logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح أبواب من صحيح مسلم/(60) باب في الحض على التوبة والفرح بها- من حديث “أنا عند ظن عبدي بي..”

(60) باب في الحض على التوبة والفرح بها- من حديث “أنا عند ظن عبدي بي..”

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.

ربنا آتنا من لدنك رحمة، وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.

كنا قد وصلنا في شرح “صحيح مسلمٍ” إلى كتاب التوبة.

وفي هذا الدرس الستين، في يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من شهر صفر، من عام (1444 هـ).

كتاب التوبة

وقبل أن نبدأ بالاستماع للأحاديث التي ساقها المصنف رحمه الله، نعرِّف التوبة أولًا.

التوبة في اللغة: الرجوع، يقال: تاب وآب، بمعنى: رجع.

والمراد بالتوبة شرعًا: الرجوع عن الذنب.

شروط التوبة:

ولا تصح التوبة إلا بثلاثة شروطٍ:

  • الشرط الأول، وهو أهم هذه الشروط: الندم، أن يندم على ما وقع منه، وهذا الشرط قلت: إنه من أهم الشروط؛ لأنه قد جاء في بعض الأحاديث، أو بعض الروايات تعريف التوبة بالندم: الندم التوبة [1].
  • ولأن الندم يدل على الصدق في التوبة، فالذي لا يكون نادمًا على المعصية، لا يكون صادقًا في التوبة منها، فالندم على ما وقع منه، هذا من أهم الشروط.
  • والشرط الثاني: الإقلاع عن الذنب، فإن لم يقلع عن الذنب، فلا تصح توبته، لو مثلًا: تاب من شرب الخمر، لكنه مستمرٌّ في شرب الخمر، فمعنى ذلك: أن هذه التوبة غير صحيحةٍ، بل هي أشبه بالاستهزاء، كيف يقول: إنه تائبٌ، وهو مستمرٌّ على الذنب؟! فلا بد من الإقلاع عن الذنب.
  • والشرط الثالث: العزم على ألا يعود إليه مرةً أخرى، ولا بد أن يكون هذا العزم صادقًا، فإذا تحققت هذه الشروط الثلاثة، صحت التوبة، وهذه هي التوبة النصوح، الندم على ما حصل منه، والإقلاع عن الذنب، والعزم على ألا يعود إليه مرةً أخرى.

وإذا كانت المعصية متعلقةً بحقوق آدميين، فلا بد من التحلل منهم، فيكون هذا شرطًا رابعًا فيما إذا كانت التوبة متعلقةً بحقوق الآدميين، هذه هي شروط صحة التوبة، فإذا تحققت صحت التوبة وكانت توبةً نصوحًا، وإذا تخلف شرطٌ منها لم تصح.

وهل تصح التوبة من ذنبٍ، وإن كان مصرًّا على ذنوبٍ أخرى؟

هذه محل خلافٍ بين العلماء، والقول الراجح أنها تصح، فقد يكون الإنسان عنده ذنوبٌ كثيرةٌ، لكنه تاب من هذه المعصية، ومن هذا الذنب، وهو لا يزال على ذنوبٍ أخرى، فالقول الراجح أنها تصح، هذا هو الذي اختاره جمعٌ من المحققين من أهل العلم.

لكن تصح بشروطها التي ذكرنا، يعني يندم على ما حصل منه من هذا الذنب بخصوصه، ويقلع عنه، ويعزم على ألا يعود إليه مرةً أخرى.

وهل تقع التوبة من الذنب الواحد عدة مراتٍ؟

الجواب: نعم، فيمكن أن يتوب الإنسان، ويحقق شروط التوبة التي ذكرنا، ويكون صادقًا في توبته، ثم مع مرور الوقت تضعف نفسه، فيعود للذنب مرةً أخرى، فيتوب صادقًا، ثم تضعف نفسه ويعود للذنب، فهذا عودته للذنب مرةً أخرى لا تنقض توبته السابقة، بشرط أن يكون قد حقق شروط التوبة.

ويدل لذلك: ما جاء في “الصحيحين” عن أبي هريرة ، أن النبي  قال: قال الله تعالى: أذنب عبد ذنبا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك [2].

وهذا الحديث في “الصحيح”، حمله العلماء على من أذنب ثم تاب توبةً صادقةً، ثم رجع للذنب مرةً أخرى، وهكذا.

والله تعالى يحب من عبده التوبة، ويحب كثرة التوبة؛ ولهذا قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ [البقرة:222]، والتوابون: جمع توابٍ، والتواب على صيغة مبالغة فعَّال، يعني: كثير التوبة، فالله تعالى يحب العبد كثير التوبة، الذي كلما أذنب ذنبًا تاب إلى الله .

والأكمل في التوبة من الذنب: أن يفعل ما جاء في قول النبي : ما من عبد يذنب ذنبًا، ثم يقوم ويتوضأ ويصلي ركعتين، ويستغفر الله، إلا غفر الله له [3]، فإذا وقع في معصيةٍ يقوم ويتوضأ ويصلي ركعتين، ثم يستغفر الله ويتوب، ويحقق شروط التوبة، هذا هو الأكمل في التوبة.

القارئ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا ووالديه ومشايخه والمسلمين برحمتك يا رب العالمين.

بابٌ في الحض على التوبة، والفرح بها

قال المؤلف رحمنا الله وإياه:

كتاب التوبة

بابٌ في الحض على التوبة، والفرح بها

وحدثني سُويد بن سعيدٍ: حدثنا حفص بن ميسرة: حدثني زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول الله أنه قال: قال الله : أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني، واللهِ للهُ أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرب إليَّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا، ومن تقرب إليَّ ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإذا أقبل إليَّ يمشي أقبلت إليه أهرول [4].

حدثنا عبدالله بن مسلمة بن قعنبٍ القعنبي: حدثنا المغيرة -يعني ابن عبدالرحمن الحِزَامي- عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : للهُ أشد فرحًا بتوبة أحدكم من أحدكم بضالته إذا وجدها [5].

وحدثنا محمد بن رافعٍ: حدثنا عبدالرزاق: أخبرنا معمرٌ، عن همام بن منبهٍ، عن أبي هريرة، عن النبي بمعناه.

حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم، واللفظ لعثمان، قال إسحاق: أخبرنا، وقال عثمان: حدثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن عمارة بن عميرٍ، عن الحارث بن سُويدٍ، قال: دخلت على عبدالله أعوده وهو مريضٌ، فحدثنا بحديثين: حديثًا عن نفسه، وحديثًا عن رسول الله قال: سمعت رسول الله  يقول: للهُ أشد فرحًا بتوبة عبده المؤمن من رجلٍ في أرضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلَكةٍ، معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتى أدركه العطش، ثم قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه، فالله أشد فرحًا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده [6].

وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن آدم، عن قُطْبة بن عبدالعزيز، عن الأعمش، بهذا الإسناد، وقال: من رجلٍ بداويةٍ من الأرض.

حدثني إسحاق بن منصورٍ: أخبرنا أبو أسامة: حدثنا الأعمش: حدثنا عمارة بن عميرٍ قال: سمعت الحارث بن سويدٍ قال: حدثني عبدالله حديثين: أحدهما عن رسول الله ، والآخر عن نفسه، فقال: قال رسول الله : لله أشد فرحًا بتوبة عبده المؤمن، بمثل حديث جريرٍ. [7].

حدثنا عبيدالله بن معاذٍ العنبري: حدثنا أبي: حدثنا أبو يونس، عن سماكٍ قال: خطب النعمان بن بشيرٍ فقال: لله أشد فرحًا بتوبة عبده من رجلٍ حمل زاده ومَزَاده على بعيرٍ، ثم سار حتى كان بفلاةٍ من الأرض، فأدركته القائلة فنزل فقال تحت شجرةٍ، فغلبته عينه، وانسل بعيره، فاستيقظ فسعى شَرَفًا فلم ير شيئًا، ثم سعى شَرَفًا ثانيًا فلم ير شيئًا، ثم سعى شرفًا ثالثًا فلم ير شيئًا، فأقبل حتى أتى مكانه الذي قال فيه، فبينما هو قاعدٌ، إذ جاءه بعيره يمشي حتى وضع خِطَامه في يده، فلله أشد فرحًا بتوبة العبد من هذا، حين وجد بعيره على حاله، قال سماكٌ: فزعم الشعبي أن النعمان رفع هذا الحديث إلى النبي ، وأما أنا فلم أسمعه [8].

