عناصر المادة
الإنسان -أيها الإخوة- مهما كان عليه من القوة في العبادة، لا يمكن أن يعبد الله كما يحب الله إلا عن طريق العلم، لكننا نحتاج في هذا الزمن إلى رفع مستوى الهمة، وأن يحرص طالب العلم على طلب العلم، وأن يخلص النية لله ولو لم يكن من الخير إلا أنه يتعرض لمغفرة الله: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم[1]
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
باب الإيمان بالقدر والإذعان له
حياكم الله تعالى في هذا الدرس التاسع والأربعين في شرح “صحيح مسلم”، وما زلنا في (كتاب: القدر)، في هذا اليوم الثلاثاء التاسع والعشرين من جمادى الآخرة، من عام ألف وأربعمائة وثلاثة وأربعين للهجرة.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا. ربنا آتنا من لدنك رحمة، وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.
كنا قد وصلنا إلى حديث أبي هريرة: المؤمن القوي[2]، باب الإيمان بالقدر والإذعان له:
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وابن نمير، قالا: حدثنا عبدالله بن إدريس، عن ربيعة بن عثمان، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان[3].
ما المراد بالقوة في الحديث؟
قوله: المؤمن القوي خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، ما المراد بالقوة في الحديث؟ هل المقصود بها القوة البدنية؟
الجواب: لا، ليس المقصود بها القوة البدنية، قد يكون مؤمنًا قويًّا، قوي البدن، لكنه فاجر ويبطش بالناس، فهل هو خير من المؤمن النحيل الضعيف؟
إذن، هذا ليس هو المعنى، وبعض الصحابة كان عندهم نحالة في أجسادهم، مثل أبي بكر الصديق، ومثل ابن مسعود، رضي الله عنهما.
فإذن، ليس المقصود بذلك قوة البدن وضعف البدن، وإنما المقصود كما قال النووي رحمه الله: المراد بالقوة هنا: عزيمة النفس، والقريحة في أمور الآخرة؛ أي: القوة في الإيمان وفي العلم وفي التقوى.
فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقدامًا على العدو في الجهاد، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى، واحتمال المشاق في ذات الله ، وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار، وسائر العبادات، وأنشط طلبًا لها، ومحافظة عليها، ونحو ذلك.
هذا هو المؤمن القوي؛ يعني قوي العزيمة، عنده عزيمة النفس، وعنده مبادرة للأعمال الصالحة، والعزيمة على الرشد، وكان النبي يدعو الله تعالى بها، بل إنه جاء في حديث شداد بن أوس : أن النبي قال: إذا كنز الناس الذهب والفضة، فاكنز هذه الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلبًا سليمًا، ولسانًا صادقًا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت العليم الحكيم[4].
هنا قال: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، كان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو بها، ويوصي بالدعاء بالعزيمة على الرشد.
فالعزيمة كلما قويت، كان هذا أحبَّ إلى الله ، وهذا معنى قوله: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف؛ يعني: المؤمن الأقوى عزيمة؛ لأن العزيمة إذا قويت، فإن صاحب هذه العزيمة القوية سيكون أكثر صلاة وصيامًا، وصدقة وبذلًا وإنفاقًا، ونشرًا للعلم، وعنده أعمال كثيرة يفيد بها نفسه ويفيد بها الناس.
تجد أحيانًا عندما يكون هناك وفاة لإنسان، يحضر الوفاة أناس إما في المقبرة، أو قبل الدفن، أو بعد الدفن، ويعظون الناس موعظة لا أبلغ ولا أحسن منها، ثم إذا رأيت إلى واقعهم وجدت أنهم يتخلفون عن الصلاة مع الجماعة في المسجد.
يا فلان، أنت أمس تعظنا، وتبين لنا قِصَر الدنيا، وأهمية الاستعداد للآخرة وللموت، وأن هذا هو مصيرنا جميعًا، طيب أنت الآن صلاة الفجر ما صليتها مع الجماعة في المسجد! لا تحافظ على الصلاة مع الجماعة في المسجد! فما هو السبب؟
هذا الرجل يعلم الخير، يعظ الناس، يذكرهم، يقول: هذا مصيرنا جميعًا، ينبغي أن نستعد، ينبغي أن نتزود بزاد التقوى، لكن عندما ننظر إلى واقعه نجد أن عنده ضعفًا والعزيمة عنده ضعيفة، ولو ارتفعت العزيمة عنده لكان حريصًا على الصلاة وعلى غيرها من الطاعات، فعزيمة النفس، العزيمة على الرشد، هذه من النعم التي ينعم الله تعالى بها على الإنسان، وكلما كان المسلم أقوى إيمانًا، كان أشد عزيمة.
ولهذا؛ فأشد البشر عزيمة على الرشد وعلى الطاعات، هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأشد الأنبياء عزيمة هم أولو العزم الخمسة: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد، عليهم الصلاة والسلام؛ لماذا سُمُّوا أولو العزم؟
لأنهم أشدُّ الناس عزيمة على الطاعات وعلى الرشد، فالعزيمة على الرشد نعمة عظيمة من الله على الإنسان، إذا ضعفت ضعف الإنسان معها، فهذا هو معنى قوله عليه الصلاة والسلام: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.
فالمؤمن قوي العزيمة، قوي القريحة في أمور الآخرة، الذي عنده مبادرة للطاعات ومسابقة للخيرات؛ خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن لكنه سلبي وعزيمته ضعيفة في الخير وعزيمته ضعيفة في الطاعات.
أبو بكر الصديق كان نحيل الجسم، لكنه كان عظيم العزيمة في الطاعات، وقد طرح النبي يومًا على أصحابه أربعة أسئلة، فحاز الصديق قصب السبق فيها، قال عليه الصلاة والسلام: مَن أصبح منكم اليوم صائمًا؟ يعني: صيام تطوع، قال أبو بكر: أنا يا رسول الله. قال: فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟ قال أبو بكر: أنا يا رسول الله. قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا يا رسول الله. قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟ قال أبو بكر: أنا يا رسول الله. فقال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده، ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة رواه مسلم[5].
