logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح أبواب من صحيح مسلم/(54) باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن- من حديث “من نفس عن مؤمن..”

(54) باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن- من حديث “من نفس عن مؤمن..”

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

حياكم الله تعالى في هذا الدرس العلمي، وهو الدرس الرابع والخمسون في شرح “صحيح مسلمٍ”، في هذا اليوم الثلاثاء، الثاني عشر من شهر شعبان من عام (1443 هـ).

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا، رب زدني علمًا.

اللهم أنت عَضُدي ونصيري، بك أصول وبك أحول، وإياك أستعين.

ربنا آتنا من لدنك رحمةً وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.

باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر

كنا قد وصلنا في “شرح صحيح مسلمٍ” إلى باب: فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، وشرحنا حديث أبي هريرة ، لكن لم نكمله، وقفنا عند قول النبي :

وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطَّأ به عمله؛ لم يُسرع به نسبه [1].

قوله : وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله، أي: في مسجدٍ، إذا قيل: بيوت الله، المقصود بها: المساجد، يعني: ما اجتمع قومٌ في مسجدٍ.

يتلون كتاب الله يعني: حتى مجرد التلاوة؛ ولذلك يشملهم هذا الفضل، حتى وإن كانوا مجرد أنهم يتلون القرآن، كما لو اجتمعوا بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس لتلاوة القرآن، أو مثلًا بعد صلاة العصر، أو نحو ذلك؛ يشملهم الفضل الوارد في هذا الحديث.

ويتدارسونه، كذلك أيضًا التدارس؛ وذلك بتحفيظ القرآن وبتعليمه وبتدبره، هذا كله داخلٌ في التدارس، ويدخل في ذلك حلقات تحفيظ القرآن الكريم التي في المساجد، يشملها هذا الفضل الوارد في هذا الحديث إن شاء الله.

إلا نزلت عليهم السكينة قيل: المراد بالسكينة: الرحمة، لكن هذا القول ضعيفٌ؛ لأن الرحمة قد عُطفت على السكينة؛ قال: وغشيتهم الرحمة، والأظهر: أن المراد بالسكينة: يعني الطمأنينة والوقار.

وغشيتهم الرحمة؛ يعني: رحمة الله ، وحفَّتهم الملائكة؛ احتفاءً بهم.

وذكرهم الله تعالى فيمن عنده، ومن بطَّأ به عمله؛ لم يُسْرع به نسبه، يعني: من تأخر في الأعمال الصالحة؛ لم يَشفع له أنه شريفٌ في النسب، فمن كان عمله ناقصًا؛ لم يُلحِقه نسبه بمرتبة أصحاب الأعمال.

أبرز فوائد حديث: وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله..

  • أولًا: دل هذا الحديث على فضل الاجتماع لتلاوة كتاب الله ، وأن هذا الاجتماع سببٌ لأن تَغشى المجتمعين السكينة والرحمة، وتحفهم الملائكة، ويذكرهم الله تعالى فيمن عنده.

وهذا الاجتماع لتلاوة القرآن الكريم: إما أن يجتمع أناسٌ في المسجد لتلاوة القرآن، وكل واحدٍ منهم يقرأ القرآن بنفسه، أو أنهم يجتمعون ويقرءون القرآن: يقرأ الأول، ثم يُكمل الثاني، ثم يكمل الثالث. وهو ما يسمى بتلاوة القرآن بالإدارة؛ فهذا أيضًا لا بأس به، وقد ذكره ابن تيمية وغيره، وقالوا: إن هذه طريقةٌ حسنةٌ عند أهل العلم.

وأما قراءة القرآن بصوتٍ جماعيٍّ: فإن كان ذلك لأجل التعليم، كما يفعل بعض المعلمين مع بعض الطلاب، يقرأ المعلم، ثم يقرأ خلفه الطلاب؛ فهذا لا بأس به.

أما إذا كانوا يقرءون القرآن بصوتٍ جماعيٍّ لقصد التعبد، وليس لأجل التعليم، فإن هذا العمل لا أصل له، وهو غير مشروعٍ بهذه الطريقة، وإنما المشروع: إما أن يقرأ كلُّ واحدٍ على حِدَةٍ، وإما أن يقرأ الأول، ويكمل القراءة الثاني، أو أن القراءة التي تكون بصوتٍ جماعيٍّ تكون لأجل تعليم الطلاب فقط.

وأما أن يجتمعوا بصوتٍ واحدٍ لأجل التعبد؛ فهذا العمل لا أصل له.

  • دل هذا الحديث على فضل تدارس القرآن الكريم، وفضل الاجتماع لأجل ذلك، وأن هذا الاجتماع إذا كان في المسجد؛ فينال هؤلاء المجتمعون الفضل المذكور في الحديث، وهو أنه تنزل عليهم السكينة، وتغشاهم الرحمة، وتحفهم الملائكة، ويذكرهم الله فيمن عنده، ويدخل في ذلك حلقات تحفيظ القرآن الكريم المُقامة في المساجد، فإنها يَصدُق عليها أن هؤلاء الجالسين في الحلقة قد اجتمعوا في بيتٍ من بيوت الله يتدارسون كتاب الله ؛ فيُرجى أن ينالوا الفضل الوارد في هذا الحديث، وأن تنزل عليهم السكينة، وتغشاهم الرحمة، وتحفهم الملائكة، ويذكرهم الله تعالى فيمن عنده، وهذا شرفٌ عظيم وفضلٌ كبيرٌ لهذه الحلقات.

فهذه الحلقات التي تُعقَد في المساجد، هذه من الأعمال الصالحة العظيمة، ومن الأمور التي ينبغي الحرص عليها، وتشجيع الشباب للالتحاق بها، وتشجيع المعلمين، وتشجيع القائمين على هذه الحلقات؛ فإنها عملٌ صالحٌ عظيمٌ؛ لو لم يرد في فضلها إلا هذا الحديث: إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله تعالى فيمن عنده [2]، هذا شرفٌ عظيمٌ، فليستحضر من يذهب لحلقة القرآن الكريم -متعلمًا أو معلمًا- هذا الحديث العظيم، ليستحضر هذا الشرف الكبير، وهو أنه إذا اجتمع مع إخوةٍ له في الله يتدارسون كتاب الله تعالى؛ فإن السكينة تنزل عليهم، وتغشاهم الرحمة، وتحفهم الملائكة، ويذكرهم الله تعالى فيمن عنده.

  • دل هذا الحديث على أن الاجتماع لتلاوة القرآن أو تدارسه من أسباب ذكر الله تعالى لهؤلاء المجتمعين؛ لقوله : وذكرهم الله فيمن عنده.

قال الحافظ ابن رجبٍ رحمه الله: ذِكر الله تعالى لعبده: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى بين ملائكته، ومباهاته به، وتنويهه بذكره.

فالمجتمعون في المسجد في بيتٍ من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه، ينالون هذا الشرف العظيم، وهذه المرتبة العلية، وهذه المنقبة، وهي أن الله تعالى يذكرهم فيمن عنده مباهيًا بهم ملائكته.

  • دل هذا الحديث على أن العبرة بالأعمال الصالحة لا بالنسب الشريف؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ومن بطَّأ به عمله؛ لم يُسرع به نسبه.

وكثيرٌ من العلماء ليس لهم أنسابٌ شريفةٌ يتفاخرون بها، بل كثيرٌ منهم كانوا من الموالي، ومع ذلك كانوا هم سادات الأمة، وينابيع الحكمة، وأُخذ عنهم العلم، ويذكرهم الناس حتى الآن، يذكرونهم بالترحم عليهم، والثناء عليهم، وذكر مناقبهم؛ فالعبرة بالأعمال الصالحة، وليست العبرة بالنسب ولا بالحسب، فمن بطأ به عمله؛ لم يُسرع به نسبه.

ثم ساق المصنف -الإمام مسلمٌ- هذا الحديث من طرقٍ أخرى، وساقه من حديث.. قال:

حدَّثنا محمد بن المُثنَّى وابن بشَّارٍ، قالا: حدَّثنا محمد بن جعفرٍ: حدثنا شعبة: سمعت أبا إسحاق يحدث عن الأغرِّ أبي مسلمٍ أنه قال: أشهد على أبي هريرة وأبي سعيدٍ أنهما شهدا على النبي  أنه قال: لا يَقعُد قومٌ يذكرون الله ​​​​​​​؛ إلا حفَّتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده [3].

