: لينظر كيف تعملون [21].
نعم، في هذا الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: إن الدنيا حلوةٌ خضرةٌ، الدنيا ببهارجها وزينتها وزخارفها حلوةٌ خضرةٌ، كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث حكيم بن حزامٍ قال: سألت رسول الله فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: يا حكيم، إن هذا المال حلوٌ خضرٌ، فمن أخذه بسخاوة نفسٍ؛ بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفسٍ؛ لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا -يعني المنفقة- خيرٌ من اليد السفلى، يعني: الآخذة، فقال حكيمٌ: والله لا أرزأ بعدك أحدًا أبدًا [22]، يعني: لا أسأل بعدك أحدًا أبدًا، فكان أبو بكرٍ يعطيه حقه من العطاء فيأباه، فيعطيه عمر حقه فيأباه، فيقول عمر للناس: اشهدوا على حكيمٍ أني أعطيه حقه فيأبى، انظر كيف تأثر حكيمٌ؟! حكيم بن حزامٍ كان يسأل النبي عليه الصلاة والسلام المال، ثم سأله، ثم سأله، فالنبي عليه الصلاة والسلام أعطاه أولًا، ثم وعظه بهذه الكلمات، كلماتٍ يسيرةٍ، فوقعت في نفس حكيمٍ موقعًا عظيمًا، وتأثر تأثرًا بليغًا.
إن هذا المال حلوٌ خضرٌ يعني: محبوبٌ للنفس، جُبلت النفوس على حب المال: وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر:20]، فمن أخذه بسخاوة نفس يعني: إذا أخذ الإنسان هذا المال بسخاوة نفس من غير شَرَهٍ، ومن غير طمعٍ، ومن غير تعلقٍ، وإنما كانت نفسه سخيةً؛ بورك له فيه، هذا من أسباب حلول البركة في المال: أن يأخذ الإنسان هذا المال بسخاوة نفسٍ، فلا يكون طمَّاعًا، ولا يكون شحيحًا، ولا متعلقًا بهذا المال؛ يبارك له في هذا المال.
ومن أخذه بإشراف نفسٍ؛ لم يبارك له فيه يعني: أخذه بتعلقٍ وجشعٍ وطمعٍ وشحٍّ، وحرصٍ شديدٍ، هذا من أسباب نزع البركة من هذا المال.
وكان كالذي يأكل ولا يشبع، يبقى يَسأل ويَسأل ولا يشبع، حتى وإن كان عنده ثروةٌ؛ لا يشبع.
وفي هذا الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: إن الدنيا حلوةٌ خضرةٌ، هي بمعنى قوله : إن هذا المال حلوٌ خضرٌ، يعني: محبوبٌ للنفوس.
وإن الله مستخلفكم فيها، مستخلفكم يعني: جاعلكم خلفاء من القرون، فالناس يخلف بعضهم بعضًا، يكون الناس جيلًا بعد جيلٍ، يخلف بعضهم بعضًا على هذه الأرض، خلقهم الله على هذه الأرض، وجعل فيها أبانا آدم وأمنا حواء، ثم بعد ذلك تتعاقب الأجيال، ويخلف بعضها بعضًا إلى قيام الساعة.
وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون يعني: نظر اختبارٍ، وإلا فالله تعالى مطلعٌ على كل شيءٍ، لكن نظر اختبارٍ وابتلاءٍ.
فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فاتقوا الدنيا، يعني: تجنبوا الافتتان بالدنيا؛ وذلك أن الإنسان ربما يفتتن بالدنيا من حيث لا يشعر، يكون طَوال عمره يلهث في جمع حطام الدنيا، ويكدح، ويغفل عن الآخرة، وحتى لو أتى بالطاعات؛ يأتي بها وكأنها عاداتٌ، هذا نوعٌ من الافتتان بالدنيا، أن يكون متعلقًا بالدنيا، غافلًا معرضًا عن الآخرة.
قال النووي رحمه الله: ومعنى الدنيا خضرةٌ حلوةٌ: يحتمل أن المراد به شيئان:
- أحدهما: حُسنها للنفوس ونضارتها ولذتها؛ كالفاكهة الخضراء الحلوة، فإن النفوس تطلبها طلبًا حثيثًا، فكذا الدنيا.
- والثاني: سرعة فنائها؛ كالشيء الأخضر في هذين الوصفين.
والمعنيان صحيحان، فالدنيا خضرةٌ حلوةٌ، يعني: من شدة النضارة والزخارف والبهرجة، وهي أيضًا سريعة الفناء والزوال؛ كالشيء الأخضر الذي سرعان ما تزول خضرته ونضارته.
قال : فاتقوا الدنيا يعني: اتقوا الافتتان بالدنيا، واتقوا النساء يعني: اتقوا الافتتان بالنساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، وهذا قد جاء في عدة أحاديث أن أول فتنة حصلت في بني إسرائيل: النساء، ونجد أن النصوص من الكتاب والسنة تَذكر ما حصل لبني إسرائيل؛ تحذيرًا لهذه الأمة أن يقعوا في مثل ما وقعت فيه الأمم السابقة، ومن ذلك: الفتن.
وأول فتنةٍ وقعت في بني إسرائيل هي فتنة النساء؛ وذلك لأن الرجال إذا افتتنوا بالنساء؛ تضيع كثيرٌ من أمور دينهم، ويقعون فيما حرم الله .