فانظر إلى عزيمة أبي بكر الصديق ، في يوم واحد جمع هذه الأعمال التطوعية: صام صيام نافلة، أطعم مسكينًا، عاد مريضًا، تبع جنازة، كلها في يوم واحد، وربما يكون له أعمال صالحة أخرى أيضًا؛ ولهذا كان أفضل الصحابة رضي الله عنه وأرضاه. فهذا يدل على قوة العزيمة عند الصديق.
وكلما كان المؤمن أقوى إيمانًا كان أشد عزيمة، فبعض الناس يؤتى من جهة ضعف العزيمة على الطاعات وعلى الخير.
فالمؤمن القوي -يعني: قوي العزيمة على النفس، والقريحة في أمور الآخرة، قوي الإيمان والعلم والتقوى- خيرٌ وأحبُّ إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف.
قوله عليه الصلاة والسلام: وفي كلٍّ خير يعني: هذا من باب مراعاة حال المؤمن الضعيف، وأن الإيمان وصفُ شرفٍ بالنسبة له حتى وإن كان ضعيفًا، إلا أنه يبقى مؤمنًا ففيه خير؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: وفي كل خير.
وهذا من الأسلوب النبوي الذي فيه تلطف مع الآخرين، وهو أسلوبٌ راقٍ، عندما تريد المفاضلة بين اثنين تقول: هذا أفضل من هذا، وفي كل خير. فهذا -يعني- أكثر لطفًا وجبرًا لخاطر المفضل عليه.
احرص على ما ينفعك هنا وصية من النبي للمسلم بأن يحرص على ما ينفعه، وما الذي ينفع الإنسان؟ ينفع الإنسان ما قرَّبه إلى الله ، وينفع الإنسان ما كان فيه طاعة لله .
الاستعانة بالله تعالى
واستعن بالله؛ يعني: اطلب الاستعانة، اطلب العون من الله ، فإن الإنسان يبقى بشرًا ضعيفًا إن لم يُعِنه الله تعالى، فإنه لا يستطيع أن يأتي بالفعل من نفسه، حتى في أمور العبادة، إذا لم يعنك الله تعالى فإنك لا تستطيع أن تأتي بها.
ولهذا؛ أُمِر المسلم في كلِّ ركعةِ صلاةٍ يُصلِّيها -فريضةً كانت أو نافلة- أن يقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] أي: لا نستعين إلا بك، فالاستعانة بالله تعالى من الأمور العظيمة، الاستعانة بالله تعالى في أمور الدين والدنيا.
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: تأمَّلتُ أنفع الدعاء فوجدته سؤال العبد ربه أن يعينه على طاعته، وقد وصَّى النبي معاذًا، فقال: يا معاذ، والله إني لأحبك، لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك[6].
فهذا الدعاء من الأدعية العظيمة النافعة، ينبغي في كل صلاة تصليها -فريضة كانت أو نافلة- أن تدعو الله بهذا الدعاء قبيل السلام، تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
قال: ولا تعجز؛ فنهى النبيُّ الإنسانَ عن العجز؛ لأن العجز يُفوِّت على الإنسان منافع الدنيا والآخرة.
كان النبي يدعو الله ، ويقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، ومن العجز والكسل، ومن الجبن والبخل، ومن ضلع الدين، وقهر الرجال، وفي رواية: وغلبة الدين، وقهر الرجال [7].
فكان عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله تعالى من العجز. فالعجز يعني: التكاسل، يتكاسل الإنسان عن الطاعات، يتكاسل عن الخيرات.
وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل يعني: إذا أصاب الإنسانَ شيء، فلا يقول على وجه التحسر والندم: لو فعلت كذا، لكان كذا وكذا.
وهذا إذا قاله على سبيل التحسر، أما إذا لم يقله على سبيل التحسر، وإنما قاله على سبيل الاعتبار، فهذا لا بأس به، ومن ذلك قول النبي : لو استقبلتُ من أمري ما استدبرت لما سُقْت الهدي[8].
لكن، الذي يقوله على سبيل التحسر: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، هذا هو الذي ورد النهي عنه.
ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل يعني: هذا من الأدعية التي تقال بعد المصيبة، تقول: قدر الله وما شاء فعل؛ يعني: هذا من تقدير الله ، وهو سبحانه ما شاء فعل جل وعلا، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون.
فإنَّ لو تفتح عمل الشيطان يعني قول: لو أني فعلت كذا لكان كذا، هذه تفتح عمل الشيطان؛ لأن الإنسان يقولها على سبيل التحسر، وعلى سبيل الأسى، وعلى سبيل الأسف، وهذا ربما يجره إلى أمور أخرى، وربما أيضًا يجره للاعتراض على قضاء الله وقدره، وربما يجره إلى التسخط والتشكي وعدم الصبر، ونحو ذلك.
المشروع قوله عند المصيبة
ولهذا؛ فعلى المسلم التأدب بما يقول عند وقوع المصيبة، المشروع للمسلم إذا وقعت المصيبة أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، قدَّر الله وما شاء فعل، اللهم آجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها.
هذا هو المشروع: “إنا لله وإنا إليه راجعون”، كما قال الله تعالى: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:156-157].
ويقول أيضًا: “قدَّر الله وما شاء فعل”، كما قال عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل.
وأيضًا يُشرع أن يقول كما جاء في حديث أم سلمة رضي الله عنها: اللهم آجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها. تقول أم سلمة: إنها سمعت النبي يقول: من أصابته مصيبة، فقال: اللهم آجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها، إلا آجره الله في مصيبته، وأخلفه خيرًا منها. تقول: فلما مات أبو سلمة قلت: اللهم آجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها، وأنا أقول في نفسي: ومَن خيرٌ من أبي سلمة؟ يعني أبو سلمة كان هو زوجها، وكانت تحبه، وكان هو بالنسبة لها ملء السمع والبصر، فتقول: لما مات قلت: اللهم آجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها، ومَن خير من أبي سلمة؟ فأخلف الله تعالى عليها خيرًا من أبي سلمة، وهو رسول الله . فكانت إحدى أمهات المؤمنين[9].
