الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
حياكم الله جميعًا في هذا الدرس العلمي، وهو الدرس الثالث والخمسون في شرح صحيح مسلم، في هذا اليوم الثلاثاء الخامس من شهر شعبان، من عام ألف وأربعمائة وثلاثة وأربعين للهجرة.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا، ربنا آتنا من لدنك رحمة، وهيئ لنا من أمرنا رشدًا، اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أصول، وبك أحول، وإياك أستعين.
باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء
كنا قد وصلنا في شرح صحيح مسلم إلى باب: فضل التهليل والتسبيح والدعاء، ووصلنا إلى حديث أبي هريرة، قال الإمام مسلم في صحيحه:
حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير، وزهير بن حرب، وأبو كريب ومحمد بن طريف البجلي، قالوا: حدثنا ابن فضيل، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله : كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم [1].
وهذا الحديث هو الذي ختم به البخاري صحيحه، قوله: كلمتان، كلمتان، أي: كلامًا، والكلمة تطلق على الكلام، كما يقال: كلمة الشهادة، كلمة الإخلاص، فالمقصود إذن كلمتان، يعني: كلامًا.
خفيفتان على اللسان يعني: أنها لا تأخذ من الإنسان جهدًا كبيرًا، مجرد أنه ينطق بها.
ثقيلتان في الميزان مع خفتها على اللسان إلا أنها ثقيلة في الميزان، أي أن أجرها عظيم، وهنا وصفها بالخفة والثقل، يعني بالخفة على اللسان، والثقل في الميزان؛ لبيان قلة العمل، وكثرة الثواب.
حبيبتان إلى الرحمن أي: أن الله يحب هذا الكلام.
سبحان الله وبحمده سبحان الله، مر معنا أن التسبيح يراد به: تنزيه الله ، ويراد به أيضًا: تعظيم الله سبحانه، فهو يطلق على المعنيين جميعًا، على التنزيه والتعظيم.
وبحمده أي: أسبح الله مع حمدي له، سبحان الله العظيم.
فوائد حديث كلمتان خفيفتان على اللسان:
- دل هذا الحديث على فضل هذا الذكر: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، وقد بين النبي فضله، بأن هذا الذكر ثقيل في الميزان، وحبيب إلى الرحمن، فهو ثقيل في الميزان؛ لكثرة أجره وثوابه، وحبيب إلى الرحمن، من أحب الكلام إلى الله .
- ثانيًا: دل هذا الحديث على فضل التسبيح، فإن هذا الذكر: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، ووصفه النبي بالثقل في الميزان، وأنه حبيب إلى الرحمن.
والتسبيح من أفضل وأعظم الأذكار؛ ولذلك اختاره الله لملائكته: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20]، هنا قال سبحانه: يُسَبِّحُونَ ولم يقل: يحمدون أو يهللون أو يكبرون أو يحوقلون، إنما قال: يُسَبِّحُونَ فاختار الله التسبيح لملائكته، وهذا يدل على عظيم فضله وشرفه.
بل إن الله اختاره لجميع المخلوقات، فإنها تسبح بحمده وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44] فاختاره الله تعالى لجميع المخلوقات، ما عدا الجن والإنس فإن عبادتهم اختيارية، لكن بقية المخلوقات تسبح الله تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44].
واختار الله تعالى لهذه المخلوقات هذا الذكر العظيم التسبيح، فلم يقل: وإن من شيء إلا يهلل، أو وإن من شيء إلا يحمد، أو وإن من شيء إلا يكبّر، وإنما قال: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ فهذا يدل على عظيم فضل التسبيح، وأنه محبوب إلى الله ، وعلى عظيم أجره وثوابه عند الله .
- دل هذا الحديث على أنه ينبغي لمن يريد حث الناس على فضيلة أن يشوق الناس إلى هذه الفضيلة، وأن يختار الأسلوب الأمثل، فإن النبي لما أراد الحث على هذا الذكر: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، أتى بهذا الكلام البديع العجيب، الذي فيه الحث على الإتيان بهذا الذكر، فقال: كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن.
وهذه المقدمة فيها تشويق للسامع إلى المبتدأ، ما هي هاتان الكلمتان؟ وكثرة الأوصاف الجميلة تزيد السامع شوقًا، وهذه من الأساليب التي يستخدمها النبي ، وقد أعطي جوامع الكلم.
ولذلك ينبغي للداعية وللمتحدث أن ينوع الأساليب، وأن يستخدم هذا الأسلوب أحيانًا، عندما يريد أن يحث على فضيلة، فيأتي أولًا بالأوصاف المشوقة لها، فالنبي عليه الصلاة والسلام لو أنه قال: إن هذا الذكر له أجر عظيم: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، هذا يختلف عما إذا أتى بهذا الأسلوب: كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن.
الباقيات الصالحات
قال الإمام مسلم في صحيحه:
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب، قالا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله : لأن أقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس [2].
قوله: أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس أي: من أن تكون لي الدنيا كلها؛ لأن الذي طلعت عليه الشمس هو الدنيا كلها، والمعنى: أنها أحب إليَّ باعتبار ثوابها، فإنها من الباقيات الصالحات، فهي أحب من الدنيا؛ لزوال الدنيا.