ولذلك بيَّن النبي عظيم شأن فتنة النساء: ما تركت بعدي فتنةً هي أضر على الرجال من النساء، وكيف تعرف أن الإنسان قد فتن بهذا الشيء؟ فتن بالمال؟ أو فتن بالمرأة؟ أو فتن بالولد؟ أو فتن بالعلم؟ أو فتن بأي شيءٍ؟ ما علامة ذلك؟
علامة ذلك: إذا كان هذا الشيء يبعده عن الله والدار الآخرة؛ فهذا دليلٌ على أنه قد فتن به، إذا كان هذا الشيء يبعده عن الله والدار الآخرة، هذا المال يبعده عن الله والدار الآخرة؛ معنى ذلك أنه فتن به، هذه الزوجة تبعده عن الله والدار الآخرة؛ معنى ذلك أنه فتن بها، هذا الولد يبعده عن الله والدار الآخرة؛ معنى ذلك أنه فتن به، هذا العلم يبعده عن الله والدار الآخرة؛ معنى ذلك أنه فتن به، فأي شيءٍ يكون سببًا في إبعادك عن الله والدار الآخرة؛ فمعنى ذلك أنك قد افتتنت به.
قصة أصحاب الغار الثلاثة، والتوسل بصالح الأعمال
باب قصة أصحاب الغار الثلاثة، والتوسل بصالح الأعمال
حدثني محمد بن إسحاق المُسَيَّبيُّ: حدثني أنسٌ -يعني ابن عياضٍ أبا ضَمْرة- عن موسى بن عقبة، عن نافعٍ، عن عبدالله بن عمر، عن رسول الله أنه قال: بينما ثلاثة نفرٍ يتمشون؛ أخذهم المطر فآووا إلى غارٍ في جبلٍ، فانحطَّت على فم غارهم صخرةٌ من الجبل فانطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعضٍ: انظروا أعمالًا عملتموها صالحةً لله فادعوا الله تعالى بها؛ لعله يَفرُجها عنكم.
الشيخ: لعله أو لعل الله؟
القارئ: لعله.
الشيخ: لعله، طيب اختلاف النسخ.
القارئ: أحسن الله إليكم يا شيخ.
لعله يَفرُجها عنكم، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران، وامرأتي، ولي صِبيةٌ صغارٌ أرعى عليهم، فإذا أرحت عليهم؛ حلبتُ فبدأت بوالديَّ، فسقيتهما قبل بَنِيَّ، وأني نأى بي ذات يومٍ الشجر، فلم آت حتى أمسيت، فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحِلاب فقمت عند رءوسهما، أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أسقي الصِّبية قبلهما، والصِّبية يتضاغون عند قدميَّ، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك؛ فافرج لنا منها فرجةً نرى منها السماء، ففرج الله منها فرجةً فرأوا منها السماء، وقال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عمٍّ أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء، وطلبت إليها نفسها فأبت حتى آتيها بمئة دينارٍ، فبغيت حتى جمعت مئة دينارٍ فجئتها بها.
الشيخ: فبغيت أو فتعبت؟
القارئ: هي مكتوبة عندي بالأمرين: فبغيت وتعبت.
الشيخ: أي نعم، هو الأصح فتعبت.
القارئ: أحسن إليكم يا شيخ.
فتعبت حتى جمعت مئة دينارٍ فجئتها بها، فلما وقعت بين رجليها قالت: يا عبدالله، اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه، فقمت عنها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك؛ فافرُج لنا منها فرجةً، ففَرَج لهم، وقال الآخر: اللهم إني كنت استأجرت أجيرًا بفَرَق أَرُزٍّ، فلما قضى عمله قال: أعطني حقي، فعرضت عليه فَرَقَه فرغب عنه، فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرًا ورِعاءها، فجاءني فقال: اتق الله ولا تظلمني حقي! قلت: اذهب إلى تلك البقر ورِعائها فخذها، فقال: اتق الله ولا تستهزئ بي! فقلت: إني لا أستهزئ بك، خذ ذلك البقر ورِعاءها، فأخذه فذهب به، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرُج لنا ما بقي، ففَرَج الله ما بقي [23].
وحدثني إسحاق بن منصورٍ وعبد بن حُميدٍ قالا: أخبرنا أبو عاصمٍ، عن ابن جُريجٍ: أخبرني موسى بن عقبة، ح، وحدثني سويد بن سعيدٍ: حدثنا علي بن مُسهِرٍ، عن عبيدالله، ح، وحدثني أبو كُريبٍ ومحمد بن طَرِيفٍ البَجَلي قالا: حدثنا ابن فُضيلٍ: حدثنا أبي ورَقَبَة بن مَسْقَلَة، ح، وحدثني زهير بن حربٍ وحسنٌ الحُلواني وعبد بن حُميدٍ قالوا: حدثنا يعقوب -يعنون ابن إبراهيم بن سعدٍ- حدثنا أبي، عن صالح بن كَيْسان، كلهم عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن النبي ، بمعنى حديث أبي ضَمْرة، عن موسى بن عقبة، وزادوا في حديثهم: وخرجوا يمشون، وفي حديث صالحٍ: يتماشون، إلا عبيدالله، فإن في حديثه: وخرجوا، ولم يذكر بعدها شيئًا.