إذن، المشروع عند المصيبة أن يقول المسلم: إنا لله وإنا إليه راجعون، قدَّر الله وما شاء فعل، اللهم آجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها.
من فوائد حديث المؤمن القوي خير وأحب إلى الله
- وجوب الإيمان بالقضاء والقدر، والإيمان بالقضاء والقدر هو أحد أركان الإيمان الستة: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.
- وأيضًا من الفوائد: فضل المؤمن القوي في إيمانه وعلمه وتقواه؛ وذلك لأنه ينفع نفسه، وينفع المؤمنين.
- وأيضًا من فوائد هذا الحديث: الحث على الاستعانة بالله تعالى في تحقيق ما يريده من أمور الدنيا والدين، وذم العجز والتواني والكسل.
- وأيضًا: إذا وقع أمر بعد أن يحرص على طلب ما ينفعه، وبعد أن يفعل الأسباب، فلا يقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن يقول: “قدر الله وما شاء فعل”، ويبتعد عن قول: “لو فعلت كذا لكان كذا” على سبيل التحسر والتسخط؛ لأن “لو” تفتح عمل الشيطان.
كتاب العلم
ننتقل بعد ذلك إلى (كتاب: العلم)، قال المصنف رحمه الله تعالى:
كتاب: العلم.
حدثنا عبدالله بن مسلمة بن قعنب، حدثنا يزيد بن إبراهيم التستري، عن عبدالله بن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: تلا رسول الله : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [آل عمران:7] قالت: قال رسول الله : إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله؛ فاحذروهم[10].
باب النهي عن اتباع متشابه القرآن
وقال:
باب: النهي عن اتباع متشابه القرآن، والتحذير من متبعيه، والنهي عن الاختلاف في القرآن.
تلا النبي هذه الآية، وهي في أول سورة آل عمران: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ يعني: القرآن مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7].
القرآن ينقسم إلى محكم ومتشابه:
المحكم معناه: ظاهر المعنى الذي لا يتطرق إليه إشكال ولا احتمال.
والمتشابه: الذي يشتبه حكمه على بعض العلماء وليس على جميعهم. التشابه يكون نسبيًّا، قد يكون متشابهًا على عالِم ولا يكون متشابهًا على عالم آخر، والتشابه الذي يكون في نصوص القرآن، ويكون في نصوص السنة.
فالقرآن منه آيات محكمات، ومنه آيات متشابهات، والحكمة من وجود هذه الآيات المتشابهات: الاختبار والامتحان؛ ولهذا قال سبحانه: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ [آل عمران:7] فلم ينجحوا في الاختبار، بل اتَّبعوا المتشابه فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7].
فبعض النصوص فيها متشابه، فتُرَد إلى النصوص المحكمة التي لا اشتباه فيها، وهذا في القرآن وفي السنة، ونوضح هذا بالأمثلة.
مثال المتشابه في القرآن
مثال المتشابه في القرآن: في سورة هود يقول الله عن أهل الجنة: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ [هود:108] فهذه الآية في ظاهرها: أن نعيم الجنة قد لا يكون نعيمًا مؤبدًا دائمًا؛ لأن الله قال: إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ، لكن هذا من المتشابه، فيُرد للنصوص المحكمة التي تدل على أن نعيم الجنة نعيم دائم غير منقطع؛ ولذلك ختم الله تعالى الآية بالإشارة لذلك، قال: عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ يعني: غير منقطع عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود:108].
إذن؛ يعني حتى رددنا المتشابه في وسط الآية إلى المحكم في آخرها، فالمتشابه هنا: إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ، لكن في آخر الآية: عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ، وفي معنى عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ نصوص كثيرة من القرآن والسنة محكمة واضحة لا اشتباه فيها، تدل على أن نعيم أهل الجنة مستمر دائم غير منقطع.
وعلى هذا فقوله: إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ لا يدل على أن نعيم الجنة أنه منقطع، وإنما كما قال ابن كثير وغيره: إن نعيم أهل الجنة ليس واجبًا على الله، وإنما هو تفضل من الله ، فهو بمشيئته جل وعلا، فله المنة على عباده، وعلى أهل الجنة، له المنة عليهم بهذا النعيم، فهو يرجع لمشيئته جل وعلا. فهذا مثال للمتشابه.
وأيضًا من أمثلة المتشابه: قول الله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا [النساء:93]، فأتت بعض الطوائف المنحرفة قالوا: مرتكب الكبيرة كافر مُخلد في النار؛ لأن الله قال عن قاتل النفس والمرتكب كبيرة: خَالِدًا فِيهَا. لكنا نرد هذا المتشابه للمحكم، النصوص المحكمة تدل على أن المؤمنين من هذه الأمة من أصحاب الكبائر: أنهم لا يخلدون في النار؛ فلا نأخذ هذا النص المتشابه، ونترك النصوص المحكمة.
ويعني نُجيب عن لفظ الخلود في الآية: بأن الخلود عند العرب على قسمين: خلود مؤبد، وخلود مؤقت، فيحمل الخلود في الآية على الخلود المؤقت، ومنه قولهم: فلان أخلد في المكان، إذا طال مكثه فيه.
مثال المتشابه من النصوص في السنة
حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر»[11].
ظاهر هذا الحديث أنه حصل جمع بدون سبب، لكن هذا من المتشابه، فنرده للنصوص المحكمة التي تدل على آكدية شرط الوقت، وأنه آكد شروط الصلاة، وأنه قد تسقط كثير من الشروط والأركان والواجبات مراعاة لهذا الشرط.