وهذا كقوله عليه الصلاة والسلام: ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها [3]، هذه الكلمات الأربع خير من الدنيا، خير مما طلعت عليه الشمس؛ وذلك لأن الدنيا زائلة فانية، وهذه باقية.
قصة نبي الله سليمان مع الفلاح
وقد ذكر بعض المفسرين قصة هي من أخبار بني إسرائيل، لكن معناها صحيح، دل شرعنا على صحتها؛ وذلك أن نبي الله سليمان بن داود عليه وعلى أبيه والأنبياء جميعًا الصلاة والسلام، ذات مرة مر بموكبه، وقد سخر الله تعالى له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، فكان على بساط الريح، ومعه موكب عظيم، سخر الله له الجن والإنس والطير، فكان إذا مر بموكبه حجب ضوء الشمس عن المكان الذي يمر به.
فذات مرة مر بفلاح في مزرعته، فرفع رأسه فإذا موكب سليمان بأبهة عظيمة، فقال هذا الفلاح: سبحان الله! لقد أعطى الله ابن داود ملكًا عظيمًا، سمع سليمان عليه السلام هذه الكلمة ونزل، وأتى لهذا الفلاح، قال: ماذا قلت؟ قال: أبدًا قلتُ: سبحان الله! لقد أعطى الله ابن داود ملكًا عظيمًا، قال: أتدري أن قولك: سبحان الله خير من ملك ابن داود كله، سبحان الله تبقى، وملك ابن داود يفنى.
يعني: سبحان الله من الباقيات الصالحات، يبقى أجرها وثوابها لقائلها، بينما ملك ابن داود والدنيا كلها تفنى كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن:26] ومصداق هذا، قوله عليه الصلاة والسلام: لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس ليس فقط ملك ابن داود، بل مما طلعت عليه الشمس من الأرض كلها.
بل إنه عليه الصلاة والسلام يقول: ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها وهذا يدل على حقارة الدنيا، وأن الإنسان ينبغي أن يجعل الدنيا في يده، ولا يجعلها في قلبه، فلا تصده عن طاعة الله ؛ لأن الدنيا مهما عظمت، فإن مآلها للفناء كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:26-27].
هب أن الدنيا أتت إليك صفوًا، أليس مصيرها إلى الفناء؟ هب أن الدنيا صفت لك، مع أن هذا لا يمكن لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ [البلد:4] الدنيا طُبعت على كدر، حياة الإنسان في الدنيا جُبلت على كدر، لكن نفترض افتراضًا أنها صفت لك، ثم ماذا؟ هل ستستمر؟
لا بد من الفناء، لا بد من لقاء الله ، ومحاسبتك على كل شيء: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ [الانشقاق:6] مهما كدحت ففي النهاية لا بد من التوقف للقاء الله .
قال الإمام مسلم في صحيحه:
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا علي بن مسهر، وابن نمير، عن موسى الجهني، ح وحدثنا محمد بن عبدالله بن نمير -واللفظ له- حدثنا أبي، حدثنا موسى الجهني، عن مصعب بن سعد، عن أبيه..
يعني: عن سعد بن أبي وقاص .
قال: جاء أعرابي إلى رسول الله ، فقال: علمني كلامًا أقوله، قال له النبي : قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله رب العالمين، لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم قال: فهؤلاء لربي، فما لي؟ قال: قل: اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني قال موسى:
يعني: موسى الجهني.
أما عافني، فأنا أتوهم وما أدري، ولم يذكر ابن أبي شيبة في حديثه قول موسى [4].
وهذا يدل على دقة الرواة في الرواية، يعني: شك في لفظة “عافني” هذا الحديث حديث سعد بن أبي وقاص، يذكر فيه سعد أن أعرابيًا جاء للنبي ، وطلب منه أن يعلمه كلامًا يقوله، فعلمه النبي هذه الكلمات العظيمة:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله رب العالمين، لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.
لا إله إلا الله وحده لا شريك له هذه هي كلمة التوحيد.
الله أكبر كبيرًا الله أكبر كبيرًا منصوب بفعل محذوف، والتقدير: كبرت كبيرًا، أو ذكرت كبيرًا.
والحمد لله كثيرًا يعني: أحمد الله تعالى حمدًا كثيرًا، وسبحان الله رب العالمين، لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.
قال: هؤلاء لربي، فما لي؟ قال: قل: اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني وفي الحديث الآتي حديث أبي مالك: وعافني جاء فيها زيادة: وعافني.
بل أيضًا كذلك في الأحاديث الأخرى: وعافني ولكن هنا الشك من الراوي، فهذا دعاء عظيم، أن تسأل الله تعالى المغفرة، فإن سؤال الله المغفرة من أعظم الأدعية، والرحمة والهداية والرزق والعافية.
تقديم الذكر بين يدي الدعاء
واسمعوا إلى هذا الحديث العظيم، أخرج البيهقي في شعب الإيمان بسند صحيح عن أنس ، قال: جاء أعرابي للنبي فقال: يا رسول الله، علمني خيرًا، فأخذ النبي بيده، فقال: قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر فعقد الأعرابي على يده، ومضى فتفكر، ثم رجع، فتبسم النبي ، فقال: تفكر البائس فجاء فقال: يا رسول الله، هذا لله، فما لي؟ قال: إذا قلتُ: سبحان الله، قال الله: صدقت، وإذا قلت: الحمد لله، قال الله: صدقت، وإذا قلت: لا إله إلا الله، قال الله: صدقت، وإذا قلت: الله أكبر، قال الله: صدقت وإذا قلت: اغفر لي، قال الله: قد فعلت، وإذا قلت: ارحمني، قال الله: قد فعلت، وإذا قلت: اللهم ارزقني، قال الله: قد فعلت فعقد الأعرابي على سبع في يده، ثم ولى [5].