حدثني محمد بن سهلٍ التميمي وعبدالله بن عبدالرحمن بن بهرام وأبو بكر بن إسحاق -قال ابن سهلٍ: حدثنا، وقال الآخران: أخبرنا- أبو اليمان: أخبرنا شعيبٌ، عن الزهري: أخبرني سالم بن عبدالله: أن عبدالله بن عمر قال: سمعت رسول الله يقول: انطلق ثلاثة رهطٍ ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غارٍ، واقتص الحديث بمعنى حديث نافعٍ عن ابن عمر، غير أنه قال: قال رجلٌ منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، فكنت لا أغبق قبلهما أهلًا ولا مالًا، وقال: فامتنعت مني، حتى ألمَّت بها سَنَةٌ من السنين؛ فجاءتني فأعطيتها عشرين ومئة دينارٍ، وقال: فثمَّرت أجره حتى كثرت منه الأموال، فارتجعت، وقال: فخرجوا من الغار يمشون.
نعم، هذه القصة من قصص الأمم السابقة، وقيل: إنها من قصص بني إسرائيل الصحيحة التي قصها علينا النبي ؛ لأجل أن نأخذ الدروس والعبر منها، وهي قصةٌ عظيمةٌ، وقعت لهؤلاء الثلاثة النفر.
وهؤلاء الثلاثة ذهبوا للبر للصحراء، وجاء في هذه الرواية: أنهم يتمشون، أخذهم المطر وأَوَوا، يعني أتت أمطارٌ غزيرةٌ، فذهبوا إلى غارٍ يتوقون به هذه الأمطار، فانحطَّت عليهم صخرةٌ من الجبل، فانطبقت عليهم.
فقال بعضهم لبعضٍ: انظروا إلى أرجى أعمالكم الصالحة التي عملتموها لله، فتوسلوا إلى الله تعالى بها، فكل واحدٍ منهم توسل بأرجى عملٍ عَمِله لله.
الأول توسل ببره بوالديه، وذكر هذه القصة التي تدل على عظيم بره بوالديه: أنه كان له والدان شيخان كبيران، وكان كل يومٍ يحلب لهما من الإبل ويأتي بغَبُوقهما، وذات ليلةٍ نأى به طلب الشجر، يعني: بَعُد به طلب الشجر، فلم يتيسر أن يأتي في الوقت المعتاد، فأتى، وإذا والداه قد ناما، وقال: فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحِلَاب يعني: بالشيء الذي يوضع فيه هذا الحليب، فقمت عند رءوسهما، أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أسقي الصِّبية قبلهما.
يعني: أتى ووجد أطفاله يصيحون، يريدون أن يشربوا من هذا الحليب، وأبوه وأمه وَجَدَهما نائمين، فكره أن يوقظ أباه وأمه، وكره أن يُقَدِّم أولاده على أبيه وأمه، فوقف بهذا الإناء الذي فيه هذا الحليب طَوال الليل، وقف قائمًا على رأسهما حتى طلع الفجر، فلما طلع الفجر؛ استيقظا وشربا من هذا الحليب، قال: إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك؛ فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة قليلًا، غير أنهم لا يستطيعون الخروج، فتوسل إلى الله تعالى بعظيم بره بوالديه، يعني رجلٌ بلغ إلى هذه الدرجة أنه يقف بالإناء من الحليب على رأس والديه، حتى يطلع الفجر، وأولاده يصيحون يريدون أن يشربوا من هذا الحليب ويأبى، يأبى تقديم أولاده على والديه، ويكره أن يوقظ والديه خشية أن يزعجهما بهذا الاستيقاظ، إلى هذه الدرجة بلغ به البر! فتوسل إلى الله بعظيم بره بوالديه، فانفرجت الصخرة قليلًا غير أنهم لا يستطيعون الخروج.
أما الثاني: فتوسل إلى الله بعفته عن الزنا مع تمكنه منه التمكن التام، وقوة الداعي إليه؛ وذلك أنه كان له ابنة عمٍّ وقع في حبها حبًّا شديدًا، كأشد ما يحب الرجال النساء، تصور هذا الحب، كأشد ما يحب الرجال النساء، يعني: وقع في حبٍّ وغرامٍ لهذه المرأة، ثم تحول هذا الحب إلى أن طلب هذه المرأة عن نفسها يراودها، فأبت حتى يأتي لها بمئة دينارٍ، وفي الرواية الأخرى: بمئةٍ وعشرين دينارًا.
فقام يجمع هذا المال، وتعب في جمعه، فجاء بهذه الدنانير، فأمكنته من نفسها، فلما وقع بين رجليها؛ قالت له هذه الكلمة العظيمة، التي أثرت فيه: يا عبدالله، اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، كنايةً عن البكارة، يعني: لا تفتح البكارة إلا بحقها، يعني: إلا بالزواج، وليس بالزنا، فجاء في بعض الروايات أنها لما قالت هذه الكلمة؛ ارتعب واضطرب، وقام عنها، وترك الدنانير التي أعطاها لها، تركها ولم يأخذ منها شيئًا، وقال: إن كنتُ فعلت ذلك ابتغاء وجهك؛ فافرج عنا ما نحن فيه، فتوسل إلى الله تعالى بعفته عن الزنا مع تمكنه التام منه، من غير محاسبة البشر، فانفرجت الصخرة قليلًا، غير أنهم لا يستطيعون الخروج.
أما الثالث: فتوسل إلى الله تعالى بأمانته العظيمة؛ وذلك أنه استأجر أجراء، وأعطى كل واحدٍ أجره، إلا واحدًا منهم، كما جاء في الروايات الأخرى: إلا واحدًا منهم استأجره بفَرَق أَرُزٍّ [24]، والفَرَق: هو أناءٌ يسع ثلاثة آصُعٍ، فلما قضى عمله قال: أعطني حقي، فأعطاه حقه، فكرهه ورغب عنه.