فوائد من حديث: لا يقعد قومٌ يذكرون الله ​​​​​​​؛ إلا حفَّتهم الملائكة..

هذا الحديث فيه فائدةٌ زائدةٌ على الحديث السابق:

  • أولًا: أنه لم يذكر: يتلون كتاب، ويتدارسونه بينهم، بل قال: يذكرون الله؛ وهذا يدل على أن مجرد الاجتماع لذكر الله سببٌ لنيل الفضل الوارد في هذا الحديث.
  • وأيضًا فيه زيادةٌ أخرى: وهي أنه أَطلَق في هذا الحديث، فلم يقل: في بيتٍ من بيوت الله، وإنما قال: لا يقعد قومٌ يذكرون الله ، فلم يقيد ذلك ببيتٍ من بيوت الله تعالى؛ ولهذا قال النووي رحمه الله تعالى: “ويلحق بالمسجد في تحصيل هذه الفضيلة: الاجتماع في مدرسةٍ ورِباطٍ ونحوهما إن شاء الله، قال: ويدل عليه هذا الحديث؛ فإنه مُطلَقٌ، يتناول جميع المواضع، ويكون التقييد في الحديث الأول خرج على الغالب، لا سيما في ذلك الزمان، فلا يكون له مفهومٌ يُعمَل به”.

فهذا الحديث جاء مطلقًا؛ وهذا يدل على أنه لو اجتمعوا في غير المسجد يذكرون الله ، أو يتلون كتاب الله، أو يتدارسونه بينهم؛ أنهم يحوزون على هذه الفضائل المذكورة في الحديث، فلا يلزم أن يكون هذا الاجتماع في بيتٍ من بيوت الله، وورد في بعض الأحاديث ذِكر: بيتٍ من بيوت الله -كما قال النووي- بناءً على الغالب؛ يعني جرى مجرى الغالب، وأن الناس في صدر الإسلام غالب اجتماعاتهم إنما تكون في المساجد.

ثم ذكر المصنف حديث أبي سعيدٍ  في قصة معاوية ، قال:

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا مَرْحُوم بن عبد العزيز، عن أبي نَعَامة السَّعْدي، عن أبي عثمان، عن أبي سعيدٍ الخدري قال: خرج معاوية على حلقةٍ في المسجد فقال: ما أجلسَكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله، قال: آللهِ ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تُهَمةً لكم، وما كان أحدٌ بمنزلتي من رسول الله أقلَّ عنه حديثًا مني، وإن رسول الله خرج على حلقةٍ من أصحابه فقال: ما أجلسكم؟، قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، وما منَّ به علينا، قال: آللهِ ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمةً لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله ​​​​​​​ يباهي بكم الملائكة [4].

ألفاظ الحديث:

قوله: “على حلقةٍ”، يقال: حَلْقةٌ وحَلَقةٌ، بفتح اللام وبإسكانها، وكلاهما صحيحٌ، إن قلت: حَلْقة، صحيحٌ، وإن قلت: حَلَقة، صحيحٌ.

قوله: “وما كان أحدٌ بمنزلتي من رسول الله “، القائل هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، ومراده: أنه كان صهر النبي ؛ لكون أخته هي أم حبيبة، وهي إحدى أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، وأيضًا هو مِن كَتَبَة الوحي، وهو قريبٌ من النبي .

قال: “وما كان أحدٌ بمنزلتي من رسول الله أقل حديثًا مني”، يعني مراده: أني وإن كنت ذا منزلةٍ عند النبي ؛ إلا أنني مُقِلٌّ في الحديث عنه، ومع ذلك فقد حفظت هذا الحديث؛ فكأنه يقول: إني مع قربي من النبي عليه الصلاة والسلام؛ إلا أنني قليل الحفظ عنه، لكني حفظت هذا الحديث، وأراد بذلك أن يبين أنه متيقنٌ من نقله لهذا الحديث عن رسول الله .

ومعاوية بن أبي سفيان هو أحد الصحابة ، وأحد كتبة الوحي، صحابيٌّ جليلٌ، ولا يقدح فيه إلا منافقٌ، لا يقدح في أحدٍ من أصحاب النبي إلا منافقٌ؛ فإن محبتهم دليلٌ على الإيمان والصدق، وبغضهم دليلٌ على النفاق، فلا يحب صحابة النبي إلا مؤمنٌ، ولا يبغضهم إلا منافقٌ.

فوائد من حديث: ما أجلسَكم؟..

  • أولًا: دل هذا الحديث على فضل الاجتماع في المساجد لذكر الله ؛ لقوله : ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة؛ فهذا يدل على فضل الاجتماع في المساجد لذكر الله سبحانه وتذكر نعمه.

وأيضًا هذا كما قلنا في الحديث السابق: إنه لا يختص بالمساجد، وإنما يشمل أي مكانٍ، فالاجتماع لذكر الله ​​​​​​​ وتذكر نعمه من الأعمال الصالحة العظيمة، ولو لم يكن في فضلها إلا أن الله يباهي بهؤلاء المجتمعين ملائكته، هذا فضلٌ عظيمٌ، وشرفٌ كبيرٌ، قال: ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة.

وهذا الاجتماع لذكر الله سبحانه المقصود به: أنهم يجتمعون في مكانٍ، والأفضل أن يكون في المسجد، وكل واحدٍ منهم يذكر الله بأي نوعٍ من أنواع الذكر، سواءٌ أكان ذلك بالتسبيح أو بالتحميد، أو بالتهليل أو بالتكبير، أو بالحوقلة، أو بالصلاة على النبي ، أو بالاستغفار، أو بتلاوة القرآن، أو بغير ذلك من أنواع الذكر، وكل واحدٍ يذكر الله تعالى بنفسه، وليس المعنى أنهم يجتمعون على ذكر الله تعالى بصوتٍ جماعيٍّ؛ فإن هذا العمل غير مشروعٍ ولا أصل له، فيجتمعون مثلًا على التهليل بصوتٍ جماعيٍّ، يجتمعون على التحميد بصوتٍ جماعيٍّ، هذا لا أصل له، وهذا يخرجهم من كونه ذكرًا إلى كونه أشبه بالترانيم والأناشيد، وإنما المقصود في الاجتماع لذكر الله : أنهم يجتمعون في مكانٍ واحدٍ، يشجع بعضهم بعضًا، لكن كل واحدٍ منهم يذكر الله  بمفرده.

ومن أمثلة ذلك: ما يحصل في بلاد المسلمين من أن بعض المصلين صلاة الفجر يجلسون بعد صلاة الفجر يذكرون الله حتى تطلع الشمس، فيصدق عليهم الفضل الوارد في هذا الحديث، وكذلك أيضًا في بعض المساجد يجتمعون بعد صلاة العصر يذكرون الله ، خاصةً بعد صلاة عصر يوم الجمعة، فهؤلاء يشملهم الفضل الوارد في هذا الحديث، وهكذا لو اجتمعوا يذكرون الله في أي مكانٍ، يشملهم هذا الفضل الوارد في هذا الحديث.

  • ثانيًا: دل هذا الحديث على أن تذكر نعم الله عملٌ صالحٌ، وأنه يدخل في شكر الله سبحانه، وهذه المسألة تخفى على كثيرٍ من الناس، تَذكُّر نعم الله سبحانه جزءٌ من شكر الله ؛ ولهذا أَمَرَ الأنبياء بهذا التذكُّر أقوامهم، قال الله تعالى عن نبيه هودٍ : فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ يعني نعم الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأعراف:69]، وقال عن نبيه صالحٍ : فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ [الأعراف:74]، وقال عن نبيه موسى : وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [المائدة:20]، وقال الله تعالى لأصحاب محمدٍ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [الأحزاب:9]، وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [المائدة:7]، وهذا يشمل أصحاب النبي ، ويشمل الأمة كلها: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ.

فذِكر نِعَم الله تعالى جزءٌ من الشكر، وهو نوعٌ من شكر الله ، فتذكر نعم الله تعالى، تذكر نعم الله تعالى عليك، تحمد الله تعالى وتشكره، وتقول: يا رب، أنت أعطيتني كذا وكذا، فلك الحمد ولك الشكر، فهذا التذكر لنعم الله، وتعداد نعم الله تعالى عليك، ثم حمد الله وشكره عليها، هذا من الأعمال الصالحة العظيمة، وهو من الشكر، ويدخل في شكر هذه النعم، وهو من أسباب زيادة النعم؛ لأنه داخلٌ في الشكر.