لماذا عقد على سبع؟ لأنه ضبط هذا الذكر، وهو أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، اللهم اغفر لي، وارحمني، وارزقني، فهي سبع.
فهذا الذكر العظيم ينبغي أن يتقدم على الدعاء، فهو من أسباب إجابة الدعاء، أن تقدم بين يدي الدعاء: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإنك إذا قلت: سبحان الله، قال الله: صدقت، إذا قلت: الحمد لله، قال الله: صدقت، إذا قلت: لا إله إلا الله، قال الله: صدقت، إذا قلت: الله أكبر، قال الله: صدقت، إذا دعوت الله بعد ذلك، قال الله: فد فعلت.
فهذا الذكر من أسباب إجابة الدعاء، فتقدم هذا الذكر بين يدي الدعاء من أسباب إجابة الدعاء.
من فوائد حديث قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له..
- دل هذا الحديث على فضل هذا الذكر: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله رب العالمين، لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم ودل أيضًا على فضل هذا الدعاء: اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني، وعافني.
- دل هذا الحديث على فضل التهليل، فإن التهليل هو إفراد الله بالألوهية، وكلمة التوحيد هي التي لأجلها أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب، وهذا يدل على فضل الإتيان بكلمة التوحيد: لا إله إلا الله، والأفضل أن تقرن بأن تقول: وحده لا شريك له، والأكمل أن تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
- أيضًا دل هذا الحديث على فضل التكبير، والأفضل أن ينوع، فتارة تقول: الله أكبر، وتارة تقول: الله أكبر كبيرًا، كما في هذا الحديث.
- أيضًا دل هذا الحديث على فضل الحمد، والحمد أيضًا ينبغي تنويعه، فتارة تقول: الحمد لله، وتارة: الحمد لله رب العالمين، وتارة: الحمد لله كثيرًا.
- دل هذا الحديث على فضل التسبيح، والأولى التنويع، فتارة تقول: سبحان الله، وتارة: سبحان الله وبحمده، وتارة: سبحان الله العظيم، وتارة كما في هذا الحديث: سبحان الله رب العالمين.
- أيضًا دل هذا الحديث على فضل الحوقلة، وهي أن تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإن زدت: العلي العظيم، أو العزيز الحكيم، فهو أفضل.
- أيضًا من فوائد هذا الحديث: دل هذا الحديث على فضل سؤال الله المغفرة، وسؤال الله المغفرة من أعظم الأدعية، وقد تكرر في القرآن والسنة كثيرًا؛ وذلك لأن مغفرة الله تعالى الذنوب تقتضي عدم المؤاخذة بها، فإن المغفرة من الغفر، وهو الستر، وإذا ستر الله تعالى الذنوب على عبد، لم يؤاخذه بها.
وما يصيب الإنسان من المصائب، ومن المكروه إنما هو بسبب ذنوبه، فإذا غُفرت وحُطت عنه ذنوبه، حصل على كل خير في الدنيا والآخرة، فينبغي للمسلم أن يكثر من سؤال الله المغفرة.
- دل هذا الحديث على فضل سؤال الله الرحمة؛ لقوله: وارحمني ورحمة الله تعالى إذا وهبها لعبد كان كل أمر يفعله خيرًا له، رحمة الله تعالى إذا وهبها لعبد، كان عمره خيرًا وبركة، ووقته خيرًا وبركة، وعلمه خيرًا وبركة، وماله خيرًا وبركة، وولده خيرًا وبركة، وأفعاله وتصرفاته، وأقواله كلها خير وبركة، بسبب رحمة الله التي وهبها لهذا العبد.
ولهذا كان من أعظم الأدعية التي ينبغي أن يدعو بها المسلم: رب آتني من لدنك رحمة، وهيئ لي من أمري رشدًا، وهو دعاء أصحاب الكهف، لما قالوا: رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا [الكهف:10] فاحرص على هذا الدعاء: رب آتني من لدنك رحمة، وهيئ لي من أمري رشدًا.
- أيضًا ذكر الله تعالى من دعاء أولي الألباب أنهم يقولون: رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8].
- دل هذا الحديث على فضل سؤال الله تعالى الهداية، وهو من أعظم الأدعية؛ ولهذا أمر به المصلي في كل ركعة من كل صلاة يصليها؛ فريضة كانت أو نافلة، وأمر أن يقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7] وذلك لحاجة العبد إلى هداية الله .
فإذا لم يهد الله تعالى الإنسان، فإنه يكون ضالًا، وبعيدًا عن إصابة الحق، فالعبد مضطر إلى هداية الله سبحانه؛ ولهذا من أعظم الأدعية أن تسأل الله تعالى الهداية، فتقول: اللهم اهدني، والدعاء الذي في سورة الفاتحة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ من أعظم الأدعية؛ ولهذا أمر به المصلي في كل ركعة.