قال: فلم أزل أزرعه، فقام وثَمَّر حقه له ونمَّاه، وتاجر فيه حتى كوَّن ثروةً كبيرةً، فجاء ذلك الرجل بعد حينٍ من الدهر، وقال: يا فلان، اتق الله وأعطني حقي، جاء في رواية البخاري، يعني هنا رواية مسلمٍ، قال: إنه جعلها في البقر، لكن في رواية البخاري أنه قال: هو لك كل ما ترى من الإبل والبقر والغنم والرقيق، قال: اتق الله، ولا تستهزئ بي، يعني: هذا غير معقولٍ، كيف أن هذه الأموال كلها لي؟!
قلتُ: والله لا أستهزئ بك، إني ثمَّرت لك أجرك، فلك كل ما ترى، فأخذه كله ولم يترك لي منه شيئًا، يعني: كان ينبغي على الأقل أن هذا الرجل أحسن إليه، وثمر له أجره، يعني يعطيه شيئًا منه، قال: أخذه كله، ولم يترك لي منه شيئًا، فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك؛ فافرُج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون.
فوائد من قصة أصحاب الغار الثلاثة
هذه القصة العظيمة التي قصها علينا النبي فيها دروسٌ وفوائد؛ من هذه الدروس:
- أولًا: مشروعية التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة، وهذا من أنواع التوسل المشروع، فيشرع للمسلم أن يتوسل إلى الله تعالى بأعمالٍ صالحةٍ عملها، وخاصةً عند وقوع الكربة والشدة، إذا وقعت لك كربةٌ أو شدةٌ أو ضائقةٌ، انظر إلى أرجى عملٍ عملته لله فتوسل إلى الله تعالى به؛ كما فعل هؤلاء الثلاثة، وهذا التوسل من أسباب الإجابة، التوسل إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة، فهذا من أنواع التوسل المشروع.
- ثانيًا: دل هذا الحديث على فضل بر الوالدين، وأن بر الوالدين من أسباب تفريج الكروب، بر الوالدين هو أحب العمل إلى الله تعالى بعد الصلاة، وقد جاء في “الصحيحين”، عن ابن مسعودٍ قال: قلتُ: يا رسول الله، أخبرني بأحب العمل إلى الله تعالى، قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله [25].
فانظر كيف قدَّم النبي بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله في الفضل، وفي كونه أحب إلى الله ، وهذا الحديث يدل على أنه من أسباب تفريج الكروب.
- أيضًا من فوائد هذا الحديث: دل هذا الحديث على فضل العفة عن الفواحش، خاصةً عند التمكن منها، فكون الإنسان يستطيع أن يصل إلى ما يريد من الحرام، ويترك ذلك لله ، فإن هذا أجره عند الله تعالى عظيمٌ، وهو من أسباب تفريج الكروب؛ فإن هذا الرجل توسل إلى الله بعفته عن الزنا مع تمكنه منه، فانفرجت الصخرة قليلًا.
- أيضًا من فوائد هذه القصة: فضل الأمانة، وحفظ حقوق الآخرين، وأنها من أسباب تفريج الكروب، فهذا الرجل حفظ حق هذا الأجير، ولم يكتف بحفظه، بل ثمَّره له، حتى كوَّن منه ثروةً كبيرةً، وأعطاه هذا الأجر بنمائه الكبير، قال: هو لك كل ما ترى من الإبل والبقر والغنم والرقيق؛ وهذا يدل على فضل هذا العمل، وأنه من الأعمال الصالحة، وأنه من أسباب تفريج الكروب.
فإذا كان لأحدٍ عندك حقٌّ؛ فاحفظه له، وإن ثمَّرته؛ كان ذلك أفضل، لكن احفظه له، واحرص على أن تؤديه إليه، فإن هذا من الأعمال الصالحة، ويدل على قوة الإيمان والخوف من الله ؛ لأن هذا الرجل عَمِل عنده ثم ذهب، وبإمكانه أن يجحده، ويقول: ما لك عندي شيءٌ، لكن هذا الرجل حفظ حقه، بل وتاجر وثمَّر حقه له حتى كون ثروةً، ولم يطمع فيه بعد تكوين هذه الثروة له، لم يطمع فيه، بل أعطاه جميع هذا الحق، فكان هذا من أسباب تفريج الكروب؛ فدل ذلك على أن هذه الخصال الثلاثة المذكورة في هذا الحديث من أسباب تفريج الكربات.
- أيضًا ذكر بعض العلماء من فوائد هذه القصة: إثبات الكرامة للصالحين؛ لأن هذا الذي حصل هو كرامةٌ، يعني: كون الصخرة تنفرج قليلًا، ثم تنفرج قليلًا، ثم تنفرج حتى يخرجوا من الغار، هذا كرامةٌ من الله لهؤلاء الثلاثة، وإلا فصخرةٌ عظيمةٌ انطبقت عليهم، ما الذي سيزحزحها؟!