حدثنا يحيى بن يحيى وجعفر بن حُميدٍ -قال جعفر: حدثنا، وقال يحيى: أخبرنا- عبيدالله بن إياد بن لَقيطٍ، عن إيادٍ، عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله : كيف تقولون بفرح رجلٍ انفلتت منه راحلته تجر زمامها بأرضٍ قَفْرٍ ليس بها طعامٌ ولا شرابٌ، وعليها له طعامٌ وشرابٌ، فطلبها حتى شق عليه، ثم مرت بجِذْل شجرةٍ فتعلق زمامها، فوجدها متعلقةً به؟ فقلنا: شديدًا يا رسول الله، قال رسول الله : أما إنه والله للهُ أشد فرحًا بتوبة عبده من الرجل براحلته، قال جعفرٌ: حدثنا عبيدالله بن إياد، عن أبيه [9].

حدثنا محمد بن الصباح وزهير بن حربٍ، قالا جميعًا: حدثنا عمر بن يونس: حدثنا عكرمة بن عمار: حدثنا إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة: حدثنا أنس بن مالكٍ، وهو عمه، قال: قال رسول الله : لله أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاةٍ، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرةً فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك، إذ هو بها قائمةٌ عنده فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك؛ أخطأ من شدة الفرح [10].

حدثنا هداب بن خالدٍ: حدثنا همامٌ: حدثنا قتادة، عن أنس بن مالكٍ، أن رسول الله  قال: لله أشد فرحًا بتوبة عبده من أحدكم إذا استيقظ على بعيره قد أضله بأرض فلاةٍ [11].

وحدثنيه أحمد بن سعيدٍ الدارمي: حدثنا حبان: حدثنا همامٌ: حدثنا قتادة: حدثنا أنس بن مالكٍ، عن النبي ، بمثله.

الشرح:

نعم، هذه الروايات تدل على عناية الإمام مسلمٍ رحمه الله تعالى بضبط الروايات، انظر كيف جمع هذه الروايات في هذا المكان، وهي متقاربةٌ في ألفاظها، ولكن هذا يدل على شدة عناية المحدثين بضبط الروايات.

ولهذا تتميز هذه الأمة بالإسناد، لا يوجد أمةٌ من الأمم تروي أحاديث نبيها بالإسناد، إلا هذه الأمة، وانظر إلى العناية العظيمة للإمام مسلمٍ، كان يمكن أن يذكر حديثًا واحدًا بروايةٍ، وبقية الروايات بمعناها، لكن انظر كيف ساق هذه الروايات بهذا السياق البديع.

وهذه الروايات لهذا الحديث متقاربةٌ في المعنى، أولها: حديث أبي هريرة ، أن رسول الله قال: قال الله : أنا عند ظن عبدي بي، لم يقل: أنا عند حسن، بعض العامة يذكر الحديث: أنا عند حسن ظن عبدي بي، لم ترد كلمة حسن، وإنما: عند ظن عبدي بي، يعني: فإن ظن بالله خيرًا، أعطاه الله ما ظن، وإن ظن بالله سوءً كذلك.

ولذلك ينبغي أن يحسن المسلم الظن بالله .

وقد ذم الله تعالى الظانين بالله ظن السوء، الذين يظنون أن الله تعالى لن ينصر دينه، ولن يعلي كلمته، وأنه سيترك الباطل يصول على الحق من غير أن ينصر الحق وأهله، أو يظن أن الله تعالى لا يستجيب الدعاء، أو يظن بالله تعالى ظن السوء، فعلى المسلم أن يحسن الظن بالله .

ولذلك من أسباب إجابة الدعاء: حسن الظن بالله، إذا دعا المسلم ربه، وهو يحسن الظن بربه، فإن الله سيستجيب الدعاء، هذا من أعظم أسباب إجابة الدعاء، ولهذا؛ ذكر بعض المفسرين في قول الله : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي [البقرة:186]: أن قوله: وَلْيُؤْمِنُوا بِي، يعني: وليؤمنوا أني قادرٌ على إجابة دعوتهم، فليحسنوا الظن بي، فإحسان الظن بالله من أسباب إجابة الدعاء، ومن أسباب تحقيق المطلوب للعبد، فينبغي أن يكون العبد حسن الظن بربه .

ولهذا جاء في بعض الروايات: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء، يعني: إن ظن بي خيرًا أعطيته خيرًا، وإن ظن بي سوءًا أعطيته السوء: الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ [الفتح:6].

قال: وأنا معه حيث يذكرني، وهذه المعية هي المعية الخاصة؛ فإن المعية على قسمين:

معيةٌ عامةٌ لجميع الناس، ومعيةٌ خاصةٌ للمؤمنين وللذاكرين، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153]، هذه معيةٌ خاصةٌ، وأنا معه حيث يذكرني، هذه معيةٌ خاصةٌ: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4]، هذه معيةٌ لجميع الناس.

فإذا ذكر العبد ربه، فإن الله تعالى يذكره جل وعلا، وتكون له المعية الخاصة، قال ابن القيم رحمه الله: لو لم يكن من فوائد الذكر إلا هذه الفائدة -أنك إذا ذكرت ربك ذكرك ربك خالق كل شيءٍ من فوق سبع سماوات- لكفى بها فضلًا وشرفًا.

ثم بعد ذلك ذكر النبي شدة فرح الرب بتوبة عبده، وذكر أن فرح الله تعالى بتوبة عبده أشد من إنسانٍ كان معه راحلته في الطريق، ووصل إلى صحراء ليس بها نباتٌ.

ولهذا في بعض الألفاظ: في أرضٍ دَوِّيَّةٍ، والدوية يعني: الخالية، الفلاة الخالية، أي: البرية، أو الصحراء التي لا نبات فيها، تصور هذا رجلٌ معه راحلته، معه ناقته، عليها طعامه وشرابه، ووصل إلى صحراء ليس فيها نباتٌ، مقفرةٍ، وعليها طعامه وشرابه.

فبينما هو كذلك فقد راحلته، ضلت عنه، فقام يبحث عنها، كما جاء في بعض الروايات: أنه سعى شَرَفًا، يعني: رقى مكانًا مرتفعًا، يريد أن يبحث عنها، فلم يجدها، ثم سعى شرفًا ثانيًا، ثم سعى شرفًا ثالثًا، ثم أيس منها، أيس أن يجد راحلته، وعليها طعامه وشرابه.

فجلس تحت ظل شجرةٍ ينتظر الموت، تصور هذا الإنسان في صحراء ليس فيها أحدٌ؛ لا إنسانٌ ولا حيوانٌ ولا نباتٌ، راحلته التي عليها طعامه وشرابه ضلت عنه حتى أيس من أن يجدها، فجلس تحت ظل شجرةٍ ينتظر الموت، وصل إلى هذه المرحلة من اليأس والإحباط، فبينما هو كذلك غلبه النوم، فلما استيقظ إذا براحلته عنده، وعليها طعامه وشرابه.

كيف تصف هذا الفرح؟

فرح إنسانٍ رأى الحياة بعد الموت، كأنه رأى الموت أمامه، ثم بعد ذلك رأى الحياة، يعني هل هناك فرحةٌ في الحياة، يعني هل هناك فرحةٌ في الدنيا أشد من هذه الفرحة؟

إنسانٌ رأى الموت أمامه عيانًا، جلس تحت ظل شجرةٍ ينتظر الموت، ثم غلبه النوم، فلما استيقظ إذا براحلته عنده عليها طعامه وشرابه، كيف تصف هذا الفرح؟

فرحٌ شديدٌ، فرح إنسانٍ عاين الموت، ثم كان له فجأةً الحياة، رأى الموت أمامه، ثم بعد ذلك رأى الحياة.

لله تعالى أشد فرحًا بتوبة عبده، من توبة هذا براحلته، سبحان الله! والله إن هذا لعجبٌ! أن يفرح الرب الذي هو غنيٌّ عن عباده الغنى المطلق، لكنه يفرح هذا الفرح العظيم بتوبة عبده؛ لأنه سبحانه يحب الكرم؛ ولأنه سبحانه رحيمٌ بعباده، رحمنٌ جل وعلا؛ ولأنه سبحانه جواد؛ ولأنه سبحانه ذو الفضل العظيم.