- أيضًا من فوائد هذا الحديث: مشروعية سؤال الله تعالى الرزق، فإن الله تعالى هو الرزاق، وهو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، فينبغي أن يتوجه العبد إلى ربه في سؤال الرزق، والرزق يشمل الرزق بالمال، بأن يهب الله تعالى للإنسان مالاً، ويشمل كذلك الرزق بغير المال؛ الرزق بالأولاد، الرزق بالعلم، الرزق بالعطايا والهبات، التي يهبها الله تعالى لعباده، فينبغي أن يتوجه العبد بقلبه إلى سؤال الله تعالى الرزق، ويسأل الله تعالى الرزق، ويقول كل يوم: اللهم ارزقني.
- دل هذا الحديث على مشروعية سؤال الله تعالى العافية؛ لقوله: وعافني وسؤال الله العافية من أعظم الأدعية التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم، وقد كان النبي يقول كلما أصبح وكلما أمسى: اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي، ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، وأعوذ بعظمتك من أن أغتال من تحتي [6]، هذا من أذكار الصباح والمساء ينبغي أن تدعو به كل يوم صباحًا ومساء، فهو من أعظم الأدعية.
وعلى المسلم أن يسأل الله تعالى العافية لا يتمنى لقاء العدو، لا يتمنى المرض، لا يتمنى البلاء، وإنما ما دام في العافية فهو في سعة، فيسأل الله تعالى العافية؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية [7].
دعاء يجمع خيري الدنيا والآخرة
ننتقل بعد ذلك إلى حديث أبي مالك، وهو قريب من الحديث السابق:
حدثنا سعيد بن أزهر الواسطي، حدثنا أبو معاوية، حدثنا أبو مالك الأشجعي عن أبيه، قال: كان الرجل إذا أسلم علمه النبي الصلاة، ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات: اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني [8].
وهذه تكلمنا عنها، وعن فوائدها في الحديث السابق.
قال: حدثني زهير بن حرب، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا أبو مالك، عن أبيه أنه سمع النبي وأتاه رجل، فقال: يا رسول الله، كيف أقول حين أسأل ربي؟ قال: قل: اللهم اغفر لي، وارحمني، وعافني، وارزقني -ويجمع أصابعه إلا الإبهام- فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك.
يعني: يجمع أصابعه إلا الإبهام، يعني: هذه الكلمات الأربع: اغفر لي، وارحمني، وعافني، وارزقني، هذه أربع، لكن في الحديث السابق جاء زيادة: واهدني.
فهذه تجمع الدنيا والآخرة؛ لأنها تشمل الدعاء بأمور الدنيا والآخرة، فسؤال المغفرة والرحمة هذه من أمور الآخرة، وسؤال الرزق والعافية من أمور الدنيا.
من فضائل التسبيح
ننتقل بعد ذلك لحديث سعد:
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا مروان، وعلي بن مسهر، عن موسى الجهني، ح وحدثنا محمد بن عبدالله بن نمير -واللفظ له- حدثنا أبي، حدثنا موسى الجهني، عن مصعب بن سعد، حدثني أبي..
يعني: عن سعد بن أبي قاص.
قال: كنا عند رسول الله ، فقال: أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة؟ فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: يسبح مائة تسبيحة، فيكتب له ألف حسنة، أو يحط عنه ألف خطيئة [9].
هذا الحديث حديث عظيم، وهو يدل على فضل التسبيح، وأن أجره عند الله عظيم جدًّا، وأن المسلم بمجرد أن يسبح مائة تسبيحة، يكسب بها ألف حسنة، أو يحط عنه بها ألف خطيئة، وهذا يدل على أن ذكر الله ، أنه من أفضل وأعظم الأعمال.
والعجيب أن الذكر مع كونه من أفضل الأعمال، أنه من أيسرها، فعندما مثلًا تريد أن تسبح مائة تسبيحة، تقول: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله.. مائة مرة، كم سيأخذ من الوقت، ومن الجهد؟
تكسب بها ألف حسنة، أو يحط عنك بها ألف سيئة، فمجالات الخير كثيرة ومتنوعة، إذا قلتها مائة مرة حصلت على ألف حسنة، مائتي مرة ألفي حسنة، ألف مرة عشرة آلاف حسنة، وفضل الله يؤتيه من يشاء.
فيستطيع الإنسان أن يكسب أجورًا عظيمة، وحسنات بالذكر، والأفضل والأكمل أن تقرن مع التسبيح الحمد، فتقول: سبحان الله وبحمده تكررها، سبحان الله وبحمده، سبحان الله وبحمده..، فإذا كررتها مائة مرة، فأنت موعود بهذا الأجر العظيم، تحوز ألف حسنة، أو أن يحط عنك ألف سيئة.
كون الإنسان إذا سبح مائة تسبيحة، حصل على ألف حسنة، أو حط عنه ألف سيئة، هذا يدل على أن المسألة مسألة توفيق من الله ، وإلا هذا عمل يسير، والأجر المرتب عليه عظيم.
عندما تقول: سبحان الله، سبحان الله، تكررها مائة مرة، كم تأخذ من الوقت؟ وكم تبذل فيها من الجهد؟ ومع ذلك تحوز ألف حسنة، أو يحط عنك ألف سيئة، فهذا يدل على أن المسألة مسألة توفيق من الله ، يوفق الله تعالى بعض عباده لعمل الصالحات.
باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر
ننتقل بعد ذلك إلى باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، وعلى الذكر، وذكر فيه المصنف هذا الحديث، وهو حديث طويل، حديث أبي هريرة، قال:
حدثنا يحيى بن يحيى التميمي، وأبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن العلاء الهمداني -واللفظ ليحيى، قال يحيى: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا- أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله : من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله، لم يسرع به نسبه [10].
ثم ساق المصنف هذا الحديث من طرق أخرى، وساقه من حديث:
أبي هريرة، وأبي سعيد، عن النبي أنه قال: لا يقعد قوم يذكرون الله ..
ولم يقل: في بيت من بيوت الله.
إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده [11].
هذا الحديث العظيم تضمن هذه الأعمال الصالحة، وفضائلها.
العمل الصالح الأول: قال: من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ولهذا هذا الحديث كما ذكرت حديث جامع، يقول النووي عن هذا الحديث: هو حديث عظيم جامع لأنواع من العلوم والقواعد والآداب.
قوله: من نفَّس عن مؤمن كربة يعني: أزالها، وبقية ألفاظ الحديث واضحة.
قوله: ومن بطأ به عمله يعني: أخره عمله، فكان عمله ناقصًا، لم يلحقه عمله بمرتبة أصحاب الأعمال الفاضلة، لم يسرع به نسبه أي: أن نسبه الشريف لا يقدمه عند الله شيئًا.
فوائد حديث من نفَّس عن مؤمن كربة..
- أولًا: دل هذا الحديث على فضل التنفيس عن كرب المسلمين، وأن من نفَّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة.
- أيضًا دل هذا الحديث على فضل قضاء حوائج المسلمين، ونفعهم بما تيسر من مال، أو علم، أو معاونة، أو مشورة، أو نصيحة، ونحو ذلك، خاصة إذا كان أخوك المسلم في كربة، ووقفت معه، وساعدته بأي لون من ألوان المساعدة، فإن أجرك عند الله عظيم جدًّا، وأنت موعود بأن ينفّس الله عنك بهذا من كرب يوم القيامة.
- وكذلك أيضًا الجزاء من جنس العمل، إذا أعنت أخاك المسلم في كربته، فإن الله يعينك وييسر أمورك في الدنيا والآخرة.
- ثانيًا: دل هذا الحديث على فضل التيسير على المعسر، وأن من يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، فإذا وجدت أخاك المسلم معسرًا، يمر بضائقة مالية، فأسقطت عنه الدين، فما أعظم أجرك عند الله !
أو على الأقل خففت عنه الدين، أو أنظرته، كل هذا من الأعمال الصالحة، والله تعالى يقول: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:280].
هذا من الأعمال الصالحة التي يغفل عنها كثير من الناس، أن يكون المدين معسرًا، فيضع عنه الدين، يسقط عنه الدين، ينويه صدقة عليه، هذا عمل صالح عظيم؛ ولهذا قال سبحانه: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:280] فإذا أسقطت الدين هذه صدقة من أعظم الصدقات، والله تعالى يقول: فهو خَيْرٌ لَكُمْ خير عظيم، وهذه من الصدقات العظيمة التي يغفل عنها كثير من الناس.
فإذا كنت تطلب إنسانًا دينًا، وكان هذا المدين معسرًا، فأسقطت عنه الدين، فهذه صدقة عظيمة عند الله ، ما أعظم أجر من فعل ذلك! وما أعظم ثوابه عند الله سبحانه!
على أن إنظار المعسر واجب شرعًا، ليس للدائن فيه مِنّة، إذا كان المدين الذي تطلبه دينًا معسرًا، ما عنده شيء، يجب عليك شرعًا أن تنظره، ولا يجوز لك أن ترفع فيه شكاية، وإذا فعلت ذلك رفعت فيه شكاية، فحُبس بسببك فأنت آثم عند الله.
وكل يوم يمضي هذا المدين فيه في السجن، وكل يوم يبقى هذا المدين في السجن، تكسب أنت بسببه آثمًا وذنوبًا، وربما يسلط الله تعالى على هذا الدائن أنواعًا من العقوبات وهو لا يشعر بأن هذه العقوبات بسبب شكايته لهذا المعسر.
هذا أخوك المسلم ابتلي بالفقر والإعسار، فلماذا ترفع فيه شكاية؟ الواجب عليك أن تنظره، وأن تصبر عليه، هذا هو حكم الشرع، الله تعالى يقول في القرآن: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ على سبيل الوجوب، وليس على سبيل الاستحباب، بشرط أن يكون المدين معسرًا، ما عنده شيء.
أما لو لم يكن معسرًا، فهذا يجبر على السداد، فإن أبى فإنه يسجن، حتى يسدد، لكن إذا كان معسرًا، إنسان فقير هذا المدين فقير، ما عنده شيء، فيجب عليك أن تنظره.
ولا تكون العلاقة بين المسلمين علاقة مادية بحتة، هذا أخوك المسلم ابتلي بالفقر، ابتلي بالإعسار، فالواجب أن تقف معه، أما أنك لا تقف معه، بل ترفع فيه شكاية، فتكسب بذلك ذنوبًا، وربما يسلط الله تعالى عليك أنواعًا من العقوبة، بسبب تضييقك على أخيك المسلم، وتسببك في سجنه.