لكن هؤلاء توسلوا إلى الله بصالح أعمالهم، فانفرجت هذه الصخرة حتى خرجوا يمشون، وهذا الذي وقع كرامةٌ من الله ، وأهل السنة والجماعة يثبتون الكرامة للصالحين، وللأولياء، لكن الكرامة تأتي للإنسان من غير طلبٍ، الذي يبحث عنها ويطلبها لا تأتيه، وإنما تأتي اتفاقًا، تأتي للإنسان من غير طلبٍ، ولا يلزم من عدم إتيان الكرامة للإنسان أنه ليس بصالحٍ، قد يكون الإنسان صالحًا ووليًّا لله تعالى، ولا تحصل له كراماتٌ، لكن الكرامات تقع للصالحين، وتقع لأولياء الله حسبما تقتضيه حكمة الله البالغة.
ذكر الله تعالى عن مريم عليها السلام أن الله تعالى أعطاها كرامةً، كانت تأتيها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:37].
وهكذا أيضًا الكرامة التي حصلت لجُريجٍ، وهكذا أيضًا الكرامات التي حصلت لبعض الصحابة والتابعين والصالحين، والقصص في هذا متواترةٌ، فأهل السنة والجماعة يثبتون الكرامة، وهي أمرٌ خارقٌ للعادة، يقدره الله لبعض عباده الصالحين، لكن ليس معنى عدم وقوع الكرامة أن هذا الإنسان ليس بصالحٍ، فقد لا تقع للصالح أصلًا كرامةٌ، قد لا تقع للولي أصلًا كرامةٌ، لكن أهل السنة يثبتون الكرامة، وأنها تقع للصالحين.
هذه أبرز الفوائد والدروس المستنبطة من هذه القصة العظيمة؛ ولذلك أيضًا نختم بهذا الدرس، وهذه الفائدة:
على المسلم أن يحرص على أن يكون له خبيئةٌ عملٍ صالحٍ بينه وبين الله ، لا يعلم بها أحدٌ إلا الله، حتى إذا وقع في كربةٍ أو في شدةٍ؛ توسل إلى الله تعالى بتلك الخبيئة من العمل الصالح.
خبيئةٌ من عملٍ صالحٍ من مثلًا صدقاتٍ، من مساعدة فقيرٍ، من صيامٍ، من صلاةٍ، المهم خبيئة أعمالٍ لا يعلم بها إلا الله ، حتى إذا وقع في شدةٍ أو كربةٍ؛ توسل إلى الله تعالى بها.
ولذلك ربما لو طرحنا هذا السؤال، أو اطرح هذا السؤال على نفسك، تقول: لو وقعت الآن في كربةٍ أو شدةٍ هل عندي خبيئة عملٍ أتوسل بها إلى الله ؟
بعض الناس يقول: تأملت، ما عندي أي شيءٍ، هذا قصورٌ، فينبغي أن يكون المسلم عنده خبيئة عملٍ من أعمالٍ صالحةٍ، إذا وقع في كربةٍ أو شدةٍ، توسل إلى الله بها، كما توسل هؤلاء الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة بصالح أعمالهم، فانفرجت الصخرة، وخرجوا يمشون.
وبهذا نكون قد انتهينا من شرح “صحيح مسلمٍ”، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
نقف عند كتاب التوبة، وبين الأذان والإقامة نجيب عما تيسر من الأسئلة.
هنا أكثر من سؤالٍ ورد:
الأسئلة
السؤال: هل التوسل إلى الله بعملٍ صالحٍ يُذهب الأجر؟
الجواب: لا يذهب الأجر، وإنما أنت تتوسل إلى الله بهذا العمل الصالح في أن يفرج عنك كربتك، وأجر هذا العمل الصالح باقٍ لك يوم القيامة، والله تعالى يقول: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً -يعني في الدنيا- وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].
قد يُجزَى المسلم على العمل الصالح في الدنيا والآخرة؛ في الدنيا بالحياة الطيبة، وبتفريج الكروب، وتيسير الأمور، والذكر الحسن، هذا كله من عاجل بشرى المؤمن، وأما في الآخرة فبجنةٍ عرضها السماوات والأرض.
السؤال: والدي رحمه الله سجل بعض الأسهم باسمي، وعمري ثلاث عشرة سنةً، فما حكمها؟
الجواب: هذه الأسهم إن كانت أسهم شركاتٍ نقيةٍ فلا بأس، لا بأس أن تستمر فيها، وتستفيد من رَيعها، وأما إذا كانت هذه الأسهم لشركاتٍ ليست نقيةً؛ فننصحك بأن تتخلص منها، وأن تقوم بالتطهير عن القدر المحرم في كل شركةٍ.
السؤال: هل هناك فضل أو ثواب لمن غسل ميتًا؟
الجواب: ورد في ذلك أحاديث لكنها ضعيفةٌ، ولكن يبقى تغسيل الميت أنه إحسانٌ لهذا الميت، والإحسان للميت أجره عند الله عظيمٌ، حتى إن من صلى على الميت؛ كان له أجر قيراطٍ، ومن تبع جنازةً حتى تدفن؛ كان له أجر قيراطين، والقيراط مثل جبل أحدٍ.
ولا شك أن تغسيل الميت أكثر مشقةً من الصلاة عليه، فإذا كان من صلى عليه يؤجر بقيراطٍ، فكيف بمن غسله؟ فهذا يدل على أن القيام على هذا الميت من تغسيله وتجهيزه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه واتباع جنازته، أن الأجور المرتبة على ذلك عظيمةٌ جدًّا.