فانظر إلى عظيم رحمة الله تعالى بعباده، وعظيم لطفه، وعظيم إحسانه، وسعة رحمته، وعظيم جوده، كيف أنه سبحانه يفرح بتوبة عبده هذا الفرح العظيم مع غناه عنه، ومع حاجة العبد إليه، فهذا يدل على عظيم رحمته، وعظيم عفوه وكرمه وجوده ولطفه وإحسانه جل وعلا.

فالله يفرح بتوبة عبده هذا الفرح العظيم، ويحب من عبده أن يتوب إليه، هذه المحبة العظيمة لا لحاجته إلى أعماله، ولكن لمحبته سبحانه للعفو، ومحبته للكرم، ومحبته للمغفرة، ومحبته للرحمة والجود واللطف بعباده، وهو عفوٌّ كريمٌ جَوَادٌ، يحب العفو جل وعلا.

وهذه المعاني عندما يستحضرها المسلم فإنها تزيده من محبة ربه سبحانه، هذا الرب الجواد، هذا الرب الكريم، هذا الرب العظيم، هذا الرب الذي يحب من عبده أن يتوب إليه، هذه المحبة الشديدة، أشد من هذا الذي فقد راحلته وعليها طعامه وشرابه، وجلس تحت ظل شجرةٍ ينتظر الموت، ثم نام فاستيقظ، فإذا براحلته عنده، فرَحُ الرب سبحانه أشد فرحًا من فرح هذا الرجل، فهذا يزيد من محبة العبد لربه .

من فوائد أحاديث الحض على التوبة والفرح بها

  • إثبات صفة الفرح لله سبحانه على الوجه اللائق بالله ، وأنه فرحٌ ليس كفرح المخلوقين، وإنما فرحٌ على الوجه اللائق بالله سبحانه، وقد أخطأ النووي رحمه الله في “شرحه على مسلمٍ”، لما قال: قال العلماء: فرح الله هو رضاه، وهذا هو مذهب الأشاعرة ومن نحا نحوهم في تأويل الصفات.

فإن الأشاعرة لا يثبتون من الصفات، إلا سبع صفاتٍ، فالفرح يُؤَوِّلونه بالرضا، وهذا قولٌ باطلٌ، بل أهل السنة والجماعة يثبتون الفرح لله سبحانه على الوجه اللائق بالله ، ليس كفرح المخلوقين، وصفة الفرح كسائر الصفات، فالفرح من الله مثل سائر الصفات؛ كالرضا، والغضب، والرحمة، والمحبة، يجب إثباتها لله على الوجه اللائق بالله سبحانه.

والفرح من المخلوق قد يكون مع العلم به؛ كزائرٍ زاره، علم بأن فلانًا سيزوره، فزاره فلانٌ وهو يحبه، ففرح بزيارته، وقد يكون الفرح مع الجهل بالشيء ثم تَحقُّقه؛ كفرح هذا العبد برؤية دابته وعليها طعامه وشرابه بعدما يئس منها.

أما الفرح من الله ، فليس كفرح المخلوقين، وإنما هو صفةٌ من صفاته جل وعلا، وهو العالم بكل شيءٍ، فلا يدخل فرَحَه شيءٌ من النقص الذي يلحق بفرح المخلوقين.

فالذين أوَّلوا صفة الفرح اعتبروا أن فرح الله مثل فرح المخلوقين، وهذا باطلٌ؛ ففرح الله تعالى ليس كفرح المخلوقين، فرح الله تعالى كسائر صفاته، كما أن سمع الله ليس كسمع المخلوقين، وبصر الله ليس كبصر المخلوقين، وسائر صفات الله تثبَت على الوجه اللائق بالله سبحانه، ليست كصفات المخلوقين، فالله : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].

فكما أن الجميع يُثبِت أن لله ذاتًا ليست كذات المخلوقين، فكذلك لله صفاتٌ ليست كصفات المخلوقين.

وذكر ابن تيمية رحمه الله قاعدةً عظيمةً في هذا، قال: القول في الصفات كالقول في الذات، هذه في “التدمرية”، من القواعد التي ذكرها في الأسماء والصفات: القول في الصفات كالقول في الذات.

فمن أنكر صفةً من صفات الله ، وقال: إنها تشبه صفات المخلوقين، نقول: هل تثبت أن لله ذاتًا؟ إن قال: نعم، طيب هل هي كذات المخلوقين؟ قال: لا، على الوصف اللائق بالله سبحانه، نقول أيضًا: ولله صفاتٌ على الوصف اللائق بالله .

والأشاعرة الذين يثبتون لله تعالى صفاتٍ وينكرون صفاتٍ أخرى، القول في بعض الصفات كالقول في بعض؛ لماذا تثبتون لله تعالى سمعًا وبصرًا، وتثبتون هذه الصفات السبع وتنكرون غيرها ولا فرق بينها؟

هذه الصفات السبع، تقولون: نثبتها على الوجه اللائق بالله، كذلك بقية الصفات، تثبت على الوجه اللائق بالله .

فأهل السنة والجماعة يثبتون أسماء الله تعالى، ويثبتون صفات الله على الوجه اللائق بالله ، فتفسير بعض الشراح للفرح بأنه الرضا، هذا تفسير غير صحيحٍ، فالرضا يختلف عن الفرح، الرضا صفةٌ، والفرح صفةٌ أخرى.

ولذلك؛ الصواب، بل الحق: أن نثبت صفة الفرح لله على الوجه اللائق به سبحانه، كسائر صفاته.

  • وقوله: أخذ بخِطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك؛ أخطأ من شدة الفرح، هذا يدل على أن ما يقوله الإنسان على سبيل الخطأ لا يؤاخذ عليه، حتى لو قال كلمة الكفر على سبيل الخطأ من غير قصدٍ، فلا يؤاخذ عليها، والله تعالى يقول: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5].

فقد يخطئ الإنسان فيتكلم بكلمةٍ كفريةٍ لم يقصدها، وإنما جرت على لسانه من غير قصدٍ، كحال هذا الرجل، الذي بدل أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك، قال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك؛ أخطأ من شدة الفرح.

والعبرة بما في القلب، واللسان معبرٌ عما في القلب؛ ولذلك لو أن رجلًا بدل أن يقول: طارق، قال: طالق، هل تطلق زوجته؟ لا تطلق، العبرة بما في قلبه، وليس العبرة بما يتلفظ به.

وإنما اعتبر اللفظ؛ لأن اللفظ معبرٌ في الأصل عما في القلب، فإذا اختلف ما في القلب مع ما في اللسان، يقدم ما في القلب، إذا اختلف ما في القلب عما نطق بلسانه، يقدم ما في القلب، ما في القلب هو الأساس والأصل.

ولذلك إذا أخطأ الإنسان وقال كلمةً لم يقصدها، لا يؤاخذ عليها، ولا يترتب على ذلك أي شيءٍ، فالإنسان أحيانًا قد يخطئ لأي سببٍ، قد يكون بسبب حالة الذهول أو الاندهاش، كما في حالة هذا الرجل، أو في حالة الغضب، أو لأي سببٍ من الأسباب، قد يتلفظ بكلامٍ لم يقصده، فهذا لا يؤاخذ عليه شرعًا، والله تعالى غفورٌ رحيمٌ، وهو أعلم بحال عباده، وحالة ضعف عباده، فما قد يجري على اللسان من غير قصدٍ، لا يؤاخذ عليه الإنسان.

هذه أبرز الفوائد والأحكام المتعلقة بهذا الحديث العظيم، وقد أخرجه أيضًا البخاري في “صحيحه”.

باب سقوط الذنوب بالاستغفار والتوبة

القارئ:

حدثنا قتيبة بن سعيدٍ: حدثنا ليثٌ، عن محمد بن قيسٍ، قاصِّ عمر بن عبدالعزيز، عن أبي صِرْمة، عن أبي أيوب، أنه قال حين حضرته الوفاة: كنت كتمت عنكم شيئًا سمعته من رسول الله ، سمعت رسول الله يقول: لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقًا يذنبون يغفر لهم [12].