- دل هذا الحديث على فضل الستر على المسلم، وأن من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، ولكن هذا الستر يكون في حق من يستحق الستر، ممن لم يعرف بالمجاهرة بالفسوق، ولم تتكرر منه هذه المعاصي.
إنسان حصل منه زلة، وهو معروف بالستر، ومعروف بالصلاح، لكن حصل منه هفوة، أو زلة، فينبغي الستر عليه، وألا يفضح، وألا يتحدث به، فهذا الستر عمل صالح، من ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة.
- دل هذا الحديث على فضل إعانة المسلمين، وأن من أعان أخاه، كان الله في عونه، من أعان أخاه المسلم بأية صورة من صور العون؛ من قضاء الحاجات، من إعانته بالمال، إعانته بالشفاعة الحسنة، إعانته بالمشورة، إعانته بالنصيحة، كل هذه من صور الإعانة، والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه.
- دل هذا الحديث على فضل طلب العلم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة [12].
قال القرطبي رحمه الله: أي من مشى إلى تحصيل علم شرعي، قاصدًا بذلك وجه الله، جازاه الله بأن يوصله إلى الجنة مسلمًا مكرمًا، وقال بعض أهل العلم: إن قوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: من سلك طريقًا يشمل الطريق الحسي، وهو المشي بالأقدام إلى مجالس العلماء، ويشمل كذلك الطريق المعنوي، مثل حفظ العلم، ومدارسته ومذاكرته ومطالعته، فهذه كلها تدخل في سلوك طريق يلتمس فيه علمًا.
- وهذا أيضًا يدل على فضل الرحلة في طلب العلم، وفضل حضور حلقات العلم، ودروس العلم؛ لأن من يذهب إليها، فإنه يكون قد سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، فيكون هذا سببًا لأن يسهل الله له به طريقًا إلى الجنة.
وأما قوله: وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله فهذا الكلام عنه يطول، سنرجئ الكلام عنه للدرس القادم إن شاء الله، ونكتفي بهذا القدر، وبقية الوقت نجيب فيه عما تيسر من الأسئلة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأسئلة
الآن نجيب عما تيسر من الأسئلة:
السؤال: أنا امرأة ما عندي دخل، وساكنة في شقة، والإيجار غالي، وجمعت أموالي، وأنا الآن أبني بها منزلًا، وقد حال عليها الحول، هل لي أن أؤجل زكاتي إلى أن تتيسر أموري؟
الجواب: ما دام أن هذا المال الذي عندك حال عليه الحول، وقد بلغ نصابًا، ففيه الزكاة، أما كونك تبنين بها منزلًا، هذا غير مؤثر على الزكاة؛ لأن هذا المال بلغ نصابًا، وحال عليه الحول، فتعلق به حق الفقراء والمساكين، وأصحاب الزكاة.
وأما تأجيل الزكاة، فإذا كنت قادرة على أن تخرجي الزكاة، فالواجب المبادرة؛ لأن الأصل في الزكاة أنها تجب على الفور، لكن إذا لم يتيسر عندك سيولة، وأردت تأخير إخراج الزكاة إلى أن تتوفر عندك السيولة فلا بأس، بشرط أن تكتبي ذلك، إما في وصيتك، أو في وثيقة وتشهدي عليها، حتى لو قدر الله عليك شيئًا يعرف الورثة أن في ذمتك زكاة لم تخرجيها بعد.
السؤال: هل أغراض المنزل تدخل في الميراث، مثل السرير، والدولاب، والمجلس، وغير ذلك؟
الجواب: نعم، كل شيء خلّفه الميت يدخل في الميراث، كل شيء من صغير أو كبير، فأغراض المنزل، وأثاث المنزل، والسيارة، والبيت، والعقار، والسيولة النقدية، وكل شيء، كل شيء خلّفه الميت يعتبر تركة تنتقل للورثة، فلا يستثنى من التركة شيء، هذا الميت الآن مات، فجميع أمواله انتقلت مباشرة إلى الورثة، ولا يستثنى من هذه الأموال شيء، سواء كانت قليلة أو كثيرة.
السؤال: هل يجوز للمصاب بالزهايمر أن يؤم الناس؟
الجواب: هذا يختلف، إذا كان خفيفًا ولا يؤثر على الضبط، لا على التلاوة، ولا على النية، ولا على أداء صلاته، لكن أحيانًا ربما يأتيه شيء من النسيان، فصلاته صحيحة، وإمامته صحيحة.
أما إذا كان هذا الزهايمر شديدًا، بحيث ينسى أحيانًا أنه في الصلاة، أو أنه قرأ، أو كم صلى من الركعات، فإنه ليس له أن يؤم الناس في هذه الحال.
السؤال: أختي عليها دين، فهل أعطيها من زكاة مالي، لسداد دينها، وكذلك هل والدي يعطيها من زكاته لسداد دينها؟
الجواب: نعم، إذا كان عليها دين حال، وهي عاجزة عن سداده، فيجوز لك أن تعطيها من زكاتك، بل يجوز لوالدك أيضًا أن يعطي أختك من زكاته؛ وذلك لأن الوالد ليس ملزمًا بسداد الدين عن ابنته، وأنت كذلك لست ملزمة بسداد الدين عن أختك، فما دمتما لستا ملزمين بسداد الدين، فيجوز أن تدفع الزكاة لسداد الدين عنها، بشرط أن يكون الدين حالًا، وأن تكون عاجزة عن سداده؛ لأنها تكون بذلك من الغارمين، والغارمون هم من أصحاب الزكاة الثمانية.