فنقول: إنه لا يجوز الجمع بين الصلاتين من غير عذر، وأما هذا الحديث فيجاب عنه بأجوبة:
بأنه كان هناك عذر خفي على ابن عباس رضي الله عنهما، أو أنه كان هناك مطر، أو أن الجمع كان صوريًّا؛ يعني وغاية ما في الأمر أن يقال: إن هذا من المتشابه، فيرد للنصوص المحكمة.
والحاصل: أن طريقة الراسخين في العلم رد المتشابه إلى المحكم.
فعلى هذا؛ ينبغي لك أخي المسلم إذا رأيت نصًّا فيه تشابه: أن ترده للمحكم، بعض الناس إذا رأى نصًّا فيه تشابه طار به وفرح به، وأصبح يثيره، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، وانظر كيف أن هذا النص يدل لكذا، ويدل لكذا.
كيف تأتي لنص متشابه محتمل المعاني، وتترك النصوص المحكمة الواضحة التي لا اشتباه فيها!
ولهذا؛ قال سبحانه بعدما ذكر المتشابه والمحكم: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ [آل عمران:7].
الذين في قلوبهم زيغ ومرض تجد أنهم يتبعون المتشابه، وهذا هو حال كثير من الفرق المنحرفة يتبع المتشابه من النصوص لتقرير معتقدها المنحرف: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا فيردون المتشابه إلى المحكم.
قالت: قال رسول الله : إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه: يعني تجد بعض الناس يحرص على تتبع المتشابه، يأتي بمتشابه من القرآن، ومتشابه من السنة، ويريد تقرير أحكام معينة، ومسائل معينة، فإذا رأيت عنده هذا النَّفَس، فاعلم أنه مِن الذين سمى الله تعالى في الآية بقوله: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ.
فهذا في قلبه زيغ وفي قلبه مرض، هذا الذي يتبع المتشابه من النصوص في قلبه زيغ وفي قلبه مرض. فهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمَّى الله يعني: في الآية في قوله: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ.
وقوله عليه الصلاة والسلام: فاحذروهم فيه أمرٌ من النبي عليه الصلاة والسلام بالحذر من الذين يثيرون المتشابه من النصوص، والحذر يقتضي عدم الاستماع لهم، وعدم الركون إليهم.
فإذا وجدت من يتتبع المتشابه ويثيره في الناس، فاحذره: لا تستمع له، ولا تنشر مقاطعه، وإذا رأيت أن المقطع انتشر رد عليه، فكن حذرًا.
بعض الناس ربما أنه يقع في الفخ، فيريد أن يستمع لهذا الذي يأتي بالمتشابه على سبيل الفضول، ثم بعد ذلك يؤثر فيه شيئًا فشيئًا إلى أن يتمكن منه؛ ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالحذر، قال: فاحذروهم.
والعجب أن بعض الناس إذا رأوا مقطعًا لشخص يثير المتشابه من النصوص، طاروا بهذا المقطع ونشروه، وكأنه أتى بشيء جديد لم يعرفه الناس من قبل. والذي ينبغي عدم نشر هذه المقاطع، وأن يُسأل عنها الراسخون في العلم، فإن الراسخين في العلم يجيبون عن هذه، هذا الذي يذكره هؤلاء الذين يثيرون هذه المسائل بإثارة المتشابه من النصوص.
الحكمة من وجود التشابه في بعض الآيات
الله كان يمكن أن يجعل القرآن كله آيات محكمات، لكن بحكمته البالغة جعل منه المتشابه والمحكم: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7]، لماذا جعل الله تعالى في القرآن آيات متشابهات؟ لماذا لم يكن القرآن كله آيات محكمات؟
الجواب: اختبار وامتحان للعباد، حتى يتبين الصادق من غير الصادق، وحتى يظهر الذي في قلبه زيغ ومرض؛ لأن الذي في قلبه زيغ ومرض سيتتبع المتشابه: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ [آل عمران:7]. فهذا من حكمة الله ، وإلا فالله تعالى قادر على أن يجعل القرآن كله آيات محكمات ليس فيه آيات متشابهات.
وهكذا يقال أيضًا بالنسبة لنصوص السنة.
وهذه قاعدة عظيمة مفيدة للمسلم: إذا اشتبه عليك نص أو نصوص، فردها إلى النصوص المحكمة، فإنك إذا فعلت ذلك تكون على طريقة الراسخين في العلم، الذين يردون المتشابه إلى المحكم.
أي نص متشابه يُثار عليك، قلنا: ردوا هذا إلى النصوص المحكمة، النصوص المحكمة تدل لكذا وكذا وكذا. هذه طريقة الراسخين في العلم، الذين أثنى الله عليهم.
فإن أتى مبطل وقال: مرتكب الكبيرة مخلد في النار، والدليل قول الله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا، والقتل من الكبائر، والله تعالى يقول: خَالِدًا فِيهَا، وقال عن آكل الربا: وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275]. فهذا إذن أتى بنص بنصوصِ متشابِه.
فالجواب: أن ما ذكرتَه من هذه النصوص، هذا من المتشابه، فنرده للنصوص المحكمة التي تدل على أن مرتكبي الكبيرة ممن مات على التوحيد أنهم لا يخلدون في النار، وأنهم وإن دخلوا النار، إلا أن مصيرهم ومآلهم إلى الجنة برحمة أرحم الراحمين.
هذا جواب مجمل تستطيع أن تجيب به عن كل شبهة تثار عليك، جواب عظيم مجمل تستطيع أن تجيب به عن أي شبهة تطرح عليك في الدين، أن تقول: هذا الذي ذكرته من هذه النصوص، هذا من قبيل المتشابه، فنرده للنصوص المحكمة التي تدل على كذا وكذا وكذا.
وإن أردت أن تجيب جوابًا مفصلًا، يمكن أن تجيب عنه؛ فمثلًا في المثال السابق تقول: إن المقصود بالخلود هنا: طول المُكْث، وليس المقصود به الخلود المؤبد، وأن الخلود عند العرب قسمان: خلود مؤبد، وخلود مؤقت؛ يعني طول المكث، جمعًا بين النصوص. فهذا جواب خاص.