حدثنا هارون بن سعيدٍ الأَيْلي: حدثنا ابن وهبٍ: حدثني عياضٌ، وهو ابن عبدالله الفهري: حدثني إبراهيم بن عبيد بن رفاعة، عن محمد بن كعبٍ القُرَظي، عن أبي صِرمة، عن أبي أيوب الأنصاري، عن رسول الله أنه قال: لو أنكم لم تكن لكم ذنوبٌ يغفرها الله لكم، لجاء الله بقوم لهم ذنوبٌ يغفرها لهم [13].

حدثني محمد بن رافعٍ: حدثنا عبدالرزاق: أخبرنا معمر، عن جعفرٍ الجزري، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم [14].

الشرح:

نعم، من حكمة الله أنْ خلق خلقًا معصومين عن الذنوب: لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]، وهم الملائكة، والملائكة خلقٌ كثيرٌ، لا يحصيهم إلا الله تعالى، كما قال عليه الصلاة والسلام: أَطَّت السماء، وحُق لها أن تئط، ما من موضع أربع أصابع إلا وعليه ملكٌ واضعٌ جبهته لله ساجدًا أو راكعًا [15].

الحكمة من خلق من تقع منهم الذنوب والمعاصي

ولكن اقتضت حكمة الله سبحانه أن يخلق خلقًا تقع منهم الذنوب؛ حتى تظهر آثار أسمائه وصفاته؛ فإن من أسماء الله أنه الغفور الغفار، التواب العفو، فلو لم يكن هناك خلقٌ يقع منهم الذنب، ويستغفرون الله تعالى، كيف يغفر الله تعالى الذنب؟!

المغفرة إنما تكون لمخلوقٍ وقع منه معصيةٌ، فيغفرها الله له، وهكذا التوبة، الله تعالى التواب، فلو لم تقع معصيةٌ من هذا المخلوق، ثم يتوب فيتوب الله عليه، وهكذا العفُوُّ، وهكذا الحليم، وسائر صفات الله ، فلا بد أن تظهر آثار أسماء الله سبحانه.

وأيضًا صفة القهار، المنتقم، الجبار، فكيف ينتقم الله تعالى، إلا من أناسٍ يقعون في الذنوب والمعاصي، فحتى تظهر آثار أسماء الله الحسنى، وأنه الإله جل وعلا، فلا بد أن يكون هناك مخلوقون تقع منهم هذه الذنوب والمعاصي.

وهذا معنى الحديث: أن الله تعالى بحكمته البالغة قدر أن يخلق خلقًا تقع منهم الذنوب، لكن فتح لهم باب التوبة والمغفرة؛ ولهذا قال: لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقًا يذنبون ويغفر لهم.

فهذا من حكمة الله ​​​​​​​، أنه اختار الإنسان، وجعله قابلًا لأن تقع منه المعصية، ويقع منه الذنب، وجعله ميالًا للهوى، فإذا وقع في الذنب أو المعصية واستغفر الله تعالى غفر الله تعالى له.

ولما أراد الله تعالى أن يخلق آدم، أخبر الملائكة: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ [البقرة:30]، كيف عرفت الملائكة أن بني آدم سيحصل منهم إفسادٌ في الأرض، وسفكٌ للدماء؟

قيل: إنه كان هناك خلقٌ قبل بني آدم يشبهونهم؛ ولذلك قالوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ، يعني: خلق عندهم دماءً، فالملائكة خشيت أن يكون بنو آدم مثلهم.

وقيل: إن الله أخبر الملائكة بما سيحصل منهم في الأرض، ولهذا؛ حتى إبليس كان يعرف يوم الدين، يوم القيامة: قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [ص:79]، كان يعرف أن هناك يوم القيامة ويوم الدين، والله تعالى أعلم، يعني هل كان هناك خلقٌ قبلنا.

المهم أن الله لما أخبر الملائكة بأنه سيخلق هذا الخلق، وسيجعلهم في الأرض، وسيكون عندهم قابليةٌ للوقوع في المعصية، فليسوا معصومين؛ ولهذا قالوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ.. قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة:30].

ولذلك تنزل الملائكة إلى الأرض في ليلة القدر، وترى عبادة المؤمنين، ويباهي الله تعالى بهم الملائكة، يقول: انظروا إلى عبادي، ألم أقل لكم إني أعلم ما لا تعلمون، انظروا إلى عبادتهم، انظروا إلى صلاتهم، انظروا إلى دعائهم.

وهكذا أيضًا يوم عرفة، يباهي الله تعالى بالحجيج ملائكته، يقول: انظروا إلى عبادي هؤلاء، أتوني شُعثًا غُبرًا ضاحين [16].

فالله تعالى قدر أن البشر يكونون هكذا، ولذلك؛ لا يقل قائلٌ: لولا خطيئة أبينا آدم لكنا في الجنة، الله تعالى قبل أن يخلق آدم قدر أن آدم سيعيش في الأرض أصلًا: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30]، قدر الله تعالى أن بني آدم سيكون عيشهم على هذا الكوكب على الأرض.

فلا يقل قائلٌ: لو لم يأكل آدم وحواء من الشجرة، لكنا أصلًا في الجنة، هذا الافتراض غير صحيحٍ؛ لأن الله قدر أصلًا أن يخلق هذا الخلق في الأرض، وهذا من حكمة الله .

عرض الأمانة على الإنسان

والله تعالى عرض الأمانة على الإنسان وقبِلها، أمانة التكاليف: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا [الأحزاب:72]، عرض الله تعالى هذه الأمانة، أمانة التكاليف، على السماوات، أنها إن أطاعت أثيبت، وإن عصت عذبت عذابًا تجد ألمه فأبت، عرضها على الأرض فأبت، عرضها على الجبال فأبت وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا.

وعرضها على الإنسان فقبل: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب:72]، كيف كان هذا العرض، وأين، ومتى؟ الله أعلم، لكن نحن نؤمن بما ذكره ربنا سبحانه، وأن ما قاله الله تعالى حقٌّ قطعًا وصدقًا، ما قاله ربنا حقٌّ قطعًا، كيف يكون هذا؟ الله تعالى أعلم.

والله تعالى أخذ جميع بني آدم في الذر: وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا [الأعراف:172]، كلنا جميعًا أَشهَدَنا ربنا سبحانه، وقال: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا [الأعراف:172]، ولذلك؛ فأي مولودٍ يولد على الفطرة.

فإن قال قائلٌ: أنا لا أتذكر، لا أتذكر هذا الإشهاد، طيب، هل تتذكر لما كنت في بطن أمك؟ هل تتذكر وقت ولادتك؟ هل تتذكر بعدما كنت على الأرض عمرك سنةٌ أو سنتان أو ثلاثٌ؟ فإذا كنت لا تتذكر هذا، كيف تنكر هذا الذي أخبر به ربنا سبحانه؟!: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87]، فكل ما أخبر به ربنا ، أو أخبر به رسوله فهو حقٌّ قطعًا وصدقًا.

فإذن المقصود من هذا الحديث: أن الله اختار خلقًا، وجعل عندهم قابليةً للذنب والمعصية، وأن الله تعالى يريد أن تظهر آثار أسمائه الحسنى وصفاته العلا، فهو الغفور، وهو التواب، وهو العفو.

فهذه الأسماء لا بد أن تظهر آثارها على بعض خلقه، فاختار الله هذا الخلق؛ حتى تظهر آثار أسمائه وصفاته وتفرده بالألوهية والربوبية جل وعلا.

والله تعالى كما يحب أن يحسن للمحسن، فإنه يحب أن يتجاوز عن المسيء، وتدل لذلك بعض أسمائه؛ كالغفار والغفور وغافر الذنب، والحليم، والتواب، والعفو.

ولذلك؛ جعل العباد، وجعل بني آدم ليسوا كالملائكة معصومين، بل خلق الإنسان ميالًا بطبعه للهوى، وكلفه التوقِّي منه، وعرفه بالتوبة، وأنه إذا وقع في المعصية يتوب فيتوب الله عليه، وهذا من حكمة الله ، وجعل للإنسان طريق الخير وطريق الشر: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان:3].