السؤال: ماذا يفعل من نسي في صلاته هل صلى ثلاث ركعاتٍ أم أربعًا؟ هل يبني على اليقين أم يعمل بغلبة الظن؟
الجواب: إن كان عنده غلبة ظنٍّ؛ فيعمل غلبة ظنه، فإذا غلب على ظنه أنه صلى أربع ركعاتٍ، يجعلها أربع ركعاتٍ، لكن يسجد للسهو في آخر صلاته، وإن غلب على ظنه أنها ثلاث ركعاتٍ؛ يجعلها ثلاثًا، ويأتي بركعةٍ ويسجد للسهو.
أما إذا لم يكن عنده غلبة ظنٍّ، بأن كان الأمر متساويًا، لا يدري هل صلى ثلاثًا أم أربعًا؟ وليس عنده ترجيحٌ أو غلبة ظنٍّ، فإنه يبني الأمر على اليقين وهو الأقل، فإذا شك هل صلى ثلاث ركعاتٍ أم أربع ركعاتٍ؟ يجعلها ثلاث ركعاتٍ، ويأتي برابعةٍ ويسجد للسهو.
السؤال: هل أسمي من أدعو لهم بأسمائهم في الصلاة، فريضةً كانت أم نافلةً؟
الجواب: أما الفريضة فيُحتاط لها، وينبغي عدم التوسع فيها؛ لأن النبي كان يصلي بأصحابه في اليوم والليلة خمس مراتٍ، ونقل الصحابة عنه كل شيءٍ، حتى اضطراب لحيته في الصلاة [26]، ولم يَنقُلوا عنه مثلًا أنه كان إذا مر بآيةٍ فيها تسبيحٌ؛ سبح، وإذا مر بآيةٍ فيها عذابٌ تعوذ، وإذا مر بذكر الجنة سأل الله من فضله، وإذا مر بذكر النار تعوذ بالله من النار، لم يذكر الصحابة أن النبي كان يفعل هذا في صلاة الفريضة، ونقلوا أنه كان يفعل هذا في صلاة النافلة [27]؛ وهذا يدل على أن صلاة النافلة أوسع من صلاة الفريضة، فصلاة الفريضة يُحتاط لها؛ ولذلك ينبغي ألا يسمي أسماء أشخاصٍ في صلاة الفريضة، وإنما يجعل ذلك في صلاة النافلة، ويقول النبي : ما من عبدٍ يدعو لأخيه بظهر الغيب؛ إلا وعلى رأسه ملكٌ يقول: آمين، ولك بمثله [28].
لكن ينبغي أن يكون هذا في صلاة النافلة، أو يكون ذلك حتى خارج الصلاة، أنت تدعو الله ، وتسمي من تشاء من إخوانك وأصحابك وأقاربك، تسميهم وتدعو الله تعالى لهم بما يحضرك من خيري الدنيا والآخرة، فهذا يكون سببًا لإجابة دعائك لنفسك؛ لأن المَلَك يقول: آمين، ولك بمثله.
السؤال: ما حكم السترة في الصلاة، وما مقدارها؟
الجواب: السترة مستحبةٌ، يستحب للمصلي صلاة فريضةٍ أو نافلةٍ أن يجعل أمامه سترةً، وأقلها مثل مُؤْخِرة الرحل، يعني في حدود ثلثي ذراعٍ، ولكن سترة المأموم يغني عنها سترة الإمام؛ لأن سترة الإمام سترةٌ لمن خلفه، فإذا جعل الإمامُ له سترةً؛ فلا يحتاج لأن يجعل المأمومون لهم سترةً؛ لأن سترة الإمام سترةٌ لمن خلفه، فالذي يشرع له أن يتخذ سترةً هو الإمام والمنفرد، لكنها ليست واجبةً، وإنما مستحبةٌ.
السؤال: هل يجب على الإمام أن يقول: ربنا ولك الحمد، بعد: سمع الله لمن حمده؟
الجواب: نعم، يجب عليه ذلك، قول سمع الله لمن حمده يكون للإمام والمنفرد، وأما قول: ربنا ولك الحمد، فهذا يجب على الجميع، على الإمام والمأموم والمنفرد.
السؤال: امرأةٌ من (أبها) مرافقةٌ مع زوجها المريض في أحد مستشفيات الرياض، ثم توفي زوجها، فهل يجوز لها الرجوع للإحداد في بيت زوجها؟
الجواب: نعم، هذا هو الأصل، الأصل أن المرأة إنما تُحِدُّ في بيت زوجها؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله [29]، فعدة المتوفى عنها زوجها إنما تكون في بيت الزوج.
السؤال: إذا قرأ الإمام الفاتحة وقرأ سورةً بعدها، ودخلت أنا في الصلاة والإمام يقرأ في السورة الثانية، هل أقرأ سورة الفاتحة، أو استمع للإمام؟
الجواب: الأفضل أن تستمع للإمام؛ لأن قراءة الإمام قراءةٌ لمن خلفه، وقراءة الفاتحة للمأموم لا تجب فيما جهر فيه الإمام، إنما تجب فيما لم يجهر فيه الإمام على القول الراجح.
السؤال: هل يجب الاستنجاء من خروج الريح؟
الجواب: لا يجب الاستنجاء من خروج الريح، وإنما الواجب هو الوضوء، أما الاستنجاء فإنما يكون عند خروج البول أو الغائط فقط، وبعض العامة يعتقد أنه إذا أراد أن يتوضأ لا بد أن يستنجي، وهذا فهمٌ غير صحيحٍ، فالاستنجاء والاستجمار إنما يكونان عند قضاء الحاجة.