فاستطعنا أن نجيب عن هذه الشبهة التي طُرحت بجوابين: جواب مجمل عام يصلح أن يكون جوابًا عن أي شبهة تطرح، بأن تقول: هذا من المتشابه، ويرد إلى النصوص المحكمة التي تدل على أن مرتكب الكبيرة لا يخلد في النار. ثم تأتي بجواب مفصل عن هذه الشبهة.
ثم ساق المصنف حديث:
عبدالله بن عمرو، قال: هجَّرت إلى رسول الله يومًا.
يعني: بكرت، هجرت معناها: بكرت.
فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية، فخرج علينا رسول الله يُعرف في وجهه الغضب، فقال: إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب[12].
ثم ساق المصنف حديث:
عن جُنْدُب بن عبدالله البَجَلي، قال: قال رسول الله : اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فيه فقوموا[13].
ثم ساقه بلفظ:
اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا[14].
ثم ساق حديث:
أبي عمران، قال: قال لنا جندب ونحن غلمان بالكوفة، قال رسول الله : اقرؤوا القرآن بمثل حديثهما[15].
التحذير من الاختلاف في القرآن الكريم
قوله عليه الصلاة والسلام: إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب، المراد بهلاك من قبلنا: هلاكهم في الدين، بكفرهم وابتداعهم، فحذر رسول الله من مثل فعلهم.
والمقصود بالاختلاف هنا: ما لا يجوز الاختلاف فيه، كاختلاف في نفس القرآن، ونحو ذلك، فهذا الاختلاف نهى عنه النبي .
والقرآن أول ما نزل نزل على سبعة أحرف، على لهجات العرب، ثم حصل الاختلاف لما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية في قراءة القرآن بهذه الأحرف السبعة وقَتْل كثير من القراء؛ فاجتمع الصحابة ، ورأوا أن يجمعوا الناس على حرف واحد، وهو حرف قريش، والذي كانت عليه عَرْضة المصحف الأخيرة، فإن النبي كان يعرض المصحف على جبريل في كل عام مرة في رمضان، إلا في العام الذي توفي فيه عرض عليه المصحف مرتين[16].
فجمع عثمان المصاحف كلها من جميع أقطار الدنيا، وحرق جميع المصاحف، إلا ما كان على حرف قريش، حتى يزول هذا الاختلاف، وكان هذا من توفيق الله للصحابة، وفي عهد أيضًا الخلفاء الراشدين، كان هذا الاجتهاد اجتهادًا عظيمًا، وفَّق الله تعالى له صحابة نبيه .
وبعد ذلك انتهى الاختلاف في قراءة القرآن؛ لأن الناس كلهم اجتمعوا على قراءة القرآن بهذا الحرف حرف قريش فقط، فكان هذا من توفيق الله .
نزول القرآن على سبعة أحرف كان من باب التيسير على الناس؛ لأن العرب كانت تختلف في لغتها، وكانت أشهر قبائل العرب على هذه الأحرف السبعة، فكان نزول القرآن على سبعة أحرف من باب التيسير. لكن، لما كثر الناس وكثر الخلاف، رأى الصحابة أن يجمعوا الأمة على حرف واحد.
وأما القراءات السبع، فليس معناها الحروف السبعة، وإنما هذه قراءات سبع في حرف قريش، في حرف واحد.
إذن، هذا كان الاختلاف، يكون أحيانًا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام؛ ولذلك فالنبي عليه الصلاة والسلام غضب لما اختلف القارئان، وقال: إذا اختلفتم فقوموا، ثم بعد ذلك بعدما جمع الصحابةُ الناسَ على مصحف عثمان، زال هذا الاختلاف.
وفي هذا الحديث من الفوائد: أنه عند حصول الاختلاف المذموم، فينبغي عدم الاستمرار في المجلس، وأن يقوم الناس ويتفرقوا منه؛ لأن الاستمرار في هذا المجلس سيقود إلى أمور لا تحمد عقباها.
إذا حصل اختلاف شديد وتحوَّل إلى جدل، أو في أمور غير مناسبة، فينبغي أن يَنْفضَّ المجلس وألا يستمر ذلك المجلس؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: فإذا اختلفتم فيه، فقوموا.
التحذير من الفجور في الخصومة
ننتقل بعد ذلك إلى حديث:
عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله : إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم[17].
قوله: إن أبغض الرجال المقصود: الرجال والنساء، ولكن لما كان البيان في حق المرأة أضعف، خص ذلك بالرجال، كما قال الله تعالى: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18]. فالمرأة أضعف في تبيين كلامها وحجتها من الرجل، وإلا فهذا يشمل الرجل والمرأة، فهو على سبيل التغليب.
إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم: الألد هي معناه: شديد الخصومة، مأخوذ من لَدِيدَيِ الوادي، وهما: جانباه؛ لأنه كلما احتج عليه بحجة أخذ في جانب آخر. فالمقصود إذن بالألد يعني: شديد الخصومة.
الخَصِم؛ يعني: الحاذق في الخصومة، والمقصود: الخصومة بالباطل في رفع حق، أو في إثبات باطل. فشديد الخصومة، الحاذق بها في الباطل، هذا أبغض الناس إلى الله ، فالإنسان الجدلي شديد الخصومة، عنده قوة حجة في الباطل، وعنده خبرة واحتراف في قلب الحقائق، وفي خداع المستمعين، هذا أبغض الناس إلى الله .
وهذا مع الأسف نجده واقعًا، فتجد بعض الناس عنده مهارة فائقة، واحترافية عالية في قلب الحقائق، وفي التزييف على الناس، وتضليلهم وخداعهم، وأيضًا عندما يخاصم أحدًا يفجر في الخصومة، فيكون شديدًا في خصومته. فهذا أبغض الناس إلى الله .
وقد ذكر النبي أن من صفات المنافقين: إذا خاصم فَجَر[18]، بعض الناس إذا خاصم يفجر، يكذب ويفتري ويقذف ويسخر، وما مِن خُلق سيئ إلا يقترفه.