فإذنْ هذا الحديث ليس فيه حثٌّ على الوقوع في الذنب أو المعصية، وإنما إخبارٌ بما سيقع من بني آدم، وأن الله اختار لبني آدم أن يكونوا هكذا، تقع منهم الذنوب، فيستغفرون ويغفر الله لهم، وأنه لو لم يحصل هذا؛ لذهب الله تعالى بهم، ولجاء بقومٍ يقع منهم الذنب، فيستغفرون فيغفر الله لهم؛ لأن الله تعالى يريد خلقًا هكذا، يريد خلقًا عندهم قابليةٌ للطاعة وللمعصية، فإذا وقعوا في المعصية استغفروا الله تعالى فغفر الله تعالى لهم؛ فتظهر آثار أسمائه الحسنى وصفاته العلا جل وعلا.

ليس في الحديث الحث على المعصية

فلا بد إذنْ من أن يفهم هذا الحديث على الوجه الصحيح، ليس معناه الحث على الوقوع في المعصية، وإنما هو إخبارٌ بأن الله تعالى خلق بني آدم هكذا، عندهم قابليةٌ للطاعة، وقابليةٌ للمعصية، ويختار الإنسان؛ إما طريق الخير، أو طريق الشر.

وأن الله تعالى يريد الخلق أن يكونوا هكذا، يريد ممن يعيش على الأرض أن يكون هكذا، ولو كانوا كالملائكة معصومين لذهب الله تعالى بهم؛ ولجاء بقومٍ يذنبون، فيستغفرون فيغفر الله لهم.

وأبو أيوب  كتم هذا الحديث، لكنه أخبر به عند وفاته، قال حين حضرته الوفاة: “كنت كتمت عنكم شيئًا سمعته من رسول الله “، وإنما كتمه أبو أيوب ؛ خشية اتكال الناس على سعة رحمة الله تعالى، وانهماكهم في المعاصي، وإنما حدَّث به عند موته؛ لئلا يكون كاتمًا للعلم؛ ولأن هذا الحديث يدل على عظيم مغفرة الله  وعظيم رحمته.

ونظير ذلك أيضًا: حديث معاذٍ  لما قال عليه الصلاة والسلام: يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد، وحق العباد على الله؟ ثم قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئًا [17]، فكتم معاذٌ  هذا الحديث، وأخبر به عند موته تأثُّمًا.

وهذا يدل على أنه يجوز كتم بعض العلم للمصلحة؛ لأن بعض العلم قد يكون أحيانًا بعض العامة لا يتحمل، لا يتحمل بعض العلم، فربما أنه يفهمه فهمًا غير صحيحٍ، عندما يسمع الأحاديث التي في عظيم رحمة الله وعفوه يتكل، ويتجرأ على الوقوع في المعاصي، وربما يقصر في الواجبات، اعتمادًا على سعة رحمة الله .

والله تعالى يقول: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:98]، فالله تعالى كما أنه غفورٌ رحيمٌ، فهو أيضًا شديد العقاب، فهو غفورٌ رحيمٌ في حق من أقبل إليه تائبًا منيبًا، وهو شديد العقاب في حق من عصاه.

وهذا إذنْ يدل على جواز كتم بعض العلم، إذا كان في ذلك مصلحةٌ راجحةٌ.

باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة

القارئ:

باب: فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة، والمراقبة، وجواز ترك ذلك في بعض الأوقات، والاشتغال بالدنيا

حدثنا يحيى بن يحيى وقَطَن بن نُسَيرٍ، واللفظ ليحيى: أخبرنا جعفر بن سليمان، عن سعيد بن إياسٍ الجُريري، عن أبي عثمان النَّهْدي، عن حنظلة الأُسَيدي -وكان من كتَّاب رسول الله – قال: لقيني أبو بكرٍ فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله يذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عينٍ، فإذا خرجنا من عند رسول الله ، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرًا، قال أبو بكر: فو الله إنا نلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكرٍ حتى دخلنا على رسول الله ، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله : وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عينٍ، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرًا، فقال رسول الله : والذي نفسي بيده، إنْ لو تداومون على ما تكونون عندي وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فُرُشكم وفي طرقكم، ولكن -يا حنظلة- ساعةً وساعةً ثلاث مرارٍ [18].

الشرح:

ثلاث مرارٍ، أو ثلاث مراتٍ.

القارئ: ثلاث مرارٍ، يا شيخ.

الشيخ: مرار؟

القارئ: إي نعم.

الشيخ: في بعض النسخ: ثلاث مراتٍ، وبعضها: ثلاث مرارٍ.

القارئ: أحسن الله إليكم يا شيخ.

حدثني إسحاق بن منصورٍ: أخبرنا عبدالصمد: سمعت أبي يحدث: حدثنا سعيد الجريري، عن أبي عثمان النهدي، عن حنظلة قال: كنا عند رسول الله فوعظنا فذكر النار، قال: ثم جئت إلى البيت فضاحكت الصبيان ولاعبت المرأة، قال: فخرجت فلقيت أبا بكرٍ فذكرت ذلك له، فقال: وأنا قد فعلت مثل ما تذكر، فلقينا رسول الله ، فقلت: يا رسول الله، نافق حنظلة، فقال: مَهْ؟، فحدثته بالحديث، فقال أبو بكرٍ: وأنا قد فعلت مثل ما فعل، فقال: يا حنظلة، ساعةً وساعةً، لو كانت تكون قلوبكم كما تكون عند الذكر، لصافحتكم الملائكة حتى تسلم عليكم في الطرق [19].

حدثني زهير بن حربٍ: حدثنا الفضل بن دكينٍ: حدثنا سفيان، عن سعيدٍ الجريري، عن أبي عثمان النهدي، عن حنظلة التميمي الأسيدي الكاتب، قال: “كنا عند النبي فذكرنا الجنة والنار”، فذكر نحو حديثهما.

الشرح:

نعم، هذه القصة وقعت لحنظلة غسيل الملائكة ؛ وذلك أنه خرج ذات يومٍ، فلقي أبا بكرٍ الصديق، فقال: نافق حنظلة، قال: وما ذاك؟ أو قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال: نكون عند رسول الله يذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عينٍ، يعني: حتى كأنا نرى الجنة والنار رأي العين، فإذا خرجنا من عند رسول الله عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات.

قوله: “عافسنا”، يعني: عالجنا ومارسنا واشتغلنا.

وقوله: “والضيعات”، الضيعات: جمع ضيعةٍ، وهي: معاش الرجل من مالٍ أو حرفةٍ أو صناعةٍ، أو بعضهم أيضًا يسمي المزرعة ضيعةً، كل هذا يدخل في معنى الضيعات.

“فنسينا كثيرًا”، فقال أبو بكرٍ: والله إننا نلقى مثل هذا، فذهب حنظلة وأبو بكرٍ رضي الله عنهما للنبي عليه الصلاة والسلام، وذكرا له ما كانا يجدان، فقال: لو تكونون كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة في الطرقات، ولكن ساعةً وساعةً.

فوائد من الحديث

وهذا الحديث فيه عدة فوائد:

  • الفائدة الأولى: أن الإنسان لا يكون على حالةٍ واحدةٍ من الإيمان؛ وإنما الإيمان تارةً يزيد وتارةً ينقص؛ فيزيد الإيمان بالطاعة، وينقص بالمعصية، والنفس يكون لها شِرَّةٌ، ويكون لها فتورٌ، ومعنى الشرة: يعني: النشاط؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: إن لكل عملٍ شِرَّةً، ولكل شرة فَترةٌ، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد هُدي [20]، أخرجه الترمذي بسندٍ صحيحٍ.

فأي عملٍ يكون له نشاطٌ، ويعقبه فتورٌ، لا يمكن أن يستمر الإنسان على وتيرةٍ واحدةٍ، طبيعة النفس تأبى هذا، لكن المهم هو في مرحلة الفتور، ينبغي أن يكون حذرًا؛ لأن أكثر من ينتكس في هذه المرحلة، مرحلة الفتور خطرةٌ، فينبغي الحذر.

ولهذا؛ لما حضرت أحد الصحابة  الوفاة بكى وقال: “تمنيت أني مت وأنا في مرحلة الشرة، ولست في مرحلة الفتور”.