فإذا أردت أن تتوضأ؛ فلا حاجة لأن تستنجي أصلًا، إنما تبدأ وتسمي وتغسل كفيك، وتتمضمض وتستنشق، وتغسل وجهك، وتكمل وضوءك، فلو خرج من الإنسان ريحٌ مثلًا، أو مثلًا قام من النوم؛ فلا داعي للاستنجاء، يتوضأ مباشرةً من غير حاجةٍ للاستنجاء.
السؤال: ما الطرق الشرعية للحصول على السيولة؟
الجواب: الطرق الشرعية هي التمويل من المصارف ونحوها، بطريقةٍ من الطرق المشروعة، إما التمويل بطريق المرابحة، أو التمويل بطريق التورق، أو التمويل بطريق التأجير مع الوعد بالتمليك، أو التمويل بطريق المشاركة، أو بأية صيغةٍ من الصيغ المشروعة.
ولذلك ينبغي -إذا أردت تمويلًا منضبطًا بالضوابط الشرعية- أن تذهب لمصرفٍ إسلاميٍّ، تكون لديه هيئةٌ شرعيةٌ، ويكون لديه أيضًا رقابةٌ شرعيةٌ تطبق أو تراقب تطبيق قرارات الهيئة الشرعية.
فإذا وجد هيئةٌ شرعيةٌ ورقابةٌ شرعيةٌ؛ فلا بأس أن تحصل على التمويل في أية صورةٍ من صور التمويل المشروعة.
السؤال: ما أهمية علم القواعد الفقهية، وحاجة طالب العلم إليها؟
الجواب: علم القواعد الفقهية من العلوم العظيمة النافعة، التي تعين طالب العلم على التأصيل، وعلى ضبط العلم، ومن ميزاتها: أنه يدخل تحتها فروعٌ كثيرةٌ، فلو أخذت مثلًا قاعدة: اليقين لا يزول بالشك؛ تجد أن هذه القاعدة تدخل في عامة أبواب الفقه، ولها فروعٌ كثيرةٌ، وهكذا أيضًا القواعد الأخرى: الأمور بمقاصدها، والقواعد الأخرى، وهذا يبين أهمية تعلم طالب العلم لعلم القواعد.
وقد صنف علماؤنا فيها مصنفاتٍ، فيها مصنفاتٌ وكتبٌ كثيرةٌ، كتبٌ مذهبيةٌ، وأيضًا فيها كتبٌ مصنفةٌ حسب ما يقتضيه الدليل، ومن الكتب المذهبية: “الأشباه والنظائر” للسيوطي، ومن الكتب التي بنيت على ما يقتضيه الدليل: كتاب الشيخ عبدالرحمن السعدي: “قواعد الشيخ عبدالرحمن بن سعدي” رحمه الله.
السؤال: هل يجوز التسبيح بهذه الكيفية: سبحان الله عدد خلقه، الحمد لله عدد خلقه، لا إله إلا الله عدد خلقه، الله أكبر عدد خلقه، ومثلها من الأذكار؟
الجواب: نعم، هذا لا بأس به، هذا يسميه العلماء الذكر المضاعف، وهذا وإن كان ورد في التسبيح؛ إلا أنه يصح أن يكون في أي ذكرٍ، قد جاء في “صحيح مسلمٍ”، عن أم المؤمنين جويرية رضي الله عنها، أن النبي مر بها بعدما صلى صلاة الصبح وهي تسبح، ثم رجع إليها بعدما أضحى، يعني بعد قرابة ثلاث ساعاتٍ، وقال: ما زلتِ على الحال التي فارقتك عليها؟، قالت: نعم، قال: لقد قلت بعدك أربع كلماتٍ ثلاث مراتٍ لو وزنت بما قلت لوزَنَتْهنَّ: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، سبحان الله وبحمده زنة عرشه، سبحان الله وبحمده رضا نفسه، سبحان الله وبحمده مداد كلماته [30]، ويكررها ثلاث مراتٍ.
ولا بأس أيضًا أن يأتي بالأذكار الأخرى مثلها، كأن يقول: الحمد لله عدد خلقه، الحمد لله زنة عرشه، الحمد لله رضا نفسه، الحمد لله مداد كلماته، أو في التهليل يقول: لا إله إلا الله عدد خلقه، لا إله إلا الله زنة عرشه، لا إله إلا الله رضا نفسه، لا إله إلا الله مداد كلماته.
أو في التكبير يقول: الله أكبر عدد خلقه، الله أكبر زنة عرشه، الله أكبر رضا نفسه، الله أكبر مداد كلماته، أو في الحوقلة يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله عدد خلقه، لا حول ولا قوة إلا بالله زنة عرشه، لا حول ولا قوة إلا بالله رضا نفسه، لا حول ولا قوة إلا بالله مداد كلماته، وحتى أيضًا لو أتى بها في الاستغفار فلا بأس؛ كأن يقول: أستغفر الله وأتوب إليه عدد خلقه.. إلخ، فهذا له أصلٌ في السنة: حديث جويرية رضي الله عنها وما جاء في معناه؛ فهذا يدل على أنه لا بأس بالإتيان بهذه الصيغة في الأذكار، بل إن هذا هو الأفضل، ويسميه العلماء الذكر المضاعف.
السؤال: هل يشرع الدعاء في الركوع؟
الجواب: الأفضل ترك الدعاء في الركوع، وأن يقتصر المصلي فيه على تعظيم الله سبحانه؛ لقول النبي : أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فيه الدعاء، فَقَمِنٌ يعني: حريٌّ أن يستجاب لكم [31]، ولكن مع ذلك لو دعا في الركوع فلا بأس؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي كان يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي [32]، يتأول القرآن، يعني: قوله سبحانه: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:3].