هذا من خصال المنافقين، هذا يسمى الفجور في الخصومة، والمؤمن حتى وإن خاصم لا يفجر في الخصومة، يخاف الله ، لكن المنافق يفجر في خصومته.
ويقال في الحكمة: إذا أردت أن تعرف معدن إنسان فلا تنظر لحاله معك وقت الموافقة والائتلاف، ولكن انظر إلى حاله معك وقت الاختلاف معه.
يظهر لك معدنه عندما تختلف معه، فإذا كان عندما تختلف معه يبقى لديه الاحترام، ويبقى لديه الصدق، ويبقى لديه الإنصاف. فهذا معدنه أصيل، ومعدنه طيب.
أما إذا كان: إذا اختلفت معه فَجَر في الخصومة وأتى بأمور سيئة: من قذف، وكذب، وسباب، وشتم، وسخرية، وافتراء، فهذا دليل على خبث معدنه، وأيضًا على تشبُّهه بالمنافقين، فإن من أوصاف المنافقين: الفجور في الخصومة: إذا خاصم فجر.
لكن، من كان عنده قوة حجة وبلاغة، وسخَّرها في المدافعة عن الحق وأهله، كان هذا محمودًا، فإن بعض الناس يعطيه الله بلاغة وقوة حجة، ويستخدمها في الدفاع عن الحق وأهله. فهذا محمود، وإنما المذموم في الحديث من يستخدم ذلك في إحقاق باطل أو في إبطال حق.
التحذير من التشبه باليهود والنصارى
ننتقل بعد ذلك إلى حديث:
أبي سعيد قال: قال رسول الله : لتتبعن سنن الذين من قبلكم، شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟[19].
قال: لتتبعن سنن من كان قبلكم: “سنن” بفتح السين والنون؛ أي: طريق مَن كان قبلكم؛ وذلك بتقليدهم والتشبُّه بهم.
شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع: هذا يعني إشارة إلى شدة الموافقة والتقليد والتشبه.
حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه: هذا من باب التمثيل بشدة الموافقة لهم في المعاصي والمخالفات.
قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟: يعني: فمَن الناسُ غيرهم؟ يعني: هؤلاء هم الناس اليهود والنصارى والمسلمون، أما بقية الناس فتبع لهم، قال: فمن؟.
يقول النووي رحمه الله في “شرحه على صحيح مسلم” معلقًا على هذا الحديث، قال: وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله ، فقد وقع ما أخبر به .
يعني: مِن اتباع سنن اليهود والنصارى، إذا كان النووي في القرن السابع يقول ذلك، فكيف بزماننا؟! هو من باب أولى.
والتشبه المذموم: هو التشبه الذي فيه موافقة لهم في المعاصي والمخالفات، وأما التشبه بهم في أمر ليس فيه مخالفة ولا معصية لله ، وليس هذا خاصًّا؛ يعني: شعارًا خاصًّا بهم، فلا بأس به.
كالتشبه بهم مثلًا في جلب الصناعات المفيدة للبلدان، وفي الأخذ بما فيه منفعة وفائدة للناس، ونحو ذلك، هذا لا بأس به، وما زال المسلمون يستفيدون من غيرهم من المجتمعات في أمور الصناعة والزراعة والتجارة وغيرها.
والتشبه المذموم: الذي قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام: مَن تشبه بقوم فهو منهم[20]؛ المراد بذلك: التشبهُ فيما هو مِن خصائصهم، أما ما كان شائعًا بين المسلمين والكفار، فلا يدخل هذا في التشبه المذموم.
التحذير من التنطع في الدين
ننتقل بعد ذلك إلى حديث:
عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله : هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون قالها ثلاثًا[21].
والمراد بالمتنطعين: المتعمقون الغالون، المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم. فالغلو نوع من التنطع، وكذلك التعمق المبالغ فيه، هذا نوع من التنطع.
نذكر مثالًا للتنطع، مثلًا: رجل عنده سخانة في دورة المياه، وفي الجو البارد يقوم ويتوضأ بالماء البارد، يقول: حتى يكون فيه مشقة، وأصبر على المشقة، وأنال بذلك الأجر على المشقة بالوضوء بالماء البارد.
فنقول: هذا من التنطع؛ لأن الله تعالى أنعم عليك بالماء الدافئ، والجوُّ باردٌ، فلماذا تعدل عنه وتتوضأ بالماء البارد، والماء الدافئ موجود؟!
فهذا من التنطع، والله تعالى غني عن تعذيب هذا لنفسه، ما الفائدة أنك تتوضأ بالماء الباردِ والماءُ الدافئ موجود؟!
فهذا نوع من التنطع، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: هلك المتنطعون؛ لأن هذا المتنطع الآن الذي يشدد على نفسه لن يقف عند هذا، سيستمر إلى أن يهلك.
فعلى المسلم أن يسلك سبيل السنة والاعتدال، وأن يبتعد عن الغلو والتشدد والتنطع، فإن الغلو والتشدد والتنطع هو سبيل الهالكين: هلك المتنطعون.
طيب، ثم انتقل المؤلف بعد ذلك للحديث عن أشراط الساعة، نرجئ الكلام عنها إن شاء الله للدرس القادم.
ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأسئلة
نجيب الآن عما تيسر من الأسئلة:
السؤال: حكم مَن فاتته الصلاة لثمانية أيام في غيبوبة، هل يعيد الصلاة؟
الجواب: لا يعيد الصلاة، المغمى عليه مدة تزيد على ثلاثة أيام لا يجب عليه قضاء الصلاة، فتسقط عنه الصلاة في هذه الحال.
وهذه المسألة هي محل خلاف بين أهل العلم، والراجح هو أن المدة إذا كانت يسيرة في حدود ثلاثة أيام فأقل، فإن المغمى عليه إذا أفاق يقضي تلك الصلوات، أما إذا كانت المدة طويلة أكثر من ثلاثة أيام، فلا يجب عليه قضاء تلك الصلوات.