فهذه حالة النفس، وطبيعة النفس، فالإنسان قد يكون في مجلس ذكرٍ، أو مجلس وعظٍ، أو مثل هذه الحلق، يتأثر، أو يكون مثلًا يستمع خطبة الجمعة يتأثر، وربما تبلغ درجة اليقين عنده كأنه يرى الجنة والنار رأي العين، لكنه إذا رجع إلى بيته نسي، وانشغل بالدنيا؛ انشغل بالأهل والأولاد وأمور دنياه، فينسى، فهذه طبيعة النفس البشرية، ولهذا؛ لما شكا حنظلة وأبو بكرٍ رضي الله عنهما للنبي ذلك قال: لو تكونون كما تكونون عندي -يعني: على الحال التي تكونون فيها في حال الخشوع والتأثر وزيادة الإيمان- لصافحتكم الملائكة في الطرقات، لو كنتم تستمرون على هذه الحال لصافحتكم الملائكة في الطرقات، لكن هذا ينافي طبيعة الإنسان وطبيعة النفس، ولكن ساعةً وساعةً، يعني: ساعةً يزيد الإنسان فيها من الطاعات، وساعةً يكون في أمور دنياه وينشغل بمصالحه ونحو ذلك، فيكون مع أهله وأولاده، وأن هذا -يعني انشغاله بمصالحه وأمور دنياه- لا ينافي ما كان عليه قبلُ من الخشوع والتأثر؛ لأن هذه هي طبيعة النفس البشرية.

وأما ما يقوله بعض العامة: ساعةً لدينك، وساعةً لدنياك، فهذا غير صحيحٍ، إذا جعل ساعةً لدينك، وساعةً لدنياك، ما هو ضابط الساعة التي لدنياه؟ بعضهم يقول: ساعةً لدينك، وساعةً لدنياك، الساعة التي لدنياه يرتكب فيها المعاصي، هذا غير صحيحٍ.

لكن المقصود: أن الإنسان لا يكون على وتيرةٍ واحدةٍ من الخشوع وحضور القلب والتأثر، فتارةً يكون متأثرًا وخاشعًا وحاضر القلب، لكن إذا ذهب إلى بيته نسي، أو ذهب مع أصحابه نسي وغفل، فهذه من طبيعة النفس البشرية، وليس هذا نفاقًا.

فالصحابة  خشوا أن يكون هذا نفاقًا، فبين النبي أن هذا ليس نفاقًا، وأن هذه هي طبيعة النفس البشرية، ولكن ساعةً وساعةً.

  • وأيضًا هذا الحديث يدل على أنه ينبغي أن يخاف المسلم النفاق على نفسه؛ فإن هذا هو شأن الصالحين، ففي هذه القصة أبو بكرٍ وحنظلة رضي الله عنهما خشيا على أنفسهما النفاق، واشتكيا للنبي ما يجدانه، فبين لهما النبي أن هذا ليس من النفاق في شيءٍ، وأن هذه هي طبيعة النفس؛ ولهذا قال: ساعةً وساعةً.

قال البخاري في “صحيحه”: قال ابن أبي مُليكة: “أدركت ثلاثين من أصحاب النبي كلهم يخاف النفاق على نفسه”، وذلك؛ لأن الذي يخاف النفاق على نفسه، ويخشى ألا يتقبل منه العمل، يكون بعيدًا عن العجب، ويستقل عمله، وهذا هو دأب الصالحين، يعملون الأعمال العظيمة، والأعمال الكثيرة ويستقلونها.

وكما ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله: من علامة قبول العمل: أن الإنسان يستقله، ولا يراه شيئًا كثيرًا، ومن علامة عدم قبوله: أن الإنسان يعجب به، ويستعظمه، ويستكثره.

ولذلك؛ ينبغي مهما عملت من أعمالٍ صالحةٍ أن تستقلها، وأن تخشى ألا تتقبل منك، ما يدريك ربما أنها لم تقبل منك أصلًا، ولهذا يقول الله : وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60]، وجاء في تفسيره: أنهم الذي يعملون الأعمال الصالحة العظيمة ويخافون ألا تتقبل منهم.

فالمسلم مهما عمل من الأعمال الصالحة ينبغي أن يكون وجلًا خائفًا مشفقًا، يخشى ألا تتقبل منه، وألا يكون معجبًا بعمله؛ فالعجب من محبطات العمل، والخوف من ألا يتقبل، وأن يكون الإنسان خائفًا وجلًا مشفقًا، هذا من علامة قبول العمل.

فينبغي أن نقتدي بالصحابة الذين هم أسوتنا وقدوتنا، وهم خير القرون، وأفضل القرون، يعملون الأعمال الصالحة العظيمة، ومع ذلك يخافون على أنفسهم، يخافون النفاق على أنفسهم، يخشون على أنفسهم، يخشون ألا يتقبل منهم العمل.

وهنا ابن أبي مليكة يقول: “أدركت ثلاثين من أصحاب النبي كلهم يخاف النفاق على نفسه”.

بابٌ في سعة رحمة الله تعالى، وأنها تغلب غضبه

القارئ:

بابٌ في سعة رحمة الله تعالى، وأنها تغلب غضبه

حدثنا قتيبة بن سعيدٍ: حدثنا المغيرة -يعني الحِزَامي- عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن النبي  قال: لما خلق الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي [21].

حدثني زهير بن حربٍ: حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي  قال: قال الله : سبقت رحمتي غضبي [22].

حدثنا علي بن خَشْرمٍ: أخبرنا أبو ضَمْرة، عن الحارث بن عبدالرحمن، عن عطاء بن ميناء، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : لما قضى الله الخلق، كتب في كتابه على نفسه فهو موضوعٌ عنده: إن رحمتي تغلب غضبي [23].

الشرح:

نعم، هذا الحديث يدل على عظيم رحمة الله ، وعظيم لطفه وإحسانه لعباده؛ لما خلق الله تعالى الخلق كتب كتابًا على نفسه فهو موضوعٌ عنده: إن رحمتي تغلب غضبي وقال الله تعالى: سبقت رحمتي غضبي.

إثبات صفتي الرحمة والغضب لله

فالله رحمته سبقت غضبه، وكتب على نفسه هذا الكتاب، مع أنه سبحانه لا يُسأل عما يفعل، هو خالق كل شيءٍ، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82]، لكنه جل وعلا يحب الإحسان لعباده والعفو والرحمة، ولذلك؛ كتب على نفسه كتابًا فهو موضوعٌ عنده: إن رحمتي سبقت غضبي.

وأهل السنة والجماعة يثبتون لله صفة الرحمة والغضب على الوجه اللائق بالله سبحانه، ليست كرحمة المخلوقين، وليس كغضب المخلوقين، كسائر صفاته.

والنووي رحمه الله في شرحه على مسلمٍ قال: إن غضب الله تعالى ورضاه يرجعان إلى معنى الإرادة، فإرادته الإثابة للمطيع، وإرادته العقاب للعاصي، يعني: أن رحمة الله معناها: إرادته الثواب للمطيع، وغضب الله يعني: إرادته العقاب للعاصي.

وهذا تأويل لهذه الصفات، هذا كلامٌ باطلٌ، كلام غير صحيحٍ، فأهل السنة والجماعة يثبتون لله تعالى صفة الرحمة على الوجه اللائق بالله ، ليست كرحمة المخلوقين، ويثبتون لله تعالى صفة الرضا، ويثبتون لله تعالى صفة الغضب على الوجه اللائق بالله .

وأما تأويل هذه الصفات بأن الرحمة هي إرادة الإثابة للمطيع، هذا كلامٌ باطلٌ، هذه عقيدة الأشاعرة، ولكن هذا كلامٌ غير صحيحٍ، وإنما أهل السنة يثبتون لله تعالى صفاته على الوجه اللائق بالله .

لكن المؤلف النووي رحمه الله نشأ في بيئةٍ كان مذهب الأشاعرة هو السائد، وإلا هو صاحب سنةٍ وأثرٍ، ومحبٌّ للحق، لكن نشأ يعتقد أن هذا هو الحق، فالإنسان يتأثر ببيئته والنشأة التي نشأ عليها.

ومثله أيضًا ابن حجرٍ، وإن كان ابن حجرٍ أخف منه، لكن مثل النووي وابن حجرٍ ومن كان على طريقتهما عندهم أشعريةٌ، وبسبب البيئة التي عاشوا فيها، وكان مذهب الأشاعرة هو السائد، فلذلك يُعتذر عن هؤلاء الأئمة الأعلام؛ لأنهم لم يتعمدوا ذلك، وإنما يعتقدون أن هذا هو الحق، وقد قيض الله تعالى لهذه الأمة الإمامين ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى، فأبانا عن منهج السلف، وطريقة السلف، وعقيدة السلف، ونافحا وكافحا، فجزاهما الله تعالى عن أمة الإسلام خير الجزاء.