فإن من عدَّد نعم الله عليه، وحَمِد الله تعالى وشكره عليها، هذا يكون قد شكر الله سبحانه، والله تعالى يقول: لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7]، فينبغي لك أخي المسلم أنك تحرص على أن تذكر نعم الله عليك، تَعُدَّ نعم الله عليك، عندما تناجي ربك : يا رب، أنعمت عليَّ بكذا؛ فلك الحمد ولك الشكر، ويا رب، أنعمت عليَّ بكذا؛ فلك الحمد ولك الشكر، هذا هو ذكر نعمة الله عليك، بل إذا كنت في مجلسٍ أو في اجتماعٍ أو مكانٍ؛ تَذكر نعم الله تعالى على الناس، كما فعل الصحابة هنا، قالوا: “جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا” [5]، كان يفعل هذا أصحاب النبي ، إذا اجتمعوا حمدوا الله على ما منَّ به، وعلى ما هداهم من نعمة الإسلام، وما منَّ به عليهم من النعم العظيمة.

فعندما تكون في مجلسٍ أو في مكانٍ، تذكر الناس بنعم الله تعالى، فتقول: يا جماعة، اذكروا نعمة الله علينا، لِنَذْكُرْ نعم الله علينا، الله تعالى أنعم علينا بالأمن، وأنعم علينا بالأمان، وأنعم علينا بالصحة، وأنعم علينا برغد العيش، وأنعم علينا بكذا وكذا، فهذا يدخل في شكر النعم: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ.

هذه مسألةٌ تخفى على كثيرٍ من الناس، وهي من أعظم ما تكون من الشكر، أنك تذكر نعم الله تعالى عليك، وتحمد الله تعالى على هذه النعم وتشكره عليها.

  • أيضًا من فوائد هذا الحديث: أن الله تعالى يباهي الملائكة بعباده الصالحين من بني آدم؛ لقوله  في آخر الحديث: فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة، والله تعالى يقول: أنا مع عبدي إذا ذكرني؛ فإن ذكرني في نفسه؛ ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ؛ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منهم، فالله تعالى يذكر عباده الذين يذكرونه ويباهي بهم ملائكته.
  • أيضًا من فوائد هذا الحديث: دل هذا الحديث على فضل الجلوس بعد صلاة الفجر لذكر الله حتى تطلع الشمس، وهذه سنةٌ من السنن، فقد كان غالب هدي النبي أنه إذا صلى صلاة الفجر جلس في المسجد يذكر الله ، حتى تطلع الشمس [6]، وكان الصحابة يجلسون، وربما أحيانًا تحدثوا في أمور الجاهلية، وما منَّ الله تعالى به عليهم من الإسلام؛ أي: يتذكرون نعم الله عليهم، وهذا -كما ذكرنا- نوعٌ من الشكر، فكان عليه الصلاة والسلام أحيانًا إذا استمع إلى أحاديثهم؛ تبسَّم [7].

فالاجتماع بعد صلاة الفجر في المسجد لذكر الله ، حتى تطلع الشمس، هذا عملٌ صالحٌ عظيمٌ، ومن يفعلون ذلك يُرجى دخولهم في الفضل المذكور في هذا الحديث وفي قول النبي : أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة، أي: هؤلاء المجتمعين على ذكر الله .

وهكذا لو كان هذا الاجتماع في غير صلاة الفجر؛ فلو اجتمعوا يذكرون الله بعد صلاة العصر، أو بعد صلاة المغرب، أو في أي وقتٍ من الأوقات، أو اجتمع معتكفون في المسجد، اجتمعوا يذكرون الله ؛ يشملهم الفضل المذكور في هذا الحديث: أنهم اجتمعوا في بيتٍ من بيوت الله يذكرون الله ، فيباهي الله تعالى بهم ملائكته.

لكن نؤكد على ما ذكرناه من أن هذا الاجتماع للذكر يكون بصفة أن كل واحدٍ منهم يذكر الله منفردًا، فلا يذكرون الله تعالى بصوتٍّ جماعيٍّ؛ لأن هذا لا أصل له، الذكر بصوتٍ جماعيٍّ لا أصل له، لكن يجتمعون ويشجع بعضهم بعضًا، فيذكرون الله ، كلُّ واحدٍ منهم يذكر الله ، وكل واحدٍ منهم يختار الأصلح لقلبه من أنواع الذكر.

باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه

ننتقل بعد ذلك إلى باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه:

قال الإمام مسلمٌ في “صحيحه”:

حدَّثنا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيدٍ وأبو الرَّبِيع العَتَكي جميعًا عن حمادٍ -قال يحيى: أخبرنا حماد بن زيدٍ- عن ثابتٍ، عن أبي بردة، عن الأغَرِّ المُزَني -وكانت له صحبةٌ- أن رسول الله قال: إنه لَيُغَانُ على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليومِ مئة مرةٍ [8].

وساق المصنف أيضًا هذا الحديث: عن الأغر المزني قال..، وكان يُحدِّث عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال:

قال رسول الله : يا أيها الناس، توبوا إلى الله، فإني أتوب إليه في اليوم مئة مرةٍ [9].

قوله : إنه لَيُغَان على قلبي، أي: ما يغشاه مِن السهو الذي لا يخلو منه البشر؛ لأن قلبه عليه الصلاة والسلام كان مشغولًا بالله ، فإنْ عَرَض له عارضٌ بشريٌّ يشغله؛ عَدَّ ذلك ذنبًا، وعدَّه تقصيرًا، فيفزع للاستغفار، مع أنه في حقيقته ليس بذنبٍ، لكن، لكمال تعبُّد النبي ، ولكونه انشغل عن ذكره لله سبحانه؛ اعتبر هذا تقصيرًا، فهذا معنى قوله : إنه لَيُغان على قلبي؛ لأنه عليه الصلاة والسلام طيلة الوقت يذكر الله ، لكن أحيانًا قد ينشغل ببعض الأعمال البشرية، وبعض الأعمال التي تهم الأمة، فينشغل عن ذكر الله سبحانه، فيَعُدُّ ذلك تقصيرًا، فهذا معنى قوله : إنه ليغان على قلبي.

فوائد من حديث: إنه لَيُغان على قلبي..

  • دل هذا الحديث على فضل الاستغفار؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: وإني لأستغفر الله في اليوم مئة مرةٍ، وقوله في الحديث الآخر: يا أيها الناس، توبوا إلى الله، فإني أتوب إليه في اليوم مئة مرةٍ، وإذا كان هذا هو حال النبي ، الذي قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ فكيف بغيره؟!

فينبغي للمسلم ملازمة التوبة والاستغفار في سائر أحواله، ولا يستلزم ذلك وجود الذنب، بل يستغفر الله تعالى ويتوب إليه في كل حينٍ؛ ولذلك ينبغي لك -أخي المسلم- أن تخصص لك كل يومٍ وقتًا للاستغفار، تقول: هذا الوقت أجعله مخصصًا للاستغفار، فتقول: أستغفر الله وأتوب إليه، أستغفر الله وأتوب إليه، أو تقول: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، فهذا الاستغفار أولًا: فيه تكفيرٌ للذنوب والخطايا، وفيه أيضًا: فائدةٌ عظيمةٌ أخرى، وهي أنه أمانٌ من حلول العقوبات بك؛ لقول الله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:33].

قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: “أنزل الله تعالى أمانَيْن -يعني من العقوبات- أما الأمان الأول فقُبِض بموت النبي ؛ يعني بذلك وجود النبي : وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ [10]، هذا.. انتهى هذا الأمان، وأما الأمان الثاني فباقٍ إلى قيام الساعة؛ يقصد بذلك الاستغفار: وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ.

فالذي يُكثِر من الاستغفار، فكثرة الاستغفار تكون -بإذن الله تعالى- أمانًا ووقايةً له من حلول العقوبات: وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ.

فاحرص على كثرة الاستغفار، كل يومٍ استغفِرِ الله تعالى، كلَّ يوم اجعل من وقتك نصيبًا للاستغفار.

صيغ الاستغفار

ثانيًا: الاستغفار ورد على عدة صيغٍ:

من أشهرها أن تقول: أستغفر الله، والأفضل أن تضيف لذلك التوبة، فتقول: أستغفر الله وأتوب إليه، وتكرر ذلك، تقول: أستغفر الله وأتوب إليه، أستغفر الله وأتوب إليه، أستغفر الله وأتوب إليه.