السؤال: بحمد الله، بعد انتهاء التباعد في المساجد، نأمل حث الناس على التراص، وسد الفرج.
الجواب: الحمد لله، يسر الله تعالى للمسلمين أن هذا الوباء بدأ في الارتفاع شيئًا فشيئًا، وإن كان لم يذهب بالكلية، لكن ولله الحمد بدأ هذا الوباء يخف شيئًا فشيئًا.
وأيضًا زاد عدد المحصنين في المجتمع، فقلت خطورته؛ ولهذا سمح للناس بالتراص في المساجد؛ وذلك لأن التراص في الوقت الحاضر لا يشكل خطورة على الصحة، وفي نقل العدوى؛ ولذلك ما دام أن الجهات الصحية المختصة قررت بأن التراص بين المصلين ليس فيه خطر على صحة الناس، فينبغي تطبيق هذه السنة، سنة التراص، وسد الخلل، وأن لا يتعود الناس على التباعد؛ لأن وجود الخلل بين المصلين هذا مخالف للسنة، لكن في الفترة السابقة كانت فترة غير معتادة، بسبب وجود هذا الوباء، فأمر الناس بالتباعد لأجل هذا الوباء، خشية من انتقال العدوى.
ما دام أن الجهات الصحية المختصة الآن قررت عدم الخوف من انتقال العدوى، وأنه لا مانع من الناحية الصحية من تراص المصلين، فينبغي الحرص على تطبيق هذه السنة، التراص بين المصلين، وسد الخلل.
السؤال: ما الأفضل الدعاء بعد الركوع، أم في السجود في صلاة الوتر؟
الجواب: الأفضل الدعاء في السجود؛ لقول النبي : وأما السجود، فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فاجتهدوا في الدعاء، فقمن يعني: حري أن يستجاب لكم [13].
وأما دعاء القنوت الذي بعد الركوع، فهذا لا بأس أن يأتي به أحيانًا، وينبغي أن يتركه أحيانًا؛ لأنه ورد في حديث الحسن، وورد أيضًا من حديث عمر في قنوت النوازل، لكن لم يرد عن النبي من فعله، وقد صلى معه عدد من الصحابة، ائتم به ابن عباس، وابن مسعود، وحذيفة، ولم ينقلوا أنه عليه الصلاة والسلام دعا دعاء القنوت، فهذا يدل على أنه ينبغي عدم المحافظة عليه، وأنه ينبغي تركه أحيانًا.
وأما الدعاء في السجود، فإنه سنة في صلاة النافلة، خاصة في الثلث الأخير من الليل، فإنه كما قال النبي : ينزل ربنا إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من داع فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ وذلك كل ليلة [14].
فكيف إذا وافق ذلك في السجود، أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فهذا حري بإجابة الدعاء.
السؤال هل المشروع للإمام عند رفعه من الركوع أن يقول: ربنا ولك الحمد، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا.. إلخ؛ لأن أحد المأمومين أنكر عليَّ عندما كنت إمامًا، وقال: اقتصر على ربنا ولك الحمد؟
الجواب: هذا الإنكار في غير محله، بل إن هذا مشروع للإمام والمأموم والمنفرد، أن يقول بعد قول: ربنا ولك الحمد، يقول: حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
فإن أتى به كاملًا، كان هذا حسنًا، أو يأتي ببعضه، فإنكار هذا الشخص عليك، إنكار في غير محله، وينبغي ألا ينكر الإنسان إلا على بصيرة: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [يوسف:108] الدعوة على بصيرة تكون بأن يغلب على ظنك أن هذا من شرع الله تعالى.
السؤال: ما صحة حديث: من شغله ذكري عن مسألتي، أعطيته أفضل مما أعطي السائلين؟ [15].
الجواب: هذا الحديث حديث ضعيف، وأيضًا هو فيه تزهيد في الدعاء، يعني في متنه نكارة، والذكر له فضل، والدعاء له فضل، وينبغي للمسلم أن يجمع بينهما، وأن يحرص على الذكر، وأن يحرص كذلك على الدعاء.
السؤال: هل الأفضل للمسلم أن يوصي بالصلاة عليه في مسجد يكثر فيه أهل الصلاح، وإن كان بعيدًا عن المسجد القريب؛ إذ ربما يقل فيه أهل الصلاح؟
الجواب: لا بأس بذلك، الأمر في هذا واسع، فإذا كان يخشى ممن يقوم عليه بعد وفاته من ألا يذهب به إلى مسجد يكثر فيه المصلون، فلا بأس أن يوصي، لكن إذا كان يعرف من أقاربه أنهم حريصون على أن يذهبوا به إلى المسجد الذي يكثر فيه المصلون، ويكثر فيه أهل الصلاح، فلا داعي لأن يوصي، وكثرة المصلين على الميت فيها فضل عظيم.