مع أنهما نشآ في وقتٍ كان المذهب السائد هو مذهب الفرق المنحرفة، وكان الصراع شديدًا، لكن الله قيض هذين الإمامين، فنافحا عن عقيدة السلف ومنهج السلف.

ونحن -ولله الحمد- في هذه البلاد نعيش في صفاءٍ من العقيدة، وننعم بآثار دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى، الذي جرى على طريقة ابن تيمية وابن القيم، الذين جروا على طريقة السلف الصالح؛ من الصحابة والتابعين وتابعيهم.

فنحن -ولله الحمد- هذه النعمة من أعظم وأجل النعم، نعمة صفاء العقيدة، وأنك على عقيدة الصحابة والتابعين، وعقيدة السلف الصالح.

فانظر كيف أن هؤلاء الأئمة، يعني مثل الإمام النووي، إمامٌ عظيمٌ من أكبر الأئمة الأعلام، ومع ذلك يؤوِّل هذه الصفات، فينبغي للمسلم أن يحمد الله على أن الله تعالى هداه ووفقه للحق وللعقيدة الصحيحة.

ولكن هؤلاء الأئمة يُعتذر عنهم بأنهم نشؤوا في بيئةٍ -كما ذكرنا- كان هذا هو السائد فيها، ولم يتعمدوا الوقوع في الخطأ، بل إن معظم الشراح لـ”مسلمٍ” هم على هذه الطريقة، معظم الشراح لـ”مسلمٍ” هم على طريقة النووي، ولكن كما ذكرنا هؤلاء لم يتعمدوا ذلك، وإنما تأثروا بالبيئة التي عاشوا فيها.

وعلى هذا نقول: إن صفة الرحمة صفةٌ حقيقيةٌ تُثبَت لله  ليست كرحمة المخلوقين، وأنها على الوصف اللائق بالله ، وهكذا صفة الرضا، وصفة الغضب، وصفة الفرح، وسائر صفات الله سبحانه، نثبتها على الوجه اللائق بالله ليست كصفات المخلوقين؛ فإن الله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.

الأسئلة

السؤال: كيف نجمع بين كون عمر  يخشى كونه منافقًا، والحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي [24]؟

الجواب: هو ليس عمر وحده، عامة الصحابة ؛ مثل ما ذكر ابن أبي مليكة: “أدركت ثلاثين من أصحاب النبي كلهم يخاف النفاق على نفسه”.

ليس بينها تعارضٌ، وبين ما يطلب من المسلم من حسن الظن بالله ، فهم يحسنون الظن بالله سبحانه، وبسعة رحمته ومغفرته، لكنهم من شدة محاسبتهم لأنفسهم يخشون ألا تُتَقبل أعمالهم، فيكونون بهذا بعيدين عن العُجب، وهذا هو المطلوب من المسلم أن يكون بعيدًا عن العجب، أن يعمل الأعمال الصالحة العظيمة، لكن يخشى ألا تتقبل منه، ويخاف النفاق على نفسه.

وليس هذا فيه إساءة ظنٍّ بالله ، بل هو محسن الظن بالله سبحانه، وأن الله تعالى رحمته سبقت غضبه، وأنه غفورٌ رحيمٌ، وأنه كريمٌ، لكن يخشى على نفسه، من شدة محاسبته لنفسه يخشى على نفسه ألا تتقبل أعماله؛ فيكون بين الخوف والرجاء، وهذا هو المطلوب من المسلم، أن يكون بين الخوف والرجاء، لا يُغَلِّب جانب الخوف، حتى لا يقع في القنوط من رحمة الله، ولا يُغَلِّب جانب الرجاء، حتى لا يقع في الأمن من مكر الله، وإنما يكون بين الخوف والرجاء، إلا عند الموت -يعني الاحتضار- فيغلب جانب الرجاء؛ لقول النبي : لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله [25].

السؤال: ما حكم من صلى الظهر خلف من يصلي العصر؟

الجواب: لا بأس بذلك على القول الراجح، اختلاف النية بين الإمام والمأموم لا يضر، إنما الممنوع هو اختلاف الأفعال؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: إنما جُعل الإمام ليؤتم به؛ فلا تختلفوا عليه [26]، ثم فسر عليه الصلاة والسلام مراده بالاختلاف، وذكر أفعالًا: فإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع، وإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجد [27].

أما اختلاف النية فلا يضر، ولهذا؛ كان معاذٌ يصلي مع النبي صلاة العشاء فريضةً، ثم يرجع ويصليها بقومه نافلةً، يكون إمامًا لهم، وهي في حقه نافلةٌ وفي حقهم فريضةٌ، فاختلفت النية بين الإمام والمأموم، الإمام الذي هو معاذٌ  يصلي صلاة العشاء نافلةً، والمأمومون خلفه يصلونها فريضةً، ومع ذلك أقرهم النبي على ذلك، وهذا يدل على أن اختلاف النية لا يضر.

فلا بأس أن يأتمَّ المفترض بالمتنفل، أو العكس، ولا بأس أيضًا أن يأتم من يصلي العصر خلف من يصلي الظهر، أو العكس، كل هذا لا بأس به على القول الراجح.

السؤال: إذا توضأ الشخص، وأثناء الوضوء انقطع الماء، وبعد عشر دقائق رجع الماء، هل يكمل وضوءه أم يعيد؟

الجواب: هذه المسألة ترجع لحكم الموالاة في الوضوء، فهل الموالاة في الوضوء واجبةٌ أو لا تجب؟

هذه محل خلافٍ، وللعلماء فيها ثلاثة أقوالٍ:

  • القول الأول: أنها واجبةٌ، ولا يصح الوضوء إلا بها.
  • والقول الثاني: أنها مستحبةٌ وليست واجبةً.
  • والقول الثالث: أنها واجبةٌ إلا لعذرٍ، هذا هو مذهب المالكية، واختيار ابن تيمية وجمع من المحققين من أهل العلم، وهو القول الراجح.

فإذا انقطع الماء، ولم يتيسر له ماءٌ يتوضأ به، ثم عاد الماء بعد ذلك، فعلى القول الراجح أنه يكمل وضوءه، لكن إذا كان الماء متيسرًا وقريبًا، فالأحوط أن يأخذ بقول الجمهور، وأن يعيد الوضوء من جديدٍ.

أما لو كان الماء غير متيسرٍ أو قليلًا، فالقول الراجح أنه يكمل وضوءه؛ لأن الموالاة لا تجب مع العذر.

السؤال: كيف يجمع المسلم بين فضل مخالطة الناس والصبر على أذاهم، واعتزال الفتن حفاظًا على دينه؟

الجواب: الأفضل هو مخالطة الناس والصبر على أذاهم؛ لقول النبي : الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خيرٌ من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم [28]، ولأن هذا هو منهج الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وهم أكمل البشر.

فقد كانوا يخالطون أقوامهم، ويدعونهم إلى الله، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويصبرون على أذاهم، فمن السهل أن ينسحب الإنسان ويعتزل، هذا سهلٌ، لكن الشأن أن يخالط الناس ويصبر على أذاهم، ويدعو إلى الله تعالى، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

إلا عند حصول الفتن التي تكون في آخر الزمان، والتي يَخشى الإنسان معها على دينه، فهنا تكون العزلة أفضل، هذه في حالاتٍ خاصةٍ، كما قال عليه الصلاة والسلام: يوشك أن يكون خيرَ مال المسلم غنمٌ يتبع بها شَعَف الجبال ومواقع القَطْر، يفر بدينه من الفتن [29]، فهذا إنما يكون عند حصول الفتن، عند وقوع الفتن العظيمة التي يَخشى الإنسان معها على دينه، أما في الأحوال المعتادة فالمخالطة أفضل.

السؤال: لا يخفى أهمية الخشوع في الصلاة، فهل المقصود حضور القلب، أم أن الخشوع وحضور القلب يختلفان؟

الجواب: المقصود بالخشوع حضور القلب، أن يصلي المسلم صلاةً يكون حاضر القلب فيها، يَعقل ما يقول، فيعقل معنى الفاتحة، يستحضر أنه إذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أن الله تعالى يجيب، ويقول: حمدني عبدي، إذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قال الله: أثنى عليَّ عبدي، إذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4]، قال الله: مجدني عبدي.