ومن صيغ الاستغفار أن تقول: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، وهذا قد ورد في الحديث الصحيح أن من قاله؛ حُطَّت عنه خطاياه وإن كان قد فر من الزحف [11]، والمراد بذلك عند جمهور العلماء: الصغائر وليس الكبائر.

ومن صور الاستغفار: ما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كنا نَعُدُّ لرسول الله في المجلس الواحد مئة مرةٍ: رب اغفر لي وتب عليَّ إنك أنت التواب الرحيم [12]، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد بسندٍ صحيحٍ.

رب اغفر لي وتب عليَّ إنك أنت التواب الغفور، هذا كان النبي عليه الصلاة والسلام في المجلس الواحد يكرره مئة مرةٍ، فهذا من صور الاستغفار، أن تقول: رب اغفر لي وتب عليَّ إنك أنت التواب الغفور.

ومن صور الاستغفار: سيد الاستغفار، أن تقول: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت [13]، هذا هو سيد الاستغفار.

ومن صور الاستغفار: الكلمات التي تلقَّاها أبونا آدم  من الله ، ولمَّا قالها آدم وحواء عليهما السلام؛ تاب الله ​​​​​​​ عليهما: فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ [البقرة:37]، وهذه الكلمات جاء تفسيرها في الآية الأخرى، وهي: رب إني ظلمت نفسي، وإن لم تغفر لي وترحمني؛ لأكونن من الخاسرين، قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23]، فتقول: “رب إني ظلمت نفسي، وإن لم تغفر لي وترحمني؛ لأكونن من الخاسرين”.

ومن صور الاستغفار أن تقول: رب إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم [14].

هذه كلها صور للاستغفار، أشهرها أن تقول: أستغفر الله وأتوب إليه، أستغفر الله وأتوب إليه.

  • من فوائد هذا الحديث: بيان ما كان عليه النبي من ملازمة الاستغفار، مع أن الله تعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ وهذا يدل على كمال عبوديته لربه ، وعظيم شأنه عليه الصلاة والسلام، فإنه يستغفر الله ويتوب إليه، مع أن الله تعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

هل الأنبياء تقع منهم ذنوب؟

  • ومن فوائد هذا الحديث: استغفار النبي هل يدل على أن الأنبياء تقع منهم ذنوبٌ؟

الذي عليه أكثر أهل العلم: أن الأنبياء معصومون عن اقتراف الكبائر دون الصغائر، فالأنبياء يمكن أن تقع منهم صغائر الذنوب، أما الكبائر فهم معصومون منها.

قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: وهذا قول أكثر علماء الإسلام، بل لم يُنقَل عن السلف خلافه: أن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر، فاستغفار النبي يكون مما قد يقع من الصغائر إن وقع، وإلا فالله تعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

باب التوبة

ننتقل بعد ذلك إلى باب التوبة:

أولًا: ذَكَر المصنف حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وهو يَصلح دخوله في باب الاستغفار وفي التوبة.

حديث ابن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله : يا أيها الناس، توبوا إلى الله؛ فإني أتوب إليه في اليوم مئة مرةٍ.

وساق أيضًا المصنف حديث أبي هريرة  قال:

قال رسول الله : من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها؛ تاب الله عليه [15].

التوبة أَمَرَ الله تعالى بها في قوله: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وأَمَرَ بها النبي في هذا الحديث فقال: يا أيها الناس، توبوا إلى الله؛ فإني أتوب إليه في اليوم مئة مرةٍ.

فينبغي أن يحرص المسلم على التوبة، والأفضل أن يقرن التوبة بالاستغفار فيقول: أستغفر الله وأتوب إليه، وإذا وقع في ذنبٍ فينبغي أن يبادر إلى التوبة والاستغفار.

شروط صحة التوبة

ثانيًا: ذكر العلماء أنه يشترط لصحة التوبة ثلاثة شروطٍ لا بد من اجتماعها، فإذا تخلف شرطٌ منها؛ لم تصح التوبة:

  • الشرط الأول: الإقلاع عن الذنب، فلا بد من أن يقلع عن هذه المعصية، أما إذا ادعى التوبة وهو مستمرٌّ على هذه المعصية؛ فهو كاذبٌ في توبته، فلا بد أن يقلع عن الذنب أو المعصية.
  • الشرط الثاني: الندم على ما فات من فعل المعاصي، فإذا تاب من معصيةٍ؛ يندم على فعلها، وقد ورد في بعض الروايات: الندم توبةٌ [16]؛ لأن الندم يدل على الصدق في التوبة، والذي يزعم أنه تاب وهو لم يندم على الذنب لا يكون صادقًا في توبته، فلا بد من أن يندم على فعل ذلك الذنب أو تلك المعصية.
  • الشرط الثالث: العزم على ألا يعود إلى ذلك الذنب مرةً أخرى، ولا بد من هذا الشرط، وإلا لم يكن صادقًا في توبته، فيعزم عزمًا صادقًا على ألا يعود، وألا يرجع إلى ذلك الذنب مرةً أخرى، فإذا اجتمعت هذه الشروط الثلاثة؛ فتصح التوبة إذا كانت متعلقةً بحقٍّ من حقوق الله .

الإقلاع عن الذنب والندم عليه، والعزم على ألا يعود إليه مرةً أخرى، وإذا كان الذنب متعلقًا بحقٍّ من حقوق الآدميين؛ فيُشترط رد الحقوق إلى أهلها والتحلل من أصحابها؛ وإلا لا تصح التوبة.

إذا كان قد ظلم أحدًا واعتدى عليه في دمه أو ماله أو عرضه؛ فلا بد من رد الحقوق إلى أهلها، والتحلل من أصحابها، وإلا فإن حقوق العباد باقيةٌ لأصحابها يوم القيامة.

فهذه هي شروط صحة التوبة: الإقلاع عن الذنب، والندم عليه، والعزم على ألا يعود إليه مرةً أخرى، وإذا كان الذنب متعلقًا بحق من حقوق الآدميين؛ فيرد الحق إلى صاحبه مع التحلل منه.

وأضاف بعض العلماء شرطًا، بعضهم يعتبره شرطًا خامسًا، وبعضهم لا يعتبره شرطًا وإنما هو متعلقٌ بوقت التوبة، ولا مشاحة في الاصطلاح: وهو أن تكون التوبة في وقتها.

والتوبة تصح من الإنسان في أي وقتٍ ما لم تبلغ الروح الحلقوم، وما لم تطلع الشمس من مغربها، فإذا بلغت الروح الحلقوم؛ أُغلق باب التوبة في وجه الإنسان؛ لقول الله تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ [النساء:18]؛ وذلك لأنه إذا بلغت الروح الحلقوم؛ انتقل الإنسان من عالَم الغيب إلى عالم الشهادة.

وأي إنسانٍ سيتوب في هذه اللحظات، حتى فرعون، أكبر طاغيةٍ على وجه الأرض، لما أدركه الغرق قال: آمنت، ولكن لا ينفع الإيمان في تلك اللحظة؛ لأنه أصبح قد انتقل من عالَم الغيب إلى عالم الشهادة.

وكذلك أيضًا في آخر الزمان، عندما تطلع الشمس من مغربها؛ يغلق باب التوبة؛ وذلك لأن الإنسان أيضًا ينتقل من عالم الغيب إلى عالم الشهادة؛ لأن الناس إذا رأوا الشمس طلعت من مغربها؛ عرفوا قرب قيام الساعة، ورأوا آيةً كونيةً حسيةً مشاهَدةً، فانتقلوا بذلك من عالَم الغيب إلى عالم الشهادة؛ ولذلك إذا رأى الناس الشمس طلعت من مغربها؛ آمنوا جميعًا، ولكن لا ينفع الإيمان ولا التوبة حينئذٍ؛ لقول الله تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ -أي: طلوع الشمس من مغربها- لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158].