والنبي يقول: من صلى عليه أربعون لا يشركون بالله شيئًا، فيشفعون فيه؛ لشفعهم الله فيه [16]، وفي الحديث الآخر: مئة، مَن صلى عليه مئة [17]، فهذا يدل على فضل كثرة المصلين على الميت؛ ولهذا ينبغي الحرص على أن يذهب بالميت إلى الأماكن التي يكثر فيها المصلون؛ لأن في هذا إحسانًا عظيمًا لهذا الميت.
السؤال: ما حكم الركوع قبل الصف؛ حرصًا على إدراك الركعة؟
الجواب: هذا خلاف السنة، والنبي قال للذي فعل ذلك: زادك الله حرصًا، ولا تعد [18]، يعني: لا تعد لهذا العمل، فهذا مكروه، وخلاف السنة، إلا أن يكون ذلك في الركعة الأخيرة فلا بأس.
استثنى كثير من أهل العلم هذه المسألة، فقالوا: إذا كان الإمام في الركوع من الركعة الأخيرة، فلا بأس بالإسراع تحصيلًا للجماعة؛ لأن الجماعة إنما تدرك بإدراك ركعة، فإذا كان ذلك في الركعة الأخيرة، وأسرع لكي يحصل أجر الجماعة، فلا بأس بذلك؛ لأن النبي قال: فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا [19]، وقال: زادك الله حرصًا، ولا تعد.
فقالوا: إنه لو لم يسرع لم يكن مدركًا للجماعة لفضيلة الجماعة، فهذه صورة استثناها بعض أهل العلم، قالوا: إذا علمت بأن الإمام في الركوع من الركعة الأخيرة فلا بأس بالإسراع بالقدر الذي لا يزعج أيضًا المصلين؛ لأجل تحصيل أجر الجماعة.
السؤال: ما أقل عدد ركعات صلاة الوتر؟ وما أكثرها؟
الجواب: أقل عدد ركعات صلاة الوتر ركعة واحدة، كما قال عليه الصلاة والسلام: الوتر ركعة من آخر الليل [20]، وأما أكثرها فلا حد لها على القول الراجح، بل الأمر كما قال النبي : صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح، فليوتر بواحدة [21].
فلك أن تصلي ما شئت مثنى مثنى، ركعتين ركعتين، ثم توتر بواحدة، ولكن غالب هدي النبي أنه كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، فكان عليه الصلاة والسلام في غالب أحواله يصلي ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم يوتر بواحدة، فهذه هي أكمل الصفات وأكمل الحالات، أنك تصلي إحدى عشرة ركعة.
لكن كان النبي يطيلها، فإذا كنت تريد تخفيفها، وتعوض عن ذلك بالإكثار من عدد الركعات، هذا أمر طيب، وأمر حسن، وينبغي للمسلم أن يجعل له نصيبًا من صلاة الليل، ومن قيام الليل، فإنها دأب الصالحين، وهي وقود للمسلم، الوقود الروحي، وهي من أسباب الثبات.
فإذا صلى الإنسان صلاة الليل، هذا من أسباب الثبات؛ لأنها تعطيه الوقود والزاد الروحي ليومه وليلته، وأيضًا هي تدل على الصدق والبعد عن النفاق؛ ولهذا يقال: ما قام الليل منافق، وأيضًا فيها تعرض لنفحات الرب ، فإن الله تعالى كما أخبر النبي : ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ وذلك كل ليلة [22].
وأيضًا في الليل ساعة إجابة، لا يوافقها مسلم يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه، وأقرب ما تكون هذه الساعة في الثلث الأخير من الليل.
فالمسلم إذا جعل من وقته، خاصة في الثلث الأخير من الليل نصيبًا من صلاة الليل، فإن في هذا أجورًا عظيمة، وثوابًا جزيلًا، وفيها تثبيت للمسلم، وفيها تعرض لنفحات الرب ، وربما تستجاب له دعوة واحدة، تكون سببًا لسعادته في الدنيا والآخرة.
أريد التنبيه إلى أن الأسبوع القادم سيكون في درس إن شاء الله، فوجود إجازة لا يمنع من استمرار الدرس؛ لأن هذا الدرس عن بعد، فمن لم يتيسر له المتابعة المباشرة، يمكن المتابعة عبر التسجيل، فالدرس مستمر إن شاء الله تعالى.
ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحاشية السفلية
^1 | رواه مسلم: 2694. |
---|---|
^2 | رواه مسلم: 2695. |
^3 | رواه مسلم: 725. |
^4 | رواه مسلم: 2696. |
^5 | رواه البيهقي في شعب الإيمان: 610. |
^6 | رواه أبو داود: 5074، وابن ماجه: 3871، وأحمد: 4785. |
^7 | رواه البخاري: 2966. |
^8 | رواه مسلم: 2697. |
^9 | رواه مسلم: 2698. |
^10 | رواه مسلم: 2699. |
^11 | رواه مسلم: 2700. |
^12, ^22 | سبق تخريجه. |
^13 | رواه مسلم: 482. |
^14 | رواه البخاري: 1145، ومسلم: 758. |
^15 | رواه البيهقي في شعب الإيمان: 567، وابن أبي شيبة في مصنفه: 29271. |
^16 | رواه مسلم: 948. |
^17 | رواه مسلم: 947. |
^18 | رواه البخاري: 783. |
^19 | رواه البخاري: 635، ومسلم: 603. |
^20 | رواه مسلم: 752. |
^21 | رواه البخاري: 990، ومسلم: 749. |