السؤال: هل الحب والبغض في الله يعد من أصول الإيمان؟
الجواب: الحب والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان، كما ورد ذلك عن النبي ، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ [الممتحنة:1]، ثم قال سبحانه: وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ [الممتحنة:1].
فعلى المسلم أن يكون حبه لله، وبغضه لله ، يحب في الله، ويبغض في الله، يحب من أطاع الله تعالى واتقاه، ويبغض من عصى الله تعالى. هذا هو الولاء والبراء.
ولهذا؛ قال سبحانه: لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:28].
فيعني الأمر شديد؛ فعلى المسلم أن يكون ولاؤه لربه ؛ يحب من أطاع الله، ويبغض من عصى الله .
السؤال: أوصني بثلاثة أعمال يسيرةٍ أَجْرُها عظيم، ألزمها في يومي كله؟
الجواب: أولًا: أوصيك بالمحافظة على الفرائض، احرص على المحافظة على الفرائض، على صلاة الفريضة، وعلى أن تؤدي زكاة الفريضة، وأن تحرص على صيام رمضان، وأن تحج حج الفريضة، وأن تأتي بالواجبات.
ثانيًا: بعد الإتيان بالفرائض والواجبات الشرعية تستكثر من النوافل، فإن كثرة النوافل فيها فوائد عظيمة:
أولًا: الفائدة الأولى: أنها من أسباب نيل محبة الله ، كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه[22].
ثانيًا: النوافل فيها جبر للنقص والخلل الذي يكون في الفريضة، فإنك لا تضمن أنك أتيت بالفريضة كاملة كما أمر الله .
ننصحك بالمحافظة على قيام الليل؛ لأن قيام الليل يُعطيك زادًا روحيًّا يكفيك ليوم وليلة، إذا قمت هذه الليلة يعطيك هذا الزاد زادًا روحيًّا لأربع وعشرين ساعة بإذن الله ؛ لأن قيام الليل من أسباب الثبات، ما قام الليل منافق، كما قال أهل العلم، قيام الليل دليل على الصدق مع الله ، وقيام الليل فيه التعرض لنفحات الله سبحانه، فإن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: هل مِن داعٍ فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟[23]
ثانيًا: أوصيك بأن تخصص ما لا يقل عن جزء من القرآن، تقرؤه كل يوم؛ لأن الارتباط بكتاب الله من أسباب الثبات، بل من أسباب زيادة الإيمان، كما قال سبحانه: وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال:2].
الأمر الثالث: أنك تخصص وقتًا للذكر، مثلًا: للتسبيح، والتحميد، والتهليل، أو التكبير، والاستغفار، والصلاة على النبي .
فأوصيك بهذه، أنت طلبت الوصية بثلاثة أعمال يسيرة تعملها كل يوم، أقول:
بعد المحافظة على الفرائض، تقوم بما تيسر من الليل قبيل الفجر، بما يسر الله تعالى في الثلث الأخير من الليل.
ثانيًا: تحرص على أن تقرأ كل يوم شيئًا من القرآن، يعني لا يقل عن جزء.
ثالثًا: أن تخصص وقتًا للذكر، كما كان أُبي يفعل[24].
السؤال: ما حكم التأخر عن صلاة الفجر، ولا يصليها إلا بعد طلوع الشمس؟
الجواب: من يفعل ذلك فهو على خطر عظيم؛ لأن مَن أخر الصلاة عن وقتها من غير عذر، فإنه قد وقع في كبيرة، وعند أهل العلم: أن تأخير الصلاة عن وقتها من غير عذر معدود من الكبائر، والله تعالى يقول: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5]؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي يؤخرونها عن وقتها.
فالله تعالى وصفهم بالمصلين، هم يصلون، لكنهم عن صلاتهم ساهون؛ يعني: يؤخرونها عن وقتها.
على أن بعض أهل العلم قال: إذا أُخرت الصلاة عن وقتها لا تُقبل منه. وإن كان أكثر أهل العلم على أنها تُقبل منه مع الإثم.
فالذي يؤخر الصلاة عن وقتها، ولا يصلي صلاة الفجر إلا بعد طلوع الشمس، قد أخطأ بهذا خطأ كبيرًا، وارتكب كبيرة من الكبائر؛ فعليه أن يتوب إلى الله ، وأن يحرص على أن يؤدي صلاة الفجر كما أمره ربه، إن كان رجلًا فمع الجماعة في المسجد، وإن كانت امرأة فتصلي صلاة الفجر في وقتها قبل طلوع الشمس.
والتخلف عن صلاة الفجر جعله النبي من شعار المنافقين: أثقل الصلوات على المنافقين: صلاة العشاء، وصلاة الفجر[25]، ومَن كان في قلبه محبة للصلاة وحب لله ورسوله، فسيحافظ على صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد، كما قال الله تعالى: وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45].
السؤال: من نسي أن يقرأ التشهد الأول أو الأخير، أو نسي ركعة أو سجدة بسبب سرحانه وهو يصلي خلف الإمام، هل يسجد سجود السهو؟
الجواب: إذا كان نسي واجبًا من واجبات الصلاة وليس ركنًا، فيتابع الإمام وليس عليه شيء، والإمام يتحمل عنه هذا الواجب، كما لو نسي أن يقرأ التشهد الأول، أو نسي مثلًا التسبيح في الركوع أو في السجود، فنقول: صلاتك صحيحة، وليس عليك سجود سهو، والإمام يتحمل عنك هذا الواجب.
أما إذا نسي المأموم ركنًا من أركان الصلاة، فإن هذه الركعة تبطل، وإذا سلم الإمام قام وقضى هذه الركعة، كما لو نسي التشهد الأخير، أثناء سرحانه نسي أن يقرأ التشهد الأخير، ثم تفاجأ بأن الإمام سلم، فعلى هذا قد يكون قد ترك ركنًا: فإذا كان الذي تركه هو التشهد الأخير يأتي به، ثم يسلم ويسجد للسهو، أما لو ترك ركنًا في ركعة سابقة، فتلك الركعة تبطل، وإذا سلم الإمام يقوم ويقضيها.