  • دل هذا الحديث على أن التوبة لا تقبل إذا طلعت الشمس من مغربها؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها؛ تاب الله عليه، وطلوع الشمس من مغربها إنما يكون في آخر الدنيا، عندما تظهر أشراط الساعة الكبرى، ويظهر أول ما يظهر منها: خروج المهدي، ثم خروج المسيح الدجال، ثم نزول عيسى بن مريم فيقتله، ويعم الإسلام الكرة الأرضية كلها، حتى لا يبقى بيت شجرٍ ولا مَدَرٍ إلا أدخله الله تعالى هذا الدين، ثم بعد ذلك خروج يأجوج ومأجوج، ثم تخرج بعد ذلك الدابة، وتطلع الشمس من مغربها، ويرسل الله تعالى ريحًا طيبةً تقبض روح كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ، ولا يبقى إلا شرار الناس يتهارجون كتهارج الحمر، وعليهم تقوم الساعة، فطلوع الشمس من مغربها إنما يكون في آخر الدنيا حين تظهر أشراط الساعة الكبرى.

باب استحباب خفض الصوت بالذكر

ننتقل بعد ذلك إلى باب استحباب خفض الصوت بالذكر، إلا في المواضع التي ورد الشرع برفعه فيها؛ كالتلبية وغيرها، واستحباب الإكثار من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله.

قال الإمام مسلمٌ في “صحيحه”:

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا محمد بن فُضيلٍ وأبو معاوية، عن عاصمٍ، عن أبي عثمان، عن أبي موسى قال: كنا مع النبي ، فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال النبي : أيها الناس، اربَعوا على أنفسكم؛ إنكم ليس تدعون أصم ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا، وهو معكم، قال وأنا خلفه، وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال: يا عبد الله بن قيسٍ، ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟، فقلت: بلى يا رسول الله، قال: قل: لا حول ولا قوة إلا بالله [17].

ثم ساق المصنف هذا الحديث من طرقٍ أخرى:

عن أبي موسى: أنهم كانوا مع رسول الله ، وهم يصعدون في ثَنِيَّةٍ، قال: فجعل رجلٌ كلما علا ثنيةً نادى: لا إله إلا الله، والله أكبر، قال: فقال نبي الله : إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، قال: فقال: يا أبا موسى، أو يا عبد الله بن قيسٍ، ألا أدلك على كنزٍ من الجنة؟، قلت: ما هي يا رسول الله؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله [18].

ثم ذكر المصنف هذا الحديث من طرقٍ أخرى.

قوله : اربَعوا على أنفسكم، اربَعوا: أي ارفُقوا بأنفسكم، واخفضوا أصواتكم.

قوله : إنكم ليس تدعون أصم ولا غائبًا، يعني: الذي تدعونه -وهو الله – ليس بأصم ولا غائبٍ، بل هو سميعٌ قريبٌ، وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ [الحديد:4].

أبرز فوائد هذا الحديث

  • أولًا: دل هذا الحديث على مشروعية خفض الصوت بالذكر؛ لقوله عليه الصلاة والسلام لما سمع بعض أصحابه يجهرون بالذكر، قال: اربَعوا على أنفسكم، إنكم ليس تدعون أصم ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا، وهو معكم؛ فدل هذا على مشروعية خفض الصوت بالذكر؛ وذلك لأن رفع الصوت إنما يفعله الإنسان؛ لبعد من يخاطبه ويَسمعه، والمسلم عندما يذكر الله ، يذكر الله سبحانه ويدعوه وهو سميعٌ قريبٌ، فليس بأصم ولا غائبٍ، بل هو سميعٌ قريبٌ، وهو مع الإنسان: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ، كما قال سبحانه.

حكم الجهر بالأذكار بعد الصلاة

وهذا يدل على أن الأصل في الذكر خفض الصوت به، وعدم رفع الصوت به إلا في المواضع التي ورد الجهر بها؛ كالذي يكون بعد الصلاة مباشرةً من الأذكار، فإن هذا قد دلت السنة على مشروعية الجهر بالذكر فيه، لكن يكون الجهر أيضًا جهرًا لا يسبب أذيةً ولا إزعاجًا للناس، وإنما يكون بالقدر الذي يُسمع به الإنسان من حوله.

ولعل الحكمة في ذلك -والله أعلم- هو أن يُعرف انقضاء الصلاة؛ ولهذا كان ابن عباسٍ رضي الله عنهما صغيرًا، وكان يقول: ما كنا نعرف انقضاء صلاة النبي إلا بالتكبير [19]، يعني: برفع الصوت بالتكبير وبالذكر.

فكان النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة بعدما يَفرُغون من الصلاة، وبعدما يُسلِّمون التسليمة الثانية؛ يرفعون صوتهم بالذكر، يجهرون بالذكر الذي يلي التسليم مباشرةً، فهذا قد دلت السنة على مشروعية الجهر به.

فينبغي بعد الفراغ من السلام أن يجهر الإمام والمأمومون بالذكر، فيقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام، ومنك السلام.. إلى آخر الذكر الوارد بعد الصلوات.

وأما التسبيح والتحميد والتكبير، فالأفضل الإسرار بها وعدم الجهر بها، وهذا هو الذي عليه المذاهب الأربعة: مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، على أن الأفضل هو الإسرار بها وعدم الجهر بها، ويُحمل قول ابن عباسٍ رضي الله عنهما: “كان رفع الصوت بالذكر على عهد رسول الله [20]، على أن ذلك يختص بالذكر الذي يكون بعد السلام مباشرةً؛ لقوله: كان رفع الصوت بالذكر حين الانتهاء من المكتوبة، فقوله: حين الانتهاء من المكتوبة، يدل على أن هذا الجهر إنما يكون في الأذكار التي تلي السلام مباشرةً.

ومما يدل لذلك: أن الأصل في الذكر الإسرار به وعدم الجهر به؛ ولهذا أنكر النبي على من جهر من الصحابة بالذكر وقال لهم: اربَعوا على أنفسكم، إنكم ليس تدعون أصم ولا غائبًا، إنكم تدعون سمعيًا قريبًا، وهو معكم، فأنكر عليه الصلاة والسلام على من رفع صوته بالذكر.

وهذا يدل على أن الأصل في الذكر الإسرار وعدم رفع الصوت، إلا في المواضع التي ورد الدليل بمشروعية رفع الصوت بها؛ ومن ذلك: ما يكون بعد السلام مباشرةً، الأذكار التي يؤتى بها بعد السلام من المكتوبة.

وعلى هذا: فإذا كان الإنسان يذكر الله بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والحوقلة، فالأفضل ألا يجهر بالذكر، وإنما يخفض صوته بالذكر.

حكم الجهر بقراءة القرآن في المسجد

لكن إذا كان يقرأ القرآن؛ فإن الأفضل أن يرتل القرآن؛ لقول الله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:4]، ولا يكون الترتيل إلا مصحوبًا بصوتٍ، فلا بد من أن يكون له صوتٌ، فيقرأ القرآن بصوتٍ يحصل به ترتيل القرآن، ويحصل به التغني بالقرآن، وتحسين الصوت بالقرآن، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن [21]، وقال: زينوا القرآن بأصواتكم [22]، والله تعالى يقول: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا، كيف يكون الترتيل، وكيف يكون التغني، وكيف يكون تحسين الصوت إذا كانت تلاوة القرآن بدون صوتٍ؟!

فالأفضل أن تكون تلاوة القرآن بصوتٍ، لكن لا يرفع صوته بقدرٍ يزعج من حوله، وإنما يرفع صوته قليلًا بالقدر الذي يحصل معه ترتيل القرآن، والتغني به، وتحسين الصوت به؛ لأن ترتيل القرآن والتغني به أبلغ في التأثر به، وأبلغ في التأثير؛ ولأن هذا هو المأثور عن النبي عليه الصلاة والسلام وعن صحابته ؛ ولهذا لما مر النبي على أبي موسى وهو يقرأ القرآن بصوتٍ حسنٍ، فجعل يستمع إليه، وأخبره بأنه كان يستمع إلى تلاوته البارحة، قال: “يا رسول الله، لو علمت أنك تستمع إليَّ؛ لحبَّرته لك تحبيرًا” [23]، يعني: لزيَّنت التلاوة أكثر، وحسَّنت الصوت أكثر.

وكذلك أُسَيد بن حُضَيرٍ، كان يقرأ القرآن في الليل، فرأى ظُلَّةً تقترب منه؛ يعني أنوارًا، فأخبر النبيُّ عليه الصلاة والسلام بأنها الملائكة تستمع لتلاوة القرآن [24]، فهذا هو المأثور عن أصحاب النبي .