يستحضر معنى الركوع، أنه تعظيم لله ، يستحضر معنى السجود، فيعقل ما يقول، هذا هو المقصود بالخشوع في الصلاة.

والخشوع في الصلاة مستحبٌّ وليس واجبًا، فلو أنه صلى صلاةً لم يخشع فيها، فالصلاة صحيحةٌ، ومُبرِئة للذمة؛ لأنها صلاةٌ مكتملة الأركان والشروط والواجبات، لكن ليس له من أجر صلاته، إلا بمقدار ما عقل منها.

فإن عقل العُشر، أثيب العشر، إن عقل الربع أثيب الربع، إن عقل الثلث أثيب الثلث، إن عقل النصف أثيب النصف، إن عقلها كلها أثيب عليها ثوابًا عظيمًا، إن عقلها كلها أثيب عليها الثواب العظيم، حتى قال بعض أهل العلم: إن الصلاة التي يخشع فيها المسلم الخشوع الكامل، تكفر الكبائر، واستدلوا بقول النبي : أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يومٍ خمس مراتٍ، هل يبقى من درنه شيءٌ؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله به الخطايا [30]، وظاهر هذا تكفير جميع الذنوب، لكن هذا في حق من خشع الخشوع الكامل، فالخشوع في الصلاة هو روح الصلاة، وهو لُبُّها، وهو المقصود الأعظم منها، فينبغي أن يجاهد المسلم نفسه على تحقيق الخشوع في الصلاة.

السؤال: هل يجوز لمعلم تحفيظ القرآن قبول الهدية من الطلاب؟

الجواب: إذا كان هذا المعلم في مدرسةٍ حكوميةٍ، فلا يجوز للمعلم -سواءٌ كان معلم التحفيظ أم غيره- أن يقبل هديةً من الطالب؛ لأن الطالب إنما يُهدي له لكونه معلمًا له، والنبي يقول: أفلا جلس في بيت أبيه وأمه؛ فينظر أيهدى إليه شيءٌ أم لا؟ [31].

ولو لم يكن معلمًا له؛ لما أهدى إليه الطالب هذه الهدية، ما دام أنه معلمٌ له، أو يمكن أن يعلمه، فلا يقبل هديته، لكن إذا تخرج فلا بأس أن يُهدي لمعلمه.

أما إذا كان في حلقة تحفيظ القرآن الكريم المسائية، التي تكون تطوعيةً وغير حكوميةٍ، هذه الأمر فيها واسعٌ، لا يترتب عليها شهادةٌ، ولا وظيفةٌ، ولا أي شيءٌ، إنما مجرد تعلمٍ، فلو أهدى لمعلمه شيئًا، فالأمر في هذا واسعٌ، ولا يشدد في ذلك، لا بأس بهذا، بل إن هذا مما يزيد المحبة والمودة، وأيضًا يشجع هذا المعلم على أن يستمر في التعليم، وفي الأداء الجيد.

فإذا كان ذلك في تحفيظ القرآن الكريم، الذي يكون على سبيل التطوع، ولا يترتب عليه شهادةٌ ولا وظيفةٌ، فالأمر في ذلك فيه سعةٌ.

السؤال: ما الحكم الشرعي في تمويل شركة… الراجحي بمعدن (البلاديوم)؟

الجواب: لا بأس بذلك؛ لأن هذا التمويل منضبطٌ بالضوابط الشرعية، وأيضًا تحت رقابة الهيئة الشرعية، وهو بيعٌ وشراءٌ، والله تعالى يقول: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275]، وهو تمويلٌ بطريق التورق، وبيعٌ وشراءٌ، والأصل في هذا الباب هو الحل والإباحة.

المهم أن تتحقق الضوابط الشرعية؛ من التملك، والقبض، والتعيين، ونحو ذلك، وأن يكون لهذه الجهة التي تقوم بالتمويل هيئةٌ شرعيةٌ، ورقابةٌ شرعيةٌ تراقب تطبيق قرارات الهيئة الشرعية، وهذا متحققٌ في هذه الشركة التي سأل عنها الأخ السائل الكريم.

السؤال: حكم الألعاب التي تعتمد على الرهان المعنوي؛ نقاطٍ وأموالٍ وهميةٍ، ولا يكون فيها أي دفعٍ لمالٍ حقيقيٍّ؟

الجواب: إذا لم يكن فيها دفعٌ لمالٍ حقيقيٍّ، فمعنى ذلك أنها تبقى لعبةً، وإن ذكر أن فيها نقاطًا أو أموالًا وهميةً، هي ليست أموالًا حقيقةً، ما دام أنه لا يبذل فيها أموالٌ ولا عوض، وإنما مجرد لعبٍ وتسليةٍ، فالأصل في هذا الجواز، ما لم تُوقِع في محرمٍ، أو تلهي عن واجبٍ، فإذا كانت لا تلهي عن الواجبات، لا تصد مثلًا عن الصلاة، ولا توقع في محرمٍ، فالأصل في هذه الألعاب الحل والإباحة، ما دام أنها قد خلت من دفع مالٍ.

السؤال: إذا أردت المرور أمام رجلٍ يصلي، ولم يكن له سترةٌ، كم المسافة التي أتركها بين رأسه وهو ساجدٌ؟

الجواب: بعض العلماء حدد ذلك بثلاثة أذرعٍ، ولكن هذا لا دليل عليه، والقول الراجح: أن المرور يكون من بعد موضع سجوده، فهذا المصلي له الحق إلى موضع السجود، أما ما بعد موضع السجود، فليس له حقٌّ في ذلك.

فالمرور ما بعد موضع السجود لا بأس به، والمرور الممنوع هو ما بين موضع السجود والمصلِّي، وإذا كان الإنسان يصلي وأراد أحدٌ أن يمر بين يديه، فالسنة أن يدفعه، ويمكن أيضًا أن يتقدم المصلي ويجعل المار يمر خلفه، وهذا المعنى يخفى على كثيرٍ من الناس، تجد بعض الناس يصلي -خاصةً في المساجد التي يكثر فيها الناس، ويزدحم فيها الناس- فيأتي بعض الناس يريد أن يمر، فيجد هذا يصلي، فإذا أراد أن يمر منعه، فنقول: ينبغي لهذا المصلي أن يتقدم، ويجعل الناس تمر خلفه، ولا يحجز الناس ويؤذيهم، ويلحق الضرر بهم؛ لأن بعض الناس يأتي متأخرًا، خاصةً في صلاة الجمعة، ثم يصلي ويمنع الناس من المرور، فيلحق الحرج.

فالحل: أن يتقدم، ويجعل الناس تمر خلفه، والسنة للمصلي عمومًا -إذا كان منفردًا أو إمامًا- أن يتخذ سترةً، اتخاذ السترة سنةٌ، وأما المأموم فسترة الإمام سترةٌ لمن خلفه.

ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه ابن ماجه: 4252، وأحمد: 3568.
^2 رواه مسلم: 2758.
^3 رواه ابن ماجه: 1395.
^4, ^5 رواه مسلم: 2675.
^6 رواه البخاري: 6308، ومسلم: 2744.
^7 رواه مسلم: 2744.
^8 رواه مسلم: 2745.
^9 رواه مسلم: 2746.
^10, ^11 رواه مسلم: 2747.
^12, ^13 رواه مسلم: 2748.
^14 رواه مسلم: 2749.
^15 رواه الترمذي: 2312.
^16 رواه مسلم: 1348 بنحوه.
^17 رواه البخاري: 2856، ومسلم: 30.
^18, ^19 رواه مسلم: 2750.
^20 رواه الترمذي: 2453، وأحمد: 6764، وابن حبان: 11.
^21 رواه البخاري: 3194، ومسلم: 2751.
^22, ^23 رواه مسلم: 2751.
^24 سبق تخريجه.
^25 رواه مسلم: 2877.
^26 رواه البخاري: 722، ومسلم: 414.
^27 رواه أبو داود: 603، وأحمد: 8502.
^28 رواه الترمذي: 2507، وابن ماجه: 4032، وأحمد: 23098.
^29 رواه البخاري: 19.
^30 رواه البخاري: 528، ومسلم: 667.
^31 رواه البخاري: 7174، ومسلم: 1832.
zh