السؤال: ما حكم تعجيل الزكاة بدون سبب؟
الجواب: لا بأس بذلك، النبي تعجل زكاة عمه العباس[26]، فلا بأس بتعجيل الزكاة.
ومثلًا: إذا كانت زكاتك تحل في آخر الشهر الهجري، مثلًا إذا كانت زكاتك تحل في آخر العام الهجري، يعني في شهر ذي الحجة، فأردت أن تخرج زكاة مالك في رمضان معجلة؛ فلا بأس. فتعجيل الزكاة لا بأس به.
السؤال: هل يشترط لجواز المسح على الخفين أن ينوي المسح عليهما؟
الجواب: لا يُشترط ذلك، إذا لبس الخفين أو الجوربين على طهارة، جاز له المسح عليهما ولو لم ينو المسح.
وطرح مثل هذه الأسئلة قد يسبب الوسواس؛ مَن كان مِن عادته أنه يمسح على الجوربين بمجرد اللبس على طهارة، هو قد نوى ذلك، فالنية تتبع العلم. فطرح مثل هذه الأسئلة قد يسبب وسواسًا.
السؤال: ما أفضل شيء يفعله الأحياء للأموات؟
الجواب: أفضل شيء يفعله الأحياء للأموات هو ما ورد في قول النبي : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له[27].
هذه الأمور الثلاثة هي التي تنفع الأموات:
– الصدقة الجارية: يعني الوقف، الوقف هو أفضل ما تُبذل فيه الأموال، بدليل أن عمر لما أصاب أَنْفَسَ مالٍ في حياته، فاستشار النبي ، فأشار عليه النبي بالوقف[28].
قال أهل العلم: لو كان هناك شيء أفضل من الوقف، لأشار به النبي على عمر؛ لأن المستشار مؤتمن.
– الأمر الثاني: أو علم ينتفع به؛ يعني المقصود: العلم الشرعي الذي ينتفع به، فهذا ينفع الإنسان بعد مماته، سواء كان ذلك بتأليف كتب، أو بنشرها، أو بطباعتها، أو بتهيئة طلاب وتلاميذ ينشرون هذا العلم، أو بأية وسيلة من وسائل نشر العلم، ما دام أن هذا العلم ينتفع به، فيجري ثوابه للميت بعد مماته.
– الأمر الثالث: أو ولد صالح يدعو له، دعاء الولد الصالح ينفع الميت.
وكذلك أيضًا -يعني- غير ما ذُكر في هذا الحديث ما يُهدَى للأموات من الثواب، يصل الثواب لهم، فلو أن الولد مثلًا اعتمر عن أبيه وصل ثواب العمرة لأبيه، أو اعتمر عن أمه وصل ثواب العمرة لأمه بعد مماتهما. وهكذا بالنسبة للحج، وهكذا بالنسبة للصدقة، كل هذا يصل ثوابه للميت.
السؤال: هل يشرع عند سماع سجدة التلاوة من الجوال أو المذياع السجود؟
الجواب: لا يشرع سجود التلاوة في هذه الحال؛ لأن سجود التلاوة إنما يشرع للقارئ للقرآن عندما يمر بآية سجدة، أو للمستمع، أو للقارئ، وليس مجرد السامع، للمستمع، للقارئ، لكن لا بد أن يكون هذا القارئ يقرأ مباشرة.
أما إذا كان عن طريق المسجل، فهذه حكاية صوت، فلا يشرع سجود التلاوة عند القراءة في المسجل، قد يكون القارئ ميتًا أصلًا، فهي حكاية صوت.
وكذلك أيضًا إذا كان في المذياع، فإن الذي في المذياع لن يقرأ على الهواء مباشرة، فعندما يمر بسجود التلاوة لا يشرع للمستمع سجود التلاوة عنده، لكن لو كان قريبًا منك: إنسان يقرأ القرآن ومر بآية سجدة، وأنت تستمع له، فإذا سجد هو فإنك تسجد، فالسجود للمستمع دون السامع.
السؤال: الدعاء للميت: اللهم اجعل مثواه الجنة، لا يجوز باعتبار أن المثوى قاع جهنم، هل هذا صحيح؟
الجواب: هذا غير صحيح، فلم يثبت أن المثوى هو قاع جهنم، وإنما “مثواه الجنة” يعني: مصيره الجنة، اجعل مصيره الجنة، فلا بأس بأن تقول: اجعل مثواه الجنة، اجعل مصيره الجنة، اللهم أدخله الجنة، كل هذه عبارات متقاربة.
ونسأل الله للجميع الفقه في الدين، والعلم النافع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحاشية السفلية
^1 | رواه مسلم: 2689. |
---|---|
^2, ^3 | رواه مسلم: 2664. |
^4 | رواه أحمد: 17114. |
^5 | رواه مسلم: 1028. |
^6 | رواه أحمد: 22119. |
^7 | رواه البخاري: 2893. |
^8 | رواه البخاري: 1785، ومسلم: 1216. |
^9 | رواه مسلم: 918. |
^10 | رواه مسلم: 2665. |
^11 | رواه مسلم: 705. |
^12 | رواه مسلم: 2666. |
^13, ^14, ^15 | رواه مسلم: 2667. |
^16 | رواه البخاري: 4998، ومسلم: 2450. |
^17 | رواه مسلم: 2668. |
^18 | رواه البخاري: 34، ومسلم: 58. |
^19 | رواه مسلم: 2669. |
^20 | رواه أحمد: 5114. |
^21 | رواه مسلم: 2670. |
^22 | رواه البخاري: 6502. |
^23 | رواه البخاري: 1145، ومسلم: 758. |
^24 | رواه الترمذي: 2625. |
^25 | رواه البخاري: 657، ومسلم: 651. |
^26 | رواه الترمذي: 679. |
^27 | رواه أحمد: 8844. |
^28 | رواه البخاري: 2737، ومسلم: 1632. |