وما نلحظه الآن من أن بعض الناس يقرءون القرآن بقراءةٍ صامتةٍ، هذا وإن كانوا يحصلون أجر التلاوة إن شاء الله، لكن تفوتهم هذه السنن، تفوتهم سنة ترتيل القرآن، والتغني بالقرآن، وتحسين الصوت بالتلاوة، فتفوتهم هذه السنن، كيف يرتل القرآن وهو يقرأ القرآن بدون صوتٍ، يقرأ القرآن بقراءةٍ صامتةٍ؟!

فإذا أردت أن ترتل القرآن؛ لا بد من أن يصحب ذلك صوتٌ، ترفع صوتك قليلًا وترتل القرآن، وتزين صوتك بالقرآن، وتتغنى بالقرآن، أما ما يُرَى في بعض المساجد أن يدخل الإنسان المسجد، ويجد الذين يقرءون القرآن كلهم يقرءون بدون صوتٍ، فقط يطالع المصحف، هو يقرأ بلسانه، ومأجورٌ على التلاوة إن شاء الله، لكن فاتته هذه السنن.

وأما قول بعض الناس: إني أخشى أن أُزعج من حولي، نقول: ارفع صوتك قليلًا بالقدر الذي لا تزعج به من حولك، لكن لا بد من أن يكون للتلاوة صوتٌ يحصل به التغني وترتيل القرآن: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:4]، ليس منا من لم يتغن بالقرآن [25].

  • دل هذا الحديث على فضل قول: “لا حول ولا قوة إلا بالله”؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ألا أدلك على كنزٍ مِن كنوز الجنة؟، فقد جعل النبي هذا الذكر من كنوز الجنة، وهذا يدل على عظيم فضله وشرفه، وأنه ينبغي للمسلم أن يكثر منه، من قول: “لا حول ولا قوة إلا بالله”.

وذلك لأن هذه الكلمة -لا حول ولا قوة إلا بالله- هي كلمة استسلامٍ وتفويضٍ إلى الله تعالى، واعترافٍ بالإذعان له، وأن العبد لا يملك شيئًا من الأمر، وأنه لا حول له ولا تحوُّل له من أمرٍ إلى أمرٍ، لا من طاعةٍ إلى معصيةٍ، ولا من أمرٍ إلى أمرٍ، إلا بالله ، ولا قوة له إلا بالله ، ففيها تفويض الأمر إلى الله، والاستسلام لله سبحانه، والعبودية لله ؛ ولهذا كان هذا الذكر من كنوز الجنة، فهذا من الأذكار التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم.

ومر معنا في الدرس السابق أن من أعظم الأذكار أن يقول: “سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر” [26].

وفي هذا الدرس: “لا حول ولا قوة إلا بالله”، فـ”لا حول ولا قوة إلا بالله” من الأذكار العظيمة، فينبغي لك أن تحرص -أخي المسلم- على هذه الأذكار: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله”، فهذه أذكارٌ عظيمةٌ يُؤجَر عليها المسلم.

طيب، نقف عند باب الدعوات والتعوذ.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الآن نجيب عما تيسر من الأسئلة:

الأسئلة

السؤال: إذا نوى شخصٌ شراء سيارةٍ، ودَفَعَ عُرْبونًا، لكن سيتأخر تسليمها لوقتٍ غير معلومٍ، هل يُزكِّي المال المتبقي من قيمة السيارة إذا حال عليه الحول وهو قد نوى الشراء؟

الجواب: إذا كان هذا المال قد بلغ نصابًا، وحال عليه الحول؛ ففيه الزكاة؛ لأن المال الذي يبلغ نصابًا ويحول عليه الحول قد تعلَّق به حق الفقراء والمساكين وأصحابِ الزكاة، فالمطلوب من المسلم أن يُحرِّك أمواله، لا يُبقيها ساكنةً، وإلا إذا بقيت ساكنةً؛ هنا يزكيها: كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ [الحشر:7].

فإذا كان هذا قد بلغ نصابًا، وحال عليه الحول؛ ففيه الزكاة، حتى لو أنه قصد بذلك شراء سيارةٍ لكنه لم يشترها بعد، أو قصد بناء منزلٍ، أو قصد زواجًا، أو قصد ادخارًا لنفقةٍ، المهم أن هذا المال إذا بلغ نصابًا وحال عليه الحول؛ ففيه الزكاة.

السؤال: ما أصح الأقوال في أوقات أذكار الصباح والمساء؟ وهل يصح أن تُقرأ أذكار الصباح قبل صلاة الفجر؟

الجواب: أذكار الصباح تبدأ بطلوع الصبح، إذا طلع الصبح؛ بدأ وقت أذكار الصباح؛ وعلى هذا: فلا بأس أن يؤتى بأذكار الصباح قبل صلاة الفجر، فهي متعلقةٌ بطلوع الصبح، فإن أتى بها قبل صلاة الفجر، أو أتى بها بعد صلاة الفجر، الأمر في هذا واسعٌ.

وأما أذكار المساء، فالأفضل أن يؤتى بها بعد صلاة العصر؛ لأن هذا هو الأصيل، والله تعالى يقول: وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب:42]، فالأصيل هو آخر النهار، فيكون ذلك بعد صلاة العصر؛ ولقول الله تعالى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ [ق:39]، فالأفضل أن تكون أذكار المساء بعد صلاة العصر، وأذكار الصباح تكون بعد صلاة الفجر، وإن أتى بها قبل صلاة الفجر فلا بأس.

السؤال: امرأةٌ عليها قضاء ستة أيامٍ من العام الماضي، قبل فترةٍ تمَّت ولادتها، فلا تستطيع الصيام بسبب استمرار نفاسها إلى نصف رمضان، فما الحكم؟

الجواب: إن كانت لم تستطع القضاء طيلة هذه المدة، ثم بعد ذلك أتاها الحمل والولادة؛ فهي معذورةٌ بذلك، وتقضي بعد رمضان، أما إذا كانت قد فرطت وكان بإمكانها أن تقضي لكنها لم تقضِ؛ فعليها التوبة إلى الله ، وتقضي بعد رمضان.

وهل يجب الإطعام مع القضاء؟ هذا محل خلافٍ، والراجح أنه لا يجب، لكنه مستحبٌّ؛ خروجًا من الخلاف في هذه المسألة، ولكونه مأثورًا عن بعض الصحابة ، فمن لم يكن معذورًا وفرط حتى أدركه رمضان ولم يقضِ؛ يقضي بعد رمضان، ويستحب له -ولا يجب- أن يطعم عن كل يومٍ مسكينًا.

السؤال: ما أعظمُ الأعمال التي فيها صلاحٌ للقلب؟

الجواب: أعظم الأعمال التي فيها صلاحٌ للقلب: ذكر الله ، فإن ذكر الله سبحانه سببٌ لرقة القلب ولخشوعه وحضوره، وقد جاء رجلٌ إلى الحسن البصري فقال: إني أجد قسوةً في قلبي؟ قال الحسن: أَذِبْ قسوة قلبك بكثرة ذكر الله ؛ وذلك لأن المسلم إذا أكثر من ذكر الله سبحانه؛ تعلَّق قلبه بالله ، وضَعُف تعلقه بالأمور المادية، فيرق قلبه ويصلح، أما إذا تعلق قلبه بالدنيا وبأمور المادة، وغفل عن ذكر الله سبحانه؛ فإن قلبه يقسو ويغفل كثيرًا؛ ولهذا ينبغي أن يحرص المسلم على الإكثار من ذكر الله .

وكذلك أيضًا: قيام الليل، قيام الليل هو من أعظم أسباب صلاح القلب؛ لأن قيام الليل هو بمثابة الزاد الروحي للمسلم، هو زادٌ لك في اليوم والليلة، إذا حَرَصت عليه؛ يعطيك هذا الزاد، فيكون من أعظم أسباب صلاح القلب وثبات الإنسان.

وكذلك أيضًا: تدبر القرآن، فإن الله تعالى يقول: وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال:2]، فهذا القرآن العظيم هو كلام ربنا سبحانه، وهو آية نبينا محمدٍ : ما من نبيٍّ إلا أُعطي من الآيات ما على مثله آمَنَ البشرُ [27]، وآية نبينا محمدٍ هو هذا القرآن، وفيه خبرُ ما قبلنا وحكم ما بيننا، وفيه ذكر الموت والدار الآخرة والجنة والنار، وقصص الأمم السابقة، وأمور عظيمة.