فقوله: اللهم اغفر لي، هذا دعاءٌ، وكان يأتي به النبي في الركوع، وهذا يدل على أنه لا بأس بالدعاء في الركوع، ولكن ينبغي أن يكون الغالب على حال المصلي في الركوع أن يعظم الله ، وأما السجود فيدعو الله تعالى فيه، فيجعل الدعاء في السجود، ويجعل تعظيم الله تعالى في الركوع.
السؤال: هل قراءة الإخلاص والمعوذتين من أذكار المساء والصباح، أم أن الأحاديث الواردة فيها ضعيفةٌ؟
الجواب: نعم، هي من أذكار الصباح والمساء، والأحاديث الواردة فيها ثابتةٌ يشد بعضها بعضًا، فهي من أذكار الصباح والمساء، وهي أيضًا تقال دبر كل صلاةٍ، بعد كل صلاةٍ، مع آية الكرسي، ويشرع تكرارها ثلاث مراتٍ بعد صلاة الفجر، وبعد صلاة المغرب.
السؤال: حكم لبس الأساور للرجال؟
الجواب: لا يجوز للرجال أن يلبسوا الأساور؛ لأن في هذا تشبهًا بالنساء؛ لأن لبس الأساور من خصائص النساء، قد لعن النبي المتشبهين من الرجال بالنساء [33].
ما معنى أن يلبس الرجل سوارًا أو يلبس سلسلةً؟! هذا من شأن النساء، ولا يجوز للرجل أن يتشبه بالمرأة، فهذا العمل عمل غير جائزٍ.
السؤال: ما حكم شراء سيارةٍ بالتأجير المنتهي بالتمليك من “بنك الراجحي”؟
الجواب: لا بأس بذلك؛ لأن هذا العقد عقدٌ منضبطٌ بالضوابط الشرعية، والتأجير مع الوعد بالتمليك الموجود الآن في السوق هو على الصيغة الجائزة، تأجيرٌ حقيقيٌّ تترتب عليه آثار عقد الإجارة مع وعدٍ بالتمليك، فهو لا بأس به، إلا أنه في بعض عقود التأجير المنتهي بالتمليك، يوجد شرط غرامة تأخيرٍ، أنه إذا تأخر المستأجر عن سداد القسط؛ يحسب عليه غرامة تأخيرٍ، هذا الشرط شرطٌ لا يجوز.
فإذا كان المؤجر يأخذ هذه الغرامة؛ فهذا ربًا صريحٌ، وإذا كان لا يأخذها، وإنما يجعلها في وجوه البر؛ فهذا محل خلافٍ بين المعاصرين، والراجح: أنه لا يجوز.
وعلى ذلك: فانظر لعقد التأجير مع الوعد بالتمليك؛ فإذا لم تجد فيه هذا الشرط؛ فيبقى هذا العقد على الأصل وهو الجواز، وأن العقود الموجودة الآن في الساحة، هي على الصورة الجائزة، أنها عقد تأجيرٍ حقيقيٍ تترتب عليه آثار عقد الإجارة مع وعد بالتمليك، وهذا لا بأس به؛ لأن الأصل في المعاملات الحل والإباحة، والله تعالى يقول: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275].
طيب، لعلنا نكتفي بهذا القدر، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحاشية السفلية
^1 | رواه مسلم: 2736. |
---|---|
^2 | رواه الترمذي: 3464، وقال: حسن صحيح غريب. |
^3 | رواه مسلم: 37. |
^4 | رواه الترمذي: 2351، وأحمد: 7946. |
^5 | رواه الترمذي: 2354. |
^6 | رواه البخاري معلقًا: 7/ 82. |
^7 | رواه مسلم: 2737. |
^8 | رواه مسلم: 2738. |
^9 | رواه البخاري: 843، ومسلم: 595، بنحوه. |
^10 | رواه مسلم: 589. |
^11 | رواه البخاري: 1462، ومسلم: 79. |
^12 | رواه مسلم: 2739. |
^13 | رواه أبو داود: 3110، وأحمد: 15496. |
^14 | رواه الترمذي: 3514، وأحمد: 1783، وقال الترمذي: صحيح. |
^15 | رواه الترمذي: 3558، وأحمد: 34، وقال الترمذي: حسن. |
^16 | رواه أبو داود: 5074، وابن ماجه: 3871، وأحمد: 4785. |
^17 | رواه مسلم: 486. |
^18, ^19 | رواه مسلم: 2740. |
^20 | رواه مسلم: 79. |
^21 | رواه مسلم: 2742. |
^22 | رواه البخاري: 1472، ومسلم: 1035. |
^23 | رواه مسلم: 2743. |
^24 | رواه البخاري: 2333، ومسلم: 2743. |
^25 | رواه البخاري: 527، ومسلم: 85. |
^26 | رواه البخاري: 746. |
^27 | رواه مسلم: 772. |
^28 | رواه مسلم: 2733، بنحوه. |
^29 | رواه أبو داود: 2300، والترمذي: 1204، والنسائي: 3528، وابن ماجه: 2031، ، وقال الترمذي: حسن صحيح. |
^30 | رواه مسلم: 2726. |
^31 | رواه مسلم: 479. |
^32 | رواه البخاري: 794، ومسلم: 484. |
^33 | رواه البخاري: 5885. |