فإذا وقف المسلم متدبرًا عند تلاوة القرآن، أو عند الاستماع للقرآن؛ فهذا من أعظم أسباب الثبات، وأعظم أسباب زيادة الإيمان: وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا، وهو أيضًا من أعظم أسباب صلاح القلب.

وكذلك أيضًا من الأسباب: المجالسة للصالحين، مجالسة أهل الصلاح والخير من أعظم أسباب الثبات، ومن أعظم أسباب صلاح القلب؛ لأن الإنسان بطبيعته يتأثر بمُجالِسِيه؛ ولذلك إذا أردت أن يصلح قلبك، وأن تزكو نفسك؛ فاحرص على مجالسة الصالحين الذين تشعر أنك بعد مفارقتهم أنه قد ازداد إيمانك ويقينك، وأن لهم أثرًا عليك في عبادتك وفي سلوكك وفي سَمْتك، فهؤلاء احْرِصْ على مجالستهم: مَثَل الجليس الصالح وجليس السوء؛ كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إما أن يُحْذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يُحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثةً [28]؛ ولذلك يومَ القيامة الظالمُ المسرف على نفسه بالمعاصي يندم ندمًا عظيمًا، حياةٌ مليئةٌ بالندم، لكنه لا يذكر إلا أمرًا واحدًا يرى أنه هو السبب الرئيس لإضلاله ولإغوائه: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ۝يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا [الفرقان:27-28]، يعني: حياته مليئةٌ بالندم، لكنه يذكر فقط جليس السوء: لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا، لماذا؟ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي[الفرقان:29]، فيرى أن الجليس السوء سبب إضلاله وسبب إغوائه.

أبو طالبٍ عمُّ النبيِّ ، حَرَصَ النبيُّ حرصًا شديدًا على هدايته، إلى آخر لحظةٍ من حياته، وهو على فراش الموت قال له النبي : يا عم، قل كلمةً أُحَاجُّ لك بها عند الله، يا عم قل: لا إله إلا الله، أراد أن يقولها، لكن كان عنده جليسُ السوء أبو جهلٍ ورجلٌ من قريشٍ، فقال له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فقال: هو على ملة عبد المطلب [29]، فمات على الكفر، فهو في النار.

انظر لتأثير جلساء السوء، حتى في هذه اللحظة، فجليس السوء أبو جهلٍ ومن معه أثَّر على أبي طالبٍ، وقالوا: كيف ترغب عن ملة عبد المطلب؟! والنبي عليه الصلاة والسلام يُلِح عليه ويقول: يا عم، قل كلمةً أُحَاجُّ لك بها عند الله، فأراد أن يقولها، لكن صدَّه جلساء السوء؛ أبو جهلٍ ومن معه، وقالوا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟! فمات على الكفر.

فانظر إلى الأثر السيئ لجليس السوء، فمن أراد أن يُصلِح قلبه، وأن تزكو نفسه؛ فعليه بمجالسة أهل الصلاح والخير.

السؤال: هذا الأخ الكريم يقول: إنه قرأ كتاب “السلسبيل”، وضبط مسائله، فما الذي تنصح به بعده؟

الجواب: نسأل الله تعالى أن يوفقك، وأن يزيدك علمًا، “السلسبيل” يعتبر موسوعةً فقهيةً مصغرةً؛ لأنه شاملٌ لجميع أبواب الفقه، “السلسبيل في شرح الدليل”، هو كتابٌ لي، وفقني الله تعالى في هذا الكتاب في جميع أبواب الفقه؛ من الطهارة إلى الإقرار، فهو كالموسوعة الفقهية المصغرة، فإذا ضبطته؛ ضبطت أبرز مسائل الفقه.

فإذا أردت أيضًا أن تتعمق أكثر، فأنصحك بكتاب شيخنا الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله: “الشرح الممتع على زاد المستقنع”، فإن “زاد المستقنع” فيه مسائل كثيرةٌ، وهي أكثر من مسائل “الدليل”، فإذا جمعت معه “الشرح الممتع” للشيخ؛ فإنك ستستفيد فائدةً عظيمةً.

السؤال: عندي مواقع أنشر فيها القرآن الكريم بغرض الأجر، وفيه شيءٌ من المال، هل هذا يصح؟

الجواب: هذه مسألة التشريك في النية، يسميها العلماء: مسألة التشريك في النية، ومعناها: أن الإنسان يريد بهذا العمل الصالح التقرب إلى الله ، ويريد مع ذلك أمرًا من أمور الدنيا، وهذا لا بأس به على القول الراجح، والأحوال ثلاثةٌ:

  • الحال الأولى: أن يريد بذلك الرياء والسمعة، فهذا يُحبط العمل، والله تعالى يقول: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري؛ تركته وشركه [30].
  • الحال الثانية: أنه يريد التقرب إلى الله ولا يريد شيئًا آخر، لا يريد حظًّا دنيويًّا، ولا يريد رياءً ولا سمعةً، وهذا أكمل الأحوال، وأعظم ما يكون من الأجر والثواب.
  • الحال الثالثة: يريد الأجر من الله ويريد أمرًا دنيويًّا، لا يريد رياءً ولا سمعةً، لكن يريد أمرًا دنيويًّا، هو يريد التقرب إلى الله ، ومخلصٌ لله تعالى في ذلك، فليس عنده رياءٌ ولا سمعةٌ، لكن أشرك مع ذلك إرادة أجرٍ دنيويٍّ، فهذا محلُّ خلاف بين العلماء، والراجح أنه لا بأس به، ومما يدل لذلك: أن نفرًا من الصحابة أرادوا أن يحجوا ويتاجروا فتحرجوا، فأنزل الله تعالى قوله: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ .. إلى آخر الآية [البقرة:198]، فرفع الله تعالى الحرج: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ، وهذه الآية كالنص في المسألة.

وأيضًا قال الله تعالى عن نوحٍ : فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا [نوح:10]، والاستغفار عبادةٌ، وذَكَر منافع دنيويةً: يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا۝وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا [نوح:11-12].

ويقول النبي : من قَتل قتيلًا له عليه بينةٌ؛ فله سَلَبُه [31]، فهذا السَّلَب أجرٌ دنيويٌّ، فالنبي عليه الصلاة والسلام أراد تحفيز الصحابة على ذلك، فجعل الأجر الدنيوي، فالذي سيحرص على تحصيل السَّلَب سيكون متقربًا إلى الله بالنية، وأيضًا يريد بذلك تحصيل السلب.

فالقول الراجح: أن تشريك النية لا بأس به، ولكن يكون دون من أخلص النية لله ولم يشرك في النية، يكون دونه في الأجر والثواب؛ لقول النبي في الذين غنموا، قال: إنهم قد تعجَّلوا ثُلُثَي أجرهم [32]، الذين أصابوا غنيمةً في الحرب، في القتال في سبيل الله، تعجَّلوا ثلثي الأجر في الدنيا؛ فهذا يدل على أنهم إذا لم يغنموا كان لهم الأجر كاملًا؛ وهذا يدل على أن التشريك ينقص من الأجر، لكنه لا يُحبط الأجر، فهو لا بأس به.

وعلى هذا نقول للأخ الكريم: عملك هذا في النشر بغرض التقرب إلى الله ، والحصول على المال، نقول: إنه لا بأس به.

السؤال: ما حكم الزواج في رمضان؟

الجواب: الزواج في رمضان كغيره من شهور العام، لا بأس به، لكن لا يجوز الجماع في نهار رمضان، وإنما يكون ذلك في الليل؛ لقول الله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ [البقرة:187].

والأفضل ألا يكون الزواج في رمضان؛ لأنه إذا كان في رمضان؛ فهو مظنةٌ لوقوع المحظور، فربما لا يملك هذا المتزوج، خاصةً إذا كان شابًّا، وكانت المرأة شابةً، فربما لا يملك نفسه، ويقع في المحظور في نهار رمضان، ويترتب على ذلك الإثم والكفارة المغلظة، وفساد الصوم، فالحمد لله، عنده أحد عشر شهرًا يمكن أن يتزوج فيها، فمِن حيث الحكم: يجوز، لكن ننصح بألا يفعل ذلك؛ إما أن يجعل الزواج قبل رمضان، أو يجعله بعد رمضان؛ لأنه إذا تزوج في رمضان، فربما يقع في المحظور.

السؤال: هل يُسن رفع اليدين في كل دعاءٍ؟

الجواب: الأصل أن رفع اليدين من آداب الدعاء؛ لقول النبي : إن الله يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صِفرًا خائبتين [33]، ولمَّا ذكر النبي الرجل يطيل السفر..، يمد يديه إلى السماء، يقول: يا ربِّ، يا رب، ومطعمه حرامٌ، ومشربه حرامٌ، وملبسه حرامٌ، وغُذِي بالحرام؛ فأنى يستجاب له! [34]، رواه مسلمٌ، فالنبي عليه الصلاة والسلام ذكر هذا الرجل الذي أتى بأسباب الإجابة، لكن وُجد عنده مانعٌ من إجابة الدعاء، وهو أكل المال الحرام، فاستبعد النبي إجابة دعوته لأجل هذا المانع.

والشاهد من هذا: أنه ذكر عليه الصلاة والسلام عن هذا الرجل أنه يمد يديه إلى السماء؛ وهذا يدل على أن من آداب الدعاء رفع اليدين.

فالأصل أن رفع اليدين من آداب الدعاء، إلا في المواضع التي دعا فيها النبي ولم يرفع يديه، مثل: الدعاء في خطبة الجمعة [35]، فلا يُشرع رفع اليدين، لا للخطيب، ولا للمأمومين، إلا إذا استسقى الخطيب [36]، فيُشرع له أن يرفع يديه، وأن يرفع المأمومون أيديهم، لكن إذا دعا في أي موضعٍ ولم يَرِد أن النبي دعا فيه؛ لم يرفع يديه.

فالأصل مشروعية رفع اليدين بالدعاء، مثلًا في أي وقتٍ أراد أن يدعو؛ يدعو؛ مثلًا في الثلث الأخير من الليل يرفع يديه، يدعو الله  بين الأذان والإقامة يرفع يديه، يدعو الله عند الإفطار، اللحظات التي تسبق الإفطار: إن للصائم عند فطره دعوةً لا تُرَدُّ [37]، يستقبل القبلة ويرفع يديه، وكذلك أيضًا إذا أراد أن يدعو في آخر ساعةٍ بعد العصر يوم الجمعة، يستقبل القبلة ويرفع يديه.

الأصل: أن رفع اليدين من آداب الدعاء.

السؤال: متى يبدأ وقت صلاة الضحى ومتى ينتهي؟

الجواب: يبدأ وقت صلاة الضحى بعد طلوع الشمس وارتفاعِها قِيدَ رُمحٍ؛ أي بعد شروق الشمس بنحو عشر دقائق تقريبًا، ويمكن أن تضبط ذلك بالساعة، بأن تأخذ ورقة التقويم، وتنظر إلى الشروق في البلد الذي أنت مقيمٌ فيه، وتُضيف له عشر دقائق على الأقل، وإن جعلته ربع ساعةٍ؛ فهو أحوط.

فمثلًا: هذا اليوم الثلاثاء الثاني عشر من شهر شعبان من عام (1443 هـ)، تشرق الشمس في مدينة الرياض السادسة ودقيقتين؛ معنى ذلك: يبدأ وقت صلاة الضحى السادسة وثنتي عشرة دقيقةً، ولو جعلت صلاة الضحى بعد ربع ساعةٍ فهو أحوط.

يمتد وقت صلاة الضحى إلى قبيل الزوال بنحو عشر دقائق؛ يعني قُبيل أذان الظهر بنحو عشر دقائق، وأفضل وقت صلاة الضحى آخِرُه؛ لقول النبي : صلاةُ الأَوَّابين حين تَرْمَضُ الفِصَال [38]، يعني: حين تشتد الرمضاء، ويكون ذلك في آخر وقت صلاة الضحى؛ يعني مثلًا قبل أذان الظهر بنحو نصف ساعةٍ، هذا هو أفضل وقتٍ تصلى فيه صلاة الضحى.

طيب، نختم بهذا السؤال:

السؤال: ما الأوقات المنهي عن الصلاة فيها؟

الجواب: الأوقات المنهي عن الصلاة فيها: من بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس وارتفاعها قِيدَ رُمحٍ؛ يعني إلى ما بعد شروق الشمس بنحو عشر دقائق.

الوقت الثاني: حين يقوم قائم الظهيرة؛ يعني قُبيل الزوال؛ أي قبيل أذان الظهر بنحو عشر دقائق.

الوقت الثالث: من بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس.

فهذه الأوقات يُنهى عن الصلاة فيها، لكن هي على قسمين: أوقاتٌ النهيُ فيها مُغلَّظٌ، وأوقاتٌ النهي فيها مخففٌ.

الأوقات التي يكون النهي فيها مغلظًا: هي الواردة في حديث عقبة بن عامرٍ قال: “ثلاث ساعاتٍ كان النبي ينهانا عن أن نصلي فيهن، أو أن نَقبُر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغةً حتى ترتفع”، يعني: حين طلوع الشمس، وقتَ شروقِ الشمس، “وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول”، يعني: قُبَيل الزوال بنحو عشر دقائق”، وحين تتضيَّف الشمس للغروب حتى تغرب” [39]، يعني: وقت الغروب.

هذه الأوقات الثلاثة: وقت شروق الشمس، ووقت غروبها، وقُبَيل الزوال، النهيُ فيها مغلظٌ.

وأما ما بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، ومن بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، النهي فيها مخففٌ؛ لأن النهي فيها من باب سد الذريعة.

فينبغي للمسلم أن يحرص على ألا يصلي في هذه الأوقات عمومًا، ويتأكد منها الأوقات التي يكون النهي فيها مغلظًا، لكن يستثنى من ذلك: ذوات الأسباب؛ كتحية المسجد مثلًا، فهذه تصلى حتى في أوقات النهي على القول الراجح.

ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 2699.
^2, ^5, ^25 سبق تخريجه.
^3 رواه مسلم: 2700.
^4 رواه مسلم: 2701.
^6 رواه الترمذي: 586، وقال: حسن غريب.
^7 رواه مسلم: 670.
^8, ^9 رواه مسلم: 2702.
^10 رواه الترمذي: 3082.
^11 رواه أبو داود: 1517، والترمذي: 3577.
^12 رواه أبو داود: 1516، والترمذي: 3434، والنسائي في السنن الكبرى: 10220، وابن ماجه: 3814، وأحمد: 5354، وعند بعضهم: الغفور، بدلك الرحيم.
^13 رواه البخاري: 6306.
^14 رواه البخاري: 834، ومسلم: 2705.
^15 رواه مسلم: 2703.
^16 رواه ابن ماجه: 4252، وأحمد: 3568.
^17, ^18 رواه مسلم: 2704.
^19 رواه البخاري: 842، ومسلم: 583.
^20 رواه البخاري: 841، ومسلم: 583.
^21 رواه البخاري: 7527.
^22 رواه أبو داود: 1468، وابن ماجه: 1342، أحمد: 18494.
^23 رواه عبد الرزاق: 4178، والحاكم: 5966، والبيهقي في السنن الكبرى: 4708.
^24 رواه البخاري: 5018، ومسلم: 796.
^26 رواه مسلم: 2137، ورواه البخاري معلقا: 8/ 138.
^27 رواه مسلم: 152.
^28 رواه البخاري: 5534، ومسلم: 2628.
^29 رواه البخاري: 3884.
^30 رواه مسلم: 2985.
^31 رواه البخاري: 3142، ومسلم: 1751.
^32 رواه مسلم: 1906.
^33 رواه أبو داود: 1488، والترمذي: 3556، وابن ماجه: 3865، وقال الترمذي: حسن غريب.
^34 رواه مسلم: 1015.
^35 رواه مسلم: 874، من حديث عُمارة بن رُؤَيبة أنه رأى بِشر بن مروان على المنبر رافعًا يديه، فقال: قبَّح الله هاتين اليدين! لقد رأيت رسول الله ما يزيد على أن يقول بيده هكذا، وأشار بإصبعه المُسَبِّحة.
^36 رواه البخاري: 1014، عن أنس بن مالكٍ أن رجلًا دخل المسجد يوم جمعةٍ من بابٍ كان نحو دار القضاء، ورسول الله  قائمٌ يخطب، فاستقبل رسولَ الله قائمًا ثم قال: يا رسول الله، هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، فرفع رسول الله  يديه ثم قال: اللهم أغثنا.. الحديث.
^37 رواه ابن ماجه: 1753.
^38 رواه مسلم: 748.
^39 رواه مسلم: 831.
zh